قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف11

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف11

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف11

صرخة مؤلمة، تحررت لتفيض بما احتبس من وجعٍ صارخ بداخل هذا القلب الذي تسارعت نبضاته دون توقف، لسانها يردد دون أي وعي أو ادراك:
مراد!.
مجرد تخمين منحه العقل بإقتراح بأن تلك الطلقة إستقرت بجسده جعلتها تصرخ دون توقف، هزت يديه بعنفٍ وهي تبكي بانهيارٍ هامسة بصوتها الشاحب:
مراد!.
احتضنها بقوةٍ ويديه تمسد برفقٍ على ظهرها، مردداً بخوفٍ على الحالةٍ التي هاجمتها:
أنا كويس، متخافيش..

أغلقت عينيها في محاولاتٍ مستميتة للسيطرة على أعصابها، محاولة استغرقت أكثر من خمسة عشر من الدقائقٍ حتى تمكنت من الابتعاد عنه لتتأمله بنظرة شاملة، تلبس قلبها الطمأنينة حينما وجدت الرصاص لم يمس جسده، أطلقت زفيراً بطيء وكأنه احتبس داخل رئتها لكثيرٍ من الوقت، لتحرر كلماتها المكبوتة بصراخها المتعصب:
أنت بني آدم مش طبيعي..
أمسك يدها وهو يخبرها بثباتٍ بعدما تجاهل ما قالته لتو:
حسيتي بأيه وقتها؟.

تطلعت له بحيرةٍ من سؤاله الغريب، فأستكمل كلماته معللاً:
النار اللي جواكي كانت هتهدى لو أنا كان جرالي حاجة؟
اشتعلت نظراتها بالغضبٍ، فقال بحدةٍ:
والسؤال الأهم يا ترى والدك يستحق كل اللي أنتِ عملاه علشانه ده..
مزقت رداء الصمت المؤقت لتصيح به بانفعالٍ:
مراد أنت بتتكلم عن بابا مهما عمل فهو أبويا!.
صحح مفهومها حينما قال بلهجةٍ ثابتة:.

مهما كان فهو بالنسبالي الشخص اللي حاول يفرقني عن عيلتي، واللي خلاني أكون بعيد عنك في أكتر وقت احتاجتي لوجودي فيه، بالنسبالي وبالنسبة لكتير من ضحاياه فهو شيطان ميستحقش الحياة، الانسان اللي عايش علشان يتأجر بأعراض الستات ميستحقش الا الموت..
جحظت عينيها في صدمةٍ حقيقية، فبللت شفتيها بلعابها في محاولة بائسة لتجلي صوتها:
أنت بتقول أيه!.

جذب معصمها ليجبرها بأن تتابعه بخطاها، ففتح الحاسوب الصغير الموضوع على سطح مكتبه ليعرض لها عدد من الملفات ومقاطع الفيديو لاعترافات بعض من العناصر المشتبه بها، وأقوال عديدة لعدد من الفتياتٍ، شعرت بوخزةٍ حادة تهاجم صدرها، كانت تعلم بأن ابيها يرتكب أخطاء عديدة يخفيها مركزه بالشرطةٍ ولكن لم تتوقع بأنه انحدر لهذا المستوى، كونها فتاة تعلم كم المعاناة التي عانتها كل فتاة ذاقت الويل والاهانة على يديه، ارتخى جسدها فجلست على مقعد مكتبه والدموع تنسدل مصاحبة لآهات قاتلة، جلس مراد مقابلها ليخبرها بابتسامةٍ ألم:.

ده اللي عمله ويستحق عليه عقاب بعيداً عن اللي حصلي بسببه وبسبب الناس اللي وراه..
انتبهت لكلماته الاخيرة، فانتصبت بوقفتها لتباغته بسؤالٍ تحتويه الصدمة:
حصلك أنت!.
ابتسامة وجع تشكلت على وجهه، ليجيبها على مهلٍ:
مسألتيش نفسك أيه اللي خلاني بعيد عنك كل الفترة دي؟.
تاهت بعينيها وانقطعت الكلمات عن لسانها الناطق بألف كلمة وكلمة بالساعةٍ الواحدة، رد على سؤاله المطروح:.

أنا عمري ما كنت ضعيف يا حنين ولو في يوم إتكتبلي أكون ضعيف هقتل نفسي بأيدي واللي عمله أبوكي واللي وراه خلاوني أشوف نفسي ضعيف وعاجز لاول مرة، عاجز حتى عن إختيار الموت، الخلاص الوحيد للعذاب اللي كنت فيه، بس للأسف مقدرتش أعمل كده علشانك، وعدي ليكي إني أكون جانبك لأخر لحظة خلاني أصمد لأطول وقت، كنت بقتل نفسي ألف مرة وأنا شايفهم بيحقنوني بالمخدر اللي ممكن ينهي حياتي، بحاول استمد طاقة وأمل لما برسم صورتك في خيالي، تخيلي ظابط من أكفئ الظباط يكون مدمن مخدرات!.

وكأن الصدمة تعاهدت بالاستحواذ عليها في تلك الليلة المظلمة، تتلاقها تلو الاخرى وعليها تقبل ما تستمع اليه، في بعض الاحيان يسارونا شكوك متعلقة باناسٍ قريبة وحينما تكشف الحقائق تترك أثر عالق بالصدرٍ بجرحٍ عميق يصعب إلتئامه بسهولةٍ، و حنين بحالةٍ لا تحسد عليها، صدمتها بما خلفه أبيها من وراء موته وصدمة أخرى لما عاشه زوجها وهي لا تعلم عنه شيئاً!

انصهر الدمع بعينيها فتدفق دون توقف وعقلها المسكين يحاول تقبل كل تلك الحقائق البشعة، صوتها المكبوت يود الصراخ بأعلى صوت امتلكته يوماً ولكن بكائها صامتاً رغماً عنها، اقترب منها مراد سريعاً وهو يحاول التعامل مع الحالةٍ الغريبة التي تهاجم عصفوره الصغير لأول مرة، مسد بيديه على يدها وهو يردد بعشقٍ ما أعذب من كلماتٍ تغرم الفؤاد:.

زمان مكنش ليا نقطة ضعف ولا يهمني حد أحارب الحياة علشانه، بس دلوقتي في أنتِ يا حنين، ويمكن ده السبب في اني لسه واقف على رجلي قدامك..
ورفع أصابعه ليمسد على وجهها وهو يسترسل حديثه باصرارٍ:
حاربته لانه كان عايز يدمرني ويدمر عيلتي، صدقيني أي حد مكانه حتى لو أبويا نفسه كنت هنسفه من على وش الدنيا..

تحرر صوتها أخيراً فبكت بصوتٍ مسموع، مؤلم، وكأنه جلاد لروحه المعذبة، ارتمت بداخل أحضانه وكأنها تشتاق لأمانها المفقود، رددت بهمسٍ خافت وكأنها تخرج ما يكبتها:
آآآه، ليه يا ربي مكتوب اني أعيش في كل ده، ليه كل مرة ببقى متأكدة اني عرفت كل حاجة عن أبويا أكتشف حقايق أبشع، ليه كل ما بحاول أدي واجبي نحيته ألاقي ألف حاجة تكرهني فيه حتى وهو ميت!.
ربت على ظهرها بقوةٍ، فقال بحنانٍ:.

عمري ما كنت هواجهك بالحقيقة دي يا حنين بس للاسف اللي حصل كان أكبر من أنها تفضل مخفية عنك أكتر من كده..
ابتعدت عنه وهي تطالعه بنظراتٍ مطولة تبحث عن ضالتها، فهمست بصوتٍ ترنح على ترنيم خلقت من الآلآم٠:
أنا آسفة..
قربها إليه أكثر، علها تستمع لدقاتٍ قلبه النابض بحبها، فقال بصوته الرخيم:
متعتذريش يا حنين، أنا اللي من حقي أعتذر لأني هفضل طول العمر بيربطني ذكرى وحشة هتفضل في بالك على طول.

رفعت عينيها الباكيتين وهي تردد بتعاسةٍ:
هو يستحق ده..
وكبتت شهقة مؤلمة كاد صدرها بالافصاح عنها، هامسة بانكسارٍ:
هأخد وقت علشان اتجاوز ده بس أكيد هدعيله بالرحمة ومعتقدش انها هتشفعله لانه حسابه عسير قدام ربنا.
ثم استطردت برجاءٍ:
متتخلاش عني يا مراد، أرجوك..
أخرجها من أحضانه لترى عينيه بوضوحٍ، ليجيبها بلهجته الباعثة في نفسها الراحة:
لو أخر نفس هيطلع هتكوني بتشاركيني فيه..

ثم احتضنها بقوةٍ مجدداً، فابتسمت رغم ما يحمله قلبها من آلام عاصفة، فرفعت يدها تزيح دمعاتها وهي تخبره بلهجتها المشاكسة المعتادة فيما بينهما:
على فكرة أنت ربنا بيحبك أكتر مني، فحب يعوضك عن اللي ما عشتوش..
تطلع لها في دهشةٍ، فتساءل بحيرةٍ:
يعوضني بأيه، مش فاهم!.
تعمقت بالتطلع لعينيه مطولاً وهي تكسر حاجز الخجل الذي يحجر عنها التمتع برؤية الأمواج الهادئة على شاطئ الشوق، فقالت بعد صمتٍ طويل:
أنا حامل..

كانت صدمة لطيفة نوعاً ما بالنسبةٍ اليه، فرسم بسمة صغيرة اتسعت شيئاً فشيء كلما استوعب ما استمع اليه، طبع قبلة عميقة على جبينها وهو يردد بعدم تصديق:
معقول!.
ابتسمت وهي تجيبه على استحياءٍ:
مفيش حاجة بعيدة على ربنا..

اقترب منها بنظراتٍ هائمة، يدعوها لريحان يحملها برفقٍ لبر عشقهما الآمن، انسحبت بهدوءٍ وهي ترفض دعوته الصريحة لها بارتباكٍ، حتى عينيه تهربت من التطلع بها، رفع وجهها اليه وهو يتساءل في استغرابٍ:
في أيه يا حنين؟.
حاولت الصمود فجاهدت بالا يرى دمعاتها، فقالت بتوترٍ:
غصب عني، هحتاج وقت..

يعلم جيداً ما تمر به من ضغوطاتٍ كبيرة، وخاصة بأنه بالنهايةٍ من قتل أبيها، لذا لم يشعر بالضجر لما حدث، بل احتواها بحنانٍ وهو يردد بابتسامته الوسيمة:
هتاخدي وقتك بس وأنتي جانبي وفي حضني..
غمرتها سعادة حتى ولو كانت مؤقتة ولكنها على يقين بأنها ستخوض حرب عصيبة لتتخطى ذلك..
***************.

كاد عقله بالتوقف حتى انه سئم من التفكير، خطاه كان يشق باحة قصره الواسع، فظل ريان يخطو ذهاباً وإياباً حتى تحرر مقبض الباب ليطل من خلفه مروان و فارس..
أسرع ريان إليه وهو يتساءل في لهفةٍ:
ها وصلتوا لحاجة؟.
أجابه فارس بحزنٍ بعدما جلس على أقرب مقعد بانهاكٍ شديد:
لا، محدش عارف هو فين، حتى أصحابه..
رفع عينيه تجاه مروان ليتساءل بضيقٍ شديد:
يعني أيه اخوك فين!.
لوى فمه بسخريةٍ وهو يجيبه باستهزاءٍ:.

معرفش أنت مكبر الموضوع ليه يا ريان، أكيد رجع للزفت اللي بيشربه ومالوش عين يواجهك..
احتقن وجهه بملامحٍ الغضب، فردد بشراسةٍ:
اللي بتتكلم عنه ده أخوك الكبير، تتكلم عنه باحترام سامع!.
بلع مروان كلماته حتى لا تتطور الامور فيما بينهما، فتدخل فارس بينهما ليشير اليه بهدوءٍ:
تعالى معايا يا مروان ، والصبح ان شاء الله ندور تاني..

انصاع اليه واتابعه ليغادر معه للخارج، بينما استلقى ريان على الاريكة من خلفه باسترخاءٍ تام..
**************.

رؤية الشمس تتبختر بزيها الذهبي وتاجها المرصع بأشعته الصفراء لتحتل عرشها بالموعد المحدد إليها مشهد ترفرف له النفس وتكتب قصايد من دفاتر الغرام، فكانت من تراقب هذا المنظر الالهي تقتبس بعض النظرات للمياه الصافية التي تحيط باليخت، لأول مرة منذ فترة طويلة تتنفس بحريةٍ دون أن ينزع الخوف مرئها، الهواء الطلق يبعثر خصلات شعرها بشكلٍ فوضوي ورغم ذلك لم تنزعج بل ظلت متمسكة بحافة اليخت رافعة رأسها في شموخ يجابه أشعة الشمس التي تداعب وجنتها الساخنة، فتحت شجن عينيها بلهفةٍ حينما شعرت بملامس ورقيات صغيرة على رقبتها، استدارت ببطءٍ لتجد. رحيم يقف من خلفها، يمرر زهرة حمراء اللون على طول رقبتها، ابتسمت بخجلٍ وهي تردد باستغرابٍ:.

صحيت أمته؟
وقف قبالتها وهو يتطلع لها بزيتونية عينيه العاشقة ليجيبها بصوتٍ منخفض:
من وقت ما اتسحبتي من جانبي علشان تيجي هنا..
اهتمامه بأقل تصرف تفعله يجعلها سعيدة للغاية حتى وإن لم تظهر هي ذلك، عينيها اقتبست نظرات مطولة لعينيه وكأنهما بعناقٍ طويل دفئ، عاد الدوار المعتاد ليهاجمها من جديدٍ، فاستندت بيدها على صدره وبأصبعها فركت جبينها بألمٍ شديد، أمسك رحيم يدها وهو يتساءل باهتمامٍ:
دايخة؟.

هزت رأسها تأكد له ما تشعر به، فحملها بهدوءٍ ثم هبط الدرج الجانبي لليخت الأبيض ليصبح بالطابق السفلي، وضعها على المقعد المطول القريب من البار المطل على المطبخ الصغير بأحد زوايا الطابق الأرضي، ثم وقف ليتفحص ما وضعه الخادم بالبرادٍ قائلاً بضجرٍ:
أكيد لازم تتدوخي لانك مش بتأكلي كويس ولا مهتمة بادويتك..
وجذب بعض من ثمار الفاكهة ليضعها من أمامها ثم جذب الحليب ليسكب منه بكوبٍ كبير ليشير لها بحزمٍ:.

كنت حابب أجهزلك فطار بس للاسف ماليش في أمور الطبخ دي فأجباري انك تشربي اللبن وتأكلي الفاكهة اللي قدامك دي، سامعة!.
اخشونت نبرته وهو يضيف كلماته الاخيرة، فاستندت بوجهها على معصمها وهي تجيبه بابتسامةٍ ساحرة:
معتش بخاف منك على فكرة، فملوش داعي التشديد ده..
ابتسامة صغيرة داعبت شفتيه، فاسند ذراعيه أمام صدره وهو يجيبها بثباتٍ:
ده أحنا قلبنا قوي بقا..

تعالت ضحكاتها وهي تهز برأسها كأجابة صريحة له، ثم التقطت أحدى ثمار التفاح لتقضمها وهي تقترب منه بمكرٍ، وقفت جواره وهي تلقي نظرة متفحصة على محتويات المطبخ، فجذبت من البراد البيض وبعض الاشياء التي تحتاجها لصنع سفرة صغيرة من طعام الافطار الشهي، استند رحيم بجسده على الطاولة من خلفه وهو يراقبها باهتمامٍ، ارتبكت من نظراته فقالت بتوتر:.

بدل ما أنت واقف تبص كده ساعدني وقطع الخضار، تحرك بثباتٍ حتى وقف أمام الطبق الموضوع، حك طرف أنفه بحيرةٍ ونظراته تتوزع بين محتوياته، جذب احدى ثمار الطماطم ثم قرب منها السكين ليقطعها بشكلٍ عشوائي، تعالت ضحكات شجن بتسليةٍ وهي تراقبه، فترك السكين عن يديه ثم جذب المنشفة ليجفف يديه وبنظراتٍ صارمة قال:
بتضحكي!، عارفة أنا غلطت اني نزلت معاكي المكان ده من الأساس، أنا طالع فوق خلصي وتعالي.

وتركها وغادر من أمام عينيها، فحاولت كبت ضحكاتها ولكنها لم تستطيع، انتهت أخيراً من صنع طبقين فحملتهم وصعدت للطابق الاخير باحثة عنه، وضعت الأطباق على الطاولة التي تتوسط اليخت ثم بحثت عنه بخوفٍ، وحينما لم تجده باليخت بأكمله، رفعت صوتها برعبٍ:
رحيم!..

هبطت للطابق الثاني وصوتها يناديه بفزعٍ، وحينما لم تجده اوشكت على هبوط الدرج لتصل للطابق الأول فكادت قدميها بالتعثر بأحدى الدرجات لتجد من يحيل بينها وبين الأرض، فرفعت عينيها بصدمةٍ لتراه يقف أمامها، المياه تتناثر على شعره وصدره بغزارةٍ، وعلى أحدى كتفيه يحمل المنشفة، فعلى ما يبدو بأنه كان يسبح بالمياه وحينما استمع لصوتها خرج سريعاً ليراها تتعرض لحادث للمرة التي لا يذكر عددها، هدأت قليلاً، فوضعت يدها على صدرها الذي يرتفع بعنفٍ وكأنها تهدأ حالها، حدجها بنظرةٍ ثابتة ختمها بقول:.

وبعدين، هتفضلي تخافي كده كتير!.
رفعت عينيها تجاهها وهي تزيح خصلات شعرها المتمردة عليها، قائلة في ترددٍ:
طبعاً لازم أخاف لانك مش موجود معايا وأنا هنا لوحدي..
وبارتباكٍ أسترسلت دون ان تعي ما تقاله:
وبعدين أنا خوفت عليك أكتر، أنت عداوتك كتيرة وممكن حد يستغل انك هنا لوحدك من غير حرس وكده..
ابتسم وهو يجيبها:
على أساس اني مش هعرف ادافع عن نفسي من غير الحرس!..

هزت رأسها يساراً ويميناً ثم عادت لتؤمأ بها بارتباكٍ جعل بسمته تتسع، فلف ذراعيه حول قدميها والاخرى اسفل رأسها ليحملها ويصعد بها الدرج، صعقت للغاية، فكادت بالحديث ليقطعها هو قائلاً وقد اوشك على الوصول للطابق الاخير:
اعداء مين اللي توصلي وسط البحر أنتِ بتتفرجي على مسلسل الخطوط الحمرا كتير ولا أيه، أنا أي حد حابب يهاجمني وأنا لوحدي بيفكر ألف مرة في مصيره ونهايته اللي مش هتكون على أيد حد غيري..

هزت قدميها بعنفٍ وهي تشير له بحدةٍ:
نزلني..
ابتسم وهو يجيبها بمكرٍ:
ليه، اول مرة اشيلك مثلاً!.
عبثت بشعرها وهي تجيبه بارتباكٍ:
لأ، بس ده لما بكون تعبانة، وبعدين انا هدومي كلها اتغرقت مياه!.

بقيت نظراته عليها فالجمتها عن استكمال باقي حديثها، جذب بقدميه المقعد ليستقيم مقابله والاخرى تتابعه بذهولٍ، وضعها عليه ثم انحنى ليمرر المنشفة على طرف فستانها الأزرق، وكأنه يزيح البلل، ثم استقام بوقفته ليجفف صدره جيداً، جلس على المقعد مقابلها ليجذب الشوكة والسكين ليبدأ بتناول طعامه فصرخت به بدهشةٍ:
أنت هتأكل كده!.
قال دون النظر اليها:
عندك اعتراض!، ولا بتتحرجي..

بللت شفتيها بتوترٍ فقالت بانزعاجٍ مصطنع:
لا عادي براحتك..
ثم شرعت بتناول طعامها وهي تحاول حجر الكلمات التي تنتابها، فوضعت السكين عن يدها لتزفر بضيقٍ:
هتأخد برد على فكرة..
ترك رحيم الطبق وجفف فمه بالمنشفة، لينهض ثم غادر باستسلامٍ ليعود بعد قليلٍ مرتدياً سروال قصير بعض الشيء وتيشرت أسود اللون، فجلس محله مجدداً، ثم شرع باستكمال طعامه وهو يتساءل:
كده حلو!.

أومأت برأسها مرات عديدة وابتسامتها تزين وجهها، فابتسم وهو يتابعها تتناول طعامها براحةٍ بعدما امتثل رحيم زيدان لرغباتها ولما تريد، شرد بوجهها وبحركاتها التلقائية، حتى حديثها المتلهف عن رؤية ما تحمله باحشائها، شعر بعد غياب دهر كامل بانه حصل على الحياة الأسرية أخيراً مع من سكنت القلب قبل أن تسكن طرب الفؤاد..
*************.

نهض عن الفراش بعصبيةٍ بالغة والعرق يتصبب بغزارة على جبينه، فجذب علبة السجائر الخاصة به ثم خرج للشرفة سريعاً قبل أن يطيح بها، ببكاءٍ شديد التقطت فاطمة ملابسها لترتديها بدموعٍ كالشلال، ثم لحقت به بخطواتٍ مترددة، وقفت على بعدٍ منه وهو يشعر بوجودها، فاستدار يامن مقابلها وهو يحدجها بنظراتٍ قاسية، كادت بالحديث ولكنه ترك الغرفة بأكملها، فخانتها قدميها لتجلس أرضاً تبكي دون توقف..
*****************.

انتظرت صباح عودة زوجها ولكنه لم يعود، فأصبح الأمر مقلق للغاية، ارتدت نقابها ثم هبطت للاسفل سريعاً متجاهلة تماماً بكاء صغيرها، وجدت ريان يجلس على المائدة بالاسفل و سارة لجواره، وعلى ما يبدو كان شارد، ما ان رأتها سارة حتى أشارت لها بابتسامةٍ صافية: .
صباح الخير يا صبوحة، تعالي أفطري معانا..
قالت بصوتٍ مبحوح من أثر البكاء:
الف هنا يا حبيبتي ماليش نفس..
ثم وجهت حديثها لريان:
طمني عرفتوا حاجة عن إياد؟.

هز رأسه بخيبةٍ أمل وهو يجيبها:
للأسف معرفناش نوصل لحاجة حتى اصحابه مرحش لحد فيهم..
رددت سارة بذهولٍ:
هو إياد ماله يا صباح؟.
أجابتها ببكاءٍ حارق:
مرجعش البيت بقاله يومين..
دُهشت مما استمعت اليه، فقالت بحيرةٍ:
هيكون راح فين بس!.
وكأن الاجابة زفت اليهم أخيراً حينما قطع الخادم جلستهم قائلاً وعينيه أرضاً:
مكالمة علشانك يا باشا..

هز رأسه بخفةٍ وهو ينهض عن مقعده، فاتجاه للهاتف المعلق، استمع للطرف المتساءل فاجابه في ثقةٍ:
أيوه أنا ريان عمران..
وصمت قليلاً ليستمع لما يود قوله، فردد ريان بصدمةٍ كادت بأن تهزه:
إياد أخويا، مستشفى أيه؟..
واغلق الهاتف سريعاً ثم اسرع للمائدة ليجذب مفاتيح سيارته، عارضت صباح طريقه وهي تسأله بفزعٍ: .
اياد ماله، رجلي على رجلك..
أشار لها فأتبعته وهو ترفع صوتها لسارةٍ ببكاءٍ حارق:
خلي بالك من جان يا سارة.

اجابتها ببكاءٍ:
متخافيش في عيني يا حبيبتي، ربنا يطمنك عليه يارب..
وغادروا سريعاً للمشفى اما سارة فأسرعت للأعلى لترى الصغير..
************
بمكتب جان زيدان ..
ولجت السكرتيرة للداخل، لتقف من أمام مكتبه قائلة في احترامٍ:
في واحد من الأمن عايز يشوف حضرتك يا فندم..
رفع عينيه عن حاسوبه، ليردد في استغرابٍ:
يشوفني أنا، غريبة!
ثم أشار لها بصرامةٍ:
دخليه..

أومأت برأسها ففتحت باب المكتب لتشير لمن بالخارج بالولوج، دخل فرداً من الامن، فجلس على المقعد المقابل اليه باشارة منه، ليتساءل جان بهدوءٍ:
طلبت تشوفني، خير!.
أجابه الرجل بعدما انحنى بجسده ليقدم الهاتف اليه قائلاً:
في حاجة حصلت ولازم حضرتك تشوفها..

التقط الهاتف منه، ليصدم كلياً حينما رأى مقطع فيديو لأياد وهو يتجه للجراج الخاص بالشركةٍ بعد انتهاء دوامه وما حدث أمام عينيه كارثة بكل ما تحمله الكلمة، على الفور جذب هاتفه ليطلب ريان...
******************
وصل ريان للمشفى اخيراً، فصعد للغرفة المنشودة، تعجب حينما وجد مروان و فارس بخارج الغرفة، فدنا منهما وهو يتساءل في خوف:
في أيه، أخوك ماله؟.

تهاوي الدمع بعين مروان، وكأنه لم يجرأ على اجابته على هذا السؤال، بكت صباح وقلبها يقرع الطبول بخوفٍ لا مثيل إليه، هزه ريان بعنفٍ وهو يسأله مجدداً:
أخوك ماله انطق!.
وحينما لم يجيبه، سأل من يقف جواره بقلقٍ:
في ايه يا فارس؟.

فتح فارس الباب من أمامه، ليطل من خلفه أبشع منظر قد يرأه أب قد حاوط على ابنائه طوال العمر، ولج للداخل بخطواتٍ متثاقلة، ليجد أخيه مستلقي على فراش يحاوطه عدد من الأسلاك، رأسه محاطة بشاش أبيض يحجب ملامحه المحببة عن رؤياه، قدميه مكسورة ويديه معاً، جسده ملتف بأكمله بشاش ابيض وكأن هناك سيارة صعدت على جسده بأكمله، فرت الدموع من عين ريان وهو يراه بهذة الحالة المقبضة، فتحجر بمحله بجسد يقشعر بألمٍ، على عكس صباح التي تحركت تجاهه وهي تصرخ بفزعٍ:.

إياد!.
كادت بأن تلامسه فقيد مروان حركاتها قائلاً ببكاءٍ:
الدكتور محذر أن محدش يلامسه..
بكت بقهرٍ حتى لم تعد تحتمل ما تراه فسقطت مغشي عليها بين يديه، دق هاتف ريان في تلك اللحظة فرفعه بثباتٍ ليستمع لصوت جان المفزع:
ريان تعاللي فوراً، إياد آآ..
قطعه قائلاً بانكسارٍ:
إياد قدامي بالمستشفى، أخويا بين الحيا والموت يا جان..
استعلم منه عن عنوان المشفى والتقط مفاتيحه ليسرع اليه على الفور.

دقائق معدودة وامتلأت المشفى بأفراد عائلة زيدان وعلى رأسهم طلعت زيدان الذي اتى مسرعاً حينما تسرب خبر ما تعرض له ابن شقيقته الراحلة، وصل جان و آدم للمشفى سوياً فاسرع اليه ريان ليرى ما يحمل بحوذته، شعر سليم بأن هناك أمراً غامض يدور بين ريان و جان وكلاً من مروان و فارس، فانضم اليهم ليشاهدوا معاً مقطع الفيديو الذي وزع على هواتفهم جميعاً ليرى به مقطع لإياد يكاد بالصعود لسيارته بعدما انتهى من دوام عمله بشركة جان ليوقف امامه ستة رجال وعلى ما بدى اليهم بأنهم صحبة من الماضٍ، في البداية كان الحديث فيما بينهما شبه طبيعي الى ان اخرج أحداهما كيس من المخدرات ليقدمه لإياد الذي رفضه بابتسامة وعلى ما بدى من صور الفيديو بأنه اخبرهما بانقطاعه التام عن تناول تلك العقاقير السامة، تلوثت وجوههم بغضب شيطاني وحقد دافين لمن يترك تلك العادة القاتلة، فحاولوا معاً اجباره على ارتشافها، فالقى اياد بمحتويات الكيس أرضاً مما أثار غضبهم فاجتمعوا من حوله ليبرحوه ضرباً، فلم يكتفوا بالكدمات المميتة، بل جذب احداهما عود غليظ مصنوع من الخشبٍ، فقيدوه جميعاً ليكسر هذا الرجل الكريه ذراعيه وقدميه معاً ومن ثم اجزاء متفرقة من جسده حتى غرق إياد بدمائه السائلة، فحملوه بالسيارة وغادروا المكان باكمله، وكأستنتاج صريح بأنهم القوه بعيداً بمكانٍ معزول حيث تم العثور إليه جثة هامدة..

غلت الدماء بعروقهم جميعاً، ففار دماء الثأر لشرف عائلة زيدان بالعروق، غادر الشباب بأكملهم المشفى بعدما كلف جان، حازم بجمع معلومات مسبقة عن هؤلاء فلم يكن من الصعب الوصول اليهما كونهم من أسياد الشر والبلطجة المعهودة بتلك المناطق الدامية، وصلت السيارة للمكان المحدد فكان من يقود تلك السيارة المطولة سليم الذي أبدى عن تعليماته قائلاً:
هننتقمله وكل حاجة بس بلاش نبالغ..
نطق فارس بغضبٍ:.

مبالغة ايه يا سليم الكلاب دول لازم يتقتلوا النهاردة..
ايده مروان بالحديث المتعصب:
أنا يا قاتل يا مقتول النهاردة..
صاح سليم بصرامةٍ:
كده هنخليكم هنا بالعربية ومستحيل هتنزلوا، احنا هنربيهم وهنجيب حق اياد بس من غير قتل وشبهة ممكن تلوث سمعة العيلة، متنسوش مركز رحيم ومراد مش معقول هيكونوا في الشرطة واحنا نعرضهم للموقف اللي نبقى فيه قدام القضاء..
قيد آدم حديث سليم قائلاً:.

سليم عنده حق، كسروا عضامهم واعملوا ما بدالكم بس بلاش قتل..
أشار لهم جان بحذرٍ:
في حد منهم خارج..
انتبهوا جميعاً لحركة احد من الرجال، فهبطوا سوياً ليهاجمه ريان بعنفٍ، فدقق النظر بوجهه بغضبٍ، يود به العثور عن صاحب المطرقة، ولج مروان و فارس للداخل، لتشب معركة دموية بينهما وبين شباب عائلة زيدان ..

طرح آدم احدهما أرضاً ليكيل له اللكمات التي اقتلعت أحد أسنانه من فرط قوته، أما سليم فأقترب من الرجل صاحب المطرقة، ففرض صورة الفيديو من أمامه ليرى ما فعله، غامت عينيه على قطعة من الحديد ملقاة أرضاً، فجذبها ليضربه بقوة على قدميه الأيسر، فعرج عن الحركةٍ ومن ثم تلقى ضربة على العظمة بقدميه اليمنى ليعلو صوت انكسار قدميه، زحف على يديه وهو يبكي من فرط الألم ولكن من لم يشفق على احداً لا ينال الشفقة أبداً، نواله سليم ضربة فتكت بذراعيه ومن ثم عدد من الضربات المتفرقة بأنحاء جسده مثلما فعل بابن عمته، ليردد في غضبٍ:.

اللي يلعب مع حد من عيلة زيدان يبقى لعب مع ملاك موته..
وألقى بالحديد ارضاً ليبصفق بتقزز على من تمدد أرضاً جثة هامدة..
كاد احداهما بضرب ريان مستغلاً انشغاله بضرب الاخر، فوقف جان خلفه كالعنقود الثائر ليحمي ظهره، لف يديه حول عنقه ومن ثم رفعه ليهوي برأسه على الحجارةٍ من خلفه، بينما طرح ريان من يلكمه أرضاً ليركله بقدمه اليمنى بعنفٍ شديد..

كان الاشد غضباً وانفعال من بينهما مروان و فارس فكانوا يلكمون الرجال درساً قاسياً حد الموت لانفعال طباعهما المشابهة لكلاً منهما، انبطح الرجال ارضاً كالجثث الهامدة فخرجوا سوياً من السرداق الطويل الذي يستخدمونه كمكان خفي لارتشاف المخدر، اغلقوا عيونهم جميعاً حينما وجدوا أضواء سيارات مسلطة بأعينيهم لتبدو الرؤيا مشوشة قليلاً ومن ثم اتضحت بوقفة مراد زيدان الذي يتوسط سيارات الحرس بوقفته الصلبة ونظراته الحادة التي تتوزع بينهما بالتساوي وبالأخص سليم الذي تحرك ليقف مقابله، فقال باندفاعٍ:.

مكنتش أقدر امنعهم لأن ده يمس شرفنا كلنا..
رفع مراد كفه ليمنعه من استكمالٍ حديثه، ثم خطى ليقترب من الشبابٍ بأكملهم..

كلاً منهم يقف بشكلٍ فوضوي، من حالفه يوماً يقف جوار من كان حلف لرحيم، اليوم عرض اليه موقف قدمته الصدمة على طبق من ذهب ليرى بعينيه اتحاد عائلة كانت كالماء الذي لا يتجانس مع الزيت، اليوم عهد بعينيه اعظم انتصاراته المشتركة مع أخيه، تلاشت بسمة الفخر المرسومة على عينيه بهالةٍ مخيفة حينما لمح أحد الرجال البلطجية يسلط سلاحه على أحد من افراد عائلته، لم يتردد ثانية واحدة ليخرج سلاحه لتستقر رصاصه بجبين من يقف خلف ريان بالتحديد..

كانوا يظنوا بانهم سيتلقون الكلمات الحازمة لما فعلوه ولكن ما فعله مراد كان مفاجئ للجميع حينما نادى بصوتٍ مخيف:
حازم..
أسرع اليه راكضاً، ليتلقى الأمر المرعب:
الكلاب دول يتدفنوا حين علشان يبقوا عبرة لمن اعتبر، فاهم!.
هز رأسه وانطلق هو ورجاله لينفذوا اوامره تحديداً، وضع مراد سلاحه خلف ظهره وهو يشير لسليم بهدوءٍ:
مش دول اللي يتعلم عليهم يا سليم دول حلال فيهم القتل..

وأشار بيديه على من يتوسط الارض قتيلاً بسلاحه:
بعد الدرس اللي أخدوه ومبيفكرش غير بالغدر، دول ملهمش غالي ولا هدف بالحياة غير الأذية..
ربما هو يمتلك خبرة اكثر منهما لتعامله المستمر مع أشكالهما فأشار لهما بابتسامةٍ شيطانية وهو يهم بالصعود لسيارته:
مش كنتوا تعزموني على الحفلة من أولها، تتعوض..
وأشار لهم بيديه باشارة وداع ليغادر بابتسامته الخبيثة، فابتسموا جميعاً ليصعد كلاً منهما للسيارة..
*************.

بفيلا عباس صفوان ..
أدت فرضها بدموعٍ الشكوى لله عز وجل عما تمر به من محنةٍ قد توشك بزفافها وبخسارةٍ زوجها، فعلى الرغم من صمته عن الكلام الا ان عينيه تشير بألف إتهام وإتهام، جلست على سجادة الصلاة تدعو الله ان يفرج كربها، فأستمعت لخطواتٍ تدنو منها، جلس يامن على طرف الفراش المقابل لها، وهو يجاهد لخروج الكلمات حتى قال:
فاطمة أنتِ عارفة أنا بحبك اد أيه، صح..
بللت شفتيها بلعابها وهي تجلي صوتها بصعوبةٍ:.

ايه لزمته الكلام ده..
اجابها على الفور:
مستعد اغفرلك اي غلط كنتي ماشية بيه بس تكوني صريحة معايا، انا أكتر حاجة بكرهها في حياتي الكدب والخداع خلايكي صريحة معايا وأنا أوعدك أن الموضوع ميطلعش بينا..
تساءلت في حيرة من فهم ما يلقيه على مسماعها أو قصدت عدم الاستماع لما فهمته من حديثه عنوة حتى لا يتحطم قلبها:
مش فاهمه أنت تقصد ايه؟.
قال بشكلٍ صريح:
أنتِ وإياد حصل بينكم علاقة في فترة الخطوبة..

كاد فمها بأن يصل للارض من فرط الصدمة التي تختبرها الآن، استغل صمتها وبرر بكلماته التوضحية:
يعني ده اللي خلاكي كنتي عايزة ترجعيله بأي طريقة وده برضه السبب في اختفاء إياد من الفرح..
تحرر صوتها أخيراً وهي تصرخ به دون توقف:
أنت بتقول ايه أنا مش مصدقة اللي بسمعه، علاقة ايه اللي بتتكلم عنها، انا اشرف منك ومنه ومن أي حد يجيب سيرتي بالباطل..
وقف قبالتها وقد خرج عن رداء صمته المهين لرجولته:
لا مهو واضح..

ولف يديه حول حجابها ليصرخ بها بشراسةٍ:
انا اللي غلطان اني كنت فاكر انك ممكن تفكري بالعقل وتصارحيني، وانتي عارفة اني بكره الكدب، لسه بتنطحيني ومصرة على كلامك، وانا معنديش أي مانع امشي معاكي للاخر..
وجذبها بالقوة ليخرجها من الغرفةٍ فبكت وهي تحاول الانفلات منه قائلة بانكسار:
انا مستحيل اعيش معاك ثانية واحدة أنا راجعة بيت اهلي وحالا..
جذبها للخارج وهو يجيبها دون التطلع اليها:.

ما انتي هترجعي بيت اهلك بس لما أفضحك قدام نفسك وقدام الكل..
رددت بصدمةٍ من الفكرة التي روادتها:
تقصد ايه؟
أجابها بعدما وقف قبالتها:
الدكتورة اللي هتحدد اذا كنتِ بنت ولا زي ما أنا متأكد...
صرخت به بجنون:
انت حيوان وسافل وآآ..

بترت كلماتها حينما انهال على وجهها بصفعاتٍ متتالية جعلت الدماء تنسدل من وجهها دون توقف، فجذبها بالقوةٍ لسيارته وهي ترجوه الا يفعل بها ذلك، توقفت السيارة بعد دقائق امام المشفى، فجذبها بالقوةٍ للداخل، بكت وهي تتوسل اليه:
متعملش فيا كده يا يامن، بلاش تكسرني بالشكل ده والله العظيم أنا بريئة محدش لمسني والله العظيم ما بكدب عليك..

حدجها بنظرةٍ معتمة وكانه فقد كل ذرة حب امتلاكها يوماً ليجرها من خلفه وهو يجيبها بسخطٍ:
وخايفة ليه مدام بريئة، هنشوف الوقتي..
وجذبها بقوةٍ فصرخت ببكاءٍ:
سبني بقولك، أنا بكرهك يا يامن، وهكرهك العمر كله انا متخدعتش في حد في حياتي أكتر ما اتخدعت فيك..
تجاهل كلماتها فجذبها لداخل غرفة الطبيبة، ليدفعها على الفراش المهين بعنفٍ، نهضت الطبيبة عن مقعدها وهي تصرخ بقلقٍ:
في أيه اللي بيحصل هنا ده!

اشار لها يامن بعصبيةٍ بالغة:
الهانم لسه متجوزين بقالنا يومين وللاسف اكتشفت انها مش عذراء وهي مصممة ان محدش لمسها، اتفضلي أكيديلي الكلام ده..
منحتها الطبيبة نظرة شاملة فرأت الجروح التي تملأ وجهها، لتصيح بانفعالٍ:
ودي طريقة تتعامل بيها معاها، اطلع بره بدل ما اطلبك الامن فوراً.
وقف يامن قبالتها، ونظراته تحدجها بقسوةٍ جعلتها تتراجع للخلف بخوفٍ وخاصة حينما قال:.

انتي متعرفيش انا مين ولا ابن مين، اللي هتعمليه دلوقتي انك هتكشفي عليها ومعكيش غير دقايق تردي فيهم عليا ولو كدبتي صدقيني انا هعرف أعاقبك ازاي..
بلعت ريقها الجاف بصعوبة، فاشارت له بانصياعٍ، اتجهت لفاطمة التي يرتجف جسدها بعنفٍ وهي تتوسل لها:
ابوس ايدك متقربليش انا عايزة اخرج من هنا اطلبيلي اخويا او ماما ارجوكِ..
عاونتها على الصعود للفراش وهي تردد بخوفٍ ممن يقف خلفها:.

متخافيش يا بنتي، معلشي لو انتي طاهرة اثبتيله ده وبعد كده ابقي اتصرفي زي ما تحبي..
انهمر الدمع على وجنتها دون توقف، فقالت ووجهها مندث بين يديها:
طيب خليه يطلع بره انا مش طايقة اشوف وشه..
ابتسم ساخراً ثم غادر الغرفة ليغلق بابها بقوةٍ افزعتهما..

انكسارها بتلك اللحظة لا يضاهي اعوام ليرمم جرحها، من ظنته امانها وزوجها الحبيب أتى بها لطبيبة تخدش حيائها لتتاكد من عفتها، الم يتملك الثقة اللازمة ليصدق حديثها، وفوق كل ذلك يتهمها بأنها كانت على علاقة تجمعها بخطيبها السابق، دمعاتها الساخنة بترت الحب القابع بقلبها تجاهه، فانكسرت كالمزهرية الباهظة لتصبح بقايا، بقايا لأنثى عاشقة، ربتت الطبيبة على قدميها برفقٍ:.

قومي يا حبيبتي، وارفعي رأسك لفوق انتِ زي ما انتي..
ابتسمت في سخريةٍ وكأنها تخبرها بما لا تعلمه، فكادت بالخروج من الغرفة لتسرع فاطمة اليها، قبلت يدها وهي تبكي بحرقة:
أرجوكي متخرجنيش ليه، انا مش قادرة اشوف وشه اطلبي اخويا وخليه يجيلي ابوس أيدك..
أدمعت عين الطبيبة وهي تخبرها بابتسامة ترسمها بالكد:
ليه مهو هيعرف انه غلط في حقك وبديهي انه يعتذرلك الف مرة..
قالت بكره:.

مش عايزة منه حاجة، ارجوكي ده رقم اخويا خليه يجيني..
التقطت منها الرقم ثم قالت بدموع الشفقة:
اقفلي على نفسك كويس بالمفتاح وانا هطلب اخوكي حالا..
وخرجت الطبيبة لتغلق فاطمة الباب من خلفها سريعاً لتنهار ارضاً من خلفه تبكي بانكسارٍ..
*********
بالخارج..

طلبت الطبيبة رقم جان دون ان توضح له بالكثير سوى ان شقيقته بالمشفى وبحاجة إليه، وعلى الفور ركض جان للمشفى بصحبة آدم الذي كان لجواره بذاك الوقت، فخرجت الطبيبة للاستقبال حينما أنهت مهامها على اكمل وجه، فما ان راها حتى اقترب منها يتساءل بلهفةٍ:
ها..
منحته نظرة ساخطة ثم أجابته الطبيبة بغضب:
مراتك عذراء يا أستاذ يا محترم يا اللي بتتباهى بنفسك وبعيلتك ومخلتش حاجة للانسان الجاهل اللي ميعرفش حاجة..

اهتز جسده بعنفٍ، فردد بعدم تصديق:
أنتي بتقولي أيه؟
اجابته بايضاحٍ:
الغشاء عندها من النوع المطاطي وده نوع لا يتم فضه بسهولة عند الاتصال الجنسي وأحياناً بنلجأ لعملية جراحية لتسهيل الموضوع..
تأملت حالة الصدمة التي سيطرت عليه بنظرةٍ متشفية لتستطرد حديثها بغضبٍ:
أغلب الحالات اللي بتيجي لينا بتكون كده، ولان للأسف مش بيكون في ثقة، اعتقد شكلك مثقف وابن ناس فمستغربة الموضوع ده عدى عليك ازاي!.

لم يجد كلمات تنقذه مما يشعر به الان، خانته قدميه فجلس على اقرب مقعد قابله، احنى رأسه في استسلامٍ تام للحالة المسيطرة عليه، أفاق يامن من غفلته على صوت يعرفه جيداً حينما نطق جان بقلق:
في ايه يا يامن، فاطمة مالها؟.
الجم لسانه عن النطق فحتى انه تناسى بأنها شقيقة صديقه الوحيد قبل أن تكون حبيبته، انتبهت لصوت اخيها فنهضت تتطرق على باب الغرفة وهي تناديه بصوتها المنكسر:
جان!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة