قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثاني والعشرون

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثاني والعشرون

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثاني والعشرون

حاولت النوم لكني لم استطع اخذت احدق في سقف الغرفة لبرهة قبل ان تنتقل افكاري. الى كاثرين مرة اخرى. كيف امكنهم قتلها هكذا؟ لمجرد تعذيبي فقط؟ كيف يمكن لأحد ان يكون بهذه القسوة؟ او ان يكرهني الى هذا الحد؟ ماذا اكون قد ارتكبت لأستحق هذا؟ او ليستحق من حولي ان يقتلوا بهذه القسوة، بهذا العنف. ثم يدبر الأمر ليبدو وكأني قتلت اعز اصدقائي. وكأنه يريد ان يقتلني داخليا قبل ان يقتلني فعلا. ان يدمرني حتى اتقبل الموت بنفسي؟

اتسعت عيناي للحظة وانا ادرك ان كل من حولي في خطر. اخوتي، اقربائي و. جين! الم يقل انه مراقب؟ ربما ارادوا قتله ايضا لكنه ليس في متناول ايديهم الأن. يجب ان انذره! يجب ان يتخذ حذره. اوليس هذا ما كان يفعله يا جوزيفين؟ اوليس هذا ما لم تقبليه وتشاجرتي بسببه؟ يجب ان اتصل به. يجب ان ابتلع غروري وكبريائي فلن يفيداني في شيء ان كان جين ميتا. لكن ماذا بشأن اخوتي؟ كيف احذرهم؟ هل سيصغون لي حقا؟ يمكن الجزم ان سيتو لن يفعل. ثم فطنت لأمر مرعب. كيف احمي اخوتي من شخص قادر على ان يختطفني من منزلي، من غرفتي ومن فراشي ليلقي بي في المدرسة حيث يعلم اني قد تهت من قبل دون ان يشعر احد او ان ينطلق جهاز انذار واحد. اذن فلا فائدة من انذارهم او تحذيرهم فلا احد يستطيع حمايتنا حقا. اهذا ما يخبرني به؟ انه في اي وقت يمكن لمن يطاردني ان يقتل كل من حولي وانا لكنه يستمتع بتحويل حياتي لجحيم اولا. ألا يعني هذا انه شخص يعرفني جيدا؟ يعرف كل تفصيلة في حياتي؟ ليستطيع فعل كل هذا.

اعتدلت على فراشي وقد خطر على بالي هاجس مرعب. من يمكنه فعل هذا يمكنه ان يدس اي شيء في غرفتي! وان يراقب خط هاتفي ايضا. ولأني اعلم جيدا اني لن انام بعد كل هذا اضأت غرفتي واخذت افتش فيها ركن ركنا وهو مالم يكن بالأمر الهين إذا ان الغرفة ضخمة.

بعد ما يقرب من نصف ساعة وجدت جهاز بحجم العقلة يقبع اسفل احد ادراج الكمود المجاور الفراش. من الواضح انه جهاز تنصت لكني لا استطيع ان اجزم بذلك. لم انزعه من مكانه بل لم اقترب منه حتى فقط التقط هاتفي وقمت بتصويره. فأنا الأن اتفوق على من يتجسس على بالمعرفة وهذا يمكنني استغلاله. اتمنى فقط ألا تكون هناك كاميرا مراقبة في هذا الحجرة فهذا لن يعني فقط فشل خطتي بل وسيكون امرا مقززا ايضا.

تابعت البحث لأجد اربعة اجهزة اخرى بذات الهيئة. فتركتهم في اماكانهم. لكني تأكدت من عدم وجود اي كامرات وهذا مطمئن الى حد ما.
عدت مجددا الى فراشي هذه المرة مرهقة بما يكفي لكي انام قليلا قبل بداية اليوم الدراسي. لقد كان نوما قلقا لكنه نوم على اية حال.

مر اليوم وانا لا اعي منه شيئا ولا اهتم كل ما افكر فيه هو ما سيخبرني به كارل. ترى ما الذي يحمله لي؟ وما الذي سيأخذه في المقابل؟ لذا بمجرد انتهاء الدراسة والتدريب الذي لم استطع التملص منه ولم ارد في الواقع. اي شيء ليشغلني عما حدث امس ورغم ان بعد يومين سيكون هناك مبارة إلا ان لوكس قد رفق بي وانهى التدريب مبكرا بل واخبرني انه قد بديل عني للمبارة القادمة حتى استطيع تجميع شتاتي لكني ايضا لاحظته يراقبني عن كثب اليوم وله كل حق فكل الأحداث التي شهدها لابد جعلته متشككا في لكنه لن يجد اجابة لهذه التساؤلات.

نظرت الى هاتفي لأجد انها الخامسة إلا ربع. بالكاد سألحق موعدي مع كارل وانا لا احب ان اتأخر لذا استوقفت سيارة اجرة واخبرته بوجهتي وبالإسراع وخلال عشر دقائق تقريبا توقفت السيارة امام المقهى الذي اعتدت مقابلة كارل به. نقدت السائق ماله ثم ترجلت ودخلت المقهى ملقية نظرة على الطاولات حتى وقعت عيني على كارل يشير لي فاتجهت اليه وجلست امامه وقبل ان اتمكن من قول اي شيء قال:
- تبدين في حال مزرية.

اومأت برأسي ولم احاول الإنكار فأنا فعلا في اسوء حال ممكن:
- اعتقد ان هذا متوقع. انت بالتأكيد تعرف تفاصيل البارحة
شبك اصابعه امام وجهه وقال:
- هذا بالضبط ما اعنيه لماذا لم تأخذي اليوم اجازة على الأقل وانت بهذه الحالة؟
حاولت اخفاء رغبتي العارمة في الإنتقام والغضب الشديد الذي اشعر به وقلت بعزم:
- هناك ما يجب ان افعله اولا بعدها تأتي الراحة. اخبرني بما وصلت اليه؟
هز رأسه موافقا ثم قال بجدية:.

- رقم السيارة الذي اخبرتني به استطعت من خلاله الوصول لصاحب السيارة المشكلة هنا ان السيارة كانت مسروقة وهي الأن بحيازة الشرطة ولا يمكنني الجزم بمتى عثروا عليها او هل استطاعوا امساك سارقها ام لا. لإنهم لم يعيدوا السيارة الى صاحبها حتى الأن.
قلت في حنق:
- لكن هذا يعني انه لا يمكنني الوصول الى اي شيء من صاحب السيارة! فسائقها قد يكون اي احد. هذا طريق مسدود اخر.
رفع كارل حاجبيه في ذهول مصطتنع ثم قال:.

- ما الذي تنويه يا جوزيفين؟ ما الذي قد تريده الأنسة الدن مما طلبته مني؟
قلت بخشونة فلم اعد اكترث حتى بتغلفة مشاعري:
- لا دخل لك بهذا
فض يديه وابتسم بسلاسة ثم قال:
- عزيزتي جوزيفين انا لست محققا استأجرتيه وقد اتفقنا على ثمن ام انك نسيتي؟
عقدت حاجباي وقد بدا الضيق جليا على ملامحي قائلة:
- ماذا تعني يا كارل؟
اتسعت ابتسامته وقال بهدوء:.

- اعني اني قد عدت للصحافة بعد انقطاع طويل لكن حالي ليس كما كان لذا انا بحاجة الى سبق صحفي فما رأيك؟
هدأت قليلا وانا ارى مبتغاه مما يطلب وقلت:
- انت تريد ما اعرف؟ تريد القصة لكن الحقيقة يا كارل انه يمكنني وبمكالمة ان اجعلك تترأس اي جريدة تريد في هذه البلاد تقريبا فلماذا تتخذ الطريق الصعب؟
تابع بنفس الهدوء:.

- ليس انت يا عزيزتي بل شقيقك سيتو فهو الواصي عليك الأن ومما فهمت انك وشقيقك على خلاف ولا اعتقد انه سينفذ هذا لك وحتى لو انه وافق فهذا ليس ما اريد.
توقف لحظة ثم تابع في شغف:
- انا كما قلتي اريد القصة. يمكنك القول انه الفضول الصحفي او السبق الصحفي. اما بالنسبة لي فهو الطموح لتوثيق شيء سيكتب في التاريخ. هذه هي المتعة ذاتها.
عقدت يداي امام صدري وقد ارتسمت على شفتاي ابتسامة لم تصل الى عيني حقا وانا اقول:.

- اذن انت تعلم اني لازلت احتاجك؟
اومأ قائلا في شيء من المرح:
- بل انا اراهن على هذا إذ لماذا قد تلجأين لي من البداية؟
ربما كارل ذكي وفضولي اكثر مما يجب لمثل تلك وظيفة. وهذا سيقتله يوما لا شك:.

- انا لست حمقاء ولا اظن انك تخدعني لشيء اخر ونواه قد اعتمت عليك بالفعل من قبل فلم لا. لكن اعلم جيدا يا كارل ماكأرثر انا لا ثق بك حقا ولن افعل وعند اللحظة التي اشعر فيها انك تشكل خطر ما علي فلن اتهاون في التخلص منك. ربما لا استطيع جعلك تترأس اي جريدة بسبب سيتو لكن لا تزال لدي جميع صلحيات كوني الوريثة الوحيدة لعائلة الدن. وهذا يعني مال لا ينقطع والمال في هذا العالم يعني كل شيء. وانت تعلم هذا جيدا.

- لم اكن لأتصور اقل من هذا من ابنة براين فلادمير الدن. اذن اخبريني يا انسة الدن بما يحدث حقا
هل سيكون اول شخص اخبره بما يجري هو كارل حقا؟ لا انا لا اثق به بعد لذا وبعد وهلة قررت ان اخبره بأقل القليل دون الدخول في التفاصيل حتى استطيع الوثوق به:.

- السيارة التي اخبرتك ان تتحرى امرها كانت من المفترض ان توصلني الى منزلي إلا انها القت بي في المقابر بعد ان احتجزني سائقها فيها حتى وصلنا الى المقابر وهناك. وجدت قبرا اضافيا بجوار قبري والداي يحمل اسمي.
اطلق كارل صفارة قبل ان يغمغم:
- يا لها من طريقة لإرسال رسالة
اومأت وقلت:
- اجل هناك من تكبد عناء حفر قبر ووضع شاهد بإسمي فقط ليخبرني انه يريد ان يجمعني بوالدي لكنها رسالة معبرة جدا إن اردت رأيي.

صمت فقال وقت تلاعبت ابتسامة على شفتيه:
- لكن هذا لا يكفي بأن تهتمي بالأمر الى هذه الدرجة. هناك المزيد فأخبريني، لا داعي لإخفاءه
تنهدت في استسلام وقلت:
- هناك العديد من الحوادث التي توالت بعدها لكن مبتغاها لم يكن قتلي بل ارعابي وتحويل حياتي الى جحيم ثم هناك موت هنري وكاثرين وهناك ما يجعلني اعتقد ان هذه الأحداث متصلة بشكل او بأخر.

- لكن يمكن القول بأن موت سائقك كان حادث وموت صديقتك إما ان هناك من تهجم عليها او انه من تدبيرك انت
وافقت ما قال مجيبة وانا امسك هاتفي وافتحه:
- وهذا ما يجعلني اعتقد ان هذا الشخص يتلاعب بي قبل ان يمل ثم يقتلني وليقوم بما يقوم به فلابد انه ذو نفوذ ومال وعلى قدر لا بأس به من السلطة
جادل كارل قائلا:
- ولماذا لا نقول انه لم يستطع الوصول لك فقام بقتلهم عوضا عن ذلك.

ابتسمت ابتسامة صفراء وانا اوجه شاشة هاتفي اليه قائلة:
- هذه الصورة تتعارض مع ما تقول. ان من يفعل هذا لعلى قدر من القوة ويملك من المصادر ما لا يستهان به
حدق كارل في الشاشة عدة لحظات قبل ان يقول:
- هذا جهاز تنصت؟!
تركت له الهاتف وقلت بإستهزاء:
- اتعرف اين وجدته؟
هز رأسه نافيا فأكملت وابتسامة ساخرة قد اعتلت ملامحي:.

- تحت احد ادراج الكمود بجوار فراشي هو واربعة اخرون في غرفتي وحدها. لا اريد حتى ان افكر كم وضع في البيت كله. وإن كان هناك من يستطيع فعل هذا.
اكمل كارل عني:
- فإنه كان بإمكانه قتلك في اي وقت
- بالضبط
اتسعت عينا كارل للحظة قبل ان تلتمع بشيء اقرب للهفة وحشية:
- هذا قد يكون اكبر منك ومن مؤساسات الدن كلها
- اجل. فهل ستساعدني بعد معرفة هذا؟
قال بلا تردد:
- اتمزحين؟ لقد كنت اتوق لفرصة كهذه منذ موت مادلين.

صمت حين ادرك ما قال امام ابنتها للتو لكنه ما لبث ان قال دون اعتذار:
- لم اقصد فقط لندعو ألا ينتهي كلانا كوالدتك
- نعم لندعوا. كما ترى لا اظن ان منزلي امن وانا لا انوي ان ازيل تلك الأجهزة فهي فرصتي الوحيدة للتقدم على من يراقبني
هو رأسه موافقا ثم قال:
- ما الذي تريدنه مني يا جوزيفين؟
اخذت نفسا عميقا ثم قلت:
- انا عازمة على معرفة من يسعى خلفي، من قتل كاثرين.

كان الأمر في البداية لنفسي اما الأن فهو للأنتقام ولا غير. تابعت:
- انت تريد السبق الصحفي سأحرص على هذا. ما اريده الأن هو خط هاتف جديد ليس بإسمي لإن هاتفي غالبا مراقب هو الأخر ولا استطيع الحصول على ذلك دون ان يعلم سيتو وانا لا اريد إدخاله في هذا او حتى شرح حاجتي. سأستخدم هاتفي القديم حتى يبقى خطي الحالي مفعلا
قال في شيء من الإنبهار:
- احيانا انسى انك مجرد مراهقة. لكن اظن انها الحياة.

صمت لبرهة قبل ان اجيب مؤيدة ما قال:
- اجل ربما هي الحياة.
نظر الى ساعته ثم قام مستعدا للرحيل:
- سأحاول توفير ما تريدين في اقرب وقت، هل هناك شيء اخر تريدينه؟
اومأت وانا اعتدل واقفتا انا الأخرى وقلت:
- هل يمكنك التحري عن شرطي يدعى ويل جوردن؟
هز رأسه وقال:
- قد يكون هذا صعبا فأنا لم تعد لدي معارفي القديمة لكنه ليس مستحيلا. ماذا تريدين منه بالضبط؟
هززت كتفاي كناية عن اني لا ادري وقلت:.

- لست متأكدة لكني اشعر انه يعرف شيئا عن مقتل كاثرين او هكذا بدا لي على الأقل. فقط اريدك ان تخبرني ان وجدت عليه اي شيء
- سأحاول. اعتقد ان هنا سنفترق.
ثم نظر لي واضاف:
- اعلم انك لم تخبريني بكل شيء لذا دعيني اسألك ما اردت من البداية
صمت منتظرة سؤاله في ريبة حتى قال:
- هل لما يحدث علاقة بالماضي؟
اتسعت عيناي ولم اجب فأرتسمت ابتسامة ظافرة على شفتيه وقال:.

- لا تخافي يا ابنة براين فأنا لا احمل لك شرا. لكني سأقوم بتحرياتي الخاصة، سأكمل ما قد بدأت منذ ثمانية عشر عاما. اما الأن فخذي الحذر
ثم لوح بيديه وخرج من المقهى. فتنهدت لحظة ثم تبعته الى خارج المكان استعداد للعودة الى المنزل لكني قررت ان اتمشى قليلا.

كانت السماء قد اظلمت والرياح قد اشتدت مما دفعني الى احتضان معطفي وانا اسير بين الناس بلا هدف معين. وذكريات البارحة تترأ في ذهني لا تفارقني. كيف كانت جثة كاثرين. البشاعة التي قتلت بها. جسدها وهو يبرد بين يداي. يداي الملطحتان بالدماء. تذكرت كل تفصيلة. وشعرت بنفسي اقف على حافة الإنهيار وما هي إلا دفعة صغيرة واسقط الى هاوية من الظلمات. لكني لن افعل ليس الأن. ليس الأن.

تذكرت اني قد سجلت رقم هاتف من بعث بتلك الرسالة الى كاثرين قبل موتها فإلتقط هاتفي وحين كنت على وشك ان اتحرى الرقم رن هاتفي معلنا ان المتصل هو رقم دولي. اي بحروف اخرى جين. فأهتز قلبي بعنف وبإصبع مرتجف اجبت الإتصال ثم وضعت الهاتف على اذني دون ان انبس ببنت شفة فقط صوت انفاسي يتعالى. وانا اسمع صوته لأول مرة منذ ما يقرب من شهر:
- جوزيفين؟
وحين لم اجب قال ببساطة:
- لقد اشتقت لصوتك، الن تسمعيني اياه؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة