قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف1

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف1

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف1

يترنح الهواء عالياً بين أشجار البتولا الجبلية المنخفضة التي تتخللها بعض أشجار الصنوبر حيث لا توجد الغابات الحقيقية إلا في المناطق الشجرية القليلة، والتي تكثر فيها أشجار الصنوبر أو التنوب، وقفت بفستانها الأزرق بعيداً عن الخيمة السوداء المنصوبة بحرافيةٍ فائقة تتأمل الأشجار التي تهتز أوراقها بدلالٍ، ابتسامة ساحرة رسمت على طرفي شفتيها وهي تفرد ذراعيها بالهواء الطلق، للحظةٍ شعرت بالرضا لإنصياعها أخيراً لقرار رحيم حينما قرر التخييم على أحد جزر فنلندا، أمتد بصرها للستنقعات المفتوحة بين الغابات، منها مستنقعات كبيرة للغاية في المناطق المنخفضة بالرغم من أن الغابات تضم أنواعًا قليلة من الأشجار في مدينة فنلندا فهي تختلف كثيرًا عن بعضها البعض وقد تتجاور غابات التنوب مع غابات الصنوبر التي تضيئها الشمس، والتجاويف المستنقعية والصخور السفلية المفتوحة حيث تتسم كثير من الغابات بالرطوبة والتربة الطينية، لذا قد توصف بأنها مستنقعات هذا، وتغطي مختلف أنواع المستنقعات ثلث مساحة فنلندا وتتكون سدس هذه المساحة من أراضٍ طينية ليست فيها أشجار في مدينة فنلندا...

دقائق مرت ومازالت حنين تقف بمحلها تتأمل المكان بإعجابٍ شديد وخاصة مع انسدال خيوط الشمس بأشعتها الذهبية فتزيد من الجمالٍ جمال، فأمس حينما وصلوا لهذة البقعة بالتحديدٍ كان الليل قد احتجز المكان بظلمته، استدارت برأسها تجاه الخيمة الصفراء المجاورة لهما علها تستكشف إن كانت رفيقتها قد إستيقظت ام مازال النوم يغلبها بهذا المكان الساحر، إسترقت بسمعها لصوتٍ يأتي بالقربٍ منها فتحركت تجاهه وعينيها تترقب بشوقٍ رؤياه، لامست بأطراف يدها الحشائش من حولها حتى وجدته يجلس بجوار أحدى الأشجار، راقبته بنظراتٍ ماكرة فوجدته يرتشف مشروبه الخاص من زجاجة بلورية..

انتابتها فكرة مشاكسة فأنحنت أرضاً تجمع بعض الحصوات ثم بدأت بحذر تسدد الضربات إليه قاصدة إرعابه، ضربة تلو الأخرى حتى أنهت حصتها من الحصى فأنحنت لجمع المزيد ثم انتصبت بوقفتها لتعيد ما فعلته من جديد، انزوى حاجبها باستغرابٍ حينما لم تجده بمحله، فبحثت عنه بلهفةٍ وخوف، شعرت بقوةٍ غريبة تسحبها للخلف ليظهر من خلفها الجوكر المزعوم مردداً بسخريةٍ:
مش هتفكك من حوارات الطفولة دي وتكبري!.

ضمت يدها حول يديه الملتفة على خصرها لتجيبه بدلالٍ:
طول ما أنا معاك مش بلاقي نفسي غير طفلة وبتدور على أبوها في كل مكان...
كلماتها التلقائية منحته ذكرة عابرة لما فعله بأبيها، للحظةٍ انقبض قلبه بخوفٍ من أن تتزعزع العلاقة بينهما حينما تعلم بما حدث، وجدته صامتاً فأستدارت لتكون تجاهه، حاولت بجهد أن تلف ذراعيها حول عنقه فرسم الحزن على ملامحها وهي تجيبه بتذمر:
مينفعش تقصر شوية؟.
ضيق عينيه ساخراً:.

لو لسانك قصر ممكن!.
ابتعدت عنه بغيظٍ وهو تلوح بيدها:
أنا لساني مش طويل على فكرة..
حل أزرر قميصه ومازال وجهه يحتفظ بابتسامته الساخرة:
ايوه أنتِ دائماً صح...
لوت شفتيها بغضبٍ ثم تابعته وهو يتقدم من الشجرة القريبة منه، فألتقط المقعد الطويل ثم فرده ليستلقى عليه بعدما ارتدى نظارته السوداء وقبعته الداكنة، فركت اصابعها بضيقٍ من البرود الذي عاد يتلبسه من جديد، فتقدمت منه بإرتباكٍ لوحظ بندائها:
مراد...

قال بعدما أخفى وجهه خلف القبعة:
ها حابة تضيفي حاجة تانية؟.
هزت رأسها نافية ثم اقتربت منه لتخفض صوتها وهي تنطق:
أنا جعانة..
كشف عن وجهه وهو يتساءل باستياءٍ:
أهو ده اللي كنت عامل حسابه، أن حضرتك تجوعي ومتلقيش أكل بعد القرار المصيري اللي أخدتيه...
لعقت شفتيها بتوتر:
متظلمنيش..
نهض ليقف من امامه بقامته الثابتة:
أنتِ اللي ظلمتي نفسك لما اقترحتي على رحيم انه مياخدش أكل ويتصرف من الطبيعة..

وأشار بيديه تجاه الأشجار:
أهو أدينا في الطبيعة الخلابة أتصرفي أنتِ ودوري على أكل..
سألته بحيرةٍ:
أدور على أكل فين؟.
قال في استهزاء:
على الأرض أو على الشجر مش مشكلتي..
رددت بغضبٍ شديد:
على الشجر!، ليه شايفني قرد!.
حدجها بنظرة قاتمة وهو يجيبها بخبثٍ:
ياريت على الأقل لو كنتي قرد كنا ضحينا بيكِ وسنجفناكي على سيخ فوق الشواية وقضينا الليلة..
طاحت به بغضبٍ:
تسنجف مين يا أخ هو حد قالك أنك متجوز نسناسة!.

كبت ضحكاته بصعوبةٍ وهو يتصنع الجدية، فرفع كتفيه بعدم مبالاة:
والله الحل لمشكلتك مع اللي اتفاقتي معاه مش معايا..
منحته نظرة أخيرة مغتاظة ثم توجهت لخيمة رحيم، وقفت من أمامها حائرة من عدم وجود باب مرئي تطرقه فيشعر بوجودها، بحثت جوارها عن شيئاً يساعدها بمهامها الصعب فوجدت جذع صغير ملقي ارضاً ثم جذبت الوعاء المجاور لها، فطرقت بقوة وهو تنادي بعصبيةٍ:
أصحوا، أنتوا جايين تناموا وأنا هموت من الجوع هنا..

وعادت لتكرر كلماتها بإنفعالٍ..
بالداخل..
فتحت عينيها بانزعاجٍ وخاصة على صوت حنين المزعج، الا يكفيها نوم الأرض المؤلم لها ولجنينها، استندت بجذعها على الأرض ثم استقامت بجلستها وهي تتفحص الخيمة جيداً، وجدته يرتدي ثيابه على عجلةٍ من أمره، فألهت ذاتها بالتطلع للفراغ حتى أنتهى، منحها نظرة حنونة ليصاحبها قوله العاشق:
مفيش صباح احلى من كده..

ابتسامة رقيقة رسمت على وجه شجن فأقترب ليجلس جوارها، رافعاً بأطراف اصابعه خصلات شعرها التي تغطي عينيها، نظرات عينيه الزيتونية تنجح بأختراق قلبها كالسهام النافذة بمصاب هدف المرمى، أحمر وجهها بشدةٍ فابتعدت عنه وهي ترتب ملابسها من بعض الحشائش المتعلقة بأطرافه، سألها ونظراته الجريئة تطوفها:
نمتي كويس؟.
اجابته بابتسامة هادئة:
يعني، بحاول أتأقلم..
كاد بأن يتساءل من جديد ولكن قطعه صوت حنين المرتفع للغاية:.

رحيم يا زيدان!.
رفعت شجن يدها وهي تشير له تجاه الباب بمرح:
صاحبة المصايب السودة اللي احنا فيها بتناديك..
منحها ابتسامة ساحرة ثم خرج ليرى ماذا هناك، عادت لتطرق على الوعاء من جديدٍ وهي تصيح قائلة:
رحيم...
وقف لجوارها ويديه بجيب البنطلون القصير الذي يصل لمنتصف ساقه، فقال بتريث:
أيه يا حنين بتنادي على بياع ترمس مش سامعك!.

توقعت خروجه من الباب المقابل لعينيها فحينما استمعت لصوته يأتي من خلفها بمكانٍ يستدعي الرعب كهذا صرخت فزعاً، ارتسمت بسمة شبه ساخرة على طرفي شفتيه وهو يخبرها:
لا واضح فعلاً أنك مش بتخافي اللي يشوفك دلوقتي ميشوفكيش إمبارح لما وافقتي اننا نسيب الاوتيل ونيجي نخيم هنا!
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبةٍ بالغة ومحاولة مستميتة لاستعادة اتزانها فقالت:.

هي الفكرة جديدة وحلوة وأنا بحب أغامر وكل حاجة بس ده ميمنعش أن أي فيلم رعب بيبدأ بمكان زي ده..
حك رحيم جبينه بقوةٍ ثم تساءل بمللٍ:
بعيداً عن كل الرغي ده بتاديني ليه؟.
تطلعت يسارها ثم لليمين، قائلة بصوتٍ خافت:
انت قولت نخيم في مكان جوه فنلندا وأنا وافقتك صح؟
اجابها بثباتٍ:
صح..
عادت لتسترسل:
وأنا علشان أزود اجواء المغامرة قولتلك منخدش أكل ونأكل من على الجزيرة وأنت وافقتني صح؟.
زفر بمللٍ:
صح..

استكملت كلماتها بصوتٍ منخفض وكأنها لم تحسب ما ستتعرض له بقرارها السخيف:
حيث كده بقى أنا جعانة..
مرر يديه ليمسح وجهه عدة مرات وهو يجيبها بانفعالٍ:
طيب ولزمتها ايه اللفة الطويلة دي ما تخلصيني وتقولي انك جعانة من الأول..
لوت شفتيها بسخطٍ:
وأنت متعصب ليه دلوقتي ما أخوك بيقولي روحي للي اتفقتي معاه هو الجوع والعطش فيه اتفاقات؟.

تركها محلها ثم ولج للخيمة ليجذب الحقيبة المطولة الموضوعة بزوايةٍ بعيدة، خرجت شجن من خلفه فرفعت صوتها حينما وجدته يكاد بالإبتعاد عنها:
فريد رايح فين؟.
أشار لها بابتسامةٍ هادئة لا تتاسب عما ينوي فعله:
شوية وراجع..
وأكمل طريقه حتى اختفى من امام اعينهم، انتباها القلق فتطلعت لمن تقف جوارها بشكٍ:
هو في ايه يا حنين؟.
تمتمت بضيق:
مهو لو قولتلك هتشمتي فيا..
ابتسامة غرور رسمت على وجهها فقالت:
اكيد جوعتي صح..

هزت رأسها في صمتٍ فقالت الاخرى بشماتةٍ:
أحسن تستاهلي علشان اقولك بلاش نيجي هنا تقولي لا نروح ومصممة كمان أننا منخدش اكل، موتي بقى من جوعك وأنا هبقى راضية عنك رضا تام..
حدجتها بنظرةٍ مطولة علها تستعطفها:
يعني ده جزاتي يا شجن اني عايزة اخرجك في مكان جميل زي ده..
صاحت بانفعالٍ:.

هو فين الجمال ده، المكان حلو الصبح وبليل مخيف بأصوات الحيوانات الغريبة دي، ما أحنا كنا في الاوتيل ومبسوطين على الأقل كنتي جانب مرين وبتابعي المربية!.
بدا على ملامحها الاقتناع أخيراً، فمررت يدها على بطنها قائلة بحزنٍ:
عندك حق انا أتسرعت..

ضحكت وهي تتأمل حالتها المذرية وحركات يدها المضحكة، فولجت للخيمة ثم عادت تحمل كيس أبيض صغير، راقبتها حنين بإهتمامٍ فوجدتها تخرج أكياس من البسكويت ثم قربتها منها قائلة بسخريةٍ:
كنت عاملة حسابك بباكو..
التقطته منها وهي تمرره امام عينيها بغضبٍ:
وده هيعمل أيه ده بقولك جعانة!.
جذبته شجن منها قائلة بحدةٍ:
أنا غلطانة أني حبيت أساعدك وأنتي السبب في اللي انتِ وأحنا فيه من البداية..

وتركتها وتقدمت بخطاها بين الأعشاب والأشجار الضخمة، لا تنكر بأن المكان بأكمله أية من الجمال بصنع الخالق ولكن هناك رهبة بداخلها..
نهض عن المقعد ثم التقط قميصه ليرتديه على عجلةٍ من أمره حينما وجد أشجان تقترب منه، لا يريد أن يخجلها حينما ترأه مستلقي عاري الصدر، بحثت عن زوجها بمللٍ فأبتسمت براحةٍ حينما وجدت مراد مقابلها فقالت:
هو فريد مش معاك؟.

يعلم الاجابة لسؤالها ولكنه يعلم ايضاً ان علمت ما الذي يقدم على فعله ربما ستنتهي رحلتهما بمشاجراتٍ لا حصى لها، لذا قال ببسمته الماكرة:
هتلقيه بيدور على فاكهة او أي حاجة صالحة للأكل..
مرأت عليها كذبته البيضاء فكيف للفواكه أن تنبت بمناخ غير مستقر بالمرة، إنحنى الجوكر يلمم متعلقاته ثم اشار لها بجديةٍ:
تعالي نرجع للخيم علشان متهويش بالمكان ده..

أومأت برأسها بخفةٍ فأتبعته حتى وصلت للمكان المحدد لهما، ابتسم مراد وهو يراقب حنين الجالسة أرضاً بانزعاجٍ جعلها كالطفلة الصغيرة، تعالت ضحكات شجن فجلست لجوارها وهي تضع على قدميها البسكويت فالتقطته حنين منها بوجهاً عابث، تركهما مراد ثم حمل الفأس ليتجه لأحد الأشجار، فكسر عدة فروع صغيرة ثم وضعهما فوق بعضهما البعض ومن فوقهما سيخ من الحديد الرفيع، أقتد النيران بالحطب الذي صنعه كما إعتاد من تجربته المريرة التي قضاها، نهضت شجن عن الأرض واقتربت منه وعينيها مسلطة على الشواية التي صنعها فقالت باستغرابٍ:.

هو أنت عملت حسابك في حاجة تتشوي!.
كاد بأن يجيبها ولكن سبقته حنين قائلة بضحكةٍ عالية:
امال رحيم رايح يعمل ايه، متقلقيش هيرجع بالخير كله، يارب يلاقي غزالة بنت ناس ومحترمة..
اظلمت عينيه وهو يحدجها بنظرةٍ قاتلة فابتلعت باقي كلماتها ولكن قد فات الاوان عن هذا الحديث الأحمق، بللت شجن شفتيها الجافة وهي تسأله بصدمةٍ:
قول أن كلامها مش صح!.
أجابها في جديةٍ تامة:.

شجن أحنا في فنلندا مفيش في غزال ولا اي حيوان صالح للأكل، أنتِ عارفة حنين..
طرحت سؤالاً أخر مشكك:
أمال هو رايح يعمل ايه!.
وتركته وسلكت الطريق الذي اجتازه رحيم منذ دقائق مبسطة، جز مراد على أسنانه بغيظٍ، فأقترب منها وهي تتراجع للخلف بارتباكٍ، فأشارت بيدها لتوقفه حتى يستمع لما ستقدمه من مبرر، تراجعت حتى التصق ظهرها بفرعٍ الشجرة الغليظة فكادت بالفرار ليحتجزها بين يديه الصلبة قائلاً من بين اصطكاك اسنانه:.

أنتِ مش بتعرفي تبلعي لسانك ده أبداً..
التقطت انفاسها بصوتٍ مسموع وهي تجيبه بحزنٍ مصطنع:
يعني نغش الولية!.
قال بنفس حدة لهجته:
قوليلي على حل واحد أخده معاكِ..
ابتسمت وهى تحاوط رقبته بسهولةٍ فأنحناءة جسده عاونتها، لتخبره بصوتٍ هامس:
الحل بسيط أنك تحبني وبس علشان تسام من لساني..

رغماً عنه ابتسم على تبدلها السريع، على الرغم من كونها قصيرة وبجوار لسانها السليط أصبحت ترى ذاتها انثى تستخدم أسلحتها وقتما شئت، وها هي الآن تطلق محاولاتها الجديدة بالنسبة اليه حينما تحاول ان تشتت عقله بما فعلته منذ قليل، نعم تؤثر به بشكلٍ كبير كونها من عشقها قلبه قلبٍ وقالباً ولكنه مازال الجوكر الذي يتحكم بذاته بأقصى درجات تعداها، وها هو الآن يتنازل ليجعلها تشعر كونها تمتلك السيطرة الكاملة عليه وعلى قلبه المستعمر، إحتضنها بقوةٍ والخوف يلمع بعينيه، فكلما جمعتهما لحظة مخلدة بالعشق يخشى ان تزول بعد ان يكشف سره، يعلم بأنها لم تتقبل أبيها قط ولكنها ايضاً لن تتقبل أن زوجها هو قاتل أبيها، شعرت بتمسكه الكبير بها فنبض قلبه بربكةٍ تعلمها جيداً، فابتعدت عنه وهي تطالع زرقة عينيه التي تضاهي جمالاً البحيرات من جوارها، فتساءلت بدموعٍ لمعت بحدقتيها:.

أنت هتسبني تاني؟.
تطلع لها بدهشةٍ، فسألها بذهولٍ:
ليه بتقولي كده؟.
أجابته وقد سقط الدمع على وجهها:
أنت لما بتحضني أوي كده بعرف أنك هتسبني وتمشي زي كل مرة..
عصف قلبه بما قالت، فقرب يديه من وجهها الرقيق وهو يزيح بأصابعه كل دمعة هبطت لتقص معاناتها مع كل فراق حتم بينهما بظروفٍ عمله الاجباري، فقال وهو يقربها من صدره علها تستمع لبوح قلبه بكلماته المشتاقة:
قولتلك عمري ما هبعد وأسيبك تاني يا حنين..

تمسكت به بقوةٍ وهي تردد بحزنٍ لا يليق بها:
لو عملتلها تاني صدقني ممكن يجرالي حاجة..
شدد من ضغطه على وجهها الملامس لرقبته وهو يجيبها بألمٍ:
أنا وجودي بالحياة متوقف عليكِ أنتِ فمستحيل هسمح لحاجة تفرقنا تاني..
ابتسمت بارتياحٍ وأغلقت عينيها، دقائق ومازال كما هو، يحتضنها بقوةٍ، فتح عينيه بعدما عاد من رحلته التي عرجت للسماء ليلامس الأرض قائلاً بصدمةٍ:
شجن!.

ودفعها بعيداً عنه بعدما عاد لحالته المهتاجة ليشير لها بضيقٍ:
خليكي فاكرة أن لسانك هيكون السبب في الخناقة اللي هتحصل بينهم..
لوت فمها باستياءٍ وهي تصيح:
وأنا مالي يا عم انت..

بحثت عنه كثيراً فكادت بأن تضل طريقها ولكنها تفاجئت بصوتٍ غريب للغاية فتتابعته حتى وصلت للبحيرة القريبة منه، تبدلت ملامح وجهها للحدةٍ حينما وجدته يقف خلف احد الأشجار، مسلطاً سهامه تجاه حيوانٍ غريب تراه لأول مرة، عينيه تتابعان حركاته بدقةٍ فشد السهام المثقوبة بداخل القوس الدائري ثم زفر على مهلٍ ليطلقهما سريعاً فأصابتهما بالأقدام فأصبح الطائر جريح لا يقوي على الركض، بخطواتٍ متهدجة اتقرب منهما رحيم ثم انحنى ليخرج السهام التي استهدفت اثنتان من طائر البجعة الابيض، فاخرج سكينه من الحقيبة التي يحملها ثم ذبجهما ليضعهما بكيسٍ ابيض، ليغسل يديه جيداً بالبحيرة القريبة منه ثم استقام ليغادر فصعق حينما وجدها تقف أمامه، ارتجف جسدها فالحالة التي تنتابها تستحوذ عليها عند رؤية الدماء، ألقى بالحقيبة عن يديه وهو يتأفف بضيقٍ:.

ايه عندك مشكلة مع الحيوانات كمان؟.
خرج صوتها الذي جاهد بالخروج فقالت بعصبيةٍ:
أنت خلصت قتل في البني أدمين دخلت على الطيور!.
زفر بضيقٍ مما سيتلاقاه بسماعه، فأسترسلت حديثها بغضبٍ:
أنت مفيش فايدة فيك هتفضل زي ما أنت..
أجابها ساخراً:
وأيه اللي عملته المرادي، ثم انك بتأكلي الطيور المشابهة ليها وبرضو بتتدبح..
صاحت بانفعالٍ:.

بس على الاقل مش بيعذبوهم قبل ما يدبحوهم، انت مفيش فايدة فيك هتفضل رحيم زيدان مهما عملت..
وجد ان الحديث لا ملاذ له مما يبستمع له، فقال بهدوءٍ:
وده اللي أنا عايزه وعايزاك برضه تتقبليه...
ازدردت ريقها الجاف بصعوبة وهي تجاهد للحديث:
قصدك ايه؟.
اقترب ليقف مقابلها ليحادثها بجديةٍ:.

قصدي أنك لازم تتقابليني زي ما أنا وزي ما برضه تقابلتك بكل ما فيكِ، تقبلت خوفك مني ورغبتك في اني ارجع لشخصي اللي مبقاش ليه وجود جوايا، لازم تتقابليني كرحيم زيدان زي ما شايفاني...
كبرتم الموضوع يا شباب..
صوت حنين فصل بينهما، فتطلعوا إليها بوقتٍ واحد، اقتربت منهما قائلة بابتسامة تصل من الأذن للأخرى:
ده نوع بط يا حبيبتي زي اللي بنأكله في البيت بس هو الظاهر له طريقة معينة علشان نمسكه صح وهو أدرى مننا..

كبت رحيم ضحكة كادت بأن تنفلت منه على حديثها الأرعن، فعنفته حنين بنظراتها، فانتصب بوقفته باتزانٍ، ثم اخذ يراقب ما سيحدث بينهما، النظرات المتعصبة كانت تقذفها عينيها وكأنها باتت رفيقة لها، فتركتهما وعادت وهي تردد بكلمة واحدة تحذيرية:
خليك بعيد عني أمن ليا ولابني..
وتخفت من امام أعينهما فسحب رحيم نظراته لمن تضع يدها بمتتصف خصرها وتراقبها وهي تبتعد، فحينما لاحظت حنين نظراته لها قالت بابتسامة سمجة:.

هرمونات، هرمونات هات البط وتعالى متركزش معاها هي هتفضل كده ال 8شهور الجايين..
منحها نظرة صارمة فحملت الاكياس قائلة بمرحٍ:
خلاص هشيل أنا..
التقطه رحيم منها ثم خطى لجوارها قائلاً:
بدأت أقتنع أن قرارنا غلط..
أجابته باستهزاءٍ:
فين حب المغامرات؟.
منحها نظرة قاتمة ثم اسرع بخطاه حتى وصل للخيمة..

بقصر طلعت زيدان..
أمسك بيديه حتى نهض عن الفراش، فعاونه بالاقتراب من الشرفة ليتابع ما يحدث بالحديقة بابتسامة فرح تشق وجهه، ربت آدم على يديه وهو يقول:
متقلقش كلهم بقوا أيد واحدة زي ما تمنيت..
هز رأسه ببطء ثم قال:
الحمد لله، حصل أخيراً بس بعد مجهود كبير..
ثم أشار له بتعبٍ استحوذ عليه من وقفته التي لم تتعد الدقائق فمازال مريض بعد:
رجعني السرير يا ابني مش قادر اقف..

إحتمل على ذراع ابن شقيقته حتى أعاده للفراش، جلس على طرفه فأنحنى ليعاونه على التمدد، طرقات على باب الغرفة جعلتهم ينتبهوا لمروان الذي ولج للداخل موجهاً حديثه لآدم بمرحٍ:
الساعة بقت 2معاد ورديتك خلصت يا مستر أمريكا..
ابتسم وهو يجذب حقيبة عمله ثم قبل يد طلعت قائلاً:
مش عايز اي حاجة مني..
أجابه في حنوٍ:
لا يا حبيبي..

غادر على الفور، فولج مروان ليقرب مقعده من الفراش ثم تابع ساعته حتى حان موعد الدواء فسانده حتى تناول الحبوب الطبيبة ببضعة قطرات من المياه، البسمة الصغيرة لم تنقطع عن وجه طلعت زيدان وهو يراهم يتبادولون معاً للاطمئنان على حالته والاشراف عليه بذاتهم بعيداً عن الخدم، يرى الآن ما تمكن الحب من زرعه في نفوسهم، كان يظن أن رهبتهم منه وخوفهم سيجعلهم طوع أمره ولكن ما لم يتمكن الخوف من صنعه فعله الحب وهو في وقتٍ لا يعهده بالقوة..

بالأسفل...
جلسوا جميعاً لتناول طعام الإفطار، فأنضم لهما مروان بعد ان غفل طلعت بعد تناول الادوية التي تحتوي على كمية من المخدر، فجلس على المقعد المجاور لأخيه الأكبر، مازحه فارس قائلاً بمرحٍ حينما اقتربت يارا منهما بصحبة سلمى و ريم:
ها النتيجة بانت ولا لسه؟
أجابة متعجباً:
هي في نتيجة بتبان بعد الامتحان باسبوع!.
تعالت ضحكاته وهو يغمز له بخبث:.

تلاقيك مستانيها اكتر من أي وقت لأجل الحبيب يرضى عنك والقلوب تتصافى..
بمجرد جلوس يارا على المقعد المقابل له باستحياءٍ تملكها حينما استمعت لما قاله فارس تأكد من دنائته، فجذب كوب المياه الموضوع وكاد بأن يلقيه عليه، وسرعان ما انتبه لصوتٍ سليم الصارم:
أحنا موجودين على فكرة..
تركه عن يديه وهو يتوعد له بغيظٍ، فسحب سليم نظراته تجاه فارس قائلاً بحذم:
كل وفكك من شغل العيال ده..

أومأ برأسه بخفةٍ وعينيه تتابع شرارة نظرات مروان الذي سحبهما ليتطلع لاخيه الصامت طوال الفترة الماضية، لا يعلم ما به ولكنه مازال يبذل قصارى جهده لمعرفة ماذا هناك، فابذل أخر محاولاته حينما دنا منه ليهمس:
أنت كويس يا ريان؟.
عاد من شروده حينما تخلل صوت اخيه مسمعه، فرسم بسمة مصطنعة وهو يجيبه:
معرفش انت شاغل دماغك بيا ليه انا الحمد لله كويس..
ثم اشار له:
هطلع اريح شوية كمل أكلك..

وتركه وغادر والاخير يراقبه بعدم اقتناع، حتى سلطت نظراته على جان الذي قال:
مفيش حاجة تستدعي القلق..
هز رأسه بخفةٍ ولكنه يشعر بان ثمة أمراً ما يخفيه عنه..

جلس لجواره بعدما ثبت البجعة جيداً على السيخ الرفيع بعد عملية من التنظيف استغرقت عشرون دقيقة، جلس رحيم لجواره في سكونٍ دام لدقائق مبسطة فقرر مراد كسرها قائلاً بسخرية:
اتمنى رحلة الصيد العظيمة تكون عجبتك وراجع مبسوط..
منحه نظرة جانبية مغتاظة، فقال ببرودٍ:
دي ريحة شماتة ولا ريحة البجعة..
تعالت ضحكاته الرجولية فأكد له بغرورٍ:
قولتلك سبلي الطالعة دي وأنت مرضتش فبالتالي النتيجة مرضية..

جز على شفتيه بأسنانه وهو يخبره بضيقٍ:
ناقص أنا فوبيا الدم دي ما كفايا اللي أنا فيه..
استدار مراد برأسه تجاه خيمة شجن ثم عاد ليتطلع اليه قائلاً بثباتٍ:
متقلقش أنا وحنين هنظبطلك الدنيا، اسمع يا سيدي..

صعد غرفته وهو يجاهد الانهاك الذي يهاجمه، باله مشغول بما حدث بأبيه وبما سيحدث حينما يعلم أشقائه بالأمرٍ وخاصة بانه قتل على يد مراد يخشى أن تتفكك العائلة من جديد حينما يكشف هذا الأمر، فتح باب غرفته وعينيه تبحثان عنها، فحينما تشتد به الاوجاع يبحث عنها ليبوح عما يضيق به صدره، بحث عنها بالغرفةٍ وصوته يعلو باسمها:
سارة...
لم يجدها بالجناح بأكمله فطرق عدة طرقات على باب حمام غرفة النوم قائلاً بقلقٍ:.

حبيبتي أنتِ جوه؟..
انقبض قلبه حينما لم يستمع لصوتها، فتح الباب فتحولت نظرات ريان لصدمةٍ كبيرة حينما وجدها تفترش الأرض بإهمالٍ، اسرع إليها والخوف يبتلعه بخوفه المظلم فقربها لصدره وهو يناديها بهلعٍ:
سارة!.

فتحت عينيها بنومٍ وهي تناديها باستغرابٍ لعدم سماع صوتها الثرثار:
حنين!

وجدت الخيمة فارغة فتعجبت لعدم شعورها بها وهي تخرج من الخيمة، نهضت شجن ثم احكمت حجابها جيداً وخرجت لتبحث عنها بخوفٍ وخاصة عند غروب الشمس بمظهرها الفتاك الذي انساها خوفها رؤية هذا المشهد الألهي المبدع، سلطت نظراتها على التوت الأحمر الذي يزين بالحشائش شكل القلب ليتبعها سهم مطول، انحنت لتلتقط بعض التوت والابتسامة الحالمة تزين وجهها، اتبعت السهم وهي تحمل التوت بين يدها بفرحةٍ، وحينما ازداد عن طاقة حملها جلست على العشب وأخذت تزين به أسم تكتبه بحبٍ، فقرأه من يقف خلفها بتعجبٍ:.

زين!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة