قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

كان يحاول ان يمنع نفسه بشتى الطرق من الاتصال بها لغير سبب مقنع، لكن من اين له بالأسباب المقنعة وما تنتظره هي من اخبار لم يكن بقادر على معرفتها..
اصرعلى تجاهل ذاك الالحاح العجيب الذي يستشعره ليضغط رقمها الا ان كل ذلك ذهب ادراج الرياح عندما وجد نفسه لاأراديا ينتظر صوتها على الجانب الاخر..

ألتقط أنفاسه يحاول الحصول على بعض الثبات بنبرات صوته وهي تجيب في لهفة تمنى لو تكن من اجله: - الو، ايوه يا حضرة الظابط..
هتف بصوت متحشرج: - السلام عليكم، ازيك يا آنسة نجوى!؟، وازي الوالدة!؟.

هتفت نجوى مؤكدة: - بخير الحمد لله، ها فيه اخبار، انا خلاص مبقتش قادرة أخبي على ماما اكتر من كده، الفترة طولت بجد، عشر ايّام كتيروماما مش مقتنعة أصلا ان عين ممكن تبعد عننا وعن المصنع بتاع بابا الله يرحمه الفترة دي كلها..

هتف هشام متحرجا: - الصراحة مفيش جديد لحد دلوقتي، وانا اسف على تطفلي بس حبيت أبلغك اننا بنحاول بأقصى جهد الوصول لأي حاجة نقدر نعرف بيها طريق اختك..
هتفت نجوى وقد بدأت في النحيب: - يعني برضو لسه مفيش أي خبر حتى يطمنا عليها..!؟، أقول لماما ايه دلوقتي..!؟، اقولها اني بسبب هزار بايخ عرضت عين لمصيبة زي دي وأننا مش عارفين حتى اذا كانت عايشة ولا..

وتعالى صوت البكاء والذي صمت فجأة ما ان هم بمواساتها واضطرب الهاتف بيده وهو يستمع لصوت صرخات نجوى مصحوبة بنداء ملتاع على أمها التي سقطت ارضا تضع كفها موضع قلبها العليل ولا تستطيع إلتقاط أنفاسها..

طرقات على باب الحجرة جعلتها تنتفض مشوشة الفكر بعد تلك الصدامات التي عانتها بين قلبها وعقلها..
فتحت الباب ليطالعها سبب الصراع الأوحد، ليل الجارحي واقفا ببابها يهتف في نفاذ صبره المعتاد: - اچهزي حلاً، لازما نمشوا..
هتفت متسائلة ولازال النعاس يخيم على نبرتها: - هنروح فين!؟.
هتف بوجهها ساخرا في حدة: - بتسألي!؟، دِه على أساس اني هجولك مثلا!؟، انتِ تجولي حاضر وبس..

استفاقت بشكل تام بعد صراخه ذاك مما دفعها لتجز على أسنانها في غيظ وتدفع بباب الحجرة مغلقة إياه بوجهه في عنف جعله يقف موضعه لبضع ثوان يود لو يدخل الى حجرتها لقتلها والخروج بنفس راضية، لكنه ضم كفيه في شدة واندفع مبتعدا قبل ان ينفذ ما يريح باله..
خرجت مرتدية ملابسها السابقة دافعة بالجِرجار لداخل حقيبة النقود مع بعض الأغراض الأخرى..

خرجت من الدار لتفاجأ بعدد من الحمير والإبل تحمل بعض الصناديق وهو يمتطي صهوة فرس شهباء جميلة، لكن اين موضعها يا ترى من هذه القافلة!؟، تنبه لوقوفها على اعتاب الدار فأشار لأحدى النوق الباركة امرا: - اطلعي..
هتفت في ذعر: - اطلع فين!؟، لا، انا بخاف، انا عمري ما ركبت جمل..
كان يتمتم لا تعرف هل كان يتضرع لمزيد من الصبر ام كان يصب اللعنات على رأسها!؟.

ترجل من على فرسه جاذبا إياها من ساعدها تجاه الناقة امرا وهو يشير لهودجها: - اطلعي متخافيش، ده اامن مكان تبجى فيه، الچو هايبجى صعب..
كان يقول كلماته تلك بنبرة هادئة محاولا اقناعها بالمنطق على عكس ما تصورت تماما فقد توقعت عندما سحبها خلفه بتلك الطريقة انه سيدفع بها عنوة لداخل الهودج وليكن ما يكون..

هزت رأسها متفهمة وهي تحاول الصعود لكن دون جدوى فقد كان طولها بالكاد يصل لمستوى قاعدة الهودج على ظهر البعير وبعد عدد لا بأس به من المحاولات الفاشلة التي قضت على البقية الباقية من صبره المنعدم من الأساس حتى امرها وهو ينحني مشبكا أصابع كفيه ببعضهما: - اركبي..
نظرت في عدم تصديق لما يفعل هامسة في نبرة بلهاء: - اركب فين!؟.
همس شارحا: - حطي رچلك هنا على كفوفي واركبي، سهلة اهي..

تطلعت من جديد لكفيه المتشابكتين اللذين من المفترض ان تضع عليهما قدمها لتكونا كدرج يسهل عليها الصعود على ظهر البعير وتشجعت لتنفذ ما امرها به قبل ان يخرج عن طوره موبخا واضعة قدمها على كفيه ليدفع بها في لحظة لداخل الهودج كطرد بريدي..

تنفس ليل الصعداء عندما تأكد انها أصبحت تستقر بالداخل فما كان لديه مزيد من القدرة اوالشجاعة ليضع كفا عليها، يكفيه ما يعانِ منذ البارحة حينما وقع ناظريه عليها بذاك الزي الذي اكسبها جمالا فطريا غير معقول وكذلك تلك الحلي التي كانت تصدر صوتا متلازما مع خطواتها يذهب بثبات العابد ليجدها بعدها بين ذراعيه متشبثة باحضانه حتى لا تسقط ارضا فيسقط هو بديلا عنها صريعا لنظراتها التي أشعرته انه يقف على الأعراف لا فازبجنة عشقها ولا تلظى بنار بعادها، ما بين بين هي حالته التي لايزل يعانيها ما ان تقع عيناه على محياها..

طال شروده لتخرج عين رأسها من خلف غلالة رقيقة تحيط بالهودج هامسة: - هو احنا مش هانمشي ولا ايه!؟.
تنبه امرا إياها: - امسكي يعمدان الخشب اللي عندك كويس عشان جومة الچمل صعبة شوية، مش عايزين نلاجوكِ محدوفة بره احنا ما صدجنا ركبناكِ من الأساس..

كان يقول كلماته الأخيرة بلهجة ساخرة دفعتها لتعاود النظر من خلف الغلالة في غيظ متناسية الإمساك بالأعمدة الخشبية كما امرها الا انها استشعرت حركة الجمل فجأة فتشبثت بالأعمدة في قوة وهي تندفع بشدة للأمام مع حركة قوائم الجمل الخلفية ثم تعود لتندفع فجأة للخلف بشدة مع نهوض الجمل على قوائمه الأمامية وأخيرا تستقر في اتزان بعد ان اصبح الجمل جاهزا للمسير، شعرت بالإعياء والرغبة في افراغ معدتها مع كل هذه الارجحة لكنها تجاهلت شعورها ذاك وهو يهتف من على صهوة فرسه: - انتِ تمام فوج!؟.

لم يكن باستطاعتها المجازفة وإخراج رأسها للرد عليه والا قد يحدث ما لا يحمد عقباه لذا أخرجت كفها رافعة إبهامها كعلامة متعارف عليها ان كل الأمور على ما يرام مما دفعه ليئد قهقهاته على حالها الذي يدركه تماما مكتفيا بابتسامة ارتسمت على شفتيه وهو يندفع بفرسه متقدم القافلة العجيبة التي اعادتها لزمن الجاهلية..

تطلعت للأفق من عليائها فإذا بالليل يفك اخر خيوط ثوبه المعتم عن السماء لتبدأ الشمس في التثاءوب معلنة استيقاظها على استحياء ولازلت تحتجب خلف عدة غيمات تسيطر عليها الرغبة في النعاس..
سرحت بعين خيالها وحلمت انها احدى الأميرات التي يحرسها جيش من الجنود عند انتقالها من قصر ابيها السلطان الى قصر زوجها الأمير..

كان الترنح داخل الهودج يبعث على النعاس وخاصة انها لم تنل قسطا كافيا من النوم بعد سهادها لساعات وإيقاظه لها للرحيل في تلك الساعة المتأخرة من الليل، كانت اشبه بطفلة تُهدهد داخل فراشها الوثير فبدأت عيناها في الاستسلام لنداءات النوم الا انها نفضت الكرى عن جفونها فجأة عندما تناهى لمسامعها صوت مزمار شجي يُعزف بواسطة احد الرجال بمطلع القافلة مترنما بصوت رخيم بموال عشق: -.

واه يا ليل، يا ليلي، ع اللي حب ولا طالشي
واه يا عين، يا عيني، ع اللي داب ولا جالشي..
اه يا ليل واه يا عين، ميتا الزمان يا خلي..
يچود بالوصل ما يبخلشي..

تطلعت بنظرة خفية من خلف غلالة الهودج لتجده عاد من مقدمة القافلة ليسير جوار بعيرها ترتسم على قسمات وجهه جدية وصلابة أشعرتها ببعض الرهبة، وتساءلت الى اين يا ترى ستكون وجتهم القادمة!؟.
سؤال هي تعلم انها لن تعرف إجابته الا عند الوصول لمستقرهم الجديد فلم تشغل بالها به..

اعادت النظر من خلف غلالة الهودج الرقيقة من جديد ليرفع ليل ناظريه لاأراديا تجاهها لتتلاقى النظرات لوهلة، تراجعت هي للداخل لكنها لازالت تبصر نظرات عينيه معلقة بالهودج وقد لانت قسمات وجهه لتحمل هذه المرة بعض من الشغف والقليل من الرقة وشبه ابتسامة..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة