قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل العاشر

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل العاشر

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل العاشر

أشرقت شمس يوم جديد
في منزل عائلة نيروز
دلفت والدة صفوان لغرفة الأخير و هي تهتف
- صفوان، هيا استيقظ يا صفوان
فتح صفوان عينيه بنعاس و قال
- ماذا هناك؟
- هيا انهض، فالفتاة التي أتيت بها بالأمس لم تكف عن الصراخ
اعتدل و قال
- حسنا، سأتي الآن و أتصرف معها
- حاول ان تنهي هذا الأمر سريعا يا صفوان، فوجود هذه الفتاة هنا خطر علينا
- حسنا لا تقلقي
اومأت والدته برأسها ثم التفتت و غادرت، بينما.

نهض صفوان و خرج من غرفته ليتجه للمرحاض و يغتسل.
بعد مرور فترة وجيزة.

القت عائشة بجسدها على الفراش بتعب، طبقت جفونها للحظات و هي تلتقط انفاسها بهدوء لعل غضبها يزول، رفعت رأسها و نظرت للباب عندما سمعت صوت المفتاح يدور في القفل، اعتدلت بسرعة و نهضت و هي في انتظار ظهور الحارس البارد الحقير، و ظهر و هو يحمل صينية بها طعام، اتت ان تسرع ل تستغل هذه الفرصة و تخرج مادام يديه مشغولتين و لكنها وجدت امرأة تغلق الباب خلفه، فزفرت بضيق و عادت لتجلس على فراشها و هي ترمقه بحنق وضع صفوان الصينية على الطاولة الصغيرة ثم نظر لها و لملابسها التي لم تغيرها.

، فقال بصوته الاجش
- الم أقل لكِ ان تقومي بتبديل ملابسك!
نظرت له بتحدي و قالت
- نعم، انت قلت و انا أجبت بلا
تقدم منها بخطوات ثابتة حتى توقف امامها و هو يقول بسلاسة
- حسنا، إذ لم تودي أن تقومي بذلك بنفسك، انا سأقوم به
رمقته بغضب و ابعدت يده التي كادت ان تمسك بقميصها و قالت بشراسة
- كم انت حقير، لن اسمح لك بذلك
و نهضت و ابتعدت عنه، فإبتسم بإستخفاف و هو يقول بإستنكار
- من الحقير؟، انا!
ثم ضحك بخشونة و اردف.

- أعتقد أنه ليس هناك أحقر منكِ هنا، فلا
تظلميني بهذا اللقب
وضعت يدها على خصرها و قالت بحنق
- و لماذا تقول هذا عني؟
اقترب منها بخطوات بطيئة و هو يجيب بنبرة تظهر مدى استحقاره لها
- فتاة مثلك، تركت والدتها المسنة منذ سبع أعوام من أجل أن تذهب لحانة وتعمل هناك و تصبح الملكة لذلك المكان فقط من أجل جسدها المثير كما يروه أُولَئِكَ الحمقى الشهوانين.

انهى قوله و هو يرمقها بإزدراء، بينما عائشة، ظلت صامتة، تنظر له بلا تعبير ظاهر على ملامحها، و بعد لحظات رسمت على شفتيها إبتسامة جانبية باردة و هي تقول بعدم إكتراث مستفز
- لا يهمني رأيك بي و لا اللقب الذي تنعتني به
ضحك بخشونة و قال بقسوة
- طبعا لا يهمكِ، فأنتِ و امثالكِ لا تملكون الحياء حتى.

لم تهتم لكلماته، فقط قابلتها بإبتسامة مستفزة قبل ان تتخطاه لتذهب للطاولة الصغيرة و تلقي بالطعام على الأرض، التفت و نظر لها بغضب، فكيف لها أن تلقي بالطعام هكذا؟!
تقدم منها و التقط شعرها الأحمر بين قبضته بقسوة آلمتها و لكنها لم تظهر ذلك ابدا، فقط ضحكت له بطريقة مستفزة مما زاد من جنون غضبه الذي جعله يدفعها على الاطباق الزجاجية المنكسرة دون أن يشعر.

في فيلا أحمد فريد
خرجت نيروز من الغرفة المجاورة لغرفة عمار
ثم اتجهت لغرفة الأخير، طرقت على الباب بلطف ثم دلفت، توقفت و نظرت في أرجاء الغرفة و هي تناديه
- عمار، اين انت؟
إتجهت للمرحاض و طرقت الباب ثم دلفت فلم تجده، عادت و غادرت غرفته لكي تراه في غرفة الطعام التي كانت ايضا خالية، فسألت إحدى الخادمات عنه، فأجابت
- في الحديقة الأمامية يا سيدة نيروز
- شكرا.

قالتها نيروز قبل ان تلتفت و تذهب له، شعرت بالحنق عندما رأت سارة جالسة معه، هي لا تتحمل قربها منه حقا!
تنفست بعمق قبل ان ترسم على شفتيها إبتسامة هادئة و تتقدم منه.
- صباح الخير يا عمار
قالتها نيروز و هي تجلس بجانيه، لكنها لم تلقى منه إجابه، لم تهتم و سألته
- هل انت اليوم افضل؟
لم يجيبها أيضا، فوضعت نيروز يدها على كتفه و قالت
- عمار، هل تسمعني؟
- ابعدي يدكِ عني.

قالها بتحذير حاد، فنظرت ليدها و ابعدتها عنه و هي تقول بخفوت متوتر
- ماذا بك؟
التفت و نظر لها بحدة و قال بغضب
- الا تعلمين؟، الا تشعرين اني لا أرغب بوجودك معي؟، الا ترين اني أرهق نفسي في العمل بسببلكِ؟
- بسببي!
قالتها بحزن، فأجاب
- نعم بسببكِ، فأنا لا اريد ان اعود من العمل باكرا لكي لا اراكِ في منزلي، في غرفتي، لا أريد أن أراكِ ابدا.

امتلأت مقلتيها بالدموع من كلماته القاسية، القاتلة بالنسبة لها، لكن لا، مهما كانت كلماته قاسية كالجحيم، فهي ستتحمل ذلك.
كانت سارة تتابع ما يحدث بسعادة خفية، فرؤيتها للكره المرسوم في حدقتي عمار يسعدها جدا.
تنفست نيروز بعمق و هي تطبق جفونها للحظات، شعرت بالتماسك، ففتحتهم و نظرت له بثبات و قالت بهدوء
- حتى إن كان ما تقوله صحيح، فأنا لن أغادر، و لن اتركك.

تنفس بغضب و هو ينظر لها بحدة، هو يعلم انها عنيدة جدا و أنها لن تتركه ابدا، طالما كان
يعجبه ذلك و لكن الآن!، الآن يشعر بالغضب منها فكلما يتألم يتذكر أنها السبب في ذلك، السبب في جعله يتألم، فيعود الغضب الجامح لصدره إتجاهها.
نهض و دلف للداخل تاركا نيروز مع سارة، فتنهدت نيروز بإستياء و هي تعود برأسها للخلف، بينما كانت سارة تنظر لها بخبث قبل ان تقول بنبرة لعوبة
- نيروز، هل انتِ بخير؟

نظرت لها نيروز و قالت ببرود
- بالتأكيد
- كيف هذا؟، كيف انتِ بخير بعد قول عمار الجارح لكِ؟!
حكت نيروز جبينها و هي تقول بحنق
- أعتقد أن هذا الأمر لا دخل لكِ به
تجاهلت سارة قول نيروز، و قالت بأسف
- انا اشعر بالشفقة عليكِ، ف كلامه قاسي جدا و معاملته لكِ سيئة، فكيف بعد كل هذا مازالتِ تريدينه!
تنفست نيروز بنفاذ صبر و قالت
- ليس لكِ دخل بهذا
وضعت سارة قدم على آخرى و قالت بطريقة مستفزة
- بل لي
- ماذا؟

قالتها نيروز و هي تضحك بإستخفاف، فقالت سارة بحسم
- اسمعيني جيدا يا نيروز، ابتعدي عن عمار، فهو لم يعد لكِ بعد الآن
صمتت نيروز لبرهه قبل ان تضحك بخشونة و هي تقول بتهكم
- إذ كان زوجي و ليس لي، إذا لمن؟
- لي
قالتها سارة بكل وقاحة، فضحكت نيروز بغضب و قالت و هي تجز على أسنانها
- كم انتِ وقحة
انحنت سارة قليلا لتهمس بنبرة لعوبة لنيروز
- عمار يحب ذلك.

كانت غاية سارة ايغاظة نيروز و جعلها تصل لرد الفعل الذي فعلته نيروز، فقد التقطت الأخيرة شعر سارة الاشقر بغضب و هي تهتف
- أيتها الحقيرة الوقحة، أيتها اللعوبة، أيتها الفاسقة سارقة الرجال
كانت سارة تصرخ بألم، بل كانت تصرخ بأعلى صوتها لكي يأتي عمار و يرى ما يحدث، و ما ارادته حدث.
اسرع عمار لهما و خلفه غادة، حاول أبعاد نيروز عن سارة، و نجح، ابعدت نيروز.

خصلات شعرها بعنف من على وجهها و هي تلهث، بينما أصبحت سارة تزرف دموع التماسيح كما يقال، أدار عمار نيروز لتصبح مواجهة له و صرخ بها
- ما هذا الذي تفعلينه؟ هل جننتِ يا نيروز؟
ساعدت غادة سارة في النهوض و هي تقول بقلق
- هل انتِ بخير يا عزيزتي؟
بكت سارة أكثر و هي تلقي بنفسها بين ذراع غادة التي رمقت نيروز بغضب جامح و هتفت
- انتِ أيتها الحقيرة، كيف تفعلين بها ذلك؟
ابعدت نيروز كفي عمار عنها و قالت بإنفعال.

- لست انا الحقيرة، بل هذه، فهي خبيثة جدا و لعو...
قاطعتها غادة بخشونة
- اصمتي
لم تستمع لها نيروز و تابعت
- انها لعوبة و تريد أن...
قاطعتها غادة و هي تدفعها لتسقط على الأرض
- قلت لكِ اصمتي
لم تصدق نيروز ما حدث، لقد دفعتها حماتها من أجل تلك الخبيثة!
- إلا سارة يا نيروز، لا تجرئي
انهت غادة جملتها و سارت لداخل الفيلا و معها سارة التي كانت تشعر بالشماتة و السعادة تتراقص بداخلها.

أما عمار، فهو تركها ايضا و اتبعهم، لا تصدق ما يحدث لها حقا!
اجتاحها شعور الشفقة على حالها، ذلك الشعور كم تكرهه حقا، نظرت لكفيها الذين جرحوا على اثر سقوطها ثم نقلت نظراتها حولها بإنكسار و وحدة، هي الآن بمفردها لا يوجد يد تمد لها لتساعدها على النهوض حتى!
حاولت الا تبكي و لكن دموعها خانتها و انجرفت على وجنتيها لتحرق بشرتها الناعمة دون رحمة.

كان عمار ينظر لها من خلف زجاج النافذة من خلفها، للحظة أراد أن يذهب و يساعدها، يضمها له و يتأسف لها لما حدث، و لكنه القى بكل ذلك، فقط ادار لها ظهره ليذهب لسارة.

في منزل عائلة نيروز
- لقد كنت قاسي جدا معها يا صفوان
قالتها والدته بعتاب، فأشاح صفوان بوجهه بغضب بينما إتجهت والدته للضلفة و هي تقول
- اذهب و ساعدها، بالتأكيد هي تأذت
- لا اعتقد انها تأذت فهي أصبحت تضحك بعد سقوطها مباشرةً
همهمت والدته بحيرة، و ساد الصمت للحظات قبل ان يقول صفوان بشرود.

- اتعلمين، هذه المرة الأولى التي اقابل بها فتاة مثلها، إنها فتاة عديمة الإحساس، باردة جدا، عنيدة، لا ليست عنيدة بل وقحة، جدا
ثم نقل نظراته لوالدته و قال بتوعد
- و لكن هذا ليس علي، فأنا سأكسر جناحيها، بل سأروضها لكي تصبح فتاة أخرى عند عودة السيدة
- أصبحت أخاف منك يا بني
قالتها والدته بمزاح، فضحك صفوان و قال
- هذا هو المفترض أن يحدث
ضربته على كتفه بخفة و هي تضحك.
بينما في الغرفة..

كانت عائشة جالسة على الأرض كما هي، بجانب الزجاج المبعثرة بجانبها، لحسن الحظ لم
تجرح بعمق، فقد اصيبت يدها بجرح طفيف جدا.
كانت ثابتة، تنظر امامها ببرود و كأن ما حدث منذ دقائق لم يحدث قط، نهضت بهدوء و إتجهت للفراش و جلست عليه، رفعت يدها لتنظر للجرح، فإبتسمت بإستخفاف و اعادت يدها بجانبها، عادت لصمتها الممل مجددا، ثم بعد لحظات نهضت و إتجهت للباب و طرقت عليه و هي تهتف
- اريد ان ادخل المرحاض، افتح.

صمتت للحظات لتسمع صوت خطواته تقترب من الباب، فتراجعت للخلف و التفتت لتأخذ ذلك الكيس البلاستيكي.
- سيري امامي
قالها صفوان بجمود و هو يقف جانبا، نظرت له ببرود و هي تتقدم منه و تسير امامه، أرشدها
لمكان المرحاض، و قبل ان تغلق الباب خلفها قال
- لا تفكري في الهروب، فهذا صعب
لم تكترث له، فقط اغلقت الباب.
بعد مرور فترة وجيزة.

خرجت عائشة من المرحاض و هي تضع منشفة حول شعرها المبلل، فنهض و اقترب منها و هو ينظر للملابس التي ترتديها، فهي قد قامت بتبديل ملابسها اخيرا، امسكها من ذراعها ليقودها للغرفة، قال بهدوء
- هذا أفضل
نظرت له بطرف عينيها بجمود و قالت
- فعلا، فهذا سيساعدني على الهروب
رفع زاوية فمه ببرود و قال
- لا اعتقد و لكن، حظا موقفاً
ثم ادخلها للغرفة و قبل أن يغلق الباب قالت له
- انا جائعة، اجلب لي الطعام.

اشار للطعام الملقي على الأرض و هو يقول
- تناولي هذا الطعام الذي القيتيه على الأرض، فأنا لن أقدم لكِ غيره حاليا
انهى جملته و اغلق الباب بالمفتاح، فزفرت بضيق وهي تعود للخلف لتجلس على الفراش، و يسود الصمت الممل مرة أخرى.

بعد مرور بعض الوقت
في فيلا أحمد فريد
دلف عمار لغرفته فوجد نيروز جالسة على الفراش تلويه ظهرها، لم يهتم و اكمل سيره للخزانة و فتحها، حانت منه التفاتة خفية لها، و لكنه لم يستطع أن يرى وجهها بسبب خصلات
شعرها التي تخفيه، عاد و نظر لداخل الخزانة و اخذ ما أراده، ثم التفت و إتجه للباب و قبل أن يصل للأخير توقف لينظر لها، كاد ان يقول شيء، و لكنه تراجع، و غادر دون قول أي كلمة.

تنفست نيروز اخيرا بعد ان شعرت بإختفاءه من خلفها، ابعدت خصلات شعرها السوداء التي سعادتها على إخفاء ملامح وجهها الشاحب و دموعها التي تملأ وجنتيها، عادت بظهرها للخلف لتريح جسدها على فراشها البارد، طبقت جفونها و كلماته و ما حدث منذ ساعات يتردد في مخيلتها و مسامعها بلا رحمة.

مساءًا
في منزل عائلة نيروز
- خذ لها الطعام يا صفوان، يكفي تعذيبها لهذا الحد
قالتها والدتة صفوان برجاء، فهز الأخيرة رأسها بالرفض و قال
- لا، لا يكفي إلى هذا الحد، سأجعلها تترجاني لكي اطعمها
هتفت والدته بحدة
- حرام عليك يا صفوان، كيف لك ان تمنع انسان عن الطعام هكذا!
اردفت بحسم
- إذ لم تأخذه لها، سأخذه انا.

و امسكت الصينية و قدمتها له، فأخذها على مضض و إتجه بها للغرفة التي يحتجز بها تلك الفتاة الحقيرة، كما ينعتها هو.
دلف للغرفة و نظر لها، كانت عائشة جالسة في
منتصف الفراش، تنظر للفراغ بثبات، حتى عند دخوله، لم تتحرك حدقتيها لتنظر له.
- ها هو الطعام، تناوليه
قالها بإقتضاب و هو يضع الصينية على الطاولة الصغيرة، فقالت بهدوء و هي مازلت تنظر للفراغ
- خذه، لا أريده
- الستِ جائعة؟
لم تجيبه، فتابع.

- تناوليه، فأنا لا اريدكِ أن تموتي قبل ان تراكِ والدتك
نقلت نظراتها له ببطء، و قالت
- لكي تعلم، مديري لن يتركك ابدا لو علِم انك اخذتني منه
إبتسم بتهكم و قال
- هل تعتقدين اني سأخاف بعد قولك هذا!
ابعدت نظراتها عنه ببرود و قالت
- احذرك فقط
لم يعلق، التفت و غادر.
نظرت عائشة للطعام بطرف عينيها للحظات، ثم نهضت و جلست على الأرض أمام الطاولة و بدأت في تناول الطعام بِنهم، فهي جائعة إلى حد الموت.

في فيلا أحمد فريد
في غرفة عمار و نيروز
كانت نيروز مستلقيه على فراشها، تضم الغطاء لجسدها و هي تحاول ان تتوقف عن البكاء، فهي منذ الصباح تبكي، و بكائها جعل الصداع يتملك رأسها حتى الألم، فأصبحت تبكي بسبب
ألم رأسها و قلبها.

فهي أصبحت تشعر بأنها فقدت القدرة على التحمل، تحتاج أن ترتاح قليلا لتعود في اليوم التالي بقوتها و عزيمتها، تريد أن تبكي حتى يرهقها البكاء لكي لا تبكي، و لا تضعف، و لا تنكسر من جديد، لكي تتحمل ما سيحدث لها، فهي مازالت في بداية طريقها معه.

شعرت بدخول عمار للغرفة و تحركاته الخفيفة، طبقت جفونها عندما اتخذ الاخير مكانه بجانبها، وضعت يدها على شفتيها المرتجفتين لتكتم صوت شهقاتها التي عادت لها من جديد، ضغطت أكثر على شفتيها و هي تزيد في بكائها عندما شعرت بعينيه المسلطة عليها من خلفها، و كأن نظرته ذكرتها بأقواله المؤلمة لها.
كان يسمع صوت تنفسها المتلاحق، و شهقاتها التي تحاول كتمانها ولا تستطيع، شعر بالشفقة.

عليها!، فكلماته كانت قاسية جدا عليها، و تصرف والدته العنيف معها يؤلم.
ابعد نظراته عنها و هو يتخلص من شعور الشفقة و اللين اتجاهها، و اصبح يذكر نفسه بما سببته هي له من ألم، ففي ذلك الوقت لم يلقى منها الشفقة حتى!

اليوم التالي
- صباح الخير زوجي العزيز
قالتها نيروز و هي ترسم على شفتيها إبتسامة مشرقة، ففتح عمار عينيه بأنزعاج و نظر لها و قال
- ماذا هناك؟
- هيا استيقظ، فالفطور جاهز في الأسفل، انا
التي أعدته بنفسي
اعتدل عمار و هو يمسح وجهه بكفه، ثم نظر لها، بل حدق بها للحظات، هل هي تبتسم حقا؟ بعد ما حدث، تبتسم!، ابعد نظراته عنها و نهض بهدوء و إتجه للمرحاض ليغتسل.
بعد فترة وجيزة.

خرج من المرحاض فوجدها قد وضعت له الملابس التي سيرتديها على الفراش، إبتسم بإستخفاف و هو يحدث نفسه
- هل هي تعتقد اني سأرتدي ما تريده!
إتجه للخزانة ليرتدي ما يريد، و بعد أن انتهى غادر الغرفة ليتجه لغرفة الطعام، و أثناء سيره قابل غادة التي قالت فور رؤيتها له
- عمار، كيف حالك اليوم؟، هل اخذت الدواء؟
- سأخذه بعد ان أتناول طعام الافطار
اومأت غادة برأسها و سارت معه لغرفة الطعام.

في منزل عائلة نيروز
دلف صفوان للغرفة، وضع صينية الطعام على الطاولة الصغيرة، ثم نظر لعائشة فوجدها تحدق به، فقال
- ماذا؟
- إلى متى ستظل محتجزني هنا؟
سألته بهدوء، فأجاب
- إلى أن تأتي السيدة
- الم تسئم مني تلك المرأة؟
قالتها و هي تبعد نظراته عنها، فقال
- لا، و لا أعلم لماذا هي متمسكه بفتاة مثلك!
رفعت زاوية فمها ببرود و قالت
- و لا انا اعلم.

انهت جملتها و نهضت لتأخذ الصينية و تجلس عى الفراش و تتناول الطعام، فجلس صفوان على الأريكة وهو ينظر لها، فقالت عائشة بضيق
- لا تنظر لي و انا أتناول طعامي
ظلت حدقتيه ثابتة عليها، بعد لحظات قال
- الستِ خائفة؟
رفعت نظراتها له و قالت بعد ان بلعت الطعام الموجود بداخل فمها
- من ماذا؟
- من وجودك هنا مثلا
إبتسمت ببرود و قالت
- لا، فالخوف لا يوجد في قاموسي
همهم صفوان بتهكم ثم قال.

- بالتأكيد، كما أن الخجل لا يوجد في قاموسكِ ايضا
- نعم
اجابته بسلاسة قبل ان تضع قطعة الخبز في فمها، فرمقها ببرود قبل ان ينهض و يغادر تحت انظارها الباردة.

في فيلا أحمد فريد
في غرفة الطعام
- ما رأيك بالطعام يا عمتي؟ هل اعجبكِ؟
سألت نيروز غادة التي نظرت لها ببرود و لم تجيبها، فنقلت نيروز نظراتها لعمار و سألته
- و انت يا عمار؟، هل اعجبك؟
- جيد
قالها بإقتضاب، فإبتسمت و تابعت تناول طعامها.
بعد لحظات اتت الخادمة لتقول
- سيدي، السيدة سارة في الخارج
- ادخليها.

قالتها غادة للخادمة التي اومأت برأسها و غادرت لتدخل سار بعد ثواني و تلقي التحية على الجالسين، فقالت غادة
- هيا اجلسي لتتناولي الفطار معنا يا سارة
اومأت سارة برأسها و جلست بجانب غادة.
كانت نيروز تشعر بالضيق من وجود تلك الخبيثة معهم، و لكنها لم تظهر ذلك، رفعت نظراتها الباردة لسارة و قالت بخبث
- سارة، كيف حالك؟
اجابتها سارة بإقتضاب
- بخير
- و شعرك، كيف حاله، هل هو بخير ايضا؟
نظرت لها سارة ببرود و قالت.

- نعم، بخير
- جيد، ظننته تساقط بعد ما فعلته، اسفة يا عزيزتي فقدت أعصابي قليلا في ذلك الوقت
قالتها نيروز بندم اصتنعته، فأبتسمت سارة بامتعاض و قالت بهدوء
- لقد نسيت ما حدث
- جيد
بعد دقائق اتت الخادمة و قالت ل نيروز
- سيدتي، هناك رجل مبيعات يريدكِ
نظرت لها نيروز و قالت
- حسنا، سأتي له الآن
- حسنا سيدتي
ثم انصرفت الخادمة، بينما نظر لها عمار و سأل
- هل اشتريتي شيء؟
- نعم
اجابته باختصار قبل ان تنهض و تغادر الغرفة.

- ستذهب للعمل اليوم، صحيح؟
قالتها سارة بتساؤل، فأجاب عمار
- نعم
- لا تذهب للعمل اليوم يا عمار، فأنت مازلت متعب
قالتها غادة، فقال عمار ليطمأنها
- انا بخير
ثم اردف و هو ينهض
- لقد شبعت الحمدالله، سأغادر
- انتظر، سأتي معك
قالتها سارة وهي تنهض، و اردفت
- سأتي لأساعدك في العمل لكي لا ترهق نفسك
- فكرة جيدة، اذهبي معه يا سارة
شجعتها غادة بقوة، فقال عمار بتساؤل
- و لكن أليس لديكِ عمل اليوم؟

- انت تعلم أني لا أحب أن أعمل في شركتي كثيرا، لذلك اتي إليك دائما
صاحبطها ضحكة مع قولها الأخير، فإبتسم عمار و هو يومأ برأسه و يقول
- حسنا، هيا بنا
سارت سارة خلف عمار للخارج، توقف عمار فجأة، فنظرت له سارة و قالت
- لماذا توقفت؟
لم يجيبها، فنظرت لما ينظر له، و شعرت بالضيق، فقد كان ينظر لنيروز التي كانت تضحك و بشدة مع رجل المبيعات الذي كان يبادلها الضحك و النظرات.

شعر عمار، بالغضب و الضيق و الغيرة مما رأى، كور قبضته بغضب و هو ينظر لهما من بعيد بحدة، و لاحظت ذلك سارة، فقالت لتبعد تركيزه و نظراته عن نيورز
- هيا بنا يا عم...
قاطعها، أم لم يسمعها من البداية فقد تركها و
سار بخطوات واسعة لأولئك الاثنين، توقف خلف نيروز و قال بجمود
- هل اخذتي ما ارديه؟
نظرت له نيروز و هي تلويه ظهرها و اجابت بهدوء
- نعم
ثم نظرت للرجل و قالت بلطف
- شكرا لك مرة أخرى
إبتسم لها الآخر و قال.

- على الرحب و السعة سيدتي
ثم غادر، فأغلقت نيروز الباب و التفتت لعمار و قالت
- هل أنهيت طعامك؟
لم جيبها، فقط رمقها بغضب و اتى ان يتخطاها و لكنها اعاقة طريقه لتقول
- اليوم سيقام حفل زفاف ابنة جارتنا، سنذهب..
صحيح؟
ظل صامتا ينظر لها بحدة، فإبتسمت و قالت
- السكوت علامة الرضا
- ابتعدي
قالها عمار بخشونة، ثم تخطاها، فألتفتت سريعا و هتفت ليصل صوتها له و هو يبتعد
- سنذهب يا عمار، سأنتظرك.

سمعت صوت سارة التي تهمس بجانب اذنها
- لا تنتظريه، فهو لن يذهب معكِ
نظرت لها نيروز بطرف عينيها بحنق، فتراقصت إبتسامة لعوبة على شفتي سارة و هي تبتعد.

مساءا
نهضت نيروز و هي تنظر لصورتها المنعكسة عل المرآة برضا، التفتت و إتجهت للفراش لتلتقط هاتفها و تتصل بعمار الذي تجاهل اتصالها الأول منذ ساعة، و ها هو أيضا يتجاهل اتصالها الآن، زفرت بضيق و هي تتصل به مرة أخرى، و بلا جدوى.
إتجهت لمنتضدة الزينة و اخذت حقيبتها الفضية و وضعت الهاتف بداخلها، ثم غادرت الغرفة، فقد فكرت في أن تنتظره بالأسفل.
بعد مرور ثلاثون دقيقة..

خرجت نيروز من غرفة الجلوس عندما رأت سيارة عمار تعبر بوابة الفيلا، إتجهت للباب بهدوء و فتحته، فوجدته يترجل من السيارة، فقالت بصوت مرتفع حاد
- لماذا لا تجيب على اتصالاتي يا عمار؟
نظر لها عمار نظرة عابرة و هو يلتف حول
السيارة ليفتح الباب لسارة التي ترجلت و هي تمسك بأحدى يدي عمار، و اليد الآخرى التفت حول خصرها.

إتسعت مقلتي نيروز لرؤيتها لهذا المشهد السخيف، تصاعدت الدماء لرأسها و قد تلاحق انفاسها و هي ترى الخبث في عيني سارة، هتفت بإنفعال ل عمار
- ما هذا؟، لماذا تمسكها هكذا؟
لا تنكر شعور الغيرة التي اجتاحها عند رؤية تلك الخبيثة قريبة منه هكذا، فهي زوجته و هذا حقها.
اتت غادة من خلف نيروز وهي تقول
- لماذا تقفين هنا يا ني...
توقفت عن اكمال جملتها عندما رأت عمار و سارة، فأعتلتها الدهشة، و قالت بحيرة.

- ماذا يحدث هنا؟
نظر عمار لغادة و نيروز بهدوء و هو يجيب
- سارة، ستمكث معنا، لفترة
هتفت نيروز بإستنكار
- ماذا؟، مستحيل.

في منزل عائلة نيروز
كانت عائشة مستلقية على الفراش، تنظر للسقف بشرود، تفكر و تخطط للهروب، ستفعلها اليوم، أول محاولة للهروب ستكون الليلة و بطريقتها، فهي لن تجد فرصة أخرى لتستغلها لهروبها.
فالمرأة التي معه و التي اكتشفت أنها والدته ذلك الحارس، لن تكون في المنزل اليوم فهي ستذهب لحفل زفاف، هذا ما سمعته عندما كان
يتحدث صفوان و والدته بالقرب من غرفتها.

هي يجب أن تخرج من هنا و تعود لعملها، تعود لذلك العالم البائس التي كرهته دوما و لكن لا مفر لها منه.
نقلت نظراتها للباب و هي تشعر باقترابه من بابِها، رفعت يدها ببطء و بدأت في حل بداية ازرار قميصها، ثم اعتدلت لتجلس، و أصبحت في انتظاره.
أدار المفتاح في القفل، و فتح الباب و ظهر هو من خلفه، دلف وهو يحمل صينية في إحدى يديه و اليد الأخرى اغلق بها الباب بالمفتاح، و وضع الأخير في جيبه.

كانت عائشة مدركة و مترقبة لكل حركة يقوم صفوان بها، نهضت من على فراشها و ظلت واقفة تنتظره، تنتظر تقابل حدقتيه لحدقتيها، لتبدأ.
- تناولي الطعام، و بعد أن تنته...
توقف صفوان عن إكمال جملته عندما التفت و وجدها تقف امامه مباشرةً، تحدق به بطريقة لم يألفها منها من قبل، عقد حاجبيه و هو يقول
- ماذا؟
إبتسمت له بنعومة و قالت بلباقة
- هل لك ان تتناول معي الطعام؟

شعر لوهلة أن التي امامه ليست هي، تراجع للخلف بضع خطوات و قال بثبات
- لا
لاحظ أزرار قميصها المفتوحة و التي تظهر جزء صغير من صدريها، رفع نظراته لها ببطء و قال
- ماذا تحاولين أن تفعلي؟
نظرت له عائشة ببراءة مصتنعة و قالت بذهول
- انا!، انا لا أحاول أن أفعل شيء
تقدم صفوان منها بخطوات غاضبة و توقف امامها، مد يده لقميصها ليغلق ازراره المفتوحة، بينما قال و هو ينظر لحدقتيها الخضراوتين.

- الذي تحاولين فعله معي، لن ينج...
قاطعته عن إكمال جملته عندما طبقت شفتيها على شفتيه دون تردد أو خجل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة