قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

تململت في ضيق تستشعر وجعا بمنطقة ما بجسدها، حاولت الاعتدال فتأوهت وفتحت عيونها لتوقن انها متكومة ارضا على ذاك البساط الخفيف الممتد تحتها ولاتزل الحقيبة تحت رأسها فاعتدلت تتأوه من جديد واضعة كفها اسفل ظهرها حيث موضع الألم جراء النوم بهذا الوضع في مثل هذا الجو البارد فلولا معطفها الثقيل نسبيا لماتت بردا وخاصة في هذا البيت العجيب المنحوت داخل صخر الجبل والذي تستشعر برودة طبيعية وانت داخلة..

لا تعلم كم مر من وقت وهي نائمة فقد جالت بأنحاء الغرفة تحاول ان تقع عيونها على ساعة حائط فلم تجد، تنهدت ولم تعرالامراهتماما وهمت بالتمدد من جديد الا ان هذه الهمهمة جعلتها تتذكر ان معها بالغرفة زعيمهم المدعو ليل والذي عالجته منذ بعض الوقت..

يبدو انه يستفيق، هكذا همست وهى تقترب منه في حذّر تحاول ان تتبين موضع قدمها في هذا الظلام، فباب الغرفة مغلق وعليه حارس يقف بالخارج والعتمة تخيم على المكان الا من ضوء خافت تتراقص زُبالة مصباحه البعيد بأحد الكوات الموجدة بالحائط..
وقفت بالقرب من الفراش تطل عليه من عليائها ليهمس ليل في وهن: - مية، عطشان..

اومأت برأسها وتطلعت لتلك القلة الفخارية الموضوعة جانبا فتناولتها ومدت كفها لاحد المناشف النظيفة تبللها بالماء واقتربت تجلس على حافة الفراش تمر على شفتيه بالمنشفة المبللة..
وهمست مؤكدة: - مقدرش اديك ماية على طول ده خطر عليك، شوية شوية..
اخذ يرطب لسانه بقطرات الماء التي تبقيها على شفتيه حتى انفرج الباب عن محيا جابر هامسا في قلق: - هو فاج!؟.
هزت رأسها إيجابا ليهمس في راحة: - الحمد لله..

دخل وبدأ في رفع قوة الإضاءة داخل الغرفة وأشعل المصباح الاخر الذي كان مركون بالكوة الأخرى على الحائط الكائن بالجانب الاخر، أُضيئت الغرفة بشكل جيد وخرج جابر للحظة وعاد بصينية طعام موضوع عليها أطباق مغطاة، وضع الصينية جانبا ورفع الغطاء عن طبق ما لتتصاعد منه الأبخرة..
مد كفه بالطبق هامسا: - لازما ياكل دي، عشان يعوض الدم اللي نزفه..
همست عين لمحتويات الطبق متسائلة: - ايه دي!؟.

اكد جابر مجيبا في فخر: - دي مِديدة، بالسمن البلدي واللبن والحلبة..
همست عين معترضة: - بس دي تقيلة..
اكد جابرفي نفاذ صبر كعادته: - استغفر الله العظيم، دي شفا يا داكتورة، دوجيها هتعچبك..
ترددت قليلا قبل ان ترفع الملعقة ببعض من الخليط المتجانس الذي يشبه في قوامه المهلبية لفمها، استطابتها فهمست في استحسان: - دي فعلا حلوة قوي..
ابتسم جابر هاتفا في فرح: - المديدة مغذية وتدفي ف البرد الشديد..

ونهض مقتربا من موضع ليل هامسا له في محبة: - يا ليل بيه، حمدالله بالسلامة، شد حيلك معايا عشان لازما تاكل..
استند عليه ليل ليرفعه جابر قليلا في حذّر مريحا جزعه على وسادة خلف ظهره..
تأوه ليل ثم كتم وجعه وهو يتحرك في بطء معدلا وضعية جلوسه وما ان سكن حتى وقعت عيناه على عين التي كانت تقف بالقرب من الفراش ممسكة طبق المِديدة في انتظار إطعامه..

همت بالجلوس موضعها السابق على طرف الفراش الا انها عدلت عن ذلك وظلت تقف في ثبات عندما همس ليل في لهجة يسكنها الضيق متسائلا: - مين دي!؟.
هتف جابر مفسرا: - لحجت نسيت يا بيه!؟، دي..
قاطعه ليل ضجرا في وهن: - عارف انها اللي ظهرت فچأة فجلب التسليم وخربطت الدنيا، اني عايز اعرف دي مين!؟، وايه اللي چابها ساعتها..!؟.

وتطلع اليها ليل شذرا بنظرات قاتمة يملأها الشك هاتفا بلهجة حاول ان يجعلها صارمة رغم وهنها: - انتِ مين يا بت!؟، ومزجوجة علينا من مين!؟.
تلجلجت عين لا تعلم بما تجيب ليستطرد هاتفا في شدة تتعارض تماما مع وهنه: - انطجي..
اثرت شدة لهجته على احساسه بألم جرحه فوضع كفه على موضع الضمادة وتغضن وجهه مؤكدا معاناته ليهتف جابر مؤكدا في حنق لعدم إعطائه الفرصة ليشرح: - استغفر الله العظيم، الداكتورة..

رفع ليل نظراته نحوها ولاتزل قسماته تشي بأوجاعه مقاطعا إياه متعجبا: - داكتورة!؟.
اكد جابر مفسرا: - ايوه داكتورة، ولولاها مكناش عرفنا نلحجك، هي اللي جامت بالازم..
همس ليل وهي تكاد تذوب من شدة وقع نظراته المتفحصة عليها: - برضك معرفناش، ايه اللي چابها المعبد ف الساعة دي!؟.

هم جابر بالشرح مجددا الا ان عين الحياة همست بأحرف مضطربة: - اختي مخطوفة وجالي جواب م العصابة أقابلهم ف المعبد الساعة خمسة المغرب عشان ياخدوا الفدية ويرجعوها..
وتذكرت انها تملك الخطاب بجيب معطفها فاخرجته في عجالة تناوله إياه..

مد كفه متناولا قصاصة الورق وقرأها بعد ان حمل جابر اليه احد المصبابيح، تطلع ليل اليها للحظة ثم ترك الورقة امامها واضعا كفه من جديد موضع جرحه يحاول وأد ضحكات ظهرت على جانب شفتيه حتى لا يزداد الألم وهو يشير للورقة هامسا: - اجري الورجة يا داكتورة، الميعاد مكانش ف معبد ابوسمبل، كان ففندج ابوسمبل..
انتشلت الورقة من جديد تتطلع للسطر المكتوب بها ووقع ناظرها على كلمة فندق بدلا من معبد..

شهقت في صدمة ليتطلع اليها ليل من جديد مسنداً رأسه للخلف في تعب بينما هتف جابر في دهشة: - كلمة واحدة جلبت الدنيا يا داكتورة..
همست باضطراب: - انا ازاي مخدتش بالي!؟.
همس جابر ملتمسا لها العذر: - اكيد من جلجك على اختك، بس كنك چيتي عشان تطيبي ليل بيه..
هتف ليل مغمض العينين في نزق: - ليل بيه مكانش هايتصاب لولاها..
همس جابر ممتعضا من سيده: - استغفر الله العظيم..

ليستطرد ليل في غطرسة: - هتوكلونا ولااه نناموا!؟، اني تعبان ومش فايج لحكاويكم..
تجاهلت عين غطرسته هاتفة: - طب طالما عرفنا انه سوء تفاهم، انا ممكن امشي، ولا ايه!؟.
هتف ليل في مزيد من الغطرسة: - ولا ايه!؟.
ورفع رأسه متطلعا اليها هاتفا: -انتِ خلاص بجي مكانك هنا لحد ما نشوفوا ليلتنا هاتخلص على ايه وبعدين نسيبوكِ..
هتفت مستجدية: - طب ما تسيبوني دلوقتي اروح اشوف اختى حصل لها ايه!؟.

هز ليل رأسه رافضا وهمس مؤكدا: - ما ينفعشي يا داكتورة، مش يمكن تروحي تبلغي البوليس على مكانا اوحتى تبلغي حداد ما يمكن هو اللي خاطف اختك، اوتعملي أي مصيبة تحط على راسنا..
وأشار لإصابته مستطردا: - كفاية اللي حصل لحد كِده، انتِ مكانك هنا لحد لما ربنا يئذن..

تطلعت اليه في جمود لا تصدق ما يقوله، غامت عيونها وقد تجمع الدمع بمقلتيها فما عادت تستوضح صورته امام ناظريها، استشعر معاناتها لكنه لم يعقب بل هتف بنزق من جديد: - ايه اللي ف الطبج اللي انت شيلاه دِه!؟.
جلست في تيه على حافة الفراش قبالته ومدت كفها اليه بملعقة من محتويات الطبق في شرود..
تناولها من يدها مستحسنا في استمتاع: - مِديدة يا چابر، چت ف وجتها..
هتف جابر مبتسما: - بالهنا يا بيه..

قدمت اليه ملعقة أخرى بكف يهتز في اضطراب وهى تحاول ابتلاع دمعها بغصة استقرت بحلقها كادت ان تزهق روحها لكنها ازدردت ريقها بصعوبة لكن الكف الممتد ازداد ارتجافا لتسقط محتويات الملعقة على صدره..
تطلع اليها ليل في ثبات ولم يعقب بينما اندفع جابر هاتفا في تفهم: - عنك يا داكتورة، ارتاحي انت..
تركت الملعقة بقلب الصحن الذي ناولته إياه وابتعدت لركنها القصي حيث تركت حقيبتها..

هتف جابر في تعاطف: - مش هتاكلي يا داكتورة المِديدة جبل ما تبرد!؟.
هزت رأسها نافية ولم تنبس بحرف واحد وأخيرا سال دمعها على خديها سخينا غير قادرة على حبسه اكثر من هذا وقد ادركت انها أصبحت حبيسة تلك الدار الى ان يشاء الله..

جالت نجوى بناظريها وهي تدخل الى القسم تحاول تذكر اين يقبع مكتب ذاك الضابط الذي قابلته المرة الماضية لتسأله عن اية اخبار جديدة فيما يخص عين الحياة اختها لكنها لم تستطع التذكر وما ان همت بإيقاف احد العساكر لسؤاله حتى ظهر هشام مندفعا خارج القسم..
توقف متطلعا اليها وقد تذكرها فورا وقبل ان تهتف به تستوقفه كان هو قبالتها متسائلا: - خير يا آنسة نجوى، فيه جديد!؟.

هتفت نجوى محبطة: - ده انا كنت فاكرة اني هاجي اسمع منك أي خبر يطمني على عين..
أشار لها لتتبعه لحجرة مكتبه وأخيرا استقر خلفه هاتفا في محاولة لتهدئتها: - والله بنحاول نعمل اللي ف وسعنا، بس مفيش جديد للأسف..
هتفت نجوى بصوت متحشرج: - تلات ايّام من غير خبر واحد عنها..!؟، ده معناه ايه!؟، اكيد حاجة وحشة..
هتف هشام مؤكدا: - لا مش شرط، ممكن يكون التأخير ده فيه خير..

هتفت نجوى في اضطراب: - انا كان المفروض امشي ف اليوم اللي هي وصلت فيه، كنت هسافر عشان اخد بالي من ماما لانها مريضة قلب ومينفعش نسبها لوحدها اكتر من كده على بال ما هي تتفسح لها شوية، لكن دلوقتي لازم اسافر لاني خلاص، المفروض حجز الفندق يخلص بكرة الصبح، بس انا مش عارفة أقول لماما ايه لو سألتني عنها!؟.
ضمت شفتيها في محاولة لكبح جماح دموعها من الانفلات، يكفيها انهيارها المرة السابقة امامه..

هتف هشام في تعاطف: - سافري ومتقلقيش، أي جديد هبلغك بيه، بس استأذنك اخد نمرة تليفونك عشان اعرف أتواصل معاكِ..
هتفت مؤكدة: - اه طبعا..
وأملته إياه ليحفظه باسمها مؤكدا: - تقدري تسافري بالسلامة ولو والدتك سألتك على اختك قوليلها انها بتتفسح وراجعة، وربنا يسهل في خلال كام يوم يظهر أي جديد..
هتفت نجوى متضرعة: - يا رب..

ونهضت مستأذنة لينهض محييا إياها متتبعا لها بناظريه حتى خرجت في هدوء مغلقة الباب خلفها وهي تلقي عليه نظرة أخيرة كان لها وقع عجيب على نفسه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة