قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث عشر

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث عشر

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث عشر

نظرت الى يوجين وعقلي يحاول ان يفهم ما يقول. ان يستوعب ان احدهم يكرهني الى هذه الدرجة. لكن ما قاله منطقي بل هو التفسير الوحيد حتى الأن لذا تنهدت وقلت وانا اهندم نفسي وامسك بحقيبتي مشيرة الى النادل وانا اقول:
- انا يجب ان اذهب. احتاج الى بعض الهدوء لإستيعاب ما اخبرتني به. شكرا لك على كل حال.
كدت اعتدل لكن يوجين استوقفني قائلا:
- قبل ان تذهبي خذي هذة.

دس بيدي ورقة مكتوب بها رقم هاتف خلوي، نظرت له في تساؤل فأجاب:
- لقد غيرت رقمي بعد ان تواصل معي مجددا لذا استخدمي هذا فما احتفظت بالقديم إلا لظني انه ربما قد تتصلين. لكني تخلصت منه اليوم.
هززت رأسي وتمتمت:
- جيد.

وضعت الحساب داخل الفاتورة في نفس اللحظة التي ظهر فيها النادل معلنتا اني انتهيت ثم اومأت ليوجين وخرجت من المقهى على عجل خاصتا واني لا اريد ان يتأخر الوقت اكثر من ذلك وانا خارج المنزل فبعد ما اخبرني به يوجين فيجب ان اتعامل بحذر شديد مع القادم.

استيقظت من النوم فزعة على صوت منبهي رغم ان اليوم إجازة فأغلقته وانا اضع يدي على صدري واتنفس بصعوبة. المزيد من الكوابيس. وبالأخص كابوس المدرسة الذي يلاحقني. لقد امضيت البارحة ليلة من اسوء ليال حياتي على الإطلاق. ليلة مليئة بالشك بالخوف والترقب والتساؤل وعدم الفهم فما قاله يوجين ليس بسيطا. لا ادري متى غلبني النوم البارحة لكنه لابد كان في وقت متأخر جدا رغم اهمية اليوم لكني لم استطع النوم لساعات. لو علم لوكاس لقتلني.

ارغمت نفسي على ترك فراشي رغم الإعياء الشديد الذي اشعر به وجررت نفسي جرا الى الحمام فلا يمكنني ان اتأخر اليوم. فاليوم للأسف هو اول ايام المسابقة. وبدايته مبشرة كما هو واضح.
حدقت في الهالات السوداء التي ظهرت تحت عيني. معلنتا للعالم اجمع اني لم انم جيدا وبالإرهاق الذي يسري في جسدي. لكن لابد ان اتحامل على نفسي اليوم.

استحممت ثم غيرت ملابسي وانا احاول ان انظر الى الإيجابيات فاليوم ايضا سيكون جين حاضرا المبارة. شقت الإبتسامة طريقها الى شفتاي وتنهدت قبل ان انظر الى الساعة فتتسع عيناي ولأهرول في كل صوب ملتقتة كل ما احتاجه ثم خرجت كالبرق من غرفتي عادية الى باب المنزل دون إفطار او شربة ماء لكني عازمة على الا اتأخر عن موعدي فلست على استعداد للوكس والمحاضرة التي سيلقيها على اسماعي بالتأكيد.

استوقفت اول سيارة اجرة مرت امامي وهتفت:
- الى الساحة الرياضية (، ) في منتصف المدينة ولتسرع، اريد ان اكون هناك في اقل من ربع ساعة
بمجرد ان رآني اندرو- رئيس النادي والذي كان بالمناسبة ينتظر امام بوابة الساحة- اشتعلت عيناه لكني نظرت الى ساعتي وقلت قبل ان يتفوه بحرف:
- انها التاسعة بالضبط انا لم اتأخر
اجاب وهو يشير إلى لأتبعه الى داخل احدى المباني:
- والمبارة الأولى تبدأ في التاسعة والنصف وانا اخبرتك.

لوحت بيدي في لامبالاة وقلت:
- اجل. اجل. انت تقول الكثير من الأمور. ثم هل نحن اول مبارة؟
بغيظ اجاب:
- لا نحن في اللتي تليها.
- العاشرة والنصف اذن. مما يعني اني قد اتيت مبكرا
لم يرد على بل تجاهلني تماما حين فقد الأمل في الوصول معي الى نتيجة.

تبعته حتى وصلنا الى الساحة التي ستقام فيها المسابقة والتي كان ينتظرني فيها لوكس مع باقي افراد النادي. الغريب انني عندما وصلت اليهم لم يتفوه احد ببنت شفاة. ربما ليس افراد النادي فقد كانو يتحدثون فيما بينهم لكن ليس لي والأغرب هو لوكس الذي لم يقل شيئا عن وقت حضوري ولم يلقي محاضرة بعد. هل فقد الأمل؟

جلست في صمت منتظرة بدأ المبارة الأولى مع باقي الفريق والمشاهدين. لم يمض الكثير من الوقت على بدايتها. حاولت التركيز قدر المستطاع لكني حقا اردت ان انام لذا انحصر تركيزي مع الوقت في ابقاء عيناي مفتوحتين. خاصتا وان المبارة كانت مملة.

وضعت يدي على رأسي في محاولة مني لإبقائها في مكانها. لكني كنت متعبة. متعبة جدا. انتفضت فجأة على صوت التشجيع ونظرت حولى في ارتباك. لأدرك ان المبارة قد انتهت! هل يعني هذا اني قد نمت؟! لا، لا. انا اجلس بجوار لوكس مباشرة. لو انه لاحظ لقتلني في مجلسي.

نظرت اليه لكن تركيزه كان منصبا على الحلبة فتنفست الصعداء. لم اكد استعيد إدراكي حتى رأيت اغلب افراد النادي يتركون المكان الى اين لا ادري. اخذ الأمر بعض الوقت انهم ذاهبون للإستراحة لتناول بعض المشروبات فإعتدلت في مجلسي ونظرت الى ساعتي لأجدها العاشرة. رائع اتمنى فقط الا يكون احد قد لاحظ اني غفوت وبرغم ذلك إلا اني اشعر بالإرهاق اكثر من ذي قبل. والصداع يكاد يمزق صدغي. رفعت يدي الى جبهتي ثم انتفضت مجددا حين سمعت لوكس يقول:.

- اتمنى ان تكون غفوتك قد افادتك
التفت اليه بحركة حادة وانا اتذكر انه بجواري مما زاد صداعي في الواقع. رمقني رافعا احد حاجبيه وقد تجلى عدم الرضا على وجهه في ابهى صوره فقلت متظاهرة بالهدوء:
- إذن فقد لاحظت.
صمت برهة ثم قال وانا اشعر بالغضب خفيا تحت طيات كلماته:
- ما الذي يعنيه هذا يا جوزيفين؟
نظرت له في تساؤل دون ان اجيب فقال:.

- اليوم اول ايام المسابقة وانت هنا متأخرة ومرهقة وفوق كل ذلك لم تنامي ليلة امس كما هو واضح. فما الذي يعنيه هذا؟ اهو استخفاف بالمسابقة؟ بالنادي مثلا؟ ام بي انا؟
اجبت ببرود:
- انا لست بهذه التفاهة.
سأل بصبر جعلنى اتعجب:
- ماذا اذن؟
صمت ولم اجب. فبماذا اخبره؟ لحسن حظي كان اغلب افراد النادي قد عادوا وقد بدأت الإستعدادات للمبارة الثانية لذا انتهزت الفرصة لأستعد انا ايضا متفاديتا الحديث الى لوكس.

تجاهلت لوكس تماما خلال استعدادي وحتى صعدت الى الحلبة وانا اتأكد من وضع قفاذاتي قبل ان اتوقف في منتصف جهتي من الحلبة ومن الجهة الأخرى شاهدت خصمي يتخذ وضعية استعداد امامي وقد تعالت اصوات الجماهير حتى كادت تصمني.

نظرت الى الفتاة التي بدورها حدقت بي محاولة تقيمي كما افعل انا الأن. من حسن حظي انها فتاة فهذا يعني - في اغلب الأحيان- ان هزيمتها ستكون اسهل من إن كان فتى. فهذه المسابقة مختلطة وهذا في رأيي غباء في التنظيم.

اخذت نفسا عميقا في انتظار الحكم إعلان بدأ المبارة محاولة التركيز في ما يحدث الأن بدلا من التفكير فيما قاله لي يوجين. لكن حتى بدون ذلك فالإجهاد الذي اشعر به جعل التركيز امرا مستحيلا. إذ وجدت عيناي تبحثان وسط الجماهير عن جين لكن مع هذه الإضاءة الخافتة لم يكن من الممكن تمييز اي وجهه. حتى اصطدمت عيناي بشخص يرتدي ملابس سوداء ويستند الى باب الصالة ولبعده عن الجمهور والحلبة استطعت رؤيته لم استطع رؤية وجهه لكن وقفته واتجاه رأسه الذي كان موجه نحو ركن اخر من الصالة وليس الحلبة بأي حال. بدا مريبا جدا. من هذا؟

اجبرت نفسي الى النظر الى الفتاة مرة اخرى بتركيز هذه المرة. متوسطة الجسد. جيد هذا يعني انها لا تتفوق على جسديا لكنه ايضا لا يعني انها قد لا تكون قوية. اطول مني وهذا قد يسبب مشكلة. ما لم اعلمه ان هذه المبارة ستكون قصيرة جدا. بسبب حماقتي في الواقع وإنعدام تركيزي.
- ابدأوا.

صاح بها الحكم فإنطلقت الفتاة نحوي موجهتا قبضتها نحو وجهي بكل عزم وقوة مما جعلني اتعجب فنادرا ما يهاجم احدهم مباشرة. تفاديتها بسهولة لكن قبضتها الأخرى كادت تصطدم مع وجهي مما جعلني اتراجع الى الخلف خارجتا عن نطاق قبضاتها تماما. وهذا اعطاها فرصة لركلي او على الأقل محاولة ركلي. فقد تراجعت مجددا بحركة حادة كادت تسقطني ارضا لكني إرتكزت على قبضتي وقفزت واقفة. هذا احد اهم ما يجعلني اتفوق على غيري. هي المرونة التي إكتسبتها لطول فترة تدريبي ولإني لم اتدرب على اسلوب قتارة واحد او حتى رياضة واحدة. خلال قفزتي تلك وقعت عيني على شخص وسط الجمهور. شاهدت الرجل المريب يغادر الصالة. ماذا كان يريد؟ نظرت الى حيث كان ينظر لأجدني رغم الظلام امام جين!

عقدت حاجباي وانا التف مبتعدة عن الفتاة حتى انعكست اماكننا الإبتدائية. فإبتسمت الفتاة في سخرية وهي تنطلق نحوي عازمة هذه المرة على إنهائي اوهكذا تظن. هي تعتمد على سرعتها وهي في الواقع بطيئة. بطيئة جدا بالنسبة لي. لكن ذهني كان منشغل بالرجل وبجين. هل يمكن ان هناك علاقة ما؟

انقضت عليا الفتاة وهذه المرة لم اتفادها بل صددتها بساعدي ليس لأني لم ارد بل لأني لم املك الوقت للتراجع بسبب تشتت ذهني. هذا يكفي انا لا استطيع التركيز واشعر بالإعياء. كورت قبضتي وفي لحظة كلت لها لكمة التقت بصدغها دفعتها للخلف دون ان تسقطها لكنها افقدتها توازنها فقبضت بسهولة على رأسها. وبكل قوتي جذبتها لأسفل في نفس اللحظة التي رفعت فيها ركبتي لأعلى لتلتقي بوجهها في دوي بشع قبل ان يهمد جسدها تماما. بطرف عيني رأيت الحكم يهرول نحونا مبعدا اياي عن جسد الفتاة الذي انهار على الأرض وقد سال الدم من انفها.

عندها جذب انتباهي صمت الجماهير لثوان وهم يحدقون الى الجسد الملقى على ارض الحلبة فاقدا الوعي قبل ان يعلوا صوت التشجيع كما لم يكن من قبل. والحكم يعلن فوزي بالمبارة بينما انا ارمق جسد الفتاة في شيء من الندم. لم يكن هناك داع لهذا العنف. لقد اردت ان انتهي سريعا لكن. تنهدت ما حدث قد حدث.

ووسط اصوات الجماهير التي ظلت ترتفع اسرعت مغادرة الحلبة ليقابلني وجه لوكس الغاضب وله كل الحق فقد امضيت الدقائق الأولى في التفادي وعدم الإنتباه ثم تلك الكمة الأخيرة التي صدتها بعد ان اعطيت للفتاة الفرصة الممتازة لتكيلها لي من الأساس. بالتأكيد هو قد رأى هذا بوضوح لذا قررت ان اتخطيه لكنه قبض على يدي وقال بخفوت:
- ماذا كان هذا؟!
لكني حقا لم اكن اريد ان اجادله الأن لذا قلت:
- غدا.

ثم رأيت جين يتجه نحوي فأفلت يد لوكس مسرعة الخطى نحو جين.
- اذن ماذا كان هذا؟
سألني جين وهو يسير معي الى منزلي فزفرت بضيقوملل وانا اقول:
- ليس انت ايضا
شعرت بالإبتسامة على شفتيه وهو يقول:
- هل تظنين بعدما رأيت اني لن اسأل؟
تابع بخفوت:
- ثم هل نسيتي انها مسابقة محلية وليست.
قاطعته قائلة:
- لقد تماديت اعلم هذا. لكني اردت ان انتهي بسرعة وقد رأيت فرصة فإغتنمتها.
هز رأسه في عدم رضا وقال:.

- انت تعلمين ان هذا سيظهر على التلفاز لا محاله خاصتا وان وجود اسمك في هذه المسابقة مع مساعدت عائلتك في تمويلها سيجعل الإعلام.
توقفت في ذهول والتفت اليه وانا اقول:
- تمويل ماذا؟!
رفع احد حاجبيه في تعجب:
- ألا تعلمين ما يدار بمالك؟
اجبت بإستنكار:
- بالتأكيد لا، انا لا اهتم طالما كل شيء على ما يرام. سيتو يدير كل شيء!
تابع سيره وهو يقول:.

- لقد تبرعت عائلتك بمبلغ لا بأس به لتقام هذه المسابقة وهو امر طبيعي جدا خاصتا ان المباريات تعقد هنا وليس في العاصمة. مما يعني المزيد من الصحافة على حدث صغير جدا ومحلي كذلك ومع مبارة اليوم فلابد اننا سنجد هذا الخبر على قناة ما.
وضعت يدي على صدغي كناية عن الصداع وانا اقول في سخرية:
- جميل جدا.
قهقة جين مستمتعا بمعاناتي كما هو واضح قبل ان يعاود السؤال:
- الن تخبريني ما حدث خلال الحلبة؟
اجبت مستسلمة:.

- ليس بالامر الجلل لقد كنت مرهقة جدا واشعر بإعياء شديد غالبا لأني لم استطع النوم البارحة. وقبل ان تسأل. فالإجابة هي الكوابيس. كوابيس عن المدرسة عن. انت تعلم.
شعرت بيده تربت على ظهري وهو يقول:
- لقد انتهى كل هذا، وانت بخير الأن.
- احيانا اتسأل حقا إن كل شيء قد إنتهى كما تظن.
رأيت الأسئلة في عينيه قبل ان ينطقها لذا تجنبتها محولة الموضوع الى شيء اخر تماما:.

- جين لقد رأيت اليوم امرا غريبا. ربما كان لا شيء لكني رأيت رجل مريبا في الصالة اليوم.
- ماذا تعنين؟
مددت يدي ازيح بها شعري عن عيني لأرى الطريق بوضوح وانا اقول:.

- رجل يرتدي ملابس سوداء لكن ما جذب انتباهي انه كان يقف في ركن الصالة بعيدا عن كل شيء. وقفته لم تكن عادية بل هي اقرب الى الوقفات العسكرية المتوترة وكان يرمق المكان حوله في ريبة. قد اكون قد اصبت بالبارنويا. لكني ظننت للحظة انه يبحث وسط الحشود عن شيء ما او شخص ما فهو لم ينظر الى الحلبة نفسها. وخلال المبارة نفسها اظن اني قد رأيته ينظر اليك انت.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة