قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

ثلاث ليال مرت وهي على حالها قابعة بذاك الركن المنعزل بالغرفة التي يتمدد فيها على فراشه
وقد تحسنت حاله قليلا، غير ان جابر احضر لها مرتبة وغطاء صوفي كبعض من رفاهية توفر لها نوما اكثر راحة والقليل من الدفء..
نهضت من موضعها في اتجاهه حيث يستلق غارقا في سبات عميق من اثر العقاقير التي يتناولها، مدت كفها الى ذاك الكبس البلاستيكي الذي يحوي عدة أدوية تناولت بعضها لتحقنه بها فقد حان موعدها اليومي..

جلست على طرف الفراش في هدوء تغض الطرف عن جزعه العاري الا من تلك الضمادة التي تبرز موضع جرحه بلون احمر قانِ..
تطلعت اليه تستطلع اذا كان استيقظ لاقترابها من فراشه اوحتى جلوسها جواره، فأمثاله يغلقون عينا ويفتحون الأخرى اثناء نومهم مثل ذئاب الجبال حتى يتجنبوا القبض عليهم ووقوعهم بايدي الشرطة وبراثن القانون..

تأكدت انه يغط في النوم ما منحها فرصة سانحة لتتفرس بملامحه، حاولت ان تستنج عمره وتوقعت انه لا يتعدى الثالثة والثلاثين عاما على أقصى تقدير ذو شعراسود حالك سبط لا هو بالمجعد ولا بالمسترسل، جبهة عريضة وحاجبان كثيفان يحتلان قاعدتها يحرسان عيون ثاقبة النظرة تغير ملامح ذاك الوجه المستكينة في تلك اللحظة لغفوتهما الي ملامح اكثر شراسة وقسوة، انف يعلو في غطرسة ملكية وفم واسع بشفاه غليظة قليلا وأخيرا شارب منمق يتصل بلحية مهذبة تمتد بطول ذقنه المنحوت كما تمثال من صوان..

انتفضت حتى كادت تسقط حقنة الدواء عندما همس في لامبالاة وهو يضع ذراعه الأيمن فوق جبينه: - بجالك ساعة بتطلعي فيا والحجنة حمضت ف يدك، مش تنچزي!؟.
اطاعت في اضطراب وهي تمد كفها بحقنة الدواء تجاه ذراعه اليسرى الممددة في اتجاهها، حقنته فلم يحرك ساكنا، انتهت وهمت بالنهوض في محاولة للهرب بعيدا الا انه قبض بكفه على معصمها ليعيدها موضعها هامسا وما تغيرت وضعيته: - مش هتغيري ع الچرح، ولاااه نسيتي!؟.

كان محقا فقد كانت رغبتها في الهرب مبتعدة مسيطرة على عقلها كليا حتى انها نسيت بالفعل ان عليها تغيير الضمادة بأخرى جديدة ورغم ذلك همست مدعية: - لا منستش بس هروح اجيب الشاش والقطن..
ترك معصمها في هوادة وما ان تأكدت انه فك أسرها حتى انتفضت مبتعدة تتشاغل عن ذاك الاضطراب الذي يشملها بالبحث عن المقص حتى تبدأ مهمتها..

جمعت كل ما هي في حاجة اليه وجلست على طرف الفراش كالمعتاد، ما ان استشعر قدومها بقربه حتى رفع ذراعه من فوق جبينه وسطعت عيناه بتلك النظرة التي تكبلها كليا..
استند على ذراعه الأيمن حتى رفع جذعه مستندا على ظهر الفراش..
اصبح اللحظة بعيدا عن متناول يدها وستضطر للاقتراب اكثر حتى تصبح قادرة على التعامل مع الضمادة التي تطوق صدره..

اقتربت مكرهة بالفعل وأمسكت المقص بكف مرتعش حاولت قدر إمكانها منحه الثبات وخاصة مع تلك النظرات المتفرسة التي يسلطها عليها في إصرار يورثها توترا بلا حدود..

تنفست الصعداء عندما تخلصت من الضمادة القديمة بقصها، وبدأت في تعقيم الجرح..
رفعت ناظريها اليه مستطلعة مما قُد هذا الرجل الذي لم يهتز للحظة جراء وضع ذاك الدواء الموجع على جرحه الحي لتصطدم نظراتها بعينيه الصارمة لتأسرها بلا فكاك لبعض الوقت..
لا تعرف كيف استطاعت ان تفك ذاك الاسر المضني لروحها وعادت تضع بعض القطن مع محاولة لف الشاش حول صدره..
وهمست داخليا في غيظ: - راح فين جابر، كان بيساعد كل مرة..

اضطرت لتميل نحوه قليلا حتى تمرر الشاش من خلف ظهره لتعاود لفه من جديد..

كررت فعلتها عدة مرات وفي كل مرة كان هو يقترب قليلا مع ميلها نحوه حتى يساعدها على قدر استطاعته لكن كل هذا كان على حساب ثباته الداخلي، كان اقترابها بهذا الشكل وكأنما هي باحضانه له وقع عجيب على نفسه وفي كل مرة كان يقترب منها كأنما يقترب من قلب الشمس فيشتعل للحظة ليعاود الابتعاد ثم الاقتراب من جديد وكأنه كوكب هرب من فلكه معربدا لاحتراق مداره الذي يضبط إيقاع حركته فأضحى تائها بلا هداية..

انتهت وصلة التعذيب لكلاهما ليظهر جابرعلى اعتاب الحجرة حاملا صينية الطعام هاتفا في ضيق عندما وجدها قد قامت بتغيير الجرح لليل بمفردها دون مساعدته: - استغفر الله العظيم، اتاخرت عليكِ يا داكتورة معلش، بس كنت بشوف ايه الأخبار..
هتف ليل وهو لايزل تحت تاثير اقترابها منه وعينيه لم تحد عنها رغم ابتعادها: - وايه الاخبار!؟، فيه چديد!؟.

اكد جابر: - ايوه، حداد تايه مش لاجي حد يبيع له بضاعة كيف اللي عندك، خليه يورينا شطارته ونشوفوا هيعمل ايه مع سيده مرعي لما يعرف اللي عِمله معاك!؟.
هز ليل رأسه في رزانة هامسا: - طب تمام..

هم جابر بوضع صينية الطعام على فخذيه وان يتناول عدة أطباق منها ليضعهم امام عين لتتناول طعامها وحيدة حيث تكون على راحتها الا ان ليل هتف رافضا وأمره: - حطها ع الأرض وكلنا نكلوا سوا..
هتف جابر معترضا: - بس لساك تعبان يا بيه، ليه تجوم من..
قاطعه ليل امرا من جديد: - اني بجيت كويس وزهجت م الرجدة، حط الصينية مطرح ما جلت لك..

اومأ جابر برأسه في طاعة منفذا ليضع الصينية على احدى الحصر بوسط الغرفة، نهض ليل في هوادة بمساعدة جابر وجلس حول الصينية مشيرا لعين هاتفا: - مدي يدك يا داكتورة بِسْم الله..
هتفت رافضة: - لا مش جعانة..
اكد جابر: - طب حتى عشان يبجى عيش وملح..
هتفت في تهور ساخرة: - عيش وملح مع اللي خاطفني!؟.
هتف ليل معترضا: - احنا مخطفناش حد، انتِ اللي رميتي بلاكِ علينا..
هتفت مستدركة: - بس انتوا محتجزني هنا بدون وجه حق..

هتف ليل معترضا: - مين جال!؟، احنا سايبنك هنا لأننا بنأمنوا نفسينا، وده حجنا، وجلنالك لما نخلصوا امورنا على خير هنسيبوكي، حد غيرنا كان جتلك وتاوي جتتك ومحدش عرفلك طريج چرة، وتعالي كلي بدل ما تكبر ف دماغي ونخلصوا منيه دلوجت الموال الماسخ دِه..

هتف بتهديده الأخير في نبرة جعلتها ترتجف داخليا وبنظرة بسيطة اليه ايقنت انه ليس تهديدا اجوفا بل هو قادر على ذلك تماما فتحركت في هوادة وجلست حول الطاولة ليزفر هو في ضيق أمرا إياها: - كلي..
همست متطلعة الى الطعام الذي لم يكن معتادا بالنسبة لها: - اكل ايه!؟.
تعرفت على بعض الأصناف خلال اليومين السابقين لكن اليوم لا تعرف معظم ما هو موجود بالأطباق..

اشارت لطبق به بعض الخضروات المطبوخة متسائلة: - ايه ده!؟، ده شبه الملوخية..
هتف جابر شارحا: - ايوه صح يا داكتورة، دِه عندينا اسمه جاكود، عبارة عن سبانخ محطوط عليها بامية مطحونة، تشبه الملوخية ف الشكل لكن طعمها غير، جربيها..

مدت كفها بملعقة تتذوق الطعم وهمهمت مستحسنة: - طعمها حلو فعلا..
كان ليل يدعي انشغاله بالطعام يرنو اليها بطرف لحظه من ان لأخر مستمتعا بما يحدث..
لتشير مرة أخرى لاحد الاطباق البعيدة عن متناول يدها: - وده ايه!؟.
هتف جابر وهو يناولها الطبق: - دِه الكرمديد، زي ما تجولي كده فتة معمولة بعيش الدوكة اللي دوجتيه جبل سابج وعچبك وخليط من المية والزيت والحلبة المطحونة..

ومد جابريده بطبق اللحم لتتناول منه ما تشتهى هاتفا: - ودِه اسميه الكاشيد..
تناولت بعضه فاعجبها كذلك وهتفت في أريحية ندمت عليها لاحقا: - انا عقبال ما ارجع هكون تخنت بتاع عشرة كيلو، والدنيا برد والأكل حلو بجد..
نهض جابر يحضر قلة المياه بينما همس ليل في لهجة تقريرية وهو يتفرس بها من جديد: - كام كيلو زيادة مش مشكلة يا داكتورة، بالعكس..

وتفرس فيها بنظرة شاملة وابتسم ابتسامة ماجنة كانت كافية وزيادة لتخبرها ما كان بصدد قوله عندما عاد جابر بالقلة الفخارية والتي أتت بوقتها تماما لانها غصت بلقيمتها وكانت تحتاج للماء بشكل فوري حتى تستطيع ان تبتلع التلميح الماجن لذلك الوقح..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة