قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف13

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف13

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف13

حينما يجمعك الوصال بشخصٍ تلجأ إليه كلما زادت همومك ومتاعبك؛ فيكون هو وسيلتك بالنجاةٍ إن كان الاحتياج مادياً أو معنوياً فتظن أن العلاقة فيما بينكما تساق بروابط الحب والزواج ربما أنت مخطئ، فالحب الذي سيجعلك تختار شريك حياتك عن قناعةٍ ينجح بجعله صديق لك، فليس كل صديق زوج رائع، وهكذا ما حدث بينهما، ظنته يارا ونعم الصديق وظنها هو بأنها خير الزوجة وحينما طرق الحب بابها جعلها تفرق بين معنى الكلمتين، طال صمتها والأخر يترقب باهتمامٍ ليعرف لماذا طلبت منه الحضور إلى هنا رغم ما حدث بينهما واختيارها، مزقت صفحة الصمت الخالية حينما قالت بتريثٍ:.

أنا عارفة أن طلبي مش مفهوم بالنسبالك بس صدقني لو مكنتش طلبت أشوفك كنت هعيش في حيرة ووجع..
ابتسم وهو يردد ساخراً:
حيرة ووجع!، ليه أنتِ مش اختارتي عن قناعة؟.
تغاضت عن كلماته الساخرة، وأردفت بدموعٍ تلألأت بحدقتي عينيها:.

علي أنا عمري ما كان ليا صديق غيرك، كنت بعتبرك أقرب شخص ليا بالرغم من أن مراد كان على طول جانبي وانت عارف أني بعتبره اخويا الكبير بس كنت بلجئ ليك انت، بحكيلك عن أسراري وكل حاجة تخصني، كنت شايفاك أخ وصديق وكل حاجة بالنسبالي..
خرج عن دوره المتماثل بالبرود وعدم المبالاة بها حينما ردد بانفعالٍ:
أنتِ لسه عايزة أيه يا يارا!.
أجابته ببكاءٍ شقت دمعاته الحارقة وجهها:.

عايزك تفهم اني طول عمري شايفاك صديق ولما طلبت تتجوزني حسيت اني مرتبكة ومش عارفة اخد قرار لاني مكنتش عايزة اخسرك ولما فكرت مع نفسي لقيتك المناسب ليا خصوصاً ان مكنش في حد في حياتي، بس لما شوفت مروان ودخل حياتي غصب عني حبيته وقدرت أميز بين الحب والصداقة..
صمت وهو يراقبها باحاسيسٍ يكبتها بألمٍ، فاستطردت ببكاءٍ:
أنا لو كنت وافقت اتجوزك كنت هظلمك معايا لأني بحبه هو!.

زفر على مهلٍ وكأنه يخرج العبء الثقيل عن صدره، فاستغلت صمته وانصياعه له، فقالت بتوترٍ من سماع ما سيقوله رد على حديثها:
أنا عارفة ان في المجتمع الشرقي مفيش أي علاقة صداقة بتجمع الست بالراجل، بس أنا حبيت احترامك ليا ومعاملتك، علشان كده أنا طلبت اشوفك النهاردة وحابة أنك تشاركني في المصحة بتاعتي انت عارف اني فرحي قريب ومحتاجة حد يكون مكاني..

ترقبت صمته بخوفٍ وكأن إحتمالية رفضه كانت تفوق الأحتمال الأخر، تمنت بأن تتساوى الأمور فيما بينهما حتى يرتاح عقلها من التفكير بالأمر، دقيقة تليها الأخرى ومازال الصمت يسطر حروفه بتثاقل، يتأمل الفراغ بهدوءٍ، إلى أن خرج عن طوره حينما ردد بلهجته الغامضة التي سلبت خوفها أسير:
أنتي عارفة أني بدير مستشفى برة مصر فمش هقدر أكون متواجد هنا كتير...

أحتل الحزن وخيبة الأمل على قسماتٍ وجهها فاسترسل حديثه بابتسامةٍ خبيثة:
بس طول الفترة اللي هقضيها بمصر علشان احضر فرحك هتابع الشغل بدالك لحد ما ترجعي..
ابتسامةٍ واسعة تشكلت على وجهها رغم الدموع المنسدلة من عينيها، فرددت بفرحةٍ كبيرة منغمسة بلهجته المرحة:
بتنجح تعصبني وتلعب على أعصابي على طول..
ابتسم وهو يرد على اتهامها بمشاكسةٍ:
الأخ لازم يحترم ولا ايه!.

الهبت السعادة عينيها بدموع الفرح، يروق لها تقبله كونه شقيقها فقط، فحمدت الله بأنه وفقها بعدم خسارة زميل بأخلاق علي وإن تكن بأشد الاحتياج لطبيب متخصص يكون محلها بالعيادة والمصحة النفسي لحين عودتها..

توقفت سيارة رحيم زيدان أمام وجهته المحددة، ففتحت شجن نافذة السيارة لتتأمل باهتمامٍ ما الذي يعده لها، تابعها بنظراته الهائمة فقال بثباته الغامض:
انزلي...
فتحت بابها ثم هبطت وهي تتساءل باستغرابٍ:
أحنا هنا ليه؟

تجاهل كلماتها فلف معصمه حول لائحتها، ليجبرها على المضي قدماً، حتى وصلوا للباب الزجاجي الضخم الخاص بأحد محلات المول الكبير، لاح على وجهها بسمة انبهار حينما وجدت ذاتها بمحلٍ فخم، ممتلئ بألعابٍ وملابس الأطفال، تحولت نظراتها لتتعلق بزيتونية عينيه التي تتأملها بترقبٍ رد فعلها، وقفت مقابله وهي تردد بارتباكٍ لعدم اختيارها للسؤال الصائب بذاك الموقف الغريب:
أنت جايبني هنا ليه!.

ابتسم وهو يرد عليها بلهجة ماكرة:
جيبك أنت وهو تنقي اللبس والألعاب..

تلقائياً رفعت يدها تتحسس بطنها المنتفخة قليلاً، وبداخلها حنين لرؤياها وضمه لصدرها، عاطفة كبيرة تسوقها لرؤيته يحمل صغيرها بين يديه، انارت الفرحة وجهها فجعلت نظراتها ساحرة، تقتص من أبواب قلبه فتدفعها بشراسةٍ تزف النبضات أقصوصته بحنينٍ، رغبتها بالتطلع إليه جعله يود قضاء الف عام مقابلها، تعلقت عينيه بشفتيها التي نطقت بكلماتها المستحيلة:
بحبك...

شعر وكأنه فقد السمع، أو شوقه الكبير لسماع تلك الكلمات جعلته يتوهم سماعها، بلل شفتيه بلعابه وهو يسألها بتوتر لم تعهده هيبته من قبل:
قولتي أيه؟.

أخفضت نظراتها أرضاً باستحياءٍ، فتركته وإقتربت من الرفوفٍ الممتلئة بألعابٍ الاطفال الجذابة، ادعت انشغالها باختيار احد الألعاب على شكل سوبر مان، اخذت تلهو به، وكأنها تتفحصه، اتبعها رحيم فاستغل ذاك الرف البعيد عن الأعين، فوقف أمامها محاصرها بجسده الصلب، ابتلعت ريقها بارتباكٍ، فأجلت احبال صوتها وهي تحاول الصمود أمامه:
آآ، آآ...
رفع حاجبيه وهو يهمس بخبثٍ:
مش سامعك!.

وزعت نظراتها بين الارض تارة وبين عينيه فقالت بخجلٍ:
أبعد، المكان فيه ناس!.
أجابها بصوته الرجولي:
ميهمنيش حد، مش شايف غيرك أنتِ..
لم تستطيع إخفاء بسمتها، فرفع ذقنها بأنامله حتى ترى نظراته النافذة إليها، فقال بعد مدة طالت بصمتهما:
كرري اللي قولتيه تاني..
انخضعت لرغبته فقالت على استحياء:
بأحبك...
وبلهجة مرحة اختارتها للهرب من نظراته الفتاكة بعدما ابتعدت عنه قليلاً لتجذب احد العربات المتحركة الخاصة بالتسوق:.

بحبك ومتقبلاك بحالاتك العجيبة..
ضيق عينيه في ذهولٍ:
حالات ايه؟.
قالت وهي تضع اول زي أعجبها بالعربة:
فريد، أو رحيم زيدان الغير مفهوم.
ضحك بصوته كله فاتبعها ليجدها تقف امام أحد الملابس تتطالعها بهيامٍ وفرحة، فوضعتها بالعربة وهي تردد في حماسٍ:
كل حاجة جميلة شكلي هجيب المحل كله..
ثم اشارت بأصبعها تجاهه:
أنا مش طماعة اوعى تفهمني غلط بس هدوم البيبي اللي كيوتة وبتشد كده..

بقيت نظراته مسلطة على بسمتها التي خطفت عقله، فرفع يديه ليمرر أصابعه حلقات حول يدها الممدودة على حافة العربة، قائلاً بصوته الرخيم:
كل اللي عينك تيجي عليه بقى ملكك..
سحبت يدها بخجلٍ فعادت لتنقى ما تريد، اما هو فاستند على حافة الطاولة العملاقة من جواره، فعبث بهاتفه قليلاً، ليجدها تهرول اليه وهي تريه ما تحمله قائلة بفرحةٍ:
شوف الفستان ده جميل ازاي يا رحيم ؟.

وزع نظراته بينها وبين ما تحمله، فحك طرف انفه وهو يتساءل بدهشةٍ:
مش الدكتورة اكدتلك انه ولد!.
اشارت له بتأكيدٍ، ثم عللت موضحة:
آه، بس أنا جيباه لمرين لو صغير عليها حنين تحتفظ بيه لحد ما تعرف نوع الجنين ايه!.
ردد بتعجبٍ:
هي حامل!.
أشارت له بضحكة رقيقة:
ايوه..
ابتسم بفرحةٍ ظهرت على وجهه، فأشار لها بحبٍ:
اختاري اللي تحبيه، انا جانبك هنا هعمل كام مكالمة مش هخرج برة المول..

هزت رأسها بتفهمٍ، فتابعها بنظراته وهو يبتعد عنها، الحب كان يتأرجح بعينيها الهائمة به، ترى ذاتها المرهقة ذات الجدائل التي يطرق الحب بابها للمرة الأولى، أصبحت تعشقه وتعشق همساته إليها، تشتاق لرؤياه حينما يبتعد عنها، انتبهت لوقفتها وشرودها الغريب، فابتسمت وهي تدفع العربة لتستكمل جولتها بالمكان الذي استمتعت بزيارته كثيراً، انشغالها بتطلع الاشياء جعلها لم تنتبه لمن تقف على بعد منها وتشير بأصبعها لوالدتها تتساءل بدهشةٍ:.

مش دي أشجان اللي كانت ساكنة في البيت اللي قصادنا جنب طنط نجلاء..
اعتدلت الأم بوقفتها وهي تتطلعها باهتمامٍ، فاجابتها في استغرابٍ:
أه والنبي هي، بس ايه اللي جابها هنا!.
اجابتها ابنتها بنوعٍ من الشماتةٍ:
سمعت انها بعد ما سابت الحتة هي وأمها اتجوزت واحد غني أوي بس كبير بالسن..
تشدقت الأم باستنكارٍ:
أتاريها سابت الحتة هي وأخوها، فص ملح وداب..
واسترسلت حديثها بابتسامةٍ ساخرة:.

اللي كان يشوفها وهي هتموت ورا ابن نجلاء لما دخل السجن، كان يفكر انها مش هتتجوز ابداً..
اضافت ابنتها بحنقٍ:
ما انا قولتلك ياما شغل الحب وروميو وجوليت اللي كانوا واهمين الحتة بيه كله بالفاضي ده قلة حية، ومصيرها تدور على نصيبها مع اللي يشيك عليها..
وقالت كلماتها الاخيرة وهي تمرر يدها بفخرٍ على الأساور الذهبية التي ترتديها قائلة بغرورٍ:.

لو أنا كنت عملت زيها وحبيت واد كحيان من الحتة مكنش عمري شوفت الخير ده ولا دخلت الاماكن دي عمري..
تعلقت نظرات المرآة بشجن، فلكزت ابنتها قائلة بتسليةٍ:
تعالي يا بت نسلم عليها..
فهمت الاخيرة ما ترمي به والدتها، فدفعت العربة وهي تجيبها بسرورٍ:
بينا ياما..

التقطت احدى الدميات بين يدها، كانت تطالعها باعجابٍ شديد، أرادت الاحتفاظ بها لنفسها فوضعتها بالعربة، كادت بالانتقال للرف القادم فانتبهت لصوتٍ قادم من خلفها:
ازيك يا أشجان عاملة أيه يا حبيبتي..
وقفت قبالتها تحاول تذكر ملامحها المألوفة، فردت ببسمةٍ بشوشة:
خالة أم نعمة، ايه الصدفة دي..
احتضنتها بترحابٍ زائف وصوت القبلات يعلو بطريقةٍ مقززة، ثم تبادلت ابنتها السلام الحارق معها، فقالت الأخيرة بخبثٍ:.

والله وليكِ وحشة يا بنتي، من يوم ما اختفيتي من الحتة انتي وأمك من يوم المشكلة إياها ومحدش عرف يعتر فيكم..
ما مر كان من رواسب الماضي، ومازالت تتذكره حتى وإن لم يكن على لسان أحداً، كادت بأن تجيبها ولكنها استرسلت كلماتها قائلة بلهجتها الماكرة:
البت نعمة بنتي بتقولي انك اتجوزتي راجل كبير بس غني ويعتكم على قرشين، قولتله جدعة بدل ما تخيب خيبة أمها اللي عاشت طول عمرها تصرف على راجل خايب مص دمها..

أشتعلت مقلتي شجن وهي تستمع لتلك المرأة، كانت تظن بأن افتراقهما وتقدمها بالعمر سيغيرها قليلاً ولكنها مازالت ثرثارة كما كانت، بل الألعن من ذلك رغبتها في جرحها عن قصد، التزمت الصمت وهي تتابع ما تمليه المرأة على مسمعها، فتدخلت ابنتها نعمة بالحديث قائلة بلهجةٍ شماتة تزينها بحبٍ كاذب:.

وماله ياما ما كل واحدة بتدور على مصلحتها، الحب محدش بياخد منه حاجة وانا ياما قولتلها زمان سيبك من فريد واستني عدلك وأديها أهو عملت بنصحتي..

اخيراً تحرر لسانها المعقود، فقالت بثباتٍ احترافي وثقة تتزين بها فلطالما كانت ترى الحقد والكراهية بعينها حينما كانت ترى حب فريد لها رغم انهم كن فتيات لا تتعدى أعمارهم الرابعة عشر، وحتى بعد مرور هذا الوقت الطويل مازالت تحقد عليها وتستغل الفرصة التي ظنتها متاحة للشماتة:
فريد هو نصيبي من الدنيا، مهما بعدنا وافترقنا بنتجمع تاني..
أجابتها نعمة بسخريةٍ:
طب حاسبي على كلامك لجوزك يسمعك أو حد كده ولا كده..

ردت شجن بابتسامةٍ واسعة:
وليه مهو جوزي معايا هنا، ثواني أعرفكم عليه..
استداروا سوياً للخلف حينما أشارت لهما على من يتقدم منهن، بذاك الوقت كان رحيم قد انتهى بمكالمته بمراد، فولج للداخل ليرى ان كانت انتهت بعد، رأها تشير له بالاقتراب، فدنا منها وهو يسألها بثباتٍ:
خلصتي يا حبيبتي!
أومأت له برأسها، فانتبه رحيم لصوت المرأة حينما رددت في تعجبٍ:
هو ده جوزك!.

أشارت لها بنعم، فتدلى فك ابنتها للاسفل في صدمةٍ، فسألتها والدتها بدهشةٍ:
مش بتقولي راجل كبير في السن!.
تمكن رحيم من التعرف عليها، فقال بهدوءٍ:
أزيك يام نعمة، عاملة أيه؟.
رددت في ذهو من معرفته لها:
أنت تعرفني!.
كاد بأن يجيبها فقاطعته شجن عن عمدٍ وهي توجه حديثها اليه بدلالٍ متعمدة لفظ اسمه:
أنت عرفتها ازاي يا فريد ده أنا أخدت وقت عما افتكرتها!.
قالت بصدمةٍ:
فريد!.

هزت شجن رأسها وهي تؤكد لها، قائلة بنوعٍ من الغرورٍ يلتمسه رحيم بلهجتها لاول مرة:
كل المعلومات اللي قالتلهالك بنتك صح، بس ناقصة حاجتين اني اتجوزت فريد وقصتنا منتهتش ولا حاجة وانه مبقاش في السجن خلاص بالعكس بقا ظابط اد الدنيا..
بسمة خبث لاحت على شفتي رحيم الذي بدأ بجمع الخيوط ليعلم ما الذي حدث هنا ليجعلها بتلك الحالة الغريبة، ودعتها شجن على مضض:.

يا خبر احنا اتاخرنا وعطلاناكم معانا، يلا يا فريد، اشوف وشك بخير يا خالتي..
وتعمدت قولها بدلالٍ، أشار رحيم للحارس الذي هرول على الفور ليدفع العربة من خلفه، وهو يخبره بحزمٍ:
خد الحاجة على القصر وخلى حازم يبلغ الحرس باللي قولتله عليه..
أجابه الحارس في وقارٍ:
تحت امرك يا باشا...
وغادر رحيم المكان بأكمله ليلحق بها بالسيارةٍ، تاركاً النيران شاعلة باجسادهم لتردد بحقدٍ وهي تتابعه بعينيها الناقمة:
قصر وحرس!.

بالسيارة..
قاد بصمتٍ والابتسامة لا تفارق وجهه، لمحتها شجن والغيظ يتمكن منها، فزفرت وهي تخبره باستسلامٍ:
ست مش طبيعية، لسه فيها طبع الشماتة ده أعوز بالله..
أجابها بمكرٍ وعينيه مثبتة على الطريق: .
ايوه، بس انتي ادتهملها صح، اعتقد انها مش هتفكر تضايق حد تاني...
تعالت ضحكاتها المرحة، فقالت بصعوبة بالحديث وسط موجة ضحكاتها:.

تستاهل هي اللي جابته لنفسها، وبنتها بتقولي قال ايه اتجوزتي راجل كبير علشان القرشين اللي وراه، حصوة في عينها ده أنا متجوزة عم الشباب كلهم..
أوقف رحيم السيارة فاصدرت صوتٍ مزعج، فاستدار إليها ليسألها بجديةٍ:
انتِ مش طبيعية النهاردة، حاسس أن فيكِ حاجة..
تطلعت لذاتها ثم تطلعت اليه وهي تتساءل بخوفٍ:
فيا أيه؟.
رد عليها بسخريةٍ:.

لا مهو ده اللي هحاول اعرفه، مرة بحبك والوقتي بتدافعي عني بطريقة تخليني اشك أنك أنتي اللي قاعدة جانبي، دي هرمونات زيادة ولا أيه؟.
ابتسمت وهي تجيبه على استحياء:
لا دي طبيعتي اللي كنت بحاول ادفنها ورا وش النكد والتفكير في اللي فات، فبقيت بجبر نفسي أبص لقدام وأفتح صفحة جديدة..
ثم اردفت بخبثٍ:
ولا أنت عاجبك شجن كآبة لو عجباك ممكن أرجعها تاني..

استمدت عينيه نور العشق الضائع من عينيها اللامعة، توقفت عن الثرثارة وهي تراه يتأملها بطريقته تلك التي تستهدف قلبها المسكين، ليت النظرات عناق يدوم طويلاً، ليت غصون العشق التي ظللت عليهم بتلك اللحظة تدوم، ابتعدت شجن عنه سريعاً بخجلٍ وهي تلتقط أنفاسها بصعوبةٍ، حاولت ان تلهي نظراتها بالتطلع من نافذة السيارة هرباً من رؤياه بعد سماحها له بخطف ورقة من ريحقها، ابتسم رحيم وهو يرأها تلهي ذاتها، فأكمل قيادة وبعد دقائق طويلة صف السيارة أمام أحد محلات الفساتين المميزة، ليجعلها تنقي ما تريد حتى يتوجهون سوياً لاقتتاح مطعم يوسف..

طرقت على باب غرفتها أكثر من مرة، وحينما لم تستمع رداً ولجت للداخل لتجدها جالسة على الفراش شاردة للغاية، اقتربت منة منها وهي تردد بغضبٍ:
بقالي ساعة بخبط على الباب وانتي ولا انتي هنا!.
اعتدلت سما بجلستها ومازال وجهها عابس للغاية، جلست منة جوارها وهي تتساءل بقلقٍ:
مالك يا بسيوني، مش عويدك النكد يعني؟.

منحتها نظرة جانبية محتقنة ثم عادت للعبوس مجدداً، فأخرجت منة المسكات من الحقيبة الصغيرة التي تحملها قائلة بفرحةٍ:
ده أنا كنت جاية أحطلك المسك علشان بكره بالفرح يكون وشك منور كده، ولعلمك محدش هيزوقك غيري يا عروسة..
الحزن القابع على وجهها جعل الاخرى تضع الحقيبة من يدها لتسألها بجديةٍ:
مالك يا سما، قلقتيني!.
خرجت عن رداء الصمت حينما قالت بخوفٍ:.

ما انتي شايفة اللي حصل مع فاطمة، الفرح اللي رسمته اتهدم وبايد جوزها، خايفة يحصل معايا حاجة من النوع ده..
تفهمت منة قلقها وخاصة بتقارب المدة بين زفافها وزفاف فاطمة، فقالت بهدوءٍ:
أنتِ متشائمة اوي يا سما، اللي حصل مع فاطمة سوء تفاهم والحمد لله ان برائتها ظهرت..
رددت بسخريةٍ يغلفها الألم:
ظهرت بس بعد ما كسرها وهانها..
أمسكت منة يدها وهي تحاول اخراجها مما تفكر به:.

فاطمة تهمك وتهمنا كلنا، بس مش منطقي نربط الاشخاص كلهم ببعض، آدم مش زي يامن..
ثم اخرجت علبة المسك لتقربه منها قائلة بابتسامةٍ رقيقة:
يلا سيبك من كل ده وخلينا نركز في جلسة التنضيف معتش معانا وقت..
اسكانت سما لتتركها تضع المسك وغيره من منظفات على وجه العروس، بينما هي شاردة بوادي أخر الخوف من ليلة الغد هو موجه الوحيد..

مر أكثر من أربعة ساعات ومازال يجلس بسيارته، يراقب القصر جيداً على أمل ان يترك جان القصر لعمل طارق فيدلف ليراها، وقد منحته الظروف ما أراد حينما خرج جان ليتجه للمشفى للأطمئنان على إياد بعدما علم باستعادته للوعي، تابعه حتى صعد لسيارته وما أن غادر حتى تسلل للقصر، فولج من الباب الجانبي ثم صعد لغرفتها دون أن يصدر صوتاً، فتح باب غرفتها وعينيه تشتاق لرؤيتها، وبخطواتٍ حذرة تقدم من الفراشٍ ليجدها نائمة بعمقٍ، جلس مقابلها وهو يتأملها بانكسارٍ، وجهها الشاحب، عينيها المنتفخة التي تنقل له كم الدموع التي لاقتها، كل هذا أستكان الوجع بداخل قلبه الذي يئن ندماً على ما ارتكبه بحقها، رفع يامن أصابعه ثم قربها ليمررها على خديها الأحمر برفقٍ، شعرت بوجود أحداً لجوارها ففتحت عينيها لتتهجم ملامحها فزعاً حينما رأته امامها، كادت بالصراخ به فكمم فمها بيديه وهو يهمس لها بصوتٍ منخفض:.

عشان خاطري اديني فرصة، فرصة واحدة بس، أنا عارف اني غلطت بس والله غصب عني معرفش ازاي عملت كده، الشيطان عماني..
دفعته بعيداً عنها وقد تحرر صوتها المنفعل:
أبعد عني، متقربش مني أنت فاهم..
ابتعد عن الفراشٍ، وهو يشير لها بيديه لتهدأ:
هفضل بعيد بس أرجوكي تسمعيني يا فاطمة ..
وضعت يدها على آذنيها وهي تصرخ بكره شديد:
مش عايزة أسمع حاجة، أخرج من هنا مش طايقة أشوفك..

خنجر مسنون طعن قلبه للمرة التي تعدت الخمس مرات، ومع ذلك حاول السيطرة على ذاته وهو يخبرها بهدوء يجاهد للتحلي به:
اللي حصل كان صعب يا فاطمة، أنا مش ببرر لنفسي الغلط بس أنا جاي علشان اعتذرلك بدل المرة الف وأقولك سلمحيني واديني فرصة أصلح اللي فات..
اجابته بابتسامة منكسرة:
اللي أنت كسرته فيا مستحيل هيتصلح..
ثم استطردت بوجعٍ بدى بصوتها:.

لو عايز فعلاً تحافظ على اللي باقي ليك بقلبي يبقى تطلقني وكل واحد يروح بطريقة..
في تلك اللحظة لم يستطيع ان يظل بعيداً، اقترب ليقف قبالتها وهو يسألها بعدم استيعاب:
انتي بتقولي أيه، اللي بتقوليه ده مستحيل هيحصل أنتي فاهمه!.
قربه منها جعل جسدها يرتجف، تشديده بيديه على معصمها طرحت صورته من امامها حينما جذبها قسراً لطبيبة تكشف سترها لتخبره ان كانت طاهرة أم لا، رددت بهمسٍ خافت وهي تجاهد الاغماء:.

ابعد عني...
تعصبه بتلك اللحظة جعله يتغضى عن حالتها، فبمجرد ذكرها للفراق جعله يهيج كالثور الذي لا يعيقه لجام، لم تحتمل رؤية تلك المشاهد المؤلمة حتى وان كانت مجرد ذكريات فسقطت ارضاً مغشي عليها...

انتهت من عقد حجابها ثم جذبت حقيبتها ونتائج الفحوصات التي طلبتها الطبيبة، لتتجه للأسفل استعداداً للذهاب للعيادة، فتح السائق باب السيارة، فكادت سارة بالصعود ولكنها انتبهت لضوء سيارة ريان الذي هبط ليقترب منها فتساءلت بلهفةٍ:
ريان، طمني إياد أخباره أيه؟..
أجابها بابتسامةٍ هادئة:
الحمد لله يا حبيبتي اياد بقى أحسن..
ثم تساءل باستغرابٍ:
أنتِ خارجة ولا أيه؟.

أجابته بحزنٍ قد تشكل على وجهها لما تشعر به تجاه عدم فرحته بحملها:
الدكتورة كانت طالبة مني شوية تحاليل عملتهم وراحة الاعادة..
هز رأسه، فأشار بعينيه تجاه سيارته:
طيب اركبي، هجي معاكِ..
غمرتها سعادة كبيرة، فرددت بعدم تصديق:
بجد يا ريان!
ابتسم لفرحتها، فأطبق يديه على يدها وهو يهمس بصوتٍ منخفض:
هو أنا عمري ضحكت عليكي يا قلب ريان!.
قالت بابتسامةٍ واسعة:
بصراحة لأ، بس هتوعدني الوقتي بأيس كريم بعد الكشف..

أغلق باب السيارة، ثم انحنى ليطل من النافذة قائلاً بسخريةٍ:
لا انتي كده داخلة على طمع بقا..
أجابته بغرورٍ:
جوزي وأبو عيالي ومن حقي اتغر.
تعالت ضحكاته فقال وهو يدفع المقود:
لحقيتي تجمعي وتعيشي الدور، يلا هضحي وأجبلك اللي انتي عايزاه ليطلع في وش البيبي ويقولوا أبوه بخيل...
تشاركو الضحكات التي بددت الحزن بداخلها، لتراه متحمس لجنينها مثلما تنتظره هي..

فتح عينيه بانزعاجٍ شديد، فتفاجئ مما راه، نهض الجوكر عن الفراش بفزعٍ وهو يردد بعدم تصديق:
حنين!.
تعالت ضحكاتها وهي تهرول سريعاً لتتركه بصدمةٍ كبيرة، يحاول بها استيعاب ما فعلته تلك الحمقاء!، عله يشعر بأنه سيقتلها لا محالة!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة