قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الرابع

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الرابع

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الرابع

لا اتذكر كيف تم نقلي بعدها خارج الغرفة او حتى كيف وجدت نفسي جالسة في غرفة الإنتظار امام غرفة العمليات. الكثير من الهرج والمرج يحدث من حولي. اطباء يصرخون. وممرضون يعدون في كل إتجاه. لكني اعجز عن إستيعاب ما حدث للتو. عقلي يأبى التصديق. لابد أنني احلم. لابد.
لم اعد الى الواقع إلا على يد بيتر تتحسس وجهي وهو يقول:
- جوزيفين؟ عزيزتي ركزي معي. جوزيفين؟ جوزيفين!

صارخا في نهاية جملته بإسمي مما جعلني افيق من حالة الصدمة التي كنت فيها. وحين نظرت له احتضنني وهو يتنهد في ارتياح:
- لا بأس. كل شيء سيكون على ما يرام
لكني لم اجبه بل نظرت حولي في جمود لأرى على مقربة منا يقف جين ودريك وفي ركن الحجرة يقف سيتو. جين؟ :
- جين؟
انحنى نحوي فور سماعه الإسم قائلا:
- انا هنا يا جوزيفين
نظرت اليهم. في أمل:
- هنري؟
صمت بيتر وقد تجهم وجهه فقال دريك في أسى:.

- لم يستطيعوا إنعاشه. لقد. مات.
شعرت بقلبي ينقبض. وكأن قبضة من حديد إلتفت حوله. ليس مجددا. ليس من جديد. انا لا أظن اني سأتحمل هذه المرة.

هنري بلاكوود. كان سائقي منذ كنت في الخامسة من عمري. كنت انا الأقرب اليه. وكان هو من اقرب الناس الى قلبي. دائما ما كان ينصاع لرغباتي الأنانية. ويعصي الأوامر لأجلي. هنري لم يكن مجرد سائق لدينا. بل كان فردا من العائلة منذ اكثر من ثلاثة عقود وهو يعمل هنا. وكل ذلك لأجل ماذا؟ لأجل ان يموت ميتة كهذه.
اخذت نفسا عميقا واغمضت عيني. حتى هدأت قبل ان انظر لأخوتي وجين وبشيء من البرود قلت:
- اريد ان ارى الجثمان.

هز بيتر رأسه نافيا وهو يقول:
- لقد تم نقله بالفعل الى الثلجات. وتلك لن تفتح إلا لعائلته. او الى ان يستطيع سيتو حل الأمر مع المستشفى وهذا سيأخذ الكثير من الوقت. فالجنازة ستكون غدا.
وضعت يدي على فمي مانعة شهقة الم كادت تفلت مني عندها شعرت بيد جين تربت على كتفي فقلت بصوت مبحوح:
- انا بخير. اريد الذهاب الى المنزل الأن إن امكن هذا.

اومأ بيتر ونظر لدريك فهز رأسه واخرج هاتفه ليتصل بالسائق الذي اتى بهم الى هنا- كيفين بالتأكيد- ليأتي بالسيارة من باحة وقوف السيارات الى امام المشفى مباشرة.
خلال الإنتظار حتى يصل السائق إنشغل عني بيتر حين إستأذن كارل للرحيل. حينها شعرت بيد تقبض على يدي وبصوت جين يقول:
- هل ستكونين بخير؟
اومأت في صمت لأريحه فقال:
- صمتك يقلقني يا جويفين. تحدثي إلى على الأقل
التفت اليه وقلت في غضب وألم:.

- ماذا تريدني ان اقول؟
اعلم ان جين لا ذنب له. وانه لا يحق لي توجيه غضبي نحوه لكني لم اتمالك نفسي. رأيته يعقد حاجبيه في صمت دون ان يجيب. وددت ان اقول اني اسفة لكني لم استطع. لذا قلت هامسة في مرارة:
- اتمنى لو لم الد لكانت حياة من حولي اسهل.
شعرت بيده تعتصر يدي وهو يجذبني من ذراعي لأواجهه بالكامل قائلا:
- لا تخبريني انك تظنين ان ما حدث كان ذنبك؟ لقد كانت حادثة طريق يا جوزيفين!

تنهدت واضعة يدي على رأسي:
- ليس وفقا لما قاله هنري
كاد ينطق بشئ اخر حين قاطعه دريك:
- السيارة تنتظرنا بالأسفل
فأعتدلت واقفة لكن جين قبض على معصمي قائلا:
- هذا الحوار لم ينتهي بعد.

ثم تركني فلم اجبه بل تبعت اخوتي الى حيث السيارة. كانت رحلة العودة الى المنزل صامتة كالقبر وإن حاول بيتر ودريك تخفيف الأمر عني لكني بالكاد ركزت في شيء مما يقولان. بمجرد ان وصلنا صعدت الى غرفتي على الفور دون محادثة احد. فتحت الباب وارتميت على الفراش دون أن اغير ملابسي.
نظرت الى سقف الغرفة متذكرة كل ما حدث اليوم. مددت يدا مرتجفة الى عيني. لن ابكي، لن افعل. يجب ان اهدأ. اخذت نفسا عميقا وهمست لنفسي:.

- فكري يا جوزيفين.
نعم هذا ما يجب عمله الأن. فموت هنري لم يكن حادثة. بل إن الأمر مستحيل بعد ما قاله لي. لكن ماذا كان يعني؟ من ذلك الذي جاء لأجلي؟ وممن اهرب؟ بل وكيف اهرب؟ تحذير هنري لم يوضح شيئا على الإطلاق بل زاد الأسئلة. ثم إن كان هناك من يستهدفني انا بالذات، الم يكن من المنطقي ان ينتظر حتى اكون في السيارة نفسها لكي اموت مع هنري؟ ما الهدف من قتل هنري؟

اتسعت عيناي في إدراك. من قتل هنري اليوم كان بإمكانه وبكل بساطة قتلي! فإن لم يفعل فهذا لا يعني سوى شيء واحد. هذا إنذار! هناك من ينذرني ان دوري قادم!

ربما انا افاقم الأمر لكني لا ارى اي منحنى اخر للأحداث إلا لو كان هدفه هنري نفسه. وما الذي قد يدفعه بالخلاص من السائق نفسه. عند تلك اللحظة ادركت ان كل شيء يعاد من جديد. ها انا في دوامة من الأسئلة لا تنتهي وإن صدق هنري ولم يكن يخرف قبل موته فهناك خطر على حياتي. وكأن السنة الماضية تكرر نفسها مرة اخرى. لكني لا اريد. انا لا اريد ان اخوض هذا مجددا. لن اتحمل. لن.

قاطع افكاري صوت هاتفي يرن فالتقطه ونظر الى المتصل لأجده جين فتنهدت وتركت الهاتف دون ان ارد. اعصابي لا تتحمل اي اسئلة الأن او اي جدال. لكن جين لم يكف عن الإتصال فأغلقت الهاتف. اعلم انه يريد ان يطمئن. لكني اريد بعض من الوحدة الأن. وغدا سأتصل به. ثم اغمضت عيني لعلني اجد النوم او يجدني هو.

نظرت من النافذة الى فناء المدرسة منتظرة إستراحة الغداء. غير عابئة بما يقوله المدرسون. وبمجرد ان رن الجرس اسرعت الى العيادة. الى ريتشارد.
دخلت على الفور دون ان اطرق الباب ولحسن حظي كان موجودا لكن ليس وحده للأسف. كان معه احد المدرسين. فأشار لي ان انتظر قليلا فجلست على الفراش اعبث بطرف ملابسي حتى رحل المدرس فنظر لي ريتشارد قائلا في عتاب:
- الم اخبرك اكثر من مرة ان تطرقي الباب قبل الدخول.

اومأت برأسي في عدم إكتراث وقلت:
- وانا لم افعل. هل ننتقل الى الجزئ الأخر من الحديث الأن؟
زفر في ضيق لكنه قال على اية حال:
- كيف حالك؟ لقد وصلني ما حدث البارحة. حاولت الإتصال بكي لكن هاتفك كان مغلقا
- اوه. بخير على ما اظن.
قال وهو لا يصدق حرفا مما اقول:
- تبدين شاحبة. انت لم تأكلي شيئا من البارحة الى الأن اليس كذلك؟
وحين لم اجبه ترك مقعدة وجلس جواري على الفراش ثم وضع يده حول كتفي وضمني اليه وهو يقول:.

- اعلم كم كان هنري عزيزا عليكي. لكن يا جوزيفين لا يمكنك ان تهملي نفسك هكذا. لقد كانت حادثة. ايا منا كان يمكن ان يموت. انه القدر.
عقدت حاجباي وهمست:
- لكنها لم تكن. تلك لم تكن مجرد حادثة.
نظر لي في حيرة سائلا:
- ماذا تعنين؟
- اعني ما قلت. هنري مات مقتولا. تلك الحادثة كانت مدبرة.
نظر لي لبرهة ثم قال:
- جوزيفين ما حدث السنة الماضية قد انتهى وكريستل في السجن.
هتفت في حنق:.

- اعلم هذا يا ريتشارد. انا لا اخرف. وليس هذا تأثير ما حدث من قبل. ان اكثر من تتمنى ألا يتكرر كل هذا من جديد. لكني متأكدة. هنري حذرني قبل يموت.
نظر لي دهشة تحولت الى عدم تصديق لكنه سأل على اية حال:
- بماذا اخبرك؟
- ان اهرب!
عقد حاجبيه ونظر لي في جدية:
- جوزيفين انت تدركين ان.
قاطعته في شيء من الغضب:
- لا تصدقني لكنها الحقيقة
قال على الفور:
- اهدأي يا جوزيفين. انا اسف. لكن يصعب على المرئ أن يصدق. خاصتا وهو.

- يتمنى ان يكون الأمر قد انتهى، اعلم. صدقني اعلم.
نظر لي وابتسم في حزن ثم ضمني اليه اكثر وهو يربت على رأسي:
- فقط لا تتهوري ارجوك. إن كان الأمر كما تقولين فدعيه للشرطة هذه المرة
اومأت في صمت لبرهة ثم قلت:
- الجنازة اليوم فهل ستأتي؟
- بالتأكيد. كيف لي ان اتركك في وقت كهذا
لا ادري لماذا لكني إهتززت ضاحكة من هذه الجملة. لا ادري إن كان الأمر ساخرا ام انها الهستريا.

تركت ريتشارد بعدها وعدت الى الفصل حتى نهاية اليوم الدراسي. وخلال طريقي الى خارج المدرسة رن هاتفي وطبعا كان المتصل جين. كنت على وشك ان اجيبه حين اصطدمت بشخص ما فقلت بغيظ:
- الا تنظر الى اين تسير؟
ليأتيني الرد من صوت اعرف صاحبه للأسف:
- وماذا عنك؟ هل انت عمياء؟
من بين كل الخلق لاصطدم إلا به! التفت الى نيجل- الفتى الذي تشاجرت معه هو عصابته السنة الماضية- وقلت:
- انظر من يتحدث!
زمجر في غضب:.

- من الواضح انك لا تتعلمين ابدا
قلت ببرود:
- عزيزي يمكنني قول نفس الشيء عنك
ثم تابعت مشيرة بيدي ليبتعد:
- اغرب عن وجهي الأن فأنت اخر ما اريد ان اراه اليوم.
ثم التفت مغادرة المكان لكنه جذب حقيبتي بعنف حتى كدت اسقط ارضا فأستدرت صائحة:
- هل جننت؟
إهدأي يا جوزيفين. اهدأي، لا داعي للغضب. ليس الأن ارجوك. انت لا تملكين الوقت لهذا. هكذا توسلت لنفسي حتى قال وهو يهز الحقيبة بعنف وانا معها:.

- بل انت من لابد قد فقد عقله.
ثم دفعني محاولا اسقاطي على وجهي لكنه لم يفلح. هل كان يجب حقا ان يفعل هذا؟
إلتفت اليه والغضب يكسو وجهي وقلت وانا اجز على اسناني:
- ايها الأبله ال.
لا اتذكر ما قلت بعدها لكني وجدت قبضتي تصطدم بوجهه بقوة اسقطته ارضا. وياليتني توقفت عند هذا بل رفعت قدمي وركلته. لقد كنت غاضبة جدا. ليس منه لكنه بغباءه هذا لم يجعل الخيار صعبا. رأيت الدم يسيل من فمه فقلت:.

- هذا اقل ما تستحق. اياك ان تعبث معي مجددا
ثم اعتدلت لأرحل حين وجدت احد الأساتذة يمنعني هاتفا في حنق وغل وهو ينظر لي ولنيجل:
- كلاكما الى مكتب المدير الأن.
قلت محتجة:
- لكن.
فقاطعني صائحا:
- لا لكن، الى حجرة المدير!
فهتفت في غيظ:
- انا لدي موعد مهم، يجب ان.
عندها انفجر المدرس صائحا:
- كلمة اخرى وسأحدث المدير رسميا أن يفصلك لأسبوع كامل!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة