قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الأول

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الأول

رواية ما وراء الأكاذيب الجزء الثاني للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الأول

شهقت بقوة محاولة التقاط انفاسي لكني لم اتوقف عن العدو، المزيد والمزيد من الممرات، لا نهاية لها تمتد على مدى البصر، ارتجفت وانا انظر خلفي، لأرى انه مازال يلاحقني وانا لا ادري اين اذهب، هذه المتاهة لا نهاية لها، لكني لا استطيع التوقف، إن فعلت، إن فعلت..

عدوت ثم عدوت بكل ما امتلك من قوة وطاقة مدفوعة بخوف ورعب، لا يمكن ان تكون هذه هي النهاية، لا يمكن، حتى تعثرت وسقطت ارضا، تأوهت وحاولت الإعتدال بسرعة لكن جسدي ابى كأن هناك ما يثبتي الى الأرض، لا، لاااا، يجب ان اعتدل يجب ان افعل، بدأ ظله يرتسم على الجدران حولي ثم يكبر مع كل خطوة يتقدمها نحوي، وانا اصرخ دون انقطاع حتى رأيت الظل ينحني فوقي:
-لاااااا.

هببت من الفراش وانا اصرخ واشهق في رعب، نظرت حولي في ذعر، انا في غرفتي، ذلك الكابوس اللعين يأبى ان يتركني، نظرت الى صدري يعلو ويهبط بسرعة ويدي المرتجفة على الفراش، اهدأي يا جوزيفين، اهدأي، مددت يدا مرتجفةً امسح بها حبات العرق التي تكونت على جبيني، ثم تنهدت وانا اترك الفراش عاجزة عن الرجوع الى النوم..

هبطت السلالم ثم اتجهت الى المطبخ، دخلته ثم فتحت باب الثلاجة مستخرجتا زجاجة كدت اوقعها ارضا حين سمعت صوتا صادرا من الفناء الخلفي فوضعت الزجاجة على طاولة المطبخ واتجهت الى النافذة لأرى ما هنالك لأصاب بالدهشة، فالواقف وسط ظلام الليل، يتحدث الى هاتفه في عصبية واضحة لم يكن إلا سيتو، وهذا غريب فمن المستحيل ان يكون الإتصال خاصا بالعمل وانا لا اظن ان سيتو يملك اصدقاء-شخصيته لا تسمح بذلك-، ثم لماذا يتحدث خارج المنزل؟، كان صوته خفيضا جدا لذا لم استطع تميز ما يقول حين هتف فجأة ودون سابق إنذار..

-انا لا استطيع ان افعل هذا!
ما الذي يتحدث عنه بالضبط؟ ولما هو غاضب الى هذه الدرجة؟، لكنه انهى مكالمته ثم قذف بالهاتف ارضا قبل ان يسير في الإتجاه المعاكس للمنزل..
حدقت انا في دهشة مما حدث للتو لكن على اي حال هذه ليست مشكلتي، يجب ان اُحاول النوم ولو قليلا فغدا هو اول يوم في العام الدراسي وهذه الإجازة لم تكن ممتعة كما ظننت انها قد تكون..
*** *** ***.

هبطت السلالم وانا اتثائب لأجد دريك عند طرف السلم يبتسم ببلاهة الى هاتفه، ولم يشعر بإقترابي نهائيا، الأحمق، رفعت يدي ثم هبطت بها على قفاه ثم انطلقت اعدو وانا اضحك بينما تعالى صوته وهو يسب ويلعن..

اختنقت ضحكاتي في حلقي حين كدت اصطدم بسيتو وانا في طريقي الى الباب والذي رمقني بنظرة نارية قبل ان يخرج، فعقدت حاجباي في ضيق، لقد تصورت انه بعد كل ما حدث خلال السنة الماضية، ان علاقتنا ستتحسن وهذا بالفعل ما حدث لشهر تقريبا قبل ان يتغير فجأة، دون سبب، في البداية ظننت انه ربما اغضبته بشيء ما لكني مع الوقت ادركت انه عاد لمعاملته السابقة لي، بل ما هو اسوء في بعض الأحيان يتعامل معي على انه لا وجود لي..

افقت من شرودي على الصفعة التي تلقيتها على قفاي فتأوهت في الم وانا استدير صارخة في غضب:
-دريك، كيف تجرؤ؟
اجاب بإبتسامة ساخرة:
-انت من بدأتِ
اجل عندما ظننت اني سأفلت بفعلتي لكن الأن هذا الألم ليس مضحكا على الإطلاق، فقال حين رأني اتحسس قفاي:
-ليس شيئا ظريفا اليس كذلك؟
-ايها ال..
قاطعنا صوت بيتر الذي خرج من المطبخ وهو يرتشف فنجان القهوة قائلا:
-جوزيفين، انتي مدركة انها الثامنة والنصف الأن اليس كذلك؟

اتسعت عيناي واسرعت نحو الباب ثم التفت الى دريك وقلت:
-انا لن انسى هذا.

ثم خرجت وانا اعدو الى السيارة التي ادار هنري محركها في انتظاري -اجل هنري قد عاد سائقي من جديد- وبمجرد ان اصبحت بداخلها انطلق بها هنري محيَا اياي فرددت التحية واسند ظهري الى الكرسي متأملتا المنظر الذي تطل عليه النافذة، اليوم بداية سنة جديد، جديد يا جوزيفين، ورغم ذلك لا يزال تأثير احداث -السنة- الماضية مخيما على روحي، كريها مؤلما بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والإجازة لم تكن افضل حالا فبعد ان تم القبض على عمتي كريستل، استطاع محاميها تخفيف الحكم الى السجن المؤبد، مما يعني انها حية تنعم، ثم بعد ذلك أتت إجراءت الإرث وتغيير اسمي، فقد اصبحت الأن انا الوريثة الوحيد لأبي، ثروة هائلة تُقدر بالمليارات تقع تحت اسمي الأن والتي لا اتحكم بشيء منها حتى ابلغ السن القانوني، لذا وكلت سيتو ليكون مسؤلا عن كل هذا ومديرا جديدا لمجموعة شركات الدن لتكنولوجيا وليصبح اسمي بعدها، جوزيفين براين فلادمير الدن بدلا من جوزيفين جون الدن، ثم جفاء سيتو تجاهي مما جعل ما تبقى من الإجازة جحيما..

شعرت بالسيارة تتوقف فعلمت اننا قد وصلنا الى المدرسة وحين خرجت من السيارة وخطوت اولى خطواتي الى المدرسة امتعض وجهي وانا اُحدث نفسي:
-ها قد عدتي مجددا الى المتاهة يا جوزيفين.
...
عندما رن الجرس مُعلنا انتهاء اليوم الدراسي قفزت من مكاني في لهفة عارمة للرحيل فهذا المكان لم يعد يُثير بداخلي سوى الخوف مما حدث داخلها، لذا تأبطت ذراع كاثرين وقلت:
-هيا بنا.

فابتسمت وهزت رأسها إيجابا واخذنا نسلك طريقنا الى خارج المدرسة وكاثرين تُخبرني بكل جديد قد وقعت أُذنها عليه اليوم واخيرا قالت:
-اتعلمين كم الشائعات التي انطلقت بين الطلاب منذ ما حدث بداخل المدرسة في نهاية السنة الماضية..
رفعت حاجباي مجيبة:
-يمكنني ان اتصور..

الوحيدة التي تعرف التفاصيل فعلا هي كاثرين اما باقي اهل هذه البلد يعرفون فقط ما حصلت عليه الصحف والقنوات التلفزيونيه، لقد اصبح السير في المدرسة بين الطلاب صعبا حقا لكن ولله الحمد شخصيتي العدائية قامت بواجبها بإبعاد اغلب الفضوليين، تابعت كاثرين:
-هناك الكثير من الشائعات ان اشباح من ماتوا تجوب المدرسة ليلا..
قلت بشيء من السخرية:.

-اوليست هذه الإشاعة تجوب المدرسة منذ سنين؟، لقد اخبرتني بها في بداية لعام الماضي على ما اظن؟، اين الإبتكار؟
وضعت يدها تربت على ظهري كمن يربت على طفل وقالت:
-تلك لم يكن يعلمها إلا الطلبة، اما ما اخبرك به الأن فهو ما يتداوله سكان البلدة بأسرها، بل ويدعي بعض الناس انهم يسمعون عويلا وصرخات عندما يمرون بجوار المدرسة ليلا..

ضيقت عيناي في ريبة، فرغم انها مجرد اشاعات فإن الشائعات عن هذه المدرسة بالذات لم تعد تبعث في نفسي سوى الوجوم والضيق لذا سألت في إنزعاج:
-من اين تسمعين هذه الشائعات بالضبط؟
قالت في بساطة:
-عزيزتي، انا احد اعضاء مجلس الطلبة لهذا العام ومن الطبيعي ان تصلني مثل تلك الأقاويل والشائعات لكن دعينا من هذا فأحدهم سيقابل جين الليلة
في حنق اجبت:
-انت لن تتركي هذا الموضوع ابد اليس كذلك؟

هزت رأسها ان لا فقلت في استسلام:
-حسنا، اجل سأقابله الليلة لقد انهى تحقيقه في إحدى القضايا امس وصار متفرغا، هل استرحتي الأن؟
اومأت وفتحت فاها لتعلق تعليقا لابد سخيف حين توقفت وعقدت حاجبيها ثم قالت:
-انتظريني دقيقة وسأعود حالا.

ثم اخذت تعدو نحو الصالة الرياضية وقبل ان اتسائل رأيت ظهر احد اعضاء نادي كرة السلة يرتدي تيشرت عليه رقم 7 يدخل الصالة وكاثرين تتبعه...؟، قاطع افكاري صوت مألوف فاستدرت في لهفة الى صاحبه لأرى ريتشارد يقف على بُعد مترين من مكاني يتحدث الى احدهم فأبتسمت وانا اخطو نحوه صائحة:
-ريتشارد!
التفت كلا الرجلان لي وبادلني ريتشارد الإبتسام وهو يقول:
-جوزيفين!، كيف حالك؟
اتسعت ابتسامتي وانا اُجيبه في سعادة لرؤيته:.

-بخير!، وانت؟
-انا بأحسن حال..
ثم صمت لحظة واستدار الى الرجل الواقف معه فالتفت اليه انا ايضا، بدا الرجل مألوفً جدا لسبب ما، الشعر المبعثر في كل إتجاة وتلك اللحية النامية والمنظار الطبي..!، هتفت في إدراك مشيرة الى الرجل:
-صديق ريتشارد!

الرجل الذي اعطاني الجواب الذي تركه لي ريتشارد حين اختفى، في ذلك المكان القذر، الأن اتذكر بوضوح من هو، نظرت اليه كمن يراه للمرة الأولى، بدا لي مرهقا عما اتذكر، بدا اكبر سنا، خاصتا وانا اراه بوضوح الأن وبتركيز يبدو لي في اواخر الأربعينيات اي اكبر بكثير مما ظننت في بدئ الأمر لكنه ابتسم على اية حال وقال:
-إن لدي اسم كما تعلمين.

انا لا اهتم حقا بالأسم، كنت على وشك ان اقولها لولا ان ريتشارد كان واقفا لذا قلت بسماجة:
-والذي هو..؟
ابتسم وقال بهدوء:
-وليام ماكريف
ثم مد يده نحوي مكملا:
-انه ليسعدني مقابلتك رسميا يا جوزيفين
لم ارد حقا ان امد يدي لكني فعلت على اية حال وقائلة في شيء من السخرية:
-عند هذه المرحلة ارى انني غنية عن التعريف
اتسعت ابتسامته لسبب ما وقال:.

-بعد كل ما حدث في هذه المدينة، لا يوجد من لا يدري من هي جوزيفين، هناك دائما عينا عليكي..
كاد ريتشارد يقول شيئا ما عندما لاحظ الهمهمات حولنا فالتفت ليرى الطلاب متجمعين حولنا كالذباب وهم ينظرون لي كأني معجزة القرن، لقد إعتدت هذا منذ ان تغير اسمي فقلت ساخرة:
-بل عيون
ضحك الرجل في لامبالاة غريبة فقال ريتشارد لي:
-ان كاثرين تنتظرك.

مشيرا الى كاثرين الواقفة على بُعد متر منا تقريبا فأومأت لها ولوحت بيدي الى ريتشارد متجاهلة صديقه واسرعت الى حيث كاثرين التي قالت ونحن نتابع سيرنا:
-لقد اصبح السير معك مشكلة
قلت في عبوس:
-صدقيني انا في حال اسوء
تحدثنا قليلا قبل ان نفترق امام البوابة قبل ان يُقلني هنري الى المنزل.
*** *** ***.

نظرت الى ساعتي في عصبية انها الثامنة والنصف الأن، لقد تأخر جين وهذا ليس من عادته، ثم إذا جاء متأخرا فلن نملك الكثير من الوقت، لقد اتصلت به اكثر من مرة لكنه لم يجب وهذا اكثر غرابة من تأخره، تنهدت وانا امسك هاتفي مرة اخرى لأتصل به عندما رن جرس المنزل فأسرعت الى الباب قبل الخادمة-التي سترحل بعد نصف ساعة- لأجد جين يقف امام الباب سليما معافى شعرت بالسعادة لكني قلت ببرود:.

-من الأفضل ان تعطيني سببا مقنعا لكل هذا التأخير وتجاهلك اتصالي!
هز رأسه يمينا ويسارا وهو يبتسم قائلا:
-الن ترحبي بي؟
-لا
قلتها له ثم اشرت للخادمة لتخبر اخوتي بذهابي وانا اُغلق الباب فقال جين متعجبا:
-هل انت متأكد ان سيتو سيوافق على خروجك في هذه الساعة؟
تجاهلت السؤال بسؤال وانا اسير نحوه:
-الن تخبرني لماذا تأخرت؟
غمغم في غيظ وهو يجذبني نحوه:
-على الأقل اظهري بعض السعادة لعودتي.

حاولت منع احمرار وجهي وانا بين ذراعيه متظاهرة بالضيق:
-لقد تأخرت ساعة كاملة..
ضحك بسخرية وهو يمد يداعب خصلات شعري:
-محاولتك للإخفاء فاشلة، إن وجهك في لون حبة الطماطم..
عقدت حاجباي في غضب حقيقي وانا اصده عني:
-هذا يكفي، اتركني
لكنه ضغط على يدي بقوة هامسا في اذني بجدية وحزم وهو ينظر الى نقطة ما خلفي:
-اتبعيني ولا تلتفتي خلفك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة