قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل العشرون

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل العشرون

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل العشرون

بمجرد رحيل لوكس التفت الى ريتشارد قائلة في سرعة وانفعال:
- ريتشارد هناك ما يجب ان تعرفه. الفناء يا ريتشارد، الفناء!
ربت على كتفي قائلا:
- اهدأي اولا ثم تحدثي
لكنني لم استطع وقلت وكلامي متخبط:
- الفناء يحمل جثث. اعني عظام. عظام موتى ليس لفرد او اثنين بل هي مقبرة جماعية يا ريتشارد!
اتسعت عيناه وبهول قال:
- ما الذي تهذين به يا جوزيفين؟
صحت في نفاذ صبر وعصبية:.

- انا لا اهذي يا ريتشارد هذه المدرسة بداخلها مقبرة وهذا ليس اسوء ما في الأمر
اكملت هامسة والرعب يقتر من كل حرف اتفوه به:
- العظام مهشمة يا ريتشارد. ليست جثة واحدة بل كل العظام مهشمة، اتدري ما يعنيه هذا؟
رأيت الإدراك يرتسم على وجهه ثم في ارتياع قال واضعا يده يبعد شعره عن وجهه:
- يا اللهول!
بمجرد رحيل لوكس التفت الى ريتشارد قائلة في سرعة وانفعال:
- ريتشارد هناك ما يجب ان تعرفه. الفناء يا ريتشارد، الفناء!

ربت على كتفي قائلا:
- اهدأي اولا ثم تحدثي
لكنني لم استطع وقلت وكلامي متخبط:
- الفناء يحمل جثث. اعني عظام. عظام موتى ليس لفرد او اثنين بل هي مقبرة جماعية يا ريتشارد!
اتسعت عيناه وبهول قال:
- ما الذي تهذين به يا جوزيفين؟
صحت في نفاذ صبر وعصبية:
- انا لا اهذي يا ريتشارد هذه المدرسة بداخلها مقبرة وهذا ليس اسوء ما في الأمر
اكملت هامسة والرعب يقتر من كل حرف اتفوه به:.

- العظام مهشمة يا ريتشارد. ليست جثة واحدة بل كل العظام مهشمة، اتدري ما يعنيه هذا؟
رأيت الإدراك يرتسم على وجهه ثم في ارتياع قال واضعا يده يبعد شعره عن وجهه:
- يا اللهول!
قلت بخفوت بعد برهة من الصمت:
- ماذا تنوي ان تفعل؟
اجاب بحيرة وهو يجلس على اقرب كرسي:.

- ماذا يمكنني ان افعل؟ إذا اخبرت الشرطة فهذا سيعني اقحامك داخل هذا مما سيعني ان العلاقة بين اسرتينا ستصبح معلومات عامة والمدرسة ستغلق بالتأكيد ولن تفتح مجددا إلا اذا تم معرفة المتسبب في ذلك هذا بالطبع ان سمح الأهالي لأبنائهم بإرتياد مدرسة هيا مقبرة لجثث اشخاص عذبوا قبل موتهم. لا يمكنني ان اسمح بهذا. غير اني سأصبح المشتبه الأول في هذا فالأرض ملكي.
- اتعني انك لن تبلغ الشرطة؟
جذب شعره في عنف وقال:.

- يجب ان اخبرهم في النهاية لكن ليس الأن على الأقل.
اومأت برأسي وهمست:
- كنت سأقول ما قلت تلك العظام هناك منذ سنين وربما عقود ما اقلقني هو ان بعض العظام اقدم من بعضها وانا لم اكشف التراب عن الفناء بالكامل لكن. لكني اظن ان هناك من يرتاد المكان بعتياديه وانه. وانه لا يزال يفعل. لقد وضعني هناك متعمدا يا ريتشارد لأرى ما رأيت.
ابتلع ريتشارد لعابه بصوت مسموع وقال:.

- ما الذي يجعلك متأكدة انها لم تكن مجرد مصادفة؟
نظرت اليه بعيني جاحظتين وشعرت بشفتاي ترتجفان وانا اقول:
- لأني في احدى المرات التي عدت فيها الى الفناء نبشت التراب مجددا في مكان مختلف وتلك المرة. وتلك المرة كانت هناك جثة كاملة لم يمض على وفاة صاحبها الكثير. ثياب صاحبها غارقة في الدماء. هناك من اراد ان ارى هذا. لا يوجد تفسير اخر!

حدق في ريتشارد في رعب وقد ادرك حجم الكارثة التي هبطت على رأسه من حيث لا يدري ثم همهم بتخبط:
- ماذا سنفعل؟
ماذا سنفعل؟ هذا هو السؤال؟ هل نبقى بلا حراك ننتظر الموت؟ ننتظر الوعيد؟ ام نقاوم؟ نرد بنفس القوة. بنفس العنف؟

استطاع ريتشارد حل الأمر مع المدرسة بإقناعهم ان ما رآه الطلاب صباح اليوم هو امرأة ثملة وقد اتصل بأهلها ليأخذوها. لوكس لم يتفوه بحرف. ما استطاع ريتشارد ايجاد زي مدرسي لي. فأنا اكاد اكون عارية. ثم قضيت اليوم بأكمله في العيادة. لم يلحظ احد في البيت غيابي. وهذا. وهذا جيد اليس كذلك؟ إذ لا داعي من تلفيق اي قصة لشرح ما حدث لي. تنهدت ونظرت الى ساعة الحائط فوجدت انها الثانية مساء. مما يعني انه بإمكاني العودة الى المنزل الأن فأنا بالتأكيد لن استطيع حضور التدريب اليوم. كما اني لا اريد مقابلة لوكس مجددا اليوم.

خرجت من العيادة برغم سخافة منظري بهذه الملابس الواسعة التي جلبها لي ريتشارد. إلا اني اود الخروج من هذه المدرسة بأسرع وقت ممكن.

حين خطوت خارج البوابة توقفت ونظرت الى المباني خلفي وببطء وجدت نفسي اتجه نحو المرتفع الأخضر امام المدرسة وبعد ربع ساعة تقريبا كنت اقف على قمته ارمق المدرسة. ارتجف جسدي وانا ارى المباني المتشابكة بشكل يجعل من المستحيل معرفة اين تقع نهاية مبنى من بداية اخر. مكونين متاهة لا معنى لها ولا احد يعرف الهدف منها حتى الأن. هذا المكان يخيفني. وما يرعبني اكثر انه ربما انا اعلم لم بنيت المدرسة على هذا الحال. لما كل تلك التوسيعات. لما جعلت كالمتاهة وإن كنت محقة فهذه كارثة ستهز البلد بأكمله.

رن هاتفي للمرة الثالثة خلال الساعة السابقة فنظرت لأجدها ان المتصل واحد وإن كان بدون اسم لكن المكالة دولية وهناك شخص واحد فقط اعرفه خارج البلاد سيتصل بي. جين. بالطبع لكني لم اجب ولن اجيب. فليمكث الشهر الذي سافره دون اخباري إلا متأخرا جدا دون كلمة مني. اعلم اني ربما قد بالغت في ردة فعلي هذه لكنه يستحق. انا لن اتأسف هذه المرة ولنرى من سيصمد للنهاية.

تنهدت محاولة نسيان جين تماما الأن. فالليلة مميزة. اجل الليلة يوم ميلاد كاثرين. قاطع افكاري صوت نافذ الصبر يقول:
- اسرعي يا جوزيفين الحفل سيبدأ خلال نصف ساعة وهذه البلالين لن تثبت نفسها على الحائط!

نظرت الى ميرا احدى صديقات كاثرين وضغطت على اسناني كاتمة غيظي كي لا اسبب اية مشاكل هذه الليلة بالذات. انها ليلة كاثرين وقد طلبتني لمساعدتها هي وصديقاتها لتزيين منزلها لأجل الحفل ولم استطع الرفض مع اني اخبرتها ان بإمكاني ارسال بعض العاملات لهذا لكنها اصرت على انها يجب ان تزين بنفسها. لذا ها انا هنا اتلقى التعليمات من تلك الميرا في صمت مغتاظ.

سمعت صوت ضحكة عالية فالتفت الى كاثرين التي تكاد تقع من فوق الكرسي الذي تقف عليه وقالت وهيا تمسح دمعة:
- يجب ان تري وجهك. قد كان لا يقدر بثمن.
قلت بحنق:
- اتمنى ان تقدري ما افعله لأجلك رغم ان كل ما اريده الأن هو خنقك بيدي.

تعالات ضحكاتها فقررت تاجهلها وإكمال ما كنت افعله والذي يبدو انه عمل لن ينتهي ابدا. مرت ربع ساعة كنا فيها قد انتهينا تقريبا وقد بدأ الأصدقاء والأقارب يتوافدون الى المنزل فقالت كاثرين انها ستذهب الى غرفتها لتغير ملابسها بينما نحن نلملم ما لم نستخدمه.

مرت ساعة على بداية الحفل الذي اصبح صاخبا خلال لحظات فرغم ان عائلة كاثرين ليست غنية لكنها عائلة مرموقة ووالدها يدير شركة صغيرة محلية لذا يمكننا رؤية العديد من زملائه وابنائهم هنا وكذلك العديد من الطلاب من المدرسة. وفي ركن الغرفة عند باب المنزل يمكنني رؤية والدي كاثرين يحيون القادمين. بينما جلست انا على احد الكراسي. أأكل بعض قطع الجاتو. في شيء من الملل. لم احب الحفلات كثيرا عامتا وهذه تذكرني جدا بالحفلات التي يجبرني سيتو عادة على حضورهم. الفرق الوحيد هنا انه لا ليس هناك رسمية مبالغ فيها ولا مصورين او كاميرات. نظرت حولي ثم تسألت فجأة اين كاثرين؟ انا لم ارها منذ قالت انها ستغير ملابسها والحفلة قد بدأت منذ نصف ساعة. هل تمزح كل هذا الوقت لتغير فط وتضع بعض مساحيق التجميل؟! الغريب فعلا. كيف لم يلحظ احد غيابها كل هذه الفترة؟ نظرت الى السلالم وشعرت بالكسل فأمسكت بهاتفي واتصلت بها لكنها لم تجب طبعا فمع كل هذا الصخب كيف بإمكانها ان تسمع شيئا. لا انا لم ابذل كل هذا المجهود لكي تضيع وقتها في غرقتها تتزين. وقفت ونفضت ثوبي وقد قررت ان اجرها بنفسي الى هنا.

تسلقت السلالم ثم توجهت الى غرفتها وبعنف فتحت الباب لكي افزعها لكني لم اجد احد في الغرفة فزفرت بإحباط لكني وجدت هاتفها على الفراش فالتقطه لأرى انه مفتوح على الرسائل. واخر رسالة تقول. انا قادم لا تقلقي. نظرت الى المرسل لأجدها سجلت الرقم بإسم اخيرا اتسعت ابتسامتي وغمغمت:
- اهذا ما كنت تخفيه يا عزيزتي وتعتقدين انني لم اكن لأعرف.

ضحكت قليلا متخيلة اخبارها اني اعرف كل شيء. لكنها للأسف لم تكتب اسمه. فنقلت رقمه الى هاتفي لأعرف من هو عبر احد التطبيقات. هذا سيكون مسليا حقا. اعلم ان هذا تطفل لكنها من تركت هاتفها. اعدت الهاتف الى الفراش وانا اقول لنفسي:
- يجب ان اجدها اولا قبل ان اتسلى عليها.

وكدت استدير الى الباب حين لاحظت شيئا على الأرض عند طرف الفراش فاقتربت ملتفة حول الفراش لأرى ما لفت انتباهي وهو قطرات صغيرة تلمع على الأرض. ثم حين خطوت اخر خطوة ليسقط نظري على ما خلف الفراش. فاتسعت عيناي في هول وقد سقط هاتفي من بين يداي دون ان اشعر. وتخلت عني قدماي فتهاويت ارضا. قبل ان اصرخ كما لم افعل من قبل. صرخت وصرخت وصرخت. حتى لم اعد اشعر بصوتي. او بالعالم حولي فقط ارى جسد على الأرض امامي الى جانبه بركة صغيرة من الدماء. جسد ينتمي لأحد اقرب الناس الى قلبي. جسد ينتمي لكاثرين. بيد مرتجفة اقتربت من الجسد اكثر. ازحت خصلات شعرها عن وجهها وانا اقول بلا توقف:.

- لا لا لا لا لا. ارجوكي لا.
ثم شهقت وفغرت فاهي عاجزة حتى عن الصراخ وقد احتبست الصرخات في حلقي وانا انظر الى وجهها في جزع. وببطء رفعت يدي الملطخة بالدماء الى فمي وانا اشهق بعنف لكني لم استطع التحمل وقد خرجت الصرخات مكتومة من بين يدي فبين يدي الأخرى رأس كاثرين وقد تشوه وجهها بعدد من الجروح وفي عينها اليسرى انغرز مقص حتى المقبض. يا الهي. لماذا. لماذا؟ ماذا قد فعلت لتستحق هذا؟ ماذا قد فعلت؟

احطت يداي بوجهها الدامي وصرخاتي وشهقاتي لا تتوقف. لم اشعر بالعالم حولي إلا وانا اسحب وأجر جرا بعيدا عن الجثمان ونظرت حولي للمرة الأولى لأرى حولي بعض من كانوا في الحفل وبجوار الجثة من الجانب الاخر يقف والد كاثرين ممسكا بوالدتها التي انهارت باكية بين يديه بينما الدموع تنسدل بصمت من عينيه وعند الجثمان يقف رجلان شرطة. يقفان حول. جسد رفيقة الدرب. ملقى على الأرض بلا حراك بلا حياة. ثم انتقل بصري الى يداي وجسدي الملطخين بالدماء. دمائها هي. مدركة اني لن اراها مجددا. لن اسمع ضحكاتها. لن تؤنس وحدتي بكلامها. لن. لن تكون هنا بإنتظري بعد اليوم. لماذا؟ لماذا؟! هبط الإدراك على كنصل حاد غرز في قلبي. ربما انا اعلم لماذا. وهذا الإدراك جعلني ارتجف. ربما بلا سبب على الإطلاق. بلا سبب إلا انها صديقتي انا؟! انه رغم ان جثمانها هو الذي يفترش الأرض خال من الحياة لكن الهدف هو انا؟ احسست بالإلم يغزو صدري وبشعور عام بالغثيان وانا ارى الناس حولي وللحظة ظننت انني سأفقد الوعي فعلا حين سمعت صوتا مميزا يصرخ بإسمي ويضم ظهري الى صدره واضعا يده على عيني وهامسا في اذني:.

- هذا يكفي. هذا يكفي لا تنظري بعد الأن.
فانهار جسدي بين ذراعي بيتر وشعرت بألم يغزو صدري واني لا استطيع التنفس وبجسدي يهتز مرتجفا دون توقف وتعالى نحيبي حتى لم اعد استطيع سماع صوت اخر. وانا لم اذرف دمعة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة