رواية لن أكتفي منك للكاتبة أماني جلال الفصل السابع عشر
في كافيتريا المستشفى
كان يحتسي القهوة وهو ينظر إلى توترها التي تحاول أن تخفيه، ليبتسم من طرف شفتيه بخفة وهو يضع الفنجان على سطح الطاولة وقال بجدية وهو يراقب رد فعلها
- بصي، إنتى اكيد قاعدة بتفكري ياترى أنا عايز منك إيه وأكيد قعدتنا دي مش عالفاضي كده، صمت قليل ثم سند ساعديه على الطاولة وأكمل، من غير لف ودوران أنا محتاج مساعدة ليا، وأنا بصراحة إخترتك إنتى عشان تكوني المساعدة دي.
نور بإندهاش من كلامه- أنا،! إشمعنى
يوسف بإندفاع- عجبتيني
لتقول نور على نفس إندهاشها: نعم!
يوسف بتدارك الموقف- قصدي عجبني السي في بتاعك وإنك بتدرسي كمان دراسات عليا، يعني مؤهلاتك زي ما أنا عايز وأكتر
نور بإعتذار وتهذيب
- بس أنا فاضلي وقت قليل جدا ع تقديم رسالة الماجيستير ومش هكون فاضية، فعشان كده أنا بعتذر مش هقدر بجد
يوسف بجدية تامة- ده شغل يانور، وغير قابل للرفض
نور بمحاولة يأسها- بس أنا.
قاطعها وهو ينهض وينظر الى ساعة يده
- من غير بس، أنا عندي إجتماع مهم مع مجلس الإدارة لما أخرج عايزك تكوني جاهزة
نور ببلاها وعدم إستيعاب- جاهزة لإيه. مش فاهمة!
- بعد الإجتماع هتعرفي خليكي جاهزة، قال الأخيرة وذهب لتنظر نور الى أثره ثم أخذت تفكر بصوت عالي مضحك
- مساعدة خاصة،! يانهار مش فايت، ياليلة سوخة ياجدعان ده لو إياد شم خبر بس هيعمل مني شاورمة.
آه والله شاورمة، إمممم أنا أحسن حاجة أعملها إني مش هبلغه ولا من شاف ولا من دري لغاية ماهشوف إيه حكاية الحوار ده، أيوة كده شاطرة يانور عشان مايتعفرتش عليكي بزيادة كفاية أوي اللي عمله فيكي لحد دلوقتي. الموضوع مش ناقص جنان.
في غرفة الإجتماعات في الطابق الأخير المخصص لإدارة المستشفى كانو يجلسون حول طاولة طويلة مع المدير العام للمستشفى وبعض الأطباء الكبار الذين يملكون إستثمار فيها، فهذه المستشفى إستثمارية على طراز عالي وهدفها الأول هو جمع المال
إنفتح الباب بعنف بعض الشئ ليظهر من خلاله دكتور يونس الهلالي بطوله الفارع ليعود الآخر ويسند جسده على ظهر الكرسي بثقه ما إن وجده يقف أمامه ليقول بدهشة مصطنعه.
- يونس الهلالي، إيه ده، إيه اللي جابك، في حد يسيب عروسته في صباحيتها وينزل الشغل، تؤ تؤ تؤ كده هيطلع عليك سمعة وحشة يا إبن عمي
ابتسم له يونس بإصفرار ثم توجه نحو الكرسي الخاص به والمخصص لمنصب نائب المدير، ليتكلم مارك
مارك (مدير العام للمستشفى): بما أن الجميع هنا أعلن عن إنضمام دكتور جو مرة أخرى لنا ولكن هذه المرة ليس كطبيب عادي ولكن كمدير تنفيذي لقسم جديد سيتم إفتتاحه بنهاية الأسبوع.
عند هذه النقطة قاطعه يونس بصدمة
- عفوا عن أية قسم تتحدث
كاد مارك أن يتحدث ولكن هنا تدخل جو وقال بتحدي
وهو ينظر له بشماتة
- قسم جديد مختص للحالات الصعبة والمتأخرة نوعا ما، والتي تكلف مبالغ هائلة للعلاج وكما تعلمون بأن الآلاف تموت سنويا بهذه الأمراض فنحن قررنا كا كادر طبي بعد دراسات عميقة بأننا سنوفرها هنا للطبقة المتوسطة والمعدومة وما دون ذلك ومنهم الأيتام والمساكين بالمجان...
أحد المستثمرين بإنزعاج: ونحنا ماذا سنستفاد من كل هذه؟
تدخل مستثمر آخر بتأييد- أجل ماذا سنستفاد؟
يوسف بدهاء- أقوى دعاية إعلانية على مر التاريخ.
وثقا بي بأنها ستجني لنا أرباح طائلة خلال فترة قصيرة جداا، نستطيع أن نقول أشهر معدودة
- انا لست موافقا بتاتا، قالها يونس بصرامة لينظر له يوسف وهو يقول بهدوء شديد
- لماذا؟ هل أنت من كارهي الخير للأخرين أم ماذا.
ضرب يونس يده على طاولة بضيق- أنا لا أريد أن أجني المال من دماء الضعفاء وأن أستغل حاجتهم كدعاية. أرواحهم ليست تجارة
يوسف الهلالي ببرود: ولما لاتقول أن المنفعة متبادلة، دعاية لنا وعلاج بالمجان لهم. على ما أظن أن هذا في قمة الإنصاف وفرصة ذهبية لاتعوض
صرخ يونس بإنفعال من برود الاخر المستفز.
- بل في قمة الأستغلال، صمت وهو ينهج بغضب ثم تكلم بالعربية وهو يكمل، وعلى ما أظن إن هدفك مش ده، أنا متأكد إنك عامل كل ده كستار للي حيحصل بعد كده من كوارث، و أوعى تنكر لأني أنا عارف وفاهم إنت طينتك مصنوعة من إيه فبلاش نحور على بعض...
ضحك يوسف بأعلى صوته ثم قال بإستفزاز متعمد
- هقولهالك زي ما اللمبي قال، إثبت إن أنا مش أنا، ودلوقتي إلتفت إلى الأعضاء وقال بعملية.
- دعونا الأن نلجئ للتصويت ودعنا من هذا الهراء من لديه إعتراض فليرفع يده، ما إن قالها حتى إبتسم بتهكم ما إن رفع يونس يده فقط
ثم قال بإنتصار وهو ينظر إلى عينين يونس بحقارة
- ومن يتفق معي، هنا رفع الجميع يديه ليجز يونس على أسنانه بغيظ، ليجد مارك يعلن قراره بتنفيذ المشروع البشري وهذا بناء على تصويت الأغلبية.
خرج يوسف من غرفة الإجتماعات بعدما إنتهى وإبتسامة إنتصار تزين وجهه ليجد نور تقف عن قرب وهي تحمل سجل المرضى بيدها ليتحرك نحوها بثقة وما إن وقف أمامها حتى مسك ذقنها و رفع رأسها له ليقابل عينيها المذهولة من حركته الغير متوقعة هذه ليقول بكبرياء
- وشك حلو عليا
أبعدت نور يده عنها بضيق ثم أخذت تقول بجدية
- لو سمحت يادكتور ياريت تلتزم بالحدود اللي بينا وماتتعدهاش
تجاهل كلامها وكأنه لم يسمعها وقال- يلا بينا.
نور بإستغرب من طريقته فهي ظنت بأنه سيعتذر منها أو حتى يغضب لتتنهد ثم قالت بهدوء
- على فين؟
- على مكتبي، ما ان قالها حتى وجدها تسأله بإستفسار- ليه، وعشان إيه!
يوسف وهو يضعها أمام الأمر الواقع
- بصي يانور أنا بلغت الإدارة بإنك بقيتي مساعدتي الخاصة خلاص وهما وافقو. ويلا دلوقتي عشان نلحق نبدء بالشغل
ليتوقف ما ان نطقت نور بغيظ: و شغل إيه ده بقا، اللي انا شكلي كده إدبست فيه...
إقترب منها بخطوة وهو يقول بحاجب مرفوع
- إنتى أسئلتك كتيرة كده ليه...
رجعت نور خطوة إلى الخلف لكي تضع مسافة بينهم مناسبة ثم أخذت تقول بتوضيح
- وبعدين أسئلتي كتيرة عشان لسة مش فاهمة. ماهو لازم حضرتك تفهمني أنا مابحبش أشتغل ع العمياني كده وااا.
قاطعها يوسف بإنفعال مزعج: إنتى رغاية كده ليه، تعالي ورايا وأنا هفهمك على كل حاجة، قالها وهو يذهب أمامها نحو مكتبه لتتنهد بصوت عالي وهي تحتضن السجل الذي بيدها ثم ذهبت ورائه بإختناق من هذا اليوم المزعج...
في شركة الهواري بالتحديد مكتب إياد الهواري الذي كان ينظر إلى صاحبه بإهتمام تام وهو يخبره بما حدث معه وما إن إنتهى حتى قال بإستفسار
- إممم وناوي تعمل إيه
نطق أيمن باختناق وصوت اقرب مايكون للهمس.
- مش عارف...
ليقول إياد بتفكير- بس تعرف سارة دي لعبتها صح وعرفت تجيبك من قفاك...
ثم أكمل بإعجاب بشخصيتها بنت ذكية بميت راجل خلتك إنت اللي تجري وراها ومش بس كده ده بعد ما إنتا كنت رافض فكرة الجواز من أساسه وعمره ماكان في مخططاتك خلتك تقف قدامي كده مولع عشان رفضتك، هههههه تصدق شمتان فيك
نهض أيمن بغيظ عن مقعده وهو يقول
- مش وقت رخامتك يا إياد باشا...
رفع إياد حاجبه بتعجب- رخامتك وباشا؟ هههههه والله ماليها لازم الباشا دي
وضع يده على سطح المكتب وقال بإبتسامة غيظ
- ما شاء الله دي نور عرفت ترجعلك الضحكة من تاني
صك إياد على أسنانه بضيق وهو يقول
- نور دي بقا ااااخ لو حد يعترني فيها دلوقتي لهقطم رقبتها
أيمن بفضول
- الله،! هو إنتا لحقت تقلب عليها، هو حصل حاجة، ولا شكلها كده بدأت تعلم عليك
إياد بقصف جبهة.
- تعلم عليا،! ليه مفكرني أيمن، وبعدين حصل ما حصلش مالكش فيه خليك في حالك أنا وحبيبتي حاشر نفسك ليه مابينا ياغتت
- بقا كده، قالها وهو يعتدل بوقفته لينظر له إياد بتأكيد وهو يقول
- آه كده، ويلا بقا هوينا عشان أنا إتخنقت منك وجبت أخري معاك روح شوف شغلك.
- لا أنا كده مش هعرف أشتغل عقلي كله عند ست الحسن والجمال، قالها بغيظ شديد لا يعرف أهو منها أو من نفسه الذي تفاجئ بشدة تفكيره بها لدرجة أصابته بصداع نصفي فهو لم ينام او يأكل حتى الآن والساعة قاربت السادسة مساء
نظر له إياد بتمعن قال بحزن على حاله- للدرجاتي ياصاحبي
تنهد بتعب- مع الآسف
إياد بنصيحة- روح كلمها وعرفها أهميتها قد ايه في حياتك.
أيمن بمكابرة مضحكة- نعممم لا طبعا، إنتا عايزني أكلم مين، دي بتحلم لو عبرتها بعد كده
أبتسم إياد على كلامه وقال بخبث: مش مصدقك ياصاحبي حاسس إن كلامك ده مش من قلبك عامل زي كلام الليل مدهون بزبدة يسيح اول ما النهار يطلع عليه
- عيب عليك، إحنا رجالة أوى مش عيال توتو قالها بثبات غريب جدا وهو ينظر إلى أبعد نقطة وهمية ممكن يقع بصره عليها.
بعد مايقارب النصف ساعة كان يستند على سيارته أمام عمارتها السكنية وهو ينظر إلى المدخل ليقف بإعتدال ما إن وجدها تخرج بإنزعاج مصطنع وتصعد إلى السيارة دون أن تنطق حرف واحد ما ان فتح لها الباب ليلتفت هو أيضا بقلة حيلة أمام قلبه الذي بدء يعلن عصيانه له أمامها جلس خلف عجلة القيادة وإنطلق بها نحو أحد المطاعم المشهورة.
وما إن وصل إلى المكان المحدد حتى توقف لتنزل بهدوء وهي تنظر بإنبهار إلى المنظر فالمكان كان رائع حقا مطعم هادئ جدا مفتوح بالهواء الطلق بديكورات خشبية مميزه على الشاطئ وعلى كل طاولة منهم كان هناك مصباح صغير باللون الذهبي مماجعل المكان ساحر وخاصتا مع السماء الممزوجة باللون البرتقالي، أي وقت الغروب مما جعل الأجواء فوق الخيال.
مسك يدها وذهب بها نحو طاولة مخصصة لهم وما إن سحب لها الكرسي حتى جلست بهدوء ليذهب ويجلس أمامها بتوتر لايعرف ماسببه، إقترب منهم النادل ليطلب لهم العشاء وما إن ذهب حتى وجدها تقول بندفاع غاضب
- نعم عايز إيه،؟
أيمن بحب: وحشتيني
سارة بعدم إقتناع: ده أنا لسة كنت معاك من كام ساعة بس
مال بجسده على الطالة وقال بعدما غمزها بمشاكسة
- بس ليه حاسس إنك مشتاقة ليا أكتر ما أنا مشتاقلك.
سارة بتهرب من عينيه اللامعة التي جعلتها تود أن تذهب وتقبله بجنون ولكنها تماسكت وقالت بغرور مصطنع
- مين اللي قال كده إنتا بقيت عراف وأنا معرفش
نهض عن كرسيه وذهب يجلس إلى جانبها لتجده ما إن جلس حتى إحتضنها بذراعه وبيده الأخرى مسك كف يدها وقبلها بعشق لمس قلبها ليقول بصوت مبحوح أجش
- صرصورة، إنتى حبيبتي، عارفة يعني إيه حبيبتي
يعني عمري كله اللي جاي
نظرت له وقالت بترقب- طب واللي راح.
تنهد بألم وقال- وجع، عذاب، ظلام، إثم كبير نفسي أدفنه وياريت تساعديني على كده
سحبت يدها منه وهي تقول برفض وإصرار
- لاء مش هقدر أساعدك على حاجة أنا مش عارفة هي إيه، وبعدين إنتا عامل زي اللي عايز يقفل جرح كبير من غير تنظيف وميعرفش إنه كده بأذى نفسه لدرجة إنه ممكن يموت فيها، الماضي لو ماتخلصتش منه هيأثر على حاضرك ومستقبلك...
نظر لها بعتاب- إنتا ليه غاوية تتعبيني وتتعبي نفسك...
إلتفتت له لتكون معه وجها لوجه وهي تقول بجدية
- عشان ده مش ماضي وخلاص لاء إنتا لسه بتمشي عليه، نفسي أسمعك عشان أديك عذر
أيمن بستفهام: تديني عذر على إيه
- على خيانتك
قالتها بدون أي مقدمات ليصعق من ردها ويهتز ثباته بطريقة ملحوظة لتبتسم بوجع فهي قلتها بإندفاع هكذا لترى رد فعله
أيمن بتهرب وغضب: بلاش تخاريف، مش طالبة غيرة دلوقتي
أومأت له بنعم وأخذت تقول بمسايرة.
- صح هي تخاريف وغيرة وكلام فاضي كمان وانا بأكد على كلامك، بس لما كل يوم أشم ريحة برفان حريمي على هدومك، آه صح نسيت إن حضرتك قولتلي إنها عميلة عندكم ووقعت عقد معاها فحبت تباركلك. فاكرة لما قولتلي كده. بس تعرف المشكلة مش هنا، آه والله مش هنا
المشكلة ان كل يوم نفس البرفان متغيرش بس كل مابسأل إيه ده بتطلعلي بألف عذر وكل مرة حكاية شكل.
بس بردو خلينا وراك ماشي ياسيدي هصدقك بس ياترى ستات ميلانو كلها بقت تحط نفس نوع البرفان، ولا ده بقا تريند خاص فيهم وانا معرفش
صمتت لثواني وصمت هو أيضا لم يعرف ماذا يقول لتقول هي بشرود حزين، إمبارح في فرح دكتور يونس لما سحبت البنت ترقص معاك وأنا جيت زقتها من حضنك، وأول ما حضنتك، لفت الدنيا بيا.
حسيت بأن كل حاجة بقت قدام عنيا سودة أول ما شميت ريحتها في مناخيري، ريحتها، اللي كل مرة بشمها عليك، هي دي صاحبة البرفان
نظر لها أيمن بعيون حمراء كالدم ليخرج علبة السجائر ليسحب واحدة منها ويضعها بين شفتيه الغليظة وهو يقول: بإختصار، عايزة تقولي إيه.
توترت سارة لوهلة من مظهره هذا الذي أصبح يدل على قطاعين الطرق ولكن سرعان ما إرتدت قناع القوة وأكملت: عايزة أقول، إن البنت دي اللي كانت في الحفلة هي نفس البنت اللي بتقابلها كل يوم. وده بيديني أكبر دليل إنك على...
- على إيه، قاطعها بها وهو يسحب نفس عميق من سجارته ليقطب جبينه بإنزعاج ما ان قالت بقوة
- على علاقة معاها.
نظر لها وأخذ نفس قوي مرة أخرى ونفثه على وجهها بحرقة قلب عرف كيف يداريه جيدا ليقول ببرود مستفز: شاطرة، وياترى عرفتيها لوحدك ولا حد قالك.
جزت على أسنانها لدرجة أنها كادت أن تتحطم من طريقة كلامه، اخذت تنظر حولها وهي ترتجف من غضبها ليقع نظرها على سكين على الطاولة لتمسكه بيدها وباليد الأخرى سحبته نحوها من ياقة قميصه لتضع نحر السكين على عنقه بقوة وبحركة سريعة جدا ولكنها لاتعرف بحركتها هذه جعلت غضبه يتبخر لتتحول نظراته لها لإعجاب قوي و صريح فهذه النوع يجذبه الى ابعد حد
سارة بغيرة مجنونة- يعني أعتبر ده إعتراف منك بالخيانة.
ايمن بحب وهو ينظر لها وإبهامه بدء يداعب وجنتها الناعمة وهو يقول: إهدي ياحبيبتي وسيبي اللعبة دي من إيدك لتعورك
كادت أن ترفض ولكن سرعان ما أبعدت السكين ما إن وضع النادل الطعام على الطاولة ليتفاجئ بمنظرهم هذا. ليعتدل أيمن بجلسته ثم غمز للنادل بإبتسامة خبيثة فابتسم النادل وأومئ له وذهب بهدوء
كادت أن تنفجر به مرة أخرى ولكن صمتت بذهول ما إن وجدته يبدء بتناول الطعام وكأن شئا لم يحدث.
وما إن لاحظ نظراتها حتى قال
- لا كلام على الطعام، بعد الأكل هجاوب على كل اسئلتك ياحبيبتي
نظرت له بطرف عينها وقالت بستهزاء- اللهم قوى إيمانك يا شيخ أيمن ثم بدأت بتناول طعامها هي أيضا
بعد مدة كانت تنظر إلى ذلك النادل وهو يقوم بحمل الأطباق والذي ما إن إنتهى وقدم لهم الشاي حتى قالت بدون مقدمات
- انا مستنية أسمع منك
- نشرب الشاي الأول، قالها وهو يرفع القدح أمامها لتقول بضجر
- يوووووه شكلنا مش هنخلص الليلة.
نظر إلى غيظها اللذيذ بإبتسامة عذبة ثم أخذ يرتشفه بإستمتاع وهو ينظر إلى جمال ورقت ملامحها ليلاحظ إحمرار وجنتيها ما إن لاحظت كثرة تأمله بها
- وعيت على نفسي وانا في الشارع، قال كلماته هذه بدون مقدمات مما جعلها تعتدل بجلستها وتنصت له بإهتمام لتجده ينظر إلى البحر المظلم الذي عكس ظلام الليل لا أكثر
أيمن بحزن وهو يتجول على سطور الماضي.
- كان عندي وقتها تسع سنين، يمكن أقل، يمكن أكتر مش فاكر بالضبط، كل اللي أعرفه هو إن إسمي أيمن مين اللي سماني مش عارف، أنا إبن حلال أو إبن حرام بردو مش عارف. أصلي مصري بجد ولا لاء.
كل اللي أعرفه إني أيمن ولد من أولاد الشوارع، كنا عايشين في عشوائيات كده، نشتغل في كل حاجة نغسل عربيات، نبيع مناديل في إشارات المرور، ونشحت، وساعات كنا بنسرق الأكل من المحلات لما بنجوع، أو نسرق هدوم من سطوح الناس لما البرد يقرصنا جامد...
وفضلت على كده لحد مابقا عمري 16 سنة وقتها بدأت أشتغل مع راجل عجوز على عربية خضار، وفي يوم طلعت الخضار لواحدة لحد شقتها لانها إتحججت بالتعب و كان عندها كده تقريبا فوق التلاتين سنة
وأول ما دخلنا لقيتها قفلت الباب وبدأت تقرب مني ودي كانت أول مره ألمس فيها ست.
ظهر الإشمئزاز الشديد على وجه سارة لتجده يكمل بوجع ساخر- الحكاية مش هنا، الحكاية لما خلصنا لاقتها بتديني فلوس وبتقولي لما هعوزك هناديلك هههههههههههه
تصوري
وقتها بصيت للفلوس اللي بإيدي شوية وحسيت لأول مرة في حياتي بالإهانة، لقيتني من غير تفكير حطيتهم في إيديها وخرجت 20 جنية من جيبي اللي كانت حيلتي وقتها ورميتهم عليها وقولتلها لما أنا أعوزك هبقى أفكر أجيلك مع إني ما اظنش اصل أدائك مش قد كده...
وخرجت وأنا مخنوق من الدنيا بحالها و رجعت أشتغل في غسيل العربيات من تاني بس في مكان نضيف بس كان ليا صحبي محتاج يعمل عملية ومحتاج فلوس
وفي يوم وقفت عربية مرسيدس سودة كان باين عليها إنها بتاعت واحد فوق أوي، فغسلتها ولما جه صاحبها بالصدفة إتخبطت فيه وهوبا إختفى موبايله ومحفظته من جيبه ياسبحان الله تقولي تبخره
نطقت سارة بصدمة: سرقته؟
أيمن بتأكيد- أكيد ماهو وقتها مش معقولة أسيبه يمشي كده وأنا محتاج فلوس لعملية صاحبي
سارة بصدمة أكبر: يعني إنت طلعت حرامي
أيمن بتهكم حزين- ياريت
لتقول سارة وهي على نفس حالها: ياريت!
تنهد بإختناق لأن اللى جاى أصعب بكتير م اللي فات.
- بس حظي وحش لما الراجل حس بإنه إتسرق بعت رجالته عليا وفي خلال دقايق كانوا بيرموني قدامه وقتها فكرت بأنه هيطلب مني أني ارجع الفلوس بس لقيته بيختبرني إختبارات كتير وبعدين رمى قدامي قد اللي سرقته منه أضعاف في مقابل إني أشتغل معاه وأنا وفقت فورا بس بشرط إنه يعالج صاحبي وهو وافق، ومن يومها بدأت أشتغل مع، رحيم الهواري
سارة بترقب: مين الراجل ده
أيمن بغل: أوسخ حد ممكن تسمعي عنه في حياتك.
سارة بخوف- ياستار يارب، للدرجادي، ليه هو بيشتغل في إيه
ليقول أيمن وهو شارد بنظره: فى كل حاجة شمال.
مخدرات، تجارة سلاح، تهريب، أثار، إشتغلت بكل حاجة إلا حاجة واحدة بس
- إيه هي، قالتها بصوت مهزور تحاول أن تحافظ على ثباتها من ما تسمع
أيمن بهدوء
- تجارة الأعضاء
لتقول سارة بأعصاب متعبة
- إشمعنى دي رفضتها...
أيمن بجهل- مش عارف صدقيني مش عارف، بس في أخر فترة إشتغل فيها رحيم أنا أصريت إني أكون بعيد عن المجال ده بس لما أجبرني عليها كرهت الدنيا بما فيها وكرهته هو، كانت حياتي عبارة عن ضلمة لحد ماشفتها، كانت حلوة أوي وبريئة أوي وشقية أوي
سارة بإستغراب وغيرة من طريقة كلامه عليها
- مين دي؟
- ملك أدهم الهواري بنت عم إياد الهواري، كان رحيم عينه منها وعايز يأذيها من سنين كنت بساعده إنه يوصلها في الأول وفعلا قدر يأذيها جامد في بيتها وجوزها، بس، لما وقعت تحت إيده في الآخر لقيت نفسي بحاول أحميها، معرفش إذا كان ده حب ولا إعجاب بس كنت مستعد أحميها بروحي في وقتها...
صمت وسرح بها قليلا ثم أكمل، تعرفي هي شبهك أوي بس لون شعرها مختلف عنك
سارة بغيرة وزعل
- عشان كده حبتني، عشان في شبه مابينا مش كده.
أيمن بصدق
- لاء، أنا حبيت روحك اللي بتختلف تماما عنها، إنتى غيرها...
لاحظ ضيقها الشديد من سيرة ملك ليقول بختام الموضوع، وبعدها ياستي رحيم مات وأنا صفيت كل الشغل الشمال بتاع رحيم وخليت بس الشركات بعدها صفتها كل حاجة هناك ونقلت هنا على ميلانو زى ما طلب إياد
سارة بخوف على نور ما إن ذكر إياد لتقول بتساؤل
- وإياد إيه علاقته بالليلة دي.
أيمن بنفي- إياد ماكنش يعرف بكل ده، كان في الأول بيدور على بنت عمه وفجأة بقى في يوم وليلة، مجنون ليله، وبس هي دي الحكاية
سارة بعدم إقتناع
- لاء مش بس كده، في كمان حاجة مخبيها وااا صمتت ما إن وجدته ينفجر بإنفعال وضيق شديد.
- كنت بعرف ستات كتير اوي، إااارتحتي دلوقتي كنت بجيب بنات تحت السن القانوني كل يوم لرحيم، وبسمع صريخهم مالي المكان كل ليلة وكتير منهم ماتو بين إيديه وأرجع أنضف قذراته بالنهار عشان أغطي عليه
شعر بإختناق ما إن وجد نظراتها له تدل على صدمتها به من كلامه هذا ليكمل بإنفعال قوي وإندفاع غير مدروس فأعصابه قد تعبت حقا.
- والبنت اللي شفتيها في الحفلة أيوة أنا على علاقة معاها بس متعدتش السرير، يبقا متكبريش الموضوع حكاية كلها نزوة مش أكتر
سارة بنفس إنفعاله
- قصدك تصرفات حيوانية مش أكتر
مسك رأسه بتعب وقال
- اعتبريها زي ماتعتبريها بس ده اللي حصل
سارة بجرح عميق
- آه ده اللي حصل، وانا لازم أسكت وأعدي وأتقبل الواقع. وأقول ماهي نزوة وعدت
رفع نظره له مره اخر وهو يقول بترجي وصدق.
- هي فعلا نزوة وعدت، سارة إنتى روحي أنا كنت بحبك آه بس ماكنتش وصلت للدرجة دي في حبك فكرت إني لما هكون معاكي هيقل الإعجاب ده بس العكس هو اللى حصل و زاد أضعاف...
و صدقيني أول ماقربت من غيرك عرفت قيمتك كنت بتخيلها إنتى، وصدقيني هي مرة واحدة بس والله العظيم مرة بس، لحظة ضعف مش أكتر، إعتبريها محصلتش ولا عمرها هتحصل، إنسيها أصلا. إنسيها عشان خاطري، ده أنا بحبك.
نظرت له سارة بضياع من كمية الإعترافات التي سمعتها عن أية حب يتكلم، لقد خمنت الكثير والكثير واكثرت من ظن السوء به ولكنها لم تصل لنصف حقيقته البشعة هذه ولكن وجع خيانته لها تعدى الوجع الآخر، لأول مرة في حياتها تشعر بهذا الألم والضياع الذي بدء يغزوها دون رحمة...
(لاتحزني عزيزتي من بجاحته امامكي، فكل خاين يختلق لنفسه ألف عذر وعذر ليقنع نفسه بأنه فعل الصواب ).