قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية للعشق وجوه كثيرة للكاتبة نورهان العشري الفصل السابع والثمانون

رواية للعشق وجوه كثيرة للكاتبة نورهان العشري الفصل السابع والثمانون

رواية للعشق وجوه كثيرة للكاتبة نورهان العشري الفصل السابع والثمانون

أخبرتها ذات يوم: انا رجل سئ فلا تتورطي بي!
فأجابتني بكل هدوء: ماذا لو تورطت انت؟
اجبتها بغرور: مثلي لا يليق به الوقوع في الحب!
فابتسمت بثقه و ارسلت بعينيها الفاتنه سهام التحدي قبل أن تقول بتمهل: و مثلي لا يمكن أن تكون عابرة. فتذكر هذا جيدًا.

و الحقيقه أنني لم أنس أبدا فمنذ ذلك اليوم و أنا عالق عند تلك العينين التي استقرت سهامها في منتصف قلبي الذي أعلنها و بكل طواعيه أنه لا يليق به سوي الوقوع بعشقها
نورهان العشري.

عند إنطلاق مآذن المساجد المجاورة بأذان الفجر كانت قلعه الحسيني تفتح أبوابها لعودة فرسانها من أقوي المعارك التي خاضوها علي مر حياتهم و التي بها استطاعوا القضاء على ذلك الشر الذي هدد أمنهم و سعادتهم لأعوام مضت و لكنهم الآن استطاعوا قمع بذور الشر و نجو من براثن الشيطان الذي أصبح الآن في الجحيم الذي يليق به هو و أعوانه.

في داخل القصر كان هناك من ينظر إلي السماء بعينان يتساقط منها الدمع كحبات المطر التي تسقط فوق قلبه الذي استيقظ متأخرا من غفوته و صار يبتهل الي الله حتي يعود أحفاده سالمين فمنذ أن علم بما حدث و هو يرتعب من فكرة فقدان أحدهم.

في وقت لاحق
كان رحيم الحسيني يشعر بألم بسيط في قلبه الذي كان يشعر بالقلق و لا يعرف له سببا و قد جافاه النوم فسهر لوقت متأخر يقرأ بأحد الكتب علا القراءة تهدأ من روعه قليلا و لكن زاد المه فأغلق الكتاب أمامه و نهض قاصدا غرفته حتي يأخذ دواءه و يحاول النوم أملا في تجاوز هذا القلق الي لا يعلم لما يشعر به و ما أن فتح باب الغرفه و قام بغلقه حتي شعر بشئ يغرز في منتصف ظهره و صوت خلفه يقول بهسيس.

و لا نفس..
حبس رحيم أنفاسه و حاول ابتلاع ريقه قبل أن يقول بلهجه حاول جعلها ثابته
انت مين؟

جاءه الصوت منخفضا
هتعرف لما تيجي معايا..
حاول رحيم التحرك و هو يقول بغضب
اجي معاك فين انت اكيد اتجننت.

فاحكم ذلك الرجل إمساكه و هو يقول محذرا
صوتك ميعلاش. و خلي بالك اي حركه غدر منك مش هيكون فيها روحك و بس. دي هيكون فيها روح احفادك كلهم.
ذُعِر رحيم عند سماعه حديث ذلك الرجل فقال بخوف تجلي في نبرته
مالك و مال احفادي، انت مين و عايز مننا ايه؟

قولتلك هتعرف كل حاجه لما تيجي معايا، و دلوقتي هتمشي قدامي من غير و لا نفس عايزين نطلع من هنا بهدوء من غير ما حد من البيت يحس بينا و دا في مصلحتك و مصلحتهم..

لم يتحدث رحيم بل طاوعه و سار معه للأسفل متوجهين الي باب القصر و فجأة شعر بسائل دافئ يندفع ليلطخ ثيابه فلم يتبين ما هو في الظلام و لكنه شعر بذلك السلاح المغروز بظهره يسقط هو و صاحبه علي الأرض محدثا صوتا قويا تلاه صوت مازن الذي اقترب منه بلهفه قائلا
رحيم بيه انت كويس..

التفت رحيم بلهفه و هو ينظر إلى مازن في الظلام قائلا بخوف
في ايه بيحصل يا مازن؟ ومين دول و الولاد فين؟

لم يعرف مازن بماذا يجيبه و لكن أنقذه قدوم أدهم الذي كان بالحديقه هو و فرقه من الحرس بعد أن قاموا بالتخلص من اولئك الأوغاد الذين جاؤوا حتي يحضروا جده كما ظن يوسف فالتفت له رحيم قائلا بلهفه
أدهم، انت كويس يا ابني..

اجابه أدهم لاهثا
انا كويس يا جدي متقلقش.

ثم نظر إلي مازن مستفهما فقص عليه ما حدث فهما قد افترقا بعد أن شاهدوا مجموعه الرجال الذين اخترقوا القصر من الحديقه الخلفيه قاصدين أن يحضروا رحيم الحسيني فقررتا الإفتراق و دخول مازن الي القصر ليتفقد ما إذا كان أحدهم بالداخل و ذلك لأنه مدرب بحرفيه علي هذه الأمور كونه ينتمي إلي جهاز المخابرات و قد صح ظنه و استطاع إنقاذ رحيم الحسيني الذي كان ينظر إلي كليهما بنفاذ صبر تجلي في نبرته حين قال.

ما تفهموني في ايه؟ و يوسف فين؟ و مين دول.

لم يجد أدهم مفر من إخباره و ما أن انتهي من سرد ما حدث حتي قال بلهفه
انا عايزك تطمن يا جدي يوسف عامل حسابه علي كل حاجه و بإذن الله هنخلص من الحيوان دا و هنرجع رائد و كاميليا و هند بالسلامه..

شعر رحيم بيد قويه تعتصر قلبه و قد علم لما هذا الشعور بالقلق الذي كان يعتريه فاحفاده بخطر لذا قال بقوة
انا جاي معاكوا..

نظر الإثنان الي بعضهما البعض فبادر مازن بالحديث قائلا بهدوء
رحيم بيه انا مقدر موقفك و قلقك عليهم بس اكبر غلط تعمله انك تيجي معانا علشان دا هيخلينا نقلق عليك و منركزش في شغلنا كفايه اوي الرهاين الي معاه.

رحيم بغضب
محدش طلب منكوا تقلقوا عليا. انا مش عيل صغير يا مازن انا رحيم الحسيني ايه خلاص كبرت و عجزت و هييجي شويه عيال هما الي يخافوا عليا..

أدهم برفق
يا جدي احنا منقصدش انت قد الدنيا بس احنا مش عارفين في ايه هناك و كمان احنا مش لوحدنا على معانا و هناخد معانا حراسه كبيرة احنا كل الي محتاجينه منك تدعيلنا ربنا يقف معانا. انت مش واثق رجالتك و لا ايه؟
انصاع رحيم اجبارا لحديث أدهم فهو يعلم أنه أن ذهب سيكون حملا ثقيلا عليهم و قد طغي خوفه علي غروره و هز رأسه بإستسلام قائلا
واثق فيكوا يا ابني. ربنا معاكوا..

عودة الي وقتنا الحالي
زفر رحيم بتعب قبل أن يقول بتوسل
يارب رجعهملي سالمين يارب..

و كأن دعوته اخترقت السماء فلبت ندائه و سمع صوت البوابه تُفتح علي مصرعيها فهرول الي باب القصر يفتحه بلهفه لتُقر عيناه برؤيه أحفاده و أبناء قلبه و هم قادمون نحوه ليرقص قلبه فرحا برؤيتهم سالمين و فتح أبواب حضنه ليهرولوا جميعهم إليه يحتضنوه بقوة و لهفه فاخيرا انتهي كابوس حياتهم و انقشعت الغمه ليُلم شملهم لأول مرة في ذلك العناق الحار الذي أذاب الدمع بمقلتيهم فتساقطت كالانهار و لكن تلك المرة فرحا و تأثرا بإجتماعهم فصار رحيم يردد عبارات الشكر لرب العالمين و التي كانت تمتزج بدموعه التي تحولت لفخر تجلي في نبرته و هو يربت بقوة علي كتف يوسف قائلا.

كنت عارف انك قدها. وعدت و نفذت يا ابن عامر. راجل من ضهر راجل.

امتدت يد ييوسف تمسك بيد رحيم و تقبلها بحب و إعتزاز و هو يقول
تربيتك يا جدي. حفيد رحيم الحسيني مينفعش يوعد و مينفذش.

ابتسم رحيم بامتنان تجلي في نبرته حين قال
لو قعدت اشكرك عمري كله عالفرحه الي حاسس بيها دلوقتي مش هيكفي الي باقي منه.

يوسف بلهفه
و أنا مش مستني منك شكر يا جدي انا معملتش حاجه دا واجبي تجاه عيلتي الي بفتخر اني واحد منها..

كان المشهد مؤثرا بدرجه اهتزت لها قلوب الموجودين و الذي كان من بينهم أدهم الذي قال بمزاح
على فكرة احنا كنا معاه بردو و لا هو مفيش عالحجر الي يوسف.

و شاطره مازن مزاحه قائلا
على رأيك يا أدهم احنا يطلع عنينا و يوسف بيه هو الي ياخد اللقطه..

ابتسم الجميع على مزاحهم فتقدم رحيم من مازن و ربت علي كتفه و هو يقول بإمتنان
انت زيك زيهم عندي يا مازن. حفيدي الغالي. وقفتك مع عيلتنا و إنقاذك لحياتي النهاردة كل دي حاجات عمري ما هنسهالك.

مازن بود
ماتقولش كدا يا جدي. انا معملتش اي حاجه انتوا عيلتي الي معرفتش غيرها..
ربت رحيم بود على كتفه قبل أن يتوجه بنظراته الي على الذي كان يقف بالخلف و قال بصدق
و انت كمان يا على في معزة أدهم و يوسف بالظبط. كلكوا رجاله و كلكوا رفعتوا راسي و شرفتوني و طمنتوني اني لما اموت هلاقي الي يسند العيله من بعدي و احسن مني كمان.

انطلق الجميع قائلين بلهفه
بعد الشر عنك يا جدي.
كان من بينهم صوت لمس قلبه تلك اللهفه التي تضمنته فالتفت رحيم لرائد الذي كان يمسك بيد محبوبته و توجه إليه قائلا بصدق
نورت بيتك يا ابن الغالي.

لمس الحنان بنبرته فقال بود
بيتنا و حياتنا منورين بوجودك يا جدي.

رحيم بتأثر
لو تعرف اتمنيت اللحظه دي تيجي قد ايه. لحظه ما تخش بيتك و تبقي وسط عيلتك و الغالي يرتاح في تربته.

اجابه رائد بتأثر
ربنا يرحمه، الحمد لله على كل حاجه.

نظر رحيم الي الفتيات و هو يقول بإهتمام
حمد لله علي سلامتكوا.
ثم نظر للجميع و قال بوقار
يالا ندخل جوا الجو برد هنا اوي..
و بالفعل أطاعه الجميع و دخلوا الي القصر فنظر أدهم الي مازن قائلا بتهكم
ياخي كل يوم بتأكد من إحساسي أن الناس دي لقياني قدام باب جامع، انا الوحيد الي متشكرتش؟

مازن بمزاح
والله ياد يا أدهم و أنا كمان ابتديت اتأكد من الموضوع دا..
نظر إليهم يوسف بسخريه تجلت في نبرته حين قال
يشكرك علي ايه هو انت عملت حاجه زياده دا واجبك تجاه عيلتك..

اجابه أدهم بإستنكار
واجبي! بالنسبه لقصايد الغزل الي اتقالت في سيادتك من شويه كان عشان ايه هو مش واجبك انت كمان بردو و لا انت على راسك ريشه.
مازن بمزاح
عندك حق يا أدهم دا ناقص يعمله تمثال علي باب القصر.

أدهم ساخرا
اه والله يعملها. ايش حال مانا الي مفجر دماغ الواد الي كان مثبت الأمورة.

كان يشير الي كاميليا فأدار يوسف راسه إليه و هو يقول بحدة
أمورة في عين اهلك. انت هتسكت و لا اغيرلك ديكورات وشك.

ادهم بتراجع
لا يا عم و على ايه الطيب احسن. ورايا عيال عايز اربيهم.

تدخل رائد في الحديث قائلا بمزاح
بيعجبني فيك يا أدهم ثباتك على موقفك.

ادهم متصنعا الجديه
طبعا اومال ايه اهم حاجه في الإنسان أنه يبقي ثابت علي موقفه. و أنا في الثبات معنديش ياما ارحميني..

قهقه الرجال علي حديثه و لكن قاطع ضحكاتهم مراد الذي كان قادما من الخارج فالتف الجميع إليه فنظر إليهم براحه و هرول الي كاميليا يحتضنها فهو لم يكن يعلم شيئا عن أمر اختطافها سوي منذ دقائق عندما أخبره فاتح الذي كان بالمشفي بعد أن نقله مراد الذي تفاجئ عندما أتت به سميرة.

في وقت لاحق
كان مراد قادما من الخارج بسيارته فوجد سيارة آتيه بسرعه تجاهه و توقفت أمامه مباشرة فترجل من سيارته عندما شاهد تلك التي كانت تتقدم ببطء و لأول مرة تجد نفسها تشعر بالخجل منه حتي أن مظهره الغاضب و هو يتقدم منها لم يُخيفها بل تمنت في تلك اللحظه أن يُزهِق روحها حتي تتخلص من ذلك العذاب الذي يستوطنها منذ أن علمت بأن ذلك الشيطان هو من قتل حبيبها.
اقترب منها مراد بغضب قائلا بصياح.

انتي اجننتي جايه هنا برجليكي، يا بجاحتك.

سميرة بألم
لا يا مراد مش بجاحه و لا حاجه. انا بس جايه اصلح جزء بسيط من غلطي معاك و معاكوا كلكوا.

ناظرها مراد بحنق و قال ساخرا
لا والله غلطك معانا. كل عمايلك دي مجرد غلط امال الجرايم بتبقي عامله ازاي؟

هزت رأسها بحزن قبل أن تقول بصدق
عندك حق هيا فعلا جرايم و مهما عملت مش هقدر أكفر عن ذنوبها، بس انا مش جايه هنا بمزاجي. دا على الي باعتني.

مراد بإستنكار
على!
سميرة بتأكيد
ايوا على..
قصت له سميرة ما حدث دون أن تأتي علي ذكر اختطاف كاميليا فهي لم تكن تعلم به و أنهت حديثها حين توجهت الي السيارة لتدل مراد علي محمود الذي كان غائبا عن الوعي و يبدو عليه الإعياء الشديد. فبرقت عيناه حين رآه و لم يصدق ما يجري فأخرجه من صدمته حديث سميرة التي قالت
راغب عذبه كتير. لازم يروح المستشفي يمكن تقدر تنقذ حياته.

التفت مراد ناظرا إليها بشك تجلي في نبرته حين قال
انا مش مصدقك بصراحه و حاسس انك وراكي لعبه وس. خه زي عادتك.

سميرة بحزن
ليك حق، بس صدقني انا جايه المرادي بالخير. و اتمني انك ييجي عليك يوم تسامحني فيه. عارفه اني مستحقش بس دا رجائي الاخير. عن إذنك.

لم تنتظر أن تسمع إجابته بل هرولت في طريقها للإنتقام و التكفير عن اخطائها التي ظنت بأنها تكمن في القضاء علي الشيطان و تركت مراد خلفها يناظرها بغضب ثم استقل سيارتها وتوجه بها الي اقرب مشفي. محاولا إنقاذ محمود الذي كان في عالم آخر و بالفعل توقف أمام الطوارئ الخاص بأحد المشافي و تم استقباله علي الفور لعمل اللازم لحالته و ظل مراد بجانبه الي أن أتاه فاتح الذي توجه إلي المشفي مباشرة للإطمئنان علي محمود فهو الوحيد الذي تبقي له في تلك الحياه و هناك اخبره بما حدث ليهرول مراد الي القصر للإطمئنان علي ابنته و البقيه..

عودة الي الوقت الحالي
أخذ مراد يحتضن كاميليا و هو غير مصدق لما حدث فقد كان قاب قوسين أو أدني من خسارتها و هو لا يعلم حتي و اشعل ذلك فتيل غضبه و هو ينظر إلي يوسف و ما أن أوشك علي الحديث حتي زجره رحيم قائلا
و لا كلمه يا مراد. الي حصل دا مكنش مترتبله و انت كنت هربان زي عادتك. متلومش حد و احمد ربنا أن بنتك سليمه و في حضنك..

انهي كلماته ثم نظر إلي الجميع قائلا بصوت جهوري
الصفحه دي اتقفلت من حياتنا خلاص و مش عايز اي كلام فيها عايزين نعيش في سلام كفايه لحد كدا. و يالا كل واحد فيكوا علي اوضته.

ثم نظر إلي على قائلا
و انت يا على تعالي بيت معانا النهاردة و النهار له عنين.
على بحرج
لا معلش يا رحيم بيه انا ورايا شغل مهم بكرة و مش هينفع ابات بره. و بعدين البيت مش بعيد من هنا.

أوشك رحيم علي الاعتراض و لكن تدخل رائد قائلا
أه يا جدي و أنا كمان هروح معاه عشان اطمن على ماما. زمانها قلقانه اوي عليا.

خفق قلب رحيم لحديث رائد و لكنه لم يكن يملك سلطه للرفض لذا هز رأسه بإذعان قبل أن يقول بلهجه يشوبها الحزن
براحتك يا ابني بس افتكر أن بيتك هنا.

فطن رائد الي مغزي حديثه فقال بطمأنه
مش ناسي يا جدي محدش بينسي بيته.

هكذا انصرفوا كلا الي وجهته فقد كان يوما شاقا ثقيلا علي الجميع..

كانت ناهد انتهت لتوها من صلاة الفجر و لكنها لم تفارق سجادتها كما العادة تظل تقرأ في كتاب الله و تدعو الي أن تشرق الشمس و هيا علي أمل أن تُستجاب دعواتها و تجده يدخل من باب غرفتها سالما فاغمضت عيناها و ظلت تبتهل الي خالقها و قلبها يؤمن علي دعواتها لتجد باب الغرفه يفتح و شعاع من النور يضئ غرفتها ففتحت عيناها لتتفاجئ به يقف أمام الباب و على وجهه ابتسامه عذبه فظنت أنها واهمه و أخذت تفرك عيناها غير مصدقه أنها تراه لتجده يهز برأسه و كأنه يخبرها بأنه هنا و أن كابوسهما انتهي ثم اقترب منها بلهفه كان اضعافها بقلبها الذي عانقه بدلا من ذراعيها و صارت يديها تتلمس ملامحه بحب و قلب لهيف يرتجف بداخلها من فرط السعادة لإستجابه دعواتها و عودته سالما فلم تستطع منع دموعها من النزول بغزارة و لكن تلك المرة دموع الفرح التي لم تذر عيناها منذ أن فارقت رفيق عمرها و حبيبها الوحيد و الذي كان ولدها نسخة عنه حتي نبرته المتزنه التي لامست قلبها حين قال.

كفايه دموع بقي. انا قدامك اهوة.

هزت رأسها و امتزجت ابتسامتها مع دموعها و هيا تقول بفرح
مش مصدقه عنيا انك أخيرا قدامي.
وضع رائد قبله فوق جبهتها قبل أن يقول برفق
لا صدقي. انتهي الكابوس خلاص. و معدناش هنبعد عن بعض تاني.

لم تجبه انما سارعت بإحتضانه بقوة شديدة فوقعت عيناها علي تلك التي كانت تقف خلفه أمام باب الغرفه و العبرات تترقرق بمقلتيها تأثرا بمشهدهما فقامت بمد يدها إليها لتهرول هند تجاههم فانضمت الي ذلك العناق الدافئ الذي اكتمل بوجودها فامتدت يداه تحتضن محبوبته و يده الأخري تحتضن والدته و قد شعر في تلك اللحظه بأنه في أقصي درجات السعادة التي لم يكن يجرؤ أبدا علي أن يحلم بها و لكنها حقيقه الآن بين يديه و لكن هناك ما يقلقه بل و يخيفه و هو كيف سيخبر والدته بأن محمود مازال علي قيد الحياة؟ فهل ستستطع تقبل ذلك الأمر أم ستنهار حالتها الصحيه؟ يخاف كثيرا أن تسوء حالتها نظرا لتلك الصدمه فشعرت هيا بأن هناك خطب ما فقد بدا علي ملامحه عدم الراحه فخفق قلبها بشدة قبل أن تتحلى بالشجاعة و تقول بإستفهام.

في ايه يا رائد؟

تجمدت الكلمات علي شفتيه و لم يعرف بماذا يجيبها فنظر إلي هند التي تولت زمام المبادرة و أمسكت بيد ناهد التي كانت ترتجف من فرط الخوف من ما سيخبرها به و قامت بجذبها لتجلس علي السرير و جلست هيا بالمقابل و قالت برفق
الحمد لله كل حاجه عدت علي خير و الشيطان الي كان مهدد حياتنا دا راح من غير راجعه. ممكن تطمني بقي.

شعرت بقليل من الراحه لحديث هند و لكن مازالت هناك كلمات عالقه علي شفتيها و ذلك ما كان يقلقلها لذا قالت بترقب
هطمن اكتر لما تقوليلي الي لسه معرفوش و الي هو مقدرش يقولهولي.

كانت تنظر إلي رائد الذي تقدم منها و جلس أمامها علي ركبتيه و هو يقول بهدوء
الي هقوله مفهوش حاجه تقلق هيا صدمه بس اتمني انك تتقبليها انا اول ما عرفتها اتصدمت بس فرحت اوي بعدها.

لم تستطع الانتظار أكثر فقالت بنفاذ صبر
لو فاكر انك كدا بتطمني تبقي غلطان. اتفضل قولي في ايه؟

زفر رائد بإستسلام ثم قال بتمهل و هو يراقب انفعالات وجهها
بابا محمود. لسه عايش ممتش.

لم تتحرك و لم يصدر منها أي ردة فعل علي حديثه و كأنها لم تسمعه من الأساس مرت ثوان وهيا جامدة بمكانها فنظر الإثنان لبعض بخوف قبل أن تمتد يد هند تمسك بيدها و هيا تقول
ماما. انتي سمعتي رائد قال ايه؟ محمود الي هو كان جوزك و اخو راغب لسه عايش.

التفتت إليها ناهد تطالعها بزهول فقد بدأت ملامحها تتفسر حين سمعت حديثها الذي يؤكد علي كلام رائد فهيا في البدايه لم تستطع استيعابه و لكنها الآن بدأت شيئا فشيئا تستوعبه فارتسمت إمارات الزهول و عدم التصديق علي ملامحها و كل ما استطاعت قوله هو كلمات متقطعه
محمود مين؟ اخو راغب ازاي؟ عايش! هو مين دا الي عايش؟

ارتعب قلبه من مظهرها و قام بضم رأسها الي صدره و هو يقول برفق
ماما اهدي ارجوكي مش هتحمل اخسرك مرة تانيه. عشان خاطري تدي نفسك فرصه تستوعبي. انا عارف انها صدمه و عارف ان الكلب دا اوهمك أنه موته أنه موتنا احنا التلاته بس لا دي مش حقيقه محمود عايش و هو فضل حابسه الفترة دي كلها.

نفذت كلماته الي عقلها و اخترق توسله اعماق قلبها فرفعت رأسهت تطالعه بنظرات مشتته تحاول التماسك قدر الإمكان خاصتا أمام هذا الحنان المنبعث من عيناه و التي هيا في أمس الحاجه اليه فهزت برأسها قبل أن تعيدها الي صدره فاخذ هو يمسح بيديه و داخله يردد الكثير من الدعوات فتركتهم هند و توجهت الي الطاوله بجانبها و أخذت كوب من المياه و أعطته لناهد التي نظرت إليها بإمتنان و أخذته منها بيد مرتعشه فسرعان ما اسندتها يده القويه و قربها من فمها ترتشف عدة قطرات تُبلل بها حلقها الذي جف من فرط الصدمه التي حاولت أن تتداركها و استغرقت دقائق قبل أن تقول بصوت مبحوح.

هو فين؟ عايزة اشوفه؟

نظر الإثنان الي بعضهما البعض و احتارا بما يجيباها لتقول هيا بهدوء
متخافوش انا اتجاوزت الصدمه خلاص. بس عايزة اطمن عليه..

بعد نصف ساعه كان الثلاثه يستقلون السيارة متوجهين الي المشفي لرؤيه محمود الذي كان غارق في النوم و المغذيات موصوله بذراعه فقد كان ضعيف البنيه عكس هيئته السابقه و ذلك ناتج عن سوء التغذيه و كانت الهالات تحيط عيناه و شحبت بشرته البرونزيه فأصبحت مائله الصفار فعندما رأت حالته تلك شعرت بالألم يغزو قلبها فهذا الرجل كان درعها الحامي لسنين طويله و كان يعاملها برفق و لم يجرحها أبدا و اعتني بولدها كثيرا و لم يشعره بيوم من الايام بأنه ليس والده حتي أنها استطاعت أن تتأقلم معه كزوج و أحبت حياتها معه فقد أنها كانت حياة مستقرة كثيرا لولا تدخل ذلك الشيطان الذي حول جنتهم الي جحيم طال الجميع و لم ينجو منه سوي حطامهما.

التفتت ناهد إليهم و قالت بصوت مبحوح من فرط البكاء
سيبوني لوحدي معاه شويه..
أوشك رائد علي الحديث و لكن أوقفته يد هند التي امسكت به و طالعته بنظرات محذره فقد كان الأمر خاص بينهما لذا عليه الإنصياع لرغبتها و هذا ما فعله فأخذها و خرج من الغرفه ليتركها برفقته.

خطت خطوتان نحو السرير فأصبحت أمامه مباشرة و هيا تناظره بألم يخالطه بعض الندم و الذنب أيضا كونها سبب في أن يحدث له هذا و لم تستطع أن تمنع يدها التي امتدت تمسك بكفه برفق و العبرات تتساقط من مُقلتيها كالانهار مما جعل الكلام يخرج مهزوزا من بين شفتيها و هيا تقول.

آخر حاجه. كنت أتوقعها انك تكون لسه عايش، اول ما قالولي مصدقتهمش. بس لما قلبي استوعب كلامهم مقدرتش مجيش عشان اشوفك و اعتذرلك علي كل الي حصلك بسببي، حتي لو مش هتسمعني فأنا أسفه. أسفه علي كل حاجه شفتها بسببي و بسبب ابني. أسفه أن اخوك يطلع ابشع مخلوق في الدنيا. أسفه اني مكنتش بنبهك لكل الي كان ييعمله. أسفه علي الحاله الي انت فيها دلوقتي. و أسفه كمان اني مش قادرة اساعدك و لا اعملك حاجه عشان ترجع محمود بتاع زمان..

اختتمت حديثها و انخرطت في نوبه بكاء هستيريه فقد كانت تحبس تلك الدموع منذ سنوات و الآن لم تعد لها القدرة علي إيقافها و لكن وحده هو من يستطيع
كفايه انك موجودة هنا جمبي..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة