قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الأول

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الأول

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الأول

جلست خلف مكتب ابيها الراحل بحجرة مكتبه العتيقة الطراز تتطلع الى تلك الأوراق امامها والتي تحمل الكثير من الأرقام والحسابات التي جعلت عقلها مشتتا غير قادر على استيعاب الحقيقة الماثلة أمامها بكل وضوح..

انهن على شفا الإفلاس، نعم، الديون تراكمت وما عاد لديها القدرة منذ وفاة ابيها على الوفاء بها وسدادها في مواعيدها المستحقة..
تطلعت من جديد للأرقام التي كانت تتراقص امام ناظريها من شدة الإرهاق لعلها تكون مخطئة فيما توصلت اليه..

لم يكن والدها يوما مسرفا لكنه كان كريما عليهما هي وأختها الصغرى، لم يكن يبخل عليهما ابدا او يرد لهما مطلبا مما كان يدفع اختها للتدلل وطلب المزيد مهما كان، نجوى مدللة العائلة وفاكهتها الحلوة كما تدعوها أمها دوما..

وعلى ذكر اختها الصغرى ها هو اسمها يظهر جليا على شاشة جوالها مما دفعها للابتسام وهي تتناوله لتجيب هاتفة في نبرة حاولت ان تكسبها بعض المرح حتى لا تستشعر ما تحمل على كاهليها من هموم: - سلام عليكم يا نونا، يا ريتني افتكرت مليون جنيه، ايه!؟.
انتفضت من موضعها مستندة بكف على حافة المكتب وبالكف الأخرى تشبثت بالهاتف حتى لا يسقط ارضا وهتفت في صدمة: - انتِ بتقولي ايه يا نجوى!؟، حصل ازاي ده!؟.

صرخت نجوى على الجانب الاخر هاتفة في ذعر: - معرفش يا عين، معرفش، تعالي بسرعة وهاتي الفلوس والا مش هتشوفي اختك تاني..
حاولت عين الحياة تمالك أعصابها متسائلة: - طب أجي ازاي وفين!؟.
صرخت نجوى من جديد: - معرفش أي حاجة والله، هم بيقولوا تجهزي الفلوس وأما يحددوا الميعاد والمكان هيخلوني اكلمك تاني..
ثم صرخت من جديد متعجلة: - سلام يا عين واوعي تبلغي البوليس والا هيقتلوني، سلام، أوعي..

لم تكمل اختها كلماتها فقد انقطع الخط تاركا إياها في تشوش أبعدت الهاتف عن اذنها وتطلعت اليه في ذهول غير مصدقة ما سمعته تحاول ان تخبر عقلها ان تلك المكالمة كانت درب من خيال وان اختها سليمة معافاة ولم تُختطف من قبل مجموعة من المجرمين يطلبون مبلغا ماليا ضخما كفدية للحفاظ على حياتها..

جلست بجسد منهار على المقعد خلفها لا تعلم ما عليها فعله في تلك اللحظة وهى تدرك تمام الإدراك ان اختها في خطر داهم وانها لن تستطيع إبلاغ أمها التي بلغ بها مرض قلبها مبلغا حرجا وخاصة بعد وفاة ابيها..
كما ان ذلك المبلغ ضخم بالفعل، من اين لها تأمينه كاملا وهى التي بالكاد استطاعت جمع نصفه تقريبا حتى تدفع دين ابيها والحفاظ على.

مصنعه الصغير الذي كان يضم العديد من العاملات المتواضعات الحال واللاتي كن من الأسباب الرئيسية في احتفاظها بالمصنع حتى لا يتم تشريدهن وقطع أرزاقهن..
تركت الهاتف جانبا وتطلعت للأوراق والحسابات من جديد وأخيرا ضمت ساعديها لبعضهما متشابكين على سطح المكتب الذي يحمل عبق والدها الراحل وسنوات عمره التي قضاها عليه يُؤْمِن لهما قوتهما ودفعت برأسها تتوسدهما تحاول ان تدفن افكارها وخواطرها المضطربة بينهما..

لكن كيف لها ان تفعل وكل ما يحيط بها من احداث يدفعها دفعا لتصمد رغما عنها متجاهلة ضعفها الفطري كأنثى في محاولة لملأ ذاك الفارغ الذي تركه ابوها بعد رحيله، ولعلها استطاعت القيام بذلك طول الفترة الماضية، لكن هل تستطيع الوقوف الان امام ذاك التحدي الجديد!؟.
هي لا تدري مدى قدرتها على الصمود لكنها ابدا لن تترك اختها تواجه مصيرها وحيدة مهما حدث...

اندفعت تركض في عجالة باتجاه بوابة المطار الداخلية لتلحق بالطائرة التي كان من المعجزات ان تجد مقعد عليها لولا بعض الوسطاء من معارف والدها..
سمعت النداء الأخير على رحلتها المتجهة لأسوان فزادت من وتيرة اندفاعها لاهثة حتى وصلت الى المدخل المفضي للطائرة فتنفست الصعداء وهي تجلس على مقعدها لا تصدق انها على متنها أخيرا..

ساعة لا اكثر وتكون هناك حيث كانت تقضي اختها عطلتها لمنتصف العام غير مدركة ما يحيط بعين من مشكلات تحاول حلها لتجاوز أزمة مصنع أبيهما المعرض للبيع في كل لحظة املا في تسديد ديونه وخاصة بعد ان جمعت عين كل ما يملكن والذي كانت تعول عليه لسداد بعض منها لتأتي مهرولة لدفع فدية لإنقاذ اختها..

كانت تضم تلك الحقيبة الصغيرة لصدرها في حرص فقد كان بها مبلغ الفدية الذي بدفعه سيكون عليهن اعلان افلاسهن وبيع المصنع لامحالة..
دمعت عيناها وهمست داخلها ان كل شيء يهون في سبيل الحفاظ على سلامة اختها..
انتبهت من خواطرها على صوت احدى المضيفات تؤكد على وصولهم لمطاراسوان الدولي، اعتدلت موضعها وزاد تشبثها بالحقيبة..

أنجزت كل الإجراءات وخرجت من المطار تشير لاحدى سيارات الأجرة لتقلها لذاك الفندق الذي وجدت فيه غرفة شاغرة بعد طول بحث لان في هذه الفترة من العام، تكون فنادق أسوان مزدحمة بزائريها..
تطلعت للشمس الدافئة رغم ان العام لايزل في مطلعه والشتاء بالقاهرة على اشده ففتحت معطفها في سعادة مستمتعة بالدفء الذي يصلها عبر نافذة العربة وكذا جالت بناظريها على طول الطريق مستمتعة بجمال المدينة وعراقتها..

هتف السائق الأسمر بابتسامة باشة ولهجة صعيدية أصيلة: - وصلنا يا آنسة، الفندج اها، أي خدمة تانية!؟.
ابتسمت عين الحياة هاتفة وهى تنقده أجرته: - لا متشكرة..
نزلت من العربة في اتجاه استقبال الفندق ليتناول عامل الفندق حقيبتها من السائق مندفعا بها للداخل..
وقفت امام موظف الاستقبال هاتفة: - السلام عليكم، لو سمحت كان فيه حجز باسم الدكتورة عين الحياة كامل الصاوي..

اكد موظف الاستقبال بايماءة من رأسه وهو يتطلع لشاشة الحاسوب امامه: - ايوه يا فندم، اتفضلي، شرفتينا..
تناولت مفتاح الغرفة مبتسمة وهو يشير لأحد العاملين ليتبعها حاملا الحقيبة لغرفتها لتبتسم بدورها ممتنة وهي في اتجاه المصعد..

لحظات وكانت تقف بوسط الحجرة تاركة الحقيبة على الفراش، دفعت بالستائر بعيدا عن نافذة الشرفة التي خرجت اليها تطل على ذاك المشهد الاروع للنيل والذي لم يسبق لها ان رأته بهذا الجمال من قبل..

كانت تبحث عن أي فندق تقضي فيه ليلتها حتى تتم مهمتها وتعود باختها في سلام لكن اللحظة ومع هذا المنظر الذي يسحرها كليا شعرت بالامتنان لأحدى صديقات والدتها والتي أصرت على التوسط لها لتنزل بهذا الفندق معتقدة انها جاءت لتحصل على بعض الراحة والاستمتاع مع اختها التي سبقتها..

تنهدت تحاول ان تقلل من ذاك التوتر الذي يعتريها وهي بانتظار أي إشارة من خاطفي اختها لتحديد ميعاد تسليم الفدية ومكان اللقاء بالتركيز على ذاك الإبداع الرباني المجسد امامها، مياه لامعة الزرقة وأحجارضخمة تنتشر هنا وهناك بمجرى النهر الخالد وتلك المراكب البيضاء المثلثة الشراع تكمل روعة الصورة وتفردها..

لكن تلك الطرقات على باب الغرفة جعلتها تندفع في لهفة تفتحه ليطالعها احد العاملين مادا كفه بخطاب مغلق وقبل ان ينبس بحرف انتشلته من يده ليطالعها العامل بتعجب وهى تزيل بامضائها على الاستلام في عجالة..
أغلقت الباب سريعا وفضت الخطاب في لهفة كادت تمزقه اضطرابا وهي تخرجه من ظرفه تجري عيناها على السطر الوحيد به النهاردة، الساعة ٥ مساءً، خلف معبد ابوسمبل ..

قرأت ذاك السطر عدة مرات حتى حفظته عن ظهر قلب وتنهدت من جديد تضع الخطاب على الطاولة الملاصقة للفراش الذي تمددت عليه..
راحت في نوم عميق دون وعي من جراء سهدها لليلتين خلتا، فهي منذ لحظة علمها بما حدث لأختها وهي لم تذق طعم الراحة تعد العدة للقدوم لانقاذها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة