قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف15

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف15

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف15

نظرات ثاقبة تطوفها كالسهام المصوبة تجاه هدف بالتحديدٍ، حساسية الموقف تضع حوله ألف قيد وعائق كيف سيجذبها من بين يد أبيه، هل سيقدر غيرته المفرطة عليها، هل سيقدر كونه يغير عليها من نسمة الهواء التي تتنفسها، من المؤكد بأنه سيحزن وسيظن بأن العوائق والفوارق مازال يضعها بينهما، كان على الجوكر التصرف بحيطةٍ وحذر، وشخصه المهيب يمكنه من ذلك، مسح بعينيه المكان الى أن تطلع لشقيقته، فأشار لها بعينيه، دنت منه نغم لتعلم ماذا هناك، فرفع يديه لها، قائلاً بابتسامته الساحرة:.

تحبي ترقصي..
لم تتردد نغم برفض الرقص مع اخيها، فتمسكت بيديه لتنضم للمنصة التي تحيطها الكرات الملونة باضاءة متعددة الألوان، تمايلت معه بفرحةٍ جعلته لا يرى أحداً سوى سعادة شقيقته، نعم كان يود الانتقام من حنين حينما تراه فضل الرقص مع شقيقته عنها، ولكنه لم ينكر بأنه سعد لفرحتها...

اشتعلت نظرات حنين بغضبٍ، ليس لكونه يرقص مع شقيقته ولكن لانه رفض أن يشاركها هي، غلت الدماء بعروقها فكادت بأن تلتهمه بعينيها، انتهت النغمة الهادئة للرقص الثنائيات ثم علت الموسيقى الصاخبة، فكانت نغمة معهودة بتبادل الثنائي بالرقص الجماعي وعلى الرغم من أن زبائن المطعم تبادلوا الرقص بالزوجات الا أن شباب عائلة زيدان كان ينبض بداخلهم عرق الرجولي الشرقي، رفض كلاً منهم ترك زوجته حتى وان كانت ستحظو بأخيها او بابن عمها..

عاد طلعت للطاولة بعدما أخبرها بانه لن يقدر على استكمال تلك العروض التي تتطلب حركة مبالغ بها، وقفت حنين جانباً تطالعه بنظراتٍ غاضبة، ابتسم مراد بانتصارٍ وهو يتأمل حالتها، فرفع يديه يشير ليوسف الذي انتبه اليه فاقترب منه، سلمه مراد يدها غامزاً بخفة:
سهرة سعيدة..
غمز يوسف بنفس طريقته وهو يضيف بمكرٍ:
ليا وليك يا عمهم..

أغلق مراد زر جاكيته الرمادي، فأتجه بخطواته السريعة تجاهها، وقبل أن تنطق بحرفٍ واحد كان يجذبها بقوةٍ من خلفه، صعد الدرج الجانبي للمطعم المودي للجناح العلوي، كادت بأن تتعثر أكثر من مرة وهي تحاول تفادي طرف فستانها الطويل، دفعها بعصبيةٍ كادت بأن تسقطها أرضاً لولا المقعد من خلفها، حدجته بنظرة قاتمة وهو تصيح بانفعالٍ:
ما انت بترقص وحلو أهو أمال طنشتني ليه؟.

رفع قدميه على المقعد المجاور لها، ثم انحنى بجسده ليكون مقابلها بالتحديدٍ، عينيه القاتمة جعلتها تشعر بالخوفٍ رغماً عنها، تحرر صوته أخيراً فقال:
انا أعمل اللي أنا حابه، بس ده ميدكيش الحق أنك تتخطي حدودك بدافع التحدي والعند..
ازدردت ريقها الجاف وهي تجاهد بتحرر صوتها المكبوت:
أنا كنت عايزاك ترقص معايا مش أكتر، اردف بعصبيةٍ بالغة جعلت جسدها يرتد بخوفٍ:
وقولتلك لأ، يبقى ده معناها انك ترقصي مع أي حد!.

كادت بتبرير موقفها، فأوقفها اشارة يديه وهو يسترسل حديثه الثائر:
رحيم أحرجك بذوق وأنتِ برضه مصممة أنك تعانديني، بتعانديني في شيء خارج قاموس الرجولة، جوزك موجود وريحة بكل بجاحة تطلبي من أخوه يرقص معاكِ أنتِ لا دينك بيسمحلك بكده ولا أي رابط؟!.
انسدل الدمع من عينيها، فقالت بصوتٍ متقطع ويدها تفرك بفستانها بارتباكٍ:
كنت متأكدة انك مش هتسمحلي أرقص معاه حتى لو وافق، أنا عملت كده علشان عايزاك ترقص معايا...

صاح بحدةٍ:
رقص ايه اللي يخليكي تنزلي من نفسك ومني!، وبرغم ان رحيم رفض روحتي ورقصتي مع أبويا اللي مش قادر يتحرك من التعب، أنا مش عارف اخرة عندك وشغل العيال بتاعك ده أيه!.
تراجعت للخلف بخوفٍ حينما احتدت لهجتهه، فرددت بتوترٍ:
أنت اللي بتعمل كل ده!.
كور يديه أمام وجهها وهو يهتف بغضبٍ:.

متعصبنيش أكتر، من كده، تصرفاتك الغبية دي متلقش بواحدة متجوزة وأم، غيري من نفسك يا حنين لاني مش هسمحلك تنزلي مني قدام اي حد تاني فاهمه؟.
بكت بصمتٍ فانتباه صراع عاصف من العصبيةٍ طرده بصوته الجمهوري:
فاهمة؟.
ردت بخوف مصاحب لشهقاتٍ من البكاء:
فهمت..

تركها وانتصب في وقفته، فاستدار ليوليها ظهره بجفاءٍ، احتضنت وجهها وهي تبكي بتأثرٍ لفهمه الموقف خطأ برمته، استغلت كونه لا يتطلع اليها فجذبت الحقيبة وكادت بالمغادرةٍ، التفت الحوائط من حولها بصورةٍ مهزوزة، فرفعت يدها تضغط على جبهتها عل الامور تتوازن من أمامها، سقطت حقيبتها ببدء الأمر ومن ثم لحقت بها لتصطدم بالأرضٍ بصوتٍ كان مسموع لمن يقف بالاتجاه المعاكس لها، رددت بشحوبٍ قبل أن تغلق عينيها:
مراد!.

استمع لصوت اصطدام قوي فاستدار تجاه مقعدها، فوجده فارغ، اسرع مراد للاتجاه المعاكس للدرج فسقط قلبه بقدميه حينما وجد حقيبتها أرضاً ومن ثم وجدها هي من جوارها فاقدة الوعي!.

بالأسفل..
أستغل يدها الممدودة على كوب مشروب البرتقال الطازج، أمسك بها بين يديه الخشنة وعينيه تتطلع لعينيها بنظراتٍ تتراقص مع نغمات الموسيقى الرومانسية، تخلت شجن عن صمتها وهي تخبره بابتسامةٍ رقيقة:
رحيم، عايزة أطلب منك طلب..
أتاها رده بعدما استند على الطاولة ليبدو أكثر قرباً منها، فهمس بصوته الرجولي العذب:
قولتلك الف مرة انا عايش علشان أحققلك كل طلباتك..

غام الحب بعينيها، فرمشت عدة مرات وهي تحاول التماسك، تنحنحت وهي تخبره قائلة:
نقضي الليلة في بيتنا القديم..
ابتسم بتوقٍ لذكريات الماضي، ففتح لائحة يديه أمامها، ضيقت حاجبها باستغرابٍ، فقال:
مستنية أيه، يالا!.
اتسعت بسمتها وهي تقدم يدها اليه، نهض عن المقعد ليضع هاتفه بجيب جاكيته ثم غادر معها للخارج، دث المفتاح بفتحة باب السيارة وكاد بالصعود، أغلقت شجن الباب قبل أن يصعد بها وهي تردد بابتسامةٍ تسلية:.

هنمشي على رجلينا في الهوا الجميل ده يا رحيم باشا..
ابتسم رحيم فقال ويديه مربعة أمام صدره العريض:
حاسس انك أخدتي عليا أوي!.
وضعت يدها بيديه وهي تدفعه ليمضي قدماً جوارها، فحركت كتفيها بدلالٍ وهي تخبره:
الله مش جوزي..

نظراته العاشقة جعلتها تهرب من التطلع لزيتونية عينيه المهلكة، فخطى لجوارها ليصلوا سوياً لزقاق المنطقة الشعبية، حنين الماضي عاد ليحتضنهما سوياً، شعرت ولاول مرة بأنها تعود لعش طفولتها باصطحاب فريد صديق الطفولة ورفيق الدرب، توقفت شجن عن الخطى وهي تنظر تجاه هذا الرجل الكهل الذي يبلغ من العمر فوق السبعون عاماً، انتقلت نظرات رحيم اليها فقال بابتسامةٍ صغيرة:
لسه فاكراه!.

هزت برأسها عدة مرات، فتمسكت بجاكيته وهي تحثه على التحرك بطفولية:
عايزة غزل بنات..

لمعت عينيه بلمعة من السعادةٍ حينما عاد ليتمثل أمامه مشهدهما سوياً حينما كانت ترى هذا الرجل الكهل منذ سنوات حينما كان شاب يافع، كانت تطالب فريد بشراء غزل البنات منه، تركها رحيم ودنا منه ليشتري ما يحمله بمبلغ طائل من المالٍ لدرجة لم يستوعبها الرجل الذي شكره كثيراً وغادر مسروراً للغاية، اقتربت منه أشجان وهي تتامل الأكياس الذي يحملها بفرحةٍ، فحملت منه عدة اكياس، كاد الحامل الخشبي بأن يسقط فوق راسها حينما جذبت أحد الأكياس من الحامل، فجذبه رحيم قبل أن يسقط فوق رأسها قائلاً بخوفٍ:.

حاسبي يا شجن..
ابتسمت وهي تلتقط الحلوى لتتناولها بلهفةٍ، مجرد رؤياها سعيدة تجعل قلبه ينبض بقوةٍ دون توقف، صعدوا سوياً لسطح المنزل، فعاونها رحيم على الصعود على سطح تلك الغرفة البالية، المكان الذي جمعهما بالماضي عاد ليرحب بهما من جديدٍ...

نثر المياه على وجهها بقلقٍ، وهو يضربها برفقٍ ويناديها بلهفةٍ:
حنين!.
فتحت عينيها وهي تجاهد الدوار الذي يهاجمها مجدداً، وجدته مقابلها فانسدلت دمعاتها على وجهها الذي لم يعهد سوى الضحك، رفع يديه على خدها وهو يقول بحبٍ:
خوفتيني عليكي..
اعتدلت بجلستها على الأريكةٍ، ثم جذبت حقيبتها وهي تردد بأعين تنظر للفراغ:
عايزة أرجع القصر..
رغم انها المخطئة الا أنه لم يحتمل رؤياها هكذا، فقال بابتسامةٍ مازحة:.

مش كنتي عايزة ترقصي معايا؟!.
عدلت من حجابها وهي تتطلع اليه بحيرةٍ، فجذبها لتقف أمامه ثم وضع يدها على كتفيه ويديه حول خصرها بتملكٍ ثم عاونها على الصعود على حذائه ليجبرها على الانسياق لحركاته، راقبها بعشقٍ وهيام جعله كالشارد بها، فتحرك لسانه ناطقاً:
مش عارف بتعملي فيا أيه، عمري ما كان ليا نقطة ضعف ومظهرتش غير لما انتي ظهرتي في حياتي..
هامت بعينيه، فارتسمت بسمة صغيرة على وجهها وهي ترد عليه:.

ومضطر تستحمل جنوني، بجد بتصعب عليا يا مراد..
استند بجبهته على جبينها وهو يردد بانفاسٍ تلفح وجهها:
بعشق جنونك، بعشق كل حاجة فيكِ يا حنين، ادتيني كل حاجة حلوة، حب غيرني وفوقني اني جوايا قلب، بنت بجمال الدنيا كلها، وعوض ربنا انك تبقي شايلة حتة مني في وقت كنت مكسور فيه اني مكنتش جمبك في حملك الاول فعوضني ربنا بحملك التاني..

تسللت الحمرة لوجهها، فأختبأت بأحضانه بأعينٍ مغلقة، تستلم لألحان النغمة الهادئة، تمايلت بين ذراعيه لأكثر من دقائق معدودة ثم همست بندمٍ:
مراد..
أجابها ومازال يتحرك بها بثباتٍ:
قلبه..
قالت بحزنٍ:
سامحني على غبائي النهاردة..
ابتسم وهو يجيبها متعمد لف يديه حولها:
قولتلك مبعرفش أزعل منك..

عادت لتتعلق به من جديدٍ بفرحةٍ عارمة، ليربت بحنانٍ على خصرها، ذاك العاشق لا يعرف استخدام القسوة أمام تلك المستبدة التي تتسلل لأعماق قلبه بحرافيةٍ..

ولج لغرفتها المظلمة، اشعل الضوء الخافت ثم جلس على المقعد المقابل لها يتفحص الملف الاسود من أمامه، فقال دون أن يرفع عينيه:
أنا الدكتور علي اللي همسك حالتك لحد ما الدكتور يارا ترجع من الاجازة.
ثم تفحص أسم الحالة التي يتابعها ليردد حروفها بتثاقل:
فطيمة..

حينما ناداها باسمها، تحولت نظراتها عن الفراغٍ لتتطلع لمن يناديها باسمها البائس الذي تركته مع ذكرياتٍ تركتها مع صفحات الماضي الممزقة، كالطفل الصغير حينما تتعلق نظراته باول شخص يمسك بيديه ويداعبه، تطلعت له فطيمة بنظراتٍ مطولة جعلت الاخر يبدو كالأبله أمامها، تلك هي ذاتها فتاة البيانو الذي استمع لعزفها حينما زار المشفى لأخر مرة، عينيها الفاتنة وألف آه من عينيها، تخترق القلب بسهام محملة بأوجاعٍ عالم بأكمله، تنقل تجارب ومقساة خاضتها طوال حياتها البائسة، ابتلع تلك الغصة الغامضة التي هاجمته على غير عادته مع التعامل مع مرضاه، فاخشونت نبرته وهو يردف:.

بكره ان شاء الله هنبدأ أول جلسة، ودلوقتي هسيبك ترتاحي..
وتركها وغادر بخطواتٍ تحفر بخفيان بمصيرها، وكأنها كالمصباح الذي اهتز بفعل تيار عاصف ثم عاد ليشتعل مع بريق أمل جديد!.

انتهت من تناول الحلوى بأكملها، فمالت برأسها على كتفيه، انتبه لارتياحها بالاستناد على كتفيه، فمال براسه على رأسها، هامساً ونظراته تتأمل القمر من أمامه:.

كنت فاكر اني ضليت طريقي لما بعدت ودوست بالمعاصي بس برجوعك ليا كان اشارة منه انه مش قابل بكده وانه واثق اني هرجعله في يوم من الايام، صحيح كانت الاقلام اللي اخدتها قوية جداً وأهمها ان الشر اللي كان عايش جوايا كان هيطول اقرب الناس ليا، أنتي يا شجن، وكأنه بيفوقني أن اللي بعمله بحصده بالنهاية، أنا فوقت ورجعت وأنا رابح حاجات كتيرة، أخويا والعيلة وأولهم أنتِ يا شجن..

استمعت لكلماته بفرحةٍ، وكأن الضياء غمره هو الأخر ليصبح مثلها، ابتعدت عنه وهي تطالعه بابتسامة افتكت بلجامه، أمسكت يديه لتقربها من شفتيها لتطبع قبلة عميقة على باطنها، قشعر بدنه فدنا منها لتطرق دفوف قلبه وهو يراها تبادله الحب مثلما هو يبادلها، حملها بين ذراعيه والاعين متعلقة ببعضهما البعض حتى ولج للداخل الغرفة ليغلق بابها بأقدامه، فذاك العالم خفي عن الأعين لا يحق لاحداً رؤياه..

عاد لبيته مهموماً، وحيداً، مكسوراً، يهاجمه القهر والهجران، صعد لغرفته وكأنها سجن بأعمدة، كل ركن يذكره بها، تسلطت انظار يامن على الفراش وهو يتذكر كيف كان يجرحها كل مرة ويتهمها بعرضها، كيف خرجت كلماته كالسهام من فمه لتستقر بصدرها ويتوقع هو ان تسامحه، جلس على الفراشٍ لتنسدل دمعاته على وجهه وهو يردد بأنفاسٍ شاحبة:
سامحيني يا عمري مكنتش أقصد أجرحك كده، أنا حاسس أن أنا اللي موجوع مش أنتي..

وكأن الرياح تغدو صديقة فتنقل لها كلماته، هوى الدمع على وجنتها والألفة تلامس قلبها المجروح، تعاد من أمامها ذكريات فتخوض حرباً مذرية ما بين ذكريات طيبة جمعتها به بعشقٍ ثمين وما بين جرح عميق تركه لها بصدرٍ رحب، لم تعلم أن كان ما تبقى بداخلها سيكون قادراً على المواجهة وخوض الحرب ليربح كفة حبه ولكن ما تعلمه بأن قلبها مطعون بخناجرٍ يصعب ترميم جرحها ولكن ترى ما المجهول لمصيرها مع من جمعته بها علاقة اختارتها بكافةٍ ارادتها؟!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة