قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل التاسع

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل التاسع

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل التاسع

راقبته في صمت وهو يصعد الى غرفته دون ان يلتفت نحوي. هذا لم يكن ليحدث من قبل. سيتو كان اول من يتابع الأرصاد. كان هو من ينبهنا بينما الأن. الأن يتعامل معي كأني هواء. شعرت بضيق ممتزج بالغضب والحزن. ودون وعي مني ضغطت على اسناني بقوة حتى آلامني فكي. اهدأئي يا جوزيفين. انت تبالغين والأمر ابسط من هذا، سيتو حقا مشغول فهو الأن يدير الشركة الرئيسية وليس فرع فقط. وانا لا يمكن ان اشعر بالضيق لهذا الأمر التافه. ثم تلك المشاعر ما هي إلا سخيفة وتافه هناك ما هو اهم من هذا في الحياة. سأخبره غدا صباحا. هكذا تنهدت وعدت الى غرفة المعيشة في انتظار بيتر او دريك. لكن عندما دقت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ادركت ان كلاهما لابد سيتأخر او ربما يتغيبان هذه الليلة. فقررت العودة الى غرفتي والنوم.

استيقظت في الصباح التالي على صوت منبهي وهذا. غريب. عادتا ما يقوم دريك بإيقاظي قبل ان يرن منبهي متعمدا فهي إحدى متع حياته. الم يعد امس؟ تثائبت وانا انظر الى النافذة لأري السماء ملبدة بالغيوم. بداية مبشرة لليوم!

اعتدلت مبتعدة عن الفراش. ثم هبطت السلالم فلم الحظ إلا الهدوء التام. حينها تسلل الخوف الى قلبي. لا يمكن ان اكون وحدي في المنزل! اتجهت الى غرفة بيتر ودريك وانا انادي لكن لم يجبني احد وحين تفقدت الغرف اكتشفت عدم وجودهما. حينها اسرعت الى غرفة سيتو. ترددت لحظة قبل ان اطرق الباب. لكني طرقته على اي حال فلم يرد على احد فقلت:
- سيتو؟ أأنت بالداخل؟
لكن الجواب الذي اتاني كان من خلفي:.

- جوزيفين؟ ماذا تفعلين هنا؟
التفت خلفي في لهفة وانا اقول بدهشة:
- بيتر؟ انت هنا؟ لقد ظننت.
تثائب وهو يقول:
- لقد كنت في الحمام. ثم إن كنت تبحثين عن سيتو فقد غادر منذ ساعة.
- ماذا! لكنها الثامنة!
- قال ان لديه اجتماع مهم قد يأخذ اليوم بأكمله. لم انت قلقة هكذا؟
اتسعت عيناي في صدمة. في اجتماع! وقلت:
- هناك عاصفة رعدية اليوم!
طار النوم من عينيه الناعستين وقال هاتفا:.

- ماذا؟ لماذا لم تخبرينا بهذا البارحة!
قلت بغيظ:
- هذا لإن لا انت او دريك كنت موجودا
- ماذا عن سيتو؟
صمت برهة قبل ان اقول:
- لقد حاولت اخباره لكنه. لكنه كان مشغولا
تنهدت بيتر ثم هدأ قليلا وقال:
- حسنا لنرتب امورنا اولا. انت لن تذهبي الى المدرسة اليوم لذا سأتصل اعلمهم بهذا. ثم نحاول الوصول الى سيتو.
اومأت رأسي ببطء وتبعته في صمت الى حجرته ليحضر هاتفه وعندما استدار نحوي قال:.

- لا تقلقي إن الأرصادغير دقيقة اغلب الوقت.
- اتمنى.
ثم حاولت التفكير في شيء اخر فقلت:
- اين دريك؟ الم يعد ليلة امس؟
اجاب وهو يعبث بهاتفه:
- لا لم يعد. يبدو انه قد بات ليلته لدى احد اصدقائه.
قلت في ريبة:
- انه يتصرف بغرابة هذه الأيام.
- في هذا انتي محقة. الو.
قاطع حديثنا ليجيب إدراة المدرسة على الخط ليخبرهم بغيابي. ثم ما حدث بعد ذلك كانت محاولاتنا الفاشلة للوصول الى سيتو. حتى اخير قرر بيتر:.

- ربما من الأفضل لو ذهبت انا الى الشركة.
عندها صحت في ذعر:
- هل تمزح؟ ستتركني هنا وحدي؟!
نظر لي بقلة حيلة وقال:
- سأتي سريعا وغالبا سيكون معي.
هتفت معترضة:
- لا! لا يا بيتر. انت لا يمكن ان تتركني هنا بمفردي، ماذا إن.
عقد حاجبيه وقال وهو يتجه نحو خزانة ملابسه:
- لكننا بحاجة الى سيتو وجودي هنا كعدمه إن كان هناك بالفعل عاصفة.

تملكني الذعر فجأة فقد ادركت انه جاد. لا هو لا يمكن ان يتركني هنا وحدي. امسكت ملابسه وجذبته منها وانا اصيح:
- لا. لا يا بيتر. انا لن استطيع تحمل فكرة البقاء هنا وحدي. سأجن. ارجوك لا تتركني. انا حقا لا استطيع.
توقف في مكانه لحظة ثم قال:
- ان سيتو لا يجيب يا جوزيفين ماذا ستفعلين إن لم يكن هنا؟

لكني ايضا لا استطيع المكوث هنا وحدي. في هذا المنزل. لمنزل الذي قتلت فيه اجنس. تذكرت الجثة الملقاة ارضا والدم يسيل حولها صابغا الأرض باللون الأحمر. لا انا لن اتحمل:
- ارجوك يا بيتر. لقد بدأت تمطر بالفعل
نظر الى النافذة لبرهة في صمت ثم اخيرا قال:
- حسنا. سأحاول الإتصال بدريك ليجلب سيتو ولنأمل ان هذا الأخير في مكان قريب من هنا.

لسبب ما لم استرح. شيء ليس على ما يرام يمكنني الشعور بهذا. اشعر بقلبي يرتجف بين ضلوعي قبل حتى ان يحدث اي شيء.

(( رمق دريك صديقه نايثن للمرة الألف ليتأكد ان ذلك الأخير يتنفس وهو يحمله حملا خارج الغابة مبتعدين عن دائرة النار. وبحذر تلفت حوله قبل ان يفتح سيارته ليضع جسد صديقه على المقعد الخلفي وذلك الأخير يهمهم بكلمات غير مفهومة. لو ان احدا رأه الأن لكانت فضيحة. عليه ان يكون حذرا. فاليوم. اليوم بالذات كاد ان يستنشق ذلك المسحوق اللعين. لكنه استطاع اخراج نفسه وصديقه من هناك وهو لهذا شاكر.

اسرع الى المقعد الأمامي ممسكا بالمقود ومتعجلا انطلق بالسيارة مبتعدا عن ذلك المكان المقيت. فلو ان احدهم علم انه وطئ ذلك المكان لكانت كارثة. ومن خلال مرآة السيارة القى نظرة سريعة على صديقة فوجده يحدق في السقف بعينين زائغتين لا تريان شيئا وهو يتمتم بأشياء غير مفهومة ويضحك بين الحين والحين. لقد كاد الأحمق ان يموت منذ قليل من جرعة زائده لولا وجود دريك. لاحظ دريك بقايا من مسحوق ازرق فوق فمه فزمجر في غضب. ذلك الغبي سيقتل نفسه. وهو لم يعد قادرا على منعه من الذهاب الى دائرة النار.

كيف وصل بهم الأمر الى هذا؟ تنهد وعاد ببصره الى الطريق ليدرك انها تمطر. يبدو انه سيكون يوما شاقا من جميع النواحي.

رن هاتفه فجأة فالتفت اليه وعندما مد يده يلتقطه سمع صوت بوق سيارة مقابلة يرتفع بغتة فرفع رأسه الى الطريق امامه في سرعة وهو يحرك المقود بحركة حادة. بالكاد متفاديا الموت. عليه ان يركز. لكن ما رأه منذ قليل كاد يفقده وعيه. جعله مشتتا. تذكر هاتفه فنظر الى المتصل ليجده بيتر فتجاهله. فهو ليس متفرغا لأي حديث الأن خاصتا انه بات ليلته خارج المنزل. )).

بيد ترتجف كالورقة تشبثت بقميص بيتر والدموع تتساقط من عيني على كتفه. سمعت صوته يقول في عصبية وهو يضغط على شاشة هاتفه في عنف:
- لماذا لا يجيب. ذلك المغفل!
ثم حين فقد الأمل في ان يجيبه دريك القى بهاتفه. وقال مربتا على ظهري:
- اهدأي يا جوزيفين. اهدأي ارجوكي.

لكم وددت ان افعل لكني لا استطيع. لا استطيع. بالكاد افقه ما يقول. عندها التمع البرق في السماء منيرا الفضاء. فإرتجف جسدي بعنف للقادم وهمست وانا اعتصر ملابس بيتر:
- لا. لا. لا. هذا يكفي. يكفي.
لا يمكنني تذكر المزيد. الجثث. الدماء. من ماتوا، من قتلوا. انا السبب. انا من كان يجب ان اموت. لا. لا. لماذا انا. لماذا؟

صرخت في رعب حين اهتز المكان بهزيم الرعد. ومعه اهتز بدني كأن مس قد اصابه. ومن بعيد اسمع صوت بيتر يقول:
- لا بأس. لا بأس يا جوزيفين. انت بخير. انت هنا معي. ركزي معي ارجوكي. لا تفكري في الماضي.
لكن هيهات. توالت الصور امام عيني كأنها تحدث الأن. لا. لا. كل هذا قد انتهى. هذا ماض.

فجأة اختفى كل شيء من حولي سوى صوت الرعد الذي تردد في اذني فصرخت وانا اتراجع للخلف لأجدني على ارض المطبخ. المطبخ القديم. الذي على ارضه قتلت اجنس. وببطء وذعر رفعت عيناي الى حيث كان جسدها ملقى على الأرض لأجده يحدق بي بعينين جاحظتين فشهقت في فزع وانا اهز رأسي في عدم تصديق. هذا ليس حقيقي. هذا لا يمكن ان يكون حقيقة. لكن تلك العينين الزجاجيتين تحركتا لتنظر لي ففغرت فاهي في عجز وقد احتبست الصرخات في حلقي قبل ان اسمع صوت امي يقول بوضوح:.

انت السبب
لا. لا انا لم اقتل احدا.
لكننا قتلنا بسببك انت
لا انا لم ارتكب ذنبا. انا لم افعل شيئا.
لو لم تولدي لكنت الأن حية
- لا. انا لم افعل شيئا. انا لم افعل شيئا. هذا ليس بحقيقة.
تساقطت الدموع من عيني في الم وخوف فرفعت يداي الى وجهي لأجدهما ملطختان بالدماء. فصرخت في رعب وانا احدق فيهما في هول. لو لم اولد.

((نظر بيتر الى جوزيفين في ذهول وقد تملكه الذعر حتى اعجزه عن فعل اي شيء وهي تصرخ كأنها فقدت صوابها وتتفوه بكلام وكأنها تخاطب احدهم. كان النظر مرعبا حتى انه هب واقفا في تحفز. ما الذي يحدث لها؟ صاح دون ان يشعر:
- جوزيفين؟ جوزيفين!

لكن تلك الأخيرة لم تجبه بل لم ترفع ناظريها اليه وكأنها لا تراه او تسمعه وهذا ما ارعبه اكثر. ما يحدث الأن مختلف. مختلف عن كل مرة. عليه ان يفعل شيئا. عليه ان يصل الى سيتو فهذا ليس طبيعي. في تلك اللحظة سمع صراخها من جديد فانتفض جسده وامسك هاتفه بكلتا يديه محالا الإتصال بسيتو حين رن هاتفه بإتصال من دريك فأجاب في لهفة هاتفا:
- دريك!

- اجل يا بيتر. اعلم انك قلق لكن حقا هل كان يجب ان تتصل لقرابة الثلاثين مرة.
قاطعه بيتر في صائحا:
- اين انت الأن؟
- ماذ.
- اجبني فقط اين انت؟
- انا في طريقي الى المنزل عند شارع (، )
رد بيتر في عجلة وتوتر ممتزج بالرعب:
- اذن انت قريب من الشركة، اجلب سيتو من هناك حالا. اخبره انها جوزيفين. انها ليست طبيعية يا دريك. يجب ان يأتي الأن.
تردد طوت بيتر قبل ان يسأل وقد استشعر الخوف في صوت اخيه:.

- اليس المعتاد ثم كيف لم يعلم سيتو بهذا؟
- ليس الأن اسرع ارجوك فأنا لا ادري ماذا افعل. انا. انا خائف يا ديرك جوزيفين لا تسمعني ولا تراني. انها ليست على ما يرام. فقط أأت بسيتو فقد نحتاج الى طبيب.
- ماذا؟ حسنا انا في طريقي اعطني نصف ساعة وسنكون عندك
ثم انقطع الإتصال بينما حدق بيتر في شقيقته في عجز وهول مما يحدث. )).

لم اعي لشيء حولي وانا اصرخ محدقة في يداي حتى شعرت بيدان قويتان تلتفان حولي وصوت سيتو يتردد في ذهني قائلا:
- جوزيفين؟ هل تسمعينني؟
ببطء رفعت رأسي الى مصدر الصوت لأرى سيتو يجلس امامي وهو ينظر لي في قلق. نظرت حولي فوجدت نفسي في غرفة المعيشة كما كنت مع بيتر قبل ان يبدأ كل هذا. نظرت الى يداي لأراهما نظيفتان. فأخذت نفسا مرتجفا ثم عدت ببصري الى وجه سيتو حين قال:
- إذا كنت تسمعينني فأجيبيني؟

قاطعه بيتر وهو يتحرك بعصبية وتوتر:
- إنها هكذا منذ ما يقرب من نصف ساعة. انها لا ترانا يا سيتو. والرعد قد توقف بعد مجيئك بثوان
فالتفت اليه سيتو وقال بنفاذ صبر:
- إهدأ يا بيتر. هل انا هنا لتهدأتك انت اما لها؟
عندها امسكت بكم قميصه وبصوت مبحوح قلت:
- س. سيتو؟
ثم القيت بنفسي بين راعيه وانا انهار باكية. مرت لحظة قبل ان اشعر بيده تربت على ظهري وهو يقول بهدوء:.

- اجل يا جوزيفين، انا هنا. لقد انتهت العاصفة. لقد انتهت منذ فترة.
اخيرا استطعت التركيز في الموجودات من حولي فابتلعت لعابي بصعوبة وبيد مرتجفة مسحت دموعي وانا ابتعد عن سيتو وأومأت برأسي فتركني فقال دريك الذي ظل صامتا:
- هل انت بخير الأن؟
- أ. أجل.
- إذن ما الذي حدث؟
هززت رأسي وقلت:
- لا ادري. انا لم اتذكر فقط موت أم. اجنس. بل شعرت اني كنت هناك من جديد. كأني قد عدت لتلك اللحظة مرة اخرى. كل شيء بدا حقيقي.

جلس بيتر بجواري وضمني اليه وهو يقول:
- مادمت بخير الأن فكل شيء سيكون على مايرام. لقد كدت اصاب بسكتة قلبية
وبطرف عيني لاحظت قيم سيتو وابتعاده عنا في صمت فقال بيتر:
- لابد انك مرهقة لندعك تحصولين على قسط من الراحة
ثم قادني الى غرفتي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة