قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر

هتفت نجوى من بين دموعها وهي تقف على اعتاب حجرة العناية الفائقة حيث ترقد أمها: - انا مش عارفة كنت هعمل ايه لوانت مش موجود!؟.
هتف هشام منكسا رأسه: - متقوليش كده، انا عملت ايه يعني!؟، الحمد لله اني كنت اجازة وكمان طلعنا جيران ولحقت مامتك..
قال كلماته الأخيرة بابتسامة سعادة لتبتسم بدورها في رقة من خلف دموعها..

واستطرد هاتفا: - المهم ان الدكتور طمنا على والدتك، بصراحة الصدمة كانت صعبة عليها، ربنا يعينها..
همست نجوى بنبرة تحمل الكثير من الشعور بالذنب: - انا السبب، طول عمري متهورة ومش بحسب لتصرفاتي حساب، وعين دايما كانت بتستحملني، بابا الله يرحمه كان مدلعني وهي فضلت تدلع فيا بعده..

هتف هشام محاولا التخفيف عنها: - انتِ لما عملتي كده مكنش قصدك حاجة وحشة، بالعكس كان كل غرضك انك تخرجي اختك من حالة الضغط اللي عليها بسبب انها شايلة كل المسؤلية لوحدها، يعني ف الأساس كنت بتحاولي تسعديها، بس النصيب بقى وده ملناش يد فيه..
هتف بكلماته الأخيرة حاملة مغزى ما تمنى ان يصلها..

صمتت ولم تعقب ما استدعاه ليهتف في اضطراب: - طب انا هروح اجيب لك حاجة تشربيها، لسه الليل قدامنا طويل..
هتفت نجوى في حرج: - لا، تجيب ايه، وليل ايه اللي طويل!؟، كفاية قوى تعب حضرتك معايا لحد كده، حرام تقضي اجازتك ف المستشفى..

نظر اليها عاتباً: - بقى ده ينفع!؟، اسيبك لوحدك هنا وأمشي، انا قاعد ومش هتحرك من مكاني الا بعد ما اطمن على والدتك، وبعدين الاجازة لسه ف أولها، قدامي فيها تلات ايّام تاني، يعني هتزهقي مني..

نكست رأسها في خجل: - لا ازهق ايه حضرتك، ده انت مشرفنا..
هتف هشام وهو ينهض باسما: - حيث كده بقى، نخليها عشا، عشان يبقى عيش وملح..
ابتسمت وهزت رأسها في إيجاب..

أشار جابر للقافلة بالتوقف واندفع عائدا الي حيث كان يسير ليل ملازما لبعيرها بذيل القافلة..
اقترب من ليل هاتفا: - لازما نوجف حلاً، فيه عاصفة شديدة چاية ف الطريج..
تطلع اليه ليل هاتفا: - انت متأكد ولا نكمل طريجنا!؟، اللي فاضل مش كَتير..

اكد جابر في ثقة: - استغفر الله العظيم، من ميتا چابر جالك حاچة وطلعت غلط!؟، لاااه متأكد يا بيه، ياللاه بسرعة ع التلة البَعيدة دي نداروا وراها لحد ما تعدي العاصفة وربنا يسلم..

هتف ليل امرا: - طب روح نبه ع الكل ياخد حذره وياللاه بسرعة على هناك..
تطلعت عين من فوق الهودج على ما يحدث هاتفة في قلق: - احنا وقفنا ليه!؟، هو فيه حاجة حصلت!؟.
هتف ليل متطلعا للأفق كأنما يحاول التأكد من حديث جابر: - فيه عاصفة رملية جاية ولازما ناخد احتياطاتنا..
هتفت في ذعر: - عاصفة، عاصفة ازاي يعني!؟
مش شوية هوا شديد وخلاص..!؟.

كانت تهزي بكلماتها الأخيرة في محاولة لطمأنة نفسها الا انه هتف ساخرا: - شوية هوا ف جلب الصحراء حاچة مش هينة، دي ممكن تدفنك حية..
شهقت في صدمة وهو يسحب لجام البعير ليوجهه الى تلك التبة التي اتفق مع جابر على الاحتماء خلفها وتبعه باقي أفراد القافلة في سرعة..
أناخ بعيرها لتعيد تجربة الارجحة التي تثير غثيانها من جديد، لم تنتظر منه مساعدتها هذه المرة بل قفزت في رشاقة خارج الهودج..

قاموا بوضع البهائم أمامهم كحائط صد وخلفهم كانت التلة التي كان وجودها في تلك اللحظة هدية من المولى عز وجل..
امرها هامسا وهو يشير لمنطقة ما خلف البعير مباشرة: - خليكِ هنا ومتتحركيش مهما حصل..
وخلع عنه عمامته وبللها ببعض الماء مقتربا منها هامسا: - معلش لازما عشان..

لم يكمل جملته عندما هزت رأسها تفهما وهو يميل عليها قليلا يحاول ربط قماش العمامة المبللة حول انفها وفمها وما ان انتهى حتى ابتعد قليلا متطلعا اليها ليتأكد من ان الامر تم على خير ما يرام ليصطدم بعيونها من خلف قناعها فيرتج اضطرابا وما ان هم بالابتعاد حتى همست: - طب وانت!؟.
لم يستدر لمقابلة عيونها من جديد وهمس مؤكدا: - متجلجيش هتصرف..

واندفع يُؤْمِن باقي أفراد القافلة بمعاونة جابر لتبدأ الرمال في التحرك نحوهم وكأنها وحش كاسر يصبح اكثر ضراوة كلما ازداد اقترابا..
امر ليل الجميع صارخا بالاحتماء قدر الإمكان خلف أجساد البعير والخيول التي اناخوها متخذينها ساترا..
دس جسده جوارها خلف ذاك البعير، شعر بذعرها وانتفاضة جسدها رهبة، همس مطمئنا: - متخافيشي، اجفلي عيونك وفكري ف أي حاچة تنسي بيها اللى بيحصل، وكله هيعدي..

اومأت برأسها في طاعة وضمت ركبتيها لصدرها وخبأت وجهها بين ذراعيها المتشابكين وحاولت ان تتذكر شيء ما يجعلها تلتهي عن تلك الزمجرة المخيفة التي تكاد تقتلع قلبها رعبا من بين ضلوعها لكن لم تسعفها الذاكرة في تلك اللحظة بأي ذكري تكون من القوة التي تجعلها تتخطى عواء الريح فوق رأسها، مدت كفيها تتشبث بأطراف الهودج الذي تحتمي خلف جسد البعير الذي يعتليه وهنا قفزت ذكرى ما مر جرى بينهما امس، تلك اللحظات التي لا تحسب على زمن كانت كفيلة بجعلها تهيم بعالم اخر، دفعت جسدها ليسترخي في هدوء وعقلها يعيد صورة حية لحالهما في تلك اللحظات السحرية..

وتعجبت، كيف لبضع ثوان ان تكون مصدر لأمان!؟، كيف لذكرى خاطفة كتلك ان تشعرها بكل هذا الاطمئنان بقلب عاصفة يمكن ان توئدهم احياء اذا ما طال أمدها!؟.

لا تعلم لما احست برغبة ملحة في رفع جبينها ولو قليلا لتستطلع ما يحدث، لم تفكر للحظة في مدى صحة رغبتها من عدمه بل انها نفذت في التو ورفعت هامتها قليلا تختبر الوضع لتجد ان الريح لا تزل على هبوبها لكن يبدو ان الامر بدأ في الهدوء نسبيا، اوهكذا ظنت، لكنها شهقت عندما اكتشفت ما يحدث، لقد هدأت الريح بالفعل لكن ضربات قلبها هي التي ثارت عندما وجدته منتصبا على ركبتيه يميل قليلا على جسدها مكونا بجسده الذي ألصقه بجسد البعير ما يشبه المظلة التي كانت تقيها من سقوط ذرات الرمال على جسدها المنثني في ذاك التجويف الذي أبقاها به..

دمعت عيناها رغما عنها وتساءلت بنفسها، هل كانت لحظات البارحة جالبة للامان!؟، وماذا عن هذه اللحظة التي ستظل تحفرها بذاكرتها للأبد عندما تجتمع عليها خطوب الدنيا وتريد ان تستعيد لحظة استشعرت فيها الأمان الحقيقي في ظله!؟.

اندفع هشام لداخل المشفى ليطمئن على والدتها يشعر برغبة شديدة في البوح بما يستشعره نحوها منذ اللحظة الأولى التي طالعها فيها منحنيا يحاول مساعدتها في النهوض بعد ان سقطت جراء اصطدامهما، ابتسم للذكرى وقد اقترب من الممر الذي يضم حجرة أمها وها هو يبصرها تقف مع احدهم، استشعر بعض من دبيب الغيرة داخله لكنه سيطر عليها وهو يقترب محييا معتقدا ان ذاك الرجل الذي تحادثه اللحظة هو احد أقاربها جاء يطمئن على صحة أمها ما ان وصله خبر مرضها لكنه كان مخطئا عندما هتف الرجل في لهجة تهديدية من الطراز الأول: - انا قلت اللي عندي وانتوا حرين، الفلوس تيجي وكل واحد ياخد حقه ويا دار ما دخلك شر، سلام عليكم..

رحل الرجل في عجالة وقسمات وجهه تحمل علامات نفاذ الصبر لتجلس نجوى شاردة لا تعلم ما عليها فعله، تنحنح هشام جالسا جوارها هاتفا في محاولة لفهم ما يحدث: - مين الأخ ده!؟، قريبكم!؟، وليه بيتكلم معاكِ كده!؟، يعني ده المفروض انه..
هتفت نجوى تريحه مجيبة على كل أسئلته: - ده واحد من الديانة..
هتف هشام متعجبا: - ديانة ايه!؟، انتوا مديونين لحد بفلوس!؟.

همست نجوى بشرود: - عشان كده عين طول الوقت كانت شايلة الهم، من ساعة وفاة بابا وهي بتقفل على نفسها اوضة المكتب بالساعات ومنعرفش بتعمل ايه، اتاريها كانت بتحاول تنقذ المصنع من الحجز عليه بسبب الديون دي كلها..

كان هشام يستمع اليها صامتا ولم يعقب بحرف تاركا لها حرية الإفصاح عما بداخلها لتستطرد هي وقد استدارت تواجهه: - مصنع الملابس بتاع بابا واللي كان اعز حاجة عنده بعد بناته واللي ضيع عليه عمره هيروح، المصنع عليه ديون كبيرة ولازم سدادها والا هينزل المزاد ويروح مننا..

هنجيب منين كل الفلوس دي لسداد الدين، حتى الفلوس اللي ف البنك لما جيت اسحب منها جزء النهاردة عشان المستشفى لقيت الحساب بقى صفر لأن عين سحبت الفلوس كلها عشان تيجي تنقذني من العصابة الوهمية بالفدية..
همس مؤكدا: - متقلقيش من أي حاجة، اعتبري فلوس المستشفى ادفعت، وتبقى دين عليكِ لما ترجع عين بالسلامة..

سال دمعها هامسة في خيبة: - عين!؟، هي فين!؟، لو كانت موجودة مكتنش شيلت الهم ابدا، كنت هبقى متأكدة انها هتعمل المستحيل عشان المصنع اللي من ريحة بابا يفضّل شايل اسمه..
وهمست من بين دموعها التي زادت غزارة هطولها: - يا ترى انت فين يا عين!؟.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة