قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

رواية ليل يا عين للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

انتفضت موضعها على الفراش تتطلع حولها في تيه، كان ابوها يناديها اللحظة يحثها على النهوض لتلحق بأختها..
تنبهت الى ساعة الحائط التي تشير الى ما قبل الثانية ظهرا بقليل فقفزت خارج الفراش تجري اتصالا باستقبال الفندق لتدبير وسيلة انتقال الى معبد ابوسمبل..
لم تكن تعلم انه يبعد كل هذه المسافة، ثلاث ساعات بالعربة من هنا حتى الوصول لمدينة ابوسمبل ومنها حتى المعبد، يا لها من رحلة!؟.

اخبرها موظف الاستقبال انه لا يوجد الا حافلة واحدة تخرج من الساعة الخامسة وتعود في السادسة من صباح اليوم التالي، اذا فكرت بانتظارها فسيفوتها الموعد المخصص لمقابلة الخاطفين، لقد غلبها النعاس قبل ان تنظم أمورها ولم تكن تعلم ان عليها الانتقال كل تلك المسافة من الأساس..

أخبرته ان الذهاب الليلة ضرورة ملحة وعليه مساعدتها في الحصول على وسيلة تنقلها الى هناك قبل الساعة الخامسة مساءً بأية طريقة مما دفعه ليهمس بعد ان استشعر إلحاحها: - تمام يا داكتورة، دي خدمة مخصوص مني، انا ليا ابن خال عنده عربية بيطلع بيها رحلات مخصوصة هخليه ياچي لحضرتك، بس الرحلة هتكون مكلفة شوية..
هتفت عين في عجالة: - اللي يطلبه المهم اروح ابوسمبل النهاردة..

اكد الموظف: - تمام، اتفقنا، چهزي نفسك ف خلال نص ساعة هيكون هنا..
هتفت تتعجله: - اعتبرني جاهزة ويا ريت تستعجله، ومتشكرة قووي..
اكد موظف الاستقبال: - تحت امرك يا داكتورة..

أغلقت الهاتف في راحة واندفعت للحمام تحاول إنعاش نفسها قليلا من اثر النعاس وشعرت بالجوع لكن لم يكن هناك من وقت لتناول الطعام فمدت كفها لثمرة تفاح على رأس طبق الفاكهة الموضوع بالطاولة التي تحتل احد جوانب الغرفة قضمت منها للمرة الأولى في شهية، وما ان همت بقضم الثانية حتى كادت تغص بها لفزعها من جراء صوت رنين الهاتف الذي ارتفع فاندفعت اليه مدركة ان السائق قد وصل لينقلها حيث مكان المقابلة التي لم تكن على بال ولا خاطر..

جذبت حقيبة الفدية تضمها لأحضانها عازمة على استعادة اختها مهما حدث وفتحت باب الغرفة مهرولة لتلحق بموعدها..

وصل بها السائق الى ابوسمبل ثم اتجه الى طريق صحراوي يفضي بهما الى المعبد..
أمضت بعض الوقت تتطلع حولها وقد بدأت المغارب تهل سريعا في مثل ذلك الطقس الشتوي
كان الجو باردا على غير العادة ربما في المساء وبعد غياب الشمس يظهر وجه الشتاء الحقيقي على هذه الأرض مما دفعها لتتدثر بمعطفها وتزيد من احكام غطاء رأسها حول رقبتها..

وصل السائق لمنطقة ما خلف المعبد وهمس لها في حذّر: - بصى يا آنسة، مواعيد الزيادة أنتهت
ومش المفروض نبجوا هنا دلوجت، واني مش هجدر استني الصراحة، اني ممكن اروح ف داهية..
همست عين الحياة تستعطفه: - طب مين هيروحني!؟، انا هخلص موضوع بسرعة وارجع معاك..
همس الرجل: - معلش يا آنسة، اتفاجنا كان اني أچيبك واديني وفيت وچبتك، بعد كِده اني مليش صالح، دي فيها خراب بيوت، سلام عليكم..

تركها الرجل وانصرف سريعا غير عابئ بحالتها فقد شعرت بالخوف يأسرها وهي تتقدم لداخل المعبد متطلعة حولها يتهئ لها ان مل تلك التماثيل الشاخصة امامها اشباح قد عادت لها الحياة لتثأر منها لإنتهاكها خصوصيتهم وقداسة معبدهم وتذكرت كل ما قرأته عن لعنة الفراعنة وبدأت تستعيذ سرا رغبة في دفع الشيطان بعيدا عن مخيلتها حتى تصل للمكان المحدد..

تطلعت حولها وبالكاد استطاعت ان تبصر موضع قدميها، كانت تنوي اخراج هاتفها وفتح كشاف الضوء لكنها تذكرت تحذيرات السائق قبل ان يرحل من حراس المعبد..
تسللت ببطء في اتجاه مدخل المعبد وقد خيل لها رمسيس الثاني بتماثيله الأربع على البوابة وكأنهم حرس خاص للمكان وهئ لها انها تسمعهم يمنعونها من الدخول..
لقد بدأت تهزي وعليها الإسراع في مهمتها..

كان هناك رجال على تلة قريبة يراقبون الوضع متعجبين لمرأها تقترب من مدخل المعبد بهذا الحذر سأل احدهم الاخر: - مين دي!؟، وايه اللي جايبها هنا!؟.
رد الاخر: - معرفش، بس ربنا يستر، دي ممكن تبوظ لنا العملية كلها واحنا ما صدقنا هانمسكهم متلبسين..
همس الاخر في ضيق: - ربنا يستر..

أصبحت عين الحياة بداخل المعبد فعلا في تلك الردهة الطويلة المرصوص على جانبيها تماثيل عدة ما استطاعت تبينها لانها ما عادت تستطيع الرؤية فعلا فكان عليها المجازفة وإخراج هاتفها وفتح الإضاءة مع تقليل شدتها قدر الإمكان حتى تستطيع تبين موضع خطواتها..

ارهفت السمع قليلا فتناهى لمسامعها أصوات جدال دائر بالقرب، تسللت حتى وصلت لاحد الأعمدة وأغلقت الإضاءة حتى لا يفطن احد لموضعها، يبدو انهم أفراد العصابة المختطفة لأختها، ضمت الحقيبة لصدرها وبدأت ترتجف رعبا لكن كان عليها الثبات حتى تتم ما هي بصدده بالفعل..
سمعت ذاك الشخص المسربل بالسواد من رأسه حتى اخمص قدميه يهمس لصاحبه: - ليه التأخير دِه كله!؟، اني حاسس ان الأمور فيها حاچة غلط..

هتف صديقه مؤكدا: - لاااه، مفيشي حاچة غلط ولا يحزنون، تلاجيه بس تأمين وحرص زيادة مش اكتر..
ظهرت فجأة امام أعينهما هاتفة في قوة حاولت ادعائها: - والله لا تأمين ولا حاجة ده انا متأخرتش عن ميعادنا وطلبكم جاهز اهو و....
لم تكمل جملتها بل تراجع كلاهما منتفضين مشهرين السلاح بوجهها مما دفعها لتقف رافعة ذراعيها في استسلام وقد سقطت حقيبة الفدية ارضا وصرخت في ذعر: - انا معملتش حاجة غير اللي طلبتوه..

ما ان هم احد الرجلين بأن ينطق حتى ظهر عدد من الرجال خلفها لتصبح هي بين شقى رحا، لا تعلم هل كلاهما أفراد لعصابة واحدة ام عصابتين جاءا ليتقاسما أموال الفدية، لكن اين اختها من كل هذا!؟..
صرخ الرجل الذي يرتدي السواد بحدة وهو لايزل مشهرا السلاح وكذا صديقه: - ايه يا حداد، بجيت بتشغل الحريم وياك ولا ايه!؟.

هتف حداد الرائق الذي كان يقف في غطرسة وخلفه اثنين من رجاله مشهرين السلاح كذلك: - الحريم دي انت اللي تشغلها يا ليل، وبلاش الحركات دي معاي لانها مش هتچيب نتيچة، انچز وهات اللي عنِدك..
هتف ليل الجارحي في سخط: - مش لما نشوفوا مين دي الأول!؟.
هتفت عين وهي ترتجف حتى ان حروفها خرجت مهزوزة بلا معني موجهة حديثها لليل: - انا جيت حسب اتفاقنا..

كلماتها لم تحسن من الوضع بل زادته سوءا عندما صرخ حداد في غضب هادر: - كِده وچب فيك الدبح يا واد الچارحي، شكلكم متفجين!؟، يبجى كنت ناوي على غدر وربنا كشفك على حجيجتك..
وانتفض حداد مندفعا يبتعد عن موضعهم هاتفا في لهجة امرة لرجاله: - خلصوا عليهم وادوني رنة، ياللاه..

وبدأ تبادل النيران بين الطرفين، لكن ذاك الرجل المدعو ليل جذبها اليه ما ان استشعر رغبة حداد في الخلاص منهم ليرتطم كلاهما بأحد الأعمدة قبل ان يختفيا خلفه، صرخت هي في ألم لشدة الارتطام بينما هو ظل على حاله لم يهتز للحظة واستمر في تبادل النيران مع رجال حداد..

كان صدى دوي اطلاق النيران في هذا المكان يثير ارتجافها حرفيا، فاستمرت متسمرة موضعها لم تتزحزح قيد انملة الا انها ابصرت من موضعها وقريبا منها حقيبة الفدية ملقاة ارضا، لا تعرف ماذا دهاها لترتكب ذاك الحمق وتزحف في اتجاه الحقيبة التي تحوى كل ما تملكه عائلتها من أموال جاذبة إياها ليصرخ ليل وهو يراها ترتكب ذاك الحدث الأكثر غباءً على الاطلاق واندفع يصد عنها احدى رصاصات رجال حداد التي كانت لامحالة من نصيبها لولاه جاذبا إياها خلف احد الأعمدة من جديد..

شعرت بالفخر والانتصار لانها استعادت الحقيبة لكنها شهقت في ذعر وقد سقطت نظراتها عليه فرأته يتصبب عرقا جوارها رغم انه لايزل يصوب نحوهم سلاحه متبادلا معهم اطلاق النيران الذي اشتد كثافة بعد ادراكهم اصابته، تخضب كفه بالدماء وهو يضغط على موضع جرحه وبدأ يشحب لونه ويزداد العرق تفصدا من جبينه..

هتف صديقه على الجانب الاخر والذي اصبح يرمى النيران بكثافة اكبر نظرا لإصابة ليل: - انت بخير يا ليل بيه!؟.
هز ليل رأسه مؤكدا في قوة رغم ازدياد وتيرة الألم، وفجأة انقطع سيل الهجوم، كانوا يعتقدون ان رجال حداد قد اكتفوا من ارهابهم فرحلوا، لكن الامر لم يكن كذلك، انها الشرطة التي يستمعون لسرينة عرباتهم وعليهم الرحيل فورا، ظهر صديق ليل مندفعا نحوه هاتفا في قلق: - انت تمام يا ليل بيه!؟.

كان الألم قد بلغ منه مبلغا شديدا لتترنح رأسه وهو يحاول الصمود هامسا: - لااه، مش بخير، رچعني بسرعة للچبل..
قال كلماته ونهض مترنحا يحاول التحامل على نفسه لكن الدنيا غامت امام ناظريه فجأة وسقط فاقدا الوعي بين ذراعي عين الحياة..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة