قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثامن عشر

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثامن عشر

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثامن عشر

تفاديت اللكمة في سهولة متراجعة خطوة الى الخلف. وبصري لا يفارق عينا خصمي وقد اعتلتهما نظرة مستهينة. اكاد اقسم يستخف بي في ذهنه الأن. وهذا سيكلفه. ابتسمت لنفسي فأنا من جعله يظن هذا منذ بدأت المبارة إذ كل ما فعلته هو تفادي هجماته والرد عليها ببعض الحركات السخيفة فقط لأحصل على ما اراه الأن. لقد ارخى دفاعته. الأحمق أيظن حقا ان الأمر بهذه البساطة؟

لقد اتبعت تعليمات لوكس هذه المرة. لم افقد تركيزي رغم ان ما يعتلج في قلبي هو اثقل من الجبال لكني اتخذت الفتى الذي في مواجهتي فرصة لتفريغ غضبي. والحق يقال اقتياده كالأحمق كان مسليا لكن هذا يكفي.

نظرت الى لوكس فرأيته يومأ برأسه في نفس اللحظة التي امتدت فيها يد الفتى الى وجهي لكني لم اتراجع هذه المرة بل صددت يده بساعدي قبل ان تلتف يدي اليمنى حول معصمه بينما تحركت يدي اليسرى كالصاروخ الى فكه فالتسعت عيناه في صدمة والم لكني لم اسمح له بفرصة ليتعافى. فقد لويت يده اليمنى خلف ظهره. محاولة حد حركته وجعله ينحني لإسقطه ارضا لكنه ورغم الدهشة استطع التملص من قبضتي بل كاد ان يركلني لو لم ابتعدد بالسرعة الكافية. فانقضضت عليه مرة اخرى مكيلة له اللكمة تلو الأخرى. في سرعة وسلاسة فهذه هي نقطة تفوقي قد لا اكون اقوى لكني بالتأكيد الأسرع. لكن الرجال لديهم قدرة تحمل عالية فرغم كل ذلك الفتى لم يسقط بل انه تحرك بسرعة على هذا القرب مني مكيلا لكمة لم استطع تفاديها الى ساعدي الأيسر مستغلا محاولاتي للف يداي حول رقبته. لم افلت يدي ان فعلت فقد فقدت فرصتي وانا اريد ان انتهي سريعا لذا ضغط على رقبته وبكل قوتي دفعته للخلف ليصطدم بالسلك المحيط بالحلبة ثم ركلته في صدره دافعتا نفسي للخلف مما جعلني اقفز على يداي قبل ان اعتدل واقفة وحين رأيته يحاول ان يقف من جديد قلت في تحدي:.

- اسفة لكن تلك هي النهاية.

اتبعتها بأن قفزت على قدم واحدة واستدرت رافعة قدمي لترتطم برأسه في عنف مخلخلة كيانه قبل ان يسقط ارضا. من الطبيعي ان تكون الخطوة التالية هيا شل حركته حتى يستسلم لكني اردته ان يقف من جديد. ان يقف كي اتخلص من الغضب الذي اشعر. اتسعت عيناي وتراجعت خطوة الى الخلف في ذهول لما خطر على ذهني للتو. ما بي؟ ما هذا الغضب؟ ما تلك القسوة؟ ولله الحمد فالفتى لم يتحرك من مكانه فأعلن الحكم فوزي. وصراخ الجماهير يكاد يمزق اذني.

اخذت نفسا عميقا واغمضت عيني. يجب ان اهدأ. يجب ألا انهار. فليس هناك من اعتمد عليه سوى نفسي.

هبطت من الحلبة حيث فريقي ولوكس في انتظاري. قبلت بالتهاني والهتافات لكني كنت شاردة. اراهم يتحدثون لكن عقلي لا يستوعب ما يقولون حقا. فقط اتمنى ان ينتهوا ويطلقوا سراحي. وعندما اخيرا بدأنا نستعد للخروج من المبنى اوقفني لوكس جراي مشيرا لباقي الفريق بالإستمرار في سيرهم ثم نأى بي نحو ركن القاعة. حين توقفنا نظر لي كأنه ينتظر ان اقول شيئا ما؟ وحين لم ينطق بشيء قلت بشيء من التحدي:.

- لقد اتبعت كل تعليماتك. حتى ما كنت معترضة عليه فلماذا تريد محاضرتي؟
تنهد ثم قال:
- اجل لقد قمت بعمل جيد. حتى اللحظة الأخيرة. ماذا كان ذلك؟

كيف لاحظ هذا؟ كانت تلك هي اللحظة الأولى منذ قابلته للمرة الأولى التي ادركت فيها ان لوكس جراي ليس رجلا عاديا. ليس مجرد مدرب يعمل في مدرسة. وعند هذا الإدراك رمقته مقيمتا له من جديد. اخذت خطوة للخلف وبها شعرت بجدار يبنى بيننا. ربما ابالغ وربما لا. لكن ما ارتسم على وجهه اعلمني انه قد لاحظ ما فعلت للتو. هذا الرجل دقيق الملاحظة الى حد غير مريح. ظل صامتا منتظرا اجابتي فقلت متظاهرة اني لم افهم:.

- ماذا تعني؟ لم يحدث شيء.
صمت برهة ثم اومأ برأسه مشيرا الى الباب وهو يقول:
- حسنا اذن يا جوزيفين.
منهيا المحادثة الغريبة وتاركا اياي احدق في ظهره. وانا اعيد حساباتي من جديد.
قلت متذمرة:
- انت تمزحين اليس كذلك؟ ارجوكي اخبريني انك لا تتوقعين مني ان اتسوق معكي اليوم وبعد ساعة من الأن
اتاني صوت كاثرين من خلال سماعات الهاتف قائلا بكل كياسة:
- اجل، بالضبط
غمغمت بغيظ:
- لكني لا اريد. لست في مزاج يسمح.

- جوزيفين اسمعيني جيدا، إننا بالكاد نرى بعضنا هذه الأيام وانا اعلم جيدا انك متفرغة اليوم لذا لا مجال لعدم الموافقة او التخلص مني.
- لكن الأن!
- يكفي كسلا امامك نصف ساعة لتكوني امام بابك
صحت محتجة:
- لقد قلت ساعة!
- هذا كان قبل تذمرك هيا لا وقت.

ثم انهت المكالمة دون ان تترك لي فرصة للرد. تقلبت على الفراش للحظات ثم تنهدت. لا مجال للتهرب من هذا. وانا افقد حديثي مع كاثرين. وربما هو تغيير جيد. هكذا اجبرت نفسي على القيام ثم توجهت الى خزانة ملابسي لأتجهز لما تنتويه كاثرين.
رن جرس الباب فهبطت لأني اعلم انها بالتأكيد كاثرين ولأنه لا يوجد غيري بالمنزل. فتحت الباب لأتلقى كاثرين بين ذراعي حيث اعتصرتني بين يديها فقلت محاولة ابعادها عني:.

- ستقتلينني يا كاثرين
ضحكت وهي تقول:
- اذن ستموتين في سبيل الحب
بعد ان افلتتني ولله الحمد تأملت المكان حولنا للحظات ثم تابعت:
- انا لم آت هنا منذ فترة لكن البيت كما هو ألا تنون تجديده ابدا؟
نظرت الى الصالة الكبيرة ثم الى غرفة المعيشة واخيرا الى السلالم ثم قلت:
- لا. كأننا نحيا في الماضي.

كأننا نأبى ان ننسى ما قد وقع في هذا المنزل. نأبى ان نترك للمستقبل فرصة. نأبى ان نعيش. ويأبى الماضي إلا ان يطاردنا. يأبى إلا ان يقيدنا. يأبى ان يتركنا نعيش.
تنهدت وقلت ملتفة الى الباب:
- هيا بنا
رفعت احدى حاجبيها وقالت:
- هكذا بمنتهى البساطة؟ لا استجواب من سيتو؟ لا تعليمات؟ لا حرس؟ لا سائق؟ لا شيء على الإطلاق؟
ابتسمت في مرارة:
- اجل هكذا بكل بساطة. هو. هو ليس هنا الأن.
حدقت فيا لبرهة وقالت:.

- إن الأمر اكبر واسوء مما ظننت
عقدت حاجباي لكنها جذبتني من ذراعي في حماس صائحة:
- هيا!

لم نترك ركن لم نزره في المركز التجاري. لا نكاد نخرج من مكان حتى نذهب لأخر. والحق يقول رغم كل تذمراتي إلا اني استمتعت وقد انشغل ذهني متناسية همومي لبعض الوقت. كان الهدف الأساسي من حملة التسوق هذه هو الأحتفال بميلاد كاثرين. والذي سيقام في بداية الأسبوع القادم. ورغم اني اكره الحفلات لكني احضر هذا طواعية. لذا محملين بحقائب الزينة دخلنا متجرا اخر لكن ذلك للملابس فكاثرين ستشتري ثوبا جديدا للحفل. وكل ما افكر فيه هو لماذا لم اجلب معنا مرافقا يحمل عنا كل هذا.

تبعت كاثرين الى المتجر وهي تقول:
- اليس هذا المتجر اعلى من مستوايا قليلا؟
غمغمت وانا اسير خلفها:
- لكن النوعية التي تريدنها لا توجد إلا هنا اليس كذلك؟
اومأت ونظرت الى محفظتها:
- امي ستقتلني. ربما يجب ان.
قاطعتها البائعة قائلة:
- اجل ربما من الأفضل ان ترحلي.

نظرت كلتانا الى البائعة في بلاهة للحظات. هل قالت للتو ما سمعت؟ هل هي حمقاء ام انها تشاهد الكثير من الأفلام والمسلسلات؟ لتضع نفسها في هذا الموقف السخيف المتكرر؟ لم اتمالك نفسي للأسف واخذت اضحك حتى احمر وجهه البائعة وكاثرين تحاول تهدأتي او إسكاتي ايهما اقرب. لكني لم استطع وبصعوبة قلت لكاثرين:
- اسفة لكن. هههه. ما قالته. ههه. سخيف جدا. كأننا في دراما. هه. يا الهي.
اجابت كاثرين وهيا تجز على اسنانها:.

- اخرسي لقد فضحتنا. لنخرج من هنا سريعا
قالتها وجذبتني لكني استوقفتها بعد ان سيطرت على نفسي وقلت:
- ابدا. لنرى ما كنا نريد من هذا المتجر
فالبطبع صاحت البائعة محمرة الوجه:
- لا يوجد ما قد تستطيعون شراءه من هنا لذا فالباب امامكما
عقدت يدي امام صدري وقلت مبتسمة:
- لماذا لا تدعيننا نحن نقلق بشأن هذا وتعودي الى الجحر الذي خرجتي منه؟
اتسعت عيناها في دهشة وقالت بإستحقار:
- أن لم تخرجن الأن سأستدعي الأمن.

هزتني كاثرين قائلة:
- جوزيفين لنرحل نحن لا نريد مشاكل
لكني نظرت لها مطمئنة:
- لن نصل الى هذا صدقيني. ثم لا تقتلي متعتي ارجوك.
عدت ببصري الى البائعة مبتسمة بشيطانية:
- عزيزتي ستغلقين فمك هذا وستساعدين صديقتي هنا الى ما تريد بالضبط وإلا فإنك قد تجدين نفسك بلا وظيفة غدا
- ماذا؟!

قالتها بدهشة فاتسعت ابتسامتي. هذه المرأة على وشك ان تتلقى صدمة العمر. فشركات العائلة لا تتخصص في الإلكترونيات والتكنولوجيا فقط. بل تمول كل تجارة في هذه البلد تقريبا. لذا مجرد مكالمة هاتفية تكفي بإغلاق المكان كله. هذا لو ان سيتو سيجيب على اتصالي لينفذ لي هذا. لكن هي لا تعرف هذا.
قلت بلهفة لرؤية تعبير وجهها:
- انت لا تعلمين من انا؟ رغم ان وجهي كان على كل صحيفة السنة الماضية.

وضعت يدي في حقيبتي واخرجت بطاقة الإتمان الخاصة بي. مكملة:
- انا يا عزيزتي جوزيفين فلادمير الدن وصديقتي العزيزة هنا تريد شراء ثوب من هذا المتجر لذا لم لا تريها ما تريد ولتحرصي على إسعادها فمستقبلك بيدها الأن
رأيت الدم يسحب من وجهها حتى اصبحت كالورقة وبتلعثم بدأت تتمتم بإعتذرات اوقفتها قائلة:
- احتفظي بها لذبونك التالي اما الأن فنحن لا نملك الوقت الكافي.
فأشارت بيد مرتجفة الى كاثرين التي قالت لي هامسة:.

- جوزيفين اتمزحي. انت لن تدفعي لي.
- إنها هديتي لكي لذا تقبليها فقد تخطينا هذه المرحلة
ابتسمت وقالت:
- اذن عديني انك لن تعطيني غيرها في الحفل
رفعت يدي مقسمة في مزاح:
- اقسم على هذا.
ضحكت ثم تبعت البائعة وانا خلفها لتجرب عدد لا بأس به من الثياب وانا اقيم كل شيء حتى –ولله الحمد- اختارت ثوب فدفعت ثمنه دون ان اخبرها به وانا ابتسم في تشفي للباعئة.

واخيرا جلسنا في احد المطاعم منتظرين ما طلبناه من طعام حين قالت كاثرين فجأة دون سابق انذار:
- ألن تخبريني ماذا يحدث؟
- ماذا؟
اسندت وجهها الى يدها قائلة:
- لا تتصنعي الغباء فكلانا يعلم عما اسأل يا جوزيفين
- لا اريد التحدث في هذه الأمور ارجوكي.
- لكنك لا تتعياشين يا جوزيفين وانا اريد ان اعلم كيف اساعدك.
قلت في تهكم:
- لا احد يمكنه مساعدتي صدقيني
قالت في قلق:.

- لكن الأمر هذه المرة جلل. لذا يجب ان تنفضي منه عن صدرك ولو القليل.
عقدت حاجباي وغمغمت:
- هل الأمر بادي لهذة الدرجة؟ وانا التي ظننت اني اخفيه جيدا.
اومأت موافقة:
- بل انت بالفعل تخفي ما بداخلك ببراعة. لكن هذه المرة بيتر.
ثم صمتت فنظرت اليها متسعة العين. كيف لم اتوقع شيء كهذا:
- بيتر اخبرك بشيء؟ اهو الذي اقترح عليك ان تخرجيني من المنزل؟
ابتسمت وهزت رأسها نافية:.

- لا هو فقط اتصل بي قائلا انك تمرين بوضع صعب الأن وانه يظن اني قد استطيع المساعدة
ابتسمت لنفسي وقد اثلج هذا صدري قليلا. فبيتر لم يتحمل انه لا يستطيع مواستي. قلت بخفوت وانا انظر الى كاثرين:
- وقد كان محقا
ابتسمت في شيء من الحنان وقالت:
- انا هنا لأجلك دائما لو اني امر بنفس المشاكل لفعلتي المستحيل لأجلي هذا اثق به لذا لما لا تدعين لي الفرصة ربما استطيع المساعدة؟

ارتجفت انفاسي وشعرت بغصة في حلقي. وانا اشعر بكياني يهتز وبنفسي تستغيث ان اخبرها. اني لست بخير. اني اتمزق. لكني لم استطع فلو فعلت لأنهرت. فاللحظة التي اعترف فيها بكل شيء ستكون اللحظة التي انهار فيها تماما. زكاثرين لن تتحمل هذا فكيف افعل بها هذا. لذا قلت بصعوبة:
- فقط بعض المشاكل مع سيتو كالعادة
اومأت قائلة:
- هذا ما اعتقدت هل سأحصل على القصة منك؟
زفرت قائلة:.

- انا نفسي لا ادري ما فعلت. لكن ايا كان ما حدث فهو بالتأكيد اسوء شيء ارتكبت في حياتي لأتلقى مثل تلك المعاملة.
قالت في بساطة:
- لما لا تسألينه مباشرة يا جوزيفين؟ لما تتخطين هذه الخطوة دائما؟
هززت كتفاي وقلت هامسة:
- اظن انني ظننت انه سينسى ما فعلت كما يحدث كل مرة لكن. لكن.

اهدأي يا جوزيفين. اهدأي. بالله عليك اهدأي. ابتلعت ريقي بصعوبة وصمت رافضة الكلام عن الموضوع مجددا. وقد انتبهت لهذا كاثرين فقالت مغيرة الموضوع ومبتسمة في خبث:
- لدي لك بعض الإشاعات والنميمة.
فابتسمت وقلت:
- اطربيني.
ومع كلامها تناسيت الامي لبعض الوقت. تحدثنا لفترة قبل ان يرن هاتفها فالتقطة بلهفة غير عادية ثم اخذت تبعث عدد لا بأس به من الرسائل في سرعة وسعادة. قبل ان تنظر لي في براءة فقلت بمكر:.

- يبدو انك نسيتي ان تخبريني بشيء ما
ضحكت وقالت:
- ارجوكي دعيني احتفظ بهذا السر حتى يوم الإحتفال وسأخبرك بكل شيء
- حسنا سأدعك تفلتين هذه المرة لأني في مزاج جيد
ثم تابعنا حديثنا قبل ان نستكمل تسوقنا. حتى اتت الساعة السابعة مساء فقررنا ان هذا يكفي. اوصلتها الى منزلها اولا وحين كنت على وشك تركها ضمتني اليها قائلة:
- انا دائما موجودة إذ احتجتي الي.

فأومأت برأسي مبتسمة ثم ودعتها عائدة الى منزلي. اليوم كان مليئا بالإبتسامات. نعم لقد كان يوما جميلا رغم كل ما مررت به للأن فكاثرين قادرة على مسح كل هذا. بمزاجها وحديثها وحبها لي. واني لذلك شاكرة.
غيرت ملابسي الى قميص خفيف ذا حملات رفيعة و سروال قصير- short- رغم برودة الجو لكني احب النوم بملابس خفيفة والتغطي على ذلك. وللمرة الأولى منذ ان سمعت ما قاله سيتو اتاني النوم بسهولة وبعمق.

لذا عندما شعرت بالحركة كانت متأخرة جدا. احسست بشي يضغط على فمي وانفي. ففتحت عيني متسعة في ذهول وصدمة لأرى جسد اسود يغلفه الظلام يجثم بيده بمنديل على وجهي. غزا الرعب نفسي وقبل ان افكر حتى في المقاومة شعرت بوعي يتسرب مني مجددا وبالنوم يطلبني. فرفعت يدي بصعوبة لكنها لم تلبث ان سقطت وقد استسلت للنوم.

استيقظت ببطء على الم في ظهري وبرد يجمد عظمي فتأففت ورفعت يدي باحثة عن الغطاء لكن يدي لم تقبض سوى على التراب. التراب؟! فتحت عيناي بصعوبة. وببطء جلست محاولة استيعاب اي شيء مع كل هذا الظلام. ثم هبط الإدراك عليا فجأة. انا لست في غرفتي! بل انا لست في منزلي اصلا. وبرعب نظرت حولي. اين انا؟ لكن الظلام كان شديدا وقد اخذ الأمر المزيد من اللحظات حتى تعتاده عيني لأدرك. اني في العراء في مكان ما. جالسة على ارض طينية رطبة. عندها ادركت ان قطرات كالندى تتساقط على جسدي. فرفعت بصري الى السماء. انها تمطر قطرات خفيفة جدا. فارتجفت من شدة البرد. نظرت الى ملابسي. انها الملابس التي خلدت الى النوم بها. اين انا؟ اين انا؟ بل كيف وصلت الى هنا؟ حاولت تذكر اي شيء بعد ان خلدت الى النوم لكن لا شيء.

اكاد اسمع دقات قلبي في اذني من شدة ضرباته والفزع يتملكني بسرعة تضاهي السرعة التي تعالت بها انفاسي. هل احلم؟ لابد إذ كيف جئت الى هذا المكان. لكن كل هذه التفاصيل. البرد. الندى رأئحة التراب. انا لا احلم. انا هنا فعلا. ايا كان هذا المكان.
التفت حولي في خوف وحذر. وعقلي لا يكف عن السؤال:
- اين انا؟ اين انا؟

كانت عيني الظلام حتى رأيت بوضوح اني في منتصف فناء مربع صغير. محاط بجدران متصلة وبها نوافذ كنوافذ الفص. لا. لا لا لا لا. لا يمكن. لا يمكن. لا! صحت في هول:
- لا! كيف جئت هنا؟
انا في المدرسة تحديدا في نفس المكان الذي انتهيت اليه السنة الماضية. الفناء. يا الهي. يا الهي. لا. كيف. صرخت في ذعر ويأس. لا. لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟
ثم تحولت الأفكار لصيحات حقيقة:
- لا. اخرجوني من هنا. لماذا هنا؟ لا. لا.

تعالى صوت تنفسي. لا مجال لأن اهدأ. لا مجال لتعقل. نظرت حولي تائهة مرتعبة كيف اخرج من هنا؟ من جلبني هنا؟ كيف علم اني قد تهت من قبل في هذه البقة بالتحديد.

حاولت الإعتدال في ذعر لكن يدي استندت على شيء حاد فتأوهت وقد عاد الى ذهني شيء من التعقل. ونظرت الى يدي فرأيتها دامية قليلا. حولت بصري الى الأرض الطينية متوقعة رؤية قطع زجاج. لكني رأيت رأس شيء ابيض حاد مغروز في التراب فعقدت حاجباي وابعدت التراب والطين عنه. لتظهر عصى طويلة بيضاء؟ ربما لست متأكدة لكن يدي لمست شيء اخر بجوار العصى فنفضت التراب عنه لأرى. لأرى. اسنان صفراء وسط التراب والرمال. فصرخت وتراجعت للخلف في هول وفزع. وهتفت:.

- يا الهي. تلك ليت عصى. هذه عظام. عظام بشر!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة