قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الخامس والعشرون

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الخامس والعشرون

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الخامس والعشرون

حاولت إخراج نفسها من هول الصدمة، و جاهدت في إخرج نبرتها متماسكة دون انكسارات في حروفها
- حمداً لله على سلامتك
كلماتها البسيطة و المسالمة جعلت الألم يسير بداخله اضعاف اضعافه بلا سبب، أشاح بنظراته التي تلألأت الدموع فيهما و هو يشعر بأنه يمزق من الداخل، فرؤيتها له بهذه الحالة تؤلمه، بل تقتله.
هتف عمار بحدة بالرغم من لمحة الإرهاق المصوبة في نبرته
- لماذا اتيتِ؟، غادري، لا اريد رؤيتك.

بلعت نيروز لعابها بتوتر قبل أن تقول بخفوت
- أتيت لرؤيتك، لأطمأن عليك
- و هل اطمأنيتي!
سخر بمرارة و هو ينظر لها، بينما تجمعت الدموع في حدقتي نيروز و هي تحدق به بحزن، صمتت لثواني ثم سألته بخفوت و ريبة
- هل حدث هذا بسببِ؟، هل عاد بغضك إتجاهي؟
صمت، و لم يكن ينوي على أن يجيبها برغم أن الجواب كان جاهز على طرف لسانه، فهو لا يحملها ذنب ما حدث له و ما أصابه الان.
اردفت نيروز معتذرة
- بكل الأحوال، انا اسفة.

اغضبه اعتذارها، فهل اعتذارها شفقة!، هو قد اعتبره ذلك، ظهر غضبه و نفوره في حدقتيه و هو يحدق بها، تقدمت نيروز بخطوات مترددة
لتقف بجانب فراشه، ظلت محدقة به لدقيقة كاملة قبل ان تخرج تنهيدة عميقة من بين شفتيها، تقدمت مرة أخرى و جلست على الفراش بجانبه، قالت بعتاب و مشاعر جياشة جانب دموعها التي انهمرت على وجنتيها بعجز.

- لماذا انت تسكنني بهذه الطريقة الموحشة!، لماذا روحي لا تريد أن تتخلص من رورحك؟، لماذا أرغب في ان اتألم بقربك، هل أصبحت عاشقة لقسوتك؟
و اردفت بحروف تنطق بها في أمل و هي تنظر له بحدقتيها التي تلمع ببريق التطلع
- اريد ان نعود، مازال امامنا ايام كثيرة لنعيشها معا، أيام نستطيع بها أن نعوض كل لحظة مرت و نحن بعيدين عن بعضنا، ايام ستنسينا كل ذلك العذاب الذي عشناه
امسكت يده و تابعت و هي ترسم إبتسامة صغيرة.

على محياها
- اريد ان أقف معك الآن، كان يجب أن أفعل ذلك سابقا لكن اعذر غبائي
سحب يده بعدوانية من بين يديها و قال بسخرية لاذعة
- تريدين ان نعود الآن؟ و بحالتي هذه!
و اردف بخشونة
- هل تعتقدين اني لا أعلم لماذا تريدين هذا؟، انا اعلم انكِ تشعرين الآن بالشفقة علي، لكن لأخبرك، انا لا أحتاج لشفقتك
عاتبته بنظراتها على ظنه السيء، و صمتت للحظات قبل ان تقول بنبرة حزينة هادئة.

- هل تعتقد حقا اني اشعر بالشفقة عليك!، و هل سأعود لك إذ كنت مهتمة بحالتك!
تابعت و هي تخفض رأسها بآسى
- انا الان اشعر بالشفقة على كلينا، على
علاقتنا التي تدمرت، و أحاول الآن أن استرجعها، حاولت سابقا و فشلت و عندما أتيحت أمامنا فرصة العودة انا قد هربت، لذا اريد ان أنجح هذه المرة، انا لن اتخلى عنك.

قالت كلماتها الأخيرة و هي تنظر له بعمق، هز عمار رأسه رافضاً لما تقول، فاستاءت هي و تألمت حين قال هو كلماته المحبطة
- لقد فات الأوان الآن، لذا لا تحاولي النجاح، فأنا لن أرضى بذلك
- ألم تعد ترغب بي حقا؟!
قالتها بألم و هي تشعر أن بصيص الأمل الذي بداخلها يتلاشى، نظر عمار لها مطولا معاتبا لها على سؤالها السخيف، حبس انفاسه و اشتدت قبضته على جانبه و هو يكذب
- نعم
ادركت انه يكذب من تناقض اجابته مع نظراته،.

لذا تمسكت بما داخلها من أمل، لن تصدقه، لن تستسلم.
تغيرت ملامح وجهها للقلق و الفزع حين رأت تغير ملامح وجهه و التأوهات التي تخرج من بين شفتيه بخفوت، نهضت و سألته بلهفة و قلق
- ماذا بك؟، هل تتألم؟، هل استدعي الطبيب؟
أتاها صوته الخافت المتألم و هو يضغط على جفونه بقوة
- غادري فقط
ظلت واقفة حائرة، اتنفذ طلبه و تغادر أم تبقى؟، قال و هو يلهث
- رجاءً.

تراجعت للخلف و هي تتألم لألمه، ستغادر، فهي تعتقد أنها تفهمه، فهو لا يريدها أن تراه و هو متعب، و هو يتألم، لذا خضعت لرغبته حتى لا تضغط عليه و تصعب الأمور.
خرجت من الغرفة و اغلقت الباب خلفها، نظرت لها كلا من غادة و اسماء اللتان كانا يتحدثان قبل خروجها، سألتها الأخيرة و هي تنهض
- هل انتهيتم؟
تقدمت منهم نيروز و هي تجيب ببكاء خفيف
- انه يتألم، أعتقد أنه يحتاج للطبيب
نهضت غادة بفزع و سألت
- ما به؟

- لا أعلم، لم يجيبني، فقط طلب مني المغادرة
- سأذهب للطبيب
تمتمت غادة و هي تبتعد عنهم لتذهب لتستدعي الطبيب، بينما جلست نيروز و انحنت لتسند مرفقيها على فخذيها و لتخفي وجهها بكفيها و هي تقول من بين شهقاتها التي تعالت فجأة
- يا الله، كم هذا مؤلم، لا اعلم كيف كنت متماسكة امامه، رؤيتي له بهذه الحالة تمزقني..
يا الله اجعلني اخذ الألم عنه
جلست اسماء بجانب نيروز الباكية و ربتت على ظهرها بحنان و هي تتمتم لها.

- سيمر كل هذا، و آلامه ستلتئم مع وقت
رفعت نيروز رأسها عن كفيها ونظرت ل اسماء و مازلت تبكي، اخذت تنتحب و هي تقول
- انه يريد ان يبعدني عنه لاعتقاده اني أشفق عليه، هو لا يريدني أن أراه و هو بهذه الحالة، أعلم أن فقدانه لقدمه قد حطمه، كم كان شعور صعب و قاسي عليه، أدرك شعوره و اتألم لألمه
أيدت اسماء بأسف.

- بالتأكيد، فشعور الشخص بالعجز و النقص قاتل، و لهذا قد يحاول أن يبعدك عنه، لذا تحملي، حاولي أن تعيدي ثقته لنفسه، حاولي أن تجذبيه لكِ و لا تسمحي له أن يبتعد، اصبحي ظله الذي يلازمه حتى يعتاد و يدرك أنكِ لا
تشفقين عليه وأنكِ تريدينه هو حقا.

اومأت نيروز برأسها و هي تمسح وجنتيها من دموعها التي لم تتوقف، نهضت الأخيرة حين رأت غادة تعود و معها الطبيب، تخطوها و دخلوا لغرفة عمار، فتقدمت هي و توقفت امام الباب تنظر من الفجوة الصغيرة التي مكنتها من رؤيته.

في فيلا صفا
انتهى صفوان من حديثه مع صفا و التي طمأنته على عائشة و شكرته على نصيحته، و إتجهى للحديقة الخلفية حيث الأخيرة توجد هناك، كان يسير بسرعة و هو يتسابق مع ظله من لهفته لرؤيتها، توقف حين رأها و قد سحر بجمالها..

حيث كانت عائشة تجلس أمام المسبح و تدلدل قدميها داخل الماء و تنعكس أشعة الشمس من موجات المياة على وجهها فيعطيها سحر يصعب مقاومته، بجانب تصفيفة شعرها التي لم تزيدها إلا جاذبية و انوثة و هي تظهر عنقها الأبيض.
داهمته ذكرى قبلتهما في المسبح، شعر فجأة برغبة في تكريرها، تعجب من نفسه، منذ متى أصبح وقح هكذا؟!، تبا لها ستفقده صوابه، هز رأسه ليطرد تلك الذكرى و الرغبة، و اكمل طريقه لها.
- صباح الخير.

رفعت رأسها و نظرت له ثم عادت لتنظر امامها و تجيب
- صباح النور
- هل استطيع الجلوس؟
استأذن و هو يجلس بالفعل بجانبها، فنظرت له
بطرف عينيها و قالت بتهكم
- لقد جلست بالفعل
ضحك صفوان بخفة و هو يتمتم
- نعم
هدأ فأردف بهدوء
- لقد أخبرتني السيدة صفا بأنكِ تحسنتي، سعيد لذلك
نظرت له بإستنكار و في تقول بجفاء
- و هل كنت مريضة لأتحسن؟
- أقصد تعاملك.

وضح هو، فغمغمت عائشة بلامبالاة و هي تنظر للناحية الأخرى، و ساد الصمت للحظات قبل ان تقطعه هي بضيق مكبوت
- أعتقد أن حديثك قد انتهى، فهل تستطيع أن تتركني بمفردي؟
قابل طلبها بسؤاله الذي خرج من بين شفتيه
بتسرع و تلقائية
- هل تتذكرين ما حدث هنا؟
اجابته دون أن تكلف نفسها عناء التفكير حتى
- لا أتذكر أي شيء.

ساد الصمت مرة أخرى فقد ندم على سؤاله الذي خرج دون إرادة منه، و قد شغل تفكيره اجابتها و برودها الذي لاحظه لكنه تجاهله.
- ماذا هناك؟
سألها صفوان بجدية و هو ينظر لنصف وجهها الذي يراه، تنفست عائشة بقوة قبل ان تستدير برأسها و تقول بنفاذ صبر
- ماذا؟!
تأمل وجهها لبرهه ثم سألها بوضوح
- لماذا تعاملينني هكذا؟
- و كيف تريدني أن اعاملك؟
سألته بضجر، هز رأسه و هو يسألها بإنزعاج
- ألا ترين اسلوبك؟!
- نعم، لا أراه.

ضايقته بإجابتها، فأشاح بوجهه و هو يهمس بالسباب و يلعن برودها و أسلوبها المزعج، اخذ نفسا عميقاً و نهض ليغادر، لكنه توقف بعد خطوتين و استدار لينظر لها من أعلى و يقول بعد تردد
- قد كنت بدأت أعجب بكِ
استدارت بنصف جسدها و تمتمت بصدمة
- ماذا؟
و ادركت قوله سريعا فهتفت بإستنكار حاد بعض الشيء
- لا يجدر بك أن تعجب بي
وضع كفيه في جيوب بنطاله وهو يتعمق في النظر إليها، و قد قرر أن يفصح عما بداخله فقال بصراحة هادئة.

- لأكن صريح، أعتقد اني تعديت مرحلة الإعجاب
- تبا لك
خرجت من بين شفتيها بغضب ثم نهضت لتتقدم منه و تقف امامه و تقول بخشونة
- من سمح لك ان تكِن لي هذا الإعجاب؟
- انتِ
شعر بإضطرابها بعد سماعها لإجابته الذي قالها ببساطة، و ضيق عينيه حين تحدثت عائشة بحروف غير متزنة و حادة
- لقد قلت لك سابقا اني كنت استغلك و اكذب عليك، و اني كنت ادعي إعجابي بك ولا وجود لشيء آخر
إبتسم بهدوء و قال.

- و كذبك هذا كان له أثر، لذا تحملي العواقب
بلعت عائشة لعابها بتوتر و زاغت بنظراتها
حولها، تفكر في حل، ماذا تفعل؟، كيف تجعله يدرك أن هذا خاطئ؟، كيف تبعده؟
تقابلت نظراتها مع حدقتيه و تركزت عندها حين اقترب صفوان منها و حاوط خصرها بذراعيه بخفة، و قال بخفوت
- كم تبدين جميلة اليوم، خاصةً و انتِ متوترة هكذا
رمشت بجفونها ببلاهه و هي تحدق به، فإبتسم بإستمتاع و هو يردف بخبث.

- ضربات قلبكِ التي اسمعها الآن، ما بها؟، هل هي كاذبة مثل صاحبتها ايضا؟
كم تشعر بالعجز امامه و أمام عينيه و مشاعره التي تحتلها الآن، منذ متى أصبحت تتأثر بقربه؟!، منذ متى لم تكن تستطيع الكلام حين تكون قريبه منه بهذا القدر!
- هل اكل القط لسانك؟
قالها بعد صمت دام دقيقتين كاملتين، و اردف بلطف
- يبدو انكِ لا تستطيعين أن تنكري الآن، فهل اعتبر صمتك موافقة على مواعدتي؟

سألها و عينيه تلمع ببريق السعادة و اللهفة، اخرجت هي كلمتها بصعوبة من بين شفتيها وبنبرة مهتزة تكاد تسمع
- لا
مازحها
- هل انتِ خائفة من دخول علاقة معي؟، انا لن اكلك
هزت رأسها باﻹيماء و قالت بفتور
- نعم، خائفة
تلاشت إبتسامته ببطء و هو ينصت لها، تابعت عائشة و هي تلهث و كأنها تصارع احدهم، بل تصارع عقلها الباطن.

- سيحدث لك كما حدث لوالدي، ستذهب بلا رجعة، و سأظل انا وحيدة في نهاية المطاف، انا لا اريد ان أفقدك، لا اريد ان أضعف من أجل فقدان شخص آخر عزيز علي، لن أتحمل تكرار ذلك حقا
ثم اردفت معترفة بإستسلام و هي تطبق جفونها لتسيل دموعها على وجنتيها
- انا لست معجبة بك، انا أحبك.

حدق بها بصدمة و قد تسارعت دقات قلبه لدرجة الجنون، إرتسمت على شفتيه إبتسامة كادت أن تصل لأذنيه من فرط سعادته، لم يشعر بنفسه حين تجرأ و ألصقها به ليلثم شفتيها برقة و ليبثها بمشاعره و ليعلمها مداها، استسلمت له عائشة في البداية، ثم نازعت نفسها، و قلبها، لتبتعد عنه بعد لحظات رغما عنها.
- هذا خطأ، قربك مني خطأ كبير
قالتها بعذاب و هي تبعد ذراعيه عنها و تتراجع للخلف، قالت بصوت مختنق
- لا استطيع، اسفة.

و اسرعت بخطواتها لتختفي من امامه، تاركة اياه واقفا مندهش من هروبها و بعدها عنه.

في فرنسا
كانت نيروز جالسة مع ميساء في مقهى المستشفى، ميساء التي اعتذرت منها عن وقاحتها في الأمس و قد بررت فعلتها كما بررتها اسماء، طمأنتها نيروز بأنها ليست حزينة أو غاضبة من تصرفها وأنها متفهمة.
أرادت نيروز أن تعرف ما حدث لعمار و ما سبب سوء حالة قدمه لكي يقرروا الأطباء بترها،
فقصت عليها ميساء ما حدث.

- في ذلك اليوم الذي تركناكم فيه تتحدثون مع بعضكما، وجدنا الخادمة تهرول الينا و تخبرنا أن عمار فاقد الوعي، فزعنا و اسرعنا لنراه، اخذناه للمستشفى، حين افاق كان ألمه مازال به، بل و زاد إلى حد جعله يصرخ، أعتقد أنه كان ألم لا يحتمل، اخبرنا الطبيب الذي يتابع حالته انه يجب ان يجري العملية و قد اتصل بالطبيب الذي هنا في فرنسا و أخبره بالأمر، قد أعطى الطبيب لعمار مخدر قوي جعله لا يشعر بشيء و كان هذا المخدر له ضرر أثناء العملية، و له اثار سلبية على قدم عمار، و لم ينتبه لهذا الطبيب لذا بترت قدم عمار بسبب خطأ الطبيب الذي يتابعه.

تنهدت ميساء بحزن و قالت
- هذا ما حدث بإختصار
و اردفت معاتبة
- لماذا تركتيه فاقد الوعي بمفرده هناك يا نيروز؟، على الأقل قد كنتِ اعلمتينا بحالته ثم غادرتي، فقد كان من الممكن أن كل ما حدث لم يحدث
- هل تظنين اني قد اتركه فاقد الوعي و اغادر؟
عاتبتها نيروز ايضا، و أضافت
- انا لم أراه و هو يسقط حتى، انا غادرت قبل ان يحدث له شيء، ما كنت تركته إذ حدث له شيء أمامي
هزت ميساء رأسها و قالت.

- إذاً هذا سوء تفاهم، اعذرينا لسوء ظننا بكِ، خاصةً انا
- لا بأس
تمتمت بها نيروز و هي تبتسم، نهضت ميساء و قالت
- هيا لنصعد و لنراه، أظن أنه أصبح جاهز الآن لرؤيتكِ
نهضت نيروز ايضا و هي تتمتم
- اتمنى ذلك.

داخل الغرفة التي يحتجز بها عمار في المستشفى، كان يتحدث مع غادة بشيء من العنف، معاتبا اياها بحدة لسماحها لنيروز أن تأتي له و تراه بهذه الحالة، ألا تعلم والدته انه سيبغض هذا!
- لا استطيع ان امنعها من المجيء فهي زوجتك و لها الحق في رؤيتك و الوقوف بجانبك
تعللت غادة بهذا، و تهكم عمار على هذا
- حقا!، انتِ التي تقولين هذا يا أمي!
قالت غادة بجدية.

- نعم هذه انا، و قد غيرت رأي في نيروز، ففي البداية كنت ضدها و ضد عودتك لها لأني كنت أراها المذنبة، لكن الآن انا أراها انها الوحيدة التي تستطيع مساعدتك، هي التي تستطيع أن تهون عليك كل هذا
- و من قال إنها تستطيع أن تفعل هذا!
استنكر عمار، فأبتسمت غادة بهدوء و قالت
- انا اعلم، فأنت مازالت تحبها
ظل محدقا بوالدته للحظان ثم ابعد نظراته عنها بمضض، تنفس بقوة قبل ان يقول بنبرة مستاءة، متألمة.

- و بماذا يفيد هذا الآن؟!، فأنا معاق، عاجز
- لا تقل هذا
عانفته غادة، و أضافت
- غدا ستركب قدم صناعية، فلن تكن معاق أو عاجز، أو حتى ناقص، انت مثلنا، لذا لا
تصعب الأمور
رفع زاوية فمه بإستخفاف و ملامح وجهه حزينة
- و بماذا ستفيدني هذه القدم!، هل ستمنع نظرات الشفقة فقط!، هل ستحسن صورتي امام نفسي، أم امامكم!
عاد عمار لينظر لغادة و يتابع بمرارة.

- إن ما ستقدمه نيروز لي سيكون من باب الشفقة و شعورها بالذنب، و انا لا اريد هذا
- إنها ليست كذلك
هتفت والدته بها مدافعة عن نيروز، فأعاد عمار رأسه للخلف و طبق جفونه، اتت غادة أن تضيف شيء لكن دخول ميساء قاطعها، عاد عمار ليفتح عينيه و لينظر لميساء التي دلفت و هي تقول ببهجة
- أخي الحبيب، كيف حالك؟
اومأ عمار برأسه و هو يرسم إبتسامة على شفتيه.

و سريعا ما تلاشت حين رأى نيروز تدلف للغرفة و خلفها اسماء، وجه عمار لهجته الحادة لنيروز
- لماذا عدتي؟، لا أرغب بكِ هنا
- كيف حالك الآن يا عزيزي؟
قالتها اسماء بلطف و هي تسبق نيروز له، فشعر عمار بالإحراج بعض الشيء من أسلوبه الفظ، فهو لم يلاحظ دخولها، أجاب بوقار
- بخير، شكراً لكِ
- لقد اخفتنا عليك جدا، خاصةً نيروز
قصدت اسماء تأتي باسم نيروز و تضيف.

- لقد اتعبتني و أتبعت نفسها من البكاء على فراقك، لكن الحمدالله الآن لن تفترقا ابدا
نقل عمار نظراته لنيروز التي منحته إبتسامة صغيرة، تجاهل إبتسامتها و أشاح بوجهه، فهو لن يستطيع إنكار ذلك و نفوره امامهم حتى لا
يحرج نيروز، فهو قد تعلم مما سبق فعله و ندم.
قالت غادة موجهة حديثها ل اسماء و ميساء
- لنتركهم الآن، ما رأيكم؟
اومأت ميساء، بينما عرضت اسماء.

- ما رأيكم أن استضيفكم في منزلي و تمكثون معنا إلى أن يغادر عمار الفراش بالسلامة؟
صمتت غادة لثواني تفكر، بينما قالت ميساء
- و عمار؟، هل سنتركه بمفرده؟
- لن يكون بمفرده، فنيروز معه
أجابت اسماء بخبث، فوافقت غادة و قالت
- انها لفكرة جيدة
ثم نظرت لعمار و قالت قبل ان تغادر مع أسماء و ميساء
- سنذهب مع أسماء و لنرتاح قليلا، و انت معك نيروز، إنها ستكون معك هذه الليلة و
ستساعدك أن احتجت شيء، صحيح يا نيروز؟

اومأت نيروز برأسها مؤيدة ذلك، ف غمزت لها غادة ثم غادرت بعد ان ودعته.
بعد مغادرتهم نظرت نيروز لعمار و اتت ان تقول له شيء لكنه سبقها بقوله الساخر
- انها لخطة جيدة
و اردف و هو يطبق جفونه ليستعد للنوم
- اريد النوم، غادري
لم تنفذ نيروز ما طلبه، إتجهت للأريكة و جلست عليها و قالت لتعلمه
- نم، و انا لن أصدر صوت
فتح إحدى عينيه لينظر لها بحنق، ثم عاد ليغلقها.

في فيلا صفا
كان صفوان جالس يشعر بالحرج من صفا التي استدعته و حدثته عما رأته في الحديقة، نعم هي قد رأت صفوان و هو يقبل ابنتها عائشة، لم تكن حادة معه لكن لهجتها المعاتبة جعلته يشعر بالخزي، لكن رغم شعوره ذلك قرر أن يخبرها بالحقيقة، بمشاعره.
- لأكن صادق، انا أحمل بداخلي مشاعر لها، لم اكتشف هذا إلا مؤخرا، أصبحت أفكر بها كثيرا، كانت تسكن عقلي و لا تفارقه حقا، لا اعلم إذ كان هذا إعجابا أم حبا، لكن...

صمت لبرهه قبل ان يتابع بجدية
- أريدها، فهل تقبلين بي؟
حدقت به صفا بذهول، لم تكن تتوقع يوماً أنه قد يقع في حب ابنتها، بل لم تتوقع انه سيصبح سهرا لها، إرتسمت الإبتسامة تدريجيا على
شفتيها ليطمأن هو.
- سأكون سعيدة بذلك، لن أجد أفضل منك لعائشة، حقاً
قالتها صفا بحماس عارم، فتمتم شاكراً اياها، و أضاف
- لكن أريدها أن تتخلص من مخاوفها أولا، أريدها أن تتقبلني، لذا سأحتاج بعض الوقت، و أحتاج مساعدتك
- مخاوفها!

تساءلت صفا بحيرة، و تابعت
- هل أنت حدثتها عن هذا الأمر؟
- تقريباً
اجابها بصراحة، و أخبرها عن خوف عائشة من الاقتراب منه بسبب فقدانها لوالدها.
- يا الله، هل حقا عائشة تفكر هكذا!
حزنت صفا و اردفت بندم
- كل هذا بسببِ
مسحت وجهها بكفيها و هي تخرج تنهيدة ألم من بين شفتيها، ثم قالت لصفوان
- اخبرني، كيف سأساعدك؟

مساءً، في فرنسا
- سأعذبكِ و سأسبب لكِ الألم
قالها عمار و هو يحدق في السقف، فرفعت نيروز رأسها التي كانت تسندها على الأريكة، و نظرت له بنعاس و قالت
- سأتحمل
حرك حدقتيه لينظر لها بطرف عينيه و يقول
- ألم تقولي انكِ اكتفيتِ؟!
صمتت لثواني ثم هزت رأسها بخفة و قالت
بشرود.

- اعتقدت ذلك، لكن في الأسبوع الذي مضى، و في العام و النصف الذي كنت بعيدة فيه عنك ادركت شيء، ادركت ان آلامي تتضاعف في بعدك أكثر من قربك، و ما أكد لي ذلك آخر فراق لنا، لذا الألم الذي يأتي منك افضله عن ألم بعدي عنك
- كم تأثرت
قالها بسخرية كاذبة بعد لحظات من انتهائها، فإبتسمت بهدوء و قالت بخبث
- هل تحتاج لشيء؟، مناديل مثلاً!
رمقها بإنزعاج، فعضت على شفتها السفلية و قالت معتذرة
- اسفة.

ثم نهضت و تقدمت منه وهي تسأله
- هل تحتاج لشيء؟
- نيروز!
قالها و هو يجز على اسنانه بغضب، فضحكت بخفة و قالت
- أقصد هل تريد أن أحضر لك شيء؟، هل أنت جائع أو عطش؟
- اريد ماء
اجابها بإقتضاب، فأقترحت
- ما رأيك أن أحضر لك شيء تأكله؟، فأنا لم أراك و انت تتناول شيء
صمت للحظات ثم تمتم
- لا اريد
- لكن انا جائعة، سأحضر لي و لك
قالتها بلطف ثم غادرت، فلم يستطع حتى أن يعترض.

بعد خمسة عشر دقيقة، عاد نيروز و معها طبق واحد من الطعام، قدمته له ثم جلست على
الأريكة تنظر له، سألها بتردد
- اين طبقك؟، ألم تكن جائعة!
- لم أجد شيء أحبه، لذا طلبت لك فقط
ثم تثاءبت مع نهاية جملتها، فهي تريد النوم حقا فهي لم تنم منذ الليلة الماصية بسبب كثرة تفكيرها به.
وضع الصينية على المنضدة التي بجانب الفراش، فهتفت بإستنكار
- ألن تأكل؟
- لم أكن اريد ان أتناول شيء منذ البداية
نهضت و إتجهت له بحزم قائلة.

- انت تحتاج للطعام لتنهض و تتعافى سريعا، يجب أن تهتم بصحتك، فإذ لا تريد أن تأكل كل عنوة
و امسكت بالصينية و قدمتها له للمرة الثانية، فقال بإنزعاج دون أن يأخذها منها
- أكره هذا الأسلوب في التعامل
- أكرهه، فأنا أفعل ذلك لصحتك و سلامتك
قالتها نيروز بعناد، فأشاح بوجهه و صمت لثواني قبل ان يقول بصوت مختنق
- غادري الغرفة، أشعر بالأختناق من رؤيتك، و من الحديث معكِ
- لم أقصد ازعاجك، اسفة.

اعتذرت منه و اعادت الصينية لمكانها، اردفت
- سأخرج إلى أن تنام براحة ثم اتي
- لا تأتي ابدا
قالها بجمود، فقالت نيروز بهدوء
- سأتي لأطمأن عليك فقط و أرى إذ احتجت لشيء ثم سأتركك مرة أخرى
ثم استدارت و غادرت الغرفة، جلست على الكرسي المجاور للغرفة و هي تتنهد، حركت رقبتها بألم و اسندت رأسها على الحائط و طبقت
جفونها لتسترخي، فنامت دون أن تشعر من شدة إرهاقها.

قد مرت ساعة كاملة و عمار عاجز عن النوم، وضع يده على الغطاء و ابعده بتردد، نظر لنصف قدمه الغير موجودة فأغمض عينيه بألم، مسح وجهها و هو يتنفس بقوة، نظر للباب ثم نظر حوله فوجد العجاز، مد يده و التقطها، تردد كثير قبل ان يخطو هذه الخطوة، انزل قدمه السليمة على الأرض و نهض و هو مستند على العجازين، كم كره مظهره في هذه اللحظة، فكيف هي ستنظر له!، ستنفر منه بالتأكيد بعد رؤيتها له بهذا الشكل، و هو لن يتحمل ذلك.

استيقظت نيروز على اثر غمز يد صغيرة على قدمها، نظرت لذلك الطفل الذي ضحك حين رأها استيقظت و هرب، فإبتسمت و نظرت لساعة يدها ثم نهضت و هي تمسح وجهها،.

وضعت كفها على قبضة الباب و برمتها و دخلت و اغلقت الباب خلفها بحذر، استدارت و فزعت حيث حدقت به بقوة حين رأته واقف بحانب الفراش، فقد كانت تعتقد انه نائم، وضعت كفها على صدرها الذي يعلو و يهبط و هي تطبق جفونها بقوة و لتعود و تفتحهم، نقلت نظراتها له من الاسفل حتى الاعلى، حتى توقفت عند وجهه الذي يظهر متى توتره، فهو ليس جاهز بعد لأن تراه هي بهذه الحالة، لذا سقط أحد العجازين على الأرض دون قصد منه فأتى أن ينحني ليلتقطه لكنه كاد أن يسقط لفعلته فهرعت نيروز له و ساندته، حيث لفت ذراعيها اسفل ابطيه و قربته منها لتستطيع مساندته، وبخته و كأنه طفل صغير أثر خوفها عليه.

- لماذا نهضت!، ما كان عليك أن تنهض، كنت تستطيع أن تنادي علي و انا كنت سأتي لأحضر
لك ما تريد
اجلسته على الفراش بحذر شديد، ثم ملست على شعره و وجهه بحنان و هي تسأله بخفوت دافئ
- ماذا كنت تريد؟، اخبرني و انا سأحضره لك
كان قلبه يدق كالمجنون، يدق بتوتر، ألم ترى حالته!، ألم تكترث!، كيف لم تكترث و لم تظهر نفورها أو حتى نظرة شفقة؟!
دفع يدها بخشونة و قال بإنفعال حاد جانب استنكاره.

- ألا ترين حالتي؟، كيف انتِ هكذا؟!
- ما بها حالتك؟
سألته نيروز بإستغراب و حيرة، تنفس عمار بغضب و هو يشير بوجهه، بينما انتظرت هي إجابته، لم تنتظرها كثيرا فقد فهمت ما يقصده لكنها تجاهلت كل هذا و اخذت تظبط الوسادة، قالت
- هيا خذ قسطاً من الراحة، فغدا يوم شاق بعض الشيء.

استلقى بمساعدتها، وضعت عليه الغطاء، التقطت يده و هي ترسم إبتسامة صغيرة على شفتيها في حين تقول بعذوبة بجانب حدقتيها التي تنظر له بحب و تظهر صدق قولها
- انا أراك عمار فقط، لا أرى شيء آخر، لذا لا تفكر كثيراً
ثم استدارت تاركة اياه يتابعها ببصره، جلست على الأريكة و منحته إبتسامة قبل ان تعود بظهرها لتسنده و تنام.

أشرقت الشمس بسعادة لتعلن عن يوم جديد
في فيلا صفا
دلفت صفا بكرسيها المتحرك لغرفة عائشة و إتجهت للشرفة حين رأت الغرفة فارغة، فوجدت عائشة هناك كما توقعت
- صباح الخير
قالتها صفا و هي توقف كرسيها بجانب الكرسي التي تجلس عليه عائشة، نظرت لها الأخيرة و ردت ببهوت
- صباح النور
- كيف حالك اليوم؟
- بخير
- هل ستتناولي معي الإفطار أم هنا، بمفردك؟
- لا أرغب بتناول شيء الآن
- حسنا، لن اضغط عليكِ
- شكرا لكِ.

ثم ساد الصمت لدقائق قطعته صفا
- اريد ان احدثك عن شيء
غمغمت عائشة، فقالت صفا
- الأ تريدين ان ترتبطي بأحد؟
تعجبت عائشة من سؤال والدتها لها، نظرت لها فأردفت صفا
- انا لدي رجل، رشحته لي صديقتي لكِ، فما رأيك؟
هتفت عائشة بتلقائية رافضة ذلك بحزم
- بالطبع لا، لا اريد
- لماذا؟
عبست صفا و هي تسألها، و أضافت
- انا اريد ان أسعد بكِ، فأنتِ ابنتي الوحيدة
عادت عائشة لتنظر امامها و تقول بثبات.

- لا، انا لن اتزوج و لن ارتبط بأحد، لا تحاولي معي رجاءً
- لماذا هذا القرار؟، اخبريني فقط
تنهدت عائشة و اجابت بصراحة مختصرة
- لأني لا اريد ان اصبح مثلك و مثل ابي
صمتت صفا لبرهه، ثم قالت بهدوء
- ليس كل من تزوج مثلي و مثل اباكِ، و ايضا نحن لم نتزوج عن حب و لم نستطع أن نتعايش مع بعضنا البعض لذا حدث كل هذا
عدلت عائشة بلهجة ساخرة بعض الشيء.

- تقصدين اختكِ هي التي جعلت حياتكم صعبة و جعلت تعايشكم مع بعضكم مستحيلاً
- لن نفتح أمور قديمة و حلت الآن
قالتها صفا، و اردفت
- اختاري انتِ من تريدين ان تكملي معه حياتك، انا لن اجبرك على شخص
- لا
رفضت عائشة مرة أخرى، فصمتت صفا هذه المرة و لم تسأل عن السبب فهي تعرفه، و قد غادرت دون إضافة شيء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة