قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السابع عشر

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السابع عشر

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل السابع عشر

لم يغادر عمار الغرفة فقط، بل غادر الفيلا بأكملها، صعد سيارته و أدار المقود في حين ضغط على دواسة الوقود بقوة وكأنه يفرغ غضبه فيها، فتحركت السيارة بسرعة خطرة، لفحت نسمات الهواء وجهه لتهدأ من حرارة الدماء المتصاعدة بغضب إلى رأسه.
هو غاضب، بل تعدى مرحلة الغضب، يريد أن يصفع نفسه بقوة كعقاب لما فعله منذ دقائق، لم يكن يجدر به أن يفعل شيء كهذا، فبفعلته أعلمها.

بحقيقة مشاعره الذي كان يخفيها، فبفعلته هدم ما فعله كل هذه الفترة، هدم جهده و قوته الذي كان يرتديهما امامها، فكرة عقابه لها افسدت الآن!
فكر عمار..
- لا، لم تفسد بسبب قبلة ناتجة عن رغبة حمقاء
ضغط على المقود بقبضته بقوة ثم بطئ من سرعة السيارة حتى توقفت.
فقد داهمته ذكرى ذلك الحادث الموحش، فخاف من ان تتكرر مرة أخرى و بسببها، فهو يكفيه ما تعرض له من دمار بسببها هي، دمار نفسي و جسدي انتهى بإعاقة.

الإعاقة التي ستصيبه عاجلاً أم اجلا، هذا الأمر يسبب له ضيق و اختناق، يبث بداخله الغضب ناحيتها و يحملها هي الذنب، نعم هي، فهي التي دمرته و اهلكته نفسياً حتى جعلته يقدم على قيادة السيارة بهدف أن ينهي حياته، و لكن حياته لم تنتهي بل زادت تعقدا و في نفس الوقت هذا الحادث جعله يستيقظ من تلك الحالة السيئة الذي كان يعيشها من عذاب بعد رحيلها.

اعاد رأسه للخلف و هو يلتقط انفاسه بقوة، ثم اخرجهم بهدوء و هو يطبق جفونه.

- هل فعلت هذا حقا!
قالتها صفا بذهول لصفوان بعد ان علمت بما فعله بأبنتها عائشة، زال ذهولها سريعاً لتحتد ملامح وجهها و هي تردف بإنفعال خشن
- انا قلت لك ان تتعامل معها بحزم لكي تغير من طباعها السيئة، لكني لم أقل لك ان تتعامل معها بعنف يا صفوان و أن ترفع يدك على ابنتي
اخفض صفوان رأسه و قال
- اسف، لم استطع كظم غضبي، فهي قد تطاولت...
قاطعته بعنف.

- حتى إذ تطاولت عليك، لم يكن يجدر بك أن تفعل هذا، إنها ابنة المرأة التي تعمل لديها انت، فهي و انا واحد
صمتت صفا للحظات لتلتقط انفاسها ثم تابعت برجاء
- رجاءً يا صفوان، عامل عائشة مثلما تعاملني باحترام حتى إن كانت هي وقحة و سيئة، سامحها و تحملها قليلا من أجلي، فهي ستتغير بالتأكيد و هتعود لي نعجتي
امتلأت مقلتيها بالدموع و هي تتابع بصوت متحشرج.

- انت تعلم كم أتمنى أن تعود لي عائشة، كم أتمنى أن احتويها و اعانقها لأبث لها الحنان الذي
حرمت منه هذه السنوات السبع، لذلك ساعدني على ذلك، فهي لن تأتي بالعنف ابدا
هز صفوان رأسه و قد شعر بالشفقة على صفا و الندم لما فعله، اعتذر مرة أخرى، و اردف بحزم و هو يرفع رأسه و ينظر لصفا
- هذه المرة الأخيرة التي سأفعل بها ذلك، و سأتحكم بنفسي المرة القادمة، و اعدكِ ان اعيد لكِ ابنتكِ قريباً.

إبتسمت له صفا بإمتنان و قالت
- شكرا لك لأنك تحاول فعل ذلك
بادلها الإبتسامة، و قال
- هذا عملي و واجبي اتجاهك سيدتي، استأذنك الآن لأذهب لها
- حسنا، اعتني بها جيدا
اومأ صفوان برأسه ثم التفت و غادر.
بعد دقائق، وصل صفوان أمام غرفة عائشة..
طرق الباب بلطف ثم دلف، فوجد الأخيرة جالسة على الأرض في زاوية الغرفة، فتنفس بعمق قبل ان يخطوا خطواته إتجاهها و هو يقول.

- لقد سمعت انكِ لم تسمحِ للخادمة أن تطهر جروحك، هذا صحيح؟!
لم تجيبه، فقط كانت تنظر للأرض بثبات و جمود، فأردف صفوان و هو يقف امامها و ينظر لها من فوق
- من هيئتك، هذا صحيح
جلس امامها مربع القدمين، وضع صندوق الاسعافات الاولية الصغير على فخذه ثم فتحه و هو يقول
- حسنا، انا سأطهره لكِ، لكن سؤال، لماذا تجلسين هنا؟!
مرة أخرى لم تجيبه، و تخطى هو ذلك بقوله
- من المؤكد انكِ تتسائلين عن سبب مجيئي لهنا.

بعد ما فعلته، سأجيبك، قد أتيت لأعتذر
قال جملته الأخيرة و هو ينظر لها و يتابع ابتاسمتها الجانبية العنيفة التي رسمت عند زاوية فمها، دخلت كلماتها مسامعه بخشونة
- ابتعد الآن و إلا سأكرر ما فعلته سابقاً، ها أنا احذرك.

تجاهل كلماتها و كأنها لم تتحدث قط، اخرج عبوة مطهر الجروح و سقى القطن به ثم قرب كفه من جرحها ليضع القطن عليه، و قبل ان تصل يده لها دفعتها هي بعيداً بعنف، رفع نظراته لها فقابلته بنظراتها النارية التي تكاد تحرقه، قالت بخفوت شرس
- قلت لك ابتعد و إلا...
قاطعها صفوان بصرامة
- لن تفكري في تكرار فعلتك، فأنا لن اسمح بذلك
إتسعت مقلتي عائشة بحزم و هي تقلل من المسافة التي بينهم، قالت بجمود.

- ستضربني؟!، حسنا، اضربني و سأقتلك، أقسم
- لن أقوم بضربك مجدداً
قالها صفوان بهدوء، فردت عليه بحسم
- طبعاً، فأنا لن اسمح لك بأن ترفعها علي مجدداً
هز رأسه ببطء ثم قال بجدية
- حسنا، هل لنا ان ننهي هذا الحديث الآن و تجعليني اطهر جرحك؟!
أشاحت بوجهها عنه و هي صامتة، فتابع ما كان يجب عليه أن يفعله سابقاً.

لامس القطن جرحها فألمها و لكنها لم تظهر، و لكن رغم ذلك إلا أنه لاحظ من خلال عضها لشفتها السفلية و ضمها لكفيها بقوة لتمدها بقوة
التحمل.
- لقد قطعتي الدماء عن شفتيكي، حرريهم
قالها صفوان بلطف عن غير عادته، نظرت له عائشة بإنزعاج لإعتقادها انه قال ذلك ليعلمها انه يعلم انها تتألم، فقالت بإندفاع
- انا لا اتألم
حدق بها للحظات ثم قال بهدوء
- انا لم أقل شيء كهذا.

رمقته بحنق قبل ان تبعد نظراتها عنه فلم ترى إبتسامته الصغيرة التي رسمت على شفتيه قبل ان يكمل تطهير جرحها.

أشرقت شمس يوم جديد و لم تذق نيروز طعم النوم و الراحة، فقد كانت تنتظر عودة عمار لتطرح عليه الأسئلة التي تثير فضولها و حيرته.
و ايضا شعورها بالقلق عليه لم يجعلها تسترخى لتنام، فهو لم يعد منذ مساء الامس، و ما زاد من قلقها و خوفها هو عدم إجابته على إتصالاتها المتكررة، فهو في النهاية اغلق الهاتف تماما.

خرجت نيروز من غرفتها بخطوات متعبة لتصل لغرفة ميساء خلال ثوان، طرق على الباب ثم دلفت، تقدمت نيروز من ميساء التي مازالت نائمة و قامت بإقاظها.
- نيروز!، ماذا هناك؟
قالتها ميساء بقلق و هي تعتدل، و اردفت و هي تنظر لملامح نيروز الباهتة و السواد الذي رسم اسفل عينيها.
- لماذا عينيكِ بهذا الشكل و وجهك متعب؟!
اجابتها نيروز بوهن
- سأخبركِ بالتفاصيل لاحقاً، و لكن الآن أتيت لأخبركِ أن عمار لم يعد للأن، ف بالأمس هو.

غادر و لم يعد لليوم
- هل انتِ متأكدة من عدم عودته؟!، فقد يكون في مكتبه
- لا، فأنا قد رأيته و هو يغادر الفيلا بسيارته
حكت ميساء ذقنها بتفكير ثم قالت
- سأتصل به لأعلم اين هو
- هاتفه مغلق، فهو قد اغلقه بعد ان.

قالتها نيروز بأسى، فبدأت تشعر ميساء بالقلق و قد تذكرت ما حدث قبل العام و النصف و الحادث الذي تعرض له هو في ذلك الوقت، طبقت الأخيرة جفونها بقوة و هي تهز رأسها لتطرد تلك الزكريات السيئة و الأفكار التي داهمتها بأنه قد أصابه شيء أو تكرر ذلك الحادث له.
نهضت ميساء و سارت للنافذة و هي تقول بإنفعال ناتج عن قلقها
- من المفترض يا نيروز أن تخبريني سابقا بهذا لكي اعرف كيف سأتصرف
تنفست نيروز بقوة ثم قالت.

- انا اعتقدت انه سيغادر لكي يهدأ ثم سيعود، لم اكن أعلم أنه لن يأتي أبدا
التقطت ميساء هاتفها و ضغطت على بضع أرقام متتالية لتضعه على اذنها و تنتظر الرد، فسألتها نيروز بفضول
- بمن تتصلين؟
- بالفندق، فلعل عمار ذهب لهناك
هزت نيروز رأسها، بينما مررت ميساء اناملها من بين خصلات شعرها بتوتر و هي تتمتم
- أجيبوا، هيا اجيبوا
اردفت بلهفة بعد ان اجابوا.

- مرحبا، انا ميساء أحمد فريد، أريد أن أسأل هل عمار اتى للفندق مساء الأمس؟!
قبل ان يأتيها رد الموظف على سؤالها، ابعدت الهاتف عن اذنها و هي تتمتم بلهفة
- سيارة عمار
فقد كانت ميساء تقف أمام النافذة، فلمحت عبور سيارة عمار من البوابة، فتقدمت منها نيروز سريعا و هي تتمتم
- اين؟ أين؟

تنفست نيروز الصعداء عندما رأت سيارة عمار تتوقف في البهو ليترجل الأخير و يظهر لهما، اسرعا الاثنين للأسفل بخطوات متسابقة و متلهفة، نزلا الاثنين السلالم و عندما انتهوا منها توقفوا للحظات فقد قابلوا عمار و هو يدلف من باب الفيلا بعد ان فتحت له الخادمة.
- عمار، اين كنت؟، لقد قلقنا عليك
قالتها ميساء بنبرة معاتبة و هي تتقدم منه لتقف بجانبه، نظر عمار لنيروز التي تقف عند نهاية.

السلم بطرف عينيه نظرة عابرة، فتوقع انها أخبرت ميساء عما حدث، أجاب بهدوء
- ليس داع لقلقكِ علي يا ميساء، سأصعد غرفتي الآن
اتى عمار ان يتخطى ميساء و لكن الاخيرة اوقفته
- انتظر، أريد أن أعلم إلى اين انت ذهبت؟!، اين قضيت ليلتك؟!
- ميساء، انا متعب لذلك سأجيبك لاحقاً
قالها عمار بنفاذ صبر، فهمهمت ميساء بتفهم ثم ابتعدت عن طريقه، فتابع طرقاته ليصعد لغرفته، فأتت نيروز ان تصعد خلفه و لكن ميساء اوقفتها بمسك يدها.

- أتركيه الآن فهو متعب، حديثه لاحقا
وافقت نيروز ثم صعدت السلالم، لم تكن تنوي أن تنفذ طلب ميساء و تتركه ليرتاح، فهي لم تنم بسببه، لذلك لن تجعله يتذوق طعم الراحة إلا إذ
أرادت هي.

في منزل عائلة نيروز
استيقظ صفوان باكرا كعادته، خرج من المرحاض بعد أن أخذ حمام سريع اشعره بالنشاط و الحيوية، ثم اتجه للمطبخ ليرى هل انتهت والدته من إعداد طعام الفطور أم لا.
- صباح الخير والدتي العزيزة
قالها صفوان وهو يدلف للمطبخ، فردت والدته عليه بلطف
- صباح النور، الفطور جاهز، اسبقني للسفرة
- سأساعدك في حمل الأطباق
- حسنا، خذ
و أعطته طبقين فحملهما و غادر المطبخ و هي
خلفه.

جلسا على السفرة ثم بدأ في تناول الطعام و الصمت يملأ المكان، فكسرت والدته ذلك الصمت الممل.
- اخبرني يا صفوان، كيف تسير أمورك في العمل؟
- جيدة
قالها بعدم اهتمام، فهمهمت والدته و هي ترمقه بشك
- جيدة!، حسنا
ثم ساد الصمت مرة آخرى، فقطعته والدته للمرة الثانية
- اخبرني، تلك الفتاة، عائشة، كيف حالها؟
توقف عن مضغ الطعام الموجود في فمه بعد سماع اسمها، رفع نظراته لوالدته و قال بعد ان بلع الطعام.

- ما الذي ذكرك بها؟!
- لا أعلم، فجأة جاءت في خاطري
هز رأسه ثم عاد ليكمل طعامه الذي لم تسمح له والدته بأن يكمله بهدوء بسبب اسألتها عن تلك الفتاة التي إذ جاءت سيرتها تتعكر صفوته.
- هل تغيرت طباعها بعد ان اجتمعت بوالدتها؟
- لا
اجابها بإختصار شديد لعدم رغبته في التحدث، و لكن والدته لم تصمت، بل اكملت طرح اسألتها عليه
- و والدتها كيف شعورها بعد ان اكتشفت ان ابنتها هكذا؟ و بمعاملتها الوقحة؟!

اجابت على نفسها و هي تشعر بالشفقة على صفا
- بالتأكيد شعرت بالإحباط و الاستياء
فزعت والدة صفوان عندما القى الأخير ملعقته بغضب
- هل تصرين على الحديث عن عائشة لكي لا اكمل تناول طعامي أم ماذا!
- ماذا؟!
قالتها والدته ببلاهه ناتجة عن صدمتها من رد فعله العنيف، نهض صفوان بحدة فسقط الكرسي على الأرض و إتجه لغرفته.
دلف لغرفته و صفق الباب خلفه، هو في الحقيقة لم يكن غاضب من اسأله والدته عنها بل من شيءٍ آخر..

فمنذ أن عاد مساء الامس و هي لم تغادر فكره، عائشة، و هذه المرة الأولى الذي يفكر بالأخيرة، بل و ايضا يحاول أن يفسر تصرفاتها في إتجاه مسالم و ليس عدواني كالعادة، فقد شعر بشيء لم يألفه من قبل بنظراتها، شيء هي تحاول ان تخفيه عن من حولها، ما هو ذلك الشيء؟!، هو لا يعلم و هذا ما شغل باله في
سواد الليل حتى ادركه النوم.

فعندما ذكرت والدته اسمها غضب و شعر بالضيق، فتفكيره بعائشة ذاتياً يضايقه لذلك كان رده عنيف على والدته المسكينة.

- اين قضيت ليلتك؟
قالتها نيروز و هي تقف خلف عمار الذي كان يقف أمام الخزانة، يحل أزرار قميصه و هو يلويها ظهره.
لم تتلقى رد منه، ففكرت بأن تطرح عليه اسألتها التي كانت تثير فضولها، و مازالت.
- اخبرني ماذا بك يا عمار، و بوضوح
تراجعت بضع خطوات للخلف لكي تتيح له المكان لخلع قميصه، طرحت عليه نفس السؤال للمرة الثانية، فلم تتلقى إلا مثل ما حدث في
المرة الأولى، فزفرت بضيق ثم قالت بإنزعاج.

- عمار، أنا احدثك، لا تتجاهلني
التف لينظر لها لوهله ثم ليتخطاها، فأسرعت لتعيق طريقه و تقول بإمتعاض
- الا تراني احدثك؟، الا تسمعني؟، اجبني على سؤالي
نظر لها بجفاء، و قال ببرود مستفز
- هل تتحدثين؟!، لا اسمعك
أدارت نيروز حدقتيها داخل مقلتيها بنفاذ صبر، ثم عضت شفتها السفلية لتقول بعدها بهدوء حاد
- نعم كنت اتحدث، هل تريد أن أعيد طرح السؤال
- لا داعي لذلك، فأنا لن اجيب.

امسكت بذراعه قبل ان يتخطاها و نظرت له بحسم، تنفست بقوة ثم قالت
- لن اسمح لك ان تغادر دون أن تجيبني، فأنا
لن أظل غارقة داخل فضولي و حيرتي التي ستهلك خلايا عقلي
تحركت بضع خطوات لتصبح امامه مباشرةً، لم تترك ذراعه خوفا من أن يهرب منها.
- عقلي سينفجر من كثر الأسئلة التي تطرح عنك و لا أجد إجابة لها، اخبرني، لماذا تجعلني أصل إلى هذه المرحلة؟، لماذا لا تكون واضح معي؟!
اجابها بجمود.

- انا واضح معكِ منذ البداية و لكن انتِ...
قاطعته نيروز سريعاً لتوضح مقصدها
- انا لا أقصد وضوحك في عدم رغبتك بتواجدي معك، بل أقصد ما حدث بالأمس
صمت للحظات و هو ينظر لها دون أي تعبير ظاهر على ملامح وجهه، قال مدعي البلاهه
- ماذا حدث بالأمس؟، انا لا أذكر شيء مهم
حدث
- حقا؟!، لا تتذكر
استنكرت، و تابعت بإنفعال
- حسنا سأذكرك بالذي لا تتذكره و الشيء الذي تدعي انه ليس مهم، قبل...

توقفت للوهلة لشعورها بالحرج مما ستقول، و لكن لا وقت للحرج الآن، لذلك تابعت و لكن بإنفعال ضئيل ممزوج بالاستحياء التي حاولت أن تتخلص منه
- قبلتك
ضغطت على قبضتها بقوة و هي تردف
- قبلتنا و الحيرة و الضياع اللذان تضاربا في حدقتيك، ما سببهما؟، أريد أن أعرف ما سبب معاملتك السيئة لي
اجابها بسخرية و برود
- قبلتنا!، انها لا شيء، إنها مجرد نزوة، أما.

بالنسبة لمعاملتي لكِ فهي شيء طبيعي فمنذ مجيئك إلى هنا و انا اعاملك هكذا
- أعلم، و انا اريد ان اعرف السبب وراء ذلك، وراء معاملتك السيئة لي
قالتها نيروز بإنفعال و فور انتهائها التقطت انفاسها بعمق لتعود لهدوءها، نظرت لعمار الذي لم يبدي أي رد فعل أو إجابة، فتحت نيروز شفتيها لتقول شيء آخر و لكنه سبقها بجفاء
- هكذا فقط
- هذه ليست الإجابة التي اريدها.

قالتها بإستنكار و إبتسامة متناقضة لنبرتها رسمت على وجهها، إبتسامة خبيثة، فكرت نيروز في أن تحصل على الإجابة منه و لكن بطريقة اخرى، بطريقة غير مباشرة، فأقتربت منه المسافة التي بينهم لتنقص منها، مدت كفها لتلمس لحيته الضئيلة ثم تحتضن وجنته بلطف
بجانب نظراتها الحانية اتجاهه.
لكن عمار كان مدرك لنواياها و افكارها، و ليوقفها عما تحاول أن تفعله كل مرة، امسك بذقنها بقسوة وهو يقول بتحذير بطيء.

- لا تحاولي ان تعبثي معي، حسنا؟!
تألمت من فعلته، و لكنها عاندت و قالت بحسم
- لا، لن اكف عن العبث معك حتى احصل على ما أريد
ترك ذقنها بحركة عنيفة و تراجع للخلف بضع خطوات و هو يقول بهدوء
- حسنا، لا تكفي عن ذلك، و لكن في المقابل ستفشلي و لن تنجحي في تنفيذ مرادك
- سنرى
قالتها و عينيها تفيض بالتحدي، فرمقها بتحدي هو الآخر ثم تركها ليتجه للخزانة و يأخذ ملابسه و يتجه بها للمرحاض ليأخذ حماما ساخنا مدته.

عشرة دقائق، ثم التحق بالفراش بجانبها ليدركه النوم سريعاً من شدة تعبه، و هي أيضا.

في فيلا صفا
خرج صفوان للشرفة حيث كانت تجلس صفا، حياها ثم جلس بعد ان أمرته بذلك.
- صفوان، لقد وصلتني اليوم دعوة من السيدة ناهد لحفل خطوبة ابنتها، لكنِ لن استطع ان احضر و ايضا لم استطع ان اتجاهل أو أرفض دعوتها، لذلك سأرسل عائشة بدلاً عني، و انت سترافقها
تمتم صفوان موافقا لأمر صفا رغم عدم رغبته بفعل ذلك.
- حسنا سيدتي، شيئا اخر؟!

- لا، لكن أريدك أن تنتبه على عائشة في الحفل و أن تحذر من أن تهرب، لا تبعد نظراتك عنها أبداً، اتفقنا؟!
- اجل سيدتي
- طلب آخر
قالتها صفا و هي تبتسم بود، ثم اردفت
- انا قد ارسلت الخادمة لتخبر عائشة بأمر الحفل، فإذ رفضت سأجعلك تتولى الأمر
- كما تشائين.

في عصر هذا اليوم
كانت والدة نيروز جالسة على الأريكة تشاهد التلفاز، فجأة اتت اسماء لخاطرها، فألتقطت هاتفها من فوق الطاولة و اتصلت بالأخيرة، فمنذ
فترة طويلة لم تتحدث معها، و لم تستقبل اي رسالة من التي ترسلها لها اسماء من حين لآخر.
أنزلت الهاتف و هي خائبة الأمل بعد محاولات كثيرة للتواصل معها دون جدوى، فأعادت الهاتف لجانبها و عادت لمشاهدة التلفاز.

تعالت الإبتسامة على وجهها و هي تشاهد المشاهد المضحكة على أحد افلام إسماعيل ياسين، و فجأة تلاشت إبتسامتها تدريجياً عندما تذكرت ابنتها نيروز.
تذكرت أن الأخيرة كانت تعشق افلام إسماعيل ياسين، أن الأخيرة كانت في صغرها فور سماعها لصوت إسماعيل ياسين ينفذ من ثنايا التلفاز كانت تركض لتجلس على الأرض و تشاهد بحماس، فحزنت و امتلأ قلبها بالحسرة على ابنتها و على تعبها في جهودها الذي ذهب هباء.

غربت الشمس و نيروز جالسة مع ميساء في غرفة الأخيرة، يخططون للخطوة التي يجب على نيروز أن تنفذها، انتهوا أخيراً من التخطيط، فنهضت نيروز و قد حملت حقيبتها لتقول بعدها لميساء
- انا سأنزل للطابق السفلي و سأنتظر اشارتك لكي اخرج من الفيلا حيث يراني عمار من نافذة مكتبه
- حسنا، انا سأذهب له الآن و لننفذ الخطة
ثم غادرا الاثنين الغرفة، فأتجهت نيروز للطابق السفلي اما ميساء لغرفة مكتب عمار.

لم يشعرا ابدا بسارة التي كانت تتصنت عليهما، فعلمت بما كانوا يخططون له، و ما ساعدها على ذلك مجلسهم القريب من الباب و صوتهم
العالي بعض الشيء.
اغلقت سارة باب غرفتها و استندت عليه و هي تبتسم بخبث و سعادة، حدقت امامها بقوة و بطريقة مخيفة، شريرة و هي تتمتم
- سأجعلكِ يا نيروز، تذهبين و لا تعودين
ثم سارت لفراشها لتلتقط هاتفها و تتصل بأحدهم.

نظر صفوان لعائشة التي تسير في إتجاهه من بعيد و هو يشعر بعدم الرضا و الانزعاج من الملابسها التي ترتديها و الآي كانت فاضحة، لكنه لم يعلق و لم يكن ينوي أن يتدخل في ذلك، فتح باب السيارة الخلفي لتصعد، ثم اغلق الباب و التف حول السيارة ليصعد هو الآخر و يأخذ مقعد السائق.
أما عائشة، فقد كانت تشعر بالرضا من ملابسها و الانتصار، فهي قد اشترطت إذ يريدونها أن تذهب للحفل، سترتدي ما تريد، فوافقت والدتها.

و زاد شعورها عندما لاحظت إنزعاج صفوان من فستانها القصير جداً و الفاضح.

ظل عمار جالس على كرسي مكتبه لفترة طويلة بعد ان رأى نيروز و هي تغادر الفيلا، و كان شارد و ايضا غاضب من الأفكار التي تراوده و من تفكيره بها.
فكر بإمتعاض، هل ستذهب لذلك المحامي الأحمق؟، كيف تجرأت أن تذهب هكذا!، و دون أن تخبره؟، ماذا يفعل؟، هل ينهض و يلحق بها لكي يوقفها بل و يوبخها ايضا!، أم يظل جالس
في مكانه لفترة أطول و الأفكار تأكل خلايا عقله!، يشعر بالحيرة.

نهض اكثر من مرة و لكنه تراجع في كل مرة نوى فيها أن يذهب ليلحق بها، ففكر انها ستعتقد انه يهتم لأمرها، و هذا كان سبب تراجعه.
اخرجته غادة من حيرته و تشتته و غضبه عندما دلفت لغرفة مكتبه و ملامح الفزع و الخوف ظاهرة على وجهها.
- عمار، والدك
نهض عمار ببطئ و حذر بعد كلماتها المرتجفة و قد عرف القلق و الذعر طريقه له.

ترجلت عائشة من السيار بعد ان فتح لها صفوان باب السيارة، قال لها الأخير بحسم و تحذير قبل ان تخطو هي خطوة واحدة.
- لا اريد أي تصرف غير لائق، لا اريد أي محاولة منكِ للهرب فهذا لن يحدث، لا اريد...
قاطعته عائشة بتقليده ولكن بنبرة متهكمة مستخفة، و اردفت بطريقة مستفزة، متحدية
- ما تريده و لا تريده لا يهمني، فإذا أردت أن أفعل شيء سأفعله رغم انفك.

ثم تركته لتدلف للقاعة، فضغط صفوان على قبضته بحنق و لكنه حاول ان يتخلص من شعوره الأخير لتمر هذه الليلة بسلام.
اغلق باب السيارة ثم لحق بها ليدخل القاعة خلفها بهيبته التي جذبت نظرات الفتيات، بل عقولهم ايضا.
ارشدها لأصحاب هذا الحفل لكي تذهب و تلقي التحية عليهم، استقبلتها ناهد بحماس و إعجاب و ذهول بعض الشيء اما زوج الأخيرة استقبلها بنظرات خبيثة قذرة، لاحظ صفوان ذلك و هي.

أيضا، لكن الأخيرة لم تهتم فهي معتادة على هذا.

ابتعدت سارة عن هذه الأجواء المضطربة التي تعم غرقة أحمد لتتحدث على الهاتف بحذر و صوت خافت
- اين انت؟
اجابها الطرف الآخر بصوته الخشن
- انا خلفها يا سيدتي
- تراجع الان و لا تنفذ ما أمرتك به، حسنا؟
- لماذا؟
استفسر الآخر، فاحتدت نبرة سارة و هي تقول
- هل تسألني لماذا!
- اسف، سأتوقف عن ملاحقتها
- جيد، اغلق الآن
ثم اغلقت الخط لتعود لداخل الغرفة و لتتوقف بجانب عمار، وضعت يدها على كتفه بلطف لتهمس له.

- لا تقلق، سيصبح بخير
نظر لها و الخوف و القلق يكسو وجهه، هز رأسه بفتور ثم عاد لينظر لوالده أحمد المستلقي على الفراش و حوله الطبيب و الممرضتان الذين يقومون بفحصه.
لا يعلم ماذا أصاب والده بظبط، فقد اتت له والدته غادة بحالتها تلك لتطلب منه أن يلحق أباه الذي أصبح يتنفس بصعوبة و جسده يرتجف بقوة مخيفة، و حتى الآن هو لا يعلم ماذا به.

و بين هذا القلق و الخوف الذي يملأ صدور الجميع هناك صدر يمتلأ بالشماتة و الإنتصار اتجاه نيروز التي لم يحالفها الحظ في هذه الخطة التي انقلبت إيجابيتها إلى سلبيات قد تحسم نهايتها
هي و عمار.
- لقد انسحبت يا نيروز، فأنتِ لا تحتاجين لأن تختفي الآن، فما ينتظرك هنا أشد قسوة مما كنت سأفعله انا بك
فكرت سارة بمكر و سعادة ماكرة، ثم عادت لتمثل الحزن على ما اصاب لأحمد، بينما في الحقيقة هي تشكر الله على هذا.

شعرت نيروز بالقلق و الريبة من الرجلان اللذان ظهرا منذ فترة وجيزة و اصبحا يلاحقانها، علمت أنهما يلاحقانها من ظلهما الذي لم يفارقاها لحظة واحدة.
فكرت أن تلتفت لتوبخهم و إذ حدث أي تصرف مريب منهم ستصرخ، و لكن قبل أن تنفذ هذه الخطوة سمعت همهمة احدى الرجلين ب -
حسناً ثم ابتعدا ظل الرجلين عنها حتى اختفيا، فألتفت لتتأكد من مغادرتهما، فتنفست براحة ثم اكملت سيرها.

اخرجت هاتفها لتتفقده و لكنها لم تجد أي اتصال أو رسالة من ميساء أو عمار، فشعرت بالأحباط و فكرت، هل فشلت خطتهما؟، فما يبدو أن عمار لم يبدي أي اهتمام للأمر لذلك لم يصلها أي شيء منه أو من ميساء.
رفعت الهاتف بلهفة و اجابت بحماس على إتصال ميساء، و لكن سرعان ما اختفى حماسها و لهفتها ليحل محلهما الذعر و القلق و يظهر على ملامح وجهها الصدمة.

ظل صفوان مستيقظا لكل حركة و تصرف تقوم به عائشة، فلم تغب عينيه عنها إلا في اللحظة
التي أتت فيها فتاة لتتحدث معه بل لتصادقه و تتقرب منه.
بينما شعرت عائشة بتوعك في معدتها فإتجهت للمرحاض حيث خرجت من القاعة لتسير في الممر وتصعد السلالم بعد ان اعلمها احدى العاملين بمكان المرحاض.

ابعد صفوان نظراته عن الفتاة الثرثارة لكي يرى عائشة، لكنه لم يجدها ففزع، دار حول نفسه باحثا عنها، ثم ترك الفتاة و هي تتحدث ليركض و يبحث عن عائشة في الأرجاء، هل هربت؟، لعن الفتاة التي شغلته عن عائشة و عن مراقبتها، فهو لا لم يجد عائشة في القاعة.
خرج من القاعة و اوقف العامل ذاته الذي اوقفته عائشة، صدفة، و سأله عنها من خلال وصفه لها، فصمت العامل لثواني ليتذكر ثم قال
- أعتقد اني رأيت فتاة مثلها
- اين؟

سأله صفوان بلهفة، فأجابه العامل
- لقد سألتني تلك الفتاة عن مكان المرحاض فأرشدها إلى مكانه
- و أين هو المرحاض؟
ارشده العامل لمكانه، فأسرع صفوان ليصعد السلالم و ليصل لمقصده خلال ثوان، توقف امام مرحاض السيدات و فكر بحيرة، كيف سيدخل؟
طرق على الباب من الخارج ثم قال بصوت مرتفع
- هل من أحد بالداخل؟، عائشة، هل انتِ بالداخل.

لم يتلقى أي إجابة، و لكن سمع صوت حركة عنيفة، فقرب رأسه ليضع اذنه بجانب الباب و ليسمع، شعر بالريبة من هذا الصوت، فهناك
صوت اشبه ببكاء مكتوم!، مد يده ليضعها على قبضة الباب و يدرها و لكن لم يفتح، فطرق الباب بقوة بعد و هو يهتف
- من في الداخل افتح الباب، هيا
سمع صوت شيء حديدي يسقط على الأرض، فلم ينتظر اكثر، ألقى بكل ثقل جسده على الباب ليكسر من الدفعة الثانية.

فتوقفت بعدها انفاسه و اتسعت مقلتيه بصدمة و هو يرى حالة عائشة مع ذلك الرجل.

في المستشفى
تم نقل أحمد بعد ان أمر الطبيب بذلك لسوء حالته الصحية و حاجته للأجهزة المتوفرة في المستشفى.
كان عمار يجوب الممر الطويل ذهبا و إيابا بقلق و توتر و خوف على والده الذي دخل غرفة العناية المركزة، لا يعلم ماذا حدث بظبط فكل شيء حدث بسرعة تكاد تفقده صوابه كلما فكر.
أما ميساء، جالسة تبكي على كتف غادة التي كانت تشاركها بدموعها، فخوفهم على أحمد و من فكرة فقدانه ترهقهم جميعاً.

نظرت سارة لعمار الذي توقف فجأة، ثم نظرت للشيء الذي ينظر له بنظرات لا يوجد بها رحمة، تمتلأ بالغضب و الحقد و الكره، فإبتسمت سارة بمكر عندما علمت سبب نظراته هذه، فقد كانت نظراته موجهة لنيروز التي كادت تركض من تعجلها للوصول لهم.
- عمي ؛ كيف حاله الآن؟
سألت نيروز عمار من بين انفاسها اللاهثة، فلم تتلقى إجابة منه، فنظرت لميساء التي نهضت فور رؤيتها لنيروز و التي اجابت على سؤال الأخيرة.

- إنه في غرفة العناية الآن
وضعت نيروز كفها على فمها بفزع ثم تقدمت لتتجه لميساء لكن عمار اوقفها حين امسك بذراعها و اعادها امامه، سألها بحدة
- لماذا اتيتِ؟، من طلب منكِ المجيء؟
أتاه الجواب من ميساء
- انا من طلبت منها ذلك يا عمار
فتابعت نيروز
- فور أن اعلمتني ميساء بما حدث لعمي أتيت سريعا
- ارهقتي نفسك، نعتذر.

قالها عمار بنبرة ساخرة، فقضبت نيروز حاجبيها بعدم فهم لسبب سخريته بل و أسلوبه اللذع الذي اكمل به حديثه.
- غادري، لا أريدك هنا معي، هيا عودي لذلك الرجل الذي تركتيه لتأتي، سيحزن منكِ، لذا عودي له هيا
دفعها بعدوانية مع كلماته الأخيرة، فعلمت ما في فكره، لذلك حاولت أن توضح له الأمر
- انا لم أكن مع رجل آخر كما تقول و أيضاً..
قاطعها بحسم
- لا اريد ان اسمع شيء منكِ، غادري
غضبت نيروز، فقالت.

- لن أغادر فأنا هنا من اجل عمي و ليس من اجلك
و اتت ان تتخطاه، فأمسكها من ذراعها لكن هذه المرة بقوة و غضب، نظر لحدقتيها بصرامة و قال بخفوت خشن
- لقد قلت غادري، هل تفهمين كلماتي أم لا!
- لا، لا أفهم
قالتها بشراسة و هي ترمقه بعناد و حسم، فتدخلت ميساء سريعا
- اهدئ يا عمار، نيروز ستغادر معي
- لن أغادر
قالتها نيروز لميساء و هي تسحب ذراعها من قبضة عمار بعنف، فتجاهلت ميساء قول نيروز و اردفت.

- سأذهب للفيلا لأحضر بعض الملابس لوالدي فهو حين يستيقظ سيحتاج لملابس لذا ستأتي نيروز معي لتساعدني
عارضت نيروز
- لا، انا سأنتظر هنا
اقتربت منها ميساء و همست بفتور
- ارجوكِ يا نيروز، تعالي معي الآن، و سنعود مرة أخرى
نظرت لها نيروز، فهزت ميساء رأسها و هي تنظر لنيروز برجاء، فخضعت نيروز و ذهبت معها.

حدق صفوان بعائشة التي كانت ملقاه على الأرض و فوقها ذلك الرجل الحقير الذي كان يرمقها بنظرات قذرة شهوانية طيلة الحفلة.
كان الوضع واضح لصفوان، فما يبدو أن الرجل كان يحاول أن يتعدي على عائشة التي كان وجهها أحمر اللون من محاولتها للصراخ لكن لا صوت يخرج، و دموعها التي ملأت وجهها و نزعت مكياجها و كحلتها، و ثيابها التي مزقت من الأطراف.

اندفع صفوان اتجاه الرجل ليركله بعنف إرتد على أثرها الأخير و قد اصطدم رأسه بقسوة بالبيدية فسالت الدماء من رأسه.
لم يهتم صفوان لما حدث للرجل فقد اسرع لجسد عائشة الهامد و جثى على ركبتيه ليرفع نصف جسدها العلوي بيد و باليد الآخر يغطي اجزاء جسدها العاري بفستانها قدر المستطاع.
تفحصها بنظراته و الذعر يملأ حدقتيه، مسح وجهها من قطرات العرق بحذر و هو يقول بصوت دافئ قلق
- هل انتِ بخير؟، هل أذاك؟

نظرت له عائشة بضعف و هي تحاول ان تمسك به و كأنها تريد ان تحتمي به.
امسكت بقميصه بقبضتها الضعيفة أثر المخدر الذي اجبرها الرجل على استتشاقه فرخى اعصابها و جعلها غير قادة على تحريك جسدها بشكل عادي أو الدفاع عن نفسها، أيضا لم تستطع الصراخ لكي ينقذها أحد.
شعر بالتعاطف و الشفقة عليها عندما لاحظ بوضوح ارتجاف جسدها و خوفها، فقد كانت هذه اول مرة يراها بتلك الحالة، كاد أن لا يصدق لولا أن حدث هذا أمام ناظريه.

لم يتردد لحظة، قربها له ليعانقها، لكي يبث لها بعض الأمان و الدفئ، فلعل خوفها يزول و ارتجاف جسدها يخف.

داخل سيارة الأجرة، كانت نيروز تعاتب ميساء
- لماذا لم تخبريه يا ميساء بالحقيقة؟ لماذا لم تقولي له ان هذه خطة هدفها إثارة غيرته لا شيء آخر، و أن لا وجود لرجل لكي اقابله
- لم استطع يا نيروز أن أخبره بشيء، فأنتِ ترين كيف الوضع و ايضا هو لن يستمع لي و لا لأحد الآن، لذلك يجب أن ننتظر إلى أن ينهض والدي بالسلامة و تزول هذه الأزمة.

صمتت نيروز لثوان تفكر، ثم اومأت برأسها و هي تهمهم بتفهم، و بعدها ساد الصمت إلى أن وصلوا للفيلا.

في فيلا صفا
كانت صفا تعاتب صفوان على عدم حمايته لعائشة، لإهماله للأخيرة فإذ كان مهتم بها، إذ كان اعتنى بها كما يجب و لم يجعلها تغب عن ناظريه للحظة لما كان هذا حدث لأبنتها.
في حين كان صفوان يتلقى كلمات صفا و هو منكس الرأس، يشعر بالذنب و الغضب من نفسه، فكان يجب أن يكون يقظ، لم يكن يجدر به أن يجعل تلك الفتاة تلهيه عن عمله.

- الحمدالله انه لم يصيبها بأذى، و هذا ما سيجعلني اغفر لك يا صفوان، فأنا لم أكن أتوقع هذا الإهمال منك انت
كانت هذه كلمات صفا بعد ان صمتت قليلاً، و اردفت بجدية
- انت تعلم مكانتك لدي، فأنت تعمل لدي منذ زمن ليس بالقليل لذلك اعتمد عليك أكثر من
غيرك، لذا أتمنى أن لا تتغير مكانتك
انهت صفا كلماتها ثم غادرت، فألتفت صفوان لينظر لغرفة عائشة، فتنهد بعمق ثم غادر.

بينما داخل الغرفة، كانت عائشة مستلقية على السرير نائمة تحت تأثير المنوم الذي اعطاها اياه الطبيب.
لم تكن تنعم بنوم مسلام، فالزكريات كانت تهاجم عقلها من كل الجهات كالوحوش التي تنهش لحم فريستها.

ذكريات دنيئة، قاسية لا تحبذ تذكرها، و لكن حادث اليوم ذكرها بها، ذكرها بكل يوم قضته في السبع سنوات التي مضت و كم عانت في كل الدقيقة كانت تمر عليها، رغم ذلك كانت قوية جداً كالقطة الشرسة التي لا ترحم من يقترب لأطفالها، هي كانت كذلك في حين إذ حاول احدهم الاقتراب منها.
أما اليوم ذلك الرجل الحقير ذكرها باليوم الذي كان سيكون نقطة سوداء في حياتها، باليوم الذي كان سيضيع فيها مستقبلها بالكامل!

معاناتها تزداد مع كل دقيقة تمر عليها و هي تحت تأثير المنوم الذي يرغمها على أن تخضع لهذه الذكريات التي تهلكها بالكامل.

ظلت كلا من نيروز و ميساء في الفيلا، لم يذهبوا للمستشفى مرة أخرى، و هذا انصياعا لكلام عمار الذي ظل هو سارة و غادة مع أحمد منتظرين الأخبار الإيجابية من الطبيب.
شعرت نيروز بالضيق و الغيرة من قراره في إبقاءها بعيدة عنه في هذا الوقت الحرج و أبقاء سارة بالقرب منه، و من المعروف أنه يجب أن تكون هي مكان سارة، و ليس العكس كما فعل
هو.

و ايضا ميساء شعرت بالضيق و الإنزعاج من قراره فهي كانت تريد أن تبقى بجانب والدتها لتساندها و أن تكون معهم في تلقي الخبر سواء سيء أو جيد، مع أنها تتمنى الأخير فقط.
لكن شعورهم لا يهم عمار، فما به يكفيه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة