قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول بقلم فاطمة حمدي

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع

( رواية بونسوار سابقا )

صُدمَ جميع الواقفين مما قال!، زوجة من؟ وعن من يتحدث هو؟..
مؤكداً أنه جَن!
-أنت مجنــون!
كانت جملة ((تمارا)) التي تقدمت منهما وترمق الفتاة بنظرات نارية.. ثم تردف بشراسةٍ:
-أنت أكيد بتهزر!، ما هو مش معقول تتجوز عليا في يوم فرحنا!

وكان رده عليها ضحكة متهكمة صاحبتها نظرة هازئة قبيل أن يقول بحدة:
-فرحنا!.. وأتجوز عليكِ؟، أنتِ صدقتي نفسك ولا إيه؟
وصمت قليلًا وهو يضم زوجته إليه غير عابئا بنظرات والده القاتلة المصوبة نحوه في صمت، ثم استطرد بجدية:
-قصدك إتجوزتك أنتِ عليها!
توسعت عيني ((شوقي)) وتمعن تلك الفتاة!، هي ذاتها التي اعترض على زواجه منها منذ عام كامل!، ولكن ماذا يعني الذي يقوله إبنه؟

ولم يتردد في أن يسأله بصرامة شديدة:
-يعني إيه اتجوزتها عليها؟، مش فااااااااهم وضح كلامك يا بيه!
أدهم وقد قال بمنتهى الهدوء:
-يعني ملك مراتي وجه الوقت اللي لازم الكل يعرف إنها مراتي، وزي ما حطتني قدام الأمر الواقع، أنا بقى بحطك قدام الأمر الواقع برضوه، ومراتي هتبقى معايا من الليلة دي..

بينما قالت والدته جيهان بعدم تصديق:
-معقول اللي بتقوله يا أدهم، ازاي تتجوز من غير علمنا يابني، لا يا أدهم أنت غلطان!
-مش أنا الغلطان يا ماما، الغلطان هو اللي خلاني أعمل كدا ومصمم يحدد لي حياتي زي ما يريد!
ليصيح شوقي منفعلًا:
-البنت دي مش هتعيش معانا هنا.. أنت فاهم؟، وهتطلقها!
ابتسم أدهم وقال:
-دا على جثتي، ملك هتعيش معايا هنا ولو مش حابب همشي معاها ومش هتشوفني تاني... نهائياً!

احترق قلب والدته ألما، فقالت مسرعة:
-لا!، ماتقولش كدا يا أدهم، إياك تقول كدا!،،، خلاص يا شوقي، خلاص كفاية!
-كفاية؟، كفاية يعني إيه؟، أخليه يقعدها هنا ويعمل راسه براسي؟، أنتِ اتجننتي!
-اومال هتعمل إيه؟ هتضيع ابني مني؟، لو ناوي تعمل كدا أنا همشي معاه يا شوقي فاهم!
كز على شفتيه بينما يقول:
-أنتِ بتقولي إيه؟ ! عاوزة تسيبي البيت؟

-طالما مبتسمعش غير صوت نفسك وبس يا شوقي، قلت لإبنك اتجوز تمارا وكبرك وسط الناس واتجوزها، اسمعه أنت بقى ولو لمرة واحدة!
فهتفت "تمارا" التي تحررت عن صمتها:
-حضرتك بتقولي إيه يا أنطي؟، بليز سيبي عمو يتصرف،،، ثم أشارت لها بتهكم وقالت:
-دي مش ممكن تعيش معانا!
حينها أدمعت عيني ((ملك)) وراحت ترمق أدهم بنظرة معاتبة حزينة فهو من جلبها لكل هذا الهراء الذي يحدث أمامها، ليضغط كفها بين راحة كفه ويقول جازا على أسنانه:
-أنتِ بالذات ماتتكلميش، أنتِ مالكيش أي صفة هنا، اسكتي خالص!

عقدت ساعديها أمام صدرها في حنق وزفرت الهواء من شفتيها ثم صمتت، بينما انصرف شوقي غاضبًا وكاظما غيظه بشدة..
واتبعته جيهان في محاولة منها لتهدئته تجاه أدهم.
اشتعلت تمارا غضبًا ووهجت ملامحها بشراسة وهي تراه يصطحبها معه ويصعد إلى غرفته أي غُرفتها أيضًا!
لتركض خلفه وتهتف فلا يعريها اهتمام ويواصل طريقه، ثم يلج إلى الغرفة ويغلق بابها في وجهها فوراً، لعنته سرا واستندت إلى الجدار من خلفها وهي تهمس:
-ربنا ياخدها!

أغلق الباب بعد دقائق واستند عليه عاقدا ساعداه أمام صدره ليتلقى أول نظرة عتاب منها، قبل أن تستدير وتعطيه ظهرها.. ثم تتأمل الغرفة بتفحص ونظرات منزعجة..
رغم أنها شعرت بالراحة تجتاح قلبها.. لأنها في غرفته التي تسكن رائحته في كل ركنٍ فيها.. وشعورا بالأمان غريب يتملكها..
شعرت به يحتضنها من الخلف ويسند ذقنه على كتفها، ثم يسألها برفق:
-زعلانة ليه؟، مش عاجبك ذوق الأوضة صح؟!..

زفرت بهدوءٍ واستدارت تواجهه بعينيها مرة أخرى وقالت بحزن:
-أنت مش عارف أنت عملت فيا إيه؟
رفع حاجبا مع قوله الأجش:
-عملت اللي كان لازم يتعمل، ومش هعيد الكلام مرتين يا ملك!
ابتعدت عنها بغضب وراحت تهتف:
-أنت رمتني في النار يا أدهم، أعيش إزاي في القصر والكل رافض وجودي، أدهم...

قاطعها وقد اقترب منها:
-مش الكل رافض وجودك، أضمنلك إن ماما وميرال هيحبوكي جدا وأنتِ كمان ودول الاهم، كدا كدا بابا دايمًا في الشغل ومتخافيش دي مسألة وقت وشوية شوية هيستسلم للامر الواقع وهيسكت...
لم يرضها كلامه.. هي بالأساس لم تكن لتأتي معه، لكنه أجبرها.. أو بالأحرى لم تستطع هي رفض طلبا له..
نظرت إلى عينيه مطولاً وهي تسأله بقلق:
-طيب ومراتك الجديدة!

خرجت جملتها مشبعة بالغيرة القاتلة وقد لألأت عينيها بالعبرات، فاحتضن وجهها بين كفيه وابتسم قائلًا:
-لولا إني وافقت اتجوزها مكنتش عرفت أخليكِ تبقي معايا يا ملوكتي، دي مجرد جوازة على ورق ملهاش أي مكان في حياتي، ومش عاوز أشوف الحزن دا في عينيكي تاني!
حركت رأسها سلباً وكأنها ترفض ما يقول، لتقول:
-بس هي حلوة، وممكن تخليك تحبها يا أدهم!

انفجرت في بكاء مرير ما إن ختمت جملتها، فضحك بشدة وضمها إليه مع قوله:
-يبقى أنتِ مش واثقة في أدهم اللي عيشتي معاه سنتين كاملين!
ثم أبعدها قليلًا وراح يمنحها قبلة عميقة فوق جبهتها ومرر يده فوق شعرها الناعم برفق وتابع هامسًا:
-وبعدين أنتِ أحلى منها.. طب حد يكون معاه واحدة بغمازات ويبص لواحدة تانية؟
ابتسمت رغمًا عنها فبرزت غمازتي وجنتيها أكثر، فراح يقبل احداهما وأخبرها بنبرة صادقة:
-بحبك..
عانقته بقوة وأغمضت عينيها هُنيهة بين أحضانه فهدأ قلبها طالما كانت أحضانه دائماً هي مسكنها ومأمنها...

كانت تسير ذهابا وإيابًا بغيظ شديد، وجملته التي قالها تتردد على مسامعها فتزيدها جنونا على جنونها...
-قصدك إتجوزتك أنتِ عليها! -
هذا يعني أن علاقته بالمدعية زوجته قوية؟..
نعم هي رأت نظراتهما جيداً.. وعلمت موقفها.. وموقفها ضعيف.. ضعيف للغاية!
لكنها.. -هي- ليست بضعيفة!
الضعف لا يليق بها!
إنها أول جولة.. تراها تستسلم بسهولة؟!

ستنفيها وتقضي عليها وستأسره كما وعدته.. لتكون حكايتها هي والجزار كأساطير العشق..
سمعت فجأة صوت سيارة تدور! فأسرعت إلى الشرفة لتجده أدهم.. قد ركب سيارته وانصرف..
فابتسمت بمكر.. لقد ترك عصفورته وحيدة بدونه مع الصقر..
حسناً ستضع لها النقط فوق الحروف وستريها مكانتها هنا وحدودها التي لن تسمح لها بتعديها...
لذا اتجهت فوراً إلى الغرفة.. وطرقت الباب ببطء حتى فتحت ((ملك))، فتمعنت النظر لها وجابت بعينيها أسفل قدميها إلى أعلى رأسها..

تبدو هادئة وصغيرة سنا.. لا تنكر أن ملامحها جميلة.. وللغاية أيضا..
وشعرها طويلا ناعماً بلون البندق كعينيها!
لكنها -وبالطبع- لم تكن أجمل من تمارا الجزار!
-خير؟
بادرت ملك بالحديث وسألتها بترقب، لتدفعها تمارا بحدة وتدخل الغرفة قائلة ببرود:
-أهلا!
زفرت ملك وفضلت الصمت.. فتابعت تمارا بسخريةٍ:
-أنتِ مين؟ مين أهلك؟
ملك بجدية:
-نعم؟!

-أقصد يعني باباكِ بيشتغل إيه، تفاصيلك إيه يعني؟!
ضاقت عينا ملك قبل أن ترد عليها بحدة:
-ودا يخصك في إيه؟، أتمنى ماتتدخليش في حاجة مالكيش فيها..
اتسعت عيناها بغضب ناري، فهتفت:
-أنا كل حاجة هنا تخصني، ماتنسيش إني مرات أدهم، وكمان دا بيت عمو، يعني كلنا كدا أهل، ومافيش غريب إلا أنتِ!
-خلصتي؟

سألتها بتهكمٍ سافر، ثم أردفت بصرامة:
-برا بقى عشان عاوزة أنام..
ولم تتردد ملك في أن تدفعها خارج الغرفة في سرعة وتغلق الباب ثم توصده جيداً عليها، وصرخت تمارا بعنف وقد صدر منها لفظا بذيئا...

مر إسبوع ولم تحادثه منذ أخر حوار دار بينهما..
كانت تتألم من شدة الاشتياق وتريد رؤيته بأي وسيلة..
عجبا لها وحالها.. هي أحبته بالفعل؟
أحبت حازم؟ الوحش الأسمر كما أسمته في مخيلتها؟
-ساندرا!

هتاف من خلفها جعل قلبها يكاد يقع بين قدميها من شدة خفقاته، لتلتفت فتصطدم برؤيته، تقدم حازم وعيناه تحملان عتابا خاصا امتزج بالشوق!
ليقول بهمس صارم:
-ليه مابترديش عليا؟!
استعادت رباطة جأشها وأخبرته بحزم رفيق:
-ماينفعش تجيلي الجامعة لأي سبب من الأسباب يا حازم!
-حازم؟
طب والله كويس إنك فاكرة إسمي!

أشاحت بوجهها إلى الجهة الأخرى وابتسمت رغمًا عنها، فصرامته وملامحه المقتضبة راقا لها، يبدو أن بعدها عنه قتله!
وهذا يعني أنه يبادلها المشاعر.. يتشوق لها وقد أحرقه الشوق..
-بتضحكي؟
قالها بحدة عارمة، ليستكمل:
-بتضحكي وليكِ عين بعد اللي عملتيه فيا؟ اسبوع مابترديش عليا وكل دا ليه؟، عشان...
قاطعته بعتاب:
-عشان بتتحكم فيا وفي لبسي!

اقترب منها وقال جازا على أسنانه:
-أتحكم فيكِ زي ما أنا عايز وأنتِ لازم تسمعي كلامي فاهمة؟
رفعت أحد حاجبيها غاضبة لتردف:
-نعم؟، ولو مسمعتش كلامك؟
-هكسرلك دماغك!
قالها بخشونة تليق به، فكادت تعترض فقاطعها:
-ممكن تمشي معايا عشان ناوي أعزمك على عصير، ومش عاوز اعتراض من فضلك!

نظرت له باستغراب، أيعنفها هو أم يتوسلها؟
ما هذا المزيج الغريب بين الصلابة واللين؟
هذا الرجل يثير اعجابها بشدة...
لم تتردد ساندرا وسارت معه بصمت..

حملقت في شاشة هاتفها وابتسمت بحنوٍ جارف،، وقلبها ينبض بحب جم..
فشاشة هاتفها تضيء بصورة حبيبها ((علي))..
ذاك اليوم الذي أوصلها به إلى القصر أصرت في الطريق أن تأخذ صورة معه..
فوافق مرغما وابتسم مليا كأنه يملك العالم بين يديه..
أجل هي العالم..
لقد قالها صريحة لها وهذا ما يسعدها ويهون عليها كل صعب..
لكن كيف ستجتمع به وتعيش معه؟!

متى سينظر لها والدها بعين الرحمة.. متى سيشفق على حالها؟!
ها هو..
يدخل عليها الغرفة كالعاصفة..
ويصرخ بوجهها محتدًا:
-أنتِ يا بنت!.. هتفضلي لحد امتى حابسة نفسك ومانعة الأكل؟
صمتت وقد أخافها شكله الغاضب، فانكمشت على نفسها وازدردت ريقها برعبٍ..
خاصة عندما قال بتهديد جلي:
-وعلي دا أنا ممكن أقتله وأخلص منه أنتِ فاهمة!

صُعقت ((ميـرال)) حينما سمعت تهديد والدها!
تعلم أنه ذو جبروت يقول ويفعل ما يقوله على الفور.. ولكنه سيقتل؟!
ومن؟
(علي)!
حبيبها!
فليقتلها أولاً وينزع عنها قلبها الذي لا يسع إلا علي وحُب علي!
-سامعة!
هكذا صرخ بوجهها، وراح يقبض على ذراعها وهزها بعنفٍ شديد، فحركت رأسها سلباً غير راضية عن كلامه القاس!
لتقول من بين شهقاتها:
-لا.. لا!

مش هتعمل حاجة لـ علي، ولو علي حصله حاجة والله هموت نفسي..
حينها لم تتلقَ منه رد سوى صفعة.. هبط بها على صدغها فارتدت للخلف، ثم لم تتحمل فسقطت على أرض الغرفة وسال خط صغير من الدم على شفتيها فانتفضت صارخة بقهر..
وأتت والدتها مهرولة إليها على اثر صرختها، فتملكها الذهول وصرخت مثلها، ثم احتضنتها هاتفة بهلع:
-ميرال!..

وتوسعت عيناها بشراسة وهي تنظر إلى زوجها لتهتف محتدة:
-أنت ضربتها؟.. هانت عليك! ليييه دي مريضة وممكن تروح فيها حــرام عليك يا شيخ حرام عليك..
-تمووووت ولا تغور في داهية، مش كفاية أخوها واللي عمله كمان هتبقى زيه، لا تموت أحسن بلاش قرف!
ختم جملته وبرح الغرفة والشياطين تتلاعب أمام عيناه، لتبكِ ميرال بحرقة وتتصاعد شهقاتها المؤلمة.. بينما والدتها تواسيها لكن جُرح قلبها كان عميق.. عميق جدًا لم تداويه المواساة!

-قلت إيه؟!
سألت (ساندرا) بدهشة حقيقة اكتست ملامح وجهها، ليُكمل حديثه بثبات كما كان:
-مستغربة ليه؟، قلت عاوز أتقدم لك رسمي!
صمتت قليلًا بتوتر شديد وتسارعت أنفاسها نتيجة انفعال خفقاتها المتتالية بلا رحمة...
ابتلعت ريقها بقوة قبل أن تجيبه مرتبكة:
-مش مستغربة بس...
-بس إيه؟

راح يسألها وهو يتابع تعابير وجهها بدقة، وحركة يديها المتوترة..
ترقب الرد باهتمام.. فأجابته:
-أنا اتفاجئت بس..
استند بمرفقيه على الطاولة أمامه، ثم شبك أصابعه بهدوءٍ وقال:
-المفروض متتفاجئيش يا ساندرا! لأن أنا مش هكلمك عشان عاوز أتسلى.. إحنا.. قصدي يعني ولاد البلد مايعرفوش غير سكة واحدة بس لأي علاقة.. (الجواز)! غير بقى الناس الهاي والفرافير اللي تعرفيهم اللي بيحبوا الصرمحة..

تجهمت ملامحها بشدة وهي ترد بجدية تامة:
-مين الفرافير اللي أعرفهم؟ حاسب على كلامك!
تنهد بصوت مسموع وباقتضاب قال:
-أقصد يعني الناس اللي من الطبقة بتاعتكم الناس اللي اتولدت في بؤها معلقة دهب!
زفرت بضيق وأشاحت بوجهها للجهة الأخرى مع قولها:
-مش فاهمة تقصد إيه بكلامك!
-أقصد أقول إني بحبك وعاوز أتجوزك...

قال جملته المفاجئة دفعة واحدة.. لقد قال -أحُبك- دون تمهيد..
فجعلها الآن في موقف لا تحسد عليه.. هي الآن في قمة خجلها.. واحراجها وانفعال قلبها..
ماذا تقول الآن وهي محاصرة بين نظراته؟..
-وأقصد أقولك إني عاوز أعرف هل ينفع حداد يتجوز من سندريلا؟!
ختم جملته بابتسامة عابثة أزادت خجلها.. ويُكمل بلا شفقة متسائلًا:
-ردي يا سندريلا!
وبالطبع لم يتلقَ أي كلمةً منها، فلم يَرد أن يضغط عليها أكثر.. حيث قال:
-هستنى ردك في أقرب وقت..

-بونسِوار..
قالت كلمتها الملازمة لها بدلالٍ معهودٍ منها، فتلقت الترحيبات الحارة من شلتها في -الديسكو- ثم صافحها الجميع مرددين:
-العروسة وصلت..
ابتسمت تمارا بغرور وجلست بصحبتهم تتسامر معهم قبل أن يأتي شادي من خلفها مرحباً بها أيضًا..
ثم يجلس جوارها ويقول هازئًا:
-مبروك يا عروسة!
قالت بنفس النبرة الهازئة خاصته:
-ثانكس شادي..

أطال النظر لها وراح يقول بنبرة ذات مغزى:
-فين اللي اتفقنا عليه؟
ارتشفت من كأس الخمر الذي مسكته الآن بيدها، ثم قالت بلا مبالاة:
-اتفقنا على إيه؟
حك ذقنه بابهامه وتابع ببرود:
-أنتِ فاكرة إنك ممكن تضحكي عليا يا تمارا؟.. زي ما دخلتيني في لعبتك وأديت دوري على أكمل وجه.. جه دورك يا حلوة وعاوز حقي.!
وبنبرة ثلجية أخبرته:
-مالكش حق عندي، ومش تمارا اللي تعمل حاجة غصب عنها وتقدر تقول بقى الوعد اللي وعدتهولك به.. أخليت بيه.. عادي يعني يا بيبي!
-بقى كدا؟

-yes! يا بيبي..
-هتندمي يا تمارا وخليكِ فاكرة!
ألقى تهديده عليها وبرح المكان.. فعادت تتجرع من كأس الخمر خاصتها ومن ثم تصاعدت ضحكاتها الساخرة...

هبطت ((ملك)) السلم بخطواتٍ مترددة وقلبها يخفق من شدة توترها، توجهت إلى بهو القصر حيث تجلس السيدة جيهان بصحبة ميرال التي كادت تغفو بأحضانها بعد موجة بكاء عنيفة..
وقفت ملك وهي تبتلع ريقها بارتباك قبل أن تتكلم بخجل:
-مساء الخير.
اعتدلت ميرال في جلستها ونظرت لها ثم ردت قائلة:
-مساء النور.. يا ملك!
وردت جيهان باقتضابٍ:
-مساء النور..
-اقعدي يا ملك..

قالتها ميرال برفق، فجلست ملك بحذر قبالتهما ونكست رأسها بخجل شديد...
فراحت ترمقها جيهان بنظراتٍ جامدة معاتبة.. والأخيرة لم تستطع مواجهة نظراتها..
لتباغتها جيهان بالحديث الصارم:
-أنتِ عارفة أنتِ عملتي إيه في البيت؟!
رفعت رأسها إليها بصمتٍ مؤلم تترقب حديثها والذي تعلم أنه سيمزقها من الداخل!
لتُكمل:
-ولعتيه حريقة!

إزاي تقبلي تتجوزي واحد من ورا أهله وأهله اللي رفضوكي زمان كمان! إزاي عملتي كدا؟ ..
تحجرت الحروف على شفتيها، كما تجمع الدمع في محجريها، فابتسم السيدة جيهان وأردفت:
-طبعا معندكيش رد!
هو صحيح أنا كنت موافقة عليكِ بس شوقي لا والموضوع انتهى على كدا! البنت اللي تتجوز في السر تبقى بنت مش كويسة!

حينها لم تستطع الصمود أكثر من ذلك ونهضت ذاهبة إلى الأعلى.. بينما سالت أنهار صغيرة من الدموع فوق وجنتاها، فكلام السيدة جاء في الصميم!
-حرام عليكِ يا ماما، ليه كدا!
هكذا هتفت ميرال بغضب وإشفاق عليها، فقالت والدتها بحزم:
-اسكتي يا ميرال!

تركتها ميرال وصعدت إلى غُرفتها بانهيار، لا تعرف تحديدًا أهي غاضبة لأجل ملك أم لأجل ذاتها؟!
ربما موقفهما متشابها للغاية ويبدو أن التفكير واحدا أيضاً!
فهي وبكل رحابة صدر تود الهرب بكل كيانها مع علي.. إلى أبعد مكان.. مكان يخلو إلا منهما!

لم تجف الدموع عن عينيها إلى حين جاء أخيراً.. ماذا فعل بها؟
ألقاها هُنا ومضى يبحث عن أشغاله واستراح!
لكنها لن تقبل..
ستحدثه وستخبره بقدر آلامها...
تقدم منها مبتسما وجلس جوارها غافلا عن عينيها المتورمتين وحالتها الرثة!
قبل أن ترفع رأسها وتواجهه فعقد حاجباه وسألها متوجسا:
-مالك؟ في إيه يا ملك؟

فأخبرته بلا تردد بنبرة ذبيحة:
-أنا عاوزة أمشي من هنا، لو سمحت!
زفر بحنق ونهض يخلع سترته بإرهاق، ثم قال بضيق:
-أنا مش فايق للكلام دا دلوقتي يا ملك، أنا حقيقي جاي تعبان على الأخر..
-طب وأنا كمان تعبانة يا أدهم!
أخبرته وتدفقت عبراتها مجددًا، وواصلت بمرارة:
-أنا مش قادرة أبص في وش مامتك.. مش قادرة أكلمها، أنت ليه مش حاسس بيا ليييه؟

أغمض عينيه قائلًا:
-قلت لك كتير ماما طيبة وهتعرفي تتعاملي معاها، الوضع لسة جديد، اصبري شوية.. لكن مشي من هنا مش هيحصل أنا ما صدقت جبتك واستقرينا هنا والكل عرف بجوازنا..
انهارت جالسة على الفراش وهي تراه يحسم الأمر دون أي اكتراث برأيها وراحتها..
تعلم أنه لن يتزحزح من هنا.. ولكن ماذا هنا؟..

اتجه نحوها ثم رفعها من ذراعيها وحاوطها بذراعيه محتضنا إياها بقوة، ربت على رأسها مروراً بظهرها وأخذ يهدهدها كطفلته..
-ملوكة حبيبتي، أنا مأقدرش على زعلك.. بس..
صمت وتنهد بعمق، ثم أخذ يمحي دموعها بحنوٍ عاهدته منه دائماً..
-بس صعب نرجع لنقطة الصفر تاني يا ملك!
نظرت له بحيرة وقالت:
نقطة صفر ليه، احنا هنروح شقتنا وكدا كدا أهلك عرفوا يعني خلاص مافيش داعي لوجودي هنا!

-ماشي يا حبيبتي هعملك اللي أنتِ عاوزاه بس مش دلوقتي، لما كلهم يتعودا على وجودك ويعرفوا إنك أهم حاجة في حياتي، ساعتها هنرجع شقتنا.. اتفقنا؟
حركت رأسها سلباً ورفضت ما قاله.. هي تصر على الذهاب وهو على البقاء..
فزفر باختناق وهو يعاود احتضانها قائلًا برفق:
-كله بيعدي.. صدقيني!

طُرق الباب طرقات متتالية، فتوجه (علي) ليفتح الباب بتمهل...
لكنه ما لبث أن قال بذهولٍ:
-ميرال!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة