قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الخامس

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الخامس

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الخامس

اخذت اهز قدمي في ملل بينما ظل المدير يتحرك ذهابا وإيابا وهو يلقي محاضرته على انا ونيجل الذي كان يرمقني في غل وهو يمسك كيسا من الثلج على وجهه. إن استمر يوبخنا لأكثر من هذا سأتأخر على الجنازة. توقفت الإذاعة فجأة- محاضرة المدير- ليقول:
- وهذا التصرف غير مقبول يا جوزويفين. لكني سأدعك هذه المرة بإنذار.
قاطعته قائلة:
- إنذار؟! ماذا عن نيجل؟!
اجاب في برود:
- على ما اتذكر انك انت من اعتدى عليه وليس العكس.

- لكنه هو من الذي بدأ!
فصاح نيجل:
- انت من اصطدم بي!
- وانت.
قاطعنا المدير في حزم:
- هدوء. ان الأمر منتهي.
نظر لي نيجل في تشفي فتابع المدير:
- وانت الأخر لا تحسب ان الأمر سينتهي بهذه البساطة. إن حدث وتكرر الأمر فستلحق بها. اتمنى ان يكون كلامي مفهوم.
نظرنا له في صمت عاجزين عن الرد حتى قال:
- والأن اخرجا من مكتبي ولا اريد رؤيتكما فيه مجددا.

تبادلت النظرات انا ونيجل ثم خرجنا على الفور. نظرت الى ساعتي. نعم لقد تأخرت. انطلقت اعدو حين قال نيجل:
- ان الأمر لن ينتهي على هذا.
وهو غالبا تهديد فارغ وانا لا املك الوقت لأسليه. خاصتا إن كان لشخص لا يستحق كنيجل.
تخطيت بوابة المدرسة واشرت بيدي الى اول سيارة اجرة مرت امامي وبمجرد ان توقفت ركبت واعطيته عنوان المقابر لأني تأخرت حقا. لأمل فقط ان الجنازة لم تنتهي بالفعل.

نظرت الى هاتفي لأجد تسع مكالمات فائتة. إثنين من جين وسبعة من بيتر ودريك. لابد اني اقلقتهم بغيابي. سأتلقى محاضرة بالتأكيد رغم اني لم اقصد ان اتأخر إذ كيف أتأخر على. توقفت عن التفكير. هذا يكفي يا جوزيفين، لقد إتخذت عهدا الا تبكي ولن تفعلي الأن.
- لقد وصلنا.

قالها السائق فنقدته اجرته ثم ترجلت في عجلة خارج السيارة واسرعت الى داخل المقابر. لم تكن مقابر عائلتنا- التي إعتدت الذهاب اليها بعد ما حدث السنة الماضية- لذا اخذت بعض الوقت حتى استطعت تحديد مكان القبر والذي كان من الممكن ان يكون مستحيلا لولا وجود تجمع من الملابس السوداء امامه. يبدو انهم قد دفنوا الجثمان بالفعل وهم يلقون كلمة الأن. تقدمت نحوهم وبسهولة استطعت تمييز اخوتي فوقفت جوارهم، لاحظني بيتر على الفور وقال هامسا:.

- اين كنتي كل هذا الوقت؟!
رددت بنفس النبرة:
- لم اقصد ذلك صدقني
اختلست النظر الى سيتو لأراه ينظر لي في غضب مكتوم فعدت ببصري على الفور من امامي. فلاحظت قلة الحاضرين. هنري لم يكن له العديد من الأقارب او الأصدقاء. بل بعد التدقيق وجدت انه لا يوجد من الحاضرين سوى عدد من اسرتي قد عرفوا هنري من قبل وبعض الخدم لدينا. فقط! هذا غريب. الم يكن له اي اقارب على الإطلاق؟

حين انتهت الجنازة سألت دريك لأنه الوحيد الذي ظل جواري:
- دريك الم يأت احد من عائلة هنري؟
هز رأسه نافيا واشار الى سيتو:
- سيتو لم يستطع الوصول الى اي منهم حتى انه ارسل اليهم احد الموظفين لدينا لكنه لم يجد احدا في العنوان المحدد. او هكذا سمعت وهذا اغضبه اكثر.
دريك لم يكن على علاقة وثيقة بهنري لذا كان يتحدث كالمعتاد مكملا:
- ثم تأخرت انت وهذا زاد الطين بله
واشار الى عنقة بعلامة الذبح موضحا:.

- سيتو سيقتلك لتأخرك هذا حاصتا انك لم ترد على مكالماتنا
حولت بصري الى ظهر سيتو الذي وقف يتحدث الى احد الحاضرين وبلعت ريقي بصعوبة ثم نظرت الى دريك فلم اجده! لقد ذهب! الوغد ارعبني وذهب! فجأة شعرت بيد على كتفي فقفزت بحركة حادة الى الخلف وانا التفت الى مصدر اليد لأرى جين فهتفت:
- الم يكن في امكانك منادتي بدلا من ان تباغتني هكذا لقد كدت.
قاطعني قائلا في لامبالاة ساخرة:.

- الم يكن بإمكانك انت معاودة الإتصال بي؟
عقدت حاجباي وقلت في حنق:
- لقد تعمدت هذا!
اومأ قائلا بجدية:
- اجل. فأنت لا تجيبين اتصالاتي والبارحة تجاهلتني بعدما اخبرتني به. كيف تظنين يكون رد فعلي؟
من النادر ان ارى جين يتحدث بجدية هكذا لذا صمت برهة ثم تنهدت وقلت:
- انا. اسفة. لم اتعمد تجاهل اتصالك اليوم. فقط هناك ما كان يشغلني
لانت ملامحة وقال مبتسما في ظفر:
- انت تعتذرين! هذا جديد.

شعرت بالغيظ الشديد للهجته فقلت:
- وها انا اسحب اعتذاري الأن
اتسعت ابتسامته حتى تحولت الى ضحك وعندما هدأ قال في مكر:
- اتعلمين؟ لقد اكتشفت شيئا مثيرا عنك.
ضيقت عيناي وانا اقول:
- وماذا قد يكون هذا؟
- عندما تتعاملين مع شخص غريب بالنسبة لك فأنت باردة كالثلج ولكن عندما تعتادين على وجوده تصبحين على طبيعتك يا عزيزتي. سريعة الإشتعال.
تقلص وجهي واحمر في احراج لتحليله هذا وقررت تجاهله:.

- على اية حال. لقد انتهت الجنازة، لابد اننا سنرحل خلال دقائق.
ظهر الهدوء على وجهه وسأل:
- كيف حالك اليوم؟
هززت كتفي ان لا ادري حقا. في بعض الأحيان اعتقد ان مشاعري تبلدت من كثرة ما رأيت لكن كان لجين رأي اخر:
- انها الصدمة
- ربما.
ربت على كتفي وقال:
- بل هي فلا ترهقي نفسك. الأن انا بحاجة لتوضيح ما عنيته بقولك البارحة
اخبرته بما قاله هنري بإختصار خاتمتا هذا بقولي:.

- لقد كان ينذرني يا جين. وهو امر جلل ليخبرني به وهو على فراش الموت
صمت جين لبرهة قبل ان يقول:
- هل انت متأكدة انها لم تكن تخارف الموت؟
توقعت السؤال لذا لم اغضب بل اصررت:
- انا متأكدة.
قاطعنا رنين هاتفه وعندما القى نظرة على اسم المتصب قال:
- انه العمل. على الذهاب.
فأومأت برأست وابتسمت في شيء من الحزن فبادلني الإبتسام واستدار راحلا لكنه توقف فجأة وقال:
- جوزيفين. لا تتهورهي واتصلي بي إن حدث شيء ما.

اتسعت ابتسامتي وقلت:
- حسنا!
هذا كان وداعا حارا
التفت الى صاحب الصوت قائلة:
- دريك. ارجوك ارحمني
- ان خالك يود ان يحييك قبل رحيله
وتحرك نحو ريتشارد فتبعته.
((خرج جين من وراء الحائط وهو يتنهد:
- اخيرا.

لقد ظل مختبئا هنا لفترة حتى تأكد من رحيلهم. ايا كانوا. لقد لاحظهم منذ فترة هناك من يراقبه. او هكذا ظن في البداية لكن ما اكتشفه هو ان من يلاحقة يريد التفرد به لسبب ما ولعدم علمه بالعدد فهو لم يتخذ المواجهة كحل خاصتا وانه لا يدري حقا إن كانوا مسلحين ام ماذا. لكن هذا الوضع لا يمكن ان يستمر. لقد مر يومان على هذه الحالة وهو لم يعد يطيق الوضع. ففي النهاية ربما من يلاحقه له علاقة بالقضية التي يعمل عليها الأن)).

مر اسبوع على وفاة هنري ورغم تربصي بعد تحذيريه لي إلا ان شيئا لم يحدث حتى بدأت اشك انه ربما كانت تخاريف الموت كما اصر الجميع.

اسبوع كامل دون اي جديد تقريبا إلا ان كاثرين اصبحت اكثر انشغالا هذه الأيام واكثر تغيبا بالكاد اصبحت اراها. واليوم بالذات رغم حضورها إلا اني لست متفرغة لسؤالها فقد تذكرت اني قد اشتركت في نادي ال(mma) والذي تم إنشائه هذا العام بعدما تم إعلان مسابقة محلية على مستوى البلاد للطلاب. وطبعا كان لابد ان اشارك فأنا اتدرب منذ كنت في الخامسة من عمري للدفاع عن نفسي لكني لم اتخذ فنا من الفنون القتالية بعينه في البداية بل تقنيات واساليب للدفاع عن النفس لذا مع الوقت اخترت الmma فهو اقرب الفنون القتالية الذي ينفذ ذلك- لكن العام الماضي جعلني امضي الأجازة في تعلم بعض الحركات من الكراف ماجا وهذا الأخير لا يمكن استخدامه في مسابقة ابدا هو فقط لقتال الشوارع فلا قواعد ولا قوانين له بل قتال قذر حتى النهاية- لذا كنت متحمسة جدا للتقديم وقد قبلت ولأن هذه السنة هي الأولى لهذا النادي فهم لم يأخذوا إلا من له خبرة بهذه الرياضة في السابق لأن المسابقة ستبدأ قريبا وطبعا قد بدأ التدريب مع اول يوم في الدراسة لكن مع كل ما حدث فقد نسيت تدريبات النادي تماما ولم اتذكر إلا البارحة. ليس وكأني بحاجة للتدريب على اي حال لكن لكي لا اطرد من النادي فعلي الحضور.

اسرعت في سيري حتى وقفت امام باب النادي ودفعته بيدي في هدوء ثم دخلت لأجد امامي كل إثنين من الطلاب يتدربان معا وأن احدا لم يلحظني. وحين كنت على وشك التساؤل اين رئيس النادي- كنت قد قابلته عندما قدمت للنادي- والمدرب عندما سمعت من يقول ساخرا:
- اخيرا جوزيفين الدن بنفسها قررت الإتيان لحضور تدريبات النادي يا له من شرف
استدرت لصاحب الصوت لأرى رئيس النادي ينظر لي في غضب وضيق رغم سخريته فرددت بذات اللهجة:.

- اندرو، لم ادري انك اشتقت لي الى هذه الدرجة
لكنه اجاب في عصبيه:
- انا لا امزح يا جوزيفين، إن المسابقة المحلية على مستوى المدينة ستبدأ بعد اقل من شهر وانت لم تحضري حتى تدريبا واحدا!
رفعت يدي في استسلام وقلت:
- اهدأ. اهدأ يا عزيزي. لا تفاقم الأمر.
لكنه قاطعني هتفا:
- كيف لي ان اهدأ؟ نحن في مأزق هنا وإتحاد الطلبة يضغط علينا لإختيار احد الأعضاء كممثل للمدرسة ووسط كل هذا انت تتغيبين!

زفرت في ضيق وانا انظر حولي فقد اصبح الكل يرمقنا الأن. هل كان لابد ان يصرخ! وانا لم اتغيب لمجرد اني اريد لقد كانت لدي ظروفي الا يمكنه تقدير هذا على الأقل مما دفعني لأقول ما سأندم عليه بعد اقل من نصف ساعة:
- ليس وكأنني في حاجة الى التدريب. انا بالفعل احسن من جميع الأعضاء هنا.
ربما كان في الأمر بعض الغرور لكنها الحقيقة وهو يعلمها. لسبب ما هذا اغضبه اكثر فصاح وقد احمر وجهه:
- ماذا؟!

إذن لماذا لا ترينا مستواك هذا؟
التفت الى الرجل الذي ظهر من العدم بجانب اندرو. كان ضخم الجثة عريض البنيان. تكاد عضلات ذراعية تمزق قميصه. وفوق كل هذا كان يرتدي عوينات طبيه من خلفها عينان بنيتان حادتان وقد عقد شعره للخلف. هل يمزح؟ عوينات! مع هذا البنيان؟ انها لا تليق مع مظهر المخيف هذا. الأمر الذي جعل الموقف مضحكا بالنسبة لي. لكني صمت فنظرات الرجل قد حبست الضحكة في حلقي. ببرود سألت:
- من انت؟

لم يتغير وجهه الخالي من التعبير وهو يجيب:
- مدربك يا فتاة. والأن هلا اريتنا ما تدعين؟ مع كل هذا الغرور لا ارى مشكلة مبارة بينك وبينه.
واشار الى اندرو. وهو رئيس النادي لسبب. إذن هذا هو المدرب. هل يحاول استفزازي؟ الامر ليس غرور. ليس كذلك على الإطلاق لكني امارس هذه الرياضة منذ إثنى عشرة سنة. هذه ثقة بأني الأفضل. نظرت له في استخفاف وقلت:
- انا جاهزة.

فأومأ المدرب نحو اندرو. ارتديت قفازاتي وخوذة الحماية رغم شكي في اني بحاجة لها ثم تفرق الأعضاء مفسحين المجال من حولنا. ليشاهدوا العرض الذي على وشك ان يبدأ. وهكذا إتخد اندرو وضعية قتالية امامي وقال في تهكم:
- لا تقلقي سأكون سهلا عليكي
فلم اجب بل نظرت الى المدرب في إنتظار اشارة البدئ فقال:
- ابدأوا.

انا لم اكن ابدا من محبي الإنتظار لذا بمجرد سماعي للكلمة انطلقت نحو اندرو موجهة له لكمة تصداها بسرعة رافعا قبضته الأخرى محاولا لكمي لكني قفزت في خفة للخلف قبل ان انطلق من جديد هذه المرة لم ادع له فرصة إذ حين حاول التصدي للكمتي ترك جانبه الأيسر متاحا فقمت بركله لكن ركلتي لم تسقطه ارضا وهذا. ادهشني للحظة انتهزها هو ليسدد لي عدد من اللكمات المتواصلة والتي لم استطع التصدي لها بالسرعة المناسبة فتراجعت الى الخلف بحدة كادت تفقدني توازني. ذلك الأخرق كاد يقعني ارضا فقال اندرو في سخرية:.

- وهكذا تكون نهايتك
وبسرعة وقوة مد قبضته نحو وجهي. اظن ان هذا يكفي لقد تساهلت معه بما فيه الكفاية. وفي ذلك الجزء من الثانية امسكت قبضته ثم لويتها عكس اتجاه الذراع وانا استند عليها بكامل قوتي لأدفعه الى الأرض في نفس الوقت الذي قفزت فيه عاقدتا قدماي حول رقبته لأهبط ببقاي جسده ارضا وهو يشهق في الم وعدم تصديق. عندها تدخل المدرب بصوت صارم:
- ابتعدي عنه يا جوزيفين الأن!

فتنهدت واعتدل واقفة بينما اندرو يسعل محاولا التنفس فقال المدرب:
- هل جننت؟ اتظنين انك تقاتلين في الشارع؟
قلت في عدم اكتراث:
- انت من اقترح ان اريك اليس كذلك؟
رأيت الغضب في عينيه رغم تحجر وجهه وهو يقول:
- يبدو انك بحاجة الى درس يعيدك الى ارض الواقع
واشار الى اندرو ليبتعد ليقف هو مكانه. ففغرت فاهي في ذهول. هل يمزح؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة