قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لمن يهوى القلب الجزء الثاني بقلم فاطمة حمدي الفصل السابع عشر

رواية لمن يهوى القلب الجزء الثاني بقلم فاطمة حمدي

رواية لمن يهوى القلب الجزء الثاني (بعنوان: مذاق الحب والألم) بقلم فاطمة حمدي الفصل السابع عشر

بعد مرور عدة ساعات...
قد استيقظ أدهم وشعر بصداع الرأس يهاجمه بلا رحمة ..لكنه تحامل على نفسه وهو يفتح عيناه ويغلقهما بصعوبة عدة مرات حتى اتضحت الرؤية كاملة أمامه ..وأول ما رأت عينيه ..رأت زوجته ملك وهي تميل عليه بعينيها الدامعتين وتقول بتلهف:
-أدهم ...حبيبي طمني عليك ..أدهم أنت كويس؟
فأومأ لها برأسه صامتًا ...بينما تقدمت والدته وسألته نفس سؤال زوجته:
-أدهم ؟, رد عليا حبيبي أنت كويس؟

هز رأسه مجددًا بالإيجاب وخرج صوته خافتًا:
-كويس ...
-الحمد لله على سلامتك يا حبيبي ..
هكذا نطقت چيهان بارتياح، بينما ربتت ملك على مقدمة رأسه المجروح برفق وهي تسأله بحنو:
-حاسس بإيه يا أدهم؟
لم يرد أدهم ..إنما حدق بالفراغ وتصلبت ملامحه كالصخر عندما تذكر ما حدث معه ..من تلك اللعنة التي تسمى تمارا ..
ضغط على نواجذه بشدة وهو يكور قبضة يده ويضرب الفراش بقوة ويصرخ بكلمة خرجت نابعة من فؤاده:
-السافلة .السااافلة ...

بينما يكمل بنبرة عنيفة:
-هي فييين؟ راحت فين؟!
فأجابته ملك مسرعة:
-اهدى بالله عليك يا أدهم تغور في داهية المهم صحتك أهدى عشان خاطري ..
-تغور؟ دي هتقضي بقية عمرها في السجن ....ااااه.

هكذا أنهى جملته بصراخ جراء ألم رأسه الحاد ..لتربت ملك على كتفه وتحاول احتوائه قد المستطاع وهي تقول بحزن:
-يا حبيبي أهدى ..الكلام هيتعبك ...تقوم بس بالسلامة وابقى اعمل كل اللي عاوزه ..ممكن دلوقتي متفكرش في حاجة ؟!
أغمض عينيه مستسلما لكلامها ذاك ..لكن كانت كل خلايا جسده ترتعش من شدة الغضب ...ناهيك عن شعوره المخزي ونفوره من كل شيء ..رأسه في دوامة شديدة ..يتمنى أن تنتهي ولكن كيف ؟!

هذه مست شرفه ..وطعنته بكل قوتها ..كيف خدعته بهذه القذارة ؟! كيف واتتها الجرئة لتحمل من غيره وتأت بطفل جاء بطريقة غير شرعية لتوهمه أنه ولده هو !!!
كيف صدق لُعبتها ؟! كيف لم يكتشف ؟!
كل هذا كان يدور برأسه المتألم ....ثم هبطت دمعة ساخنة حارقة من عينه على وجنته ..دمعة أبت أن تبقى أسيرة عينيه ....

خرجت چيهان من الغرفة وأجرت اتصال على ابنتها ميرال ..لتطمئن عليها ...أجابت ميرال بصوت بدا عليه الانهاك الشديد ....
لتبادرها چيهان بالرد:
-طمنيني عليكي يا حبيبتي؟
لكن ميرال قالت بقلق:
-طمنيني أنتِ على أدهم يا ماما ..؟

-كويس يا حبيبتي متقلقيش جات سليمة الحمدلله .. المهم أنتِ خلي بالك من نفسك كويس على ما أجيلك يا قلبي ..إن شاء الله مش هتأخر ..
ميهمكيش يا ماما ..أهم حاجة أدهم ..أنا هقفل عشان هنام ..وأغلقت ميرال الهاتف على ذلك ..
وبكت بحزن وهي تقول بقهر:
-أنا محتجالك أوي يا علي ..!

وعلى جانب آخر..
كان يقف علي في شرفة المنزل بعد أن أبدل ملابسه ..ووقف في حزن تام ووجوم ..شاردًا بالطبع فيها هي ..
حبيبته الصغيرة المسكينة ..
كيف تركها وحدها هكذا وانصاع لطلبها ؟!
لما لا يأخذها وإن كان رغما عنها !! ..ويعتني بها عنوة !
يغمرها بحنانه كما اعتادت واعتاد ..
لكن كيف ؟!

وهي أصرت كل الاصرار ..بأن يذهب وحده ..ويتركها وشأنها ..
هذا ليس ذنبه ..هي من اختارت وهو وافق مرغمًا ..
آه يا ميـرال ... لو تعلمين ما يحمله القلب لكِ ..من نبضات لا تنبض إلا في حضرتك ..!

-علي !
هكذا انتشلته السيدة سميرة من شروده وأيقظته ..لتتابع بحزم هادئ:
-مش هتاكل معايا ولا إيه بقى؟!
استدار علي بجسده وأخبرها بغير نفس:
-لأ يا ماما معلش مش هقدر ..
-وأكل لوحدي؟ يا حبيبي أنتوا مش أول زوجين تختلفوا ياما بيحصل وعاجلا أم آجلا ميرال هترجع لحضنك ..

علي بصراحة تامة:
-أنا خايف عليها ..خايف تأذي نفسها بتفكيرها دا ...خايف يجرالها حاجة وهي بعيدة عني ..وخايف أنا اللي يجرالي حاجة وأنا بعيد عنها ..أنا بحبها يا ماما ومعرفتش يعني إيه حب إلا لما شوفتها !
اقتربت الأم لتربت على كتفه وتقول برفق:
-أنا متأكدة إنكم هتجتمعوا تاني وقريب كمان ميرال بس أعصابها تعبانة وأول ما تهدى هتلاقيها بتتصل بيك وبتقولك تعالى خدني يا علي ..صدقني يا حبيبي ...

أومأ علي برأسه في صمت ..واستكملت الأم بمرح:
-عشان خاطري ممكن تفك بقى ؟أنا جعانة وعاوزاك تاكل معايا يا أبو علي ..
قبّل علي كف يدها بهدوء وسار معها إلى طاولة الطعام..بينما يسألها بحزن يشوبه بعض القلق:
-چنا فين؟
فأجابت الأم صارمة:
-راحت لجوزها أنا اللي طلبت منها كدا ..خليها تتأدب شوية .. أنا بجد مش قادرة أصدق ولا استوعب إن دي چنا بنتي !
علي قائلا بجدية:
-ربنا يهديها يا ماما ..
-يارب ....

استطاعت سانــدرا أن تترك حازم قليلا وتنزل إلى الصيدلية المجاورة للبيت رغم اعيائها ..وعادت له بمسكن قوي نصح به الطبيب الصيدلي ...وأقبلت عليه وحاولت أن تسنده ظهره على قدر استطاعتها ..وبالفعل نجحت في ذلك لتُدخل الدواء في فمه برفق وتسقيه بالماء فيبتلعها ببطء ...بينما تريح ظهره على الفراش وتجفف جبينه الندي بالمنديل .. رويداً رويداً بدأ يسكن جسده المرتجف بشدة ..وكأنه في دنيا غير الدنيا .. ودقائق معدودة حتى بدأ في النوم العميق ...
وظلت ساندرا جواره وجوار ابنتها ..تارة تقوم بارضاعها وتارة أخرى تمسح العرق عن جبينه ..بينما تتألم قليلا جراء جرح بطنها ..
بينما قالت بخفوت من بين دموعها المتوسلة:
-يارب نجيه واعفو عنه ..يارب ..

في شقة ما ..
يبدو أنها شقة من الشقق المفروشة..في مكانٍ بعيد إلى حد ما ..يخلو من الازدحام والضوضاء ..
ولجت تمـارا بصحبة شادي وهي تتلفت يمينًا ويسارًا بازدراء ..بينما تقول باستهجان:
-إيه المكان المقرف دا ؟, أنت عاوزني أنا تمارا الجزار أعيش هنا ؟؟أنت بتستهبل ؟؟
شادي وقد تكلم في تهكم:
-والله ما حد بيستهبل غيرك .. أنتِ هربانة وبتتأمري كمان ؟!
-اخرس خالص يا حيوان ..

هكذا قالت وهي تجلس على الأريكة واضعة قدما فوق الأخرى وتكمل بلهجة استهزاء::
-أدخل واقفل الباب في بينا حساب مخلصش .. !
أغلق شادي الباب واتجه ناحيتها جالسا بسخرية ..بينما يتابع:
-حساب إيه ؟!
-حسابك على اللي عملته يا بيبي ..أنت بتبلغ أدهم بكل حاجة ؟! آه يا خسيس !
-لمي لسانك ..وبعدين مين قالك إن أنا اللي بلغته ؟!
تمارا وقد وقفت بشراسة عارمة ومن ثم فاجئته بصفعة عنيفة على وجهه ..مع صراخها:
-هو مين يعرف غيرك يا ندل !!!

توسعت عيني شادي ورمقها بنظرة ذاهلة قبل أن ينهض ويرد لها الصفعة صفعتين !
وتحتد المشاجرة بينما يسبها بأبشع الكلمات ..وتبادله هي كمن فقدت عقلها ..تركض إلى المطبخ تبحث عن سلاح تحمي به ذاتها ..
فلم يمهلها الفرصة ويلتقط هو سكين حاد قبلها ..ضاقت عيناه وهو يتوعدها قائلا:
-تمارا الجزار حان الوقت عشان تسافري للآخرة ..كفاية قرف بقى !
واندفع نحوها بحركة مفاجئة ..غارزا السكين في بطنها ..وهامسًا في أذنيها؛
-هتوحشيني ..نتقابل في جهنم ..

شخصت أبصارها وانحنى جسدها بصدمة ..ضاقت أنفاسها ولم تستعب ما جرى في أقل من الثانية ...هل ستنتهي حياتها الآن ؟!
هل خسرت كل شئ؟ ...كل شئ!
لم يكتف شادي بطعنة واحدة فقط..بل أخرج السكين وأدخله عدة مرات بعدة طعنات ...
وتعالت صرخاتها تتألم بحسرة لم تشعر بها من قبل ..
انتهى!
انتهى كل شيء...
صمت صراخها وتوقفت أنفاسها بعد صراع في أن تخرج من جسدها .....
رحلت "تمـارا الجزار" في لحظة واحدة !....

بينما قام شادي بمسح بصماته عن السكين وأخفى كل شئ يمكن أن يدينه ...وتركها باصقا عليها ...وبرح المكان على الفور !

بعد مرور ثلاثة أيام ..
في القصر ... كان قد تعافى أدهم إلى حد ما وها هو الآن يجلس بصحبة زوجته ملك في شرفة غرفتهما .. بينما كان شادرا طوال الوقت ...حتى وإن حادثته ملك يكتفي بالرد المختصر عليها ويعود لشروده مجددا ..
-ادهم؟
تكلمت ملك وهي تقترب منه أكثر متابعة بعتاب:
-ليه رجعت الولد لأبو تمارا ومامتها؟
نظر لها أدهم وقد توهجت عيناه بحمرة غاضبة:
-عشان هما أولى بعار بنتهم !

ملك وقد تابعت بضعف:
-بس الولد مالوش ذنب وكمان إنت اتعلقت بيه يا أدهم ..يبقى ليه تفرط فيه ؟
-عشان أنا مش هربي طفل إبن حرام ..وقلبي اللي اتعلق بيه هدوس عليه ..فهمتي يا ملك؟
ولم يمهلها فرصة للتحدث ثانية ..ليقول:
-مش عاوز كلام في الموضوع دا تاني .. الموضوع دا اتقفل تماما ..مفهوم ؟!
تنهدت بضيق وقالت:
-مفهوم ..بس ممكن أنت كمان تنسى اللي حصل وتبدأ تعيش حياتك !
فما كان من أدهم إلا أن قال بحدة شديدة:
-مش قبل ما تمارا تظهر وأنتقم منها على اللي عملته ..!

-فاخر ..أنا هموت من القلق على تمارا ،ياترى راحت فين؟
كانت عبارة سهيـر القلقة للغاية على غياب ابنتها ..وكان يجلس قبالتها فاخر وهو يحمل الطفل بعد أن أحضرته له المربية الجديدة والتي ستتولى رعايته بالكامل في عدم وجوده ...
ينظر لها فاخر بنظرة قاتلة وهي يقول بعصبية:
-خايفة عليها؟ ..ياما ترجيتك تخافي عليها اشمعنا دلوقتي يا سهير ؟! فرحانة باللي عملته ؟! بنتك فرطت في كل حاجة ...فرطت في شرفها يا هانم وأنتي السبب ..خايفة أوي ؟فاكرة نفسك أم ؟!؟؟

وضعت سهير كلتا يديها على أذنيها لا تريد أن تسمع حديثه ..لتقول بصياح:
-اسكت ..اسكت حرام عليك أنا مش مستحملة ...
ليقول فاخر بمرارة:
-الله أعلم تمارا مصيرها إيه وهي فين دلوقتي ..حسبي الله ونعم الوكيل ..ربنا ينتقم منك يا سهير ..يارتني ما عاشرتك ولا سيبتك تربي البنات ...أنا كمان السبب عشان جبتلهم أم زيك ميهمهاش إلا نفسها ...
تركته سهير وانصرفت بانهيار وهي تردد بانزعاج:
-أنت إيه يا شيخ ...مابتحسش !!!!!

جلست ساندرا في شرفة المنزل بعد أن نيمت صغيرتها نور ...ثلاثة أيام عجاف بعد غياب زوجها حازم ...واختفاء شقيقتها تمارا وعلمها بما فعلت ..كان الحزن مسيطرا عليها..
في الأخير هي شقيقتها ..وخسارة كبيرة لها أن تكون بمثل هذه البشاعة !
فات أوان كل شئ لها ..تمارا لن تعود هكذا قلبها يحدثها ...لكن عقلها كان سينفجر من شدة التفكير ....أين اختفت؟!!!!!
تنهدت ساندرا بثقل ..وراحت تتذكر زوجها أيضا ...الذي عانى أشد الآلآم الأيام الماضية ..

قبل يومين ...
وبعد أن تناول مسكنه وشعر بصمت الآلام قليلا ..أحضرها وأخبرها بانهاك:
-مش هقدر أتعالج قدامك وهنا في البيت يا ساندرا أنا لازم أدخل مصحة ..
ساندرا بقلق بالغ:
-مصحة ؟ بس ...
-اسمعي بس يا ساندرا ..لازم أدخل دا الحل الوحيد أنا كنت داخل جمعية كبيرة وقبضتها وكنت ناوي مبلغها أتعالج بيه ..وهروح مستشفى كويسة جدا ..أنا سألت وعرفت كل حاجة ..الحكاية كلها اسبوعين تلاتة وهرجع بس هرجع نضيف بإذن واحد أحد ..

هزت رأسها موافقة رغم خوفها وقلقها من هذه اللحظة ...ليتابع حازم وهو يجذبها نحوه برفق:
-مش عاوزك تخافي وأنا مش موجود ..متقلقيش من أي حاجة ..الشيخ محمود وعدني إنه يخلي باله منكم لحد ما أرجع ..
-طب هيكون فيه زيارات ؟
-هيكون فيه ..بس بلاش تيجي يا حبيبتي.. مش عاو...
وضعت يدها على فمه قائلة بحنو:
-هجيلك وهكون جنبك يا حازم مينفعش مجيش ..الزيارات هتفرق كتير في نفسيتك ..أرجوك يا حازم مترفضش ...

حازم متنهدا بصبر:
-ماشي ....يا أغلى حاجة في حياتي ..
هكذا ختم كلامه مبتسما ومغازلا ..فتعود من شرودها ودموعها تنهمر من عينيها بكثرة ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة