قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس عشر

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس عشر

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السادس عشر

جلست على الأريكة محاولة استيعاب ما حدث للتو. هل تجاهلني؟ عقلي يقول اجل لكن قلبي يأبى التصديق. إذ كيف يمكن لسيتو تجاهلي في امر كهذا وهو يعلم انه الوحيد الذي يستطيع تهدأتي؟ هو الوحيد الذي اشعر جواره بالأمان الكافي لألا اتذكر ما حدث ذلك اليوم. وان الرعد ما هو إلا مجرد صوت. صوت يصدع في السماء لا غير.

لقد مرت ربع ساعة منذ رحيل سيتو. ولم ارى برقا او سمعت رعدا. ربما كان محقا. ربما انا ابالغ بل ربما تخيلت البرق فعلا. وبعد قليل سيكون دريك هنا. وكل شيء سيكون على ما يرام. هكذا فكرت وانا امسك بيد هاتفي انظر الى الساعة في ترقب واخرى تقبض على سدادت الأذن. لكن كان من الحماقة ان اظن ان الأمر مجرد خيال. فبين لحظة واخرى ارعدت السماء وانقلبت الدنيا رأسا على عقب.

لم يكن هناك اي مطر تلك الليلة بل إن البعض لم يرى البرق. فقد حجبته الغيوم لكن كيف للغيوم ان تصم صوت الرعد. لم يبدأ الرعد بعيدا. لم يكن خافتا. بل كان كأسد يزأر في السماء. ودون رحمة او تردد دوى الرعد مجلجلا. بل اني شعرت للحظة بالبيت يهتز. إرتعد جسدي في صدمة مفلتة سدادت الأذن وفغرت فاهي فلم يخرج إلا حشرجات مختنقة وقد احتبست الصرخة في حلقي وشعرت بشلل يسري في جسدي. وحين توقف الدوي. استطعت بصعوبة تحريك جسدي وبيد مرتجفة التقطت السدادت بعد ان افلتها اكثر من مرة. وعلى صوت شهقاتي حدقت فيها. وللحظة ترددت. ان عدم سماع اي شيء على الإطلاق يرعبني اكثر. لكن عند سماعي للرعد مجددا وجدت نفسي اغرز السدادات في اذني علها تحجب الدوي المريع. وقد كان. اغمضت عيناي بقوة وانا احتضن قدماي الى صدري وقد اختفى كل شيء. الصوت. الرؤية. وكأن الظلام قد غلف كل شيء. ظلام ادهم صامت. وللحظة ظننت اني اهدأ لكن العكس قد حدث. فعلمي ان الرعد يدوي رغم عدم إمكاني سماعه وهذا الظلام. لم كل هذا الظلام؟ شعرت بقلبي يكاد يخرج من صدري من شدة ضرباته. والخوف يسيطر على اكثر فأكثر.

فتحت عيناي فلم ارى سوى الظلام. كيف؟ اغلقت عيني وفتحتها مجددا دون فرق. التفت يمينا ويسارا وصدري يعلوا ويهبط كمن يختنق. ظلام. والمزيد منه. ما الذي يحدث؟ ما. احسست بشيء رطب على يدي فرفعتها رغم اني لا استطيع ان ارى شيئا لكن رائحة الحديد الصدئ ملأت انفي فاتسعت عيناي في ارتياع. دماء؟ من اين هذه الدماء؟! عندها ادركت انه ليست يدي وحدها بل جسدي كله يقبع في بركة من الدماء. حتى لم اعد ارى المنطق. وصرخت كما لم اصرخ من قبل.

((عندما اوقف دريك سيارته امام المنزل كان بإستطاعته سماع صراخ جوزيفين مما جعله يترجل متعجلا ثم عدا الى الباب فاتحا اياه بعنف ومسرعا نحوها دون حتى ان يغلق الباب. ليجدها متكورة على نفسها على إحدى الأرائك في غرفة المعيشة. وعلى اذنيها رأى سدادت الأذن فإتسعت عيناه في دهشة قبل ان يزيل السدادت بهدوء كي لا يفزعها لكنها رغم هذا انتفضت بين يديه ودفعته عنها بحركة حادة وهي تنظر له بعينان زائغتان لا تريان.

رفع يديه امامها وهو يقول بهدوء:
- جوزيفين؟
لكنها لم تجبه وهذا لم يرحه خاصتا انه لاحظ ان عيناها لا ترتكزان عليه. التفت حوله في عجز وقد رفع يده الى رأسه مخللا اصابعه بين خصلات شعره وهو يغمغم:
- انا لا ادري كيف اتعامل مع هذا.
قاطعه شهقة خرجت من حلق جوزيفين حين التمع البرق قريبا من النافذة وقد ارتعد جسدها في عنف. فاقترب منها مجددا صائحا هذه المرة:
- جوزيفين!

فتزامنت صيحته مع الرعد في ذات اللحظة عندها رأى جوزيفين تصرخ وهي تنظر اليه كأنها تراه للمرة الأولى. لكنها على الأقل تراه حقا. هذه المرة استطاع التقاطها بين زراعيه دون مقاومة وهي تتشبث بقميصه وبصوت مبحوح قالت:
- متى جئت؟
ربت على ظهرها محاولا تخفيف ارتجافها وطمئنتها لكن دون فائدة فقال:
- ما الذي جعلك تستخدمين السدادت وانت تعلمين انها تجعلك اسوء!
ارتجفت اكثر وهي تجيب وسط شهقاتها:.

- لم استطع تحمل الر. الرعد. د.
تحسس شعرها وهو يقول:
- انت بخير الأن.
لكنه يعلم انها ليست كذلك. جوزيفين اصبحت اسوء منذ العام الماضي وسيتو لا يساعد. وحين دوى صوت الرعد مجددا اهتز صدره بصراخ جوزيفين المكتوم. وهو لا يدري ماذا يفعل او ماذا يقول. لذا لم يملك إلا ان ضمها اليه اكثر واضعا احدى يديه على اذنها.

وخلال الساعة التالية عاش دريك اسوء لحظات حياته فبين صراخ جوزيفين وعجزه عن اتخاذ اي فعل ذا فائدة. جعله يدرك انه في كل مرة كان احد شقيقيه هنا بينما هو لم يفعل شيئا كان كلاهما يحاول تهدأتها. والأن هو يراها امامه تتألم وتصرخ وهو لا يعلم حتى ماذا يقول لها كي يطمئنها. بل هو على حافة البكاء معها الأن.
تنهد وهو ينظر اليه وقد استكان جسدها اخيرا فقال:
- هل هدأت؟

اومأت برأسها على صدره في ضعف فتابع مبتسما في إرهاق:
- بيتر سيكون هنا قريبا لابد انه في حاله هلع الأن لأنه يعلم انني فقط الذي معك
ارتسمت على شفتيها ابتسلمة ضعيفة لم تلبث ان اختفت وبخفوت سألت:
- ماذا عن. سيتو؟
صمت للحظة قبل ان يقول:
- هو ايضا قادم لكن متى بالظبط لا ادري
قالت في مرارة:
- لا احد يدري هذه الأيام
حاول تغيير الموضوع فقال:
- هل تريدين النوم قليلا؟

اومأت في صمت ثم ابتعدت عنه في بطء وكأنها لا تريد ان تبتعد عنه لكنها اعتدلت واقفة على اية حال وكادت ان تقع لكنها تماسكت فرفع يده له ليعاونها. فقالت:
- لا بأس انا بخير. انا بخير.
شعر انها تحاول ان تقنع نفسها اكثر من اقناعه هو فاستقام واقفا وهو ينوي ان يساعدها للصعود الى غرفتها لكن عندما وصلا الى السلالم قالت جوزيفين:
- لا تقلق يا دريك انا حقا بخير. فقط بحاجة الى الراحة وهذه ليست المرة الأولى.

ثم صعدت السلالم وحدها. ولسبب ما استشعر دريك انها تريده ان يتركها وحدها الأن ولأنه يعرفها جيدا فهي غالبا ستبكي وحدها في غرفتها. فرغم سوء الفكرة إلا انه سيكون سعيدا لو انها حقا بكت فخلال هذه الساعة من الصراخ والخوف. جوزيفين لم تزرف دمعة واحدة وهذا قد هاله الى اقصى حد.

تحرك بيتر ذهابا وايابا في الصالة ومع كل خطوة غضبه يتزايد لقد اتى متأخرا جدا والحال التي وجد دريك فيها اقلقته فقد كان ذلك الأخير فزعا بشكل مرعب لكن ما ارعبه واغضبه الى حد كبير كان ما قصه له دريك عما حدث خلال غيابه مضيفا عدم تواجد سيتو الذي هم في انتظاره. هو لا يكاد يصدق ما يحدث او كيف يتصرف سيتو. لكن اليوم هو لن يتقبل اي اعذار عليه ان يعلم لما يتصرف سيتو ببرود تجاه جوزيفين بل إنه يتجاهل وجودها تماما. لقد حاول إقناع نفسه انه ربما ضغط العمل ربما جوزيفين قد اغضبته بشكل او اخر لكن لا شيء يمكن ان تفعله يمكن ان يجعل سيتو يتجاهلها بهذا الشكل وفي هذه الظروف. شيء ما ليس على ما يرام وهو لابد سيعلم ما هو.

لم تمض على افكاره ثوان إلا وقد فتح باب المنزل فأسرع نحوه ليقابل سيتو في بهو المنزل وقبل ان يفتح فمه قاطعه سيتو قائلا:
- على الأقل دعني اراها ثم نتجادل في هذا
لكن بيتر كان غاضبا لدرجة هو نفسه لم يدرك مداها إلا عندما وجد نفسه يصرخ في وجه سيتو:.

- الأن؟! الأن تريد ان تراها! الأن تريد ان تطمئن عليها؟ وماذا سيفعل مجيئك الأن؟ لقد انتهى كل شيء وانت حتى لم تأبه بإجابة مكالمتنا وفوق كل هذا. لقد كنت هنا حين وصلت هي الى المنزل فكيف تجروء على تركها بعد ان اخبرتك بما رأت؟
خرج على صياحه دريك من غرفة المعيشة ناظرا الى سيتو في اتهام صامت فزفر سيتو في ضيق وقال:
- كان لدي ما اهتم به، كما انه لم يكن هناك شيء حينها بل إن الأرصاد.

قاطعه بيتر وصياحه يتعالى:
- هل تسمع ما تقول؟! هل تدرك ما فعله تجاهلك بها؟ اتعلم كيف وجدها دريك حين وصل؟ بل اتعلم كيف كان دريك حين وصلت انا؟
نظر الى سيتو عندها الى دريك بتمعن ليلحظ الإرهاق والقلق الممتزج بالغضب البادي على وجهه لكنه ما لفت إنتباهه فعلا كان نظرة العجز والرعب في عينيه. تابع بيتر:.

- لقد كاد يجن عاجزا عن فعل اي شيء مع جوزيفين لقد اتصل بي اكثر من عشر مرات فقد افزعه صراخها الذي لم ينقطع بل انه حين وصل لها يقسم انها لم تسمعه، لم تتفاعل معه! ولو كان محقا فهذه كارثة اخرى. فإن كانت تلك حالة دريك فكيف تظن حال جوزيفين؟ فأين كنت انت من كل هذا؟ كان لديك ما تهتم به اليس كذلك؟ اليس هذا ما قلت؟!
صمت سيتو لكن الغضب بدأ يتسرب الى ملامح بوضوح فقال بيتر في حنق:.

- بل إن جوزيفين عادت اكثر من مرة في وقت متأخر وانت حتى لم تأبه ولم تسأل؟
اجاب سيتو وقد بدأ صوته يرتفع:
- انا لم اتركها متعمدا كما تظن، لقد اخبرتك انه لم تكن هناك عاصفة حينها فلا داعي لتكرار هذا
هتف دريك محاولا التدخل:
- بيتر.
فرمقه بيتر محذرا بينما التفت الى سيتو قائلا:.

- ثم ماذا بعد ذلك؟ بعد ان ارعدت؟ اين كنت حينها؟ لقد اتصل كل منا بك حتى فقدنا الأمل. فهل تظن حقا ان اعذارك الواهية تكفي؟ لم لا تخبرنا ما الذي يحدث بالضبط؟ وما هي تلك الأعمال التي تلاحقك طوال الوقت حتى لا تجد الوقت لتجلس لبضع دقائق بجوار شقيقتك حين تحتاجك؟ وانت الذي كنت لتفعل اي شيء لتصل اليها اين كانت!
عندها ولسبب ما انفجر سيتو صارخا بأعلى صوته:
- تلك ليست بشقيقتي! لم تكن ولن تكون. هل تفهم هذا؟

اتسعت عينا دريك في ذهول بينما حدق بيتر في سيتو في عدم تصديق لما قد سمع للتو وقد اعجزه الجملة عن الرد في حين اكمل سيتو:
- لذا لتفعل ما تفعل فأنا لست مسؤلا عنها بل انا لم اعد أأبه لتعد متأخرة او لتبت الليلة خارج المنزل فأنا لم اعد اهتم.
توقف عن الحديث فجأة وقد شحب لونه وهو ينظر الى بقعة خلف بيتر فالتفت كل من بيتر ودريك في جزع وهما يعلمان جيدا من سيران وقد كانت هناك فعلا. جوزيفين. )).

في تلك اللحظات شعرت بما لم اشعر به في حياتي من قبل، شعرت ان شيئا داخلى قد تحطم. شعرت بألم غريب في صدري وكأنه قد انطبق على نفسه حتى لم اعد استطيع التنفس. ولثوان شعرت بالغثيان واني سأفقد الوعي فقبضت بيدي على سور السلم. بينما عيناي لم تفارق عيناه للحظة. بالكاد شعرت بإقتراب دريك وبيتر. يمكنني رؤيتهما يتحدثان لكني لا اسمع. قد يظنان اني سمعت بعض المحادثة لكني في الواقع سمعت كل شيء منذ دخل سيتو الى المنزل.

رمقت وجهه لأتأكد اني اراه حقا واني قد سمعت ما قاله للتو. ملامح الدهشة على وجهه لم تترك مجالا للشك. اردت ان ابكي لكن دموعي قد جفت. اردت ان اصرخ لكن صوتي قد بح. وكأني قد استهلكت روحي في العاصفة. ولم يعد هناك ما اقدمه. لكن الألم في صدري يتعاظم ولو اني تركت لنفسي الفرصة لإنهرت هنا والأن.

لذا لم اقل شيئا، لم اتفوه بحرف بل تحركت نحو الباب متجاهلتا بيتر ودريك ثم مررت بجانب سيتو وكأني لا اراه. فتحت الباب واخذت اعدو مبتعدة عن المنزل. مبتعدة عن كل هذا.

والحمد لله ان السماء صارت صافيه. سرت في الطرق دون هدف في البداية. وبعد فترة توقفت واستندت الى جدار احد البنايات على احد الشوارع الرئيسية اشاهد الناس من حولي وربما يشاهدونني هم ايضا. والرياح تهب من حين لأخر مجمدتا الدم في عروقي لكنها في نفس الوقت تجمد الألم داخلي وتثلج صدري. وكأنها ما احتاج الأن. اخذت نفسا عميقا وببطء شعرت بنفسي اهدأ. انا لم اؤمن قط بأن الأشياء البسيطة كهذه قادرة على مواسة احد. لكني ها اثبت نفسي مخطئه.

بعد برهة قررت اني لا يمكن ان ابقى هنا ان الوقت متأخر. لكني في ذات الوقت لا اريد العودة الى المنزل ومواجهة اخوتي إن صح تسميتهم بهذا. لذا قررت انه لا يوجد سوى مكان واحد اذهب اليه الأن. الى حيث جين. ورغم تحذيراته إلا اني اردت ان اراه بشدة. اردت ان اخبره بما حدث. اردته ان يخبرني ان كل شيء سيكون على ما يرام وان سيتو لم يعني ايا مما قال. اردته ان يسمع. ان يسمعني. وبخطوات مترددة إتخذت طريقي الى حيث جين.

حين وصلت الى البناية اخيرا كانت الوقت متأخرا الى حد ما لكني لم افكر في الوقت قبل ان اتي الى هنا ولن ابدأ بالتفكير فيه الأن. تسلقت السلالم وانا اتذكر اخر مشادة لنا وتنهدت. ربما بالغت في ردة فعلي ففي النهاية هو يريد سلامتي. لكن هذا لا يعني انه محق كان عليه ان يتفاهم معي لا ان يقرر لي. حين وصلت الى شقته اخيرا ضغط على الجرس وانتظرت. وحين مرت برهة دون إجابة ضغط الجرس مرة اخرى ثم طرقت الباب. عندها ادركت ان جين ليس موجودا لا ادري السبب لكني شعرت بإحباط شديد. إحباط ألامني. حتى شعرت بالدموع تحرق عيناي وتهدد بالفرار. ماذا بي؟ على ان اهدأ. ليس هناك داع للإنهيار الأن وقد تحملت حتى الأن. لم ارد العودة الى البيت وفي ذات الوقت انا لا املك هاتفي حاليا فقد فررت دون ان اهتم لأي شيء لذا قررت ان انتظر عودتة جين امام باب شقته. وشقته كانت اول شقة بجوار السلم لذا جلست ارضا اسندت جسدي الى سور السلم. لا ادري ما حل بي او حتى كيف حدث ما حدث. لكني كنت مجهدة من السير ومن احداث اليوم. ومع طول الإنتظار والهدوء والرياح شعرت بجفني يثقل حتى لم اعد استطيع التركيز في شيء او المقاومة وفي لحظة كنت قد غفوت. وحيدة في ظلام الليل مستندة الى السور.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة