قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف18

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف18

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف18

لم تستطيع الفرار منه، فكلما سلكت اتجاه أمن للنجاة قطعه عليها ليكون سداً منيع، لم تجد حلول أخرى مقترحة لذا صعدت فوق الفراش وهي تشير له بضحكتها المرتفعة:
أعقل يا مراد..
وزع نظراته بينها وبين الاتجاهين، ليرى كيف يحاصرها من جديد، صرخت بخوفٍ حينما رأته صعد ليقف جوارها هو الأخرى، أشارت له بأصبعها وجسدها يتراجع للخلف:
مش أنت دايماً بتقول عليا مجنونة وأنا بعترف بده..

كادت بأن تتجاوزه، فلف معصمه حولها ليجبرها على التراجع، حتى باتت ذراعيه معتقلاً لها، رفعت عينيها تجاهه فوجدته يتأملها بنظراتٍ قاتمة، بلعت ريقها بصعوبةٍ وهي تخبره بأنفاسٍ مسلوبة:
بشوف حركة الريش دي في كل المسلسلات التركي والهندي فقولت أجربها، أيه أجرمت!.
قرب وجهه منها وهو يهمس بغيظٍ:
أنا حاسس أن ربنا رزقني بطفلتين!.
لوت فمها بتهكمٍ وهي تجيبه بحزنٍ مصطنع:.

أنت ليه أخد كل حياتك بشكل جادي كده ولما بعمل شوية بهجة أغيرلك بيهم المود بتتضايق وتقول عليا مجنونة..
رفع يديه على جبينه الذي يكاد ينفجر من فرط ألم رأسه الذي يهاجمه كلما رأى تصرفاتها، أحنت رأسها في حزنٍ بدى له حقيقي تلك المرة، فخطف نظرة سريعة، ماكرة لجواره، ثم انحنى بجسدها برشاقةٍ ليخطف الوسادة الاخرى، مزقها بيديه ليشير لها بابتسامةٍ مرحة:
يعني دي اللي هتغير مودك يعني، طيب اهوو..

والقى ما بها عليها فتعالت ضحكاتها وهي تدور بجسدها بفرحةٍ، وجد ذاته يبتسم لرؤيتها سعيدة، يعلم بأن بداخل كل امرأة فتاة صغيرة، تتمنى الخروج كل فترة لدقائق معدودة، تنفس بها عما بداخلها، الحياة التي اختبرتها حنين كانت قاسية للغاية، حُرمت من طفولتها فقضتها أما هرباً أو خوفاً من الموت، البهجة التي تصنعها لذاتها بعالمه تصنعها لشعورها بالآمان يحاوطها، فتود تعويض ما خاضته من تجربة مريرة، انتبهت لنظراته المتعمقة بالتطلع لها، فكفت عن الحركةٍ، تلاشت ضحكاتها الواسعة لابتسامة رقيقة، فدنت منه حتى ارتمت على صدره، احتوائها بتملكٍ وعينيه مغلقة كأنه يدفنها بداخله، رددت بأنفاسٍ أنعشت قلبه العاشق حينما قالت:.

بأحبك...
شدد من ضمه لها، ليخبرها بابتسامةٍ رسمت على محياه:
وانا بعشق جنانك..
ابتعدت عنه وهي تطالعه بنظراتٍ مهتمة، فقاطعهما طرق باب الغرفة، لتدلف من بعدها عفاف مسؤولة القصر، لتخبرهما بابتسامةٍ عذباء:
الفطار جاهز..
أومأ برأسه وهو يخبرها بوجومٍ:
روحي انتِ واحنا شوية ونازلين..
غادرت الجناح فجذبت حنين حجابها لترتديه ثم لحقت به ليهبط كلاً منهما للأسفل..

وأخيراً بعد تعب خاضته لساعاتٍ طويلة، فتحت عينيها وعادت لتسترد وعيها، طوفت نظرات سلمى المكان من حولها لتجد ذاتها بغرفتها، ومن ثم تعلقت بالسرير الصغير الذي اشترته مع زوجها من قبل لاستقبال مولودها الاول، اشرق وجهها بابتسامةٍ منيرة وهى تستمع لصوت بكائه الهزيل، ضغطت على شفتيها بقوةٍ من شدة الالم الذي هاجم منتصف بطنها أثر الجراحة، تأوهت بصوتٍ مسموع حينما حاولت الوقوف على قدميها، عبث جان بعينيه بانزعاجٍ، فاستيقظ من نومته المقلقة، ليجدها تحاول النهوض عن الفراش، أسرع اليها وهو يردد بفرحةٍ:.

سلمى أنتي فوقتي!..
استندت على الكومود المجاور لها بتعبٍ شديد فأسرع اليها ليقربها اليه، ثم لف ذراعيه حول خصرها ليحمل ثقل جسدها على صدره، فقال بعتابٍ:
أيه اللي قومك من السرير وليه مصحتنيش!.
أشارت بيدها تجاه فراش الصغير وهي تردد بصوتٍ متقطع:
كنت عايزة أشوفه..
حملها بحذرٍ ثم أعادها لفراشها، وهو يخبرها بضيقٍ:
أنتِ تعبانه يا حبيبتي كنتِ قوليلي وأنا أجبهولك لحد عندك..

داثر جسدها بالغطاء الوثير ثم أسرع للفراش ليحمل صغيره بابتسامةٍ حنونة، ثم قربه اليها ليضعه بين يدها، النظرة الاولى تعد بمثابة توقف الزمان من حولك، كل شيء يعلق بالذهن بتلك اللحظة، كالكاميرا تلتقط كل التفاصيل ثم تعاد لطرحها فيما بعد حينما تعود لاستذكار ما حدث بذاك اليوم المميز، تعلقت عينيها بصغيرها، ذاك الذي حملته ببطنها لتسعة أشهر، كانت تتوق لرؤياه، لرؤية ان كان يشبهها أم يشبه من عشقته حد الموت، رفعت وجهها لمن يقف مقابلها وهي تردد بابتسامةٍ عابثة:.

مش باين شكل مين فينا ليه!.
جلس لجوارها وهو يمرر يديه على خصرها:
لسه صغير يا حبيبتي، وبعدين هيطلع لمين، لو طلع شبه أمه هيبقى واد محظوظ..
رفعت حاجبها باستنكارٍ وهي تسأله:
ليه؟!
رفع بيديه ذقنها ليغمز لها باشتياقٍ:
هيورث كل الجمال ده ومش هيبقى محظوظ..
لوت فمها بحزنٍ وهي تشير له باصابعها:
بس انا عايزاه شكلك أنت يا جان..

ابتسم وهو يتأملها تارة ويخطف نظرة سريعة لابنه الذي ما زال لا يستوعب قدومه بعد، ثم قال بهدوءٍ وعينيه تتعمق بالتطلع بها:
المعادلة صعبة وللأسف ملهاش حلول، أنتِ علشان بتحبيني عايزة الولد شكلي وأنا علشان بموت فيكِ عايزه شكلك..

أغلقت عينيها باستسلامٍ واستندت برأسها على صدره، كادت بأن تغفو لولا طرقات الباب الخافتة التي جعلتها تبتعد بخجل، سمح جان للطارق بالدخول، فولج ريان بصحبةٍ زوجته سارة التي اقتربت منها سريعاً لتطمئن عليها بعدما علمت بما حدث معها بالامس، جلست جوارها قائلة بقلقٍ ملحوظ:
الحمد لله ان ربنا قومك بألف سلامة، انا لما ريان قالي دلوقتي استغربت لأني كنت معاكي عند الدكتورة لما حددتلك اليوم!.
أجابتها سلمى بتعبٍ:.

وانا نفسي استغربت والله يا سارة، كنت فاكراه وجع عادي..
ربتت بيدها على قدميها الممددة:
المهم أن ربنا قومك بالسلامة انتي والبيبي..
أومات برأسها وهي تردد ببسمة رضا:
الحمد لله..
نهض جان من جوار زوجته ثم اقترب منها ليحمل الصغير الذى غفى على قدميها ثم اقترب من سارة، ليقدمه لها، حملته بلهفة وهي تردد بفرحةٍ:
بسم الله ما شاء الله، قمر ربنا يحفظهولك ياررب..
تأملها ريان باهتمامٍ وخاصة حينما قال:.

خالد، جان سماه خالد..
أدمعت عينيها وإن كانت بسمتها الواسعة سيطرت على شعورها الطاغي، فلاحت منها نظرة ممتنة لجان الذي ابتسم لها، تساقطت دموعها رغماً عنها حينما تذكرت أخيها، فقال جان بمزاحٍ عله يخفف عدة الاجواء:
يلا اتجدعني وهاتيله بنوتة، ويا بخت من وفق راسين في الحلال..
انزعجت تعابير وجه ريان الذي أجابه بحدةٍ:
راسين مين اللي بتتكلم عنهم دول، أنا بنتي مش هتتجوز حد الا بمزاجي ده لو قررت انها تتجوز أصلا..

تعالى بكاء الرضيع رغم غفوته بين ذراع سارة، فتعالت الضحكات فيما بينهما، فاستطردت سلمى بضيقٍ مصطنع:
كده تزعل الولد يا ريان..
أضافت سارة من بين ضحكاتها:
متزعلش يا حبيبي لو ربنا رزقني ببنوتة مش هتكون لحد غيرك..
هدأ الصغير بسكون عجيب، فقال ريان بسخرية:
هتطلع مدورها زي ابوك ولا أيه!.
تعالت الضحكات فيما بينهما، فحمله ريان ليطبع قبلة على رأس الصغير ثم وضع مبلغ من المال جواره...

بقصر طلعت زيدان..
ارتفع رنين هاتفه لينذره بمكالمةٍ هامة تطرق شاشة هاتفه، فرفعه رحيم ليجيب وهو يتجه للأسفل مستخدماً الدرج، استمع بحرصٍ للمتصل ثم قال برسمية باحتة:
خليك جنب مراتك..
رد عليه الطرف الاخر، فانصت اليه ليعيد حديثه بلهجةٍ حادة:
حازم انت سمعت انا قولتلك أيه!، خليك جنبها ولما تفوق ابقى أرجع القصر..
وقبل ان يغلق هاتفه قال بلهجةٍ اقل حدة:.

مبارك ما جالك تتربى في عزك يارب، وابقى سلم على ريحانة وقولها حمدلله على السلامة..
وأغلق الهاتف دون أي اطالة بالحديث، انتبه لرحيم لصوتٍ قادم من خلفه، فاستدار ليجد اخيه وزوجته يتشاجران كالعادة، دنا منه مراد وهو يشير له بانزعاجٍ:
الناس كلها بيبقى صباحها بالورد والخير وأنا بجرعة نكد وجنان..
ابتسم رحيم وهو يجيبه بحذرٍ بانتقاء الكلمات المناسبة حتى لا تغضب منه حنين:
اديك قولتلها جرعة يعني تعود!.

راقب المسافة بينهما ثم استدار لاخيه ليجيبه بابتسامةٍ ماكرة:
مهو المصيبة انه بقى تعود..
ابتسم رحيم فهبط بمحاذاته وهو يبلغه بعمليةٍ:
كل ست بتختلف عن التانية بطباعها بس النهاية واحدة يا شريك أننا هنطبع على طباعهم الغريبة دي..
تعالت ضحكات مراد، فقال بعدم تصديق:
لا ده احنا بقينا خبرة بقى وأنا مش أخد بالي!.

رفع حاجبيه باستنكارٍ ونظراته القاتمة بدت كرؤية واضحة بغضبه الثائر، انتبهوا سوياً لصوت نجلاء التي أشارت على المائدة:
الاكل قرب يبرد!.

جلس مراد على يسار مقعد طلعت الذي يترأس المائدة المطولة، وعلى يمينه جلس رحيم، لحقت حنين بزوجها، حتى شجن فجلست جوار معشوقها الذي ود لو ترك الطعام ليظل يتأملها لأخر دقيقة بحياته، وضعت نجلاء أمامهما العسل الأبيض والخبز، والجبن، وضعت حنين كوب الحليب أمام شجن لتشير لها بحزمٍ بان تتناوله، رددت شجن بعصبيةٍ:
مبحبهوش الله!.
أجابتها حنين بنفس ذات اللهجة:
لازم تشربيه علشان البيبي!.

انتبهوا جميعاً لما يحدث حولهم، وخاصة حينما تفادت شجن المشاجرة التي ستطول بينها وبين حنين فتناولته رغماً عنها حتى تتفادى صداع الرأس، غمز مراد بعينيه لرحيم الذي ابتسم بمكرٍ، فحنين تعاونه بالاعتناء بزوجته دون أي مجهود منه، انضمت لهما نجلاء فجلست جوار أشجان تحاورها، أما طلعت زيدان فكان شارداً والابتسامة لا تفارق وجهه، نظراته تتوزع بين أفراد عائلته بفرحة تكاد تمتد بعرض الكون بأكمله، فبالنهاية تحققت أماله بلم شمل أسرته المشتت وحصل على حب حياته بعد عناء، على الرغم من أن الصمت يسود الاجواء بحضور الجوكر والاسطورة المهيب الا ان جلوسهم على نفس ذات الطاولة سعادة بحد ذاتها..

غابت الشمس ثم عادت لتبدد أربعة ليالي على قصور عائلة زيدان استعد بهما العمال بنشاطٍ لتعليق الزينة باستقبال زفاف مروان و فارس، حتى الشباب كانوا يتشركون العمل ولأول مرة بتزين القصور الخمس، وبالطبع تحسنت حالة إياد فحتى ان ظل هو يلازم فراشه ولكن تحسنه كان ملحوظ، فتمكن من الجلوس على مقعد متحرك، قاده ريان بذاته لغرفة مروان، طرق الباب ثم ولج للداخل، تلألأت الدموع بعين ريان حينما رأى أخيه الصغير يتألق بحلى العريس المتألق، بالأمس كان الصغير الذي يحتاج لنصائحه وارشاداته واليوم هو عريس يتزوج بمن أختارها قلبه، وقف مروان قبالتهم يتطلع لهما باهتمامٍ وهو يراقب ردود الافعال على اطلالته، دفع المقعد المتحرك ليصبح إياد في مقابله، فأجلى أحباله الصوتية:.

الف مبروك يا مروان، ربنا يتمملك على خير يارب..
انحنى مروان ليحتضنه بحب وهو يردد بسعادةٍ:
الله يبارك فيك يا اياد..
ثم وقف مقابل ريان الذي يتأمله بنظرةٍ مطولة صامته، جذبه ريان لأحضانه بقوةٍ، فقال بصوتٍ بدى له بالبكاء:
الف مبروك يا حبيبي..
رد عليه بفرحةٍ:
الله يبارك فيك...

ابتعد عنه وهو يحاول ان يتمالك ذاته الا تسقط دمعاته وهو يرى ابنه الذي تولى امره طوال تلك السنوات عريس، ثم أشار له ليهبط معه بهدوء ليتجه لمنزل العروس..

بقصر سليم زيدان حيث تتم تجهيز العرائس، انتهت كلاً منهن من وضع اللمسات الاخيرة، فوقفن أمام المرآة بالفستان الأبيض، ولج للداخل مصور مقاطع الفيديو التذكارية الخاصة بالزفاف، ليلتقط عدد من الصور قبل أن يصل الأزواج للداخل..
بالخارج..
تأفف بغضب وهو يقف جواره ليهمس بملل:
عارف انا الفقرة الرزلة دي نتزل لحد ما العروسة تحن وتلف وتورينا وشها بعد ما خلصت لبس الفستان..

راقب فارس الطريق جيداً ليتأكد من عدم مراقبة أحداً له ثم انحنى على آذن مروان ليردد بضيقٍ:
معلش يوم وهيعدي..
ثم أعدل جرفاته وهو يقدم له باقة الزهور البيضاء ليغمز له ببسمة خبيثة:
كدا أحسن...
ابتسم مروان رغماً عنه وهو يتطلع للباقة الورد ليشير له بنفاذ صبر:
ورد ورد المهم النتيجة اللي في الأخر...

إعتدل كلاً منهما بوقفته حينما أشار لهم سليم بالإقتراب ليصطحب كلاً منهم عروسه، أشار لفارس أولاً فتابعته الكاميرا لتسجيل تلك اللقطة الهامة، ولج للجناح المخصص لزينتها، فطوف المكان بنظراته المتفحصة ليجدها تقف جانباً مولية ظهرها إليه، بدى طولها غريب بعض الشيء ولكنه علل بأرتدائها حذاء عالي، وقف من خلفها وهو يراقبها ببسمته الفتاكة، يود الإقتراب لرؤية وجهها، ولكنها كانت تتمايل يساراً ويميناً لتجعله حائراً، وضع يديه حول خصرها ليجبرها على الاستدارة لتكون بمقابله ليجد طرحة الفستان الطويلة منسدلة على وجهها لتخفيه عنها، وقبل أن يرفعها طلب منه مصور لقطات الزفاف أن يطبع قبلة على جبينها، رسمت بسمة العشق على وجهه وهو يطبع قبلة على جبينها وفجأة برقت عينيه حينما طل آدم من خلف طرحة العروس وهو يتصنع الخجل قائلاً بمشاكسة:.

مبرووك عليك انا يا أبو الفوارس..

تهجمت معالمه لغضبٍ لا مثيل له، فكاد بأن يلكزه بقوةٍ ولكن صوت الضحكات القادمة من خلفه استرعت انتباهه، استدار على مهلٍ ليجدها تقف أمامه بفستانها الابيض الملائكي، غامت الفرحة قلبه قبل ان ترسم على شفتيه وهو يرى محبوبة الطفولة تزف اليه عروس، اليوم سيحصد ثمار صبره الذي طال لسنواتٍ طويلة، زينتها القليلة وعدم مبالغتها بوضع مساحيق التجميل جعلها رقيقة للغاية، اقترب منها كالمشدوه الذي ينجذب لشيئاً دون أي ارادة منه، فوقف مقابلها وهو يردد بانفاسٍ لاهثة، كمن ركض لآلآف الاميال:.

تخيلتك كتير بالفستان الابيض بس متوقعتكيش بالجمال ده!.
تعلقت عينيها به وكأنها كانت تنتظرها، تترقب اللحظة التي تقف بها مقابله عروس تزف اليه، منحته ابتسامة عذباء أججت لهيب الرغبة بداخله، فود لو تمكن من خطفها بعيداً عن هذا الليل الصاخب، عله يحظى ببضعةٍ لحظات منفردة معها...

وقف مقابلها لدقائق مطولة، أصابعه تسري بها رجفة غريبة، يخشى أن يصاب قلبه بماسٍ كهربي حينما يرأها، فربما يحبسها بداخل الغرفة حتى لا يرأها أحداً سواه، هو يعلم كونه متهور ومن المؤكد أن تسوء الامور بينهما ان ارتكب أي فعل أحمق، تمالك مروان ذاته واستعاد كامل ثباته ليرفع الوشاح عن وجهها، ما كان ينقصه سوى تلك النظرة التي خطفت أنفاسه فأصبح كمن ركض لألف ميل، يرأها تتأمله بشغفٍ مثلما يتأملها فخفق قلبه بعنفٍ، وكأنه يوسوس له بالاقتراب منها ليروي ظمأ قلبه القحل، رفع مروان يديه ليلامس خديها الاحمر من فرط الحرارة المنبعثة من وجهها ليردد بعشقٍ:.

أحلى عروسة شافتها عيوني..
خفق قلب يارا بشراسةٍ، وكأنه يروق له كلماته، انتبه للمصور الذي ينحني ليلتقط لهما عدد من الصور التذكارية، فانتصب بوقفته ليحتضن يدها ثم اتبع فارس وعروسه للأسفل..

بالخارج..

ولأول مرة أعدت طاولة ضخمة بمنتصف الحديقة المزينة لاستقبال المعازيم، خاصة بعائلة زيدان بعد ان اختار موقعها الجوكر بذاته، بكل مناسبة كانوا يجلسون بشكل منفرد لكل ثنائي واليوم سيجتمعون سوياً على طاولة واحدة تضم أفرار العائلة بأكملهم، تعالت الزغاريد والموسيقى حينما ظهر العرائس من أمامهما، وخاصة حينما جلسوا باماكنهم على المنصة، تعالت أصوات الموسيقى ليتابعها أصوات الطبول وقرع البيانو الهادئ..

وصل يامن للحفل، فبحث عن زوجته بشوقٍ، الى ان رأها تجلس جوار سارة و ريم، فما أن اقترب منهم حتى أفسحت له ريم المكان بالجلوس لجوارها عن عمدٍ، عل العلاقة بينهما تعود لمجارها الطبيعي، ابتسم يامن وهو يمنحها كلمات تتغزل بجمالها حينما قال:
ايه القمر ده كله، هو النهاردة فرحنا احنا ولا أيه!.
رددت فاطمة باستياءٍ وهي تلكزه:
يامن، الله..
تعالت ضحكاته الرجولية وهو يهمس:.

قمر وبتحلي كل يوم عن اللي قبله، يمكن لانك بعيدة عني!.

انخطف لونها حينما أمسك بيدها بين يديه وعينيه تتفرس بملامحها، نعم كان لطيف معها حينما سمح لها بالبقاء بمنزل عائلتها رغم انه لم يمر على زواجهما سوى بضعة أسابيع، تعلم بأنه اخطأ ولكنها أيضاً منحته السماح، لا شك بأن تقربه منها ومكالماته الشبه يومية تروق لها، ولكنها تعلم بأنه يتمنى عودتها، العودة التي تعد لها بمثابة باب مغلق لوجعٍ قد دفنته، ولكنه سيعود ليقتحم عالمها من جديد رغماً عنها، ستعود صفحات الماضي بطرح تلك اللحظات القاسية لتتردد نفس الكلمات التي حطمتها كأنثى، نعم قد اتخذت قرار من قبل بموضوعها الحساس وكانت تنتظر الوقت الأنسب للحديث ولكن تركته لحين عودتها اليه، وربما قد حان ذاك الوقت..

تناولت نغم من كعك الشوكولا من أمامها بشهية مفتوحة، ثم التقطت قطعة لتقربها من فم شجن، التقطتها شجن منها بابتسامةٍ هادئة تخفي بها ذاك الوجع الغريب الذي يضرب أسفل معدتها، شعرت وكأن الجنين يركلها بكل ما يملكه من قوة، ولكنها حاولت أن تقنع ذاتها بأن تلك الامور عادية وبالاخص بالشهور الاخيرة من الحمل، فقد اعتادت على أمور مختلفة متعلقة بالحمل، بدى التوتر جلي على نغم التي تنظر للهاتف بين الحين والاخر، وكأنها تترقب شيئاً ما يردد بذهنها، فما أن دق هاتفها حتى التقطته ونهضت سريعاً بشكلٍ ملحوظ وابتعدت عن الطاولة بل الحفلة باكملها حتى تستطيع سماع المتصل بانصاتٍ، قلق يوسف دفعه بأن يلحق بها ليرى ماذا هناك، فأتجه خلفها للحديقة الخارجية، ليستمع اليها تردد بدموعٍ:.

مش معقول، أنت بتتكلم بجد!.
قالتها بدهشةٍ كبيرة، ومن ثم جلست على المقعد القريب منها وكأنه كان نجاة لها من السقوط أرضاً، اسرع اليها يوسف ليلتقط الهاتف الملقي أرضاً، فوضعه على الطاولةٍ، ثم انحنى مقابلها ليسألها بقلقٍ حينما رأى دموعها تغمر وجهها:
مالك يا حبيبتي، في ايه، ومين اللي كنتي بتكلميه ده!.

من أرادت رؤياه بتلك اللحظة وجدته أمامها يسألها ما بها، وكأن اليوم هو تميمة حظها، تطلعت ليديه التي تحتضن يدها بصمتٍ طال بتأمله، فقال بضيقٍ من صمتها رغم أنها تعلم بأن دموعها من نقاط ضعفه:
ردي عليا يا نغم مين اللي كنتي بتكلميه وقالك أيه زعلك كده؟!.
تحرك لسانها ناطقاً بأروع الكلمات ودموعها تلاحقها دون توقف:
يوسف، أنا حامل!

جحظت عينيه في ذهول، وانفرجت شفتيه، فاسترسلت حديثها وهي تزيح تلك الدمعات العالقة باهدابها:
أنا كنت شاكة، علشان كده روحت النهاردة وحللت والدكتور كان بيبلغني بنتجة التحليل..
نهض عن الأرض ثم جذبها لتقف جواره، فابتلع ريقه وهو يعيد سؤالها بتوترٍ:
يعني أنتي حامل بجد؟.
هزت رأسها عدة مرات، فاحتضنها بابتسامة واسعة تهلل بحمد:
الحمد لله يارب كنت متأكد أنك مش هتستكتر عليا الفرحة دي..

شددت من احتضانه وهي تردد بفرحةٍ:
الحمد لله..
ابتعد عنها وهو يشير لها بعد تفكير محبط:
طيب يلا نمشي من هنا اكيد انتي تعبانه ولازم ترتاحي علشان انتي حامل، مش عايزك تشيلي اي حاجه، انا هعمل كل حاجه من هنا ورايح، لازم ترتاحي وبس وتأكلي أكل صحي وتبطلي شرب القهوة على غير ريق مفهوم!.
رفعت يدها على وجهه وهي تجبره على العودة قائلة بابتسامةٍ عذباء:
يوسف، انا حامل مش تعبانة!.

قبل يدها التي تحتضن وجهه وهو يردد بدمعة شقت طريقها:
مش قادر أستوعب أو اصدق..
ثم قربها اليه ليجلس على الاريكة المجاورة لها، لتمدد هي بأحضانه..

على أنغام الموسيقى الهادئة تمايلت حنين بين ذراعيه بثباتٍ، نظرات العشق تستحوذ على قلبها، حتى مراد بدى وكأنه لم يرى أحداً جواره غيرها، حتى يامن جذب فاطمة للمنصة فاستندت برأسها على كتفيه وتحركت معه مثلما قاد حركاتها، أما سليم فكان يتحرك ببطئ خشية من أن يلامس حذائه فستانها الأزرق الطويل، وخشية أن تفقد واعيها أثر دوارها الفوضوي، فتمسكت به وسلمته كامل الثقة للتحرك بها...

كانت الاجواء رومانسية للغاية بالرغم من انسحاب العرائس الا ان الشباب أحيوا السهرة برقصهم المرح وخاصة ريان و آدم و جان فكانوا متميزين بأدائهما الرقص الشعبي، حتى وان لم يشارك البعض بالرقص فأنفردوا بزوجاتهم برقص هادئ على الموسيقى الهادئة ك سليم و يامن...
أما رحيم فما أن استلم رسالة من الحارس الخاص به، حتى اقترب من شجن فانحنى على الطاولة من أمامها ليخبرها بثباته الغامض:.

وعدتك ان بعد كل ده ما يخلص هنطلع رحلة باليخت..
ابتسمت بفرحةٍ، فالابتعاد عن ذاك العالم بصحبته لعالمه البعيد أصبح ادمان لها، عشقت البحر الذي كانت تخشاه لاجله، عاونها على النهوض ومن ثم صعدوا للسيارة وكعادته يحملها بين ذراعيه ليستكمل هو باقي الخطوات الفاصلة بينهما وبين اليخت، لا يعلم بأن تلك الرحلة العجيبة ستشهد على مولد من سيأتي ذاك العالم ليكون نسخة مطابقة لأبيه الاسطورة..

بين انشودة القمر المضيء، تجرد القلب من كل خجل اختبره يوماً ما، اليوم هو الحاسم لقصة حب عهدت من الطفولة للبلوغ، وقفت منة مقابله بعدما أدت صلاتها من خلفه، وقفت تتطلع له بابتسامة رقيقة، كانت تعلم بان ذاك اليوم الذي ستصبح به زوجته سيأتي لا محالة ولكنها كانت بحاجة للصبر، وجدته يقترب منها خطوة، فأقتربت هي منه خطوة أخرى حتى وقف قبالتها يوزع نظراته بين عينيها وشفتيها تارة اخرى، فقالت بابتسامة مازالت مرسومة على وجهها:.

كده اتدبسنا رسمي في عش الزوجية اللي اكيد هيكون فيه النكد أكتر من الفرح..
لف فارس معصمه حول يدها وهو يجيبها بعشقٍ:
وأنا راضي بالنكد وبكل حاجة مدام هتكوني جانبي وفي حضني..

تسللت تلك الحمرة الغريبة لوجهها، فلعقت شفتيها بارتباكٍ، كادت بأن تفقد ذاك الثبات الذي حصلت عليه بدافع قوة الحب ولكنه لم يسمح لها بذلك، سحبها تدريجياً لدوافع الحب العتيق، حتى سكن عالمها وسكنت هي عالمه، فأتحدى ليصبح عالم واحد يجمعهما قلبٍ وقالباً..

جلس على الأرجيحة الخارجية لشرفة جناحه الكبير، فأسرعت حنين لتتمدد حتى اصبحت رأسها على قدميه، ربت بيديه على كتفها فتمسكت بأصابعه برجفةٍ خفيفة شعر بها، فخلع جاكيت بذلته السوداء ثم لفه عليها فاحتواها وكأنه هو من يحتضن جسدها، ابتسمت حنين، فهمست بشرودٍ واضح:
ليه ظهرت في حياتي بالتوقيت ده يا مراد!.
رفع حاجبيه بدهشةٍ من سؤالها الغير منطقيّ بذاك الوقت بالتحديد، فقال بصوته الرخيم:
هما حضروا ولا ايه؟!

استندت بجذعيها لتجلس جواره بشكلٍ مستقيم، حتى يرى تعابير وجهها الجادس فيعلم بأنها تتحدث جدياً، لتسترسل بعدها بتوضيحٍ عما تشعر به بالتحديد:
تفتكر ايه اللي كان ممكن يحصلي لو أنت مكنتش في حياتي..
ورفعت شفتيها وهي تكمل ما تقدمه من اقتراحات:
اكيد واحد من ولاد أعمامي كانوا هيقتلوني ولو فشلوا في ده فأكيد برضه انتقامات وتصفية حسابات أبويا كنت هكون أنا ضحيتها، يعني في كلتا الحالتين ميتة وآآ..

بترت كلماتها حينما وضع يديه أمام شفتيها، ليعنفها بغضبٍ:
قولتلك الف مرة متتكلميش عن الموت تاني يا حنين!
ابتسمت رغم الدموع المحاطة لهالتها، فرددت بصوتٍ متقطع من أثر البكاء:
على فكرة أنا بحبك أكتر من نفسي، أنت عارف ده؟.
بأصابعه ازاح دموعها وهو يخبره بعشقٍ يكفيها عمر فوق عمرها:
عارف ومتأكد كمان أنك عارفة أنا بحبك أد أيه!.

وقربها اليه ليحتضنها، فأغلقت عينيها على صدره لتستمع دقات قلبه التي تتسارع كلما اقتربت هي منه، دقائق اتخذتها كمهلة لتغوص ببحور نومها العميق لجواره، فحملها كعادته لفراشها بعد ان خلع حذائها كالطفلة الصغيرة التي تنام بعد حضورها لمناسبة عائلية ابدت بها طاقتها بأكملها، طبع قبلة عميقة على جبينها ليحتويها بداخل اضلاعه قبل ان يغلق عينيه هو الاخر..

رغم ادائهما للصلاة الا انها طلبت الانفراد بذاتها بالغرفة لدقائق ظنها هكذا، ولكن مرأ أكثر من ساعة ولم تخرج، طرق مروان باب الغرفة وهو يردد بقلقٍ:
يارا، أنتِ كويسة؟!.
أتاه صوتها المتحشرج:
أيوه، أنا محتاجة بس أقعد مع نفسي شوية..
جز على أسنانه بغيظٍ وهو يخبرها بلهجةٍ بدت لطيفة:
براحتك يا حبيبتي..
طال انتظاره لساعة أخرى، ففتح الباب ليتحدث بعصبيةٍ بالغة:.

لا كده كتير بقالي ٣ساعات مستني بره وكل ما أخبط تقوليلي آآآ...
بترت كلماته حينما رأها تقف أمامه بقميصٍ طويل من الستان الأبيض، يبرز مفاتنها، بلع ريقه مراراً وكأنه لم يعد يتمكن من التقاط انفاسه، حاولت اخفاء ذراعيها كثيراً، فاحنت رأسها في حرج عظيم، اقترب منها مروان قائلاً بانبهار:
ايه الجمال ده..

لامس بيديه خصلات شعرها البني الطويل، فأغلقت عينيه بتوترٍ، فما أن شعرت باقترابه حتى ارتدت هي للخلف بارتباك، حاصرها بين ذراعيه وهو يسألها بجديةٍ:
بتحبيني يا يارا؟.
بدت نظراتها مرتبكة للغاية، فأومأت برأسها بارتباكٍ، رفض اعترافها الصامت فقال:
عايز أسامعها منك..
اجابته على استحياء:
بحبك..

قُطع الكلام فيما بينهما لينغلق الستار، أراد أن يذكرها بالحب الذي سيكون بمثابة تذكرة للمرور لذاك العالم الذي سيشهد على التحام روحين لعشاقٍ ابادهم مرارة الحب حتى ارتوى بعسله بالنهاية..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة