قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الخامس عشر

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الخامس عشر

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الخامس عشر

تأملت الأشجار بعينين لا تريان تقريبا وانا افكر فيما يحدث هذه الأيام. اعتقد انه ليس من الممكن تجاهل كل ما حدث الى الأن. موت هنري ثم حادث المقبرة ثم تحذيرات يوجين. تصرفات سيتو الغريبة. هناك من يلاحق جين. واخيرا دريك والذي لا يعلم احد ما يمر به حاليا. هل يمكن ان يكون كل هذا مصادفة؟ انا لا اؤمن بالصدف إنما بالقدر. إن الأمر ليبدو وكأن حياتي كلها تتهدم من حولي. وكأنه كثير على ان اعيش حياة طبيعية. لقد حاولت بشدة الإنصياع لكلام جين وريتشارد وألا اتدخل لكني لم اعد استطيع. ربما ليس من الحكمة البحث عن الحقيقة فما آل اليه العام الماضي يجب ان يكون كافيا لردعي عن هذا. لكني حقا لا استطيع. لكن كيف ابدأ؟ واين ابحث؟ انا لا ادري حقا من قد يريد قتلي ولماذا؟ كما ان الواضح انه لا يريد قتلي فحسب بل تعذيبي وتدميري تماما قبل إنهاء حياتي. فمن يكرهني كل هذا الكره؟ ربما لا يكرهني انا بالتحديد ربما يكره. ماذا إن كان ما حدث العام الماضي لم ينته بعد؟ لكن كيف؟ كريستل اعترفت بكل شيء.

تنهدت وانا التفت الى الأمام لأرى المدرس يشرح شيئا ما على السبورة لكني لا استطيع التركيز في حرف يقال. اسندت رأسي على يداي مغلقة عيناي في إنتظار جرس الإستراحة.

بمجرد رنين الجرس خرجت من الفصل مسرعة الى العيادة. فأنا لم اره منذ حادثة الطالب وهو اصبح يتغيب اكثر من الطبيعي. من حقه فبعد ما رأه الطالب. لابد وان المدرسين نفسهم لن يتركوه وشأنه. لو أنهم يعلمون انه مالك المدرسة واني ابنة اخته لكنه يصر على عدم الإفصاح عن هذا. عندما وصلت اليها قبضت على المقبض وفتحت الباب على مصرعيه وانا اصيح:
- ريتشارد!

شهق في فزع وهو يستدير نحوي بعينين متسعتين وقد اسقط شيئا كان بيده. ثم حين ادرك ان القادم انا عقد حاجبيه وقال بغضب حقيقي:
- ماذا تفعلين هنا؟!
ثم اندفع نحو الباب يغلقه بينما انحنيت انا على بقعة في الأرض لألتقط منها ما اسقطه ريتشارد في حين تابع هو صائحا:
- جوزيفين. ليس من المفترض ان تكوني هنا.
اومأت في هدوء:
- لو انك فقط تتركني اخبرهم بعلاقتي بك لإنتهى كل هذا ليس وكأن الأمر سر!
صاح في إنفعال:.

- الم اخبرك انني.
قاطعته محتفظة بهدوئي:
- اجل، اجل لا تستطيع. على كل حال لقد اسقط هذا
وضعت الخاتم في يده وقلت:
- ماذا كنت تفعل به على ايه حال؟
اخذ نفسا عميقا محاولا السيطرة على غضبه ثم جلس على كرسيه وقال متجاهلا سؤالي:
- مجيئك هنا سيزيد الشائعات سوء لحسن الحظ ان الفتى لا يملك اي دليل لكن هذا لا يعني ان لا تتوخي الحذر انت لم تنسي كيف وجدتك السنة الماضية؟
عقدت ذراعي على صدري وانا اقول:.

- ماذا تعني يا ريتشارد؟
وضع يدا على صدغه مزيحا خصلات شعره قائلا:
- اعني ان بعض الطلاب ينتظر اي شيء لمضايقتك
عقدت يداي امام صدري وانا اقول:
- دعهم يفعلون ولنرى ما قد يحل بهم. في العام الماضي لم اكن اريد ان اتسبب بأي مشاكل لإخوتي لكن الأن. الأن لم يعد يشكل الامر فارقا
نظر لي في صمت للحظة ظننت فيها انه سيسأل عما اعني لكنه لم يفعل انما قال مستسلما:
- على اية حال توخي الحذر لأجلي على الأقل.

كدت اعترضت لكني عدلت عن هذا وأومأت برأسي. ومن حيث لا ادري وجدت نفسي اسأل:
- أتعلم انا فكرت كثيرا عن سبب فلم اجد إلا هذا. انت لازلت تكرهنا اليس كذلك؟
نظر لي بشيء من الفزع ممتزج بالذهول وقبل ان ينفي اي شيء تابعت:
- ليس انا بالذات وربما ليس إخوتي لكن نحن اعني العائلة. عائلة الدن. اليس كذلك؟
تحجرت ملامحه محاولة إخفاء الكره الذي تجلى في عيناه:
- لم تسألين؟
ابتسمت بمرارة وقلت:.

- لا داعي لإخفاء هذا. عيناك تكفيان لفضحك. لكن لا بأس يا ريتشارد انا اعلم انك لا تكرهني انا او اخوتي. لكنك حقا تكره هذه العائلة. للحظة كنت قد نسيت ما اردته مني حين التقينا للمرة الأولى او لماذا اقنعت كاثرين بفكرة التقديم معها الى هذه المدرسة. لكن. انت لا تريد لأحد غير الشرطة والسجلات الرسمية ان يعرف قرابتك لي. لا تريد لإسمك ان يرتبط بهذه العائلة. لم تتقبل هذا بعد. اعلم.

رمقني ريتشارد بضيق وريبة سائلا:
- لماذا تخبريني بهذا يا جوزيفين؟
هززت كتفاي كناية عن عدم درايتي لكني قلت:
- ربما اردتك ان تعلم انك لست بهذه البراعة في إخفاء الأسرار
رفع احد حاجبيه وببرود غريب قال:
- حقا؟ انا لم احاول إخفاء هذا عنك يا جوزيفين قط. انت لم تسألي وانا لم اجب.
- ماذا قد فعلنا بك يا ريتشارد؟
تجعد وجهه في كراهية وهو يجيب:
- بل ما فعله اباك؟ ما فعلته عمتك؟

انقبض قلبي لما ارتسم على وجهه من كره. من حقد. من غضب وللحظة شعرت بأني قد ابكي لكني لم افعل ولن افعل وبصوت مبحوح رددت:
- لكن عمتي ترقد في السجن بينما نتحدث. وابي. وابي. قد مات يا ريتشارد. فماذا يمنعك الأن؟
هززت رأسي في عدم فهم فقال متجاهلا سؤالي تماما:
- لك ان تعلمي ان هذا لا يطولك يا جوزيفين ربما كان في الماضي لكن ليس الأن لذا لا تشغلي بالك بهذا
رفعت رأسي ارمق وجهه في مرارة وانا اقول:.

- لكن هذا الماضي يمنعني من الحصول على خالي يا ريتشارد. انت لا تريد اي علاقة بإسمي حتى لو تطلب الأمر التخلي عن وظيفتك. فكيف لا اشغل بالي به؟
لان وجهه في حزن وقال وهو يمد يده لي:
- انا اسف. لكني لا استطيع.
حدقت في يده الممتدة لبرهة قبل ان اضع يدي بيده وانا اعض على شفتي. لكي لا انطق كلمات قد تزيد من همه. تزيد من ألمه. ومن بين شفتين تحاولان الإبتسام قال ريتشارد:.

- لا تنسي لا تنالك كراهيتي يا جوزيفين. انا خالك سواء بالإسم او من دونه. لكني لا استطيع ان.
اومأت مقاطعة كلامه وبخفوت قلت:
- يجب ان اعود لقد انتهت الإستراحة
ترك يدي بتردد فاستدرت الى الباب وفتحته ببطء وانا انظر الى الردهة في حذر لأتأكد انه لا احد بها وحين كنت على الخروج قال ريتشارد:
- تخلصي من الخاتم يا جوزيفين
عقدت حاجباي في إستغراب لكني لا املك الوقت للإستفسار الأن لذا اومأت ورحلت.

وقفت امام لوكس جراي مكورة قبضتاي واظافري تنغرس في جلد يدي وانا احاول جاهدة ألا افقد اعصابي امامه. ألا اصيح فهذا لن يفيدني بل سيجعل كل هذا اسوء بينما جراي يتابع توبيخي وحين توقف اخيرا سألت بهدوء:
- هل انتهيت؟
تصلب وجهه وهو يقول:
- لا تستفزيني يا فتاة. لا تجعليني افقد صبري معك. اجيبي عن اسئلتي
ضغضت على اسناني وانا اقول في تحدي:
- وماذا إن لم افعل؟

عندما اسود وجهه وهو يرمقني بنظرات باردة ادركت كم كنت مخطئة حين تحديته. رفع يده الضخمة ليعدل منظاره الطبي وهو يقول:
- عندها استبدلك بأحد اعضاء النادي ليكمل المسابقة عنك.

عجزت عن الرد للحظات فهو يعلم كم اريد المشارفة في هذه المسابقة. نظرت الى عينيه لإدرك انه جاد تماما وانه يضعني امام الخيار الأن. لكني لا استطيع ان اخبره بالحقيقة. كيف اخبره؟ كيف اخبره بما قاله يوجين؟ كيف اخبره بالكوابيس التي لا تجعلني انام ليلا وانا لم اخبر احد؟ فكيف اخبر غريب؟ هل يعني ذلك اني لابد سأنسحب من المسابقة؟ يمكنني ان اكذب. انا بارعة في الكذب لكن لسبب ما لا اريد ان اكذب. بللت شفتاي وقلت بخفوت وانا انظر الى الأرض:.

- انا لا استطيع إخبارك
انفرجت شفتاه ليجيب فإستوقفته قائلة:
- انا حقا لا استطيع ولو استطعت لفعلت. لكن تأخري وعدم تركيزي البارحة ليس لسبب تافه اعدك بهذا. انا فقط لا يمكنني الإفصاح عنه الأن. لذا يمكنك ان تقرر ما تظن ملائما.
جرت عيناه على وجهي مقيما اياي لثوان ثم قال:
- هل سيتكرر هذا؟
نظرت اليه وقلت بصدق:
- لا استطيع ان اضمن هذا
هز رأسه يمينا ويسارا وهو يقول:
- انت تجعلين هذا صعبا علي.

- سأحاول على الأقل. سأعمل على ألا يتكرر الأمر مجددا. ألا يكفي هذا؟
تنهد ثم قال:
- سيكفي للأن لكن تهديدي قائم يا جوزيفين
اومأت برأسي متفهمة وانا ابتسم في ظفر لم يدم طويلا إذ قال لوكس:
- الأن نعود للتدريب. لا تعتقدي للحظة اني نسيت ما فعلته بخصمك.
اختفت الإبتسامة عن وجهي ليحل محلها الضيق والغل.

حين انتهى التدريب لملمت متعلقاتي وغادرت المدرسة وكالعادة لم اجد سيارة اجرة فقررت السير حتى اصل الى احد الطرق الرئيسية ثم اركب اي سيارة اجرة فأنا بحاجة لبعض الهدوء علني استطيع التفكير في مشكلتي.

سرت قليلا بين ترقات المدينة المظلمة وقد اشتدت الرياح واصبح الجو باردا كالثلج فإرتجفت مما جعلني احكم معطفي حولي مسرعة في خطواتي. حين سمعت صوت خطوات تردد مع خطواتي فإلتفت خلفي بحدة لكني لم اجد احدا. الطريق مظلم وخالي من اي حياة خلفي فهل كنت اتوهم؟ على اية حال انا على وشك الخروج الى الطريق الرئيسي.

توقفت امام إشارة المرور في انتظار سيارة أجرة فارغة. اخذت نفسا عميقا وانا ارمق الثلج الذي بدأ يتساقط من السماء واضواء المحلات والبنايات تلتمع من حولي. وانا اتمتم لنفسي:
- متى انتهي من كل هذا؟ متي ينحصر تفكيري ماذا سأكل اليوم؟ او ماذا سافعل غدا؟ لكن يبدو اني لا استحق هذا.

عندها رأيت البرق ينير السماء لأشهق في رعب. الأن؟ كيف؟ لم يكن هناك ذكر لهذا في الأرصاد. لا لا. لا. لا. اسرعت نحو جيبي انتزع هاتفي وانا اتلفت حولي باحثة عن اقرب سيارة اجرة. وقلبي ينبض في هلع. لكني ولله الحمد لم اسمع صوت الرعد مما يعني انه غالبا بعيد جدا عن مكاني. لكن هذا لا يعني انه سيظل كذلك. وحين مرت سيارة اجرة امامي كدت القي بنفسي فوقها. لا ادري كيف وجدت نفسي داخلها او ما قلت للسائق لكنه انطلق كالصاروخ على اية حال بينما انا اتصل بسيتو. مرة ثم اخرى دون إجابة. مما زاد من خوفي وهلعي فإبتلعت ريقي بصعوبة وانا اتصل ببيتر الذي اجاب بعد ثوان فهتفت بتلعثم:.

- بيتر لقد رأيت برقا في السماء. ولا استطيع الوصول الى سيتو وانا لست بالبيت. انا وحدي يا بيتر. وحدي!
اتاني صوته القلق والدهشة واضحة في نبراته:
- لكن كيف؟ لم يكن هناك اي خبر عن. ليس مهما الأن. المهم اني لست بالبيت يا جوزيفين! انا في الجامعة! ولو اخذت السيارة فبيني وبين البيت ساعة!
انتفض قلبي بين ضلوعي في رعب وبعينين متسعتين قلت:
- ماذا افعل اذن؟ ماذا افعل!
- اهدأي يا جوزيفين. إهدئي اولا. اين انت الأن؟

نظرت الى نافذة السيارة لأعرف اين انا بالضبط وبرغم من نظرات السائق المتشككة اجبيت:
- خمس دقائق واكون امام المنزل لكني لا ادري ما قد يحدث. ماذا إن ضرب الرعد؟ ماذا إن لم اتحمل حتى اصل. بيتر انا لا استطيع ان اتحم.
قاطعني قائلا بحزم:
- جوزيفين اهدأي. ستصلين البيت قبل هذا إن حدث اصلا. سأتصل بسيتو وانت اتصلي بدريك واعرفي اين هو.
- ح. حسنا.

اغلقت المكالمة ثم اتصلت بدريك الذي ولله الحمد اجاب بسرعة فسألت على الفور وانا ادعو ان يكون بالبيت:
- اين انت؟
- جوزيفين؟ ماذا هنالك؟
لكني سألت مجددا:
- اخبرني اين انت يا دريك؟
اجاب مستسلما:
- في المقهى المعتاد
وضعت يدي على فمي لأمنع الشهقة التي كاددت تنفلت مني وبصعوبة قلت:
- يا الهي
فصاح دريك عبر الهاتف:
- ما الذي يحدث يا جوزيفين؟
اجبت بإقتضاب:
- قد تبرق ولا احد بالبيت يا دريك وسيتو لا يرد.

سمعت صوت ارتطام خفيف ودريك يلعن قبل ان يقول:
- سأتي حالا. لكن قد يأخذ الطريق نصف ساعة على الأكثر.
- حسنا لكن ارجوك اسرع
عندما انهيت مكالمتي قال السائق الذي لابد يظن اني مجنونة:
- لقد وصلنا يا انسة.

فأعطيته اجرته وقفزت خارج السيارة وانا اتسلق السلالم الى مدخل البيت حين انفتح الباب فجأة ليخرج منه سيتو. نظرت له في ذهول للحظة غير مصدقة قبل ان اتنهد في ارتياح كمن رأي خلاصه وهو كذلك. وانا القي بنفسي بين ذراعيه فتصلب جسده كالحجر بين يداي قبل ان يبعدني عنه في خشونة وهو يقول:
- ماذا بك؟
تجاهلت هذا وقلت بسرعة:
- لقد رأيت برقا في السماء واتصلت بك مرارا لكنك لم تجب و.

استوقفني قائلا في عجلة وهو ينظر الى ساعته:
- هل كان هناك رعد؟
ترددت للحظة وانا اقول:
- لا ولكن.
قاطعني مجددا بذات النبرة:
- وليس هناك ذكر لهذا في الأخبار، انت غالبا تخيلتي وانا ليس لدي وقت الأن لهذا
عقدت حاجباي وانا ابتعد عنه وانظر الى سيتو مرة اخرى كأني اتأكد إن كان هو فعلا من احدث. ثم قلت بإستنكار:
- كيف اتخيل برقا في السماء؟
تنهد بنفاذ صبر وهو ينظر الى ساعته مجددا:.

- حتى وإن كان ألا ترين انك تبالغين وغالبا لا يوجد شيء.
صحت بإنفعال:
- لكن ماذا إذا.
لم يعطني الفرصة لأكمل بل قال:
- وانا لن ابقى بجوارك لأجل ماذا إذا. إن حدث أي شيء فعلا اتصلوا بي
ثم التفت راحلا تاركا اياي امام الباب اقف كالبلهاء، احدق فيه وهو يركب السيارة ويديرها ليرحل بعينين جاحظتين وقد الجمت الصدمة لساني.

اعتذر عن التأخير الشديد لكن إن شاء الله انتظم بعد الأن مع بعض المفاجأت لكل من قرأ رواية اسطورة ابيس.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة