قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السادس عشر

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السادس عشر

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السادس عشر

أشرقت شمس يوم جديد
تململت نيروز على فراشها بتكاسل قبل ان تفتح جفونها ببطء، رفعت ذراعيها لتطرد الكسل الذي تشعر به ثم اعتدلت، نظرت بجانبها ثم حولها و هي تتمتم
- اين هو؟، هل استيقظ قبلي؟، هل غادر للعمل؟
انتفضت بعد خمول لتتجه للباب بخطوات سريعة و تفتحه، سارت في الممر لتصل للسلم و تنزله بتعجل، توقفت في المنتصف لتوقف خادمة و تسألها
- اين عمار؟، هل غادر؟، و سارة، هل هي معه؟

نظرت الخادمة لهيئة نيروز الغير مرتبة بذهول، فأردفت نيروز
- انا احدثك!
- اسفة، اعتقد ان السيد عمار في غرفة مكتبه أما السيدة سارة فهي في غرفتها
- متأكدة؟
- نعم سيدتي، فالسيدة سارة طلبت مني قدح القهوة هذا.

نظرت نيروز للصينية التي تحملها الخادمة، ثم همهمت براحة و تركتها لتكمل نزولها، توقفت أمام غرفة مكتب عمار، وضعت كفها على قبضة الباب و برمتها ببطء لتدخل رأسها و تجول بنظراتها بحثا عنه فوجدته جالس على كرسي مكتبه، يعيد رأسه للخلف و عينيه مغلقة فخمنت انه نائم، و لكن لماذا؟!
دلفت و اغلقت الباب خلفها بحذر، تقدمت منه بخطوات هادئة حتى توقفت أمامه، انحنت بجسدها قليلا لتصبح أقرب منه، و قالت بخفوت.

- عمار، استيقظ، لماذا انت نائم هنا؟
فتح عمار عينيه بنعاس، نظر لنيروز بعدم تركيز و قال
- من أن...
لم يكمل جملته، فبعد رؤيته لها بوضوح فزع بسبب مظهرها لذلك تراجع للخلف بكرسيه و هو ينظر لها بصدمة.
- ما هذا؟، لماذا انتِ هكذا؟
خرجت كلماته من بين شفتيه بإستنكار، فأستقامت و هي تقول بإستغراب
- لماذا؟، هل هناك شيء بي؟!
- انظري للمرآة...

نظرت لصورتها المنعكسة على الزجاج، فوضعت نيروز يدها على شفتيها بإحراج و هي تتمتم
- يا إلهي!
بلعت لعابها بإحراج و هي ترتب خصلات
شعرها المبعثرة ثم مسحت عينيها من إفرازات العين، حركت حدقتيها لتنظر له بحذر، فهي تشعر بالإحراج الشديد من مظهرها هذا، همهمت بقوة ثم قالت لتخرج نفسها من هذا الموقف المحرج
- المهم، اخبرني، لماذا انت نائم هنا؟
مسح وجهه بكفيه ثم نهض و قال
- ابتعدي
- ماذا؟
قالتها ببلاهه، فقال بجمود.

- ابتعدي عن طريقي
ثم ابعدها عن طريقه بظهر كفه و تخطاها ليخرج من غرفة مكتبه، فأسرعت لتلحقه.

في فيلا صفا
خرجت عائشة من غرفتها الجديدة و خلفها الخادمة التي ظلت معها لتصطحبها لغرفة الطعام، كما امرتها سيدتها صفا.
- من هنا انستي
نظرت عائشة للخادمة بطرف عينيها ثم دلفت لغرفة الطعام ببرود تام حيث لم تنظر لوالدتها صفا حتى نظرة عابرة، جلست على مقعد بعيد عن الأخيرة، فقالت صفا
- تعالي و اجلسي بالقرب مني يا عائشة، لا تجلسي بعيد هكذا
نظرت لها عائشة بجفاء و قالت بطريقتها الجارحة.

- انا أفضل أن أكون بعيدة عنكِ
كسى الحزن ملامح وجه صفا، و صمتت للحظات لتقول بعدها بوهن
- ماذا فعلت لكِ لكي تحملي في قلبك كل هذا الكره و النفور لي؟
رفعت عائشة زاوية فمها بجفاء و اجابت
- ليس من الضروري أن يكون هناك شيء، فأنا اكرهكِ لذاتك، هذا هو الأمر
كورت صفا قبضتها لتتماسك وهي تخفض رأسها، أخذت نفسا عميقا ثم قالت و هي ترفع رأسها و تبتسم بوهن
- لنأكل في صمت
- افضل ذلك.

في فيلا أحمد فريد
اتت نيروز ان تفتح باب غرفتها، فأوقفتها ميساء بندائها.
- نيروز، انتظري
التفتت نيروز لتنظر لميساء التي كانت تقف أمام غرفتها، اردفت
- الن تأتي لغرفتي؟، فأنا اريد ان اتحدث معكِ، و ايضا اريد ان أعلم ماذا حدث بالأمس، فأنتِ غادرتي و لم استطع ان الحقك ِ، و عندما عدتي لم استطع ان اتحدث معكِ، لذلك هيا تعالي
- حسنا، سأتي لأخبرك بكل شيء و لكن أولا، اريد ان ادخل لأغتسل
- حسنا، لا تتأخري علي.

اومأت نيروز برأسها ثم دلفت للغرفة، إتجهت للمرحاض و اقترب بأذنها من الباب فسمعت صوت تدفق المياة، فعلمت انه يستحم لذلك تراجعت للخلف لتجلس على الأريكة و تنتظره.
بعد مرور فترة وجيزة
خرج عمار من المرحاض، و فور خروجه
نهضت، فتوقف لينظر لها و هو يرفع احدى حاجبيه و يقول
- ماذا؟
- لماذا كنت نائم في غرفة مكتبك؟
قالتها و هي تضيق عينيها، فأبعد نظراته عنها بملل و قال و هو يتجه لمنضدة الزينة.

- هل يجب أن يكون هناك سبب؟!
- أعتقد
نظهر لصورته المنعكسة على المرآة و هو يتحسس وجهه بأصابعه، و قال
- فقط أردت أن ابتعد عنكِ لذلك نمت هناك
- ماذا تقصد بذلك؟
خرجت حروف نيروز بلهفة من بين شفتيها التي رسمت إبتسامة عليها، فنظر عمار لصورتها المنعكسة على المرآة و قال بحزم
- ما تفكرين به خاطئ
عبست و قالت بضجر
- كنت أعلم
- جيد.

قالها بجفاء و هو يلتقط زجاجة عطره، فتأففت نيروز ثم التفتت لتتجه للمرحاض و تدخله قبل ان تصفق الباب بقوة، فنظر للأخير من فوق كتفه و إبتسم إبتسامة جانبية.

في فيلا صفا
- سيدتي، صفوان قد أتى
قالتها الخادمة بتهذيب لصفا التي قالت
- ادخليه
- حسنا سيدتي
بعد ثوان، دلف صفوان لغرفة الطعام، ألقى
التحية على صفا التي قالت بعدها
- اجلس لتتناول طعام الافطار معنا يا صفوان
- شكرا لكِ يا سيدتي، لقد تناولته قبل مجيئي.

شعر صفوان بنظرات ثاقبة عليه من الناحية الأخرى لذلك، نظر بطرف عينيه لعائشة التي كانت صاحبة تلك النظرات التي تكاد تحرقه، فالغضب يشتعل بداخل تلك الحدقتين الخضراوتين.
تجاهل ذلك و عاد لينظر لصفا التي قالت
- صفوان، اخبرني، ما تاريخ اليوم؟
إبتسم صفوان و قال
- اليوم الذكرى السنوية للسيدة الكبيرة، لذا لا تقلقي، كل شيء سيصبح جاهز مساءاً
إبتسمت صفا بهدوء و تمتمت
- حسنا
ثم اردفت لعائشة.

- عائشة، اليوم سنذهب معا لمكان ما، لذلك كوني جاهزة، حسنا؟!
نظرت لها عائشة ببرود ثم نقلت نظراتها لصفوان، قالت
- لن اذهب لأي مكان، معكِ
نظر صفوان لعائشة، فلمح العناد و التحدي الذي يلمع في حدقتيها، فإبتسم بهدوء و قال لصفا
- اتركي هذا الأمر لي يا سيدتي
اومأت صفا برأسها ثم قالت
- سأصعد لغرفتي
- حسنا سيدتي، هل أساعد...

قاطعته بإشارة يدها التي ترفض طلبه، فأومأ برأسه، ثم اتاح لها الطريق لتغادر الغرفة بكرسيها المتحرك.
التفت صفوان بجسده ليتقدم من عائشة، جلس
على المقعد المجاور لها و هو ينظر امامه، بينما نظرت له عائشة بطرف عينيها و قالت و هي تحرك الملعقة في طبقها
- ماذا تريد؟
لم يجيبها، و ظل صامتا لدقائق، فلم تهتم، حيث اكملت تناول طعامها ببرودها المعتاد، و فور انتهائها نهضت، فأمسك برسغها، فنظرت له من فوق، فقال صفوان.

- ستذهبين مع والدتك اليوم
- أعتقد أنك سمعت قولي منذ دقائق
- انتِ!
قالها و هو يرفع نظراته لها و يعقد حاجبيه، ثم اردف و هو يبعد نظراته عنها
- لا أتذكر انكِ قلتِ شيء اساسا
شعرت بالحنق من أسلوبه المستفز، فضغطت على شفتيها السفلية بقوة ثم قالت بتملق متهكم
- حقا!، إذا دعني أقولها لك لتتذكر
تابعت و هي تعيد خصلات شعرها التي انسدلت على وجهها، خلف اذنها
- لن اذهب لأي مكان مع...
قاطعها بقوله الحازم و هو ينهض.

- بل ستذهبين، و قدميك فوق رأسك
رفعت زاوية فمها بعنف و قالت بتحدي
- ارني من سيجعلني اذهب
ثم دفعت يده عنها بقوة لتتركه و تغادر غرفة الطعام.

في غرفة ميساء
انتهت نيروز من سرد كل ما حدث بالأمس لميساء التي هزت رأسها بتفكير و هي تتمتم
- إذا هذا ما حدث
- نعم
إرتسمت على شفتي ميساء إبتسامة خبيثة و هي تقول بخفوت
- ألم تفهمي بعد لماذا عمار كان غاضب؟!
إبتسمت نيروز بإستياء و ابعدت نظراتها عن ميساء بشرود و هي تقول
- لا اعتقد ان ما فهمته صحيح
- بل صحيح يا حمقاء، صحيح
قالتها ميساء بحماس و هي تنهض، و تابعت
- انه يغادر، يغار
- هذا رأيك؟

- ليس رأيي، بل هذا الواقع
ثم جلست ميساء و اردفت و هي تمسك بيد نيروز
- لقد استنتجت من ما قلتيه للتو انه يغار بجانب
خوفه، و لكن غيرته من ذلك الرجل كانت أكبر من خوفه عليكِ لذلك وبخك و بشدة
- اتمنى ان ما تقولينه صحيحا
صمتت ميساء للحظات ثم قالت
- نيروز، هل تريدين عمار يعود لكِ؟
- بالتأكيد
- إذا يجب عليكِ أم تغيري اسلوبك معه
- كيف هذا؟
- سأخبرك.

قالتها ميساء و الإبتسامة الماكرة تتراقص على شفتيها، فهي تعلم جيدا ان عمار مازال يريد نيروز، زوجته، لذلك هي ستساعد في عودة الأمور لمجاريها مرة أخرى.

بعد مرور بعض الوقت
إتجهت عائشة للسيارة بخطوات غاضبة، و خلفها صفوان الذي جلبها بالقوة من غرفتها، فتح لها الأخير باب السيارة الخلفي لتجلس بجانب والدتها صفا و لكنها رفضت.
التفت عائشة حول السيارة لتفتح الباب الأمامي و تأخذ مقعدها بجانب السائق، فنظر صفوان لصفا التي هزت رأسها بمعنى لا بأس، فأومأ برأسه و اغلق الباب الذي فتحه ليتخذ مقعده خلف المقود.
نظرت عائشة لصفوان بطرف عينيها ثم قالت بإنزعاج.

- هل انت ايضا ستأتي؟!
أتاها الجواب من صفا
- نعم، صفوان سيأتي معنا
تأففت عائشة بنفاذ صبر و هي تنقل نظراتها
للطريق، و تمتمت بضيق
- لا ينقصني إلا هو
سمعها صفوان، لذلك إبتسم بطريقة مستفزة و هو يقول لها بخفوت
- حظك سيء، فماذا افعل انا
رمقته بحنق ثم عادت لتنظر للطريق.

دلفت نيروز لغرفتها بخطوات شاردة، جلست على فراشها ببطء، فهي تفكر في ما قالته ميساء لها، فالفكرة جيدة جدا و لكنها خائفة من ان الأمور تزداد سوءاً.
طمأنت نفسها بتذكرها لكلمات ميساء...
- إذ فعلتِ ما اقوله لكِ، سيعود عمار لكِ، ثقي بي فقط
ستثق بميساء، و ستفعل ما قالته لها، و ستتمنى
أن ينجح أسلوبها الجديد معه.
أما بالنسبة ل سارة، فميساء ستتولى امرها و لو بنسبة قليلة، فهذا سيمنحها بعض الوقت.

عادت نيروز بظهرها للخلف لتريحه، اخرجت تنهيدة عميقة من بين شفتيها ثم طبقت جفونها لتسترخي.

بعد طريق طويل نسبياً..
ترجلت عائشة من السيارة و هي تنظر حولها، لقد جلبوها للمقابر، لماذا؟
- لما جلبتوني لهنا؟
سألت عائشة و هي تنظر لصفوان الذي كان يساعد صفا على الخروج من السيارة ليجلسها على كرسيها، و بعد انتهائه مما كان يفعله نظر لعائشة و لكنه لم يجيبها، التقط باقة الورد
ليقدمها لصفا التي منحته إبتسامة و شكرته، ثم التقط الباقة الأخرى ليعطيها لعائشة التي أشاحت بوجهها بعيدا و هي تقول.

- انا لن أدخل معكم، سأنتظر هنا
- سأسبقكم للداخل يا صفوان، أجلبها معك
قالتها صفا لصفوان ثم حركت كرسيها لتتجه للمقبرة التي امامها و تدخلها.
- هيا امامي
قالها صفوان بصرامة و هو يقف خلفها، فنظرت له من فوق كتفها ببرود و هي تلويه ظهرها، قالت و هي تجز على اسنانها بحزم
- قلت، لن أدخل
- هذا الأمر ليس بأختيارك، تفهمين!
ثم امسك بذراعها بقوة و سحبها للداخل، حاولت التملص منه و لكنها فشلت.

نظرت صفا لصفوان برضا ثم نقلت نظراتها
لعائشة و قالت بود
- هيا يا نعجتي، ضعي الزهور امام مقبرة خالتك منال
اخترقت كلمات صفا إذن عائشة بعنف، تصاعدت الدماء لرأسها بحدة و هي تقرأ اسم خالتها المنحوت على الرخام، أمام المقبرة، هتفت بحدة و هي تنقل نظراتها لصفا
- هل جعلتيني اتي معكِ لزيارة هذه المرأة؟!
- انها خالتك
- هذه المرأة ليست خالتي، و لا يربطني بها أي علاقة، هل تفهمين؟!

قالت عائشة كلماتها بعدائية عنيفة، ثم القت بباقة الورد أرضاً و هي تصرخ بغضب شديد
- هل تفهمين، انتِ و هذه المرأة لا تقربون لي شيئا، لا شيء
سالت دموع صفا على وجنتيها و هي تتمتم بعجز
و حزن
- عائشة، ابنتي
رفعت عائشة سبابتها بحزم و هي تقول بخشونة
- انا لست ابنتكِ، انا ابنة والدي فقط
ثم التفتت لتغادر فوجدت صفوان يعوق طريقها، فأخرجت حروفها بحدة
- ابتعد
لم تمهله ثانية، فقد دفعته بكل قوتها و غادرت.

عاد عمار باكرا من عمله بغير عادته، صعد لغرفته و دخلها، فنظرت له نيروز و قد عقدت حاجبيها و هي تقول بإستغراب
- ما هذا؟، لماذا أتيت باكرا؟
نظر لها نظرة عابرة و قال بتهكم
- هل يجب أن استأذن قبل عودتي!
أشاحت بعينيها عنه، و لم تعلق، بينما إتجه هو للخزانة ليأخذ ملابسه و يتجه للمرحاض.
بعد مرور فترة وجيزة.

خرج عمار من المرحاض و توقف بعد خطوتين قد خطاهم و هو ينظر حوله، عقد حاجبيه عندما لم يجدها في الغرفة، فقد كانت دائما تنتظره إلى أن يخرج لتراقبه، بينما الآن هي ليست موجودة!، شعر بالغرابة و لكنه لم يكترث لشعوره كثيرا، فقد اكمل سيره ليتجه للكومود و يخرج دواءه و يتناوله.
بينما في غرفة ميساء
- لم يلاحظ شيء يا ميساء، لم يلاحظ تغير أسلوبي معه
قالتها نيروز بإحباط، فضربتها ميساء بخفة على جبينها ثم قالت.

- أيتها الغبية، لن يلاحظ من أول موقف تفعلينه
، انتظري قليلا
تنفست نيروز بعمق ثم قالت
- الأمر صعب
- لا، ليس بصعب، فلا تتذمري
قالتها ميساء بحزم، ثم اردفت بحماس
- هيا بنا، لنفعل الأمر بشكل جيد و ناجح
اومأت نيروز برأسها و سارت مع ميساء لخارج الغرفة، متجهين لغرفة الجلوس.

كانت عائشة غاضبة جدا، غاضبة لدرجة أنها تريد تحطيم كل شيء من حولها، تريد أن تصرخ بكل وجه تراه امامها، لعل غضبها يختفي، و لكن لا، فالبركان الذي بداخلها منذ سنين لم يخمد لهذه اللحظة.
صرخت عائشة بعنف عندما امسك صفوان
بذراعها و ادارها له بخشونة، صرخ بها بغضب
- لقد امتلأ عداد أخطائك لدي
ابعدت يده بعنف و هي تصرخ بخشونة
- يمتلأ أو ينفجر، لا يهمني.

عاد و امسك بذراعها مرة أخرى و لكن هذه المرة بعنف شديد المها، قال
- ستأتين معي الآن و تعتذرين من السيدة
امسكت عائشة بياقة قميصه و اقتربت منه و قالت ببطء حاد، استفزه
- لن اذهب، و لن اعتذر لأحد
ثم تركته و تراجعت للخلف بضع خطوات، قالت بشموخ و تحدي
- انا لست بفتاة ضعيفة، فخذني اذا استطعت.

لمعت حدقتيه العسليتين لتظهر قسوتهما، انحنى ليحملها، و لكنها كانت مدركه لما سيفعله و ايضا كانت هذه فرصتها لأخراج الغضب الذي
بداخلها، فأستغلتها جيدا، فركلت وجهه بركبتها بقوة أسقطته أرضاً.

في فيلا أحمد فريد
دلف عمار لغرفة الجلوس فوجد نيروز و ميساء جالستين بجانب بعضهما، ممسكين بهاتف احدهم و يتحدثون بخفوت عن أمر يبدو مهم، فقد القى التحية عليهما و لم يجيبه أياً منهما، بل لم يلاحظوا دخوله منذ البداية.
جلس على الأريكة و هو يراقبهما بنظراته، رفع حاجبه و هو يشعر بالفضول بشأن ما قالته ميساء لنيروز للتو لتتلون وجنتي الاخيرة بحمرة الخجل!
رفعت نيروز نظراتها له و قالت بذهول مصتنع.

- ما هذا؟، متى اتيت؟، لم أشعر بك
إبتسم لها بإنزعاج و قال
- أعلم
نقل نظراته لميساء التي قالت بلباقة
- عمار، كيف حالك، اسفة لم أشعر بدخولك، فأنا و نيروز نتحدث عن أمور مهمة، صحيح يا نيروز؟
- نعم نعم، هيا لنعود لما كنا نتحدث به
- حسناً
زاد فضوله لمعرفة ما الأمر المهم الذي يجعل الاثنين مكرثين وقتهما له، فتح شفتيه ليخرج حروفه و لكن مجيء سارة منعه.
قالت سارة و هي تبتسم
- عمار، عدت باكرا اليوم.

- نعم، فاليوم لم يكن لدي الكثير من العمل
هزت سارة رأسها و جلست بجانبه، ثم اخذت
تتحدث معه عن أمور عدة.
- تبا لها، لماذا جاءت هذه!
قالتها نيروز بهمس لميساء و هي تنظر لعمار و سارة من خلال كاميرة الهاتف الذي معهم، فهمست لها ميساء
- لا أعلم، و لا يهم، تابعي ما نفعله
- حسناً
ضحكت ميساء بصوت مرتفع لتعيد انتباة عمار لهما و نجحت، همست لنيروز
- هيا، دورك
اخفضت نيروز رأسها بخجل ثم قالت بصوت يصل له بوضوح.

- كفى يا ميساء، ستجعلين وجهي يتلون الآن
كور عمار قبضته بقوة و هو يرمقهما بتعمق، لاحظت سارة ذلك، فتوقفت عن الحديث للحظات ثم قالت بإنزعاج
- عمار، هل تسمعني؟!
لم يجيبها، لم يسمعها حتى، نهض و سار للامام ليتوقف امامهما، قال بجمود
- ماذا تفعلان؟
رفعت كلا من نيروز و ميساء نظراتها له، فتابعت
- لماذا هذه الإبتسامة، و انتِ لماذا وجنتيكِ متوردة هكذا، ما الامر؟

كانت جملته الأخيرة موجهه لنيروز التي نظرت ل ميساء، فقالت الأخيرة بخبث
- لماذا تريد أن تعلم؟!
- ميساء
قالها بحدة و حزم، فإبتسمت ميساء و قالت
- حسنا سأخبرك، لكن لا تغضب
- ميساء لا تخبريه
قالتها نيروز بخجل، وقفا للخطة، فقالت ميساء
لعمار
- هناك رجل يريد أن يقابل نيروز
- يقابلها؟، لماذا؟
رفعت نيروز نظراتها لعمار و قالت بخفوت
- انه الرجل الذي انقذني بالأمس
احددت نظرات عمار بعد سماعه لما قالته نيروز، هتف بغضب.

- لماذا يريد أن يقابلك؟
اجابته نيروز برقة و خجل
- لا أعلم، ميساء تحدثه الآن لكي تعلم
نقل عمار نظراته التي اشتعلت بغضب لميساء و هتف
- ميساء
ثم اردف
- كيف تفعلين هذا؟
- ماذا فعلت؟!
قالتها ميساء ببلاهه مصتنعة، فنهضت نيروز و معها الهاتف، قالت بهدوء
- سأصعد لغرفتي
خطت نيروز خطواتها و لكنه اوقفها عندما امسك برسغها، قال و هو يجز على اسنانه
- هل تنوين الذهاب؟
اجابته بثبات و هي تنظر امامها
- نعم، لماذا لا اذهب؟!

- لماذا لا تذهبين!
اعاد قولها بإستنكار و اردف بصرامة
- انتِ لن تذهبي
نظرت له بطرف عينيها و قالت باستهزاء
- هل يجب علي أن استمع لقولك؟!
اردفت ببرود و هي تعيد نظراتها امامها
- لا، فأنت ليس لك الحق ان تمنعني، صحيح؟!
أدارها بحدة لتصبح مقابلة له، قال لها بصوت
جهوري في لهجة حازمة
- بل لي الحق، فأنا زوجكِ.

الفصل الرابع عشر - قبلة!-
إرتسمت الإبتسامة على شفتي نيروز تدريجياً بعد وصول كلماته لمسامعها، بينما عمار، فقد ادرك ما قاله و لكنه لم يتراجع، ندم و لكن غضبه و حنقه منها أكبر.
- غريب، هل الآن تعتبرني زوجتك؟!
تجاهل قولها الذي يحمل لهجة ساخرة و قال بصوته الجهوري
- كيف لكِ أن تذهبي لمقابلة رجلاً آخر و انتِ متزوجة، الا تريني رجلاً لكي تستأذنين مني أولاً!
أحددت نظراتها و هي تجاوبه بثبات.

- و هل أنت تقوم بالأستأذان قبل ان تذهب لمقابلة
إمرأة أو سارة؟
- انا رجل، أفعل ما شئت، أما أنتِ...
قاطعته برفع كفها بحزم، و قالت
- لا يوجد فرق بيننا، فأنا و انت شخصاً واحدا في هذا المجتمع، فلا تقول ان من المسموح لك ان تفعل ما تشاء، أما أنا لا
طبق جفونه للحظات و هو يتنفس بعمق، ثم فتحهما ليقول بنفاذ صبر، و حدة
- أنا افعل ما اشاء، و لكن لا أفعل شيء خاطئ، و لكن ما ستفعلينه أنتِ خاطئ.

رفعت نيروز حاجبيها و قالت بإستنكار
- ما سأفعله خاطئ!، لماذا؟، ماذا سأفعل؟!
تدخلت ميساء في الحديث
- ما ستفعله نيروز ليس بخطأ، فالرجل يريد ان يحدثها في مجال عمله فقط
رمقها عمار بقسوة، فتراجعت ميساء عن
الخطوة التالية التي كانت ستفعلها، و عندما رأت نيروز ذلك قررت الإنسحاب.
- اغلق الحديث الآن، فأنا اشعر بالتعب
انهت نيروز جملتها ثم امسكت رأسها لتتقن الدور، فقال عمار بحسم
- لم انهي حديثي بعد.

و كأنه لم يتحدث، تخطته نيروز لتغادر الغرفة، و بتصرفها هذا، جن جنونه، التفت بعنف ليلحق بها.
فكرت ميساء بقلق
- تبا، الأمور ستسوء
تراقصت الإبتسامة على شفتي سارة التي كانت تتابع ما يحدث بدقة، حدثت نفسها باستهزاء
- لا تستطيعين أن تفعلي الشيء للنهاية يا نيروز، غبية
ثم نهضت لتتجه لغرفتها بهدوء.

لم يكن يصدق ما حدث للتو، فتاة ضربته؟!، وليست أي فتاة، بل هذه الحقيرة عائشة، انتفض من على الأرض كالثور الهائج، أصبحت هي القماش الاحمر الذي سيتمزق فور هجومه عليها.
بعد فعلتها هربت، ليس خوفا من صفوان، بل لتختبئ من تلك السيارة القديمة السوداء التي حفظتها عن ظهر قلب.
خافت من أن يراها صاحب السيارة، فإن رأها سيحدث ما لا تتمناه، و ايضا ستكون النتيجة سيئة بالنسبة لها.

توقفت عائشة عن الركض عندما لمحت اتخاذ السيارة الإتجاة المعاكس، فتنفست بإرتياح و تباطئت ضربات قلبها السريعة، و لكن مجيئ
صفوان من خلفها و جذبه لها من رقبتها افزعها و المها، كانت قبضته قاسية جدا عليها.
- تبا، من انت؟، اتركني
خرجت حروفها بغضب قبل ان تراه، فبعد رؤيتها له تضاعف غضبها و صرخت بخشونة
- اتركني أيها النذل، اتركني.

ضاعف من قوة قبضته، فخرجت صرخة الم من بين شفتيها لا إيراديا، بينما اخرج صفوان حروفه من بين شفتيه بخفوت غاضب، عنيف
- لقد تجرأتي علي، و هذا مرفوض عندي، لذلك لن اعاملك على انكِ فتاة حتى، تحملي
انهى جملته بخشونة ليدفع ساقيها من الخلف فتجثوا على ركبتيها، سحبها من شعرها ليسير بها لسيارته.
كم شعرت بالإهانة و العجز في لحظتها هذه، أرادت أن تنهض، و تقاوم ما يحدث، هي.

ليست بضعيفة لكي تصمت و تخضع، هي قد قاومت و قاتلت لسنوات، احتفظت بكبريائها و شموخها في أسوء حالتها، و لكن الآن هذا يحدث لها!، و من هذا الرجل الذي لا قيمة له!
حاولت ان تنهض و لكنها شعرت بألم شديد في ركبيتها، فنظرت لساقيها فوجدت الدماء تنزف منهما، فقد تمزق بنطالها نتيجة احتكاكه بالارض، فجرحت ركبتيها.
فأستسلمت دون رغبة منها.

كان الغضب يقوده، دلف الغرفة خلفها و اوقفها بجذب شعرها بقوة لتصرخ هي بصدمة و ألم، ادارها له و هو يقربها منه، و قال بإمتعاض
- كيف تتركيني و انا لم انهي حديثي بعد!
حدقت به بصدمة و عدم تصديق لتصرفه معها،
فهي لم تكن تتوقع أنه سيفعل شيء مثل الذي يفعله الان معها، هو يتعامل معها بعنف!، ادركت ما يحدث سريعا فأشتعلت حدقتيها الرماديتين بنيران الغضب و هي تهتف بإنفعال
- ماذا تفعل يا عمار!، اتركني.

- لماذا تتصرفين هكذا الان؟، ماذا بك؟، الم تكوني منذ يومين تسيرين خلفي لكن الآن تنظرين للخارج!، على ماذا تنوي؟
قالها عمار و هو يجز على اسنانه بغضب، فهتفت نيروز بشراسة
- ماذا تريد انت مني!، الم تكن تريدني أن ابتعد عنك، لذا ها أنا ابتعد و اذهب لغيرك
ترك شعرها ليحاوط خصرها بذراعه بقسوة، فألتصقت به، حدق في حدقتيها و قال بهدوء مخيف
- لا تحاولي أن تلعبي معي بهذه الألاعيب يا
نيروز.

رفعت نيروز زاوية فمها بإستخفاف و هي تقول بإستنكار
- الاعيب؟!
ثم صمتت لبرهه لتقول بعدها بخبث
- انا لا العب مع شرس مثلك
- نيروز
نادها بحدة، فإبتسمت و قالت بتملق
- هل لك ان تتركني، انت تؤلمني
خفف من قوة ذراعه حول خصرها، فهمست برقة
- شكرا لك
لاحظت نيروز استقرار انفاسه و خمود اشتعال حدقتيه، فأدركت انه هدأ، فوضعت كفها على ذراعه و ابعدتها عنها و لكنها ظلت ملتصقة به، مدت يدها الأخرى لتمسك بكفه، رفعت جسدها.

لتصل له و تطبق قبلة مفاجئة لامست طرف شفتيه، تلك القبلة جعلته يصدم و يضطرب، و هذا ما ارادته هي، ابتعدت عنه لسنتيمترات لتهمس بمكر و هي تنظر لحدقتيه
- اتشعر بدقات قلبك كما اشعر بها انا!، هذا عقابي لك لجذبك لشعري
رمش بجفونه مرتين ببلاهه، فضحكت بخفة و هي تتراجع للخلف، اتسعت مقلتيها بصدمة عندما اعادها المسافة التي ابتعدتها، فلم يصبح هناك مسافة بينهما.

لم يستطع هذه المرة أن يكبح نفسه عنها، ارادها و بشدة، فقد اغوته هذه المرة و بمهارة، حتى الحاجز الذي بناه قد هدم بسبب قبلتها الصغيرة ذات التأثير القوي عليه.
بينما هي، كانت في حالة ذهول و صدمة من قبلته المفاجأة لها، لكنها لم تسمح للصدمة أن
تضيع عليها هذا اللقاء الذي انتظرته كثيرا، لذلك رفعت ذراعيها لتحاوط رقبته بهما، و في هذه اللحظة استيقظ عمار و شعر بما كان يفعله.

فابتعد سريعا و كأن هناك افعى لدغته، تراجع للخلف و صراع كبير يحدث بداخله، ظهر هذا لها خلال عينيه التي اظهرت ضياعه و ندمه و حيرته.
التفت سريعاً و إتجه للباب و غادر، فمررت نيروز اناملها خلال خصلات شعرها السوداء بإنزعاج و هي تتنهد باستياء، كم تتمنى أن تعلم ما سبب بعده عنها، سبب ذلك الضياع و الحيرة التي تراهم في عينيه كلما اقترب منها، ماذا به؟!

أصعد صفوان عائشة بعنف داخل السيارة و صفق الباب بقوة، ثم التف حول الاخيرة ليتخذ
مكانه خلف المقود، ثم حرك المفتاح لتشغيل السيارة ؛ و اتجه بها لفيلا السيدة صفا.
أخرج هاتفه من جيبه و اتصل بزميلة في العمل ليخبره
- ايمن، اذهب للمقبرة لتصطحب السيدة صفا، فأنا غادرت دون اخذها، و اخبرها اني سبقتها للفيلا و معي عائشة.

ثم صمت للحظات، و غمغم بموافقة ثم اغلق، نظر لعائشة عبر المرآة الأمامية الداخلية بحزم، ثم عاد و نظر للطريق.
بينما كانت عائشة مستلقية على المقعد الخلفي، شعرها الاحمر الغزير يخفي وجهها تمام، يخفي علامات الألم و الانكسار الظاهرة على ملامحها!
كانت تضع كفيها على الجروح الذي سببها لها بعنفه، كم تحرقها و تألمها الآن، تستطيع أن.

تتحمل هذا الألم فهو لا شيء بالنسبة للجروح التي تذوقتها سابقا، و لكن الشيء الذي لا تستطيع تخطيه و تحمله هو الإهانة و الذل الذي تعرضت له، فكبريائها قد سقطت اليوم و أصبحت بين الأقدام.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة