قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف12

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف12

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف12

إنسحب سريعاً ليقف أمام الغرفة حينما استمع لصوتها المنادي، طرق جان الغرفة طرقات متتالية وهو ينادي:
فاطمة!..
ما أن تأكد ظنونها حتى حررت المفتاح العالق بجسد الباب الأبيض المطلي بلونه هذا ليبعث بالنفسٍ الراحة والسكينة التي لم تعهدها بداخل هذة الغرفة مطلقاً، فما أن فُتح الباب حتى أسرع جان للداخل فتشبثت به، وكأنه مفتاح نجاتها مما تلاقاه على يد زوجها، أمسكت فاطمة بيديه وهي تناديه بقهرٍ:
جان..

تطلع لها بذهولٍ وخوف من رؤية حالتها الغريبة، فحانت منه نظرة جانبية للغرفة ليكتشف كنايتها، فعلى الفور تساءل بتعجبٍ:
بتعملوا أيه هنا؟.
رفعت عينيها المتورمة من أثر البكاء فلمحته يدنو منها، أهتز جسدها بعنفٍ فاستدارت لأخيها لتجيبه بانكسارٍ أتبع لهجتها:
جوزي اللي المفروض يكون أماني، جايبني لحد هنا علشان يتأكد اذا كنت عذراء ولا لا!.

أغلق يامن عينيه بوجعٍ وهو يستمع كلماتها القاتلة أما جان فظل يتطلع لها بعدم تصديق وكأن ما قالته لتو لم يكن حقيقة او عله يتوهم سماع ما قالته، صوت بكائها المزلزل عصف بكيانه ليتأكد الأن بأن ما قالته حقيقة فاضحة، شعرت فاطمة بأنفاسها تسحب ببطءٍ حتى صارت غير قادرة على المقاومةٍ فمنحت السكينة لجسدها الهزيل فسقطت أرضاً فاقدة للوعي المهين، أسرع يامن إليها وهو يردد بذعرٍ:
فاطمة!

كاد بأن يحملها فدفعه جان بقدميه للخلف ليقف أمام جسد زوجته الممددة، ثم أشار له بنظراتٍ شرسة:
أيدك القذرة دي متلمسش أختي طول ما أنا حي..
فقال ومازال يقف أمامها كالسد المنيع:
آدم، خد فاطمة على العربية..

أومأ آدم برأسه فحمل فاطمة بحرصٍ شديد ثم مر من جوارهما فطوفها من سقط أرضاً بنظرةٍ حملت شتى المعاني المؤلمة، يصعب رؤياها لأحداً أخر يحملها غيره؛ ولكن ما فعله بها لا يغتفر، انسدل الدمع من عينيه التي لم تعهد الضعف والبكاء قط، استحق ذلك بعدما وجد ذاته جلاد قاسي، وحينما عهدته القسوة لم تختار سوى الأقرب للقلب!.

انحنى جان بجسده ليجذبه بقوةٍ من جاكيته فنهض استسلاماً لمن يجذبه، حتى وقف مقابله فواجه نظراته الهائجة، هزه بعنفٍ وهو يردد بسخطٍ:
قسماً برب العزة لو حد تاني كنت دفنته هنا حي، خليك فاكر دايماً اني سبتك حي بعد اللي عملته في أختي الوحيدة لانك كنت في يوم من الأيام صاحبي وأنا بعد اللي شوفته اتعلمت مغدرش بصديق ليا حتى لو مهما عمل..

ثم دفعه بقسوةٍ ليرطم جسده بباب الغرفة من خلفه، ليستكمل جان كلماته الشبيهة بالخناجر القاتلة:
ورقة طلاق أختي توصلني في أقرب وقت ومن هنا ورايح تنسى ان كان ليك صاحب من عيلة زيدان ...

وتركه وغادر على الفور قبل ان يستسلم لشيطانه فيقتله، أما يامن فجلس على المقعد المعدني القريب منه وهو يحتضن رأسه بين يديه، لا يعلم أي عقل امتلكه هذا ليفعل ذاك الأثم، فحتى إن لم تكن زوجته فهي شقيقة صديقه الوحيد، أين كان عقله حينما فعل بها ذلك، اين كان عقله حينما أتى بها لمكانٍ هكذا، ليته كان ضريعاً قبل ان يفعل به وبها ذلك.

طريق طويل خاضته بكل جراءة وشجاعة امتلكتها لتقف لجواره، لتتمسك بيديه، ربما أن اخبرها أحداهما بأنها ستقف لجواره ويمازحها هو برقةٍ ودلال كانت ستظنه حلم لن يتحقق أبداً، وها هي تقف لجواره كتف لكتف، تعاونه على الانتهاء من بعض الاشياء ليكن المطعم في أهبة الإستعداد للاستقبال وخاصة بأن اليوم هو الأفتتاح، الآن يتحقق أحد أحلامها المستحيلة، شرودها المطول جعلها تتناسى وجودها لجواره وسط عدد لا بأس به من الموظفين ولجوارها يقف يوسف يضع تعليماته لأحدهما ثم يشير للأخر بوضع الزينة بالمكان الصائب، أكثر من عملٍ ينجزه وهو يقف بمحله، حانت منه التفاتة صغيرة لمن تقف جواره هائمة به، فوقف مقابلها وهو يتساءل بابتسامةٍ خبيثة:.

شايفك مبهورة باختيارك للبدالة، لو عجباكِ كده ألبسهالك كل يوم!.
لم يرمش له جفن، وكأنها لم تسمعه من الأساسٍ، فلامس معصمها وهو يناديها بقلقٍ:
نغم!.
عادت لأرض واقعها فرددت بتلعثم:
ها، كنت بتقول حاجة!.
ابتسم وهو يردد باهتمامٍ:
انتِ شكلك مش معايا خالص، أنتي بتفكري في أيه؟.
خطفت نظرة سريعة من حولها ثم قالت بصوتها العذب:
هفكر في مين غيرك أنت..
قربها إليه وهو يجيبها بمكرٍ:
أممم، وبتفكري في أيه بقا؟.

تطلعت لعينيه بنظرةٍ مطولة، ليخرج صوتها الصادق:
في الظروف اللي فرقت بينا من قبل ما يكون في شيء يجمعنا وهي نفسها اللي رجعت جمعتنا تاني، في القصة اللي انتهت من قبل ما تبتدي وربنا أراد أنها تكمل بعد معاناة..
وابتسمت وهي تستطرد بدلالٍ:.

بفكر في جوزي السوبر مان اللي قدر يعمل لنفسه كيان وعزة نفس مش موجودة عند كتير من الناس، عمره ما اتحرج بأنه فقير بالعكس كان بيعتز بده وبنى نفسه وقدر يثبت لطلعت زيدان وليا أولاً أنه راجل ويقدر يشكل الظروف اللي بيواجهها علشان تليق عليه..

أصابت كلماتها مرمي قلبه، فخفق بجنونٍ وكأنه يود القفز خارج قفصه الصدري ليتراقص على نغماتٍ العشق، فأمسك يدها معاً ثم قربهما من شفتيه ليطبع قبلات متفرقة على يدها، قائلاً بنظرةٍ حانية:
مكنتش هقدر أحقق حاجة من غير حبك ووجودك جانبي، أنتِ حياة بالنسبالي يا نغم..

احتضنته بقوةٍ غير عابئة بمن حولها، فمسد على خصرها بحبٍ، ود لو أختفى العالم من حوله، ليبقوا سوياً بمفردهمل لدقائقٍ، اعتدل يوسف بوقفته وعينيه تستقبل من يقف خلف زوجته المتعلقة بأحضانه، فأبعدها للخلف قليلاً وهو يردد بأنفاسٍ الرغبة والشوق:
نغم!.

ابتعدت عنه وهي تتأمله باستغرابٍ، فالتفتت لترى لمن يتطلع هكذا، اجتاذتها الدهشة هي الأخرى حينما وجدت أبيها يقف خلفها، فأقترب منهما وهو يتابعهما بنظراتٍ حفرت بالسعادةٍ، فقال بلهجته الحازمة بعض الشيء:
سايبن الشغل وواقفين تحبوا في بعض..
أصطبغ وجهها بحمرةٍ الخجل، فالتفتت حولها لتجد مخرج للهروب، فحملت المزهرية الموضوعة لجوارها ثم قالت وهي تهم بالابتعاد عنهم:
مكانها المفروض يكون تحت..

ثم رفعت نظرتها اليهما قائلة بارتباكٍ:
عن أذنكم..
وتركتهما وهرولت للأسفل هرباً، فأتسعت ابتسامة طلعت زيدان وهو يتأملها تكاد تتعثر في مشيتها وكأنه امسكها بالجرم المشهود مع رجلٍ لا تجمعهما صلة مقدسة، أشار يوسف بيديه على الطاولة القريبة منهما قائلاً باحترامٍ:
اتفضل يا عمي..

هز طلعت رأسه ثم لحقه بهدوءٍ، جلس يوسف مقابله باهتمامٍ لمعرفة سبب زيارته الباكرة، فالافتتاح ليلاً، أتاه الرد المنتظر ليجيب على أسئلته حينما أخرج طلعت من جيب جاكيته ظرف مغلق ليضعه على الطاولةٍ قائلاً بضيقٍ واضح:
فهمني ده أيه؟.
عرف كناية الظرف وخاصة لأنه المرسل، فاجابه بهدوءٍ:.

ده حقك يا عمي، أنا قبلت اخد من حضرتك المطعم في البداية بشرط أنه هيجي اليوم اللي ارد لحضرتك فيه فلوسك وحضرتك قبلت بده واليوم ده جيه وكان لازم اوفي بوعدي..
دفع الظرف برفقٍ تجاهه ليردد في حزمٍ:
حط فلوسك في جيبك يا يوسف الهدية مش بترجع..
ثم تركه ونهض ليغادر، فجذب يوسف الظرف مجدداً ثم لحق به للأسفل ليقف أمامه قائلاً بثباتٍ:.

صدقني يا عمي أنا كده مش هكون مرتاح وهحس أني استغليت حضرتك، وأنا مش كده وبعدين دي فلوس حضرتك..
ابتسم طلعت فقال وعينيه تحاوط ابنته التي تقف على مسافةٍ قريبة منهم:
أنا أمنتك على بنتي تفتكر مش هأمنك على فلوسها، متتكلمش في الموضوع ده تاني...
لم يتمكن من نطق حرف أخر بعد كلماته المختصرة، فتابعه بنظراته وهو يغادر لسيارته بالخارجٍ، وابتسامة الاعجاب تودعه...

باسترخاءٍ تام وقفت تؤدي صلاتها بخشوعٍ، وكأنها الضوء المنير بزاوية الغرفة الطبية المظلمة، تردد في إلحاح وتدعو بأن يشفى زوجها ويتخطى تلك المدة التي حددها الطبيب كبيان لمهلة الخطر على حياته، انتهت صباح من قضاء فرضها، فجلست على سجادة الصلاة تبكي دون توقف وهي تردد باستغاثة:
يا رب..

قلبها هذا الذي تأمر من قبل لأجل شخص ظنت بأنها تحبه يبكي اليوم حسرة على حبٍ حقيقي لامسه، ربما كانت تظن يوماً بانها مغلوبة على أمرها للزواج منه حتى لا تفشي فضحيتها أو خشية من أن يتربى ابنها دون أب، ولكن الآن الوضع المختلف، هي أصبحت تحبه بكل ما تحمله معنى الكلمة، سحابة الظلمة اسدلت عليها لتبكي بحسرةٍ كلما خيل لها إنه سيفارق الحياة ويتركها بمفردها...

فتح عينيه ببطءٍ وهو يجاهد التثاقل الذي يهاجمه، وكأن ركن صلاتها كان لمفعوله سحر عظيم لا يقدر عليه سوى الخالق ﷲ عز وجل، صرح بدعوته بأنه قريب يسمع الدعاء وها قد لجئت اليه الضعيفة تنجيه وقد لبى ندائها.
الظلام من حوله هيئ له الأجواء ليبدو مسترخياً بالتطلع إليها، وجدها تبكي وهي تتضرع لله، وبالرغم من آلامه الا انه شعر بالفرحة كونها تبكي لأجله هو، بصعوبة بالغة حرك لسانه ليناديها بارهاقٍ شديد:.

ص ب ا ح، (صباح)..
انتبهت حواسها لما استمعت اليه لتو، فاستدارت بجسدها تجاه الفراش، لتجده يتطلع لها بتعبٍ، أسرعت اليه بلهفةٍ، وهي تردد بعدم تصديق:
إياد!.
ثم تمسكت بيديه وهي تردد بسعادةٍ:
الف حمد وشكر ليك ياررب، استجبت دعواتي..
حاول أن يحرك جسده، ولكنه لم يتمكن من ذلك، فكأن هناك خناجر حادة تعيق حركة اطرافه، بدى الوجع مستكين على معالمٍ وجهه، فربتت صباح برفقٍ على لائحة يديه التي يكسوها شاش أبيض غليظ:.

متحاولش تتحرك علشان متتوجعش..
ردد بعصبيةٍ حينما تسلل اليه ذكرى ما واجهه قبل أن يفقد وعيه:
كلاب والله لأقتلهم بأيدي ولاد ال...
بكت وهي ترفع صوتها خشية عليه:
أهدى علشان خاطري..

وحينما لم تجد منه استجابة، خرجت سريعاً لتخبر ريان الجالس بالخارج بانتظارها لتنتهي من صلاتها ولعلها تستريح قليلاً، هرول ريان مسرعاً للداخل والفرحة تفترش على وجهه حينما أخبرته بأن أخيه الحبيب استرد وعيه، دلف للداخل ليجده يزئر بغضبٍ، هم من الفراش وهو يردد بتشفي:
أرتاح يا أياد، الشباب رجعولك حقك، واللي عملوا فيك كده اتدفنوا بالحيا..

هدأ قليلاً ونظراته تحاوط أخيه الذي أكد له، دخل مروان هو الأخر واتبعه فارس، فأسرع بالاقتراب من شقيقه وهو يخبره بفرحةٍ:
حمدلله على السلامة يا إياد..
منحه بسمة صافية وهو يجيبه:
الله يسلمك يا مروان .
اقترب منه فارس ليعدل من وضعية الفراش حتى يكون مريح اليه، فمنحه إياد ابتسامة ماكرة وهو يهمس اليه:
أكيد ولعتوها انت وتؤامك..
حانت منه التفاتة صغيرة تجاه مروان، ثم تطلع اليه ليخبره بخبثٍ:.

ولعنها والجوكر طفها للأبد.
ضيق عينيه بعدم فهم:
ازاي، لا ده أنت تقعد وتحكيلي اللي حصل بالظبط..

جلس فارس على المقعد المجاور إليه ثم شرع بقص ما حدث بالاشتباك بينهما، وتدخل حرس الجوكر الذي امرهم بدفنهم أحياء ليكونوا عبرة لمن يجرأ على التعدي على احد أفراد عائلة زيدان، غمرته سعادة كلية وهو يستمع لما فعلوه لأجله، فصار على يقينٍ بأنه رغم عدم امتلاكه لحنان الأم وعطف الأب الا انه يمتلك عائلة تخشاها اعتى الذئاب...

وضعها جان بحرصٍ على الفراش، و جلس لجوارها يزيح عنها حجابها، ثم خلع حذائها ليداثرها جيداً، لون حدقتي عينيه بدى مخيفاً للغاية، فالشخص الذي يكبت غضبه بداخله دون ان ينفث به يصبح أشد خطورة عن المتهور الذي يفعل ما يوده دون أي تفكير، اسرعت مايسة من خلفه لتتبعها سلمى حينما وجدوه يحملها ويصعد بها مسرعاً، حاولوا ان يستدرجوا آدم بالحديث لمعرفة ماذا هناك ولكنه صديق وفي رفض الخوض في تفاصيل خاصة حتى وإن كان فرد أساسي من العائلة، بل فضل الأنسحاب بشكلٍ كلي، صعدت معاً لغرفتها، فأسرعت والدته اليه وهي تتساءل بقلقٍ:.

في أيه يا جان أختك مالها؟.
بقى ثابتاً، وكأنه لم يستمع شيئاً، فأسرعت سلمى تجاه الفراش وهي تحرك رأس فاطمة بفزعٍ، فسألته بخوفٍ:
ما ترد علينا يا جان، فاطمة مالها؟.
خرج عن صمته حينما قال بغضب:
فاطمة كويسة، شوية وهتفوق وغير كده محدش يسأل..
وتركهما وهبط للأسفل سريعاً حتى لا يحدث ما لم يحمد عليه قط..

انقبض قلب مايسة وهي ترسم افتراضات لما يحدث، وخاصة بعودة ابنتها بتلك الحالة، العروس التي لم يتم على عرسها سوى ثلاث أيام، فهبطت خلفه للاسفل علها تقطع الشكوك التي ساورتها، وجدت الباب يطرق والخادمة في طريقها لفتحه، أشارت لها بأن تغادر ثم توجهت لترى من الطارق، وما ان رأت الطارق حتى رددت بلهفةٍ:
يامن، فهمني أنت يا ابني في ايه؟.
وضع عينيه ارضاً بحرجٍ، فجلى أحباله المبتورة قائلاً:.

انا غلطت في حق فاطمة ومفيش اي اعتذار يداوي اللي عملته..
ضيقت عينيها بعدم فهم:
غلطت عملت ايه؟.
كاد بأن يجيبها ولكن اخترق الرعد مسمعه حينما صاح جان بغضبٍ:
أنت ليك عين تيجي لحد هنا، أنا نبهتك وأنت مفيش فايدة مصمم اني أرفع ايدي عليك..
حالت والدته بينهما وهي تردد بعدم تصديق:
أيه اللي بيحصل ده، انت اتجننت يا جان!.
رد بسخطٍ:.

كنت مجنون لما وافقت اجوزهاله وأنا فرحان انها اختارت صاحبي الشهم، الراجل اللي طلع ميفرقش عن اللي قبله..
ثم وقف قبالته ليشير له بشراسةٍ:
زي ما هو طعن بشرفها انت كمان طعنت في شرفها..
وقعت الكلمات كالصاعقة على والدته، بات الأمر الآن واضحاً اليها، مجرد تخيل ما مرت به ابنتها جعلها تهتز من فرط انفعالها، اقترب يامن منه وهو يخبره بصوتٍ شاحب:
اديني فرصة اصلح غلطتي واكون جانبها يا جان..

منحه نظرة عميقة وكأنه يجاهد شيئاً بداخله، فأذا وضعت المقارنة بين الصداقة والأخوة ستطب كفة الروابط، تحرك لسانه الثقيل وهو يردد:
برة، أطلع بره البيت اللي كلت فيه عيش وملح ورديته بقلة الأصل ونكران الجميل...
كاد بأن يتحدث فصاح الأخر بعصبيةٍ:
قولتلك اطلع بره..
ابتلع أوجاعه وغادر وقلبه ينزف، عليه ان يذق العلقم الذي أجبرها على ارتشافه، عليه أن يعاني مثلما جعلها تعاني...

استعد لعمله، فأرتداى بذلة أنيقة للغاية، ثم صفف شعره الطويل بحرافيةٍ، نثر البرفنيوم الخاص به ونظرة الثقة تتوزع على صورته المنعكسة بالمرآة، استدار سليم تجاه الفراش ليجدها مازالت نائمة، قدميها متكئة على الوسادة ويدها تحتضن الوسادة الأخرى بنعومةٍ، جلس على طرف السرير وهو يجذب ما تحتضنه بابتسامةٍ ماكرة، فنادها بصوتٍ مرتفع:
ريم..

نهضت مفزوعة وهي تبحث يمينها ويسارها كالمعتوهة، تعالت ضحكاته وهو يرأها هكذا، فرددت بتذمرٍ ويدها تعبث بعينيها بنومٍ:
في أيه يا سليم هو أنا في تاني دولة ما أنا قدامك أهو!.
ابتسم وهو يجيبها بحدةٍ مصطنعة:
قولتلك الف مرة لازم أشوفك قبل ما أنزل الشغل والا مش هعرف أركز بحاجة!.
ابتسمت بخجلٍ، فجلست باستقامة وهي تردد:
عادي لو مكنتش صحيت ولحقتك النهاردة كنت هجيلك المكتب ايه المشكلة يعني!.

رفع يديه ليزيح تلك الخصلة المتناثرة على عينيها خلف أذنيها وهي يردد بنفس لهجتها:
المشكلة هتكون كبيرة سعاتك لأني كده مش هعرف أشتغل والشركة هتقع وهجي أخر الشهر مش هعرف ادبر رواتب الموظفين وإحتمال أخسر مركزي وسمعتي في السوق يرضيكي كل ده يحصل!.
جحظت عينيها وهي تردد في صدمةٍ:
بس بس أيه كل ده!.
اقترب منها وهو يجيبها بخبثٍ:.

صدقتي أن الموضوع كبير، يبقى لازم من نفسك تقومي كل يوم تودعيني وبعد كده تكملي نومك براحتك ولا أيه؟.
ابتسمت على دهائه وان يكن يروق لها الأمر، فاستغلاله لكل لحظة ممكنة تبقيها لجواره تشعل الحب بصمامٍ القلب، اقترب منها سليم وهو يغمز بمكرٍ:
ها، مش هتودعيني بقا..

التفت بها الغرفة، فشعرت بتثاقل انفاسها، انتباها الغيثان بمجرد شم رائحة البرفنيوم الخاصة به، على الرغم من عشقها لرائحتها الممتزجة برجولته، تباعدت عنه على الفور وهي تجاهد البقاء بعيداً عنه، ظنه دلال ومشاكسة منها فأقترب منها مجدداً، رددت بأنفاسٍ متثاقلة:
أبعد يا سليم..

وقبل أن يفهم ما تلقيه على مسمعه كانت قد ركضت بالفعل تجاه حمام غرفتهما لتفرغ ما بجوفها بتعبٍ شديد، شعرت ريم بأنها على وشك السقوط أرضاً من شدة الدوار، فأسندها على الفور، لتعود للاستفراغ من جديدٍ، فهمست بضعفٍ:
مش طايقة ريحة البرفان اللي أنت حاطه..

تفهم ما تمر به، فأمسك بمعصمها بحذرٍ من أن تسقط على أرضية الحمام الصلبة، ثم بيده الاخرى خلع جاكيته ليحرر ازرار قميصه الأبيض، القاه بعيداً ليقربها من صنبور المياه حتى تغتسل، ثم حملها للفراش مجدداً وهو يتساءل بخوفٍ:
أحسن دلوقتي؟.

اكتفت بهز رأسها وعينيها تنغلق بارهاقٍ شديد، تطلع لساعة يديه ليجد الموعد المحدد للاجتماع قد اقترب، فكاد بالولوج لخزانته ليرتدي شيئاً أخر ولكن قلقه وخوفه عليها انتصر بالاخير رغم أن ما تمر به أعراض عادية تتعرض له أي امرأة حامل، جذب سليم هاتفه ليطلب من السكرتيرة تأجيل الاجتماع للغد وفضل الجلوس لجوارها حتى تستيقظ..

اتجهت لغرفة صغيرتها بعد أن أطمئنت من المربية بأنها قد اطعمتها، ولجت للغرفة لتجده يحملها بين يديه بحنان، ويقف جوار الشرفة كأنه يريها اطلالة الصباح، اقتربت منه حنين قائلة بضيقٍ:
أنت قومت من جانبي الصبح علشان تيجي تقعد معاها هنا..
انتبه الجوكر لوجود قصيرته ذات اللسان السليط بالغرفة، فقال وعينيه تتابع حركات ابنته التلقائية:
حاسس بلهجتك انك قفشتيني مع واحدة شمال، دي بنتي!.

وقفت مقابله واضعة يدها بمنتصف خصرها وهي تجيبه بعدم مبالاة:
وأنا مراتك وليا الحق الأكبر فيك مش هي..
ابتسم وهو يتابعها بمكرٍ:
أه، ده أحنا هنبتديها غيرة بقى!.
أجابته بتحدٍ:
سميها زي ما تحب، المهم تكون معايا..
علت صوت ضحكته الرجولية، فوضع مرين بالتخت الصغير، ثم اقترب ليقف قبالتها، جذب يدها اليه وعينيه تتطلع لها بنظرةٍ شوق:
أنا معاكِ حتى لو مش موجود...

نظراته الحادة لم تلين بعد، فجذبها اليه ليستند بذقنه على كتفيها ليحثها على التقدم لفراش الصغيرة وهو يسترسل حديثه بهمسٍ:
كفايا أنك شايفة بعيونك ثمرة لحبنا بتكبر قدام عيونك، فيها ملامح مني ومنك، وإسمها اللي بيجبرك تنطقي اول حروف اسمي وأخرهم اسمك اللي هيربطك بيا طول العمر...
أغلقت عينيها بضعفٍ وهو تستمع لهمسه الخافت، فاستطرد قائلاً ويديه تحتضن جنينها:.

حتى لو أنا مش جانبك فأنتي شايلة حتة مني هتجبرك تحسي بوجودي طول الوقت...
وأدارها اليه، لتقف قبالته ليشير لها بعشقٍ:
لازم تكوني على يقين أن البعد بينا مستحيل في ألف حاجة وحاجة هتربطنا ببعض يا حنين!.
ارتمت بأحضانه بابتسامةٍ عذباء، لتجده مرحباً بها كعادته، التفت به الأشواق فجعلته يخبرها بمعانته حينما ردد بصوتٍ منخفض:
حتى لو فرضتي بينا ألف حاجز هستناكِ تشليه بنفسك حتى ولو كان مفروض لأخر العمر..

كلماته أذابت ما وُضع بينهما، فوجدت ذاتها تهدم ذاك الحائط السميك بينهما، لتصير اليه قلبٍ وقالباً، دعته هي لعش غرامهما فأن كان متفاجئ مما فعلته ولكنه لم يعطي ذاته مهلة التفكير، بل استغل كل لحظة ليروي الشوق القاتل النابع بداخله!.

حينما يزورك الحب مرة وتجد سهام الشكوك تهاجمك فتحطمه بيدك وتغلق قلبك بقفلٍ سميك، ويمنحك القدر فرصة أخرى لتجدد أمالك بطلب الحب الطاهر فتدب السكينة والراحة بأواصرك، فترسم أمال وتبني احلاماً كنت قد ظننت بأنها انقطعت مع رحيل الحب الأول، فتصعق حينما تجد طريق الحب الثانٍ يجتازه القدر الأول، لتجد نفسك أمام خيار مشابه، وأنت بكلتا الحالتين بموضع شك واتهام، أي سكينة ستعهدها وقد حطم قلبك مرتين!.

بكاء العوالم بأكمله لن يرمم وجعها، فباتت كالدمية التي انقطعت أحبالها، حاولت الفتيات حثها على الحديثٍ ولكن فاطمة كانت كالصنم، بلا روح أو حياة، أخبرتهما سلمى بما تعرضت له على يد زوجها فانفطر قلوبهن جميعاً عليها...

الجميع كان حزين لأجلها الا واحدة منهن فقط استطاعت الشعور بها جيداً، ربما لان ما حدث لهما مشابه حتى وإن كانت التفاصيل مختلفة، تركتهما منة ودموعها كالشلال تأثراً بما تعرضت له فاطمة، أختارت البقاء بمفردها بحديقة القصر الواسعة، لعل هوائها النقي يبدد فتيل الماضي المؤلم، شرود طويل جعلها مغيبة حتى عن سماع الهاتف الذي يدق أكثر من ألف مرة، أكملت طريقها البطيء بشرودٍ، فأعاد من اقترب منها الاتصال مجدداً وعينيه تراقبها بغضبٍ، ليرى ان كانت تتجاهله عن عمد، انكمشت ملامح وجه فارس بدهشةٍ حينما رأها تخطو دون وعي منها الى أي وجهة تختار، حتى انها وقفت امامه ولم تنتبه لوجوده، وجد الدموع تنسدل على وجهها دون توقف، فسألها بقلقٍ:.

في أيه؟.
صوته كان له الفضل لتعد لدرج الواقع، فوقفت تطالعه بنظرةٍ مطولة، طرحت بها مقارنة سريعة بين موقفه وموقف يامن، فرأت نبله ورجولته بموقفٍ كذلك، تشبثت باحضانه وقد خرج صوتها المكبوت ليصاحبه شهقات مؤلمة، بكاء زلزله وجعله عاجز عن فهم ما بها، فربت على ظهرها وهو يسألها مجدداً:
في أيه، حد زعلك؟.

هزت رأسها بالنفي، فجذبها لتجلس على الأريكة الصخرية المزينة بأوراقٍ من الأشجار، ثم جلس جوارها قائلاً باهتمامٍ:
أنا اللي مزعلك صح، انا عارف نفسي عصبي وغبي أكيد قولتلك حاجة كده ولا كده..
ابتسمت وهي تزيح دمعاتها ورأسها يهتز بالنفي للتهمة الباطلة التي يتهم بها ذاته، فزفر بضيقٍ:
طيب قوليلي أنتِ في أيه؟.
عبثت بأصابعها بارتباكٍ وهي تجيبه:
أنت عرفت اللي حصل لفاطمة؟.

كان قد علم من شقيقه مسبقاً عما فعله يامن بابنة خاله، وبالطبع يشعر بالاستياءٍ لما حدث، أومأ برأسه وهو يجيبها:
أيوه عرفت من آدم اللي حصل، بس بتسألي ليه؟.
أجابته بعد مهلة من الصمتٍ المطول:.

أنت كان ممكن ببساطة تشك فيا زي ما هو شك فيها بس بالرغم من كده كنت متفاهم معايا ورفضت حتى تشوق التقارير مع أن كان ممكن تطلب أن دكتورة تأكدلك كلامي وساعتها هيكون معاك حق بس أنت معملتش كده يا فارس وده زاد من ثقتي في حبي ليك على عكس فاطمة، وجعها كبير ومش ممكن حاجة تداويه..
تمهل حتى انتهت من حديثها، فمرر يديه برفقٍ على يدها وهو يجيبها بحرصٍ بانتقاء كلماته:.

ما تحطيش نفسك بمقارنة مع حد يا منة، كل واحد وبيختلف عن التاني، أنتِ كبرتي قصاد عيوني، عمري ما كنت هشك فيك ابداً لكنك تربية ايدي قبل ما تكوني حبيبتي ومراتي، يمكن كتير كنت بكون قاسي عليكي وغيور من نحية اي شخص..
منحته نظرة ساخرة ففهم مغزاها ليوضح لها ساخراً:.

خاصة الحيوان اللي اسمه مروان بس أي راجل شرقي اتولد وجواه حتة الغيرة تجاه حبيبته واهل بيته فمقدرش ابررلك ده لكن اللي أقدر أقولهولك أني لو هشك في حد فأنتِ أخر واحدة ممكن اشك فيها، بس برضه بلاش نقارن موقفي بموقف يامن، انا على قد ما أنا زعلان من اللي عمله بس مديله مبرر، اي شخص مكانه كان هيكون ده تصرفه وخصوصاً باختفاء اياد اللي جيه في وقت حساس زي ده، كلنا بنغلط يا منة بس حجم الغلط اللي بيفرق وبرضه اللي بيدي فرصة لتصليح الغلط ده بيكون مستعد يتحمل نتايجه والموضوع ده كله يخص اتنين بس فاطمة و يامن..

هزت رأسها باقتناعٍ تام، وعلى وجهها ابتسامة اعجاب بمعشوقها المتهور الذي فاجئها بامتلاكه عقل ظنته يوماً فقده بمشاكساته الدائمة مع تؤامه الشرس مروان..

رست السفينه أمام الشاطئ، فهبط رحيم زيدان ليمد يديه لمن تتبع خطاه بترقب، مدت يدها دون تردد او تفكير ليعاونها على ملامسة الرمال أسفل قدميها، فلم يتمكن من اخفاء ابتسامته وان كانت عابثة بعض الشيء لم يسعده حتى وإن كان بسيط فهو يعد منها بالكثير، راقب المكان من حوله فوجد غايته حينما وجد حازم بانتظاره، فتح الباب الأمامي لها وهو يشير لحازم بهدوءٍ:
أرجع انت مع الحرس انا اللي هسوق..

أومأ برأسه في وقارٍ ثم عاد ليصعد بالسيارة بالخلف، ليغادروا بأمرٍ من الاسطورة، اما رحيم فأتجه بسيارته تجاه وجهته المحدودة، نادته شجن باستغراب:
رحيم!.
استدار برأسه تجاهها، فتساءلت بدهشةٍ:
ده مش طريق الرجوع!.
ابتسم وهو يجيبها بغموضٍ:
في مكان هنروحه الأول..
بادلته الابتسامة وهي تعبث بهاتفها بأريحيةٍ تامة، حتى لم تهتم لمعرفة الى محل سياخذها..

رغم تردده ورغبته في عدم رؤياها الا انه احترم عهد الصداقة فيما بينهما، فقصد المقهى المحدد لرؤيتها، فما ان وقعت عينيه عليها حتى دنا منها قائلاً بلهجةٍ جافة:
نعم!، بعتلي رسالة انك عايزة تشوفيني ليه؟.
خلعت يارا نظارتها السوداء وهي تشير على المقعد المقابل لها قائلة:
أقعد يا علي..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة