قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الخامس

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الخامس

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الخامس

الوقت الحالي
نهضت نيروز و إتجهت لعمار بخطوات غاضبة و قالت بحزم
- اريد المغادرة، الآن
التفتت عمار و نظر لها و قال
- لم انتهي بعد.

و من ثم التفت ليكمل حديثه مع ابنة إحدى رجال الأعمال، بينما كانت تنظر لهم نيروز بغيظ و غيرة، كم تشعر بالغضب الآن لذلك، التفتت و ابتعدت و هي تنازع دموعها التي خانتها و سالت على وجنتيها فور خروجها من القاعة، سارت قليلا حتى وصلت لحديقة قريبة من موقع الحفل، جلست على الأرجوحة بوهن و هي تمسح وجنتيها من الدموع، اراحت رأسها على ذراع الأرجوحة و هي تنظر للسماء بحزن بينما حدثت نفسها بصوت مسموع.

- صدقا اشعر بالألم من معاملته الباردة لي، لا أعتقد أن هذا عمار
تنهدت و تابعت بإحباط
- عمتي كانت صادقة، لم يكن يجدر بي أن أتحمس كثيرا لكي لا أصاب بخيبة و حزن كالآن
سالت دمعة حارة على وجنتها و هي تتابع بألم
- اشعر الآن اني عدت لثلاث اعوام ماضية، تلك الأيام التي كنت أشعر بها بالوحدة و الحزن و الخيبة من تصرفات والدي، أنا الآن اشعر بضِعف ما كنت أشعر به مسبقا
وضعت كفها على قلبها و اردفت.

- اشعر بألم هنا، أشعر بأن قلبي ينفطر من الألم بسبب كل شيء يتعلق به
مدت يدها و مسحت دموعها و هي تضحك بحزن و تقول
- كم انا غبية، ابكي الآن و انا مازلت باليوم الثاني معه، يجب أن أصبح قوية و عنيدة و أن اتحلى بالصبر
نهضت و هي تمسح آثار دموعها جيدا و سارت
لخارج الحديقة و من ثم توقفت و أخفضت رأسها و هي تبتسم بمرارة
- يبدو اني أحتاج لعناق لكي يمنحني القوة.

مسحت دموعها مرة أخرى و هي ترفع رأسها، فوجدته يقف امامها، نظرت له بهدوء بينما قال عمار
- ماذا تفعلين هنا؟
ظلت صامتة و هي تحدق به لبرهه، و من ثم إبتسمت بهدوء و قالت
- اسمح لي ان اعانقك
- ماذا؟!
انهت جملتها و اقتربت منه لتقطع المسافة التي بينهم و تعانقه بهدوء، دفنت رأسها في صدره أكثر لتشم رائحته التي اشتاقت لها بجنون، إبتسمت بإستمتاع و قد تملكها الحنين له، فهمست
- اشتقت لك، كثيرا.

كان عمار هادئ، فلم يصدر أي رد فعل منه، و هي لم تنتظر.

اليوم التالي
في فيلا أحمد فريد
في غرفة الطعام
- صباح الخير
قالتها نيروز و هي تجلس في مقعدها بهدوء، بينما لم يجيبها أحد، فنظرت لغادة التي كانت تنظر لها بضيق فتجاهلت ذلك و نقلت نظراتها لعمار الذي كان منشغل بقراءة الجريدة، فظلت تحدق به بإعجاب.
- عمار، هيا اترك ما بيدك لتأكل فطورك قبل
ان تغادر
قالتها غادة، فطبق عمار الجريدة و وضعها جانبا و قال و هو يبتسم
- حسنا يا سيدتي.

ثم بدأ ثلاثتهم في تناول طعام الفطور.
- عمار، أريد منك أن تفرغ يوم لي
قالتها نيروز بعد صمت طويل، فنظر لها عمار و قال
- لماذا؟
- لكي أقوم بالشيء الذي أتيت من أجله إلى هنا
- لا استطيع إلغاء عملي أو تأجيله لافرغ لكِ يوم
- هل تقصد أن ما أريد أن أقوم به معك ليس مهما!
قالتها و هي تقضب جبينها، فنظر امامه و هو يلتقط قدح القهوة بينما قال ببرود
- نعم
احتسى القليل من القهوة، ثم نظر لها و اردف.

- فكما أخبرتك سابقا انا لا اعتبرك زوجتي، و سأخبرها الآن اني لا اكترث لأمر تذكرك
توقف الطعام في حلقها فسعلت، التقطت كوب الماء سريعا و احتسته، ثم نظرت له و قالت بجدية
- أعلم انك لا تعتبرني زوجتك ولكن هذه حقيقة، و ايضا انا اعذرك في أمر انك لا تكترث لأمري كثيرا و هذا لسبب اني لم أعد قريبة منك كالسابق، و لكن شعورك هذا سيتغير سريعا حين تتذكر، لذلك حاول ان تساعدني و...
قاطعها بثبات.

- لا احتاج لعذرك، فهذا لا يهمني، حقا
- ماذا؟
قالتها ببلاهة، بينما نهض عمار و قال بهدوء لغادة
- سأغادر الأن
انهى جملته و غادر، متجاهلا نيروز تماما، بينما نقلت غادة نظراتها لنيروز و قالت بسخرية
- هل تأكدتي؟، هو لا يهتم بكِ يا عزيزتي المسكينة، لذلك غادري
قالت الأخيرة بحسم و من ثم نهضت و غادرت، فألقت نيروز بالملعقة بضيق و من ثم نهضت و صعدت لغرفتها لتأخذ حقيبتها و تغادر الفيلا.

بعد مرور بعض الوقت
توقفت نيروز امام منزل عائلتها و طرقت الباب بعد تردد كبير، و لكن لا يوجد إجابة، فطرقت مرة آخرى و بعد ثواني فتحت لها والدتها.
- امي!
قالتها نيروز بقلق عندما رأت حالة والدتها، فقد كان وجهها شاحب و قطرات العرق تسيل ببطء على وجهها حتى عنقها، اقتربت منها نيروز بفزع و قالت
- ما بك يا امي؟، هل انتِ مريضة؟
ومدت كفها لجبين والدتها و تابعت بفزع
- حرارتك مرتفعة يا أمي.

ابعدت والدتها يد نيروز بوهن و قالت بصوت يكاد يسمع
- لماذا اتيتي!، غادري
- انتِ مريضة، دعيني اساعدك
- لا
قالتها والدتها و هي تتراجع للخلف، و فجأة سقطت على الأرض فاقدة الوعي، فشهقت نيروز بفزع و هي تجث على ركبتيها و هي تهتف بصوت عالي ممتلأ بالخوف
- ساعدوني، أحتاج مساعدة، ارجوكم.

في المستشفى
كانت نيروز جالسة على الكرسي و هي تنتظر خروج الطبيب ليطمأنها على والدتها، اخرجت هاتفها من حقيبتها عندما تعالى صوت رنينه، فكانت عمتها اسماء، فأجابت و أخبرتها عما حدث، فقالت اسماء بقلق
- الآن، هل والدتكِ بخير؟
- انتظر خروج الطبيب من غرفتها، انا خائفة يا عمتي
- لا تخافي يا عزيزتي، ستصبح بخير
- أتمنى ذلك
خرج الطبيب من الغرفة التي تمكث بها والدتها،
فنهضت نيروز بسرعة و اقتربت منه بلهفة و سألته.

- ها، هل امي بخير؟
- والدتك بخير لا تقلقي
- إذا لماذا سقطت فاقدة الوعي؟، و لماذا كانت حرارتها مرتفعة؟
- لأنها تعاني من الحمى و ما يبدو أنها لم تأخذ أي دواء، لذلك اشتدت إصابتها و ايضا جسدها ضعيف جدا
هزت نيروز رأسها بتفهم و قالت
- هل استطيع رؤيتها؟
- بالتأكيد
إبتسمت بإمتنان و تمتمت
- شكرا لك
و من ثم إتجهت لغرفة والدتها و لكنها لم تدخلها لكي تضع الهاتف على اذنها و تقول
- اسفة يا عمتي، لقد تركتك على الخط.

- لا يهم، ها اخبريني، كيف والدتكِ الان؟
- هي الآن بخير، فقط تحتاج لبعض العناية فهي قد اصيبت بالحمى و جسدها ضعيف جدا
- حسنا، اذهبي و اهتمي بها، سأغلق
- حسنا
و من ثم انهت المكالمة، و بحثت عن رقم عمار لتتصل به للمرة الخامسة، فقد اتصلت به فور وصولها للمستشفى ولكنه لم يجيب على أي اتصال ورد منها، و ها هو الان، لا يجيب، تنهدت بآسى قبل ان تلتفت لتدلف لوالدتها.

- هل انتِ سعيدة الان؟، فلقد جعلتيني اقلق عليكي، كدت ابكي
قالتها نيروز بعتاب و هي تجلس على الكرسي المجاور للسرير، فنظرت لها والدتها بطرف عينيها و قالت بثبات
- لم أكن أحتاج لمساعدتك
تجاهلت نيروز قول والدتها و قالت يضيق
- لماذا لا تهتمين بصحتك يا امي؟، فالطبيب أخبرني أن جسدك ضعيف جدا
- هذا شيء لا يعنيكي
- بل يعنيني، فأنتِ امي
نظرت لها والدتها بسخرية و قالت
- امك!، منذ متى؟
- منذ أن انجبتيني لهذه الحياة.

أشاحت والدتها بوجهها و ساد الصمت إلى حين قطعته والدة نيروز بحزن حاولت إخفائه
- ياليتك تذكرتي أني أمك قبل ان تختاري آخر
اخفضت نيروز رأسها و هي تبلع لعابها و قالت بهدوء
- انا لم اختار آخر يا أمي، انا اخترته أمام ابي فقط، ولكني لم اختاره أمامك ابدا
إبتسمت والدتها بتهكم و قالت بإنفعال و هي تلتفت بوجهها لتنظر لنيروز
- في حين اختيارك له، هذا يعني انك تخليتي عن عائلتك، عن امك و أخيك و والدك.

- لم اتخلى عنكِ انتِ ولا أخي
قالتها نيروز بإنفعال، و تابعت
- بل انتِ التي تخليتي عني بسبب خوفك من والدي، لم تساعديني ابدا..
- أصبحت انا الان المذنبة، صحيح!
قالتها والدتها و هي تبتسم بسخرية، فقالت نيروز بهدوء
- لا يوجد أي مذنب الآن، المذنب الوحيد كان أبي و هو الآن ليس موجود
تنفست والدتها بعمق و من ثم التفتت لتنظر امامها، طبقت جفونها و قالت
- غادري، رجاءا
- لن أغادر.

و من ثم نهضت و خلعت حذائها لتصعد و تستلقي بجانب والدتها و تعانقها و هي تقول
- لا تمانعي في هذا، ارجوكي، فأنا أحتاجه و بشدة
و من ثم طبقت جفونها و تابعت بصوت يمتلأ بالحنين وهي ترسم على شفتيها إبتسامة صغيرة
- كم اشتقت لهذا الدفئ، صدقا
نظرت لها والدتها من فوق و إبتسمت.

بدأ الليل يسدل ستائره
دلفت نيروز لمنزل عائلتها و هي تساند والدتها، اجلست والدتها على السرير، فقالت الأخيرة
- هيا غادري
- سأصنع لك الحساء، و من ثم اغادر
قالتها نيروز قبل ان تلتفت و تغادر الغرفة لتتجه للمطبخ.
انتهت من طهي الحساء و وضعت لوالدتها البعض و جعلتها تحتسيه.
- سأتي غدا لأطمئن عليكي
قالتها نيروز و هي تلتقط حقيبتها، فقالت والدتها
- لا تأتي
- بل سأتي
قالتها نيروز بعناد، فقالت والدتها.

- حسنا، تعالي و لن افتح لك
إبتسمت نيروز و قالت
- حسنا، سأتي و سأقف أمام بابك، فهذا يكفيني، سأغادر
و من ثم التفتت و غادرت، و فور خروجها أخرجت هاتفها لترى هل من اتصالات فائتة، و
لكنها لم تجد، فشعرت بالإحباط، خرجت من المبنى و اوقفت سيارة أجرة و صعدتها و اعطته العنوان، و من ثم اتصلت بأخيها صفوان
- ايها الحقير، الآخرق.

قالتها نيروز بإنفعال و صوت مرتفع، فنظر لها السائق بدهشة فشعرت بالخجل فقامت بإخفاض صوتها و اردفت
- متى ستعود إلى هنا؟
- قريبا، لماذا تسألين؟
قالها صفوان، فقالت
- اسأل لأني خائفة على والدتنا، هي تحتاج لأحدنا أن يصبح بجانبها
- هل أصابها مكروه؟
- نعم
و من ثم قصت له ما حدث، و اردفت
- هي لا تريدني بجانبها، لذلك أريدك أن تعود
لتصبح معها، إلى أن تسامحني.

- سأعود قريبا، فالمرأة التي أقوم بحراستها تريد أن تعيش في البلدة التي تمكث بها ابنتها الحقيرة
ضحكت نيروز و قالت
- هل انت تسميها هكذا؟، الحقيرة!
- نعم، فهي حقيرة فقد تركت والدتها المسنة بمفردها
- و انت حقير مثلها، فقد تركت والدتك
قالتها نيروز بمزاح، بينما غضب صفوان و قال
بحدة
- انا لم اترك والدتي للأبد و لم اتخلى عنها، انا فقط سافرت لكي اعمل لأجني المال، بعكس الأخرى التي تخلت عن والدتها.

- حسنا حسنا، لقد كنت امزح
- سأغلق لكي اتصل بوالدتنا
قالها صفوان بجدية، فقالت نيروز قبل ان تغلق
- حسنا، وداعا.

في فيلا أحمد فريد
اقتحمت نيروز غرفة عمار بغضب ففزع الاخير و نهض و هو يقول بحدة
- هل هذه طريقة يدخل بها الناس لغرف الاخرين؟
فأجابت نيروز بحدة و شراسة و هي تقف امامه
- نعم هذه طريقتي مع امثالك
و اردفت
- الم ترى اتصالاتي؟، لماذا لم تجيب؟
وضع كفيه في جيوب بنطاله و اجاب ببرود
- نعم رأيتها و تجاهلتها
- لماذا؟
- كنت منشغل.

- حتى إن كنت كذلك، فأنا زوجتك و كان من المفترض أن تجيب على اتصالي، هل تعرف كم مرة اتصلت بك؟
- خمسة
- الم تفكر في ان اتصالي بك قد يكون لأمر مهم!
- لم أفكر بذلك
شعرت بالضيق و القهر من ردوده الباردة، فأنفعلت و قالت
- لماذا لم تفكر؟ و لماذا لم تجيب؟، هل لهذه الدرجة انا لا أهمك، حتى ان كنت كذلك، كان من المفترض عليك ان تقلق علي لأني تأخرت.

التزم الصمت و هو يلتفت ليجلس على فراشه، فرمقته بغضب قبل ان تلتفت و تتجه للباب، و لكنها توقفت قبل ان تصل للأخير و التفتت له
مرة أخرى و قالت ببطء و هي تبتسمم
- الا تريد أن تعرف لماذا اتصلت بك؟
نظر لها و صمت، فتنفست بعمق و قالت
- لا تهتم
و من ثم التفتت و غادرت غرفته.

اليوم التالي
دلفت نيروز لغرفة الطعام وجلست في مقعدها و هي تنظر بحنق لسارة و عمار الذين كانوا يتحدثون، و لم يلاحظوا دخولها، فسعلت بخفة لتجذب انتباههم، فنظرت لها سارة و إبتسمت و هي تقول
- نيروز، كيف حالك؟
- بخير
قالتها نيروز بإقتضاب، و من ثم اردفت بتساؤل
- اين عمتي؟
- لن تأكل معنا
قالها عمار، فسألته نيروز
- لماذا؟
صمت و لم يجيبها، بينما اجابت سارة بدلا عنه
- عمتي تتناول طعام الفطور مع عمي أحمد في غرفته.

نظر لها عمار بضيق، فقالت له سارة بلطف
- إنها زوجتك و لا بأس إذ علمت
رفعت نيروز حاجبها بضيق و نظرت لعمار و قالت بتهكم
- لا بأس، فأنا زوجتك
و من ثم ضحكت بإستخفاف و بدأت في تناول طعامها.

خرجت نيروز من غرفتها و هي تحمل حقيبتها و تضع هاتفها على اذنها، فقد كانت تحدث اسماء
- الآن سأذهب لأمي لأطمئن عليها، عندما أعود سأهاتفك، حسنا؟
- حسنا يا عزيزتي، أوصلي لوالدتك سلامي
- سيصل، وداعا
انهت نيروز المكالمة و اعادت الهاتف لحقيبتها، توقفت قبل ان تنزل السلالم و اوقفت إحدى الخادمات و لتسألها
- عذارا، اين غرفة السيد احمد؟

اشارت لها الخادمة على الغرفة و غادرت، فإتجهت نيروز لغرفته و توقفت امامها، وضعت يدها على قبضة الباب و برمتها، توقفت و هي تنظر لهذا الرجل الذي احتل الشعر الأبيض رأسه و التجاعيد التي ملأت وجهه، بينما نظر هو لها
بذهول، اقتربت منه و هي ترسم على شفتيها إبتسامتها المشرقة و جلست عل الكرسي المجاور لسريره، و قالت
- كم اشتقت لك يا عمي
إبتسم بعذوبة، بينما اردفت
- اسفة لعدم زيارتي لك سابقا.

فرمش بعينيه عدة مرات ليخبرها انه لا بأس، فمدت يدها و امسكت بيده و قالت بمرح
- اتعلم، انت قد أصبحت أجمل عندما كبرت، هذه المرة الأولى التي أرى بها رجل عجوز جذاب هكذا
ضحكت مع كلماتها الأخيرة، فإتسعت إبتسامة أحمد، فظلت تنظر له لبرهه و من ثم قالت بحزن
- اتعلم يا عمي، انت الوحيد الذي مازلت تبتسم لي، و هذا أسعدني، انا ممتنة لك
شعرت بضغطة يده الضعيفة، فتنهدت بعمق و قالت و هي تبتسم مرة أخرى.

- سأتحمل، لن استسلم، لا تقلق
نظر لها بإمتنان، فنهضت و قبلت جبينه و قالت
- سأغادر الأن، و سأعود قريبا لزيارتك
رمش بعينيه مرة واحدة ليعلمها بموافقته، فأومأت نيروز برأسها و غادرت.

بدأ الليل يسدل ستائره
في فيلا أحمد فريد
كانت نيروز تتحدث مع اسماء على الهاتف و هي تقف في الشرفة، تسند مرفقيها على السور و تنظر للسماء بشرود بينما كانت تقول
- اشعر ان وجودي في حياة عمار ليست
بضرورية، فأنا لا القاه إلا صباحا على طاولة الفطور و مساءا احيانا، و حديثنا ضئيل جدا، فأخبريني يا عمتي ما ضرورة وجودي هنا، فما يبدو أنه لا يريد تذكري
- عودي إلي، إلى فرنسا يا نيروز.

- لا استطيع ان اعود و أتركه، فهذا حب حياتي يا عمتي و زوجي، كيف لي أن أتركه مرة اخرى؟
- انتِ لم تتركيه في البداية بدون سبب
- نعم تركته لخيانته لي، و لكن رغم دلك لا استطيع الابتعاد عنه، و لا يوجد أي عاقبة أمامنا إلا ذاكرته
صمتت عمتها لبرهه قبل ان تقول
- أفعلي ما تشائين، و لكنك تعلمين اني لا أشجع عودتك له، انا فقط أقف معك و ادعمك لاني أتمنى أن تسعدي في النهاية، مع اني لا أظن
هذا
إبتسمت نيروز و قالت.

- تعلمين اني أحبك يا عمتي، صحيح؟
ضحكت اسماء و قالت
- اعلم يا عزيزتي، و انا ايضا، أحبك
و من ثم اردفت
- لقد نسيتي يا نيروز ان تخبريني ماذا فعلت مع والدتك اليوم؟
- صحيح، لقد نسيت، لقد ذهبت لها اليوم، في البداية لم تود أن تفتح لي و لكنها عندما رأتني جالسة على السلم في انتظارها فتحت لي و ادخلتني، فأعدت لها الطعام و جعلتنها تتناوله و من ثم طردت
قالت نيروز الأخيرة و هي تضحك، ثم أصبحوا يتحدثون عن أمور عدة.

بينما في الشرفة المجاورة، كان عمار يستند
بجسده على الحائط، يضع كفيه في جيوب بنطاله و هو يستمع لحديث نيروز بملامح وجه هادئة.

اليوم التالي
تسللت أشعة الشمس لغرفة نيروز لتجعلها تفتح عينيها بإنزعاج، مسحت وجهها بكفها و من ثم وضعت الغطاء على رأسها و ما لبثت ان ابعدته عندما سمعت صوت عمار
- إلى متى ستظلين نائمة؟
اعتدلت سريعا و هي تحدق به بذهول، تمتمت
- عمار!، ماذا تفعل هنا؟
نهض عمار من على الاريكة و قال بهدوء
- انهضي و اغتسلي و من ثم اتبعيني للمكتب، لا
تتأخري.

انهى جملته و إتجه للباب و غادر، فحكت نيروز جبينها بحيرة، فماذا يريد منها؟، إرتسمت على شفتيها إبتسامة سعيدة عندما استنتجت انه يريد التحدث معها، نهضت بحماس و إتجهت للمرحاض.
بعد مرور فترة وجيزة
دلفت نيروز لغرفة مكتب عمار و جلست على الكرسي المقابل له، و قالت
- هل تأخرت؟
رفع نظراته عن الأوراق الذي يمسك بها و نظر لها و قال
- لا
اعاد الأوراق للملف و وضعه جانبا و من ثم قال بجدية
- اريد ان اتحدث معك بوضوح.

- بشأن ماذا؟
- بشأنكِ
نظرت له بإستغراب و قالت بذهول
- بشأني انا!
صمت لبرهه قبل ان يقول بهدوء
- اريدك ان تغادري
- ماذا؟
قالتها ببلاهه، فقال
- كما سمعتي
بلعت لعابها بصعوبة و سألته بخفوت
- لماذا؟
- لأكون صادقا، انا لا اريد تذكرك فوجودك لا يهمني، و ايضا والدتي لا تشعر بالراحة بوجودك، لذلك غادري و عودي للمكان الذي اتيتي منه، و ورقة طلاقك ستصلك
سقط فكها بصدمة و عدم تصديق مما يقوله،
هزت رأسها بعنف و قالت.

- ما هذا الذي تقوله؟
- سأعطيكي مهلة ليوم
انهى جملته و نهض، فنهضت هي الآخرى و قالت
- انا لا اريد الطلاق
نظر لها بجمود و قال
- اعتقد ان ليس هنا فارق بين زواجنا و طلاقنا
اقتربت منه بخطوات سريعة لتقف امامه و تقول
- حاليا فقط لا يوجد فارق، و لكن عندما تعود لك ذاكر...
قاطهعا بقسوة.

- الا تفهمين؟، انا لا اريد ان اتذكرك، انا لا اريدك ان تصبحي جزءاً من حياتي، لا أريدك أن تصبحي زوجتي، لا اريدك أي شيء في حياتي، لذلك، غادري
صدمت من كلماته القاسية التي جعلت دموعها تتجمع اسفل جفونها، تمتمت بصوت متهدج
- لا استطيع المغادرة، فأنا أحبك و انت زوجي
زفر بضيق و قال بعدم إكتراث
- لا أهتم بحبك، و سأطلقك قريبا لكي أصبح شخصاً غريبا عنك.

ضحكت بعدم تصديق في حين دموعها سالت على وجنتيها رغما عنها، تراجعت للخلف بضع خطوات و قالت و هي تهز رأسها بالرفض
- لا، هذا ليس انت، بالتأكيد انت لست عمار
نظر لها ببرود و اقترب منها ليقف امامها و يقول بطريقة لا تألفها منه
- نعم هذا ليس انا، بفضلك
حدقت به و تابعته بنظراتها و هو يتخطاها و يغادر، جلست على الأرض بإهمال و ظلت تنظر امامها بجمود و فجأة بدأت في الضحك
لتتحول ضحكاتها لشهقات بكائها المرير.

بعد أن غادر عمار غرفة المكتب إتجه لغرفة غادة و دخلها بعد ان طرق الباب، فوجدها تتحدث على الهاتف، و لكن فور رؤية غادة له همست له
- ميساء معي، تريد محادثتها؟
هز رأسه بالرفض و من ثم التفت و غادر.

بعد مرور بعض الوقت
دلفت نيروز لغرفتها و إتجهت للخزانة و فتحتها لتخرج حقيبتها و تضعها على الفراش و من ثم تعود لتخرج ملابسها من الخزانة و تضعها بداخل الحقيبة، توقفت نيروز عما كانت تفعله و جلست على فراشها بإستياء، تنهدت بعمق و هي
تمسح وجهها بعنف، التقطت هاتفها من جانبها بعد ان تعالى صوت رنينه و اجابت على اسماء بجمود
- ماذا يا عمتي؟
- ماذا بكِ.

قالتها اسماء عندما شعرت بغرابة صوت نيروز، فأجابت نيروز و قد تهدج صوتها
- كان ظنك صحيح
- ماذا؟
قالتها اسماء بعدم فهم، فقالت نيروز
- انا الان أقوم بحزم حقيبتي
- لماذا؟
- لاني سأغادر
- ستغادرين؟، لماذا؟
قالتها اسماء بإستغراب، فلم تستطيع نيروز الحديث أكثر، فقالت
- عمتي، سأغلق الآن و سأحادثك لاحقا.

لم تنتظر نيروز رد اسماء، فقد اغلقت الخط سريعا، القت الهاتف بجانبها و نهضت لتكمل ما كانت تفعله ولكن رنين هاتفها منعها، فألتقطته بضيق و اجابت دون أن ترى من المتصل
- لقد اخبرتكِ يا عمتي اني سأحادثك لاحقا
قالتها نيروز بنفاذ صبر، و من ثم صمتت و هي تستمع لصوت الفتاة التي تحدثها من الطرف الآخر.
- لماذا تصرخين أيتها الفتاة البائسة!
- ميساء!
قالتها نيروز بعدم تصديق، فضحكت ميساء و قالت.

- كيف حالك يا نيروز، اتعلمين كم اشتقت لكِ!
ارتسمت السعادة في حدقتي نيروز و هي تقول
- ميس، كم اشتقت لكِ يا عزيزتي
- انا أكثر، لقد علمت اليوم بعودتك، سعدت كثيرا
إبتسمت نيروز بحزن، بينما اردفت ميساء
- صحيح، لا أريدك أن تحزني من تصرفات امي معكِ، هي فقط تشعر بالحزين و الآسى منك، هي فترة و ستعود كما كانت
- اتمنى ذلك
- اخبريني، كيف يعاملك اخي الشقي؟
قالتها ميساء بخبث، فإبتسمت نيروز بتهكم و قالت.

- جيد جداً، لدرجة أنه يريدني أن اغادر
- ماذا؟
قالتها ميساء بذهول، فقالت نيروز بمرارة
- كما قلت لكِ، يريد مني ان اغادر و ابتعد عنه و عن حياته، فهو لا يريدني أن أصبح أي شيء بالنسبة له، هو لا يريد أن يتذكرني حتى
- لا يريد أن يتذكرك؟، كيف هذا؟
قالتها ميساء بحيرة و اردفت
- هل هناك شيء لا اعلمه؟
- الا تعلمين أن عمار فاقد ذاكرته؟
- ماذا؟، هل فقدها مرة أخرى!

هتفت بها ميساء بصدمة، فقضبت نيروز جبينها و قالت بإستغراب
- مرة أخرى!
- نعم، فبعد تركك لعمار بفترة وجيزة تعرض عمار لحادث أدى إلى فقدانه لذاكرته لفترة قصيرة و من ثم عادت له، و لكن لا أحد يعلم بأمر فقدانه لذاكرته غيري انا و سارة
ساد الصمت لدقيقة كاملة من الطرفين، فقطعته ميساء فجأة
- نيروز
- ماذا؟
ضحكت ميساء و هي تقول
- يبدو أن عمار يتلاعب بكم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة