قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الأول

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول بقلم فاطمة حمدي

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الأول

( رواية بونسوار سابقا )

الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. مُغامرة أخرى من مغامرات "تمارا" حيث خرجت من قسم الشرطة بصحبة والدها بعدما أصلح ما أفسدته بأعجوبة.. بينما يهتف مستاءً:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ يا تمارا يا بنتي.
عقدت "تمارا" ساعديها أمامها بلا اكتراث وقد قالت بهدوءٍ استفزه:
-كنت عاوزني أعمل إيه يا بابي؟، مكنتش أقصد أبدًا إني أكسر الديسكو، كنت حابة أربي الزفت اللي حاول يضحك عليا.
-ما هو العيب مش عليكِ، العيب على الحرس المغفلين اللي بيسمعوا كلامك الأهبل دا، أنا لعاشر مرة هغيرهم بسببك!

واصلت بابتسامة ثلجية:
-بابي أنا أصلا مش محتاجة حراسة أنا أعرف أكسره لوحدي.
اقترب منها وشدها إليه دافعًا إياها نحو السيارة خاصته صائحًا:
-بلطجية!، أنا مخلف بلطجية.. إركبي يا عملي الأسود في الدنيا..

ركبت السيارة على مضض وانطلقت بهما، وبعد مرور الوقت قد وصلا إلى الفيلا.. وقامت العاصفة من قِبل "فاخــر " ولكن دون جدوى، فهو يعيش مع قطعتين من الثلج.. إبنته وزوجته.. لله الأمر سيتحملهما.. بينما يتذكر قول بواب فيلتهم وهو يقول لزوجته التي تشتكي من زميلتها بالعمل..
"اصبر على جارك السو يا يرحل يا تجيله مصيبة تاخده"
فيتنهد ضاغطا على شفتيه قائلًا:
-بالظبط...

أقبلت عليه إبنته الأخرى.. المريحة في حديثها والمريحة أيضاً على نفسه... تلك التي تشبهه إلى حد كبير..
"ساندرا "..
الجميلة الرقيقة التي تأخذ من ملامحه.. حتى لون بشرته البرونزية المصرية.. وعيناها الكاحلتين..
راحت تجلس جواره مع قولها الهادئ:
-بابا حبيبي.. بلاش تزعل من تمارا، بكرا تعقل..
نظر لها وقال متنهدًا بقلة حيلة:
-بكرة دا هيجي امتى بالظبط يا ساندرا، دي عندها 27 سنة يعني خلاص المفروض تكون أعقل من كدا بكتير!

-معلش حبيبي، بنتك بقى ولازم تستحملها..
-كان نفسي تكون بربع عقلك انتِ يا صغنن..
هكذا قال بمرح وهو يضمها إلى صدره في حنان، بينما يتابع بغيظ:
-ساعات بحس انها اختك الصغيرة مش الكبيرة، انتِ صحيح أصغر منها بست سنين بحالهم لكن عقلك أكبر بمراحل..
قبلت ساندرا والدها برفق وقالت:
-بحبك يا بابا..
-يا قلب بابا..

بادلها القبلة كذلك وربت على ظهرها، بينما يسمع صوتا اخرا يقبل عليهما:
-طبعا ما هي ساندرا حبيبتك وأنا بنت البطاية السمرا!
تكلم فاخــر مغتاظا:
-دي حبيبة ابوها اللي بتريحه على طول، وبعدين اسمها بنت البطة السودة مش البطاية السمرا.. يا بنت سهير!
-بابي أنت بتدقق في حاجات عجيبة، ممكن بليز تديني ريموت الـ TV عشان الفيلم هيبدأ..
والدها كاظمًا غيظه:
-أنتِ لسة ليكِ نفس تتفرجي على حاجة!

نظرت له مبتسمة وقالت بلا اكتراث:
-مافيش حاجة تستاهل إن نفسي تتسد عشانها بابي..
بينما تهتف:
-يا دادة راوية..
فتردف ساندرا:
-دادة راوية نامت من بدري يا تمارا، هي الست هتلاحق على إيه ولا إيه دا أنتِ هارياها طلبات ليل ونهار..
-دي وظيفتها هنا يا قلبي ولازم تنفذ كل حاجة..

نهض والدها قائلًا وهو يعض شفته السفلى:
-أنا هطلع أنام بقى عشان كدا كفاية جداً عليا..
انصرف على ذلك بينما تتابع ساندرا بهدوءٍ:
-مش ناوية تعقلي بقى يا ريري؟ حرام عليكِ كل يوم تزعجي بابي معاكِ بالشكل دا، بليز اهدي شوية..
تمارا وقد ابتسمت قائلة:
-صدقيني مش بتمنى أزعج بابي ولكن كل الناس بيضحكوا عليا طمعانين فيا وفلوسي ما عدا واحد بس، ونفسي إنه يموت عليا!

تأففت ساندرا بضجرٍ وهي تخبرها:
-يابنتي شليه من دماغك بقى، دا لا يمكن يفكر فيكِ يا تمارا، هو شخصية مختلفة خالص عن أي حد بتعرفيه وجد جداً مش راكب مع شخصيتك أبدا..
-ما هو دا اللي عاجبني يا ساسو!، غريب ومختلف وجنتل أوي، وعنفه بجد حاجة وااااو..!
ضربت ساندرا كفا بكف ورددت:
-أنتِ كريزي أوي يا تمارا، على فكرة أنتِ ماتقدريش أصلا تتحملي طبعه لأنه شرس وعصبي ومش بيحب البنات المجنونات اللي زيك..

ضحكت تمارا وتابعت:
-متهيألك يا قلبي، هو هيلاقي زيي فين؟ أنا تمارا جميلة بشهادة كل الناس متعلمة وأخدت ماستر في فرنسا، عاوز ايه هو اكتر من كدا؟
ساندرا بتهكم:
-هو دا كل مفهومك يا تمارا؟، على فكرة بقى كل دا ميفرقش مع أدهم نهائي..
تمارا بثقة عارمة:
-مبقاش تمارا إن ما وقعته فيا!

صباح يوم جديد..
على مائدة طعام ضخمة حملت كل لذ وطاب..
يترأس المائدة "شوقي الجزار " وعن يمينه جلست زوجته "جيهان" التي ابتسمت بإشراق وهي تقول بهدوئها المعتاد:
-أدهم وحشني جدا.. الحمدلله إنه جاي النهاردة من السفر، حقيقي مبعرفش أعيش من غيره..
رفع شوقي حاجب مع قوله المشاكس:
-طبعا، وأنا ماليش أي لازمة..

ضحكت وربتت على كفه بحنوٍ، ثم قالت بنبرة حنون حملت بعض العتاب:
-ماتقولش كدا، أنت عارف غلاوتك عندي ومأقدرش أعيش من غيرك أبدا ربنا يبارك فيكم..
-وأنا وأنا أنا فين!
هتفت المدللة الصغيرة التي اندفعت إلى والدتها تعانقها بمحبة وتقبل وجنتيها، ثم تنتقل إلى والدها مع قولها:
-صباح الخير على حبايب قلبي..
ابتسم والدها وأجلسها جواره.. فيما تتابع بشوقٍ:
-أدهم وحشني موووت بجد..

والدها بمرح:
-إيه حكايتكم هو أول مرة يسافر؟ وبعدين أنا بعمل إيه هنا لما كل حاجة أدهم أدهم!
عانقته "ميـرال" مجددًا وهي تقبله بوجنته مع قولها الحاني:
-بابي حبيبي، أنت الخير والبركة كلها..
ابتسم شوقي وراح يستكمل وجبة الإفطار خاصته بتمهل وهو يقول بحسم:
-وحشني أنا كمان بس يارب لما يجي مايعملش مصيبة ويحرجني مع الناس!

فقالت جيهان بضيق:
-بصراحة يا شوقي أنت بتعمل حاجات تعصب.. يعني تحطه قدام أمر واقع وتحدد ميعاد خطوبته وهو أصلا مش بيطيق البنت دي ومش عاوزه يزعل!؟
-جيهان.. فيه مصالح مشتركة وهو لازم يكون عارف كدا!
-بس أدهم مش صغير عشان تحدد له حياته يا شوقي، ومش كل حياته هتبقى بيزنس ومصالح مشتركة!
أدهم عنده 30 سنة من حقه يعمل اللي يريحه ويختار اللي تريحه برضوه!

من فضلك يا شوقي بطل ضغط عليه، المرة دي هو سكت عشان خاطري بس المرة الجاية أدهم مش هيسكت..
شعر شوقي بالضجر من حديثها الذي اعتبره ثرثرة!، ليقول وهو ينهض بحدة:
-تمام يا جيهان، أنا لازم أمشي دلوقتي بس لما يرجع سلميلي عليه وقوليله يحضر نفسه للخطوبة ومتنسيش تعزمي سهير وأنا هتصل بفاخر النهاردة..
ثم انصرف دون كلمة زائدة ناهيًا الحوار كعادته، فزفرت جيهان وهي تنهض بدورها صاعدة إلى غُرفتها..

ونهضت ميرال وهي تحدث نفسها بضيق:
-كل يوم نفس الكلام!
خرجت إلى حديقة القصر ذات المساحة الهائلة بأشجارها وزهورها الكثيفة للغاية، استنشقت نسمات الهواء وهي تغلق عيناها بينما شعرها العسلي بتطاير بفعل الهواء..
ثم فتحت عينيها وفؤادها ينبض باشتياق بل كل نبضة منه تصرخ باشتياقه..

هو سافر مع شقيقها هاربا من أسر عينيها الرائعتين المهلكتين.. ظناً منه أنه سيبتعد عنها ويبعدها عنه!
لكنها وللعجب لم تبتعد عنه فقد كان متربعا على عرش قلبها حتى في غيابه وفي خيالها!
في خيالها رسمت حياتها معه بكل التفاصيل.. وفي نومها كان هو زائر كل أحلامها..!
وفي اليقظة كان بطل كل أيامها رغم البُعد!

أي صنف من النساء هي لتعشقه كل هذا العشق!؟
هي استثناء كما أخبرها هو.. كل ما فيها مختلف.. كل ما فيها يثير نبضات قلبه التي تضخ عشقا لها..
لكنه و-للأسف- مازال يُكابر!
لكنها -هي- لن تتخلى عن سيد أحلامها هكذا بمنتهى البساطة!

غابت الشمس تودع الآفق، وبدأت ستائر الليل تنسدل وأنار القمر في صفحة السماء وترصعت النجوم من حوله بمظهرها الآخاذ..
ووقفت -ميرال- أمام مرآتها وتزينت كما لم تفعل من قبل..
وصففت شعرها الرائع بعناية..
وكحلت عينيها البندقيتن فوهجت بحب..
ولم تضع أحمر شفاه لأنه -هو- لا يحبها تضعه..
لقد كانت جملته عابرة لكنها اتخذتها أمر ووجب عليها الطاعة..!

انتهت وهندمت ملابسها الطفولية المكونة من بنطالٍ أبيض وكنزة فضفاضة وردية ذات رسومات كرتونية.. فبدت وكأنها طفلة رغم أنها بلغت من عمرها تسعة عشر عاما!
خرجت من الغرفة في سرعة عندما سمعت صوت سيارة أدهم وراحت تركض فوق الدرج هاتفة بطفولية:
-أدهم.. أدهم..

تلقاها أدهم الذي دخل لتوه من باب القصر الداخلي بين ذراعيه في عناق أخوي حنون، وهمست ميرال بصدق:
-وحشتني أوي يا أدهومي..
أبعدها أدهم قليلًا وداعب وجنتها برفق مع قوله:
-وأنتِ كمان يا ميمو وحشتيني موت.. قوليلي بتاخدي علاجك بانتظام ولا لا؟
هزت رأسها بإيجاب وأخبرته:
-أه والله يا حبيبي..

فيما أقبلت -جيهان- عليه بخطواتٍ سريعة أشبه للركض وهي تهتف بشوق:
-قلبي.. قلبي
اندفع نحو والدته واحتضنها برفق وهمس:
-وحشتيني..
فيما تردف بعتاب:
-كل دا وقدرت تستحمل يا أدهم تبعد عننا المدة دي كلها..؟
تنهد أدهم بعمق وقد قال:
-معلش حقك عليا يا ماما بس كنت محتاج أبعد شوية.. بابا فين؟

-في الشركة.. تعالى يا حبيبي استريح..
مضى معها نحو الأريكة وجلسا سويا، بينما انتهزت ميرال فرصة انشغالهما وتسربت إلى الحديقة وعيناها تدوران بحثاً عنه وها قد وقعت عيناها عليه حيث كان هناك عند البوابة الخارجية ينهي اتصالا مع أحد..
اخذت تقترب بخطواتٍ بطيئة في خجل بينما لاحت منه هو التفاتة حين اشتم رائحتها المميزة..
فاصطدمت عيناه بعينيها فازدرد ريقه بارتباكٍ لكنه لم يتأثر خارجياً ؤقال هادئاً:
-ازيك يا أنسة ميرال؟

تغضن جبينها لعدة ثوانِ من لهجته الرسمية معها، لتقول بضيق:
-حمدالله على سلامتك..
فقال بنفس الهدوء:
-الله يسلمك..
تنهدت بغيظ وهي تقول بعصبية:
-مش عاوز تقول حاجة؟
هز رأسه نفيًا.. ثم صمت ثوان وعاد يتحدث بمراوغة:
-أه أه عاوز أقول..
-ايه خير؟!
-احم.. ممكن تشوفي أدهم بيه عاوز مني إيه تاني قبل ما أمشي؟

عقدت ساعديها وهي تحاول كظم غيظها.. فقالت:
-هو آنت مش من طقم الحراسة، يبقى تمشي ليه، مين هيحرس القصر؟
فأخبرها مبتسما برسمية أيضًا:
-دي تعليمات يا فندم، أنت لسة صغيرة بكرة تكبري وتفهمي..
اشتعلت عينيها المهلكتين كما يراهما دوماً فخفق قلبه وصرخت دقاته.. هذه الفتاة تشكل خطرا كبيرا عليه.. لن يتحمل أبدا..

لذا التفت وأولاها ظهره قائلًا بجدية شديدة:
-مستعجل يا أنسة ميرال من فضلك شوفي أدهم بيه..
زفرت بعنف وأسرعت في خُطاها إلى الداخل مجددًا.. فالتفت ومسح بكفه على جبينه المُتعرق وهو يهمس لنفسه بتوتر شديد:
-إيه مالك يا "علي".

لجمت الصدمة لسانها وهي تسمع مكالمة والدتها مع السيدة "جيهان "..
حيث أخبرتها عن موعد خِطبة أدهم!، ويا لها من صدمة!
بل فاجعة!
هل -أدهم الجزار - شخصيا تقدم لاحداهن هكذا بمنتهى البساطة؟
وهو الذي لم تحوذ واحدة فقط على إعجابه!
ضاقت عينا تمارا بغموض وهي تتوعد له..

-هي- ستتخطط كيف تصل إليه.. وفي أقرب وقت ممكن.. وستحصل عليه!
هكذا وعدت نفسها بثقة.. وقامت من مجلسها متجهة إلى غُرفتها تنتقي فستانا يليق بالخطبة.. ويليق بـ تمارا أيضاً!
إن كان هو أدهم الجزار..
فهي أيضاً تمارا الجزار!
العرق واحد.. والدم واحد..
وطريقهما! سيكون واحداً أيضًا .. هذا هو رهانها مع نفسها..
أخيراً انتقت فستانا ورديا من خزانة ملابسها، وهمست لنفسها ببسمة ماكرة:
-ماشي يا إبن عمي!

حفل خِطبة إسطوري قد تجهز على قدمٍ وساق في قصر الجزار..
الجميع كان في حالة من الانبهار التام، هذا ليس حفلا عاديا.. فاليوم خطبة -أدهم الجزار - نجم عائلة الجزار..
له هيبة طاغية في حضوره.. خاصةً على الفتيات.. كلهن يتحدثن عن وسامته..
لكنه كان يزفر بضيقٍ شديد وهو يتابع الحاضرين يريد أن يفتك بأي أحد الآن.. الجميع يستفزه وبشدة.. ما هذا العالم المستفز الذي يحيطه..؟!
تلك العروس اللاصقة في ذراعه كاد يقتلها من شدة غيظه...

لا يريد سماع صوتها حتى..
-يلا يا قلبي استعد لـ السيشن.
هكذا همست العروس في أذنه بدلالٍ لم يرُق له قط!
فزفر بحدة وهو يعتدل في وقفته.. بينما يقترب المصور وهو يقول بحذر:
-هستأذن حضرتك تمسك إيد العروسة وتبوسها وحضرتك بتبصلي تمام؟
-نعم! إيد مين وابوس إيه، غير اللي بتقوله دا بدل ما أكسر الكاميرا دي على دماغك!

ارتد المصور للخلف في خوف حقيقي، بينما أنقذ والده الموقف وهو يقول بلُطفٍ:
-شوف العريس عاوز إيه ونفذه لانها خطوبة تمام؟
هز المصور رأسه بصمت وقد تنهد بضيقٍ، بينما كشرت العروس "لينا" وهي تزفر بغضب جم!
ما هذا التصرف المُتخلف خاصته؟!
ماذا يعني؟
لا يُريد تقبيلها؟!

تطاير الشرر الغاضب من عينيها الواسعتين وهي تفعل كما وجهها المصور.. لينتهيا بعد مرور الزمن أخيراً وتبدأ رقصتهما الأولى تحت أنظار الجميع..
وتتعلق هي بعنق أدهم الذي ابتعد بوجهه قليلًا وراح يحل عقدة يديها عن عنقه...
ثم يضعها بعصبية على كتفه وهو يقول بحدة كحدة عينيه الغاضبتين:
-كدا أفضل..
كزت لينا على أسنانها بغضب وهمست له بعدم رضى:
-أنت حقيقي أوفر جدا يا أدهم..
فأشاح بنظره عنها وهو يخبرها بجمود قاس:
-فعلا أنا أوفر جدا ودا إسلوبي..

اتسعت عيناها من كلماته اللازعة، وفضلت الصمت حتى تنتهي الرقصة المملة هذه..
وما إن انتهت انصرف أدهم وذهب إلى -الكوشة- خاصتهما..
أخرج علبة سجائره من جيب سترته وراح يضع ساقا فوق الأخرى وهو يشعل لفافة التبغ بضيقٍ..
فينفث دخانها رافعاً رأسه للأعلى بلا اكتراث بعيون الحاضرين المصوبة نحوه..
بينما أسرع والده إليه واقترب هامسًا بغيظ شديد:
-أنت ناوي تفضحني الليلة صح؟!

رمق والده بنظرة ثاقبة وقد أخبره بنبرة جادة:
-أنا فاضلي تكة واحدة بس وأعملك فضيحة بجد!
-طب أقوم إرقص مع خطيبتك!
-اتزفت!
هتف بها بنظرة نارية، فضغط شوقي على نواجذه والتفت قبل أن يتصاعد صوته أكثر من ذلك..
وهناك رقصت -لينا- مع صديقاتها بجسدها الفاتن المغري للجميع..
ولكن له لم يكن مغريا في عينيه! ولم يتأثر بجمالها وفتنتها قط..!

وها قد أتت له من هي تفوقها فتنةً وجمالا!
-بونسِوار أدهم..
هكذا قالت "تمارا" وهي تمد يدها له كي تُصافحه، فصافحها على مضض وهو يقول بخشونته المعهودة:
-أهلا..
تابعت تمارا:
مبروك أدهم..
هز لها رأسه دون كلام وسحب نفسا عميقًا من سيجارته.. فعادت تقول:
-خطيبتك مش لايقة عليك، الناس كلها بتتكلم عن جراءتها الأوفر جداً يعني..

نظر لها بصمت.. فاستكملت رافعة احد حاجبيها:
-تستاهل واحدة أجمل من كدا.. أنا عارفة إن عمو شوقي هو اللي ضغط عليه..
-أيوة كل اللي قولتيه دا يخصك في إيه؟!
قال جملته ببرود أخرسها لدقيقة كاملة..
دقيقة كاملة في إحراجٍ وهي تناظره بصدمة.. ثم تحررت من صدمتها تلك لتقول بغيظٍ:
-أنت ناسي إنك إبن عمي؟ يعني يهمني مصلحتك..

ابتسم متهكمًا وقال:
-ممم.. لا مالكيش دعوة بمصلحتي يا أنسة تمارا.. ممكن توفري كلامك لنفسك وممكن برضوه تلمي نفسك وتلمي فضايحك وترحمي باباكي الغلبان اللي داير وراكي في الاقسام والديسكوهات...
جحظت عيناها من فرط وقاحته، ثم هتفت بعصبية:
-أنت إزاي تكلمني كدا؟.. أنا غلطانة إني جيت أنصح واحد زيك والله..
-أنا! أخد نصيحة من واحدة زيك يا تمارا؟! والله هُزلت!
هذا أزادها حقا..

وهي تلجمت لا تجد كلمات مناسبة ترد بها عليه!
لذا استدارت وانصرفت في اهتياج.. لتأتي من خلفها "ميرال" وتجلس جواره رابتة على ساقه قائلة؛
-إيه يا أدهومي مالها تمارا انتوا كنتوا بتتخانقوا ولا أنا متهيألي؟!
رد وهو يلقي سيجارته أخيراً تحت قدميه:
-سيبك منها دي واحدة فاضية..

ضحكت ميـرال ووضعت يدها على فمها، فقال أدهم بجدية:
-بتضحكي على إيه أنتِ كمان؟
-بصراحة.. أصل تمارا معجبة بيك أووي وبتغيير عليك، ساندرا قالتلي..
دفعها أدهم برفقٍ من كتفها قائلًا بنفاد صبر:
-أمشي من هنا قبل ما أقتلك..
انصرفت هاربة من عصبيته ومازلت تضحك برقة..

ثم توقفت قليلًا وقد شعرت بالتعب قليلًا..
وتسللت في مكانٍ خالي بعيداً عن هذا الضجيج..
ثم أخرجت من حقيبة يدها الصغيرة عبوة شوكولاتة فاخرة..
وكادت تقضم منها لولا الذي أتى من خلفها فجأة وانتشلها..
فشهقت بذعرٍ ولاحت منها التفاتة إليه وقد تخضبت وجنتاها بغضبٍ وهي تهتف به بطفولية:
-هات الشوكليت!

أخبئها "علـي " خلف ظهره وقال باقتضابٍ:
-هتضرك يا أنسة ميرال، على حد علمي إنك ممنوعة تماماً منها..
تذمرت في قولها:
-وأنت مالك؟! يعني خايف عليا مثلاً؟
أنهت جملتها والتفتت تولّيه ظهرها بعنفٍ.. فاصطدمت أطراف شعرها العسلي بوجهه فجأة..
هذه تنوي قتله!
بشعرها الرائع ذو الرائحة الأروع..
وفستانها الأزرق بلون السماء المميز!

كل ما فيها مهلك!
تمنى لو يصرخ الآن ويخبر الجميع أنه يعشق هذه الفتاة..
أن تكون حلاله وله وحده.. فيحتضنها دون قيود ولا مجال للرسمية!
-يا أنسة ميرال؟
همس بها وقد تحكم بأعصابه مجددًا، فلم تلتفت له لكنها قالت بدلالٍ لم تتكلفه:
-أفندم؟!
-أسف لتصرفي بس سلامتك تهمني، ما أنا بحرس العيلة دي وأنتِ فرد منها..

التفتت له أخيراً وتأملت ملامحه الرجولية المحببة لها مروراً بلحيته الخفيفة التي تعشقها..
وجسده الضخم أمامها.. في كل مرة تنظر فيها إليه يتضاعف حبها أضعاف ولا تعلم أيبادلها هو؟ أم لا تعنيه هي شيء!
أم أنه يعشقها كما تعشقه لكنه يُكابر!
-علي..
همست بها ونظراتها تتحدث بالنيابةٍ عن قلبها..
وهو يفهم جيداً حديثها الصامت.. وما أجمل سماع إسمه من بين شفتيها!

-أمرك..
همس بها وقد تنهد بصبرٍ، فقالت له بعينين دامعتين:
-علي أنت.. أنت ليه مش عاوز تتكلم معايا ودايما بتتهرب مني.. علي هو أنت خايف عشان أنا عندي سكر؟.. أنا عارفة إني مش زي البنات و...
عقد حاجبيه بضيق وقاطع قولها قائلًا:
-أنسة ميرال.. أنتِ فعلا مش زي البنات.. أنتِ ست البنات كلهم!
ومافيش فيكِ عيب ولا غلطة واحدة صدقيني أنا بس...

صمت فجأة وابتلع حروفه وأولاها ظهره.. فأسرعت تواجهه وتنظر له بتلهفٍ مع قولها:
-أنت إيه؟ أنت إيه يا علي!
-أنا لازم أمشي من هنا حالا..
ولم ينتظر اكثر وانصرف بالفعل ذاهبا ليستكمل عمله..
فانسابت دمعاتها بهدوءٍ ورقة على وجنتيها الناعمتين بصمتٍ...

كتمت ساندرا ضحكاتها وهي تشاهد غضب شقيقتها المبالغ فيه وغيظها الشديد من العروس الحمقاء الجالسة جوار أدهم.. التي لا تليق به كما رأتها هي!
بل هذا مكانها -هي-!
-بتضحكي على إيه؟ سبيني في حالي..
هكذا قالت.. فأردفت ساندرا من بين ضحكاتها:
-بجد أنتِ أوفر جدا يا تمارا قلت لك أدهم دا شليه من دماغك، عاجبك يعني اللي قاله؟!
-إخرسي بقى بلييييز!

هتفت بها وهي على وشك البكاء.. فصمتت ساندرا كاتمة ضحكاتها كي لا تنفعل شقيقتها أكثر..
وعلى بعد عدة خطوات جلس "فاخر" بصحبة شقيقه "شوقي "...
وبدا عليه أنه غاضبًا وبشدة من هذا الحفل الذي لم يرُق له..
في حين قال بحدة:
-والله عيب عليك يا شوقي تضغط على أدهم بالشكل دا.. وتخليه يخطب غصب عنه كمان..
شوقي ضاحكًا:
-يا فاخر أبو العروس داخل معايا صفقة تقيلة اوي وعاوزين نعدي بقى!

فاخر بضيق:
-يا أخي احمد ربنا دا أنت من اغنياء مصر.. بطل طمع! وبدل ما تغصب عليه يتجوز الغريبة.. لا القريبة أولى!
نظر له شوقي ضاحكًا بشدة وقد قال من بين ضحكاته:
-قصدك إيه؟!
فاخر متنهدًا بعمق:
-قصدي إنه يتجوز البت تمارا بنتي ويلمها بدل ما تضيع مني.. ما تقنعه بالله عليك يا شوقي؟
-يا أخويا هو أنا اكره؟ بس اصبر نتم الصفقة دي على خير وبعدها فيه كلام تاني بس مأوعدكش لأني مش عارف أتعامل معاه من ساعة الخطوبة دي..
-الله يبشرك!

انقلب الحفل فجأة وتصارعت الأنفاس في خوف عندما سقطت "ميرال" مغشيا عليها أمام أنظار الجميع..
وركض أدهم في سرعة الفهد وقلبه ينتفض خوفًا على شقيقته ثم حملها ودخل بها إلى القصر وإلى حجرتها فوراً..
وتبعه والده والدته التي قالت بقلق:
-اطلب الدكتور بسرعة يا أدهم دي أكيد غيبوبة سكر..
وضعها أدهم على الفراش وأجرى اتصالا سريع عبر هاتفه على الطبيب المختص..

وبعد مرور الزمن..
كان قد انتهى الطبيب لتوه من فحص ميرال.. بعدما استيقظت من غيبوبتها..
وبقيت ساكنة بوداعة في فراشها.. بينما قال الطبيب بحزم:
-ماينفعش تتمنع من السكريات تماما لازم تاخد بس بمقدار بسيط جدا عشان متدخلش في غيبوبة تاني اثر انخفاض السكر في جسمها..
هزت الأم رأسها بايجاب وهي تقول بندم:
-حاضر يا دكتور.. للاسف فعلا احنا منعناها تماما من اي حاجة حلوة عشان متتعبش بس مش هنكرر الخطأ دا تاني..
-تمام..

قال الطبيب ثم انصرف بعد ذلك.. وجلس أدهم جوار شقيقته ماسحا على شعرها بهدوءٍ.. بينما يهمس مدللا اياها:
-ألف سلامة على الصغنن بتاعنا..
فابتسمت له بإرهاق.. فعاد يهمس لها مشاكسًا:
-مش عارف أزعل يا ميرال ولا أفرح عشان بوظتي الخطوبة المملة دي ما تجيبي بوسة يا قلب أخوكِ!...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة