قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث

بدأت تعلم الرماية في الإجازة بعد ما حدث السنة الماضية. فأنا لم اعد اشعر بالأمان. صحيح اني لا املك سلاحا الأن لكني اعلم كيف احصل على واحد إذا اردت. لم اخبر احد بهذا حتى اخوتي او جين. لا ادري لماذا. ربما خفت ان يمنعني احدهم.

بعد ان انتهيت من التدريب عدت الى المنزل مباشرة حتى لا يقلق اخوتي. فنظرتهم لي لم تتغير حتى بعد ان علم دريك وبيتر اني لست شقيقتهم فعلا إنما إبنة خالهم لكن هذا لم يؤثر على حياتنا بأي شكل وهذا اراحني فلا ادري كيف كنت سأتحمل تغير تعاملهم معي. طبعا سيتو كان يعلم من البداية فهذا لا يفسر تصرفاته العجيبة هذه الأيام. مازلت احاول اقناع نفسي ان هذا وضع مؤقت. اتمنى لو ان هذا صحيحا فقلبي يخبرني بعكس هذا.

بعد انتهاء الدوام الدراسي في اليوم التالي اسرعت خارجة من المدرسة الى السيارة حيث ينتظرني هنري فاليوم لدي موعد مع كارل ماكأرثر. الصحفي الذي منعت مقالاته من النشر. لكن نواه حصل عليها بطريقة ما قبل ان يموت لتقع بيدي فأعلم منها الكثير واللطيف هو انني اكتشفت انه رغم توقفه عن العمل بالصحافة لفترة. إلا انه عاد لها مما جعل الوصول اليه وتحديد معاد معه سهلا وهذا ما فعلت. ما لم يكن سهلا هو ايجاد الوقت ليقابلني لكنه فعل على اية حال.

اوصلني هنري الى المقهى المتفق عليه للقاء ثم تركني ورحل. دخلت وانا القي نظرة سريعة على الطاولات فلم اره. إذن هو لم يأت بعد. اخترت إحدى الطاولات في ركن المقهى بعيدة عن مركز تجمع الناس. نزعت معطفي فالمقهى مكيف ثم اشرت الى النادل فأسرع نحوي لم اعطه فرصة ليقول اي شيء:
- قهوة سوداء بدون سكر
نظر لي برهة بتعجب فرفعت احد حاجباي وكدت ابتسم في سخرية لكنه اسرع هاربا فضحكت في سري. الأبله!

بعد دقائق قصار استقر امامي فنجان قهوة يتصاعد منه البخار في انتظار ان اشربه فأومأت للنادل فذهب على الفور دون ان يسأل إن كنت اريد شيئا اخر ام لا فتنهدت وعدت ببصري الى الفنجان. انا في الواقع لا احب القهوة، ولا احبها سوداء او بدون سكر. اما لماذا طلبتها هكذا. ببساطة لإنهم لا يقدمون اي شيء احب ومنذ فترة وانا ارغب ان اجرب طعم القهوة السوداء دون سكر. سيتو يحتسيها طوال الوقت. رفعت الفنجان الى فمي وانا احدث نفسي:.

- لنرى ما يعجبك بهذا يا سيتو!
ارتشفت في بطئ فقط ليتقلص وجهي كله في اشمئزاز وبصعوبة منعت نفسي من بصقه مجددا في الفنجان. هذا الشيء مذاقه مقرف. هذا اقل ما يقال.
- مادام مشروب لا تحبينه فلماذا تجبرين نفسك على شربه؟

رفعت رأسي بسرعة الى صاحب الصوت لأرى امامي رجلا في منتصف الأربعينيات اشقر الشعر ذا عينين خضرواتين ثاقبتين حادتين تشعان ذكاء لا شك فيه. وبنظرة واحدة يمكنك على الفور ان تدرك ان هذا الرجل لا يخدع بسهوله. ادركت على الفور انه يقيمني كما اقيمه انا الأن. كارل لم يتغير منذ اخر مرة رأيته فيها. الإبتسامة على شفتيه كما رأيتها يوم قابلني للمرة الأولى امام المدرسة بعد القبض على عمتي كريستل. ابتسامة عمل هي لا شك.

نظرت الى يده الممتدة نحوي فالتقطها محيية بدوري وقلت في حنق مجيبة سؤاله:
- للتجربة. وقد كانت تجربة سيئة لأسوء حد.
اتسعت ابتسامته قائلا:
- هناك الكثيرون ممن يعارضون رأيك هذا فالقهوة.
قاطعته هاتفة:
- مقززة وليعترض من يريد. لنترك هذا الموضوع فأنت لست هنا لتحدثني عن القهوة
اومأ برأسه:
- انت محقة
ثم شبك اصابعه على الطاوله وانحنى نحوي قائلا في كياسة:
- لم انا هنا يا جوزيفين؟
بإبتسامة مصطنعة قلت:.

- لتجيب عن بعض الأسئلة التي لا اجد غيرك- للأسف- ليجيبها
- هل اخبرك احدهم من قبل انك لا تطاقين بالمعنى الحرفي للكلمة؟
قالها محتفظا بإبتسامته وكأنه لا يهتم هو فقط يخبرني. إن شخصيته غريبة جدا، تذكرني بعض الشيء بدريك. لكنه بالتأكيد اذكى واكثر جدية. قلت متجاهلة سؤاله:
- اريدك ان تخبرني ما تعرفه عن امي. عن مادلين ريد لوسيفر.
عقد حاجبيه وسأل:
- لماذا انا بالتحديد؟

- لأنك احد الإثنين الذين يعرفان عنها شيئا واعرفهما انا.
- سؤالي لايزال قائما يا جوزويفين لماذ انا بالتحديد وليس خالك ريتشارد شقيقها؟
عبثت في الفنجان وقلت دون ان انظر له:
- لإنك قابلتها في اخر سنة في حياتها بينما ريتشارد لم يكن في البلاد تلك السنة. انت قابلتها في تلك الفترة لذلك اسأل
اختفت الإبتسامة عن شفتيه وهو يسند وجهه الى يده ويجيب:.

- لقد قابلت مادلين حين اصدرت اول كتاب لها ثم قابلتها للمرة الثانية بعد موت. إن صحت التواريخ سيكون ذلك بعد موت زوجها ادم جميس مباشرة. في تلك الفترة لم تكن على طبيعتها. وحتى الأن انا غير واثق بالسبب فهي لم تكن قد قابلت براين بعد.
قلت متسائلة:
- ماذا تعني؟

- لو كنت ادري لأخبرتك لكني حقا لم ادري ما بها. هي عادة هادئة جدا الى درجة مخيفة في بعض الأحيان. لكن بعد موت ادم وقبل لقائها ببراين كانت مرتعبة دائما ورفضت جميع المقابلات وكأن الشيطان يطاردها. ثم قابلت براين وهدأت لفترة قامت فيها بكتاب كتابها الأخير ووافقت على القليل جدا من المقابلات الصحفية لكن لم تلبث إلا وقد عادت الى توترها السابق قبل ولادتك ثم ما عاشته بعدها.

- تلك هي الفترة التي كتبت فيها تلك المقالات اليس كذلك؟ تلك التي منعت من النشر.
اومأ في شيء من الندم:
- للأسف
تنهدت وقلت:
- دون الدخول في التفاصيل عن تلك الفترة اخبرني كيف كانت هي. امي.
رقت عيناه قليلا قبل ان يقول:.

- انت تعلمين ان اكثر من قد يفيدك في هذا هو ريتشارد وليس انا. لكن يمكنني ان اخبرك بهذا. هي كانت إمرأة قوية جدا عنيدة ومثابرة. لقد اذاقتني الويل في الفترة التي كنت اراقبها بها. وبالكاد استطعت تجميع اي معلومات منها.
ابتسمت وغمغمت:
- لو انك نشرت تلك المقالات لكانت ماتت قبل ان تلدني حتى.
هز رأسه:
- ربما
عم الصمت المكان لبرهة حتى قطعه كارل قائلا:
- ارى انك مازلت مصرة على البحث في الماضي.

رمقته في حذر قبل ان اقول بهدوء:
- هناك الكثير من الأسئلة بلا اجابة. الكثير لدرجة اني كلما حاولت تجاهلها حاصرتني مجددا.
بغموض قال:
- ربما لا يجب العبث مع الماضي.
لم ارد فأنا لا اريد فعلا اي احداث اخرى. يكفيني ما اعيشه الأن. نظرت الى ساعتي بتعجب. إن هنري قد تأخر وهذا غريب.
- ماذا هناك؟
انتبهت الى كارل فقلت:
- لا شيء، فقط تأخر سائقي.
- يمكنني ان اظل معك حتى يأتي سائقك
نظرت له ببرود وقلت:
- شكرا لكني لست طفلة.

((قاد هنري السيارة الى المقهى ليقل جوزيفين حين لاحظ السيارة اللتي خلفه. لقد حاول اقناع نفسه انها لا تلاحقه لكن الأمر اصبح صعبا وهو يراها خلفه منذ ما يقرب من نصف ساعة.
هل هو مراقب؟ لا يمكنه ان يتهور ويذهب الى حيث جوزيفين إن كان هذا مبتغى من يلاحقة. عليه ان يتخلص منهم اولا فالفتاة قد خطفت العام السابق ولا احد يحبذ تكرار التجربة.

انطلق بالسيارة كالصاروخ في محاولة لتضليلهم لكنه سرعان ما ادرك انه لم يفلح. ولسبب ما السيارة تقترب اكثر. هم لم يعودوا يحاولون اخفاء مطاردتهم له. عندها اكتشف ان امامه سيارة اخرى. وعلى الفور فهم ما يعنيه هذا لكنه كان متأخرا جدا. )).

انا اتصل بهنري وما من مجيب حاولت اكثر من مرة لكن بلا فائدة. بدأت اتوتر وقد لاحظ كارل هذا فحاول تهدئتي لكن هيهات. اتصلت بسيتو لكنه لم يرد على وهذا ايضا غريب فأنا لا اتصل به إلا نادرا وهو دائما يجيب لأنه يعلم انها لابد طوارئ تلك التي قد تدفعني للأتصال به. وهذا بالطبيعي ارعبني اكثر. حين يأست اخيرا اتصلت ببيتر فرد هذا الأخير قائلا:
- جوزيفين؟
- بيتر هل انطلق هنري من المنزل؟
- لحظة واحدة.

سمعت عدة اصوات متخبطة قبل ان يقول:
- اجل
زادت عصبيتي على الفور:
- هو لم يصل بعض. لقد تأخر لأكثر من 40 دقيقة وانا لا استطيع الوصول اليه.
- إهدأي قليلا. ربما هناك زحام في الطريق. هل اتصلت بسيتو؟
اومأت برأسي وكأنه يراني:
- اجل لكنه لم يرد.
صمت لبرهة قبل ان يقول:
- هذا غريب! سأحاول الإتصال به. لا تقلقي.
انهى المكالمة فنظرت الى الهاتف في حنق حتى قال كارل:
- لم تتوصلي الى شيء اليس كذلك؟

اومأت وانا أأخذ نفسا عميقا. اهدأي يا جوزيفين ربما يكون الأمر مجرد زحام فعلا وانا ابالغ. عندها تذكرت امرا مهما فقلت لكارل:
- انت مازلت هنا؟
اومأ وهو يقول:
- هل تظنين اني سأرحل.؟
هل هو هنا فقط للإطمنان ام للسبق الصحفي؟ وجدت نفسي اتوعده:
- إن كنت هنا للسبق الصحفي فأعلم انني.
لكنه اوقفني بإشارة من يده وقال:
- لا ترهقي نفسك بتهديدي فأنا لست هنا لهذا.

رمقته بنظرة نارية وكدت اجيب حين رن الهاتف مرة اخرى. نظرت الى المتصل لأجد انه بيتر فأسرعت اجيب وانا اقول:
- بيتر، هل من جديد؟
بصوت مهموم رد:
- لقد وقعت حادثة على الطريق.
شعرت بصوتي يهتز وانا اقول:
- ارجوك اخبرني ان هنري لم يكن بها
- اسف يا جوزيفين. انه في مستشفى (، ). هو الأن في غرفة العمليات. نحن ذاهب.
اغلقت الخط دون ان اسمع الباقي وانا اهرع نحو كارل صائحة:
- كارل هل معك سيارة؟
اومأ وقد فهم ما حدث فقال:.

- الى اين؟
قلت وانا اتبعه الى خارج المقهى:
- الى مستشفى (، )
اشار الى سيارته. فتبعته وركبت ولم تمض ثوان إلا وقد إنطلقت اطارات السيارة تنهب الطريق نهبا. حتى وصلنا الى المشفى. لم انتظر ان تتوقف السيارة بل فتحت الباب وخرجت اعدو ومن خلفي صوت كارل يصيح بشيء ما لم اتبينه. عدوت داخل المشفى ثم الى موظفة الإستقبال صارخة:
- هنري بلاكوود. كان في حادثة و.
رأيت الإدراك في عينيها فتوقفت قبل ان اصيح:
- اين هو؟!

فكانت إجابتها بكل برود:
- من انت؟
صحت في عصبية:
- انه موظفي. سائقي.
وطبعا لم تصدق. وقفت في مكاني كالبلهاء عاجزة عن فعل اي شيء وانا افكر ربما الدخول بالعنف هو الحل الوحيد. لكني قررت ان احاول مرة اخيرة:
- اسمعي يا هذه إن لم تدخليني الأن.
قاطعتني بهدوء:
- كلمة اخرى واستدعي الأمن.
تلون وجهي في غضب وكدت ارفع يدي لولا ان اوقفني كارل قائلا:
- إهدأي قليلا ستتسببين في مشكلة.
ثم نظر الى موظفة الإستقبال:.

- هذه جوزيفين الدن. وقد وصلنا للتو ان سائقها في غرفة العمليات.
كنت قد اخرجت بطاقتي ورفعتها امام عينيها لترى فتنهدت وقالت بلامبالاة:
- هو في غرفة العمليات رقم 4 في الطابق الثالث. مع العلم سيتم منعكما من الدخول
فتحت فمي لأرد فجذبني كارل من يدي وهو يقول:
- ليس الأن
تبعته وانا اتمتم:
- هذه الموظفة لن تكون في مكانها غدا. سأحرص على هذا!

جلست امام غرفة العمليات في وجوم وانا ارمق الفراغ حتى وصل اخوتي بما فيهم سيتو. لم اكترث ان اسأله اين كان؟ او لماذا لم يجب اتصالي؟ كل هذا غير مهم الأن. فمما فهمت من الأطباء انه قد لا ينجو. وسنه لا يساعد. الموقف يتكرر من جديد مثلما حدث مع عمتي كريستل لكن هذه المرة حقيقة لا تحتمل التلفيق.
اخيرا خرج احد الأطباء فقفزت من مكاني وفي ثوان كنت امامه فقال:
- لقد فعلنا ما بوسعنا لكن.

وتوقف عن الكلام. حقا؟ يتوقف الأن. قلت محاولة الا اصرخ:
- ولكن ماذا؟
- سننتظر الليلة وعليه سنرى.
يمكنني ان اسمعها دون ان يقولها. إن كان سيعيش ام لا. فصمت حين سمعت سيتو يقول من خلفي:
- هل استيقظ اذن؟
هز رأسه نافيا فقلت انا:
- متى سيستيقظ؟
- خلال ساعتين سيزول تأثير المخدر وسيستيقظ إن لم يجد جديد. وحتى إن إستيقظ قد يكون في حالة تسمح بالزيارة
امسكت معصم سيتو ونظرت اليه بترجي فصمت للحظة ثم قال:
- سننتظر.

شعرت بالإمتنان لكني لم اجد طريقة للتعبير عنه او الوقت. لذا تركت معصمه واومأت برأسي ثم تركته وعدت الى مجلسي شاردة الذهن. من بعيد يمكنني سماع بيتر يحاول تهدأتي وامامي وقف كارل الذي نسيت كل شيء عنه يتحدث الى دريك. لكني لا أأبه لكل هذا. تفكيري مرتكز على هنري.
مرت ساعتين إلا ربع عندما خرج احد الأطباء قائلا فجأة:
- اين جوزيفين؟
رفعت رأسي الى الطبيب في تساؤل فقال:
- إنه يريدك.
- استيقظ!

هببت من مقعدي وفي خطوات سريعة كنت امام الباب فقال الطبيب قبل ان ادخل:
- خذي حذرك في اي شيء تقولين فحالته خطرة جدا واقل شيء قد يؤثر على قلبه. لم نكن ننوي بجعلك تدخلين قبل استقرار حالته لكنه يصر على رؤيتك.
- حسنا.

ثم دخلت لأرى جسد هنري النحيل على الفراش لا يكاد يرى، يخرج من جسده العديد من الخراطيم المتصلة بعدد من الأجهزة حوله. يمكنني سماع صوت جهاز رسم القلب يصدر صوتا متقطعا ضعيفا. اخذت نفسا عميقا وانا اتقدم نحو الفراش حتى وقفت عند رأسه وهمست واضعتا يدي على كفه:
- هنري؟ انا هنا.
فتح عينيه بصعوبة واضحة وبصوت مرتجف متقطع قال:
- جو. زيفين. انه. لايزال هنا.
عقدت حاجباي في حيرة:
- من؟
- انه. أت لأجلك. انت.

ثم إتسعت عيناه فجأة واكمل:
- يجب ان. تهربي.
هتفت في عدم فهم وارتباك:
- من ماذا؟ عما تتحدث يا هنري؟
لكنه جذب يدي فجأة هاتفا بصوت مبحوح:
- اهربي. اهربي!
عندها توقف صوت جهاز رسم القلب تماما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة