قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف19

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف19

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف19

ودع يامن، جان قبل ان يصعد لسيارته، فلوح له بذراعيه وهو يخبره بابتسامة واسعة:
أشوفك بعد بكره بالسبوع يا أبو خالد..
ابتسم جان وهو يلوح له هو الاخر، فأشار لفاطمة التي تقف لجواره لتدخل للمنزل:
يلا ندخل..
شعرت بتردد خطاها وذاك الوداع يمزقها، تراجعت للخلف ويامن يراقب حركاتها بلهفة وتمني، رددت بصوتٍ مسموع:
أنا هروح بيتي مع جوزي..
صدمته كانت من النوع الفريد، فترك سيارته وصعد ليكون مقابلها، فقال بعدم تصديق:.

بجد يا فاطمة، هتروحي معايا!.
أومأت برأسها عدة مرات، فاحتضنها يامن بفرحة وهو يهمس بسعادةٍ:
حبيبتي، هينور بيكِ يا عمري..
خجلت من احتضانه لها أمام أخيها، فاندفع جان تجاهه ليدفعه بعيداً عنها وهو يضيف بمرحٍ:
طيب اعملنا حساب يا متر، ايه ما صدقت تقولك هروح يا جدع، أتقل شوية..
دفعه يامن للخلف هو الاخر ثم امسك بيدها وهو يهرول بها للسيارة وهو يخبره بصوتٍ مرتفع:.

الحب مفهوش تقل يابو نسب، أشوفك السنة الجاية مش هجي السبوع بتاع ابنك متعملش حسابنا..
تعالت ضحكاته الرجولية وهو يجيبه:
واطي من يومك يالا مفيش جديد..
غادر بسيارته سريعاً وهو يشير له بمزح، فراقب جان ابتعاد السيارة عن القصر بابتسامة مشرقة، فكان يتعذب لاجل شقيقته، بداخله يتمنى لها نصيب من السعادة وها قد حظت به..

بالطبع لم يكن من السهل عليها العودة لذاك المنزل الذي اهدرت به كرامتها، ولكنها حاولت الغفو عن ذاك الخطأ الجسيم، فتح يامن أضواء غرفتهما الحالكة الظلام وكأنها سحبت نورها برحيلها، فاغلق الباب وأسرع ليقف مقابلها وهو يردد بفرحةٍ:
مش مصدق نفسي، أخيراً أخدت سماح!
بدت مرتبكة للغاية، فنقلت له برودة يدها ما تحاربه، أبعد يامن ذراعيه عنها وهو يجاهد برسم تلك البسمة الثابتة، فقال بتردد:.

متخافيش يا فاطمة أنا مش هعمل حاجة انتي مش حباها، رجوعك هنا معايا عندي بالدنيا كلها..
نظرت له بحزنٍ وهو تحاول مجاهدة تلك الذكريات القاتمة، فقالت بارتباكٍ:
خلينا نغير الاوضة دي انا مش حباها..
حاولت خديها بيديه وهو يجيبها بفرحة:
بس كده انتي تؤمري بكره الصبح هيكون عندك تشكلية أختاري الاوضة اللي تعجبك وهتكون عندك.

ابتسمت برضا لاقتراحه السريع وترحيبه بالفكرة التي ظنتها ستكون غير مستحبة وخاصة بأنها مازالت حديثة، تعلم بان تغير الغرفة او المنزل بأكمله لن يغير ما حدث ولكنها ستجاهد لتلك الرحة النفسية التي قد تحظى بها لخوض حياة مع من أحبته من جديد، بدت مرتبكة وهي تتأمله في محاولاتٍ بائسة للحديث عما بداخلها فقال:
مالك يا فاطمة، عايزة تقولي أيه ومترددة!.
عبثت بطرف فستانها، فأخفضت نظراتها عنه لتتشجع بقول:.

أنا اتفقت مع دكتورة زميلتي تعملي العملية علشان أقدر أكمل حياتي معاك بشكل طبيعي..
انزعج من اقترحها في وقتٍ كذلك، فشعر بأنها مازالت تفكر بما يود محيه من ذاكرتها، فقال بعد مدة من الصمت:
بلاش نتكلم بالموضوع ده الوقتي..
واغلق الضوء ثم جذبها قائلاً:
تعالي ننزل ننام بمكتبي لحد ما نغير الاوضة..

وبالفعل هبطوا سوياً ليفتح مكتبه القابع بالاسفل، فتفاجئت بوجود فراش صغير، جلس على المقعد المقابل للفراش ليشير لها بابتسامةٍ هادئة:
ارتاحي يا فاطمة أنا هنام هنا..
تطلعت لمقعده الغير مريح لتخبره بتردد:
ليه تنام هنا ما في سرير!.

يبدو أن الحياة قد اقبلت بذراعيها عليه اليوم، تمدد جوارها وهو يشعر برجفة جسدها، ما حدث بالماضي يعود بالسوط القاسي الذي يجلدها، على الرغم من انها تدير ظهرها اليه الا انه كان يشعر بها كلما انتفض جسدها، جذبها يامن اليه ليحتضنها بقوةٍ وهو يردد بدموعٍ طافت به:
أنا أسف على كل حاجة يا فاطمة ، بجد أسف..

التفتت اليه لتبادله ذاك الحضن الذي احتاجت اليه اكثر منه، لتشعر أخيراً بأن براعم الحب عادت لتظلل على وحدتها البائسة، غفلت على صدره بعد وقت قضته باغلاق عينيها حتى تمكنت من النومٍ اخيراً فوضع الغطاء فوق جسدها ليقضي ليله بتأمله بعدم تصديق من عودتها وغفلتها بين احضانه!.

ضربات مؤخزة أخذت تضرب معدتها دون توقف، في كل مرة كانت تزداد حدة وألماً، شعرت شجن بتسلل شيئاً لازق من أسفلها، ففتحت عينيها بفزعٍ حينما شعرت بأنها على مشارف الولادة، فصرخت بكل ما امتلكته من قوة وهي تردد:
رحيم!..

تلك الضربات المتتالية التي أصابت رحمها جعلتها تتلوى ألماً، فلم يعد بمقدورها التحمل، انطلقت صرخاتها المتألمة وندائها المتكرر بأسمه يصدح بالطابق الأسفل من اليخت، فسمعه رحيم الذي استغل غفلتها بين أحضانه ليتسلل فجراً للأعلى حتى يراقب غرفة القيادة ومسارات اليخت من أمامه ليتأكد بأن الامور على ما يرام، هرع للأسفل بفزعٍ حينما استمع لصوت صراخها المتكرر وكأن سوء قد أصابه قبل أن يصيبها، فتح الباب الجانبي لغرفتهما، ليدنو من الفراش وهو يتساءل بخوفٍ:.

في أيه؟!
حاوطت بطنها بيدها وهي تجيبه ببكاءٍ حارق:
مش قادرة، هموت من الوجع..
وأطلقت صرخة مداوية وهي تستطرد بوجعٍ:
أنا بولد!..
شتت عقله فلم يعد يستعب ما يستمع اليه، فردد كلماتها على لسانه مجدداً ببطءٍ ليحاول فهمها:
بتولدي!.
بكت بانهيارٍ كلما أصبح الألم أشد قوة عن ذي قبل، فتشبثت بذراعيه وهي تصرخ دون توقف، حاوط خصرها بيديه وهو يخبرها:
أهدي يا حبيبتي، متخافيش أنا هتصرف..

ضغطت بيدها على بطنها وهي تجيبه ببكاءٍ:
هتتصرف ازاي وأحنا في عرض البحر!.
شعر بالضجرٍ من قراره الاحمق بتلك الرحلة الخاصة التي اختارها بذاك الوقت وخاصة بأنها بالشهر الأخير من حملها، رفع رحيم يديه على وجهها بحنان، وهو يجبرها على التطلع له، ليردد كلماته ببطءٍ وثقة:
مش هسمح أنك يجرالك حاجة لا أنتِ ولا اللي في بطنك..
ثم شدد من ضغطه على يدها: .
ارتاحي انا شوية وراجعلك..

هزت رأسها باستسلامٍ، ثم عادت لتتمدد بمساعدته على الفراش، اما هو فصعد لسطح اليخت ليبحث عن هاتفه، فما أن وجده حتى طلب رقم اخيه، ترقب أن يجيبه بصبرٍ كاد بأن ينفذ فما ان أتاه صوته الناعس حتى قال بلهجةٍ سريعة:
مراد فوق واسمعني، شجن بتولد وأحنا على اليخت، هبعتلك الموقع حاول توصل باقصى سرعة بالطيارة..

كانت كلماته مبهمة وخاصة بايقاظه بذاك الوقت، فتح عينيه على مصرعهما حينما استمع الشق الاخير من حديثه عن ولادة زوجته، فترك مراد فراشه ثم سحب قميصه الأبيض الموضوع على المقعد المجاور له ليخرج بخطواتٍ حذرة للخارج، حتى لا تستيقظ قصيرته ذات اللسان السليط على أثر صوته، فما ان خرج للشرفة حتى قال بتفهمٍ:
متقلقش، أبعت انت الموقع وأنا دقايق وهكون عندك...
وقبل ان يغلق الهاتف، أردف:.

حاول تهدأ يا رحيم، انا مش هتأخر عليك..
وأغلق الهاتف ليهرول سريعاً لخزانته، جذب أول جاكيت التقطته يديه، ثم هرول سريعاً للأسفل، ليأمر حارسه الخاص بأن يجهز طائرته الخاصة في التو والحال..

ما أن أنهى مكالمته مع أخيه حتى هبط سريعاً اليها، فوجد حالتها قد أزدادت سوء، كانت تعض بأسنانها على الملاءة البيضاء من جوارها، تكبت تلك الصرخات القاتلة، ولأول مرة يشعر رحيم زيدان بالعجز، لا يعلم ماذا يفترض به أن يفعل بتلك اللحظة، أن يرأها تتألم وتبكي بذات الوقت هو أمراً قاتل بالنسبة اليه، للحظة لعن ذاته بأنه من تسبب بذاك الوجع اللعين التي تجابهه وإن كان يموت شوقاً لرؤية ذاك الجنين الذي حمل ثمار عشقهما، فُرض عليه أن يعود لصلابته وثباته المعتاد وخاصة بذاك الموقف، ليتمكن من مساعدتها، أقترب رحيم منها، فرفع رأسها بين ذراعيه ليمسح عرقها النابض على جبينها، اعاد تلك الخصلة المتمردة من شعرها وهو يردد بألمٍ يضاهي ذاك الألم الذي تحاربه:.

خليكي قوية واتحملي، كلها دقايق وهنخرج من هنا أوعدك..
كورت يدها التي أبيضت من فرط ضغطها القوي، صوتها كبت، ليتحرر بصراخٍ مصحوب بتأوهاتٍ:
آآه، آآآنا، مش هلحق المستشفى، أنا بولد!.

فهم من كلماتها الاخيرة بأنها تشعر بأقتراب تشريف ابنه لتلك الحياة، لم يكن أمامه أختيارات لينقي ما يناسبه، رمشت بعينيها عدة مرات وهي تجاهد ذاك الاغماء الذي يكاد يبتلعها بجوفه أكثر من مرة، فلطمها بيديه برفقٍ على خديها، قائلاً بخوفٍ:
خليكي معايا، أنا هحاول أساعدك وأنتِ كمان لازم تساعديني...

دقائق متعثرة، قضتها بمجابهة ذاك الألم العصيب، ليختم بصرخةٍ مزلزلة، أتبعها صوت المولود، الحفيد الأول لطلعت زيدان، والابن الوحيد ل رحيم زيدان، أغلقت شجن عينيها باستسلامٍ لفقدان الوعي، والمشهد الذي ظلت تتمناه رأته قبل أن تنغلق عينيها، حينما رأته يحمل مولدهما الأول بين ذراعيه..

أرتعشت أصابعه وهو يحمله بين يديه، فكان يخشى أن يطبق اصابعه حول جسده الصغير فتتحطم عظامه الهاشة، نظرات مطولة تعلقت به لأكثر من عشر دقائق، مازال لا يستوعب بأنه شرف الحياة بقدومه، اتخذ وقتاً كبير حتى أستعاد واعيه، فلفه بأحد أغطية الفراش الموضوعة لجواره، ثم وضعه بالفراش ليعود سريعاً لمعشوقته، أنقبض قلبه رعباً حينما رأها فاقدة للوعي، حملها لصدره وهو يهزها بفزعٍ:
شجن، حبيبتي فووقي!.

تجمدت تعابير وجهه الصارم، ليعاود ندائها من جديدٍ:
شجن!.
لا يكفيها ذلك الألم الذي عصف بها منذ الساعات الاولى من حفل زفاف مروان و فارس، لا بل كانت هناك حرباً أخرى لتتمكن من استرداد وعيها لتطمنه عليها، بصعوبةٍ بالغة تمكنت من فتح أجفانها الثقيلة، لتهمس بابتسامةٍ شبه شاحبة:
جبت بنت ولا ولد!.

ابتسم بفرحةٍ، فطبع قبلة عميقة على جبينها، ومن ثم مرر يديه على طول شعرها المفروض من خلفها ليجيبها على مهلٍ ليحصل على اهتمامها كاملاً لما سيخبرها به:
زين، جبتي زين..

ابتسمت لقبوله الأسم الذي اختارته له ثم غفت مجدداً بين ذراعيه، ضمها لصدره بقوةٍ، فتلك اللحظات مرت عليه كالعهد، قلبه كاد بأن يتوقف اكثر من مرة كمن يجري عملية خطيرة بالقلب ليصارع الحياة، يعلم بأن الطب تقدم كثيراً فانتشرت بالفترة الاخيرة الولادة القيصرية عن طريق التدخل الجراحي، فكان يظن بأن زوجته ستكون منهن، ولكنه تفاجأ بولادتها الغريبة وبذاك المكان، والصادم أيضاً بأنه من عاونها على الولادة بدلاً من وجود الطبيبة، اطمئن قلبه حينما أطمئن عليها، لذا نهض ليبحث لها عما ترتديه وخاصة بأن مراد قد اوشك بالوصول إليه، جذب رحيم جلباب أسود من الستان موضوع بخزانتها ثم ألبسها ليعود بعد ذلك بالحجاب الذي لفه بأحكام على شعرها، فما أن أنتبه لصوت الطائرة التي تحلق فوق اليخت حتى حمل الصغير بحرصٍ، ليصعد به للأعلى...

هبط مراد للأسفل، ثم استخدم الدرج الصغير الجانبي، ليصل للطابق السفلي، ليجد رحيم يقترب منه وبدى أنه يحمل بين يديه الرضيع، وضعه رحيم بين يد الجوكر الذي تساءل باستغرابٍ فور رؤيته:
أيه ده، هي ولدت!.
أشار له برأسه وهو يشير له باهتمامٍ:
غطي وشه كويس الجو هوا، وأنا هجيب شجن..
وكاد بالهبوط للأسفل مجدداً ولكنه عاد ليضيف:
مراد، اطلب حد من الحرس يجيب الدكتورة القصر..

ابتسم وهو يوزع نظراته بين أخيه والصغير، فأجابه مازحاً:
واضح أنك اكتسبت خبرة جنب الاسلحة والذخيرة وبقيت دكتور نسا وتوليد!.
ابتسم الاخير ليرد عليه بسخريةٍ:
أحنا جاهزين لأي مهمة صعبة!.
تعالت ضحكاتهم الرجولية، ليشير له مراد بتحذيرٍ بعدما تفحص غيمات السماء المنطفئة:
هات أشجان بسرعة، لان شكلها هتمطر..

هبط للأسفل سريعاً، فأنحنى ليحملها بين يديه، ثم صعد بها لمتن الطائرة ليتحرك مراد عائداً للقصر بعدما أمر بأحضار الطبيبة على الفور..

حينما تحاوطك الخطايا فتهاجمك لتجردك من كل ذرة خير امتلكتها يوماً، يصبح الخير مبتور من قلبك قبل ان يبتر منك، وربما كل فترة تعاني من هواجس الخوف من لقاء الله عز وجل وأنت مدنس بالمعاصي، ولكن تلك اللحظة قد لا تستمر طويلاً إن حاربك الشيطان فيجعلك تتعمد تجاهل هذا الشطر المزعج، أما من صرح الله بتوبته يحاربه حتى أخر أنفاسه، كحالها لم يهبها الله فرصة لحياة أخرى فحسب، بل من عليها برجلٍ قلبه من ذهب، وعاد ليمنحها هدية ثمينة أخرى بأن رزقها منه بطفلة جميلة، وزعت ريحانة نظراتها بين حازم الذي يتمدد لجوارها وبين طفلتها التي ولدت بوقتٍ غير متوقع من شهرها السابع، ضمتها لصدرها ودموع الفرحة تنسدل في صمتٍ، ليترك لسانها ناطقاً بسعادةٍ:.

الف حمد وشكر ليك يارب..

وصلت الطائرة لقصور عائلة زيدان، فبحث مراد عن مساحة واسعة أمنة للهبوط، ليهبط بها بحرافيةٍ حتى لامست عجلاتها الأرض الصلبة، انفتح بابها ليتدلل الدرج المتنقل للأسفل، فهبط رحيم حاملاً أشجان بين يديه، ليتجه لجناحه سريعاً تاركاً مهمة الصغير للجوكر الذي حمله ثم صعد به ليتجه لجناحه حتى يوقظ حنين لتتدبر أمر الصغير لحين أن تسترد شجن عافيتها..

شعرت بالبرودة تنخر عظامها فعلمت بأنها تغفل بعيداً عن أحضانه، تحركت حنين بجسدها للجانب الأخر من الفراش بعينين مغلقة، بحثت عنه لتنام بين ذراعيه، فتحت عينيها حينما شعرت بالخواء من جوارها، فرددت بدهشةٍ:
مراد!.

انحنت بجسدها تجاه المصباح القريب من الفراش، أشعلته لتجوب بعينيها الغرفة بأكملها، فشملت حمام الغرفة بنظرةٍ متفحصة فما أن وجدته فارغ حتى تملكها الخوف، هو من فعل بها ذلك، لغيابه المفاجأ عنها، جعلها تختبر الخوف القاتل كلما غاب عنها، ارتدت روبها القطني لتناديه بخفوتٍ:
مراد!.
تدفقت الدموع من عينيها بعدما خيل لها بأنه تركها كعادته، فجلست على الأريكة باهمالٍ وهي تحدث ذاتها قائلة ببكاءٍ:.

ليه مصمم تجرحني المرة دي كمان وأكون لوحدي من غيرك!.
انسدلت دموعها دون توقف، فتكورت على ذاتها بانكسارٍ..
ولج لداخل الجناح، فوضع الصغير بغرفة ابنته، ثم ولج لغرفتهما المجاورة، صُدم حينما وجدها تحتضن ذاتها وتبكي بانهيارٍ، اقترب منها بخطواتٍ متهدجة، فوضع يديه على قدميها، قائلاً بدهشةٍ:
حنين!.
رفعت وجهها الموضوع بين يدها، فرأته يقف أمامها، ازاحت دمعاتها العالقة باهدابها وهي تردد بفرحةٍ وعدم تصديق:
مراد!.

ثم نهضت لتتعلق به بدموعٍ لحقت صوتها المتقطع:
كنت فاكرة انك سبتني وسافرت تاني..
قربها اليه بحزنٍ من حالة الذعر التي زرعها بداخلها، فضمها هامساً بدفءٍ اجتاحها:
أنا وعدتك أني عمري ما هبعد عنك تاني يا حنين..
رفعت رأسها لتتعمق بالتطلع لعينيه الزرقاء، فزمت شفتيها بتذمرٍ:
أنت اللي عملت فيا كده على فكرة وبعدين أنت كنت فين بالوقت ده!.
تغاضى عن الجزء الاخير من سؤالها وأجاب عن ما قالته بالأول:.

كان غصب عني لكن دلوقتي مستحيل هرجع أبعد عنك تاني صدقيني..
بجديةٍ باحتة قالت:
بجد يا مراد توعدني؟.
مرر يديه على طول ذراعيها بحركاتٍ دائرية:
اديتك وعد مرة وأنا كلمتي سيف.
تلك النظرات المهلكة جعلت بسمتها تنضج بالحياة، ثوانٍ فدقائق ومازال كلاهما غارقاً، أفاقتة حنين من بساط أحلامها الوردية على صوت بكاء طفل صغير، يأتي من الخارج بجناحها، ضيقت عينيها في ذهولٍ جلي، فتركته وخرجت من الغرفة، قائلة بذهولٍ:.

أيه الصوت ده!.
تفحصت الردهة المطولة الفاصلة بين غرفتها وغرفة ابنتها، فلم تعثر على شيء، كادت بالعودة لمراد ولكن صوت البكاء مازال مسموع، فتحت باب غرفة ابنتها وهي تردد بتعحبٍ:
ده مش صوت مرين!.

شهقت في صدمةٍ حينما وجدت طفل رضيع بفراش ابنتها الصغير الذي لم يعد يليق بها، فصار الفراش الاكبر حجما يناسبها، تصنمت محلها بتلك المسافة الفاصله بينها وبينه، قطع شرودها حينما رأت مراد يحمله بين ذراعيه، كاد فمها أن يصل للأرض من فرط ما رأته برمة عينيها، انطلقت الشرارات تبعاً من نيران عينيها، فقالت باندفاعٍ:.

مين ده!، انت اتجوزت عليا يا مراد، أنا كنت حاسة انك لما كنت بتختفي كنت مدورها مع واحدة شمال ومن عملك الاسود هتلاقيها ماتت وهي بتولد المحروس وأنت جاي تترجاني علشان أربيلكم الواد بس ده على جثتي يعنيا أنت مش جايبني هنا مربية ليك ولعيالك!.
فرك بيديه جبينه وهو يجاهد للثبات الذي فقده منذ ان ولجت تلك المجنونة لحياته، تعصبت للغاية من صمته الغير مقبول بالمرة، فصرخت به بحدةٍ:
ساكت ليه ما تنطق، ابن مين ده!.

التقط نفس عميق ثم زفره على مهلٍ، ليخرج عن طور صمته أخيراً:
هو ابني فعلاً بس مع فرق بسيط ان أسم رحيم اللي هيتكتب بعد اسمه..
مررت الكلمات على أصابعها بالتدريج لتفهم ذاك اللغز الغريب المطروح من أمامها فما أن وعت لمقصده حتى قالت بدهشةٍ:
ابن رحيم!، هي أشجان ولدت أمته، وازاي مش تقولي؟!.
منحها نظرة قاتمة قبل أن يرد عليها بسخطٍ:
هو أنتِ مدية فرصة لحد أنه يتكلم!.

وتركها وتوجه للمغادرة، وقبل ان ينعطف لغرفته استدار ليسترسل بنبرةٍ شرسة:
دماغك المتركبة شمال دي لو الأريل متعدلش هجيبه أرضي..
وتركها وغادر من أمامها، تلقائياً لفت يدها حول رأسها بخوفٍ، فرددت بتهكمٍ:
متوحش!.

وكفت عن همساتها الجانبية لتقترب من الصغير، بابتسامة حنونة، اتجهت لخزانتها لتنقي ما قد يليق به، ومن ثم أعدت له الحليب الدافئ المناسب لسنه الصغير، ثم اقتربت منه لتحمله بعدما جهزت المياه الدافئة والقليل من الشامبو، ارتسمت ابتسامة ناعمة على وجهها حينما حملته بين ذراعيها لأول مرة، فشعرت بشيئاً غريب بداخل رحمها، وكأن صغيرتها قد تسعى للترحيب بنصفها الاخر الذي سبقها، اشارة غريبة غير ملحوظة تجاهلتها حنين وأخذت تنظف الصغير لتطعمه ومن ثم ابدلت ثيابها لتتجه لغرفة أشجان..

نصف ساعة استغرقتها باتمام مهامها المتكاملة مع الصغير، ثم حملته وتوجهت لجناح رحيم زيدان بترددٍ وخاصة بأن الوقت مبكراً للغاية؛ ولكن قلقها عليها دفعها للمضي قدماً، طرقت الباب مرة ثم وقفت تنتظر الرد، لتجد رحيم من أمامها، تطلعت له حنين بخجلٍ شديد، فقالت بتوترٍ:
أنا أسفة اني بقلقكم بوقت زي ده بس حقيقي مش هقدر أنام من غير ما اطمن على أشجان..
عاتبها بزعلٍ بدى بلهجته الحازمة:.

أنتِ تيجي في اي وقت يا حنين ومن غير أي مقدمات، وبعدين احنا منمناش اصلاً الدكتورة كانت جوه ولسه ماشية..
ثم فتح الباب على مصرعيه ليشير له بالولوج، فما ان دخلت حتى وجدت مراد يلحقها فولج هو الأخر للاطمئنان على زوجة أخيه، حاملاً ابنته الصغيرة بين يديه بعد ان أفاقت على صوت بكاء زين..
بخطواتٍ سريعة اتجهت لغرفة نومهما، فدنت من الفراش لتنتبه الاخرى للقادم، فرددت بابتسامةٍ شاحبة:
حنين!.

وضعت حنين الطفل جوارها على الفراش الكبير ثم انحنت لتكون مقابلها، فقالت بدموع تتلألأ بعينيها:
الف حمدلله على سلامتك يا حبيبتي، ومبارك ما جالك ما شاء الله زي القمر..
ابتسمت وهي ترد عليها بحبٍ صادق:
الله يسلمك يا حنونة..
ثم خطفت نظرة سريعة لابنها لتضيف بتعبٍ:
استلمتي مهمته بدري اوي، تعبناكي معانا..
قالت بعتابٍ:.

بقى كده، لا يا ستي مفيش تعب ولا حاجة أنا زعلت بس لاني كنت عايزة اكون جانبك بالوقت ده، ده انا اتفاجئت من مراد بولادتك..
كبتت ضحكة كادت بأن تنفلت منها لتصطحب معه وجع، قائلة بمرحٍ:
ولا أنا كنت أعرف وحياتك انا اتفاجئت لقيت نفسي بولد وكنا في اليخت..
لطمت صدرها تلقائياً وهي تضيف:
يا خبر طيب وعملتي أيه!
ضحكت اشجان بصوتٍ مسموع لتتأوه بعدها بألمٍ، فقالت بعد سيطرة تامة بذاتها:
لا موضوع كبير هحكيهولك بعدين..

قطع الحديث المطول بينهما مراد الذي طرق بأصابعه عدة مرات، لينتبهوا لقدومه، فولج حينما منحته شجن اذن الدخول، جلس مراد على أقرب مقعد بعيد عنهما ليضع ابنته الصغيرة مرين على قدميه، قائلاً بابتسامةٍ مشرقة:
حمدلله على سلامتك يا أشجان..
ردت عليه بمحبةٍ وعينيها تتطلعان للصغيرة بحنانٍ:
الله يسلمك..
ثم استطردت بعتابٍ:
أيه اللي مصحيكي بالوقت ده يا ميري!.

أجابها مراد وهو يعيد خصلات شعر الصغيرة عن عينيها، فتلك الفتاة لم ترث عين أبيها الزرقاء فحسب بل وشعره الطويل والغامض بالامر بأن وشخصيتها المجهولة، شبيهة أبيها كما يزعمون:
صحت علشان تتطمن عليكي هي كمان.
ابتسمت شجن وهي تخبره بحبٍ:
دي روح قلبي والله..

ثم أشارت بيدها لحنين، فأقتربت من زوجها لتحمل الصغيرة عنه، ثم توجهت لشجن التي طبعت قبلة عميقة على خديها الاحمر الشبيه بحبات الكرز الشهي، ولج رحيم هو الأخر، فانحنى بجسده تجاه الفراش ليحمل الصغير بين يديه، ثم جلس جوار اخيه يتأمله بسعادةٍ واضحة، مرر مراد أصابعه على وجهه وهو يغازله قائلاً بمرحٍ:
شرفت قصر أل زيدان يا عمهم، يلا بقا أكبر علشان أخدك ادربك كده وأخليك أسد في نفسك..

ضحك رحيم بصوته كله، فهمس لاخيه بمكرٍ:
تفتكر هيستحملنا ولا هيبقى خرع..
مشط الجوكر بعينيه المكان من حوله، فوجد أشجان تتحدث مع زوجته، فقال بخبثٍ:
الواد ده مش هياخد في ايدنا غلوة، فالمفروض اننا نتقل عليه ونفهمه كل حاجة واحدة واحدة..
زم شفتيه بعدم رضا:
لا مش عايزه خرع بقولك..
وضح له بانزعاجٍ:
مهو هيتعلم بس واحدة واحدة عليه الواد لسه ابن يوم!
سحب نظراته لابنه الصغير فقال بعد تفكيرٍ عميق: .

على رأيك أما يكبر شوية هيبقى لينا كلام تاني..
فتذكر حمل حنين، فأخبره بابتسامةٍ شيطانية:
مش يمكن حنين تجبلك ولد وندربهم الاتنين مع بعض!.
رد عليه بابتسامةٍ واسعة تكاد تصل للأذن:
لا حنين هتجيب بنت ان شاء الله وده من رحمة ربنا بيهم لانه عارف اني مكنتش هرحمه مش بعيد ادخله الجيش ١٠سنين..
وضعت حنين ابنتها أرضاً، فاستخدمت يدها وقدميها لتتحرك حتى وصلت لابيها، فتحرك لسانها ناطقاً بطفولية:
أبا، ب...

انتبه كلاً منهما اليها، فناول رحيم ابنه لمراد ثم حملها بين يديه، ليطبع عدد من القبلات المتفرقة على وجهها، هامساً بخبثٍ:
لا يا روحي متزعليش، فكك من ابوكي أنا اللي هعلمك كل حاجة بنفسي وهنشوف أبوكي رده ايه!.

عبث مراد وهو يتذكر وجود الاب الأخر لبناته فأن كان سيتحكم بذاته عن تعليم فنون القتال عنهن فيوجد الأخطر منه، تمنى لو يتمكن من زرع هذة الفنون بهن ولكنه لن يحتمل رؤية احداً من بناته تخدش او تتعرض للأذى في سبيل التدريب الشاق، وكأن القدر وصم لكل طفل المدرب الخاص به، فالجوكر يحمل ابن رحيم والاسطورة يحمل بنته، فعلم الآن من سيكون المدرب الخاص لكلاً منهما..
انتبهوا سوياً لصوتٍ حنين حينما قالت:.

طيب يا حبيبتي انا هسيبك ترتاحي وبكره هجيلك اطمن عليكي ان شاء الله..
أمسكت شجن ليدها، ثم قالت برجاء:
لا متسبنيش يا حنين انا محتاجالك..
وزعت حنين نظراتها الخجلة بين زوجها ورحيم، الذي نهض ليزح عنها هذا الحرج حينما قال:
خليكي معاها وأنا هبات في أي اوضة بره الجناح..
نهض مراد هو الاخر، فوضع الصغير بسريره الصغير، ثم حمل ابنته ليشير له بجديةٍ:.

أوضة ايه اللي هتنام فيها، أنت هتنام معايا بجناحي ومن غير كلمة زيادة..
لحق به وهو يردد ببسمةٍ مشاكسة:
المرادي مش اجبار، هنام في اوضة واحدة وجنب بعض بالاختيار..
تعالت ضحكات مراد الرجولية، وهو يهمس له بغمزة:
متقلقش هتنام بالجنب اللي يريحك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة