قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس

ارتطم جسدي بالأرض بعنف حتى شعرت ان ظهري سينكسر، حاولت الإعتدال سريعا لكن قبضته على كتفي وعنقي كانت قوية جدا وتكاد تخنقني بينما قبضت بيدي في استماتة محاولة ابعاد يديه عن عنقي لكن يديه لم تتزحزح وحين رفعت قدمي لأركله امسكها في الهواء شالا حركتي بالكامل. شهقت في عنف حين ادركت اني قد خسرت. وفي غضون دقائق في الواقع. حدقت فيه بغل وبعينين ناريتين فبادلني النظرات في تحدي رغم خلو وجهه من التعبير مما زاد غضبي اكثر فقاومت بعنف اسفله لكن الرجل كالحجر لم تلن قبضته للحظة فتوقفت عن الحركة تماما وزفرت في حنق فقال:.

- هل استسلمتي اخيرا؟
عقدت حاجباي في غضب مكتوم ولم ارد. نظر لي المدرب وبوجه البارد قال:
- انت جيدة، في الواقع تكادين تكونين ممتازة. اعتمادك التام على السرعة يجعلك لا تهزمين بسهولة لكن.
وهنا توقف لحظة قبل ان يكمل:
- لكنك لست قوية كفاية. وإن كان خصمك سريعا وقويا فأنتي بالكاد تملكين فرصة.
غمغمت من بين اسناني في خفوت:
- لو لم تكن هناك قواعد.
- لكنتي قد خسرتي ايضا.

اتسعت عيناي في دهشة فلم اتصور انه قد سمع ما قلت. شعرت بوجنتاي تشتعلان في إحراج. ضغط بيده مرة اخيرة قبل ان يعتدل ويجذبني معه وهو يقول:
- وهذا يعني انك بحاجة للتدريب كأي عضو هنا إن كنت تريدين التأهل الى المباريات النهائية
عند مقولته هذه وجدت اندرو يبتسم بسماجة وبعض الأعضاء يضحكون او يكتمون ضحكاتهم مما زاد الموقف إحراجا بالنسبة لي. عدت ببصري الى المدرب الذي قال بصوت صارم:.

- لقد انتهى العرض فليعد الكل الى التدريب
وعلى الفور نفذ الطلاب ما قيل لهم فعاد كل منهم الى رفيقه في التدريب وعاد اندروا لمتابعتهم جميعا فنظرت الى المدرب في حيرة محاولة تناسي ما قد حدث للتو وإن كنت متأكدة ان وجهي لايزال متوردا لندعوا فقط انه ليس جليا. اخيرا انتقل تركيز المدرب لي قائلا:
- اما انت فمن الأن وصاعدا سيكون من تدربين معه هو انا ولا احد سواي.
ضغط على اسناني في حنق حين تابع:.

- واياكي ثم إياكي ان تتأخري مجددا على التدريب او تتغيبي. الأمر لن يؤخذ ببساطة يا انسه
للحظة ظننت اني امر ب déjà vu وأن سيتو هو من يحدثني الأن. عند هذا الإكتشاف الصغير ادركت لماذا انا لم اطق المدرب في البداية انه النسخة الأكبر لسيتو. عندما كان يهتم ليس وهو يتجاهلني حاليا لسبب لا يعلمه إلا الله.

اومأت رأسي في بطء وانا امنع نفسي من الرد بصعوبة فلو ان هذا الرجل شبيه بسيتو بأي شكل فإستفزازه لن يجلب لي سوى المشاكل. وهذا يعني ان اتصرف معه بعكس ما افعل مع المدرسين العاديين الذين يهابونني. بخفوت سألت:
- ما هي ايام التدريب بالضبط؟ فأنا لم انتبه حين قدمت
رفع احد حاجبيه في شيء من الإستنكار ثم اجاب في اقتضاب:
- الأحد والثلاثاء والخميس حتى السادسة مساء.

اربع ساعات! هذا كثير، كثير للغاية، اعلم ان الوقت ضيق على المسابقة لكن اربع ساعات هو امر مبالغ فيه. طبعا لم اقل هذا وفي النهاية اومأت مستسلمة لكني لم استطع منع نفسي من التعليق:
- رغم ان هذا كثير جدا
فرمقني المدرب- الذي لم ادر اسمه الى الأن- بنظرة محذرة أن اعترض فلم افعل واخيرا قلت:
- حسنا.
وتوقفت لعدم معرفتي بالإسم فأكمل هو:
- لوكس جراي.

حين انتهى التدريب كانت الساعة السادسة بالضبط. وبالكاد استطعت السير الى البوابة فما يدعوه لوكس جراي تدريبا ما هو إلا عذاب مستمر. على الأقل بالنسبة لي، فهو يدربني مباشرة وبعد ما حدث لا داعي للقول ان تعامله معي كان خشنا صارما ربما ليس لدي الحق في قول هذا. فهكذا كان تعامله مع الجميع وكأننا نتسابق على الألومبيات رغم انها مجرد مسابقة محلية.

نظرت الى السماء التي تكاد تكون اظلمت تقريبا وتنهدت. انا مرهقة للغاية بسبب ذلك التدريب واشعر اني في اية لحظة سأسقط نائمة. لو كانت الأحوال كما هي لكان هنري في انتظاري الأن لكن حتى الأن سيتو لم يملك الوقت لتوظيف من يحل محله كسائقي الجديد ولولا هذه الظروف ما كنت انتظرت حتى تمر سيارة اجرة.

مرت ربع ساعة كانت السماء اظلمت فيها تماما حين رأيت اول سيارة اجرة تمر بجوار المدرسة فأسرعت مشيرة بيدي للسائق الذي توقف فحمدت الله فلم اكن لأستطيع السير الى البيت وانا بهذا التعب. ركبت في المقعد الخلفي واخبرت السائق بعنوان منزلي ثم اسندت رأسي الى زجاج النافذة وبعينين لا تريان حدقت في الطريق. في رأيي وسائل المواصلات هي اكثر فاعلية من اي منوم على وجه الأرض.

حاربت للبقاء مستيقظة حتى اصل للمنزل لكني لم استطع التركيز في اي شيء. فقط اضواء الطريق مشوشة تتلألأ حتى انقطعت فجأة. انقطعت فجأة؟ اتسعت عيناي في تركيز فجأة لأجد ان السيارة تسير في طريق لم أألفه في البداية. اين انا؟ حين لاحظت شواهد القبور من حولنا. اهذه مقبرة؟! نظرت الى السائق والذي لاحظت ان تركيزه علي- والذي كان مخيفا نوعا ما- لا على الطريق فعقدت حاجباي وقلت محاولة التظاهر بالهدوء ويدي تتحرك ببطء الى مقبض الباب:.

- اين نحن؟ وماذا نفعل هنا؟
لكنه لم يجب وحين ادرت المقعد ادركت ان الباب مغلق. هذا لا يبشر بالخير. قلت هاتفة:
- افتح الباب، اخرجني من هنا!
لكنه تجاهلني بينما حاولت انا ان افتح الباب بالقوة حتى كدت اكسر المقبض في نفس الوقت الذي حركت فيه قدمي ناوية ان اركل السائق والتي من الواضح كانت حركة خاطئة إذ انه اخرج مسدسا وقال في برود وهو ينظر لي من مرآة السيارة:
- حركة واحدة واطلق النار.

فاتسعت عيناي في رعب وتوقفت عن الحركة لكن يدي لم تتوقف لحظة عن العبث بمقبض الباب وانا اقول:
- اهذه سرقة؟ اتريد مالا؟ سأعطيك ما معي إن كان هذا ما تريد
ليس جبنا ولكنه الحل الوحيد والصحيح امام سلاح ناري. لكن الرجل لم يرد بل تجاهلني وهذا أذهب اغلب الخوف من قلبي في الواقع. فصحت في غضب:
- إن كنت لا تريد شيئا فأخرجني من هنا ايها ال،!

دارت السيارة عندها فجأة فاصطدمت بالباب بقوة في نفس اللحظة التي فتح فيها السائق اقفال الأبواب لأجد نفسي لا استند الى اي شيء للحظة قبل ان يلتقي جسدي بالأرض ليتدحرج ويتقلب عدة مرات بين تأوهاتي وشهقاتي حتى استكان ولحسن حظي لم يكسر لي ضلع ولم تهشم رقبتي وعندما سمعت صرير عجلات السيارة تحتك بالأسفلت بقوة رفعت رأسي في شيء من الخوف. هل سيقتلني هنا؟ لكن ما رأيته هو ظهر السيارة وهي تبتعد بسرعة كأن الشيطان يطاردها. رمقت مصابيح السيارة وهي تبتعد في ذهول. ما الذي حدث للتو؟ انا لم اسرق، لم اخطف حتى انه لم يتم الإعتداء علي! فقط تم القائي- بالمعنى الحرفي للكلمة- في مكان غير الذي طلبت. المقابر. لم احاول التأكد ان كان هناك فخ ما او ان مجموعة من الرجال في انتظاري هنا لأنه بمنتهى البساطة لا يوجد غيري هنا كان هذا واضحا والرجل يصلني. إذن نعود لنفس السؤال. ما الذي حدث للتو؟ الأمر مثير للسخرية حتى اني لم استطع اخذه بجدية. اهذه مزحة ثقيلة من احدهم؟ قاطع افكاري رنين هاتفي. على كل حال ايا كانت فلابد لتحليلي ان ينتظر فلابد ان المتصل هو احد إخوتي. اعتدلت واخرجت هاتفي لأجد ان المتصل هو بيتر، حركت اصبعي على الشاشة لأجيب الإتصال حين لاحظت شيئا على ضوء الهاتف لم اره وسط هذه الظلمة. هذا مستحيل! رفعت رأسي ببطء الى شاهدي القبر امامي لأرى الإسمين التاليين. براين فلادمير الدن، نواه فلادمير الدن. عندها التفت حولي على ضوء الهاتف وانا اقول في ذهول:.

- هذه مقابرنا نحن!
يا الهي! هل القى بي هنا عن عمد! اهذا يعني ان السائق كان يعرف من انا؟! لكن ما الذي يعنيه هذا؟ تشتت تفكيري مجددا عندما رن الهاتف مرة اخرى. شعرت بقلبي ينقبض وبدقاته تتسارع. هذا كان فعلا مقصودا لي. لشخصي انا. لكن لماذا؟ التفت حولي في شك وريبة وبعض الخوف قبل ان انحني نحو قبر ابي أخذة نفسا عميقا. انا لم اتي هنا سوى بعدد جنازات السنة الماضية. لم استطع ان اتحمل فكرة موتهم جميعا.

نظرت الى الشواهد امامي. كيف لم يبد المكان مألوفا حتى رأيت الأسماء. كيف لم الحظ من البداية رغم الظلام. إلأني لم آت هنا ليلا من قبل؟ لكن هذا غير منطقي بأي حال. نظرت امامي فلم ارى المصابيح منيرة بل مغلقة كلها إلا الإثنين الذان بجوار البوابة. فإعتدلت مجددا وانا التفت يمينا ويسارا في قلق. يجب ان اخرج من هنا. يجب ان. عندها رن الهاتف مجددا فقفزت للخلف وتعثرت قدمي في حفرة ما لأهوي. لكن ليس ارضا بل يبدو اني سقط لأسفل من هذا. جلست على الفور ونظرت حولي لأرى اني في حفرة مستطيلة عمقها مترين على الأقل.

مرت لحظة توقف عندها ذهني تماما قبل ان ادرك اين وقعت. قبر! وببطء شعرت بالخوف يتسرب الى قلبي وبخفقاته تهز صدري. قبر. انا داخل قبر. تعالت انفاسي وقد شعرت بغتة ان التنفس اصبح صعبا. التعب، والخوف، والظلام، والمقابر، ثم هذا القبر. ما الذي يحدث؟ ما الذي يعنيه هذا؟ لكن الخوف الذي يكاد يلتهم فؤادي جعلني عاجزة عن التفكير. شعرت اني على وشك الدخول في نوبة فزع. فأخذت نفسا عميقا واغلقت عيني للحظة. اهدأي يا جوزيفين. ارجوك اهدأي.

فتحت عيني وقد خطر على ذهني أنه لو ان احدهم بدأ يغطيني في هذا القبر بالتراب لملئت الدنيا صراخا وهذا الهاجس رغم سخريته لكنه لم يبد بعيدا لذا قفزت بأعلى ما استطيع حتى قبضت بيدي على حدود القبر وببطء سحبت نفسي الى الأعلى وعندما وجدت نفسي على الأرض مجددا تنهدت في ارتياح. وانا ارمق قبر ابي واخي ثم التفت في دهشة الى القبر الذي وقعت فيه للتو وانا اقول:
- ليس من المفترض ان يكون هناك قبر هنا!

حينها اصطدمت عيني بشاهد القبر والذي كتب عليه. جوزيفين فلادمير الدن. 1997- 2014. شهقت في رعب وتراجعت على الأرض للخلف في ذعر وانا اهتف:
- ما. ما هذا؟!

نظرت حولي في هلع وبتوتر اعتدلت واقفة. وقد تحول خوفي الى رعب. حدقت بعينين متسعتين الى القبر. الى الإسم. الى التاريخ. لابد انك تمزح معي. هذا لا يمكن ان يكون حقيقة. لا يمكن. تراجعت للخلف اكثر. هذا لا يمكن ان يكون مزحة. هو اعقد من هذا. هذا لا يعني سوى شيء واحد فقط. هذا نذير. وعيد بأن دوري قادم. كل هذا كان مخطط. السائق. مقابر العائلة. القبر. اجفلت لهول الفكرة.

رن هاتفي للمرة الرابعة فارتعد قلبي بين ضلوعي. وببطء رفعت الهاتف الى اذني مجيبة وانا اراقب المكان في حذر وخوف من حولي:
- ب. بيتر؟
صرخ في اذني:
- جوزيفين؟! اين انت يا انسة؟ هل تعلمين كم الساعة الأن؟ ثم لماذا لم تجيبي على اتصالاتي؟
-...
شعرت فجأة انني مراقبة. ادرت رأسي لأتأكد لكني لم ارى شيئا. يجب ان ارحل. يجب ان ارحل الأن!
- جوزيفين؟ هل انت بخير؟ اجيبني!
- أ. أجل. انا في طريقي.

انهيت المكالمة ثم امسكت حقيبتي التي ادركت الأن فقط انني قد اوقعتها وانطلقت اعدو خارجة من المقابر دون ان التفت مرة واحدة الى الخلف.
لم اتوقف عن العدو حتى وصلت الى منزلي قرعت الجرس ولم تمض ثوان إلا وقد وجدت بيتر امامي قال وهو يفسح لي الطريق للدخول:
- لماذا تأخرتي كل هذا؟
ثم عقد حاجبيه واكمل:
- هل انت بخير؟ انت ترتجفين!
نظرت الى يدي وقلت بين انفاسي:
- انه الطقس والإرهاق لا تقلق
- همم. اين كنت كل هذا؟

ابتلعت لعابي بصعوبة وانا احاول التقاط انفاسي:
- لم يكن هناك اي سيارات اجرة. انتظرت فترة ثم قررت السير الى المنزل.
ضيق عينيه في شك:
- حقا؟ وهذا ما اخرك؟ لماذا لم تردي علي اذن؟
قلت في سلاسة:
- لقد كان الهاتف على الوضع الصامت
- ما كل هذا التراب على ملابسك؟
- لقد وقعت ارضا وانا في طريقي الى هنا كما ان المدرب يعذبنا.
بدا غير مقتنعا لكنه تنهد وقال:.

- لقد ارعبتنا. ارجوك قدري مشاعرنا واتصلي بنا في المرة القادمة. بعد ما حدث السنة السابقة قلبي لم يعد يحتمل.
اومأت بسرعة وقلت:
- حسنا. هل انتهيت من استجوابي؟
هز رأسه يمينا ويسارا ثم سمح لي بالمرور سائلا:
- هل ستتعشين؟
هززت رأسي نافية وانا اقول:
- لا اظن.
نظر لي في شيء من القلق فقلت على الفور لأطمئنه:
- اسفة لكني متعبة بعد اربع ساعات تدريب
اومأ ثم قال في غيظ:.

- وسيتو لن يأكل ودريك ليس هنا الليلة. مما يعني اني سأكل بمفردي بعد ان انتظرت حضرتك
شعرت بتأنيب الضمير فقلت:
- هل يمكنك الإنتظار ساعة على الأقل؟ اريد الإستحمام والإرتياح قليلا
اشرق وجهه على الفور وقال:
- خذي كل ما تحتاجين من الوقت وانا سأنتظرك في غرفة المعيشة
فلم املك إلا ان ابتسمت وقلت:
- حسنا لن اطل.

واسرعت الى غرفتي وبمجرد ان دخلتها القيت حقيبتي ارضا وبسرعة اخرجت ورقة من احدى الدفاتر امامي وبسرعة كتبت UWK 620. حتى لا انسى ثم اسرعت الى الحمام وانا انزع ملابسي عني قبل حتى ان ادخله. فما علي هو تراب مقابر. ادرت محبس المياه بلهفة حتى انهال الماء على جسدي فتنفست الصعداء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة