قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السادس

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السادس

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السادس

سارت نيروز في رواق الشركة بخطوات سريعة غاضبة، توقفت امام المصعد الكهربائي و ضغطت على الزر لمرات عدة ليصل لها خلال ثواني، ولجت لداخله و ضغطت على زر الطابق الذي تريده، و خلال ثواني وصلت، فخرجت من المصعد و انحنت يمينا لتسير في الممر و تصل لغرفة مكتبه.
- عمار بالداخل؟
قالتها نيروز لزينب التي نظرت لنيروز و قالت
- نعم سيدتي، هل هنا...

لم تسمح لها نيروز بإكمال جملتها فقد تركتها فور معرفتها بوجوده لتدخل لغرفة مكتبه دون
استأذان، فأسرعت زينب و لحقتها.
- اريد ان اتحدث معك، الآن
قالتها نيروز لعمار بحسم، بينما نظر لها الأخير بذهول، فنقلت نيروز نظراتها لسارة و قالت لها
- غادري، أريد أن أتحدث معه على انفراد
دلفت زينب لغرفة المكتب بتعجل و قالت بأسف
- اسفة يا سيدي، لقد...
قاطعها عمار بنظرته الحادة، فبلعت زينب لعابها بخوف، بينما قال عمار.

- اذهبي الآن يا زينب، و سأحاسبك في وقت لاحق
اومأت زينب برأسها و من ثم التفتت و غادرت، بينما نظرت نيروز لعمار و قالت بصوت مرتفع
- أخبر هذه السيدة أن تغادر، فأنا اريد ان اتحدث معك على انفراد
نهضت سارة و قالت بهدوء
- سأغادر الأن
و من ثم التفتت و رمقت نيروز بضيق قبل ان تغادر.
- ها قد أصبحنا بمفردنا، ف بماذا تريدين ان نتحدث؟، أعتقد أننا انهينا حديثنا في المنزل
- لماذا كذبت علي؟

قالتها و هي تحاول ان تلتزم الهدوء، فقال عمار
- بماذا كذبت عليكي؟
تقدمت من طاولة المكتب و توقفت امامها حيث اصبحت مقابلة له و قالت
- انت تتذكرني صحيح؟
- لا
قالها بهدوء، فضربت سطح المكتب براحة يدها بقوة و قالت بغضب
- مازلت تكذب، لماذا؟، اخبرني لماذا تكذب علي؟، لماذا تمثل انك فقدت ذاكرتك و انك لا
تتذكرني؟
- من اخبرك بهذا الهراء؟
قالها و هو ينهض، فقالت و هي تلتف حول طاولة المكتب لتقف امامه.

- ميساء، اختك، هل هي كاذبة؟
صمت، فأمسكته من ياقة قميصه و هتفت
- اخبرني، هل هي كاذبة؟، هل أنت حقا لا تتذكرني أم كنت تتلاعب بي فقط؟!
- نعم، اتذكرك
قالها بجمود و هو ينظر لها بثبات، فإتسعت مقلتيها بصدمة و هي تتركه ببطء و تبتعد عنه بضعة خطوات، قهقهت و هي ترفع خصلات شعرها بخشونة من على وجهها، و من ثم نظرت له و قد امتلأت مقلتيها بالدموع، هزت رأسها بخفة وهي تقول بعدم تصديق.

- لا أصدق ذلك، لا أصدق انك فعلت هذا بي
تقدمت منه بخطوات سريعة و اردفت بغضب ينبع من شعورها بالقهر و الخيبة
- الا تعلم كم تألمت، كيف جعلتني اتألم هكذا؟، كيف فعلت بي هذا؟، كيف استطعت ان...
اعاقتها دموعها عن إكمال جملتها، فصمتت لبرهه لتكمل بعدها و هي تشعر بأن الألم يسير بداخلها.

- الم تفكر بي؟، الم تفكر كم كنت اتألم بسببك؟، الم تفكر كم اهدرت من كرامتي من اجلك، الم، الم تفكر في الخيبة التي تملكتني لفكرة انك لم تتذكرني، ألم تشعر بالألم الذي تملكني و انا أراك أمامي بعد مرور عام و نصف و لا اعانقك؟!، هل حقا اصبحت شخص عابر في حياتك لهذه الدرجة؟، اجبني، لماذا انت صامت
تهدجت حروفها الأخيرة بسبب شهقاتها التي تعالت، اقتربت منه و بدأت تضربه بقبضتها.

الضعيفة على صدره و هي تتمتم من بين شهقاتها
- اجبني، لم تشتاق لي؟، لم تكن تتألم و انت تراني امامك و لا تستطيع عناقي؟، لم تتألم مثلي؟، هل اصبحت تكرهني الآن؟
امسك برسغيها فجأة فنظرت له و مازالت دموعها تسيل على وجنتيها، و شهقاتها المتتالية لم تتوقف، فمد كفه لوجهها و مسح دموعها بإبهامه و من ثم نظر لحدقتيها بقسوة و هو يخرج حروفه من بين شفتيه ببطء
- نعم اكرهك لدرجة ان رؤية دموعك هذه تسعدني.

حدقت به بألم و من ثم قالت بصوت باكي
- لماذا أصبحت هكذا؟
- الا تعلمين؟!
قالها عمار و هو يبتعد عنها، و اردف بحدة
- أصبحت هكذا بسببك
- ماذا فعلت لك؟
عاد و جلس على الكرسي و ظل صامتا، فهتفت بحدة
- اخبرني، ماذا فعلت لك لكي تعذبني هكذا، و تكرهني؟
ظل صامتا، فغضبت، فتقدمت منه و قالت.

- لماذا تكرهني؟، هل قمت بخيانتك مثل ما فعلت؟، هل جعلتك تتألم و انت تراني مع اخر؟!، اتعلم، كان من المفترض أن أصبح انا بموقفك هذا، كان من المفترض أن اكرهك و أعذبك لخيانتك لي، و لكن يال غبائي لقد عدت للشخص الذي طعنني دون تردد فقط، لأني اشتقت له، لأني احببته
قالت الأخيرة بقهر، فنهض فجأة و جذبها من خصرها بقوة، فشهقت بفزع، بينما نظر لها عمار و قد اظلمت عينيه و هو يقول بقسوة.

- انتِ لم تحبيني يوما، انتِ قد تركتيني و غادرتي دون أن تلتفتي حتى، انتِ قد تسببتي لي بألم كاد يقتلني، و لكنه لم يقتلني، هو فقط سبب لي بإ...
توقف عن إكمال جملته فجأة، فتمتمت
- سبب لك ماذا؟
- انتِ تمنيتي أن اتعذب و اتألم لكي اشعر بألمك، و الآن سأشعرك بالألم الذي تمنيتيه لي
ابتعد عنها بضعة خطوات و قال بتوعد
- اعلمي يا نيروز اني لن اغفر لكِ ابدا، اعلمي اني سأعذبك، و عذابي هذا سأعتبره تصفية حساب لما فعلتيه.

انهى جملته و تخطاها ليغادر غرفة مكتبه، تاركا اياها واقفة مصدومة من قوله الذي لم تفهم سببه، تمتمت و هي تهز رأسها بخفة
- لم افهم شيء، لم افهم...
لم تكمل جملتها لتسير للباب و تفتحه و تسأل زينب
- اين ذهب عمار؟، اين ذهب؟
- لا أعلم يا سيدتي
زفرت نيروز، ثم اسرعت و غادرت الشركة لتلحقه.

كان عمار يقود سيارته و هو يتحدث عبر الهاتف مع ميساء بغضب.
- لماذا اخبرتيها يا حمقاء؟، لم أكن اود أن تعلم اني اتذكرها، لقد افسدتي كل شيء
قالها عمار و هو يصرخ بغضب، فقالت ميساء بضيق
- لماذا تصرخ علي؟، اولا انت لم تخبرني انك تمثل عليهم انك فاقد الذاكرة، لذلك لا تلومني
على فساد خططك، فأنت المخطئ، ثانيا، لماذا تفعل هذا بها؟
تنفس عمار بعمق قبل ان يسأل ميساء و قد تجاهل سؤالها.

- هل اخبرتيها بإصابتي أو شيء اخر؟
- لا، لماذا؟
- لا تخبريها
- لماذا؟
- قلت لكِ لا تخبيرها، اللعنة
قالها بحدة، فتمتمت ميساء
- حسنا
و اردفت بتساؤل
- هل سارة تعلم بأنك تتذكر كل شيء
- لا، انا لم أخبر أحد غيرك، و سارة تعتقد اني مازلت فاقد الذاكرة للأن
غمغمت ميساء، بينما اردف عمار بحزم
- أنصتي، لا أريدك أن تخبري نيروز عن أي شيء متعلق بالحادث، حسنا؟
- حسنا، و لكن اخبرني السبب
- سأغلق الآن.

ثم اغلق الخط دون ان ينتظر رد من ميساء.

مساءاً
في فيلا أحمد فريد
في غرفة عمار
جابت نيروز الغرفة ذهاباً و إيابا و هي تقوم بالإتصال بعمار دون توقف، فمنذ عودتها من الشركة لم تكف عن محاولة الوصول إليه و لكنه لا يجيب و هذا زادها غضبا، القت بالهاتف على الفراش بحدة و ابعدت خصلات شعرها من على
وجهها بخشونة و هي تتمتم بغيظ
- لا تجيب على اتصالاتي!، حسنا، سأنتظرك إلى ان تأتي
و من ثم جلست على حافة السرير و هي تلتقط انفاسها بغضب.
بعد مرور ساعة.

دخل عمار للفيلا و إتجه للسلم
- عمار
قالتها غادة بصوت مرتفع، فتوقف عمار و هو يكاد ان يصعد السلم، ثم التفت لغادة التي اردفت بحزم
- اتبعني للداخل
انهت جملتها و التفتت لتدخل غرفة الجلوس و هو خلفها، جلست على الأريكة، بينما جلس عمار على الأريكة المقابلة لها.
- لماذا لم تخبرني؟
قالتها غادة بضيق و هي تنظر لعمار بعتاب، فعلم عمار أن والدته علمت بأمره، فقال
- ميساء اخبرتك؟
- لا يهم من اخبرني الآن
- بالتأكيد ميساء.

و من ثم تنفس بعمق و قال بهدوء
- ما الذي يضايقك بظبط يا امي؟
- كذبك و خداعك، في البداية اخفيت عني انك فقدت ذاكرتك و لم أعلم بالأمر إلا من أربع أيام تقريبا و من سارة، وأيضا قمت بإخفاء عودة ذاكرتك عني
- كيف تريديني أن اخبرك بأمر عودة ذاكرتي و انا لم اخبرك بفقدانها من الأساس!
نظرت له غادة بتفكير و من ثم اومأت برأسها و هي تتمتم
- انت على حق
و من ثم اردفت بحدة
- و لماذا لم تخبرني منذ البداية بفقدانك لذاكرتك؟

فتح عمار شفتيه ليخرج حروفه ولكن سبقته غادة بقولها الحازم
- اخبرني بما حدث معك يا عمار منذ البداية
صمت عمار لبرهه قبل ان يقول و هو ينظر امامه بشرود.

- عندما استيقظت بعد الحادث أخبرتني سارة بأني فقدت ذاكرتي و أن هناك بعض الأحداث و الأشخاص لا اتذكرهم، لم أهتم كثيرا بالأمر و لم اودكم ان تعلمون بهذا الامر فكما تعلمين ان والدي اصاب بذلك المرض الخبيث و قد كنتي قلقة كثيرا عليه فلم أرغب بأن أزيد من قلقكم، و ايضا امر اصابتي اشعركم بالفزع لذلك لم اود ان اجعلكم تعانون بسببي اكثر، و لحسن الحظ أمر فقدان ذاكرتي لم يطل لفترة طويلة.

- و هل أخبرت أحد بعودة ذاكرتك؟
- نعم، ميساء فقط
- هل كانت ميساء تعلم بأمر فقدانك ل ذاكرتك منذ البداية؟
- نعم
- تلك الحقيرة
قالتها غادة بغضب، فنظر لها عمار و إبتسم و هو يقول
- انا من طلبت منها أن تصمت
- انت ايضا حقير يا عمار
قالتها غادة بإنفعال، فضحك عمار بخفة، بينما نهضت غادة و اقتربت منه لتجلس بجانبه و ظلت تحدق به، فقال
- لماذا تحدقين بي هكذا؟
- لدي سؤال يجب أن اتلقى إجابته
- تفضلي.

- لماذا جعلت سارة تخبرني بأمر فقدانك لذاكرتك عندما عادت نيروز؟
- لم اجعل سارة تخبرك بذلك، هي فعلت ذلك بمفردها، فهي مازالت تعتقد اني فاقد الذاكرة
- حقا!
- نعم
نقلت غادة نظراتها امامها و هي تفكر، بينما نهض عمار و قال
- سأصعد لغرفتي، فأنا متعب جدا و اريد النوم
انهى جملته و إتجه للباب و ما لبث أن توقف ليلتفت لغادة و يقول بثبات
- لا أريدكِ أن تخبري نيروز بأمر إصابتي، حسنا؟

نهضت غادة و نظرت له بتساؤل، فأجابها قبل ان تسأله
- لا اريدها أن تعلم، هذا السبب
ظلت غادة تنظر له لبرهه و من ثم اومأت برأسها، فإبتسم و التفت ليغادر و يصعد لغرفته.

دلف عمار لغرفته و هو يعبث بهاتفه، فلم يلاحظ نيروز التي نهضت بغضب و ظلت واقفة مكانها و هي ترمقه بضيق لعدم انتباهه لها.
- ها قد عد اخيرا!
قالتها نيروز بتهكم، فرفع نظراته عن شاشة الهاتف و نظر لها و هو يقضب جبينه و يسألها
- ماذا تفعلين هنا؟
- كنت انتظر قدوم سيادتك
رفع زاوية فمه ببرود و هو يلقي بالهاتف على الكومود و يكمل سيره للداخل، فتقدمت منه بخطوات ثابتة لتعوق طريقه، فنظر لها ببرود و
قال
- ماذا؟

- لم انهي حديثي معك في الصباح
- و لكني أنهيته
قالها و هو ينظر لحدقتيها بثبات، فهتفت
- هذا بالنسبة لك، أما بالنسبة لي لم ين...
قاطعها ببرود و هو يتخطاها
- لا يهم
حدقت امامها بذهول من رده، و تلاشى ذهولها سريعا لتلتفت بحدة و تهتف بغيظ حاد
- كيف لا يهم!، انا زوجتك و..
قاطعها مرة آخرى و هو يلتفت و ينظر لها بإستخفاف
- انا زوجتك، انا زوجتك، لقد سئمت من قولك هذا
انهى جملته و التفت ليفتح الخزانة، بينما قالت
بثبات.

- ليس لك الحق ان تسئم من قولي ذاك، فهذه حقيقة
نظر لها من فوق كتفه و هو يلويها ظهره ليقول بهدوء
- هل تودين الطلاق؟
- ما الذي ادخل هذا بما اقوله؟
قالتها بإنزعاج، فأغلق الخزانة دون أن يأخذ ما أراده، و اقترب منها ليقف امامها مباشرةً و يقول
- اسألك هذا السؤال لأني لن امنحك الاختيار بعد ذلك، فهذه فرصتك الوحيدة لإنقاذ نفسك
- لماذا هذه فرصتي الوحيدة؟

- لأنكِ إذ قومتي بطلب الطلاق مني بعد فترة من عذابي لكِ، لن أمنحك ما تريدينه وقتها، فهمتي؟
- لن تستطيع أن تعذبني
قالتها بثقة، فضحك بخشونة و من ثم قال بحسم
- ستريكي الأيام عدم استطاعتي
شعرت نيروز ببعض القلق بسبب قوله و لكنها تخلصت من ذلك الشعور سريعا لتقول بتحدي
- حسنا، انا أقبل هذا، و صدقني انا لن استسلم و لن اطلب منك الطلاق، بتاتا.

رفع زاوية فمه ببرود قبل ان يلتفت و يتجه للمرحاض، توقف قبل ان يصل للأخير و التفت لينظر لها و يقول
- هل لكِ أن تغادري؟، فأنا اريد ان استحم
- كدت اغادر
قالتها بشراسة، و من ثم التفتت و غادرت غرفته بعد ان صفقت الباب بقوة.
دلفت نيروز لغرفتها و القت بجسدها على فراشها، طبقت جفونها و هي تلتقط انفاسها بقوة،
اخرجت هاتفها من جيب بنطالها عندما تعالى رنينه و وضعته على اذنها بكسل و ظلت صامتة، بينما قالت أسماء بقلق.

- نيروز، لم تحادثيني بعد محادثتك لي صباحا، لذلك شعرت بالقلق عليكِ، هل انتِ بخير؟
- نعم يا عمتي، انا بخير
قالتها نيروز بصوت ناعس، فقالت اسماء براحة
- اشعرتيني بالراحة، حسنا، هيا اخبريني ماذا حدث معكِ اليوم
- سأحادثك غدا يا عمتي، فأنا أحتاج للنوم لكي استيقظ من هذا الكابوس
- ماذا؟!

قالتها اسماء ببلاهه، بينما اغلقت نيروز الخط و وضعت الهاتف بجانبها، و من ثم التقطت وسادتها لتضعها على رأسها و تدخل في سبات عميق.

اليوم التالي
خرجت نيروز من غرفتها بهدوء، نظرت لباب غرفة عمار لبرهه و من ثم نقلت نظراتها امامها بثبات و هي تخطوا خطواتها لإتجاه السلم، توقفت قبل ان تصل للأخير و التفتت عندما سمعت صوته، فقد كان يتحدث على الهاتف و هو يخرج من غرفته، تقابلت نظراتهم لبرهه و سريعا ما تجاهلها هو عندما أشاح بنظراته عنها و هو يتجه للسلم و ينزله، إبتسمت بغيظ و نزلت خلفه، دلفوا لغرفة الطعام معا.

- سارة انتِ هنا!، كدت اتصل بكِ
قالها عمار و هو يجلس على السفرة بينما وضع هاتفه في جيبه، فإبتسمت سارة و قالت بتساؤل
- لماذا كنت ستتصل بي؟
- يبدو انكِ لم تعلمي بالأمر حتى الان؟
- ماذا؟
قالتها بعدم فهم، فقالت غادة
- عمار كان يقوم بخداعك يا سارة
قضبت سارة جبينها و هي تتمتم
- خداعي!
اومأت غادة برأسها و قالت
- عمار يتذكر كل شيء
نقلت سارة نظراتها لعمار و قالت بسعادة
- حقا!، متى؟، بالأمس؟
- لا.

قالها عمار بهدوء، فسألته سارة بفضول
- إذا متى؟، اليوم؟
- منذ فترة طويلة
قالتها غادة، فضحكت سار بخفة و قالت
- صدقا لا أفهم شيء، كيف منذ فترة طويلة يتذكر؟!
- لأن زوجي كان يتلاعب بي و بكم، فهو أراد تعذيبي لذلك قام بتمثيل انه مازال فاقد الذاكرة
قالتها نيروز بهدوء وهي تضع الطعام في فمها، فنظر لها عمار بطرف عينيه و قال ببرود.

- اعتقد انكِ تزيدي من قيمتك لدي، و ايضا ما قلتيه ليس صحيحاً فأنا لم أفعل شيء من اجلك، حسنا؟!
رمقته نيروز بضيق و صمتت، بينما نظر عمار لسارة و اردف بهدوء
- لا يوجد سبب لعدم اخباري لكِ، لذلك لا تشعري بالسوء
اومأت سارة برأسها و هي تبتسم بلطف، فبادلها اياها عمار و من ثم بدأ في تناول طعامه، فرمقتهم نيروز بإستخفاف و من ثم وضعت
الطعام في فمها بعنف و هي تمنع يدها من التقاط شعر سارة و تمزيقه بوحشية.

انتهى عمار من تناول طعامه سريعاً و نهض و هو يقول
- الحمدالله شبعت، سأغادر الأن
- انتظر
قالتها سارة و هي تنهض، و اردفت و هي ترتدي حقيبتها
- هل يمكنني أن اتي معك لوصلني؟
- بالتأكيد
إبتسمت سارة و تمتمت
- شكرا لك
و من ثم سارت سارة للخارج و خلفها عمار، فتنفست نيروز بغضب و هي تنهض و تقول بحدة
- لقد شبعت.

ثم غادرت غرفة الطعام و صعدت لغرفتها سريعا لتأخذ حقيبتها و تعود لتنزل و تغادر الفيلا، اصبحت تركض لتصعد سيارته قبل أن تتحرك، و أثناء ركضها التوى كاحلها و لكنها لم تهتم فما يهمها الآن انها تصل لسيارته قبل ان يغادر و فعلت، فقد صعدت و جلست في المقعد الخلفي، فألتفتت سارة برأسها و نظرت لنيروز بتساؤل، بينما نظر لها عمار بجمود عبر المرآة الامامية و قال
- لماذا صعدتي؟
- اريد ان توصلني أيضا
- لا، ترجلي.

قالها بثبات، فقالت نيروز بإنفعال
- لماذا لا!، فأنت ستقوم بإصال هذه، لذلك ستقوم بإصالي انا ايضا
- اسمي سارة و ليس هذه
قالتها سارة بضيق، فنظرت لها نيروز نظرة عابرة و من ثم قالت لعمار بطريقة مستفزة
- هيا تحرك، فلا اريد ان اتأخر
رمقها عمار بحدة قبل ان ينظر للطريق و هو يقوم بإدارة المقود.
- عمار، اخبرني، هل كنت تراقبني في الفترة الماضية؟

قالتها نيروز بهدوء بعد صمت طويل، فنظر لها عمار من المرآة الأمامية و قال بعدم فهم
- ماذا؟
- انت لم تكن تشعر بالقلق علي عندما تركتني في السوق مساءًا و غادرت، و لم تكن قلق عندما تأخرت في ذلك اليوم؟، فبالتأكيد انت كنت تراقبني لذلك لم تشعر بالقلق، صحيح؟
رفع زاوية فمه ببرود و قال بتهكم
- امازلتي تتوهمين بذلك؟
- ماذا؟
قالتها ببلاهه، فنظر للطريق و قال
- قلت لكِ سابقا اني لا أهتم بك بتاتا و...
قاطعته سريعا.

- انت قلت هذا عندما كنت فاقد الذاكرة، أقصد عندما كنت تمثل
- حتى إن كنت امثل، فذلك القول كان صادقا
- كاذب
قالتها نيروز بشراسة قبل ان تنقل نظراتها للطريق، فأوقف عمار السيارة فجأة، فعادت نيروز و نظرت له و هي تقول
- لماذا توقفت؟
- ترجلي
قالها بجمود، فهتفت ببلاهه
- ماذا؟
تنفس عمار بغضب وهو ينزع حزام الأمان عنه
ليترجل من السيارة و يلتف حولها ليفتح لنيروز الباب و يقول بحسم
- قولت، ترجلي، الآن
- لا.

قالتها نيروز بعناد، فأمسكها عمار من ذراعها بقوة و اخرجها عنوة، فهتفت نيروز بغضب
- ماذا تفعل؟، اتركني
صفق باب السيارة الخلفي بقوة و هو يقول
- اكملي طريقك بمفردك
- هل ستتركني ثانيةً؟
قالتها بحنق، فأجابها ببرود
- نعم
ثم التف حول السيارة ليعود لمقعده مرة أخرى و يغادر، فضربت نيروز الأرض بقدمها بغضب فتأوهت بألم، نظرت لقدمها يضيق و من ثم عادت و نظرت للطريق و هي تحدث نفسها
- إلى اين سأذهب الآن؟

ضربت نيروز رأسها بقوة و هي تقول بضيق
- يالكِ من غبية يا نيروز، لقد فعلتي كل ذلك لكي لا تتركيهم بمفردهم و لكن الآن انتي وحيدة في مكان مجهول و هما...
ضربت رأسها مرة آخرى بغيظ و هي تتمتم
- غبية، غبية
تراجعت بضع خطوات للخلف لتجلس على المقعد الخشبي، اخرجت هاتفها من حقيبتها لتتصل ب أسماء.

منذ ثلاث أعوام و نصف من الآن
- و اخيرا قد انتهينا من هذا الشهر المليء
بالاختبارات اليومية
قالتها ميساء براحة لنيروز التي كانت تلملم اشيائها بهدوء، و اكملت بحماس
- ما رأيك يا نيروز اليوم أن تأتي لمنزلي
- اسفة، لا استطيع
قالتها نيروز و هي ترتدي حقيبتها، فقالت ميساء
- لماذا لا؟
نظرت لها نيروز نظرة تعرفها ميساء جيدا، فتمتمت الأخيرة
- اسفة.

و من ثم غادروا القاعة معا، ساروا في الممر و هم يتحدثون عن أمور عدة، و عبروا البوابة الرئيسية، فقالت ميساء
- حسنا، السائق وصل، لذلك سأغادر
اومأت نيروز برأسها، فقبلتها ميساء و اتت ان تغادر و لكن اوقفتها نيروز
- ميساء، انتظري
- ماذا؟
بلعت نيروز لعابها بتوتر و قالت بإضطراب
- اريد ان اسألك عن شيء ولكن لا تفهميني بطريقة خاطئة
- حسنا، اسألي
- اخيكِ عمار، لماذا لم يعد يأتي؟، لا أقصد شيء انا فق...

قاطعتها ميساء بهدوء
- أعلم، هو فقط لديه بعض الأعمال خارج البلاد لذلك سافر
هزت نيروز رأسها و قالت بشك
- إذا انتي لم تخبريه عن امري؟
- بالطبع لا
قالتها ميساء بثبات مصتنع، و من ثم اردفت
- سأغادر الأن
انهت جملتها سريعا و غادرت، فهمهمت نيروز بشك و من ثم التفتت و غادرت وهي تفكر به، هل حقا ميساء لم تخبره؟، هل سبب عدم مجيئه مثل ما قالت ميساء، سبب سفره؟!، زفرت بقوة و هي تبعثر خصلات شعرها بغضب
- يكفي تفكير، يكفي.

- هل انتِ مجنونة!
قالها إحدى المارة لها، فشعرت بالإحرج، اعادت ترتيب خصلات شعرها و هي تسرع من خطواتها.

مساءًا
في منزل اسماء
كانت اسماء جالسة على الاريكة تشاهد التلفاز و هي تثرثر بشأن الفيلم الذي تشاهده مع نيروز
التي كانت جالسة بجانبها و هي لا تستمع لها بتاتا، فقد كانت شاردة بسبب تفكيرها بعمار الذي لم يفارق عقلها منذ شهر، و هذا سيقودها للجنون، فهي لا تعلم ما سبب تفكيرها المستمر به!، اعادت رأسها للخلف و هي تتنفس بعمق، فنظرت لها أسماء و قالت
- ماذا بك؟
نظرت لها نيروز بطرف عينيها و قالت بصوت ناعس.

- لا شيء
- إذا اخبريني ما رأيك بتوقعاتي لنهاية هذا الفيلم؟
- لا أعلم
قالتها نيروز و هي تطبق جفونها بتعب، فهتفت أسماء
- ماذا؟، كيف لا تعلمين!، هل كنتِ تستمعين لي؟
- لا
- يال وقاحتك
قالتها اسماء بضيق، فإبتسمت نيروز و نهضت و هي تقول
- سأخلد للنوم، فأنا أكاد اشعر ان رأسي سينفجر من كثرة التفكير به
- به!، من تقصدين؟
لم تجيبها نيروز، فقد دلفت لغرفة النوم و القت بجسدها على الفراس و هي تتمتم بصوت ناعس.

- اتمنى ان يتركني انام اليوم بسلام
و من ثم طبقت جفونها لتدخل في سبات عميق.

بعد مرور يومين
- لا اصدق أن عمتك وافقت على مجيئك الي منزلي
قالتها ميساء بحماس، فإبتسمت نيروز و قالت
- انا ايضا، لم أتوقع موافقتها
فتح لهم السائق الباب الخلفي من السيارة لتصعد نيروز و خلفها ميساء، و من ثم اتخذ هو مكانه خلف المقود ليتجه لفيلا أحمد فريد .

بعد طريق طويل و ثرثرة مزعجة من ميساء، ترجلت نيروز و ميساء أمام الفيلا و دلفوا للداخل، شعرت نيروز بشعور سيء و هي ترى مدى ثراء هذه العائلة امامها، نعم هي ليست فقيرة و لكنها امام ثرائهم تعد كذلك.
- و اخيرا رأيتك يا نيروز، ميساء لم تكف عن الحديث عنك
قالتها غادة وهي تقترب من نيروز، فإبتسمت الأخيرة و هي تنظر لميساء التي ضحكت و هي تقول بفخر
- تعلمين كم انا ثرثارة
- أعلم.

قالتها نيروز و هي تضحك بخفة، بينما عانقتها غادة و هي تقول
- كنت أشعر بالفضول لرؤيتك، و ها قد رأيتك، صدقا انتِ جميلة كما وصفك ع...
- امي
قالتها ميساء بسرعة لتنبه والدتها التي إبتسمت بإضطراب و اكملت
- كوصف ميساء لك
شعرت نيروز بالحيرة من موقف ميساء و اضطراب غادة بعد مناداة ميساء لها.
- هيا بنا يا نيروز، أريد أن اريكِ غرفتي
- حسنا، استأذن سيدتي
قالتها نيروز لغادة التي ابتسمت بلطف و قالت
- تفضلي يا عزيزتي.

امسكت ميساء رسغ نيروز و قادتها للسلم و
صعدوه، بينما ظلت غادة تنظر لنيروز برضا، هزت غادة رأسها و هي تحدث نفسها
- احسنت الاختيار يا عمار
دلفت نيروز مع ميساء لغرفة الأخيرة و هي تنظر لأركان الغرفة بإعجاب
- ماشاءالله، غرفتك جميلة جدا
إبتسمت ميساء و قالت
- شكرا لك، هيا اجلسي
اومأت نيروز برأسها و جلست، بينما إتجهت ميساء لخزانتها و هي تقول.

- لدي حفل هذا الأسبوع، لذلك أريدك أن تساعديني في اختيار الفستان الذي سأرتديه
- حسنا، أريني.

بعد مرور بعض الوقت
كانت نيروز تجلس في غرفة ميساء بمفردها، فقد تركتها ميساء بمفردها لكي تجري مكالمة ضرورية.
- هل ستتأخر اكثر من ذلك؟
قالتها نيروز لنفسها و هي تنظر للساعة فقد مر على ترك ميساء لها خمسة عشر دقيقة، نهضت نيروز وإتجهت للباب و وضعت كفها على قبضته و قبل أن تبرمها وجدت الباب يفتح، فتراجعت للخلف و هي تقول
- ميساء، ها قد اتيتي اخي...

توقفت نيروز عن اكمال جملتها عندما رأت عمار يدلف للغرفة، حدقت به بصدمة لعدم توقعها ظهوره امامها، و فجأة تسارعت دقات قلبها و انقطعت انفاسها.
- نيروز!
قالها عمار بذهول و هو ينظر لها فهو لم يكن
يعلم بوجودها، فبلعت لعابها بتوتر و هي تلتقط انفاسها بتوتر، اشاحت بنظراتها بعيدا عنه، بينما تقدم منها و هو يرسم على شفتيه إبتسامة ليقول بلطف
- سعيد برؤيتك.

تراجعت نيروز بضع خطوات للخلف و هي تلتزم الصمت، لا تعلم ما حدث لها، فقط تشعر بأنها عاجزة عن التحدث معه و النظر له و السبب، لا تعلم!، فوضع كفيه في جيوب بنطاله و اصبح يحدق بها بإستمتاع، و ساد الصمت لدقائق.
- اتعلمين منذ متى لم اراكِ؟
قالها بهدوء، بينما ظلت نيروز كما هي، فتنهد عمار و هو يقول بآسى
- يبدو انكِ لست سعيدة برؤيتي لدرجة انكِ لا تريدين النظر لي
- الأمر ليس كذلك.

قالتها نيروز بخفوت و هي تنظر لقدميها، فإبتسم عمار و تقدم منها خطوة، ثم قال
- إذا؟
بلعت لعابها بصعوبة و هي تكور قبصتها
لتضغط عليها بقوة، رفعت رأسها و نظرت له بثبات حاولت اتقانه و لكنها فشلت في ذلك، فحدقتيها الرماديتين كانت تظهر مدى اضطرابها و توترها من وجوده، و هذا زاده استمتاعا.
- اخبريني، ماذا فعلتي في الاختبارات؟، هل ستحصلين على المركز الأول على القسم؟
قالها عمار بهدوء، فأجابت نيروز
- لا اعتقد.

- لماذا؟، هل كانت الاختبارات صعبة؟
لم تجيبه، و سألته
- متى عدت من السفر؟
- بالأمس
هز رأسها، فقال بتساؤل
- كيف علمتي بأني...
اجابته دون أن تنتظره يكمل سؤاله
- ميساء اخبرتني
- تلك الثرثارة
قالها و اردف بمزاح
- لا أعلم كيف تتحملين ثرثرتها
- اتحملها كما اتحمل ثرثرتك الأن
- ماذا؟!، انا ثرثار؟
قالها بذهول، فضحكت و قالت
- لا، كنت امزح
انعكس بريق إبتسامتها علي شفتيه ليبتسم هو ايضا، و هو يقول بثبات
- أعلم ذلك.

تلاشت إبتسامتها و هي تحدق به، فلحيته النامية
جذبت انظارها، فلاحظ تحديقها به، فقال بمزاح
- لا تحديق بي هكذا، فأنا ايضا اشعر بالخجل
اخفضت رأسها سريعا وهي تشعر بالإحراج، تمتمت بخفوت
- لم أكن أحدق بك
- صدقا!
تقدم منها فتراجعت للخلف بتلقائية، فمد يده بسرعة ليمسك بذراعها بقوة و يوقفها ليقترب منها و يقف امامها مباشرةً و يقول
- لماذا تبتعدين؟، لماذا لا تنظرين لي مباشرةً؟، هل هناك شيء لا اعلمه؟

هزت رأسها و هي تقول بصوت يكاد يسمع
- لا
- إذا؟
رفعت كفها لتضعها على يده الممسكة بذراعها و
تفلتها و لكنه رفض ذلك و قد امسك بيدها الاخرى و هو يقول
- انظري لي، و سأتركك
لم تفعل، فأقترب منها أكثر ليهمس بجانب اذنها
- انتِ فتاتي، لذلك ان...
قاطعته فجأة بقولها الغاضب و هي تبعد يديه عنها و تدفعه بعيدا
- انا لست فتاتك، و انت لا يحق لك ان تمسك بيدي و تتلاعب بي، فأنا لن اسمح لك، لذلك ابتعد عني.

ظل واقفا مكانه ينظر لها بصدمة و هي تذهب لتأخذ حقيبتها و تغادر، لا يعلم ما سبب غضبها و ما وراء قولها، و ايضا هي، لا تعلم سبب اخراجها لتلك الحروف الغاضبة له، و لكن ما تعرفه أن هذا الفعل صحيح، فهي قد بدأت تشعر بالإنجذاب و الضعف ناحيته، و هي لا
تريد أن يحدث ذلك مادامت حياتها معقدة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة