قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السادس والعشرون

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السادس والعشرون

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السادس والعشرون

في فرنسا
عاد كلا من ميساء و غادة للمستشفى بينما ظلت اسماء في منزلها لتعد الطعام و تأخذه لهم فهي تعلم جيدا ان نيروز لا تحب طعام المستشفى.
استيقظ عمار من نومه عند دخولهم للغرفة، تسائلوا عن نيروز التي لم تكن في الغرفة، و تساءل هو ايضا، فأين ذهبت؟، سخر حين سألته ميساء عنها.
- لم تستطع أن تتحملني لذا فرت
- مستحيل، إنها لن تفعل ذلك.

قالتها ميساء بثقة، ثم استدار الجميع للباب الذي فتح لتظهر من خلفه نيروز، إبتسمت ميساء و عادت لتنظر لعمار و تقول بتفاخر
- كما قلت لك
زفر بإنزعاج و نظر امامه، بينما سألتها غادة معاتبة
- اين كنتِ؟، لماذا تركتيه بمفرده؟!
- لقد ذهبت للطبيب لأعرف أكثر عن حالة عمار، لم أقصد أن اتأخر أو أن أتركه بمفرده، اسفة
- لا بأس
إبتسمت غادة و هي تقولها ثم نظرت لعمار و سألته
- هل نمت جيدا بالأمس؟
- نعم انه قد نام جيدا.

اجابتها نيروز بدلا عنه، فهزت غادة رأسها، بينما سخر منها عمار
- و كيف علمتِ اني نائم و قد كنتِ انتِ غارقة في نوم عميق!
كانت أذكى منه و سألته بخبث
- هل كنت تتأملني و انا نائمة؟!
- بالطبع لا
انكر بتوتر ظاهر، فإبتسمت نيروز و قالت
- لقد كنت استيقظ من فترة للثانية لأطمأن عليك، لذا علمت انك نمت جيدا
كانت ميساء تتابع هذا بإستمتاع، قالت بخبث لعمار
- لماذا انت متوتر يا أخي؟، هل كنت تتأملها حقا!
- ميساء.

جز على اسنانه بإمتعاض و هو يرفع نظراته الحادة لها، فضحكت و قالت
- حسنا، اسفة
- متى سيأتي الطبيب ليراها يا نيروز؟
سألت غادة، فأجابت نيروز
- من المفترض الان، فهو قال لي انه سيأتي خلفي
- حين يأتي ستغادرين
قالها عمار بجمود لنيروز التي اعترضت
- لماذا اغادر؟
و اردفت بحزم
- لن أغادر، فأنا زوجتك
استدارت لتفتح الباب بعد ان طرق عليه احدهم و كان الطبيب.
- كيف حالك اليوم سيد عمار؟

قالها الطبيب باللغة الفرنسية، فأجابه عمار بالمثل..
- هل انت جاهز اليوم لنركب لك القدم الصناعية؟
- نعم
- حسنا، ستأتي الممرضة بعد نصف ساعة لتأخذك و نفحص الجرح ثم نقرر إذ سنقوم بتركيبها اليوم أم لا
اومأ عمار برأسه، فأضاف الطبيب آخرا
- و بالنسبة للتعليمات الخاصة بالقدم لقد أعلمت زوجتك عنها و والدتك، و لكني ساعلمك عنها انت ايضا بجانب هذا
ثم استأذن و غادر.

بعد مرور يومين
اتت المتدربة ككل يوم لتفحص عمار، لم تكن نيروز مرتاحة لهذه المتدربة الخبيثة، فهي تحاول التقرب من عمار و الأخير غافل عن ذلك، لكن اليوم إذ صدر أي تصرف غير لائق من هذه المتدربة ستقتلها، اسندت جسدها على الحائط و هي تطوي ذراعيها امامها و ترقبها.
كان عمار مدرك لكل شيء، للمتدربة الخبيثة و غيرة نيروز الظاهرة من نظراتها، لا ينكر
سعادته و استمتاعه بهذا.

مالت المتدربة عليه لتصبح قريبة منه وهي تسمع دقات قلبه من خلال السماعات الطبية، فتنفست نيروز بقوة و هي تبعد جسدها عن الحائط لتتقدم من المتدربة بغضب، جذبتها نيروز من يدها بعنف، فنظرت لها الاخرى بإستغراب، في حين قالت نيروز بشراسة
- انا سأفحصه، ابتعدي
- ماذا؟
قالتها المتدربة ببلاهه، ثم اردفت بتوتر حين ادركت ان نيروز لاحظت انها تتودد لزوجها
- لقد انتهيت اساسا، سأغادر.

ثم اختفت، كان يتابع عمار هذا و الإبتسامة على شفتيه، حاول لجمها حين نظرت له نيروز لكنه لم يستطع، فأدركت نيروز انه خبيث ايضا و يعلم ما تفعله هذه المتدربة و الغيرة التي سببتها
لها، انحنت و هي تسند كفيها على فراشه، أصبحت قريبة من وجهه و هي تهمس بغيظ مكبوت
- مازلت جذاب برغم ما حدث لك، تجذب المتدربة حتى، تسمح لها بالقرب منك أما أنا لا، ما هذه التفرقة العنصرية؟

إتسعت إبتسامته لا ارديا، فأردفت نيروز بشراسة هامسة
- انت تستمتع بهذا، تستمتع بملاحقتي لك و دفعك لي، صحيح؟
أضافت بخبث و جرأة
- إذ اريني كيف ستدفعني الآن
ظهرت ملامح الحيرة على وجهه و هو يحدق بها، خمن ما ستفعله سريعا لكنه استحال فعلها لذلك، لذا تخلص من ذلك التخمين، و صدم حين حدث ما استحاله، فهي قبلته بجرأة لم يتوقعها
منها يوما.

فزعت نيروز مبتعدة عن عمار حين دخلت ميساء دون أن تطرق على الباب، شعرت الأخيرة بالحرج عند رؤيتها لما يحدث، فأسرعت و غادرت بعد أن اعتذرت بتلعثم.

اخفت نيروز وجهها بكفيها بإحراج جانب لعناتها لنفسها، بينما هو، كان مازال تحت تأثير الصدمة، حركت اصابعها قليلا لتنظر له من بينهم بخجل فوجدته ينظر لها و ملامحه تظهر صدمته، لا تلومه، فهي ايضا مصدومة من فعلتها، فهي قد تخطت الوقاحة، كيف تجرأت وفعلت هذا!، كانت لحظة تهور و جنون، لم
تفكر حينها.
استدارت و سارت بخطوات سريعة متوترة كادت تسقطها، خرجت من الغرفة و ركضت للمرحاض خوفا من أن ترى ميساء.

أدار عمار بصره حوله للحظات و كأنه يحاول أن يدرك تصرفها، توقف بصره عند الباب و ظل محدقا به لثواني، و تدريجياً إرتسمت على شفتيه إبتسامة ليس لها معنى محدد، فهل هو سعيد؟، مستمتع بجرأتها؟، فجأة تعالت ضحكاته و قهقهته، لا يعلم لماذا يضحك، لماذا يشعر بالحيوية و الثقة فجأة!
دلفت غادة للغرفة و دهشتت حين رأته يضحك بقوة، تقدمت منه و هي تشعر بالسعادة لرؤيته يضحك اخيرا، سألته بفضول.

- ماذا بك؟، لماذا تضحك بهذه الطريقة و بمفردك؟
أجاب بعد أن هدأ
- تذكرت شيء
إبتسمت غادة و سألته
- اين نيروز؟
عاد ليضحك مرة أخرى، فرفعت غادة حاجبيها بإستغراب و اردفت بحيرة
- هل سؤالي مضحك؟
هز رأسه نفياً، مسح وجهه سريعا بكفه و حاول لجم ضحكاته ليقول
- لا، اسف
ثم اجابها على سؤالها
- انها خجلت و هربت، أعتقد ذلك
- خجلت و هربت!، ماذا تعني؟
ضم شفتيه بقوة ثم اجاب
- لا تهتمي
اردف بسؤال.

- اين الطبيب؟، ألن يركب لي القدم اليوم؟
- من المفترض اليوم، سنتأكد بعد فحص جرحك، و نتمنى أن يقول نعم و يركبها
هز رأسه وقال و هو يتنهد
- اتمنى ان انتهي من هذا الأمر
- سينتهي يا عزيزي، سينتهي
أردات غادة رأسها لتنظر للباب، هتفت سامحة للطارق بالدخول، و كانت ميساء، تقدمت للداخل بتردد و رأس منخفضة بسبب إخراجها التي لم تتخلص منه، سألها عمار بتساؤل و هو يدقق في النظر لها
- ماذا هناك؟، لماذا وجهك أحمر هكذا؟

تلمست ميساء وجهها و هزت رأسها مجيبة
- لا أعلم
اتى ان يطرح عليها سؤال آخر لكن طرق الباب و دخول الممرضة لتصطحبة منعه عن ذلك.
- اذهبِ و اعلمي اين نيروز ذهبت، و عندما تجدينها احضريها لنا لتقف مع عمار
انهت غادة قولها الخافت لميساء و غادرت الغرفة لتلحق بالممرضة التي اخذت معها عمار للفحص.

في فيلا صفا
نهضت عائشة بغضب من فوق فراشها و أصبحت تدور في أرجاء الغرفة و هي تضرب رأسها بقسوة بكفيها، تريد من عقلها أن يتوقف عن التفكير الذي سيهلكها، الحديث الموجود داخل عقلها لا يتوقف ابدا، حتى في نومها يتحدث، ستصاب بالجنون حتماً.
اخذت تحرك كفها امام وجهها بقوة لعل الهواء.

يصل لها، فهي تشعر بالأختناق، إتجهت للشرفة و فتحت أبوابها بحدة لتقف داخل الشرفة، التقطت انفاسها بقوة و هي تطبق جفونها للحظات و اخرجتهم بهدوء و هي تفتح عينيها، نقلت نظراتها للأسفل و تجولت قليلا إلى أن توقفت على صفوان الذي كان واقف مع أحد زملائه يتحدث.

شعرت بالانزعاج عند رؤيته، و السبب ليس واحد، فمنذ يومين حتى الآن هو لم يأتي ليراها حتى، إنها تعلم ان هي السبب و تشكره لمراعته لها لكن ماذا تفعل في قلبها الغاضب!، السبب الآخر، رؤيتها له سيجعل تفكريها به يتضاعف، فهل ستتلف خلايا عقلها؟!
رأته يستدير لينظر للأعلى حيث هي تقف، تسارعت دقات قلبها حين لوح لها بهدوء بجانب إبتسامة صغيرة قبل ان يستدير مرة أخرى ليودع.

زميله و يغادر الفيلا، ظلت حدقتيها معلقة به تتابعه إلى أن اختفى، و زفرت بحزن و ضيق لذلك.

في فرنسا
ركضت ميساء في إتجاة نيروز التي كانت تسير في الممر الطويل في الطابق الأول، توقفت امامها ميساء و حاولت أن تكون طبيعية و كأنها لم ترى شيء.
- اين انتِ يا فتاة؟، عمار ذهب للفحص و والدتي طلبت مني احضارك لتبقي بجانبه
وضعت نيروز كفها على جنتها و هي تنظر في جهة بعيدة عن ميساء
- حسنا، اتية.

و تخطت نيروز ميساء و هي تعض شفتيها، و قد ادركت الأخيرة انها تشعر بالخجل كما تشعر هي لذا لم تحاول أن تتحدث معها او أن تسير بجانبها.
وصلت نيروز امام غرفة الفحص و طرقت على الباب و دلفت و خلفها ميساء، نظرت لغادة و منحتها إبتسامة صغيرة فأشارت لها الأخيرة بنظراتها لعمار الذي انتهى لتوه من الفحص، نظرت نيروز لعمار و ابعدت حدقتيها عنه سريعا حين التفت لينظر لها.

- جرحك أصبح جيد الآن و نستطيع أن نقوم بتركيب القدم اليوم
قالها الطبيب، و أضاف
- هل انت مستعد سيد عمار؟
اومأ عمار برأسه، فوجهة الطبيب حديثه للمتدربة الخبيثة
- قومي بتجهيز غرفة العمليات
- حسنا سيدي
نظرت نيروز بحدة للمتدربة و تابعتها إلى أن غادرت الغرفة ثم نظرت لعمار الذي كان ينظر لها و على شفتيه إبتسامة جانبية، أشاحت بوجهها بحدة ثم قالت بإقتضاب
- سأنتظر بالخارج
و غادرت الغرفة.

اليوم التالي
في فيلا صفا
وضعت عائشة كفها على قبضة باب غرفتها لتبرمها و تغادر الغرفة فوجدتها تبرم من الخارج و يفتح الباب، تراجعت للخلف و هي تنظر للذي
يدخل لغرفتها دون أن يستأذن بطرق الباب، وجدته صفوان، حدقت به لوهلة في حين قال هو بهدوء
- صباح الخير
احتدت نظراتها و هي تسأله بإمتعاض
- ماذا تريد؟
هز رأسه بأسف و هو يقول معاتبا اياها
- هل تعامل الفتاة من تحب هكذا؟!
زفرت بإنزعاج قبل ان تقول بحنق.

- يبدو أنك تشعر بالملل لذا أتيت لتضايقني الآن
إبتسم لها و اجاب
- لا، انا قد أتيت لأعطيكِ هذا
و اخرج علبة صغيرة من جيبه و قدمها لها، نظرت لما في يده و سألته
- ما به؟
- شيء كان لكِ
عقدت حاجبيها و هي تنظر له في حين اخذتها منه، فتحت العلبة و لمعت عينيها بسعادة، فقد اعاد لها قلادة والدها الذي أخذها صفوان منها، تلمست القلادة بأناملاها ثم رفعت نظراتها له و امسكت بيده و هي تشكره بإمتنان
- شكرا لك، حقا.

نظر ليدها الممسكة بيده، و رفع زاوية فمه و هو يقول
- بل أنا الذي أريد أن أشكرك على رفضك لي
تابع و هو ينظر لها
- و قبولك بآخر، مبارك لكِ
هتفت بذهول
- ماذا؟، عن ماذا تتحدث؟
- والدتكِ أخبرتني انكِ قد قبلتِ عرض صديقتها
سحب يده بعيدا عن يدها و اردف آخرا قبل ان يغادر
- ما كان هناك داعي لإدعائك انكِ خائفة من فقداني، كان من السهل أن تقولي انكِ تريدين شخص آخر أعلى مقاماً، سأتركك الآن تنعمين بحياة جيدة معه.

و اختفى من امامها، بينما هي ظلت واقفة و فمها فارغ للحظات، هزت رأسها بقوة ثم اسرعت لتنزل درجات السلم بتعجل لتصل لغرفة مكتب صفا و اقتحمته بغضب.
- ما هذا الهراء الذي يحدث!
فزعت صفا من دخول عائشة الحاد أو مثلت ذلك، عاتبتها
- هل هذه طريقة...
قاطعتها عائشة بإنفعال حاد
- هل أنتِ وافقتِ على عرض صديقتك بزواجي؟
صمتت صفا لبرهه ثم اجابت
- نعم، وافقت
- و هل أنا قلت نعم لتوافقي انتِ!

صرخت بها عائشة و هي تكاد أن تفقد صوابها، فأجابت صفا بهدوء
- لا، لكني لن اسمح لكِ بأن تظلي هكذا بلا زواج
- و ما شأنكِ في هذا؟، ما شأنكِ!
- انا والدتك و أفعل ما أراه صائبا لكِ
تنفست عائشة بخشونة ثم قالت من بين انفاسها بصرامة
- لن اتزوج به، لن أقبل
- ستفعلين
قالتها صفا بحزم، و أضافت
- انه وسيم و جذاب و لطيف، ستحبينه بالتأكيد
ضغطت عائشة على العلبة التي مازالت تمسك بها، تنفست بغضب، و قالت بفظاظة.

- إذا تزوجيه انتِ
ثم استدارت لتتجه للباب و قبل أن تصل للأخير توقفت لتستمع لقول والدتها الحزين
- انا أريد أن يكون معكِ أحد بعد موتي، لا أريدكِ أن تكوني وحيدة
استدارت عائشة مرة اخرى و نظرت لصفا و قالت
- لا تشغلي بالك بهذا، فأنا افضل الوحدة و سأحب حياتي أكثر حين أكون بمفردي
- لكن انا لن أكون مرتاحة
قالتها صفا لتستعطفها، فقالت عائشة بلامبالاة
- لكن انا سأكون مرتاحة
رفعت صفا رأسها و قالت قولها الفاصل.

- ستتزوجينه يا عائشة، شئتِ أم ابيتِ
ضربت عائشة الأرض بقدمها بغضب ثم غادرت الغرفة و هي تسب و تلعن كل شيء.

في فرنسا
دلفت نيروز للغرفة التي مازال عمار محتجز بها، نقلت نظراتها بين عمار و المتدربة الخبيثة التي تصاحب خطوات عمار و تسانده، فهو يحتاج إلى التأقلم على القدم الصناعية و هذه المرة الأولى الذي يسير عليها لذا يجب أن تكن معه المتدربة لتساعده، فهو شعور غير مريح في البداية.
كورت قبضتها بغيظ و هي ترى جيدا حركات يد التي تساعده الخبيثة، انها تستغل مساعدتها له للمسه.
- نيروز، تعالي و اجلسي.

قالتها ميساء عندما لاحظت وجود نيروز التي لم
تشعر بدخولها، فنظر لها البقية، اومأت نيروز برأسها و تقدمت للداخل و لكن بدلا من أن تجلس بجانب ميساء ذهبت لعمار و دفعت المتدربة بقوة جعلتها تتراجع للخلف و كادت تسقطها، فلا وقت للخجل الآن.
اخذت نيروز مكانها، تسانده، دهشت غادة و ميساء من فعلة نيروز بينما اسماء لم تكن كذلك فهي تعرف ابنة اخيها جيدا، تعلم انها تغار عليه، و ايضا عمار، فهمس الأخير لها بخبث.

- ماذا ستفعلين هذه المرة؟
رمقته بحدة، فإبتسم و أضاف ليغيظها
- الغضب ليس جيدا عليكِ، فأنتِ متهورة، اكتشفت هذا مؤخراً
اضاقت عينيها بتوعد و هي تقول بهمس شرس
- سأقتلك، هذا ما سأفعله هذه المرة
إبتسم بإستمتاع و هو يهمس ايضا
- شريرة شرسة
وجدت نفسها تبتسم بعد قوله، اخفضت رأسها و بدأت تسير معه مساندة اياه، فغادرت المتدربة.

في غرفة عائشة
تجوب عائشة الغرفة ذهاباً و إيابا بغضب، تريد أن تكسر كل شيء، كلما تذكرت كلمات صفوان المعاتبة تتألم، و حين تتذكر فعل والدتها تستشيط غضباً.
جلست على الفراش و هي تمرر اصابعها بين خصلات شعرها بعنف، لمحت العلبة الذي اعطاها اياها فألتقطتها و فتحتها، نظرت مطولة للقلادة ثم اخذتها بين اصابعها و هي تخرج انفاسها ببطء، إبتسمت بحزن و هي تتذكر.

والدها و فجأة وجدت نفسها تتذكر صفوان ايضا، ما الذي أتى به لعقلها الآن!
مرت في مخيلتها كل المواقف التي جمعت بينها و بين صفوان، منذ أول لقاء إلى هذه اللحظة، فكرت بتردد، لماذا لا تعطيه فرصة و تعطي لنفسها ايضا!، تجرب و تتحدى خوفها!، فإذ والدتها تريد أن تجعلها تتزوج فالتتزوج من الذي تحبه و تواجه الباقي.

هزت رأسها رافضة ما تفكر به، و فكرت في جهة أخرى، فالتتزوج من الذي اقترحته صديقة والدتها فهي لا تحبه و لن تحبه، ستتعايش مع الأمر.
هزت رأسها رافضة مرة أخرى لهذه الفكرة، و اعترفت أن الفكرة الثانية أسوء من الفكرة الأولى، تنهدت و هي تعيد القلادة داخل العلبة و تضعها على المنضدة المجاورة للفراش، اراحت
ظهرها على الأخير و اخذت تحدق في السقف بشرود، تفكر، ماذا يجب عليها أن تفعل؟

في فرنسا
عادت نيروز من الخارج و هي تحمل كوب عصير طبيعي طازج لعمار، تقدمت منه بقلق حين رأته جالس على الفراش يخفض رأسها و هو يطبق جفونه بقوة، وضعت كفها على كتفه و سألته بلهفة
- ماذا بك؟، هل تتألم؟
ثم نظرت حولها و أضافت
- اين الجميع؟
رفع رأسه و نظر لها، فعادت لتنظر له هي أيضا و قدمت له كوب العصير الطازج
- تفصل، أنه جيد لك
دفع يدها الممسكة بالطوب فسقط من يدها و تهشم الزجاج، لم يكترث و صرخ بها.

- غادري، لا اريد ان أراكِ
ذهلت من تغيره المفاجئ و غضبه، لكنها تذكرت ما قاله الطبيب لها عن نوبات الغضب التي ستتلقاها منه، فقالت بهدوء
- حسنا، فقط اهدأ انت
تنفس بخشونة و عاد ليخفض رأسه و هو يهز رأسه و يتمتم بكلمات لا تفهمها هي، و بعد لحظات امسك ببداية قدمه الصناعية و قال و هو يلهث
- انها تؤلمني، أشعر بحكة بها
- هنا!، سأستدعي الطبيب حالا.

ثم اسرعت و تركته لتذهب و تأتي بالطبيب معها، و استغرق هذا منها عشر دقائق، و قد فحص
الطبيب عمار و قام بخلع القدم الصناعية عنه، و اجاب نيروز حين سألته عن سبب شعوره بالألم
- أن هذا شيء سيتعرض له في الفترة الأولى فقط، لذا لا داعي للقلق
و اردف لعمار
- حين تشعر بالحكة و الألم بقدمك قم يخلع القدم و لا تظل بها، و حاول أن تشغل تفكيرك بشيء بعيد عن الألم
و أضاف موجه الباقي لنيروز
- و انتِ ستساعدينه على ذلك.

أومأت نيروز برأسها وهي تتمتم
- بالطبع
و إبتسم وقال أيضا
- و عليكِ تحمل غضبه
- سأتحمل
إبتسمت نيروز للطبيب و هي تقولها، بينما
أشاح عمار بوجهه بعيدا عنهم و هو يشعر بالضيق.
استأذن الطبيب و غادر، و بعد مرور خمس دقائق عاد الجميع فسألتهم نيروز
- اين كنتم؟
اجابت غادة
- لقد كنا بالأسفل، هل حدث شيء؟
- ألم نتفق أن لا نتركه بمفرده!
قالتها بإنزعاج، و أضافت و هي تمسح وجهها
- حمداً لله اني عدت سريعا لولا ذلك لكان زاد ألمه.

- ماذا حدث؟
سألت ميساء؟، فأتت نيروز ان تخبرهم لكن صراخ عمار الغاضب منعها
- انا بخير، لا داعي لما تفعلينه يا نيروز، لا داعي
شعرت نيروز بأنها أخطأت و بالغت برد فعلها، فقد اشعرته بما لا يريد أن يشعر به و هو الحاجة لأحدهم معه و كأنه طفل عاجز، لذا اعتذرت، فقابل اعتذارها بطردها من الغرفة، فغادرت لكي لا تزيد من غضبه.

جلست نيروز على الكرسي المجاور للغرفة و خلال ثواني وجدت دموعها تنهمر على وجنتيها دون سبب و شعور الاختناق يتملك صدرها رويداً رويداً، وجدت اسماء تجلس بجانبها و تربت على كتفها، فجففت نيروز دموعها، بينما قالت اسماء بخفوت
- هل اكتفيتِ!
نظرت نيروز ل أسماء بطرف ثم بكت و تشيح بوجهها، تمتمت ببكاء
- لا ابكي من أجل طرده لي و معاملته، لا اعلم لماذا ابكي أساساً.

إبتسمت أسماء و هي تملس على شعر نيروز الأسود و تهمس بتعاطف
- إذا ابكي، اخرجي الطاقة السالبة التي بداخلك
فنهضت نيروز و ابتعدت عن أسماء.
بينما داخل الغرفة
لم تعلق كلا من ميساء أو غادة، فهم يعلمون ما يمر به عمار و سبب تصرفاته لذا لم يعاتبوه، ظلوا صامتين، و غادروا الغرفة حين قال بإقتضاب
- اريد ان ارتاح.

في منزل عائلة نيروز
كان صفوان جالس بجانب والدته على الأريكة، كانت الأخيرة تشاهد التلفاز بينما هو شارد،
قاطعها عن مشاهدة التلفاز بندائه لها
- امي
نظرت له، فسألها بشرود
- هل تقبلين أن ارتبط بعائشة؟
قضبت جبينها و هي تسأل
- عائشة!، من هذه؟
- الفتاة التي احبها
- حقا!، هل أنت تحب حقا!
قالتها بسعادة و عدم تصديق، ثم صمتت للحظات و هي تتمتم بذلك الاسم إلى أن تذكرت الفتاة التي تسمى عائشة، و هتفت رافضة
- بالطبع لا.

نظر لها و قد استيقظ من شروده أثر صوت والدته المرتفع و العنيف، اعتدل في جلسته و هو يسألها
- لماذا لا؟!
- ألا تعلم السبب!
قالتها بحدة و استنكار، و اردفت
- انها اتية من مكان قذر، و لها ماضي سيء بالتأكيد، فكيف تريد أن ترتبط بفتاة مثلها!
انزعج صفوان من قول والدته السيء عن عائشة
- انها ليست كما تظنين
- انا لا أظن ذلك، أن ما أقوله حقيقة بالتأكيد فكل من يعملون بتلك الأماكن سمعتهم تكون معروفة.

تنفس بقوة قبل ان يقول بهدوء شارحا لوالدته
- نعم، سمعتهم تكون معروفة، لكن هي سمعتها نظيفة، انا اعلم ذلك، انا اعلم كيف ذهبت هي لهناك و كيف عانت لتحافظ على نفسها، انا اعلم الظروف التي اوصلتها لذلك المكان، فهي لم تختار ذلك المكان بإرادتها، لذا لا تضعيها في مكانة الذين تتحدثين عنهم
حركت والدته يدها رافضة ما يقوله، و قالت بحزم
- انا لا أوافق على ارتباطك بها و..
قاطعها صفوان بإنفعال حاد و هو ينهض.

- هذه حياتي، و سأكملها مع من أريد
- هل ستعصيني من اجلها!
نهضت والدته ايضا و هي تهتف بها بغضب، فلم يجيب صفوان، و غادر المنزل.

بدأ الليل يسدل ستائره
استيقظ عمار و نظر حوله فوجد غادة جالسة على الأريكة تقرأ في أحد المجلات، حك جبينه و هو يسأل
- هل غادر الجميع؟
رفعت غادة بصرها عن المجلة و اجابت بهدوء
- نعم
هز عمار رأسه و اعادها كما كانت، بينما نهضت غادة وتقدمت منه و هي تخبره
- و ايضا نيروز ذهبت معهم، انا سأظل معك اليوم
- لم اسأل عن ذلك
- و انا اخبرك قبل ان تسأل
- لم أكن انوي أن اسأل عنها.

لم ترغب غادة في ان تدخل معه في حديث شاق له، لذا اومأت برأسها و سألته
- هل تريد أن أحضر لك شيء؟
- جائع
قالها بإختصار، فإبتسمت و قالت وهي تتجه للمنضدة
- من الجيد أن اسماء قد صنعت الفطائر صباحا
و احضرتها معها.

ثم قدمت له الفطائر ليأكلها، أخذها و تناول واحدة، و اخذ الثانية ليتناولها لكنه اعادها مرة أخرى و اعاد رأسه للخلف و هو يتنهد، كم يشعر بالضيق من نفسه لمعاملته السيئة لها، و لطرده لها رغم أنها لم تفعل شيء خاطئ، فهي كانت خائفة عليه و ايضا هي لم تقصد أن توصل له ذلك الشعور، هو يدرك ذلك جيدا و يدرك أنه يبالغ في بعض الأمور، لكن ماذا يفعل!، لا يستطيع أن يتحكم بغضبه و انفعالاته القاسية معها، و الغريب انه يتصرف معها هي وحدها بهذه الطريقة، فهل حقا يريدها أن تبتعد!

عصر اليوم التالي
في فرنسا
أعدت غادة حقيبة عمار ثم نظرت له و سألته
- هل انت جاهز؟
- نعم
قالها بعد ان انتهى من ارتداء حذاءه، نهض ببطء و حرك قدمه الاصطناعية بحذر ثم نظر لوالدته و قال
- هيا
اومأت برأسها و قامت بجر الحقيبة خلفها و ساندته في نفس الوقت، وصلا لخارج المستشفى و كان هناك سيارة أجرة تنتظرهم داخلها ميساء ايضا.
- هل قمتِ بحجز الغرف في الفندق؟

سأل عمار والدته بعد ان صعدت السيارة، أعطت الأخيرة العنوان للسائق ثم اجابت عمار
- لا
- إذاً إلى اين سنذهب؟
عقد حاجبيه و هو يسأل بحيرة، فأجابت غادة
- انتظر و سترى
نظر عمار ل ميساء فحركت كتفيها بعدم المعرفة.

في فيلا صفا
كانت عائشة تتمشى في حديقة الفيلا و عقلها منشغل بالتفكير، توقفت حين لمحت صفوان يتقدم من بعيد، لا تعلم كيف خرج صوتها من شفتيها بلهفة و نادته لينتبه لها، لماذا نادته؟!، ماذا ستقول له!، تتسارع دقات قلبها كلما تقدم خطوة اتجاهها، اتتها فكرة جنونية و هي الهرب لكن ما هذه الفكرة السخيفة الطفولية!، لماذا
ستهرب!، ثم فكرت أن توضح له الأمر لكن بماذا سيفكر إذ وضحت له!، سوف يسيء فهمها بالتأكيد.

توقف امامها قائلاً برسمية
- ماذا سيدتي؟
حدقت به لوهلة ثم حركت رأسها قائلة بتلعثم
- قد كنت، كنت أريد أن أق، ول
هزت رأسها بقوة و اردفت بحروف متسارعة مرتبكة
- انظر، ما اخبرتك به امي خطأ، فأنا لم أوافق على ذلك الرجل بل هي التي وافقتلي عليه
- لماذا تقومين بالتوضيح لي؟!
سألها و لم يكن ينتظر إجابة منها، أضاف بجدية
- هذا لا يهم الآن، و اتمنى ان تنسي كل ما قلته لكِ سابقا، كان هذا جنون مني.

فرغ فمها بدهشة، ماذا يعني بأن هذا لا يهم الآن!
، رمشت بجفونها و هي لا تعلم ماذا تقول، كم تشعر بالإحراج الآن من موقفها السخيف فهو لا يهتم، ليتها لم تلجأ لهذا الحديث لكي تخرج نفسها من هذا اللقاء الذي أوقعت نفسها به، لم تجد شيء تقوله إلا هذا
- حسناً
ثم تخطته، استدار و تابعها بنظراته ثم سار خلفها، وجدها توقفت فجأة و استدارت له لتقول له بإنزعاج
- لماذا تلحق بي!
- لا الحق بكِ، فهذا طريقي.

قالها بجفاء ثم تخطاها، فكادت ان تبقي حقا.

بعد مرور بعض الوقت
في منزل عائلة نيروز
كانت والدة نيروز تتحدث على الهاتف مع أسماء، فالاخيرة كانت تحدثها كل يوم لتعلمها على كل ما هو جديد و لتطمأنها على نيروز، انهت المكالمة حين وجدت صفوان يدلف للمنزل، نهضت بحزم و سألته
- اين كنت منذ الأمس؟
اجابها و هو يتجه لغرفته
- هنا
- هل تمزج معي!، انت لم تعد بالأمس بعد مغادرتك
سارت خلفه و هي تقول هذا، فقال صفوان
- أتيت و قد كنتِ انتِ نائمة، و غادرت قبل أن تستيقظي.

- سأصدق هذا، إذا اخبرني لماذا غادرت باكراً!، هل لتذهب و تراها؟
قالتها بشك و نبرة حادة بينما جلس صفوان على فراشه و بدأ في خلع حذاءه متجاهلا والدته، فأردفت بخشونة و نبرة بها اتهام له
- ذهبت لها إذا
رفع رأسه بعنف و سألها بغضب
- لماذا سأذهب لها؟!، ما الذي في عقلك؟
- انت تعلم ما في عقلي
- هل تتوقعين اني قد أفعل ذلك؟!
سألها بعنف، فأجابت الأخرى بقسوة.

- قد تفعلها، فهي قد جذبت عقلك لها، و لا أحد يعلم كيف ستتلاعب به
كور صفوان قبضته بغضب و هو يتنفس بقوة، ارتدى حذاءه مرة أخرى و هو يتمتم
- لن ننتهي من هذا، سأغادر
و غادر بالفعل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة