قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لمن يهوى القلب الجزء الثاني بقلم فاطمة حمدي الفصل الثامن عشر والأخير

رواية لمن يهوى القلب الجزء الثاني بقلم فاطمة حمدي

رواية لمن يهوى القلب الجزء الثاني (بعنوان: مذاق الحب والألم) بقلم فاطمة حمدي الفصل الثامن عشر والأخير

في ڤيلا فاخر الجزار ..
تلقى فاخـر مكالمة هاتفية برقم مجهول ..فرد على الاتصال بتلهف وهو يقول:
-أيوة ..مين؟
فجاءه الرد من الطرف الاخر:
-حضرتك أستاذ فاخر الجزار ...اللي كنت مقدم بلاغ عن اختفاء بنتك تمام ؟
فاخر وهو يزدرد لعابه بصعوبة:
-أيوة ..

-بنت حضرتك لقيناها مقتولة في شقة مفروشة في منطقة (....) ...
وقع الهاتف من يده وجحظت عيناه كمن نزلت عليه صاعقة ....
ونطق اسمها والدموع انفجرت من عينيه لا اراديا:
-تمارا !! ..

هرولت إليه سهير في هذه اللحظة وهي تمسك كتفه وتسأله بخوف شديد:
-في إيه يا فاخر ..في إيه؟؟
ليدفعها فاخر بمرارة وهو يصرخ:
-ابعدي عني ..بنتك مااااتت يا سهير ماتت !
أطلقت سهير صرخة عالية وهي تضع يديها على وجنتيها بارتعاش ....لتقول بصدمة عارمة:
-تمارا بنتي !

-دلوقتي بنتك !, الله ينتقم منك ..الله ينتقم منك ..
كان يبكي بكاء متواصلا بلا توقف ..صدمة كبيرة ما أشدها !
ليته ما بقى على قيد الحياة ليتلقى هذه الصدمة العنيفة ..
-أنتِ طالق ..طالق بالتلاتة وتحرمي عليا ليوم الدين !
هكذا نطق وهو في كامل قواه العقلية.. ويكمل بمرارة:
-هروح عشان أشوف البنت وأرجع ملاقيكش هنا ولا توريني وشك تاني أبدا ..

أصبحت صدمة سهير اثنتين ..لتقول ببكاء مرير:
-فاخر ! ..أبوس ايدك خدني معاك أشوف بنتي بس عشان خاطري يا فاخر وبعدها همشي للأبد ...
راح يدفعها بعنف هاتفا:
-مالكيش خاطر عندي ..
انصرف على ذلك ركضا ..وهبطت هي على ركبتيها تبكي بحسرة شديدة.. لم تصدق ولم تستعب موت ابنتها !
أهكذا ينقلب الحال في غمضة عين، والحيّ يصبح ميت ؟!

والسعيد ..تعيس! ..الهانئ بائس !
هل طلقها زوجها ؟! وستترك هذا المُلك وترحل خاسرة كل شيء؟ ....
هل خسرت ابنتها ؟!!!!!
هكذا كان عقلها يدور بذهول تام ....وظنت لوهلة ..أن هذا العالم ظالم ..غير منصف ..ويا ليتها تعلم أنها من ظلمت نفسها وابنتها !

بعد مرور شهر من هذه الآلام الصارخة ...
استطاع أدهم قليلا أن يعود للحياة ..لكنه لم يعد بكامل قواه النفسية ..
كل ما حدث معه ترك ندبة كبيرة على قلبه ..
لا يعلم هل سيرممها الزمان ؟أم سيعيش بقية العمر حزينًا كما هو حاله الآن ؟! ...
رغبة تجتاحه في العودة لحياته وزوجته ...وتنافسها رهبة وخوف من هذه العودة ....

ترى ماذا تخبئ له الأيام أيضًا ؟!
كعادته كان شاردًا في الشرفة ..لفترة طويلة ...قبل أن تأتي زوجته ملك توقظه وتقول بتذمر:
-يا أدهم !!!
ينظر لها أدهم ويقول بهدوء:
-نعم يا ملك ..
اقتربت منه وقالت بدلال:
-إيه بقى يا أدهم ..هو إحنا مش هنعيش طبعيين أبدا ..أنت بجد وحشتني ووحشتني ضحكتك جدا ..عشان خاطري بقى إرجع أدهم بتاع زمان ..

هز أدهم رأسه موافقًا وقال بتنهيدة طويلة:
-أنا كمان نفسي أرجع بس مش عارف إزاي يا ملك! أنا حاسس إني اتبهدلت واتمسح بكرامتي الأرض ..مش من دلوقتي من أيام بابا ما كان عايش وكان ماسح شخصيتي خالص وبيقودني زي ما هو عايز ..وكل حاجة هو اللي يقررها ..كرامتي اتهانت يوم ما وافقت أخلي واحدة زي تمارا على ذمتي ..كرامتي اتهانت يوم ما شيطاني وسوسلي وخلاني أقرب منها وأنا كنت مغفل مأقدرتش اكتشف إنها أصلا مش بنت وعاملة عملية ترجعها بنت وكمان حامل ! قد إيه أنا مغفل !! قدرت تضحك عليا بسهولة ..حتى لما اكتشفت إنها محملتش مني متوقعتش إنها حامل من قبل ما ألمسها أصلا !

راحت ملك تربت عليه وتقول بحزن::
-ربنا هيعوضك يا حبيبي ..كويس إن كل واحد أخد جزاءه وكويس إنك عرفت الحقيقة والزفت اللي اسمه شادي دا اتقبض عليه واعترف بكل حاجة..خلاص يا أدهم الكابوس اللي كنا فيه انتهى ..تعالى نركز في حياتنا وننسى اللي فات صدقني مهما تزعل مش هتعمل حاجة ..من فضلك !
طال صمت أدهم ..لتردف ملك برفق:
-وبعدين يا سيدي ما عاش ولا كان اللي يمسح كرامتك ..دا أنت أدهم الجزار ..أجمل الرجال على الأقل في عين مراتك حبيبتك ..

نظر لها فقالت بمرح:
-أيوة أنا مراتك حبيبتك ..صح ولا أنت غيرت رأيك ؟!
ابتسم أدهم برفق أخيرا ..وأخذها بين ذراعيه في ضمة قوية مع قوله:
-حبيبتي الأولى والأخيرة ..سامحيني يا ملك عشان يوم ما عاقبتك كنت بعاقب نفسي ..أنا آسف يا ملك ..
-حبيبي يا أدهم أنا مش عاوزة حاجة من الدنيا غيرك أوعدني ترجعلي أدهم بتاع زمان ..
أومأ برأسه موافقًا وأخبرها:
-أوعدك...

كذلك استطاعت سانـدرا أن تعود للحياة بعد دوامة حزن كبيرة على شقيقتها تمـارا، استطاعت أن تقف كما كانت صامدة لأجل ابنتها وزوجها ..
زوجها ؟!
كم كان مثابرًا وداعمًا لها بعد أن تعافى تمام المعافاة من السموم التي كانت تنهش في جسده ..
عاد حازم إلى الحياة نظيفًا ولطيفًا ..
نعم كان لطيفًا لأبعد حد معها ..شاركها حزنها وغمرها بحنانه ..
تذكرت ساندرا حين قال لها بذهول:
-يعني مامتك بقت في الشارع ملهاش مأوى ؟!

فأخبرته باكية بضعف:
-أيوة ..وبصراحة حاسة إني بتألم عشانها مهما كان هي أمي وعارفة إن بابا معذور ..بس أنا مش عارفة أعملها إيه بجد !!
ليقول حازم بعد تفكير عميق:
-إيه رأيك نأجر لها شقة ..تقعد فيها وأنا الحمدلله ربنا فتحها عليا في الشغل وأقدر ادفع حق الإيجار ..
نظرت له ساندرا بصدمة وقالت:
-بس أنت ذنبك إيه يا حازم؟!

حازم وهو يمسح دموعها ويقبل وجنتها:
-عشان خاطرك أعمل أي حاجة.. وعشان خاطر بنتي ...أنتي ناسية إنها جدتها برضوه ؟! صحيح هي مش بتحبني بس كله لوجه الله تعالى ..
ارتمت ساندرا في حضنه بقوة وتابعت بحب بالغ:
-أجمل حاجة وكل حاجة في حياتي يا حازم ..أنت أحسن راجل في الدنيا كلها يا حبيبي ..
كان يربت على ظهرها ويضمها إليه بحنان ..يخبرها بهمس حنون:
-مافيش أجمل منك ..

فتسأله مجددا بتوتر شديد:
-حازم يعني أن مش متضايق من اللي حصل وموضوع تمارا بجد ؟!
تنهد حازم ومسح على شعرها برفق:
-ماتفتحيش الموضوع دا سبق وقلتلك أنتِ اللي تهميني وتخصيني ...مافيش حاجة تانية تهمني ومش زعلان ..نسأل الله أن يغفر لها وبس ..ممكن بقى تفكي وكفاية حزن؟ أنا عارف إن اللي حصل كان صعب جدًا عليكي ..بس خلينا ننسى ماشي ؟

فاقت ساندرا من شرودها على لمسة حانية بالطبع كانت لمسته هو ,لتلتفت إليه وتبتسم له، ثم تضع رأسها على صدره وتقص عليه كيف كان يومها:
-رحت زورت ماما النهاردة وكمان بابا واتطمنت عليه .. الحمدلله بدأوا يتحسنوا عن الأول ..
-طب كويس يا حبيبتي...
-وتعرف عملت إيه كمان؟
-إيه ؟
ابتسمت وهي تدفن وجهها بين ضلوعه:
-محشي ..
حازم ضاحكا:
-لأ بجد؟

-آه والله أنا أصلا بقالي أسبوع بتدرب عليه عشان أفاجئك وغلبت طنط فوزية معايا بصراحة على ما عرفت وفهمت بس نور ورتني الويل كنت أحشي صوباع وأقعد جنبها ساعتين بس الحمدلله أنجزت قبل ما تيجي أنت من الشغل ..
استكمل ضاحكا::
-تسلم إيديك ..

-بس يارب يعجبك ومتزعلش مني زي أيام زمان لما كنت بعملك مكرونة بشاميل طعمها أستغفر الله العظيم يعني !
ضحكا معًا وهما يتذكران بداية زواجهما وكيف كان حالهما ..
ثم بعد ذلك نهضت ساندرا تسكب الطعام في الصحون، وحمل حازم صغيرته ليُشبع عينيه منها ويقبلها بلهفة أب حنون ..
بينما طُرق الباب فنهض حازم وهو يحمل طفلته ليفتح ..فإذا بشقيقته رغدة ...

تتوتر وتزدرد ريقها بصعوبة وتتراجع بصمت ..ظنت أنها لن تجده الآن وستنعم بحضن الصغيرة نور في عدم حضوره ..استدارت ماشية ببطء لكنه أوقفها بندائه الصارم:
-استني يا رغدة ..تعالي !
التفتت رغدة إليه بارتباك فأفسح لها الطريق وهو يقول بنفس ذات الصرامة:
-ادخلي ...
لم تصدق أنه يحادثها من الأساس ..بل ويسمح لها بالدخول في حضرته ..

دخلت بالفعل على استحياء ...فمنذ أن عادت تجرُ خلفها أذيال الخيبة وهو لا ينطق معها بحرف ..رغم أنه جلب لها كامل حقوقها من زوجها سابقا وطلقها منه رغم أنفه وأنف الجميع ..فعلمت حينها أنه سندها الذي ستتكئ عليه حتى وإن علش عمره كله يعاقبها ..لكنه أبدا لن يسمح لآخر أن ينهش فيها !
ناولها حازم الطفلة وقال بجدية لكن ملامحه كانت لينة إلى حد كبير:
-خلي نور معاكي ..على ما ساندرا تغرف الأكل وأنا هصلي العصر ...

بينما انصرف حازم من أمامها وتركها تبتسم بسعادة وهي تقبل الصغيرة نور ..
توجه حازم إلى المطبخ حيث توجد زوجته التي سألته:
-مين اللي جه يا حازم؟
فأجاب وهو يلتقط واحدة من الطعام الذي تتصاعد أبخرته ورائحته النفاذة:
-رغدة ...
-بجد ؟, طبعا نزلت صح ؟!

حرك رأسه نافيا وهو يقول بينما يلوك الطعام بفمه:
-لأ يا ساسو ..قاعدة برا مع نور ..اعملي حسابها عشان هتتغدى معانا ..
ابتسمت ساندرا بحب:
-يا سلام عليك يا حزوم ..بحبك أوي.
قبّل رأسها بينما يخبرها بغمزة:
-المحشي جامد جدا على فكرة بقيتي شيف أهو ..
-شيف مرة واحدة ! طيب يا سيدي شكرا جدا جدا ..
-العفو جدا جدا ..أنا داخل أصلي وجاي ..
انصرف ضاحكا مثلها ..وأكملت ساندرا اعداد الطعام بحماس وهي تدعو الله أن يديم النعم والستر عليهما دائمًا ......

ارتدت ميـرال ملابسها ..بعد أن أعدت حقيبتها ولملمت أغراضها عازمة على العودة إلى مسكنها ومأمنها ..
"علي" حبيبها الذي توسلها كثيرًا بأن تعود له لكنها كانت ترفض ولم تسمع له قط ..
لم تستطع العد عنه أكثر من ذلك ..ستهرول إليه تاركة خلفها كل شيء وكل آمالُها أن يستقبلها ويحتضنها ولا يردها خائبة كما فعلت هي معه !
نزلت درجات السلم حيث الردهة وحيث تجلس أسرتها ..
والدتها وأدهم وملك ..

اتجهت نحوهم ووضعت الحقيبة بهدوء ..لينهض أدهم ويسألها بجدية:
-على فين يا ميرال وشايلة حاجتك كدا؟!
-راحة لعلي ..
هكذا أخبرته بدموع حبيسة ونبرة مختنقة ..لتقول والدتها بحزم:
-كدا من نفسك؟ دا لسة كان من يومين بيتحايل عليكي في الموبايل ترجعي وأنتي رفضتي ..!
تابعت ميرال باختناق:
-عشان أنا حمارة ..ومش حاسة بالنعمة اللي ربنا إدهاني وافتريت عليه ..أنا لازم أصلح اللي عملته وأروح أعتذر لعلي وهدعي ربنا إنه يقبل اعتذاري ..

تنهدت الأم قائلة:
-طب كنتي كلمتيه يا حبيبتي يجي ياخدك على الأقل ..
-لأ يا ماما معلش أنا حابة أنا اللي أروح ..
فقال أدهم:
-استني هطلع أغير وهاجي أوصلك ..
رفضت ملك وهي تقول:
-لأ يا أدهم ...أنا العربية هتوصلني لحد هناك من فضلك سيبني على راحتي ..

كاد أدهم أن يتكلم ثانية ..لتقول ملك بهدوء:
-سيبها على راحتها يا أدهم طالما العربية هتوصلها مافيش مشكلة ..
تنهد أدهم وتابع بصبر:
-ماشي يا ميرال ..خلي بالك من نفسك ..

صافحت ميرال الجميع بدورها وانصرفت وهي تكاد تسابق الزمن في الوصول إلى "علي" ...

بعد مرور نصف ساعة تقريباً .كانت قد وصلت إلى بيت والدته ...هي تعلم أنه يقيم معها منذ أن تركته ..
طرقت الباب وفتحت لها السيدة سميرة ..التي ابتسمت ما إن رأتها وقالت مرحبة:
-ميرال !! تعالي اتفضلي ..
دخلت ميرال وعانقتها باشتياق ..ثم قالت بصدق:
-وحشتيني أوي يا طنط سميرة ..

أردفت سميرة بعتاب:
-لو كنت وحشتك بصحيح مكنتيش بعدتي عننا كل دا !
-حقك عليا كنت فاكرة إني بكدا بريح نفسي من تأنيب الضمير وبريح علي مني ..بس اكتشفت إني بقهر نفسي وبقهر علي ..أنا آسفة يا طنط سميرة..
-يا حبيبتي إنتي لازم تفهمي إن ربنا بيعوض وبيرزق الجميع من فضله وأنتي بقى نصيبك الحلو من الدنيا كان جوزك تقومي ترفضي النصيب الحلو دا ؟
-أنا فعلا غلطانة ..هو علي فين؟

أخبرتها:
-لسة في الشغل ..زمانه على وصول ..دا مش هيصدق نفسه لما يجي ....إدخلي غيري هدومك وتعالي نقعد مع بعض على ما يجي ..
أومأت ميرال برأسها ودخلت الغرفة التي تنعم برائحة زوجها ..ملابسه المعلقة التي اقتربت منها واحتضنتها مستنشقة إياها باشتياق بالغ..
أغمضت عينيها وابتسمت ...فيما تردد بهمس:
-وحشتني يا علي..

كان ماهـر ..مازال يعاقب چنا بجفاءه عليها وخصامه الذي لا يحتمل ..
وكانت هي راضية وتحاول إرضاءه أيضا ...
لكنه كان يرفضها دائما ..لا تعلم أهو بغضها بالفعل أم فقط يعاقبها؟
أدخلها في حيرة شديدة ودوامة لا تعلم أين آخرها !
حتى بعدما اعتذرت لوالدته أمامه وأصبحت معاملتها بها طيبة للغاية ..
هو مُصر على موقفه منها !
-ماهر !

نطقت بإسمه وهو يجلس أمام التلفاز يشاهد شيء ما عليه ..فنظر لها وقال بلا اهتمام:
-نعم !
-طب أعمل إيه عشان أرضيك ؟, أنا حقيقي تعبت أنا فيا كل الصفات الوحشة ندمانة مافيش عندك غفران ؟!
لم يرد عليها كالعادة وسيتركها تتكلم وتبكي ثم تنام متعبة ..هل أصبح قلبه قطعة من الحجر ؟! ..
ألن يغفر ويعفو !!!!!
اتجهت إلى غرفتها باكية بمرارة ولكن هذه المرة كانت مختلفة ...حيث أنه نهض خلفها وقبل أن تصل إلى السرير كانت بين أحضانه...
نعم يعانقها أخيرا ويربت عليها ..

لقد اكتفى بهذا القدر من العقاب القاسي ..وانتهى وقت الجفاء ..ليعود ماهر الحنون ...
وسألته من بين دموعها:
-سامحتني ؟
هز رأسه ومسح دموعها قائلاً::
-أيوة ..وبحبك ..
ابتسمت بود ومسحت دموعها بهدوء وهي تقول بارتياح:
-أوعدك عمري ما هرجع زي ما كنت ..هكون إنسانة تانية تماما ..
-وأنا متأكد من كدا يا چنا ..
صمتت قليلاً قبيل أن تقول:
-ممكن أروح أزور ماما النهاردة .. حابة أصالحها ممكن؟
-طبعا ممكن .....

عاد علي إلى المنزل بعد مرور الوقت ..وجلس مع والدته على الأريكة وهو يقول لها بهدوء:
-سلام عليكم يا ماما ..
-عليكم السلام يا حبيبي ..اتأخرت ليه كدا النهاردة؟
أجابها:
-كان عندي شغل كتير ..
-طيب يا علي قوم غير هدومك على ما أحضر الأكل يا حبيبي..
-ماشي يا ماما ..

نهض ما إن أنهى جملته متجهًا نحو الغرفة ..فضحكت الأم بخفوت وهي تذهب إلى المطبخ ..
دخل علي إلى الغرفة وصُدم ..عندما وجد ميرال تجلس على الفراش وتبتسم له بصمت ..
ازدرد ريقه وتسارعت أنفاسه ودقات قلبه ،لم يحرك ساكنا وبقى كما هو ينظر لها بصمت وكذلك هي ..لكنها بادرت ونهضت مقتربة منه ..قالت وهي تقترب منه للغاية حتى التصقت به:
-أنا آسفة ..

وعلى عكس توقعها ...استدار علي بجسده قائلا بجدية صارمة:
-جيتي ليه ؟!
له الحق في هذا الغضب وهي تعلم ...لذا احتضنت ظهره وهي تهمس بحب:
-أنا عارفة إني زودتها أوي يا علي ...بس أنا جيتلك مسلمة وبقولك إني كنت غلطانة أوي وبتمنى تسامحني يا حبيبي ...
أغمض عينيه متماسكا ومغالبا شعوره نحوها الآن ...لتتابع ميرال بإصرار:
-مستعدة أعيش خدامة تحت رجلك حتى يا علي ،سامحني عشان خاطري ..

عندئذ التفت لها وعانقها بقوة ..اعتصر جسدها بين ذراعيه ،يرفعها عن الأرض بتلهف ويدور بها عدة مرات فتضحك عاليا ..يتوقف قليلا وينظر لها قائلا بعتاب:
-ماتقوليش أعيش خدامة دي تاني عمرك ولا هتكوني كدا يا رخمة ..يا غلسة ..يا مجنناني ..بحبـــك !
-بموت فيك والله ..
فقال بعتاب بعد جملتها هذه:
-اه بأمارة المدة دي كلها اللي بعدتيها عني صح ؟!

-بجد يا علي أنا آسفة جدا معلش عيلة صغيرة بقى وغلطت !؛
-فعلا ولولا إنك عيلة صغيرة مكنتش سكتلك أصلا !
قهقهت ضاحكة بينما تقول من بين ضحكاتها:
-عمري ما هبعد عنك أبدًا تاني أبدا يا علي ..
أنزلها على قدميها واحتضن وجهها بين كفيه متابعا بتنهيدة حارة:
-هونت عليكي تحرميني منك كل دا ؟, مش عارف أعمل فيكي إيه بس !!
-خلاص بقى يا علي عشان خاطري..

سمعا معا صوت يأتي من الخارج وبالتحديد صوت چنا ووالدته ..
تسمرت ميرال مكانها وهي تقول بضيق:
-دا صوت چنا !
-أيوة ..

بعد قليل...
چنا بنبرة نادمة:
-أنا جيت النهاردة عشان أخلص ضميري من ربنا وأتمنى يا ماما إنك تسامحيني وعلي وميرال .. أنا بجد ندمانه جدا على اللي عملته وعمري ما هأذي حد تاني ..
ثم نظرت إلى ميرال وقالت:
-حقك عليا يا ميرال أنا مهما قلت عارفة إنك هتفضلي زعلانة مني ..
فما كان من ميرال إلا أن نهضت إلى الغرفة فقد ذكرتها بيومِ ذبحتها فيه ...

ضمت چنا شفتيها معا بضيق وترقرقت العبرات في عينيها عندما قالت:
-أنا آسفة يا علي ..أرجوك تسامحني ..
-خلاص يا چنا ! حصل خير ..ميرال شوية وهتهدى وكله هيكون تمام ..
وربتت الأم على كتفها وقالت بابتسامة:
-ربنا يهديكي يابنتي ويصلح حالك دايما ...
نهض علي بعد ذلك إلى الغرفة حيث كانت تبكي ميرال ...

جلس جوارها وحاوط كتفيها بذراعه، فقالت على الفور من بين دموعها:
-سامحني يا علي أنا مش هقدر أسامحها متزعلش مني ..
-طب اهدي بس ..ماحدش هيجبرك تسامحيها يا حبيبتي..
-هي أذتني وهدت أكتر حلم كان نفسي يتحقق يا علي مش قادرة أسامح !
-الحلم هيتحقق ..ربنا كبير وهيرزقنا ...وساعتها هتسامحي أنا متأكد ..!

-كنت دايمًا أسأل نفسي ...يعني إيه هوى ؟ولما شوفتك قلبي هو اللي عرفني يعني إيه هوى ! لأن قلبي كان بيهوى دايما ملك ..ملك وبس ..ورغم كل الألم في علاقتنا ..كان بينا حب ! وحب كبير بيزيد مع كل يوم ..لأ مع كل ساعة ..
هكذا أمطر عليها هذه الكلمات وهو يصاحبها في وقفته داخل الشرفة وتحت أضواء القمر الساحرة ..

تميل ملك برأسها على كتفه وتخبره أيضاً:
-لو فتحت قلبي مش هتلاقي غير حبك ..سبحان الله رغم كل اللي حصل يا أدهم ورغم المشاكل والوجع عمر مكانتك ما اتهزت في قلبي ...كنت عارفة إن أي تصرف منك مش منك برضوه يعني مش في وعيك مش راضي مش عاوز بس ساعات الدنيا لما بتقسى علينا بتخلينا نعمل حاجات عمرنا ما كنا نتخيل إننا نعملها ..إحنا الاتنين غلطنا يا أدهم وأخدنا جزاءنا بتمنى اللي جاي يكون خير من ربنا ويرزقنا فيه ذرية صالحة تربطنا ببعض أكتر وتملى حياتنا بهجة وسعادة ..

-وأنا بتمنى عمري لو فيه بقية أعيشها جنبك وبس ...وراضي بكل حاجة تحصل طالما أنتِ موجودة ...
وختم كلامه بكلمة نابعة من الفؤاد:
-بحبك يا ملك وعمري ما حبيت غيرك..
أضافت مكملة هي الأخرى لتُخبره:
-وأنا قلبي مافهوش إلا "أدهم الجزار"...

تسير الحياة رغم مذاق الألم ...طالما كان الحُب يسكن قلوبنا ..
وقلوبنا لا تهوى إلا الذي يهوانا...

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة