قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول بقلم فاطمة حمدي

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث

( رواية بونسوار سابقا )

هي بالفعل كادت تموت!
تصرفها الجنوني ذاك كاد يصيب والدها بالشلل!
حيث حاولت الانتحار جديا وتناولت شريط أقراص مجهول المصدر!
ولم تكترث.. كل ما يجول بخاطرها تفعله. !
وهذه الخطة حسمتها جيداً إن ماتت فهو قدرها!، وإن حيت فستنول مُبتغاها!
وما هو مُبتغاها؟!
"شادي"!

كل هذا من أجل شادي؟!
وكان أول ما نطق به والدها الذي اقترب يجلس جوارها على فراش المستشفى بعد أن تحكم بأعصابه بأعجوبة:
-أنتِ بتنتحري عشان تتجوزي شادي؟!
زفرت رغم إعيائها واصفرار وجهها.. ثم قالت باقتضابٍ:
-yes..
هل يصفعها؟
أم أن قتلها حلال؟!

معها تتحجر الحروف على شفتيه فيظن أنه قد أصيب بالخرس..!
وتعجز يده عن صفعها فيظن أنه أصيب بالشلل...
فأفعالها حتماً ستأتي له بالجلطة!

-يا بنتي أنا مش حملك.. شادي دا إيه أنتِ اتجننتي؟
هكذا صاح بها وعيناه تحملان حمم نارية.. بينما ترد ببرود مستفز؛
-عاجبني يا بابي..
-بابي إيه وزفت إيه، يا رتني ما خلفتك ولا شفت وشك يا شيخة، لا لا دا أنتِ محتاجة تتربي من أول وجديد!
نظرت له بتحدٍ..
نعم تتحدى والدها وكأنها توعده بأنها المنتصرة..!

وهو صر على أسنانه وصفعها.. وتلك المرة الأولى يضربها.. لكن الكيل طفح!
صرخت تمارا ووضعت يدها مكان الصفعة في ذهول تام، فركضتا كلا من ساندرا ووالدتها على اثر صوتها..
فأسرعت سهير إلى ابنتها في صدمة وهي تصرخ:
-في إيه يا فاخر؟.. أنت ضربت تمارا؟!

-دا أنا هكسر عضمها بس لما ترجع البيت، وأنتِ يا هانم ياللي عايشة لنفسك وبس شوفي وبنتك وعقليها بلاش قرف!
أنهى حديثه الحاد وبرح الغرفة تاركا إياهن.. فصرخت تمارا بتصميم؛
-والله هتجوزه يا إما هموت نفسي بجد!
فقالت ساندرا بعتاب:
-اعقلي يا تمارا.. بجد اللي بتعمليه دا أوفر أوي حرام عليكِ!

فترد سهير وهي تضم تمارا إلى حضنها:
-اسكتي أنتِ يا ساندرا، لازم فاخر يوافق وإلا بنتي هتضيع مني وساعتها هيندم..
ساندرا بغضب عارم:
-بجد حرام أنتِ هتشجعيها يا مامي؟!، شادي دا شاب مستهتر وكل يوم مع بنت شكل وأكيد طمعان فينا!
-اطلعي أنتِ من الموضوع يا ساندرا..

كانت جملة تمارا التي نهرتها بها، فرمقتها ساندرا بنظرة ثاقبة وبرحت الغرفة فوراً، لتقول سهير بلا مبالاة:
-شادي إبن ناس برضوه مهما كان مش كدا يا تمارا؟ مش هما مستواهم كويس؟
لوت تمارا فمها بتهكمٍ وقد قالت:
-أيوة...
فتقول سهير:
-دا المهم...

جن جنونه واشتعل الغضب في مقلتيه، بينما تصلبت ملامحه بحدة عارمة وهو يتابعها بعينيه الغاضبتين، ألقت بنفسها إلى حمام السباحة وراحت تسبح بملابسها التي لا تستر شيء!
فكانت ترتدي -شورت قصير- لونه أسمر.. وكنزة ذات أكمام قصيرة بنفس اللون.. تلتصق بجسدها..
ماذا لو رأها أحد الآن؟
وكيف تسمح ميرال لنفسها أن تخرج من غُرفتها بهذه الملابس؟
هل جنت؟!

لم يدرِ بنفسه إلا وهو يندفع نحوها بجنون، بينما لألأت عينيه بغضب جم وهو يقترب من حمام السباحة قائلًا بحدة:
-على فكرة كدا ماينفعش!..
وحاول ضبط أعصابه مكملا:
-خالص يعني!
فرفعت رأسها إليه وابتسمت الحمقاء ببراءة يعهدها منها دائماً، لتقول برقة:
-صباح الخير يا علي، مالك؟

تلفت حوله بحذر وهو على وشك قتلها من سؤالها، ليردف بصرامة:
-مالي؟، أنتِ إزاي تعملي كدا يا ميرال؟ تخرجي من أوضتك بالمنظر دا؟...
-وفيها إيه يا علي دي مش أول مرة!
-ميرال أنا مش عاوز مجادلة من فضلك اطلعي من البسين حالا وغيري هدومك دي!
هكذا أنهى حديثه واستدار ماشيًا إلى البوابة الرئيسية للقصر.. فزفرت ميرال وصعدت على الفور..
فكل شيء يهون إلا... غضب علي!

توجهت إلى الداخل وإلى غرفتها، ثم اغتسلت على عجل وانتقت ثوب أنيق من خزانة ملابسها، فضفاض لونه أزرق كعادتها تفضل الأزرق في كل شيء..
ورفعت شعرها المبتل للأعلى -زيل حصان-..
وعادت تخرج من الغرفة مرة أخرى وأخذت وجهتها إلى الحديقة.. طالما كان هو هناك واقفًا بصحبة زملائه بالعمل..

لتهتف بإسمه فيلتفت إليها ويزدرد ريقه بارتباكٍ.. فيسير نحوها بخطوات متعجلة ويقول بعتاب:
-ماينفعش تندهي عليا قدام حد، أرجوكِ يا ميرال!
-مالك النهاردة يا علي!.. أنا مش عارفة عملت إيه يزعلك؟
-مش عارفة؟
تنهدت بصبر وأخبرته بهدوءٍ:
-أنا نزلت البسين قبل كدا كتير و..

قاطعها بخشونة:
-كنت ببقى هموت وأقولك لمي نفسك بس كانت والدتك بتكون حواليك هنا!
ابتسمت بعفوية وأردفت:
-بعد الشر عنك يا علي.. عموماً يا سيدي مش هعمل كدا تاني بس أنت ماتزعلش مني.. ممكن؟
أومأ لها برأسه وحاجباه معقودان، فاقتربت فجأة ووضعت سبابتها بينهما وهي تهمس:
-فك التكشيرة!

التقت عيناهما في نظرة عاشقة ليس كمثلها نظرة.. كان يلتهم ملامحها التهاما فيروي ظمآمه بها..
فابتعد خطوة وتنحنح قائلًا:
-أنا لازم أمشي دلوقتي عندي شغل،..
كاد ينصرف لولا أنها نادت عليه مجددًا، فوقف ملتفتا لها وقد تنهد بابتسامة مع قوله:
-أمرك يا أنسة ميرال..

فمنحته ابتسامة هادئة وهي تقول برجاء:
-نفسي أخرج معاك ولو لمرة واحدة..
ثم نكست رأسها إلى الأرض بخجل قبيل أن يقترب مجددا ببطء وهو يقول:
-ماينفعش يا ميرال، ماينفعش..
كانت تتوقع رفضه هي أصبحت تفهمه جيداً لهذا استدارت غاضبة وانصرفت.. أما هو فاتسعت ابتسامته وهو يعاود الالتفات مستكملا عمله..

شهر قد مر..
وضعت "جيهان" عدة أطباق على طاولة الطعام استعدادا لوجبة الإفطار، فيما جلس شوقي بهدوءٍ على كرسيه وأردف بضيق:
-مش فاهم ليه بتعملي بنفسك الفطار، إومال الخدم دول لازمتهم إيه؟!
فقالت متنهدة وهي توزع الأطباق باهتمام:
-لزمته ان أدهم هيفطر معانا النهاردة يا شوقي وأدهم مابيحبش ياكل من إيد الخدم، أنا بحب أريحه وأعمله الأكل بنفسي..
-هو بيبي؟!

هكذا قال متهكما، فتابعت بجدية:
-لا مش بيبي، دا سيد الرجالة يا شوقي وأنت عارف كدا كويس، ومش عشان بيحب ياكل من إيدي يبقى بيبي!..
-طيب يا جيهان، ربنا يوعدنا بربع حبك لأدهم!
فمنحته ابتسامة حانية مع قولها:
-ما أنا بحبك يا شوقي، ولا أنت عندك شك في كدا؟
-لا يا ستي معنديش بس مش زي أدهم باشا..

فقالت بعتاب مرح:
-ما هو مابيجيش عليا زي ما أنت بتعمل دايمًا بيريحني!
شوقي زافرًا أنفاسه:
-ماشي يا جيهان أنا عارف مش هاخد لا حق ولا باطل معاكِ..
أقبل عليهما أدهم وشاركهما جلسة الطعام، فسألت جيهان باهتمام:
-لسة برضوه مش عاوزة تاكل معانا؟!
حرك أدهم رأسه سلباً وقال متنهدًا؛
-لا..

فكشر شوقي عن أنيابه وهو يقول بحدة:
-عنها ما كلت، أنا مبيتلويش دراعي!
ثم صمت ثوانِ واستكمل:
-وأنت يا أستاذ أدهم ياريت تعقلها وتقولها سي علي دا مش مناسب لها خالص، يعني إيه عاوزة تتجوز واحد من الحرس بتاعنا! شغل استهبال!
فضّل أدهم الصمت وتناول طعامه بهدوءٍ، لكن صمته لم يرق لوالده الذي هتف به مغتاظا:
-ما تقول اللي أنا بقوله صح ولا غلط؟

نظر له أدهم وهو يلوك الطعام بفمه، بينما يقول هامسًا:
-يعني لو قلت مش هتزعل؟!
نظر له والده شزرا، وترقب لما سيلفظ به، ليقول أدهم بجمود وقد ترك الطعام من يده:
-بصراحة كلامك غلط!، علي مش مجرد واحد من الحرس، علي دا صاحبي على فكرة وأنا بثق فيه جدا..
أصدر والده ضحكة متهكمة مع قوله:
-صاحبك!، أه ما هو صان الصداقة ولف على أختك المسكينة، أكيد بيستغل مرضها وطيبتها..

زفر أدهم بحدة وقد قال:
-لف عليها إزاي وهو دخل من الباب؟، يعني الراجل طلبها منك وأنت أحرجته ومن ساعتها محاولش يبصلها بصة حتى واحترم قرارك رغم إن قرارك دبحه! يبقى فين اللف؟
لم يرد شوقي ولم يقتنع أيضاً.. بينما واصل أدهم:
-أنت ليه شايفه قليل؟! يعني علي أصلا مش فقير، ولا غني لدرجة اللي أنت عاوزها، هو إنسان طبيعي جدا هيقدر يعيشها في حالة كويسة وهي راضية، مش فاهمك بصراحة!

هدر به فجأة وقد نهض عن مجلسه:
-ومن إمتى بتفهم يا سي أدهم، أنت مالكش كلمة هنا طول ما أنا عايش فاهم ولا لا؟، بنتي أنا حر فيها وأعمل اللي شايفه من مصلحتها ياريت تخليك في حالك..
نهض أدهم في انفعال مماثل وهو يشير لوالده بسبابته:
-دي مش لعبة عشان طول أنا حر فيها!، دي أختي على فكرة ولو حد زعلها ماحدش هيقف له غيري، تمام؟ ثم إني أقول اللي يعجبني في موضوعها، ولا أنت عاوز تعمل بقى زي ما عملت زمان معايا وتقهرها!

كاد شوقي يرد عليه، لولا أن قاطعته "جيهان" التي أردفت بضيق:
-كفاية يا شوقي كفاية ربنا يكرمك!
بينما صاح بها:
-طبعاً ما أنت هتقولي إيه غير كدا! شوقي هو الشيطان بتاع البيت وأدهم الملاك مش كدا!؟، بس اسمعي بقى أنتِ وهو مافيش كلام هيمشي في البيت دا غير كلامي أنا واللي أسمه علي دا أنا رفدته من عندي خالص قوللها تنساه!

انصرف ما ان أنهى كلامه وترك زوجته في حالة ذهول وهي تقول:
-رفده!
بينما جز أدهم على أسنانه وقد مرت أمام عينيه ذكراه مع حبيبته...
هذا الموقف مشابه لكنه أقل قسوة!
لكنه استفاق من شروده على صوت والدته وهي تخبره:
-أدهم، النهاردة يا حبيبي لازم تفضي نفسك عشان فرح تمارا، عمك مأكد عليا حابب تكون موجود معلش عشان خاطري..

أدهم وقد تمالك أعصابه الثائرة:
-رايح يعملها فرح!، أنا مش فاهم عمي دا فين شخصيته أصلا، دا إيه العيلة السودة دي..
-معلش يا حبيبي هو عشمان فيك تكون جنبه الليلة يعني.. ماشي؟
قال على مضض متنهدًا:
-ماشي..

ولجت إلى شرفة غرفتها بخطواتٍ متمهلة يبدو عليها الاعياء، وراحت تنظر إلى الحديقة التي وكأنها تحولت إلى صحراء طالما هو ليس هناك!
لم يكن موجود بطلته المشرقه ونظارته الشمسية وبذلته الأنيقة..
ملامحه المقتضبة دائماً وحاجباه المعقودان!

عيناه اللتان تناقضان ملامح وجهه وكأنها فيض من الحنان كلما أطالت النظر إليهما كلما راقت لها الحياة ..
والآن كيف تروق لها الحياة وهو قد غاب؟
انسابت دموعها على خديها وشعرت بأن قلبها يتفتت بلا رحمة..
خاصة وهو لم يرد على اتصالها وأحياناً الهاتف مغلق.. لقد تركها بمنتصف طريق قاس فلا هي قادرة على الوصول إليه ولا هي تعرف كيف تعود كما كانت..

حاولت الاتصال به مرة عله يجيب عليها ولو بكلمة واحدة.. فقط كلمة واحدة ستكفيها.. المهم تشعر به وتسمع صوت أنفاسه..
وبعد عدة اتصالات قد رد!، لم تصدق فنظرت إلى شاشة الهاتف كي تتيقن!
أخيراً رد عليها.. لم يتكلم إنما وصل صوت أنفاسه إلى مسامعها فأغمضت عينيها بألم... ألم اشتياق صارخ كاد يدمي قلبها..
فبادرت هي بصوت لا يسمع:
-علي..

على الجانب الآخر ضرب قلبه بجنون.. دقات متتالية عنيفة ود أن يصرخ ويخبرها بأنه اشتاق وقتله الشوق قتلا..
لكنه -كعادته- قال بجمود:
-أخبارك إيه يا ميرال..
هنا انفجرت به ودموعها غرق وجهها:
-مش كويسة، مش كويسة، أنت بتسأل وعامل نفسك مش عارف، أنت سبتني ليه يا علي ليه اتخليت عني ليه!
أغمض عينيه بشدة وهو يقول بخوف عليها:
-طب اهدي، ماينفعش كدا اهدي عشان نعرف نتكلم..
-مش ههدى، أنا بموت كل يوم وانت مش هاين عليك ترد حتى عليا، يعني مع اول موقف بعتني!

-ميرال!
هكذا هتف متابعا:
-أنا متخلتش عنك، بس قوليلي أعمل إيه؟ أكلمك من ورا أهلك؟ مأقدرش أعمل كدا وربنا يعلم أنا اللي بموت بس مش عارف أعمل إيه أول مرة أحس إني عاجز متكتف!
لم يتلق منها رد سوى شهقاتها العنيفة، فمسح على رأسه وهو يهمس لها بصدق:
-دموعك غالية عليا..

حدثته من بين دموعها:
-حاول مرة تانية عشان خاطري يا علي.. ممكن؟
قال بهدوءٍ:
-حاضر هحاول بس ممكن تخلي بالك من نفسك ومتفكريش كتير عشان صحتك!
-حاضر يا علي...

مساءً.
في قصر "فاخــر "..
حيث جُهز القصر على أكمل وجه.. وتزين بأحبال الأنوار والبالونات التي راحت تنتشر على سطح مياه حمام السباحة، واكتظت الحديقة بالمعازيم..
وتألق الجميع كما تألقت العروس الفاتنة!
فستانها الأبيض الذي يكشف عن ظهرها ذا البشرة البيضاء وشعرها الأصفر الذي انساب عليه بنعومة وتاجها الذي جعلها ملكة حقا..

الجميع صوب أنظاره عليها وهي تخرج إلى الحديقة ممسكة في يديها باقة الزهور خاصتها..
بينما يندفع والدها نحوها بغضب واقترب قائلًا:
-أنا مش قولتلك ماتخرجيش الا لما يجي الزفت العريس، أنتِ عاوزة تموتيني!
ابتسمت تمارا وهمست:
-بابي بليز متنكدش عليا يوم فرحي، أنا حابة أكون هنا..

تركها قبل أن يدفع رأسها بالأرض فينهي عليها قبل أن تنهي هي عليه!
وقف أدهم على بعد خطوات منها لكنه كان منشغلا بمكالمة هاتفية غافلا عن عينيها المتفحصتين له..
ومرت ساعة وساعتين ولم يحضر العريس!
شعر الجميع بالقلق!

فهل شادي انتقم منها على فعلت به سابقاً؟
ولقنها درساً لن تنساه طيلة عمرها!
أم أن القدر حمل لها رياح أخرى تمنتها يوماً؟!
عندما نظر فاخر وشوقي معا إلى "أدهم "... متوسلان له إنقاذ الموقف!

-عشان خاطر عمك يا أدهم!
-عشان خاطر أبوك!
-الناس تقول علينا إيه؟
-اكتب بس وبعدين إبقى اتصرف زي ما أنت عاوز..
كل تلك الكلمات وجِهت له من والده وعمه.. وحتى والدته رأت أن هذا التصرف هو الصحيح السليم في مثل هذا الموقف..

ثار أدهـم في بداية الأمر لكن -عقله- كان سيد موقفه وسيطر عليه ليحسم أمره ويعقد على تمارا وتُصبح زوجته رسمياً!
ونظرات الظفر أصبحت جلية بعينيها وابتسامتها المنتصرة اتسعت فأخيرًا حققت مُبتغاها!
ومبتغاها كان ومازال -أدهم الجزار- ليس هذا الذي يُسمى شادي!
خطتها قد نجحت..
أجل خطتها التي حُسمت بدقة عالية فكانت النتائج مبهرة حقاً!

نظر لها أدهم مطولا بلا حديث نظرة لم تفهمها لكنها ابتسمت كما لم تبتسم من قبل له..
فأدار وجهه للجهة الأخرى حيث يقف والده شوقي، فاقترب منه وقال بجمود:
-حطتني قدام الأمر الواقع!
تنهد شوقي بلا اكتراث ثم راح يخبره بهدوءٍ:
-الموقف ماكنش له حل تاني غير دا يا أدهم وبعدين تمارا بنت عمك وأهو عروسة عليها القيمة برضوه..

ضحك أدهم متهكما بشدة وقد كرر كلمته بازدراء:
-عليها القيمة!
-خلاص يا أدهم..
قال شوقي، فرد أدهم جازا على أسنانه بعصبية:
-خلاص يا بابا، ما هو كل حاجة تعملها ونقول خلاص.. اللي حصل.. حصل!
بس اللي حصل مش هيمر مرور الكرام يا شوقي بيه، وزي ما حطتني قدام الأمر الواقع...

تنهد وتمالك أعصابه وهو يقول كاظمًا غيظه:
-تمارا ماتلزمنيش اللي بيني وبينها ورقة.. ورقة وبس!
وانصرف على ذلك ولم يأبه بنداءات والده وعمه ولا تمارا التي لمعت عينيها بغضب عارم، أيعقد عليها لكي يتركها ويرحل هو الآخر؟!..
-بابي!

هكذا هتفت بحدة عارمة وغير رضى، فجاءها الرد من والدها:
-احمدي ربنا إنه سترك ولمك قدام الناس الفرح الزفت دا لازم يخلص دلوقتي وتروحي مع عمك ومرات عمك القصر، من النهاردة إنتِ في عصمة راجل ولازم تكوني في بيته يلا!

طرقات خفيفة كالفراشاتٍ على الباب، تكاد لا تسمع.. لكنه هو سمع!
ونهض بتمهل ليفتح..
وقد كانت المفاجأة التي لم يتوقعها!
هي!
ميرال؟ حبيبته أمامه في مشهد أخذ قلبه العاشق!

تبتسم له ببراءتها المعهودة وتضحك بعفوية على ملامح وجهه المندهشة، بينما تضع سبابتها على صدره برقة وهي تقول بنعومة:
-إزيك يا علي..
رمش بعينيه ولم يستعب أنها بالفعل واقفة أمامه الآن!
تحدثه وتضحك معه و...
ترتدي فستانا ورديا لا يليق إلا بها.. بها فحسب!

ذي كمين طويلين شفافين وشعرها!
واهٍ من شعرها العسلي الذي راح ينسدل خلف ظهرها وخصلاتها المتمردة على خديها!
وبعد عدة لحظات من التيه في جمالها ومحاولة الاستيعاب في وجودها..
قد تحدث باستغراب:
-ميرال!

فضحكت مرة أخرى وأردفت:
-أخيراً أبو الهول نطق!
تجاهل حديثها آنذاك وقال بحدة:
-أنتِ جيتي هنا إزاي؟، وإزاي عرفتي بيتي أصلا؟
ابتلعت ريقها بخوفٍ وأخبرته:
-سألت زمايلك وقالولي عنوانك، أنت زعلان يا علي إني هنا؟
-طبعا!
صدمها رده القاس، فكادت تبكي وهي تقول:
-أنا اسفة..

التفتت بعدها وكادت ترحل، لولا يده التي قبضت على رسغها فتلتفت له تلقائياً وتستقبل منه نظرة صارخة محملة العتاب مع قوله الخافت:
-ميرال.. إنك تجيلي البيت دا شيء غلط.. وغلط جداً، أهلك لو عرفوا هتبقى مصيبة، أرجوكِ يا ميرال ماتزعليش مني بس أنتِ لازم تمشي دلوقتي وأوعي تيجي هنا تاني..

ازدردت ريقها الذي جف تماما وشعرت بالخجل الشديد اثر كلماته وقد عاتبت نفسها أيضًا..
هي أخطأت!
ولكن ما حيلتها والشوق هو سلطانها، هو يدفعها لتصرفات جنونية ستجلب لها المصائب!
-حاضر..
قالت بطاعة وابتعدت خطوة للوراء، ثم قالت قبل أن تنصرف وقد ارتعشت شفتيها الورديتين:
-أنا كنت هموت وأشوفك، لأنك وحشتني..

ماذا لو أخذها بين أحضانه الآن؟ ..
وأخبرها أن كلمتها هذه لا تضاهي شوقه بها..
فالشوق كلمة قليلة بالنسبة لما يشعر به..
وما كان منه سوى أن قال:
-استني.. خليكِ عندك لحظة وراجعلك..
دخل وغاب لفترة قصيرة، ثم عاد مرتديا ثيابا بسيطة..

وقف أمامها وهو يشير لها كي تسير معه، ليقول بابتسامة لم تخل من عتاب:
-ماينفعش تروحي لوحدك في الوقت دا يا هانم ..
فابتسمت قائلة:
-عادي متخافش عليا ما أنا جاية لوحدي!
فقال بجدية:
-لو كنت أعرف إنك جاية كنت...

صمت متنهدًا بصبر، ثم تابع:
-يلا عشان متتأخريش...
أومأت برأسها وسارت معه إلى المصعد.. وولجا إليه ليهبط بهما، وأثناء هبوطهما نظرت له وقالت:
-النهاردة كان فرح تمارا بنت عمي..
هز رأسه قائلًا برفق:
-اه عارف..
فتنهدت مبتسمة:
-بس اللي متعرفهوش إنها اتجوزت أدهم...
رفع حاجبيه مندهشًا:
-إزاي؟

-العريس مجاش فعشان عمو خاف من الفضيحة اتحايل على أدهم يتجوزها هو..
-عقبالك يا أنسة ميرال..
هكذا قال مشاكسًا، لترد عليه باسمة:
-عقبالنا قصدك!
ابتلع غصة مريرة بحلقه، ليقول:
-مش باين يا ميرال، كل الطرق اتقفلت في وشي، شوقي بيه ختمها بطردي بعد ما وجهلي إهانة صريحة ماحدش يقدر يعملها، بس كل دا اتحملته عشانك.. عشانك وبس يا ست البنات!

-معلش يا علي أنا أسفة، أوعدك لما نتجوز هعوضك عن كل حاجة..
ابتسم رغمًا عنه وسألها بمراوغة:
-هتعوضيني إزاي؟
لكزته بكتفه وهمست:
-علي!
ران عليهما الصمت لعدة ثوانِ، قبل أن تقول بفضول:
-أنت عايش لوحدك يا علي؟

حرك رأسه سلباً وقال:
-لا مع أمي وأختي وأبويا الله يرحمه.. توفى من خمس سنين ومن ساعتها أنا المسؤول مسؤولية كاملة عنهم..
رمقته بنظرة حانية تحمل اعجابا صريحا، ثم قالت بعفوية:
-أنت راجل أوي يا علي، ربنا يخليك ليهم.
وتابعت من جديد بنفس الفضول:
-هما مش موجودين ليه في الشقة دلوقتي؟

أخبرها:
-بايتين عند خالتي النهاردة والحمدلله انهم بايتين عندها وماحدش منهم شافك..
كشرت عن جبينها وقد قالت بغضب طفولي:
-أنت بتستعر مني؟
عض على شفته السفلى وهو يقول بغيظ:
-أنا بقول تسرعي شوية عشان كدا هتتأخري أوي..

لا تعلم كم مر من الوقت وهي جالسة أمام حاسوبها تحادثه.. تمازحه.. تضحك من قلبها..
فبعد أن مر شهر كامل تطورت علاقتهما وتحولت من إعجاب إلى...
حُب؟
هل أحبت ساندرا حازم بهذه السهولة.. ودخل قلبها ليتربع على عرشه..
ذاك الوحش الأسمر ذا الملامح الخشنة المحببة إليها..
الغيور المتملك!

الذي يجبرها على الملابس الفضفاضة دائماً فيجلب لها المشكلات مع والدتها..
لقد تعمقت معه وتناست أن زيجتهما مستحيلة في عُرف أمها وأبيها!
-دا لبس تلبسيه في فرح أختك يا ساندرا؟
لقد غضب..
لقد غضب منها ما إن رأى فستانها الأحمر الصارخ ذو الحمالات الرفيعة عبر صورتها التي أرسلتها له...
فأجابته حيث كتبت:
-دا استايلي يا حازم!

-دا مش استايل دا قلة أدب يا ساندرا..
انفعلت جراء جملته الفظة، لترسل له بكبرياء:
-أنا ماسمحش لك يا حازم ولو سمحت ماتتكلمش معايا بالطريقة دي تاني!
ثم أغلقت حاسوبها ولم تنتظر رسالة منه، ثم قالت تحدث نفسها:
-قلة أدب!

في غرفته..
أبدلت ملابسها بأخرى صارخة.. ملابس أنثوية ناعمة.. تليق بعروس ك تمارا الجزار في ليلة زفافها..
منامة بيضاء حريرية..
عطرا نفاذ..
حمرة شفاه مهلكة..
شعرا مصفف بعناية..
وها تنتظره ليأتي.. هي ستعرف كيف تجعله يخضع أمام أنوثتها الطاغية.. النارية!

وأي رجلا هو؟ ومن يكون من الرجال؟
ليقاوم كل هذا الجمال!
تفحصت غرفته الذكورية ذات الدهان الداكن.. وصورته المُعلقة هناك على الجدار..
كم هو شرس؟!
ذاك الأدهم المغرور في عينيها..
-هتحبني... وعد يا أدهم!
هكذا وعدت ذاتها ومن ثم توجهت إلى الفراش ورقدت عليه بأريحية في انتظاره..
وطال الانتظار..

إلى أن غفت رغمًا عنها وغطت في سبات عميق..
ولم تشعر بنفسها إلا عندما أشرقت الشمس بنورها ونشرت دفئها..
فنهضت باستغراب وقد استشعرت أنها باتت هنا بمفردها دونه..

وفي الأسفل حيث كانت تسير السيدة جيهان جيئةً وذهابًا بغير هدى..
لم يأت أدهم منذ البارحة.. ولم يجب على اتصالاتها..
كادت تجن.. خاصة وهي ترى ثلجية زوجها الذي قال بدون اكتراث:
-هتلاقيه سهران في أي حتة و...

لم يكد يكمل حديثه.. حتى وجده يدلف من الباب بخطواتٍ متزنة ثابتة...
فحجزت عينا شوقي وهو ينهض عن مجلسه بغضب كالعاصفة...
ليتقدم أدهم بصحبة فتاة ما.. تبدو رقيقة للغاية.. وجهها سمح.. ملامحها هادئة..
فيقبض على كفها، ثم يحاوط كتفيها بذراعهِ، ويقول بثبات:
-(ملك).. مراتي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة