قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السابع عشر

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السابع عشر

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل السابع عشر

((صعد جين السلالم في إرهاق وكل ما يفكر فيه الأن هو الفراش. فقد كان اليوم طويل. طويل بشكل سخيف لكنه لم يكن يدري ان يومه على وشك ان يصبح اطول. نظر الى ساعته ليرى انها الثانية عشر صباحا وحين رفع بصره الى السلالم مرة اخرى تصلب في مكانه في ذهول وهو يحدق في المشهد الذي ارتسم امامه. للحظة ظن انه يتوهم وان الإجهاد قد بلغ مبلغه ليخرف لكن مهما التفت حوله. كانت هناك امامه جالسة على الأرض مستندة الى السور امام شقته.

حين استطاع اخيرا التغلب على ذهوله. وادراك ما يرى حقا ان جوزيفين نائمة امامه رغم تحذيريه لها ان لا تأتي لزيارته وانه مطارد. التفت حوله في سرعة يمينا ويسارا ليتأكد ان احدا لا يراقبه قبل ان يقفذ ما تبقى من السلالم ليصل اليها. )).

شعرت بيد احدهم على كتفي فشهقت مستيقظة وتراجعت للخلف بحركة حادة فصدمت ظهري بجدار ما خلفي. اين انا؟ هل كنت نائمة؟ وبعينين متسعتين حدقت في صاحب اليد ودقات قلبي تتسارع حتى قال بهدوء او هكذا ظننت:
- انه انا.

جين؟! عقدت حاجباي وانا احاول التركيز متذكرة اين انا وما افعل هنا. لا اصدق اني غفوت في مكاني! هل كنت متعبة الى تلك الدرجة؟ اخذت نفسا عميقا لأهدأ ونظرت الى جين وقبل ان افتح فمي لأتحدث شعرت بيده تضغط على كتفي وهو يجذبني لأعتدل قائلا بصوت خافت:
- اعتدلي
هو لم يترك لي المجال لأتخذ اي خيار اخر فقد جذبني بعنف لأجد نفسي واقفة فقلت وانا اضع يدي على يده ابعدها عن كتفي:
- انت تعتصر كتفي.

فلم يعر ما قلت اهتماما وهو يفتح باب شقته دافعا اياي داخلها دفعا ثم القى نظرة اخيرة الى السور قبل ان يغلق الباب ثم استدار نحوى وقد بدى الغضب جليا على وجهه قائلا:
- هل فقدت صوابك يا جوزيفين؟!
لم يتح لي الفرصة لأجيب إذ اكمل:.

- الم اخبرك الا تأتي؟ الم اخبرك اني مطارد؟ وان الأمر خطر؟ وفوق كل هذا ها انتي هنا في وقت متأخر جدا ونائمة؟! نائمة امام باب الشقة! كان يمكن لأي احد اذائك او حتى قتلك! فأخبريني هل جننت؟
صمت برهة في دهشة لما يقول لقد علمت انه سيكون غاضبا لكن ليس الى هذا الحد. لكن صراخه في جعلني اجيب بإنفعال:
- لا تتحدث إلى بهذة الطريقة يا جين، انا لست طفلة.
قاطعني قائلا بنفس النبرة:
- افعالك لا تشي بشيء غير ذلك.

- ما لذي قلت للتو؟
اجاب في تحدي:
- كما سمعتي تماما. فإما انك لا تدركين او لا تكترثين لما اخبرتك وكلاهما تصرفات اطفال.
كورت قبضتي غاززة اظافري في يدي في محاولة لمنع نفسي من قول ما قد اندم عليه:
- حقا يا جين؟ اهكذا تريد الأمر ان يكون؟
عقد يديه على صدره قائلا:.

- انت لم تتركي لي خيار اخر يا جوزيفين. هل تدركين الخطر الذي وضعت نفسك فيه؟ ثم مادمت لم تجديني لما لم ترحلي؟! لا كان ما فعلتيه ان غفوت في العراء امام باب الشقة ولولا القدر لكنت الأن.
لم يكملها. لم يرد ان يكملها. ادرك هذا وادرك ان ما فعتله هو حماقة لكني لم افكر حينها في هذا. قلت مسيطرة على اعصابي:
- انت تبالغ يا جين. لم يحدث شيء ولم يكن ليحدث شيء.
هز رأسه يمينا ويسارا ان وقد اغضبه ما قلت اكثر:.

- انتي حتى لم تفكري الأتصال قبل ان تأتي!
قلت بحدة:
- انا لم افكر في ذلك قبل ان.
قاطعني مرة اخرى صائحا:
- بالطبع لم تفكري. فالكل موجود حين تطلبين وانا بالطبع موجود هنا بإنتظارك
هل لمح الى ما اظن؟ هل هذا ما يظنه في؟ اني طفلة مدللة كل طلبتها مجابة؟ الهذا يظن اني جئت في تلك الساعة؟ في هذا الوت؟ عقدت حاجباي وبغضب حقيقي قلت:
- ما الذي تعنيه بذلك؟!

تنهد مدركا ما قال وما يعنيه كلامه فقال واضعا يديه على صدغه:
- لم لقصد. لم يكن هذا ما عنيت يا جوزيفين
هتفت فاردتا إحدى يداي امامه داعية اياه ان يكمل:
- بل يبدو ان هناك ما تود قوله يا جين فقله هيا، اخبرني.
اجاب ضاغطا على حروفه:
- اخبرتك اني لم اعني ما قلت
صحت فيه قائلة:
- ما الذي عنيت اذن يا جين؟ ما الذي قد يعنيه كلامك غير ذلك؟

لم يجب. فقط رمقني في صمت. شعرت بأنفاسي تحتبس في حلقي. هكذا يظنني حقا؟ ام هل انا هكذا حقا دون ان ادري؟ اعلم اني مدللة، مغرورة ربما. لكني لم اظن اني بهذا السوء. احسست بشفتي السفلى ترتجف قليلا. صمته ليس إلا اعتراف ان هذا ما يظن حقا اليس كذلك؟
تنهد مجددا ثم قال:
- لماذا انت هنا يا جوزيفين؟
اذن سنتجاهل ما قال منذ قليل؟ حسنا يا جين كما تريد قلت ببرود:.

- بلا سبب فقط اردت رؤيتك ويبدو اني ارتكبت خطأ في هذا.
لا. انا لم ات الى هنا لهذا. لم اهرب من المنزل الى هنا لهذا. قلتها واتجهت الى باب الشقة لكن جين قبض على يدي وكرر السؤال:
- لماذا جئت في منتصف الليل الى هنا؟
حاولت نزع يدي من قبضته دون جدوى وكررت كلماته:
- كما سمعت يا جين
اتيت لكي تسمعني. اتيت كي اخبرك بما حدث لتخبرني ان كل شيء سيكون على ما يرام. آطلب ذلك كثير؟ الا استحق هذا؟ اتيت لتطمئني يا جين.

نظر لي في عدم تصديق لكنه افلتني وقال بهدوء:
- ما دمتي هنا فهناك ما اردت اخبارك به لكني لم اجد الفرصة
رفعت احد حاجباي في تساؤل فأشار الى الأريكة كي نجلس فنظرت له في بلاهة قبل ان اقول:
- انت تمزح اليس كذلك؟ هل تظن حقا اني في مزاج للجلوس؟
اجاب بغيظ:
- لا تجلسي اذن، اسمعي.
لم ارد على كلامه المستفز بل انتظرت حتى قال:
- انا سأسافر الى المانيا لمدة قد لا تقل عن شهر
تناسيت غضبي كله في لحظة وانا اقول فاغرة فاهي:.

- ماذا؟
تابع في بساطة:
- لقد طرئ الأمر فجأة، هناك بعض الظروف العائلية التي تستدعي وجودي للأسف
قلت بصعوبة وانا احاول استيعاب ما قال:
- متى؟
- خلال ثلاثة ايام
عقدت حاجباي وبإنفعال قلت:
- ومتى كنت تنوي ان تخبرني إن لم آتي انا اليوم؟
قال بهدوء حاول بكل صعوبة الحفاظ عليه حتى لا يتحول الحديث الى مشادة اخرى:
- كما قلت لقد الأمر جاء بغتة.

ثم صمت وكأن هذا يفسر كل شيء. وكأني من المفترض ان اتفهم بهذه البساطة. نظرت الى الباب وقد بدأ يتنامى بداخلي الغضب من جديد لكن لسبب مختلف هذه المرة. ووجدتني اقول:
- مكالمة واحدة كانت لتعلمني يا جين.
اومأ برأسه ولم يجادل قائلا:
- انت تعلمين جيدا لماذا لم اتصل وربما كان هذا افضل حتى اعلم من يطاردني ولماذا.
التفت له صائحة في عنف:.

- افضل؟ اتدري ما تقول؟ ولماذا؟ لأنك تعتقد اني قد اتعرض للخطر؟ افق يا جين ان الخطر يحيط بي طوال الوقت هذا ليس بجديد
ثم توجهت مجددا نحو الباب وامسكت المقبض بعنف لكن جين استوقفني واضعا يده على الباب مانعا اياي من فتحه قائلا بجدية:
- يحيط بك طوال الوقت؟ هل استجد جديد بعد موت هنري؟
هذا ما اتيت ابلغك به ايها الأحمق. لكني من شدة غضبي كذبت دون ان يطرف لي جفن قائلة:.

- لا لكن انت تعلم جيدا ابنة من انا وما ورثت، لذا لا مكان للأمان حقا في حياتي وهذا لا يعني ألا اعيشها كما اريد
صمت لوهلة يتأملني مقيما اياي إن كنت اكذب ام لا لكني اعلم ان هذا يكاد يكون مستحيلا لذا سأل ليتأكد:
- انت لا تخفين شيئا عني اليس كذلك؟
اجبت ببرود:
- ولما قد تهتم، انت راحل على اية حال.
- جوزيفين انه مجرد شه.
اوقفته بإشارة من يدي بعد ان تمكنت من فتح الباب:.

- لا اريد سماع المزيد ولا لا اريدك ان توصلني الى المنزل فلا تعرض كما اتيت الى هنا وحدي دون ان انزلق على حجر واموت سأستطيع العودة الى المنزل لا تقلق.

ثم صفقت الباب في وجهه تاركتا اياه واقفا على الباب في ذهول يحاول ان يفهم لما بالغت في ردة فعلي. وهو محق لقد بالغت لكن ذلك مفهوم فالخبر هبط على كالصاعقة ونحن كنا نتشاجر ماذا كان يريد مني؟ ان اقفز مصفقة في فرح؟ كما اني احتاج وجوده الأن. الأن اكثر من اي وقت. لكن هذا لم استطع ان اصارحه به. فكان ما خرجت به من هذا اللقاء هو المزيد من الخلاف. المزيد من الألم. وها انا اعود الى منزل لم اعد اشعر اني انتمي اليه بعد ما قاله.

اخذت نفسا عميقا. بعد ما قاله سيتو. لكن على ان اعود. فلو ان ظني صحيح فعلى الأقل بيتر ودريك يكادان يقتلان نفسيهما قلقا على لذا يجب ان اعود. لأجلهم على الأقل.
فتحت باب المنزل بهدوء وحذر عل إلا يسمعني احد لكن بمجرد ان اغلقته خلفي وجدت بيتر يهرع إلى من حيث لا ادري والقلق مرتسم على وجهه:
- جوزيف.
قاطعته قبل ان يمطرني بالأسئلة والأعذار:.

- انا بخير يا بيتر لا داعي للقلق ولا داعي ايضا لتختلق الأعذار لسيتو فحتى انت لا تدري ما به وانا اعلم ما سمعت وهذا يكفي
لكن هذا زاده قلقا لسبب ما وقال بتلعثم وهو يقترب مني:
- لكن.
هززت رأسي اني لا اريد ان اسمع وقلت:
- انا فقط اريد بعض الوقت بمفردي.

تركته وصعدت السلالم وخلال صعودي لمحت دريك مستلق على الأريكة في غرفة المعيشة وقد غلبه النوم. فتمزق قلبي لرؤيته لقد اصابه الرعب اليوم هو الأخر. اخذت نفسا عميقا ثم اكملت طريقي الى غرفتي.

استلقيت على فراشي دون تغيير ملابسي واغمضت عيني لكن النوم لم يجد سبيله لي وهذا متوقع. حديث سيتو يتكرر في ذهني دون توقف. يؤلمني دون توقف. فرغم كل ما قد تصورت من معاملته لي إلا اني لم اتصور ان اسمع ما سمعت او ان يفكر هو بالذات هكذا. ثم جين. وما اخبرني به جين. شعرت بقلبي ينقبض بين ضلوعي. جوزيفين كفي عن التفكير فيما حدث فلا طريقة لتغييره الأن. فكري في اي شيء اخر. اي شيء.

وجدت افكاري تتجه وحدها نحو حادثة المقبرة. وذلك القبر الذي اعده احدهم خصيصا لي. استرجعت صورة شاهد القبر مرة اخرى. وتذكرت التاريخ الذي نقش على الشاهد 1997- 2014. تلك كانت رسالة واضحة. تهديد صريع بأني سألحق بوالدي واخي. عقدت حاجباي لحظة وانا اعيد افكاري من جديد. تهديد؟ مجرد تهديد؟ ام يحمل معنى خفيا؟ ام الإثنين معا؟ اتسعت عيناي وهببت جالسة فجأة قائلة في خفوت:
- لا يمكن!

ماذا إن لم يكن الأمر حقا بهذه البساطة. ماذا لو ان ذاك الحادث يحمل رسالة ذات معنى اخر. وما معنى اخر للقبرين وبجوارهما قبري إلا. إرتجفت في رعب من هول الفكرة. ان يكون المقصود بالحادث إعتراف. اعتراف بالإضافة الى التهديد. لكنه لو فكرنا دون اخذ كريستل في الأعتبار. فكأن من دبر واقعة المقبرة يخبرني انه الفاعل وراء مقتل ابي واخي. وانه سيلحقني بهما. انه حان الوقت. لكن لو ان هذا الإفتراض صحيحا فلماذا الأن؟ ولماذا ستعترف كريستل بما لم تفعله؟ هذا إن لم اكن ابالغ في فهمي لم حدث. حتى لو كنت مخطأة فهناك امور لا تتطابق مع ما وقع السنة الماضية. اسئلة لم يجب عليها احد. اسئلة حاولت تجاهلها لكي تمضي الحياة لكن الحياة لا تمضي حقا يا جوزيفين. ولا احد ليساعدني الأن. ليس جين وليس ريتشارد وبالتأكيد ليس سيتو. ولو اني اخبرت احد اخر لمنعني من البحث. لكني مللت إنتظار الموت في مكاني. إن كان هناك من يتلاعب بحياتي كما اظن. فأنا لن اقف ساكنه لم تكن هذه طبيعتي قط وإن كنت لن اجد المساعدة فيمن اردت فسأصرف انا.

تحركت نحو مكتبي واخرجت مفكرة صغيرة وبحثت بين صفحاتها حتى توقفت امام صفحة فارغة إن من سطر واحد:
UWK 620.

رقم السيارة التي القت بي في المقبرة. هذا خيط يمكن البدئ منه. لكن كيف اصل الى صاحبها؟ جين لن يساعدني بالتأكيد ولا يمكنني اختراق الموقع كما فعلت من قبل فهذا سيضطرني الى إما استخدام حاسوب سيتو لما يحويه من إمكانيات وذاك مستحيل الأن. فكيف احصل على المعلومات التي اريد. عندها تذكرت الشخص الوحيد الذي يمكن ان يكون ذا فائدة الأن ورغم تأخر الوقت امسكت هاتفي وبعد لمسات سريعة على الشاشة سمعت صوت الرنين المعتاد حتى قطعه صوت يقول بشيء من الإنزعاج:.

- هل تعلمين كم الساعة الأن؟
ارتسمت على شفتاي ابتسامة ساخرة واجبت:
- هل تريد اقناعي انك كنت نائما يا كارل؟
صمت لحظة ثم قال متنهدا:
- ماذا تريدين يا جوزيفين؟
اجبت على الفور:
- اريدك ان تحصل لي على اسم ومحل إقامة صاحب سيارة تحمل الرقم التالي UWK 620
شعرت بالفضول يسري في صوته وهو يسأل:
- لماذا؟ ثم كيف تظنني سأستطيع ان.
قاطعته قائلة:
- كلانا يعلم انك تستطيع فلا تضع وقتي ووقتك بهذه المناورات.

سمعت ضحكة من الجانب الأخر لكنه اخيرا قال:
- لماذا انا وليس خطيبك؟ معلوماتي تقول انه يستطيع الوصول الى ما تريدين اسرع واسهل.
اجبت ببرود:
- هذا ليس من شأنك. ثم انا لا اريد لأحد ان.
قاطعني مكملا كلامي:
- ان يعلم عما تيحثين؟ ام ان يعلم انك انت من تبحثين؟
ارتسمت ابتسامة على شفتاي وانا اقول:
- كالعادة حاستك الصحفية تجعلك تسأل ما لا يجب
تجاهلني سائلا:
- وعلما احصل انا في المقابل؟
قلت مباشرة:
- ماذا تريد؟

فكر قليلا ثم اجاب:
- العديد من الأشياء في الواقع لكن ايا منها لا يصلح التحدث عنه في الهاتف. اريد مقابلتك
اومأت رأسي رغم علمي انه لا يراني ثم قلت:
- اذن احصل على ما رايد ولنتقابل حينها
غمغم موافقا:
- حسنا اذن.
ثم اغلق المكالمة فرفعت السماعة عن اذني مبتسمة ابتسامة قد لا تصل الى قلبي. تلك هي البداية.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة