قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الخامس عشر

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الخامس عشر

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الخامس عشر

اليوم التالي
في منزل عائلة نيروز
وضع صفوان الصينية على الطاولة ثم التفت و نظر لعائشة و هو يتقدم منها، وضع الكيس البلاستيكي بجانبها على الفراش، ثم قال
- اليوم على الساعة السادسة مساءًا سنذهب معا للسيدة صفا، لذلك ارتدي الملابس التي بداخل هذا الكيس، فأنا اريدك ان تظهري امامها بشكل لائق، حسنا؟
نظرت له بهدوء ثم نظرت للملابس التي بداخل الكيس و تمتمت
- حسنا، و لكن اريد ان استحم أولا
- بالتأكيد.

انهى قوله و التفت ليتجه للباب، فأوقفته قبل ان يصل للأخير بقولها
- ستجعلني اعود لعملي كما وعدني، صحيح؟
التفت و نظر لها بجمود ثم قال
- يبدو انكِ متلهفة جدا لعودتك لذلك المكان القذر، فهل لكِ أن تخبريني، لماذا تريدين ان تعودي لذلك المكان القذر؟، هل اشتقتي لرجالك و بيع جسدك؟!
- ماذا؟!
قالتها بذهول ثم ادركت ما قاله فاحددت ملامح وجهها لوهله قبل ان تعود لملامحها الباردة، قالت بوقاحة.

- نعم، اشتقت لذلك، فذلك عملي
رمقها بإحتقار و اشمئزاز، ثم قال بنفور
- كم أكره امثالك
ضحكت باستهزاء ثم قالت بثبات
- لا تمثل دور الرجل الذي لا يحب فتاة مثلي
اجابها بإزدراء
- أنا حقا كذلك، لا أحب امثالك، فقط استحقرهم
رفعت زاوية فمها ببرود، ثم نقلت نظراتها امامها و هي تقول بنبرة خبيثة
- اتمنى ان تظل على هذا المنوال
رمقها بجفاء ثم التفت و اكمل طريقه للخارج.

في فيلا أحمد فريد
خرجت نيروز من غرفتها لتتجه لغرفة سارة بخطوات حازمة، اقتحمت الغرفة بعنف ففزعت سارة و هتفت بحدة
- كيف تدلفِ لغرفتي بهذه الطريقة؟
اغلقت نيروز الباب خلفها و تقدمت من سارة و
هي تقول
- أعلم انكِ انتِ التي ارسلتي لي تلك الرسالة و ليس عمار، فهل ستسيرين في هذا الطريق معي؟!
تغيرت ملامح وجه سارة للبرود و هي تجيب بطريقة مستفزة
- نعم، هذه طريقتي، فماذا ستفعلين؟

- سأفعل مثلك، سأسير في نفس طريقك و سأسبقك
قالتها نيروز بتحدي، فضحكت سارة بخفة ثم قالت بتهكم
- ستفعلين مثلي! و ستسبقيني!، حسنا، أفعلي ذلك، فهذا سيكون مربح لي، فكما تعلمين أن عمار يفضلني عنكِ و يهتم بي، فإذا فعلتي ما افعله بكِ لن يكون هناك إلا خاسرة واحدة و هي، انتِ
إبتسمت نيروز بجفاء، و قالت بثقة.

- و من قال إني سأكون خاسرة، لا تنسي انه اتى لي راكضا بعد ان علم من ميساء اني في انتظاره، هو مازال يحبني لذلك...
قاطعتها سارة بضحكتها الساخرة، ثم قالت
- أنصحك أن تتخلي عن اوهامك هذه لكي لا ينتهي بكِ المطاف في مستشفى الأمراض العقلية
- هل تظنين اني انتظر منكِ نصيحة؟!
قالتها نيروز باستهزاء، ثم اردفت بجمود
- اجعلينا فقط ننتظر النهاية، ثم سنرى من سيذهب لمستشفى الأمراض العقلية.

انهت نيروز جملتها و التفتت لتسير للباب بهدوء، توقفت بعد ان فتحت الباب و قالت لسارة وهي تنظر من فوق كتفها
- صحيح، ستتناولين طعام الإفطار اليوم بمفردك، فعمار قد غادر باكرا دون أن يتناوله و انا سأتناوله مع ميساء و حماتي ستتناوله مع
عمي أحمد، لذلك عليكِ ان تتناولينه بمفردك، يا حرام.
قالت كلماتها الأخيرة بشفقة خبيثة، مما سبب الحنق لسارة، اكملت نيروز طريقها للخارج.

إتجهت نيروز لغرفة ميساء و دخلتها، جلست على الفراش بجانب ميساء المستلقية.
- هل نجحتِ؟
قالتها ميساء و هي تنظر لنيروز التي إبتسمت بمكر و قالت بإنتصار
- اجل
ثم رفعت نيروز سترتها الطويلة و اخرجت هاتفها من جيبها، بينما اعتدلت ميساء بسرعة و التقطت الهاتف من نيروز لتوقف عمل التسجيل و تشغله لتسمع الحديث الذي دار بين نيروز و سارة.

في الشركة
كان عمار جالس على كرسي مكتبه، ينظر للملف الذي بين يديه دون أن يقرأ حرف منه، فعقله شارد بسبب ما حدث بالأمس، هو يشعر بشيء غريب يحدث، فأمر تلك الرسالة التي ارسلت لنيروز من هاتفه دون أن يرسلها هو تشعره بالريبة، فهل هناك احدهم يريد أن يلحق نيروز بالأذى؟، و إن وجد، من سيكون؟!

القى عمار بالملف بعيدا بإنزعاج، ثم اعاد رأسه للخلف و هو يخرج تنهيدة عميقة من بين شفتيه، فهو لم يتوقف عن التفكير في ما حدث بالأمس.
طوال الليل كان يفكر في، إذ لم تخبره ميساء عن نيروز، هل كانت ستظل الاخيرة في ذلك المكان بمفردها؟!، تذكر ردها الذي أثر به عندما سألها.

عن انتظرها له في ذلك المكان و الوقت المتأخر، كم شعر في حينها بالشفقة و اللين ناحيتها، و لكنه لم يظهر ذلك ابدا، حتى نظرته كانت قاسية، أما رده كان أشد قسوة عليها، و عينيها أظهرت ذلك.
فكر أيضا، لماذا هي لم تتصل به لتستعجله ليأتي لها؟، هل كانت خائفة من معرفة عدم مجيئه؟، لا يعرف ما سبب ذلك و لا يريد أن يعرف، بل لا يريد أن يفكر بما حدث فهي لا تهمه، هو سيردد ذلك إلى أن تصبح هكذا بالفعل!

في فيلا أحمد فريد
في الشرفة الملحقة بغرفة ميساء
- انتِ تعلمين يا نيروز اني معك، لن اسمح ل سارة أن تأخذ عمار منكِ ابدا، فأنتِ تحبينه و هو يحبك
قالتها ميساء و هي تمسك بيد نيروز و تربت عليها، فإبتسمت نيروز بإمتنان و هي تتمتم
- شكرا لكِ يا ميس، و شكرا لتصديقك و لوقوفك معي
- طبعا، يجب أن أقف معكِ، فأنتِ صديقتي
قالتها ميساء بإنفعال حماسي، ثم اردفت بضيق.

- كم اشعر بالغضب من تلك التي تسمى سارة، فهي خبيثة جدا، لم أكن أظنها هكذا ابدا
و تابعت بحزم
- لن اسمح لها أن تفرقم ابدا، و كل محاولاتها ستفشل بالتأكيد
هزت نيروز رأسها ثم نقلت نظراتها للفراغ بشرود.

في منزل عائلة نيروز
نظر صفوان لساعة يده فوجدها الرابعة، فنهض و خرج من غرفته ليسير في الممر، توقف امام الغرفة التي يحتجز بها عائشة و أدخل المفتاح في القفل و اداره ليفتح الباب.
توقف بجانب الباب و هو ينظر لعائشة، و قال بإقتضاب
- هيا
نظرت له عائشة ثم نهضت، التقطت الكيس البلاستيكي و سارت امامه متجهة للمرحاض، دلفت للمرحاض و اغلقت الباب خلفها بالمفتاح.

ادخلت عائشة جسدها العاري اسفل المياة الساخنة التي تتدفق من الصنبور، طبقت جفونها بإرتخاء
لتستمتع بحرارة المياة العالية التي لا يتحملها جسد أي فتاة.

مسحت وجهها بكفيها ثم فتحت جفونها ببطء، و ظلت ساكنة، تفكر، ماذا ستفعل اليوم؟، كيف ستقابل والدتها بعد كل تلك السنوات؟!، تشعر بعدم الارتياح من مقابلتها لها، تعلم ما سيقال، و تكره تلك المشاعر التي ستنبعث من والدتها، لا تريد أن تذهب بسبب ذلك و لكنها أيضا لا تستطيع أن لا تذهب، فقد عقدت صفقة جيدة مع صفوان تضمن لها عودتها لعملها و حياتها، فلا يهم ما ستعاني منه في هذا اللقاء و هذه الفترة، فهي ستتحمل، فيومين أو أسبوع أو أسبوعين أهون عليها من الحياة كاملة.

بعد مرور خمسة عشر دقيقة...
خرجت عائشة من المرحاض، فنهض صفوان و تقدم منها و هو ينظر للملابس التي ترتديها
الأخيرة برضا.
- مظهرك أصبح لائق
قالها صفوان عندما توقف امام عائشة، فنظرت له الأخيرة بطرف عينيها بعدم إكتراث ثم تخطته لتعود للغرفة.
دلفت عائشة للغرفة و سارت للفراش لتجلس عليه و تمد يدها لتلتقط المشط الموضوع على الكومود حديثاً، و بدأت في تمشيط شعرها، و انتهت سريعاً.

بينما كان صفوان يستند بجسده على إطار الباب، يطوي ذراعيه أمام صدره، و يتابعها بهدوء.
- انتهيت
قالتها عائشة و هي تنهض لتتقدم منه و تقف امامه، فقال صفوان قبل ان يتركها و يتجه لغرفة والدته
- حسنا، لكن انتظري لثواني
بعد ثوان عاد لها و هو يحمل زجاجة عطر نسائية و قام بالرش على ملابسها بسخاء، فتراجعت عائشة للخلف و هي تبعد يده
- ماذا تفعل؟، ستخنقني هكذا.

إبتسم ثم وضع زجاجة العطر على المنضدة، ثم عاد و نظر لها ليتقدم منها برأسه ليشم رائحتها، هز رأسه برضا و تمتم بعدها
- جيد جدا، الآن انتِ جاهزة
أتاح لها الطريق لتسير امامه، و هو خلفها.

بدأ الليل يسدل ستائره
في غرفة ميساء
كانت نيروز مستلقية بجانب ميساء على فراش الأخيرة، كانوا يتحدثون عن أمور عدة و
ضحكاتهم لم تتوقف.
قاطعتهم الخادمة عندما طرقت على الباب و دخلت لتخبرهم بعودة عمار، فقد امرتها ميساء بذلك.
فنهضت نيروز بسرعة و رتبت ملابسها سريعا قبل ان تقول ل ميساء
- سأذهب له.

اومأت ميساء برأسها، فإتجهت نيروز بخطوات سريعة لخارج غرفة ميساء، و إتجهت لغرفتها و توقفت امام الباب للحظات لتلتقط انفاسها بعمق ثم دلفت.
سارت نيروز بخطوات ثابتة للأريكة و هي تنقل نظراتها حولها، فهي لا تراه، سمعت صوت تدفق المياة فعلالمرحاض يأخذ حماما ساخنا، لذلك جلست على الأريكة لتنتظر خروجه.
بعد مرور خمسة عشر دقيقة...

خرج عمار من المرحاض وهو يغلق أزرار قميصه الأزرق، إتجه الأخير لمنضدة الزينة ليلتقط زجاجة عطره الرجولية و يرش على ملابسه بسخاء، رفعت نيروز حاجبها و هي تتابع ما يفعل بنظراتها، سألته
- هل ستغادر مرة اخرى؟
- نعم
اجابها بهدوء، فقالت
- بهذه السرعة؟، ألن تتناول طعام العشاء معنا؟
- لا، فلدي موعد
- مع من؟
سألته بفضول، فنظر لصورتها المنعكسة على المرآة و اجابها بإقتضاب
- سارة
نهضت نيروز بحدة و قالت بإنفعال.

- ماذا؟، سارة التي نعرفها؟، لماذا؟
تجاهلها و عاد لترتيب هندامه، فتنفست نيروز بعمق لتهدأ، ثم تقدمت منه لتقف خلفه و تقول بهدوء حاولت التزين به
- حسنا، سأتركك تذهب لهذا الموعد و لكن ستحدثني أولاً
التفت عمار و نظر لها ببرود، و اتى ان يقول شيء و لكن طرقات الباب قاطعته، نظر للباب و قال للطارق
- ادخل
دلفت سارة و هي تبتسم، نظرت ل عمار و قالت
- لقد انتهيت، هل أنت جاهز؟

اومأ برأسه و هو يبادلها إبتسامتها، ثم تقدم من سارة تاركاً نيروز تتابعهما بحنق.
- هيا بنا
قالها عمار ل سارة ثم خرج من الغرفة، فرمقت الأخيرة نيروز بخبث، ثم اتبعته.
لثواني، ظلت نيروز ساكنة، ثم التفتت بحدة لتتجه للخزانة و تفتحها لتخرج حقيبتها و تلتقط هاتفها من فوق الكومود و تضعه في الحقيبة و تتجه للخارج.
اوقفتها ميساء قبل ان تتخطى عتبة الباب، و قالت
- انتظري انتظري، الي اين تذهبين يا نيروز؟

اجابتها نيروز بإنفعال
- سأذهب معهم، انا لن أتركه بمفردهم ابدا
- عمار لن يأخذك يا نيروز، لذلك اجلسي و اهدئي
- اهدء!
قالتها نيروز بإستنكار و تابعت بحنق
- كيف اهدء و انا ارى سارة و عمار ذاهبان في موعد بمفردهما؟!
- هذا ما تريده هي يا نيروز، تريدك سارة أن
تخطئي التصرف و...
قاطعتها نيروز
- لها ذلك
ثم ابعدت نيروز ميساء عن طريقها لتكمل طريقها للخارج، بينما التفتت ميساء سريعا و هي تهتف.

- انتظري يا نيروز، انتظري، سأتي معك
ثم اسرعت ميساء لغرفتها لتأتي بحقيبتها.
وصلت نيروز للأسفل و خرجت من باب الفيلا فوجدت سيارة عمار تعبر البوابة لتغادر، فأسرعت لتوقفه و لكنه ابتعد، لذلك توقفت و هي تضرب الأرض بقدمها بإنزعاج، ثم اسرعت مرة أخرى لتعبر البوابة و توقف احدى سيارات الأجرة لتأمر السائق أن يلاحق سيارته.
خرجت ميساء من باب الفيلا و توقفت لتنظر حولها، لكنها لم تجد نيروز فعلمت ان الاخيرة.

فعلت ما ارادته لذلك، عادت ادراجها.

ترجلت عائشة من السيار و هي تمسك برأسها، فكثرة جلوسها داخل السيارة بسبب طول الطريق سبب لها ألم في رأسها.
طبقت جفونها بقوة للحظات ثم فتحتهم، رفعت رأسها لتنظر للفيلا التي امامها، و التي لم تراها منذ سبع أعوام، لم تتغير الفيلا أبداً من الخارج و لكن من الداخل هل تغيرت كما تغيرت هي؟!
- هيا لتدخل.

أتاها صوت صفوان من خلفها، فنظرت له بجفاء بطرف عينيها ثم اومأت برأسها، تقدمت بخطواتها لتصعد درجات السلم القليلة و تقف أمام الباب الرئيسي، بينما تقدم صفوان خطوة ليضغط على الجرس و عاد ليقف خلفها مرة
أخرى.
فتحت لهم الخادمة و رحبت بهم و هي تقف جانباً، فنظرت لها عائشة بطرف عينيها بعدم إكتراث ثم دلفت و خلفها صفوان، ارشدتهم خادمة أخرى لطريق الغرفة التي تنتظرهما به سيدتها صفا، فأتبعوها.

- لا تنسي ما قلته لكِ في السيارة، لا تتحدثي عن أمور الماضي مع السيدة صفا و كوني لبقة في حديثك معها، حسنا؟
- فهمنا
قالتها بنفاذ صبر و هي ترمقه بإنزعاج، فأومأ برأسه بخفة ثم نظر امامها.
توقفت الخادمة أمام باب غرفة الجلوس ثم التفتت لتقول بتهذيب
- السيدة بالداخل، تنتظركما
ثم ابتعدت لتقف جانباً، فهمست صفوان بجانب
إذن عائشة
- سأدخل أولا، ثم سأدعوكِ للدخول
- حسنا.

قالتها بجمود، فتقدم و طرق على الباب بخفة ثم دلف، و بعد دقائق خرج ليصطحب عائشة للداخل.
كانت عائشة تشعر بالاضطراب من مقابلة والدتها، كيف اصبح شكلها الان؟، هل احتل الشعر الأبيض رأسها؟، هل امتلأ وجهها بالتجاعيد؟، هل أصبحت أجمل عن ما سبق؟، هل مازالت تشبهها؟!، أسئلة تافهة و لكنها مهمة بالنسبة لها!، ليس بظبط.

تقدمت عائشة من والدتها صفا التي كانت جالسة على الكرسي المتحرك، تنظر لأبنتها الشابة التي تغيرت تماما و الإبتسامة تحتل شفتيها.
- كم تغيرتي يا بجعتي الصغيرة
قالتها صفا بصوت حاني، بجانب دموعها التي امتلأت اسفل جفونها، فقابلت عائشة كلمات والدتها بجفاء و هي تقف على بعد امتار من الأخيرة، فنظر صفوان لعائشة ثم لصفا، قال
- سأنتظر في الخارج
و التفت و قبل أن يخطو خطوة واحدة همس ل عائشة
- لا تنسي اتفاقنا.

ثم سار للباب، و خرج.

- توقف توقف
قالتها نيروز فور رؤيتها لتوقف سيارة عمار، ترجلت سارة ثم عمار ليدلفوا معا للمطعم الفخم الذي اوقف الاخير سيارته امامه.
اسرعت نيروز و اعطت الرجل اجره ثم ترجلت.

، إتجهت للمطعم و دخلته، توقفت للحظات لتبحث عنهما بنظراتها فوجدتهما قد جلسا على احدى الطاولات التي تطل على البحر، فإتجهت للطاولة المقابلة لهما في الصف الآخر و جلست، امسكت بقائمة الأطعمة و فتحتها لتخفي وجهها خلفها بينما كانت تراقبهم بالخفاء.
بعد دقائق، اتى لها النادل ليأخذ طلبها، فنظرت للقائمة سريعا و اختارت اول ما وقعت نظراتها عليه، ثم عادت لمراقبتهما.

لم تلاحظ نيروز صورتها المنعكسة على الزجاج المجاور لعمار، نعم لم تكن تظهر شيئا من وجهها ماعدا عينيها، و في نفس الوقت ليس من الصعب على عمار أن يتعرف عليها، كما حدث!

فتحت صفا ذراعيها منتظرة تقدم عائشة منها لتعانقها و لكن هذا لم يحدث، فقد كانت الأخيرة واقفة بجمود، تنظر ل صفا بجفاء قاتل.
اخفضت صفا ذراعيها و قد كسى وجهها الحزن وهي تقول بصوت قريب من البكاء
- لماذا انتِ واقفة هكذا؟، الم تشتاقي لوالدتك؟، ألن تعانقيني؟

ضغطت عائشة على قبضتها بقوة، ثم تقدمت من صفا، و بكل خطوة تخطوها لها يزداد شعور النفور و الأختناق لديها، لذلك توقفت قبل ان تصل لصفا، فقالت الأخيرة بحنان
- حسنا، لا تقتربي الآن، مع الوقت ستأتين لي
ثم اردفت و هي تبتسم
- اتعلمين انكِ اصبحتِ فائقة الجمال يا بجعتي؟!
- أعلم
قالتها عائشة بجفاء، و اردفت بحزم
- لا تناديني مرة اخرى بالبعجة، حسنا؟!
سألتها صفا بحزن
- لماذا؟
- هكذا.

ساد الصمت للحظات، فلاحظت صفا ذلك النفور و البرود الظاهر على ملامح وجه عائشة، فقالت بمرارة
- الهذه الدرجة لا تريدي أن تعودي لي و لا لحياتك السابقة؟، الهذه الدرجة تشعرين بالنفور مني!
- نعم
اجابتها عائشة بصراحة قاسية رغما عنها، فسالت دموع صفا على وجنتيها، ثم قالت بصوت باكي
- هل حياتك الحالية تعجبك؟
و تابعت بإنفعال حاد
- هل تريدين ان تعودي لرجالك و مكانك القذر الذي جعلت صفوان يجلبك منه؟!
- نعم.

تنفست صفا بقوة ثم قالت بغضب و هي تجز على اسنانها، فشعورها بالقهر على ابنتها مؤلم جدا.
- اتعلمين، أريد أن اصفعك الآن لكي تستيقظي من ما انتِ فيه
- للأسف انتِ لا تستطيعي صفعي بسبب هذا
قالت عائشة كلماتها باستهزاء و هي تشير لكرسي صفا المتحرك، فأتسعت مقلتي صفا بصدمة، لم تتوقع أن ابنتها بهذه الوقاحة و القسوة!، اخرجت صفا حروفها بألم.

- هل تسخرين مني الان؟!، هل تسخرين من جلوسي على هذا الكرسي المتحرك الذي اصبحت اجلس عليه بسببك؟!
طرق صفوان على الباب ثم دخل، فنظرت له صفا ثم اخفضت رأسها ل تمسح دموعها و تقول بتماسك
- اصطحبها لغرفتها يا صفوان.

تذكرت عائشة ما قد نسته، و هو اتفاقها مع صفوان، رفعت يدها سريعا لتضعها على القلادة التي ترتديها بقلق، ثم التفتت و نظرت لصفوان بحذر، فوجدته يتقدم منها و هو يرمقها بجمود، فبلعت لعابها بتوتر و هي تلعن نفسها، من المؤكد أنه علم أن الأمر لم يسير كما اتفقا، لذلك سينفذ تحذيره.

و لكن ماذا تفعل هي، لم تستطع ان تتمالك نفسها، فلسانها طليق، لا تستطيع أن تتحكم به و شعورها بالنفور من هذا الوضع قد تحكم بها لذلك تصرفت بتهور.

لم تتناول نيروز شيئا مما طلبته، فقد كانت منشغلة في مراقبة سارة التي تتصرف بطريقة خبيثة جدا.
- كم انت غبي يا عمار، تقع في فخها بسهولة
قالتها نيروز لنفسها بحنق، منعت نفسها كثيرا من التصرف بطريقة غير لائقة، فهي لا تريد أن تخسر نقاط أكثر بسبب تلك الخبيثة.
نهضت بعد ان رأت سارة و عمار ينهضا ليتجها للخارج، فوضعت المبلغ المطلوب على الطاولة ثم نهضت لتلحقهم.

كان عمار ايضا يراقبها، دون أن تلاحظ نيروز أو سارة حتى، شعر بالسعادة و المتعة عندما رأى صورتها المنعكسة على الزجاج، فاستنتج انها اتت إلى هنا لتراقبه.
- عمار، دعنا نسير قليلا، فأنا اريد ان استنشق
هواء البحر المنعش
قالتها سارة بلباقة، فإبتسم صفوان و تتمتم
- حسنا
تقدمت منه سارة و تأبطت ذراعه، فنظر لها عمار بإستغراب، فإبتسمت له ثم نقلت نظراتها امامها، قالت سارة بخفوت
- هيا لنسير.

نظر بطرف عينيه للخلف حيث نيروز، فوجدها تخرج من المطعم، فنظر لسارة و اومأ برأسه و سارا معا.
توقفت نيروز بصدمة فور خروجها من المطعم، فقد وقعت نظراتها عليهما، شعرت بألم يتسلل لصدرها، فضمت قبضتها لضرب صدرها بقوة و هي تحدث نفسها بصوت متحشرج
- لا تتألمي، هذا لا شيء.

ثم مسحت عينيها لتختفي الدموع من أسفل جفونها، و إتجهت بخطوات سريعة متهورة لتعبر الطريق لتصل إليهم، لم تكن تفكر إلا بشيء واحد و هو، ان تصل إليهم لتوقف هذا الهراء الذي يحدث.
فجأة توقفت، و نظرت للسيارة المسرعة التي تقترب منها من بعيد، فأتسعت مقلتيها و توقفت عن التنفس، لم تستطع ان تبتعد، فجسدها عاجز عن الحركة تماما.

سمع عمار صوت مكابح السيارة المزعج، فألتفت بسرعة و إتسعت مقلتيه بصدمة و تلاحقت انفاسه و هو يرى نيروز واقفة في منتصف الطريق و السيارة في طريقها اليها، فدب الخوف في قلبه و هو يصرخ بفزع
- نيروز!

امتدت يد لتمسك بذراع نيروز و تجذبها بعيدا عن طريق السيارة.
- هل انتِ بخير؟
قالها ذلك الرجل الثلاثيني الذي انقذها للتو، فرفعت نيروز نظراتها الضائعة للأخير، و فتحت شفتيها المرتجفتين لتخرج كلماتها بصوت يكاد يسمع
- بخير
انهت نيروز جملتها و وجدت احدهم يجذبها للخلف بعيدا عن الرجل، فقد كانت قريبة منه
جدا.

نظرت للذي جذبها للخلف و الذي مازال ممسك بذراعها بقوة، فوجدته عمار، و كانت حدقتيه البنيتين تشتعلان بحدة.
لم تكن نيروز قد استعادت تركيزها جيدا، فمازالت تحت تأثير الصدمة و الخوف الذي أصابها لم يزل بعد.
- من انت؟
قالها الرجل لعمار و هو يقضب جبينه، فأجاب عمار بإقتضاب
- انا زوجها
- زوجها!، إذاً كنت تراها و السيارة كانت على وشك قتلها و لم تسرع لتنقذها؟!

قالها الرجل بإستنكار، فضغط عمار على اسنانه قبل ان يقول بإمتعاض
- لا شأن لك
صمت الرجل و هو ينقل نظراته بين نيروز و عمار، ثم مد يده ليمسك بيد نيروز و يجذبها لناحيته، و نجح، ثم قال بحزم
- بل لي
ثم نظر لنيروز و اردف بهدوء
- انا محامي، أستطيع أن اساعدك
- تساعدها بماذا أيها المجنون؟
قالها عمار بإنفعال حاد، فنظر له الرجل و اجاب بهدوء استفزاز عمار.

- اساعدها في التخلص من امثالك، فأنا اعرف امثالك جيدا، يقومون بتعذيب زوجاتهم ليجعلوهم يلجأون لطريق للانتحار للتخلص من الحياة الذي جعلتوهن أن يروها بائسة و لا حياة فيها
أحددت نظرات عمار و هو يقول بغضب
- يبدو أنك مجنون حقا
لحقت جملته لكمة وجهت لوجه الرجل ليرتد الأخير للخلف و يسقط على الأرض بقوة، فشهقت نيروز بفزع و هي ترفع نظراتها لعمار، ثم هتفت
- ماذا فعلت؟

نظر لها عمار و كاد يحرقها بنظراته، جذب نيروز من رسغها بعنف لتقف بجانبه، ثم عاد و نظر للرجل الملقى على الأرض و قال و هو يجز على اسنانه
- شكرا لأنقاذك لها، تستطيع أن تغادر دون ان تتدخل في شئون الغير
انهى عمار جملته و التفت وهو مازال ممسك برسغ نيروز ليتجه بها لسيارته، و قد نسى سارة التي تقف بعيدا عنهم، تشاهد ما يحدث بضيق.
فتح عمار باب السيارة بغضب و دفعها للداخل.

بعنف، ثم صفق الباب ليلتف حول السيارة و يتخذ مكانه خلف المقود.
وجد عمار الباب الخلفي للسيارة يفتح، فنظر للخلف فوجد سارة تصعد لتجلس في المقعد الخلفي، فعاد و نظر امامه و حرك المقود ليتجه للفيلا.
كان الجميع صامت...

نيروز تنظر لعمار من حين لآخر و هي تشعر بالحيرة من نظراته النارية الذي يقذفها بها، سارة تنظر للطريق من خلف الزجاج بإنزعاج، فهي تعلم سبب رد فعل عمار الحاد مع الرجل، أما عمار فقد تخطى اعلى درجات الغضب الذي سينفجر بعد وصولهم للفيلا.

خرج صفوان من غرفة الجلوس و معه عائشة،
نظر للأخيرة و قال بهدوء
- اخبريني، ماذا فعلتي بالداخل؟
لم تنظر له و لم تجيبه، فأردف ليستفسر
- لم تنفذي اتفاقنا، صحيح؟
لم تجيبه مرة أخرى، فنظر امامه و هو يهز رأسه بخفة، و قال
- فهمت، لم تنفذي ما قلته
توقفت عائشة فجأة، و نظرت له بحدة و قالت بحسم
- لن تستطيع أن تفعل لي شيئا
توقف هو الآخر لينظر لها بجفاء، نقل نظراته لقلادتها، فقالت بإنفعال شرس.

- و لن تأخذ هذه مني، لن اسمح لك
رفع زاوية فمه بسخرية، ثم نظر لها ببرود و قال
- إذا لم تلتزمي بالاتفاق
رفعت رأسها بحسم و قالت بتحدي
- نعم لم التزم، ماذا ستفعل اذا؟!
إبتسم لها بهدوء، و قال بخشونة
- سنرى الآن
رمقته عائشة بلا مبالاة زائفة، ثم نظرت للخادمة التي قالت بتهذيب
- من هنا غرفتك، انستي
اومأت عائشة برأسها و اتبعت الخادمة لتصل لغرفتها الجديدة، و صفوان خلفهم.

دلف عمار للفيلا و هو ممسك بذراع نيروز، و إتجه للسلم و صعده متجاهلا نداء غادة و ميساء.
نظرت ميساء لسارة التي وقفت بجانبهم و سألتها
- ماذا يحدث يا سارة؟، لماذا عمار يمسك بنيروز هكذا؟، لماذا هو غاضب؟
هزت سارة كتفيها ببرود و اجابت
- لا أعلم
ثم تركتهم و صعدت لغرفتها، فتبادل كلا من ميساء و غادة النظرات التي تظهر مدى حيرتهم و فضولهم.

في غرفة عمار و نيروز
كانت نيروز واقفة امامه، تستمع لصراخه
و هي تعقد حاجبيها بإنزعاج.
- كيف تسمحين له أن يكون قريباً منكِ هكذا؟، كان من المفترض عليكِ أن تبعديه عنكِ، بل كان من المفترض أن تنقذي نفسك بنفسك، لا أن تقفي أمام السيارة تنتظرين حتفك
كانت تلك كلمات عمار التي يوبخ بها نيروز،
فأخرجت نيروز حروفها أيضا بإنفعال حاد.

- إذا أنت رأيتني، لماذا لم تأتي لتنقذني إذاً؟، إذ أتيت انت لم يكن للرجل الغريب أن يقترب مني، و ايضا انا لا اسمح لك ان توبخني الآن، لأنك تعلم جيدا اني لم أكن استطع ان أنقذ نفسي
تنفس عمار بغضب و هو يشيح بوجهه عنها، بينما اردفت نيروز بحنق
- صحيح، لم اكن لأتهور و اعبر الطريق دون تفكير إذ لم أراك انت و تلك الخبيثة بذلك الوضع
طوت نيروز ذراعيها امام صدرها و هي تضيق عينيها لتتابع بنبرة خشنة.

- اخبرني يا عمار، هل هناك شيء بينكما؟، لا أشعر بالارتياح
نظر لها بجفاء و قال
- اذ هناك، ليس لكِ شأن
- بل لي، فأنا زوجتك
قالتها بشراسة و هي تتقدم منه خطوة، فرفع زاوية فمه بإستخفاف و صمت، فألتقطت نيروز انفاسها بعمق لتهدأ، ثم صمتت للحظات لتقول بعدها بخبث
- لماذا ضربت الرجل هكذا؟، هو لم يخطأ في شيء، فلماذا ضربته؟!
أحتدت حدقتيه مرة أخرى، و ظل ينظر لها بصمت، فتراقصت الإبتسامة اللعوبة على وجهها و هي تقول.

- هل كنت تغار من قربه مني!
شعر عمار ان لسانه قد عقد، فلا يستطيع أن ينكر قولها حتى، فأشاح بوجهه بعيدا عنها، فضحكت بعدم تصديق و هي تقول بسعادة
- حقا تغار!
ضحكت مرة أخرى و هي تتقدم منه لتقف امامه مباشرةً، تلاشت إبتسامتها تدريجياً، و لمعت
عينيها بدفئ، و براءة، مدت كفها لتتلمس لحيته الخفيفة، فعاد و نظر لها، فإبتسمت و قالت بخفوت.
- لا تستطيع أن تنكر غيرتك، فهي ظاهرة لي.

ساد الصمت بعد قولها ليتبادلا النظرات للحظات مرت ببطئ شديد عليه و عليها.
أشاح عمار بوجهه سريعا عندما شعر بأنه سيضعف، ثم تخطاها ليتجه للمرحاض.
تابعته نيروز بنظراتها حتى اختفى خلف ذلك الباب، فتنهدت بعمق ثم إبتسمت و هي تتجه للخزانة لتخرج ملابس لها، و ترتديها.

في غرفة عائشة
توقفت عائشة في منتصف الغرفة لتنقل نظراتها
حولها، ظهر الإنزعاج على ملامح وجهها و هي ترى الغرفة التي ستمكث بها الآن هي غرفتها عندما كانت صغيرة، حتى الاثاث، السرير الوردي و دميتها مازالت موجودة على فراشها، التفتت بحدة لتوجه كلامها للخادمة
- ما هذا؟، هل سأنام هنا؟
اجابتها الخادمة بتهذيب
- نعم، فسيدتي امرتني أن أوجهك لهذه الغرفة
- لا
قالتها عائشة بانفعال، و تابعت بلهجة امرة خشنة.

- لا اريد هذه الغرفة، وجهيني لغرفة أخرى
نظرت الخادمة لصفوان، فصرخت عائشة بعنف
- لماذا تنظرين له؟، نفذي أمري، حالا
هز صفوان رأسه للخادمة، فقالت الأخيرة
- حسنا يا انستي، سأفعل
ثم غادرت لتجهز غرفة أخرى لعائشة، فنظرت
عائشة لصفوان نظرة عابرة ثم إتجهت للشرفة و دخلتها، فاتبعها، نظرت له من فوق كتفها وهي تلويه ظهرها و قالت بنفاذ صبر
- هل ستظل كظلي كثيرا!
- لماذا؟، هل تريديني ان اتركك؟!
- اتمنى ذلك.

ضحك صفوان بخفة و قال
- للأسف لن تتحقق امنيتك، فالسيدة صفا جعلتني مسؤلا عنكِ
- تبا
قالتها عائشة و هي تضرب السور بقبضتها بحنق، فتابع صفوان بصوت جامد
- و ايضا، لن أتركك دون أن انفذ ما قلته
وضعت عائشة كفها بتلقائية على القلادة ثم التفتت له، فأبتسم باستهزاء ثم قال بخشونة
- مادمتِ خائفة من اخذي لهذه القلادة، لماذا لم
تلتزمي بالاتفاق؟!
ابعدت يدها عن القلادة و قالت بحزم
- لست خائفة.

صرخت بعد قولها بألم، فقد جذب صفوان القلادة بعنف عن رقبتها لتصبح بين يديه، و قد قطعت، إتسعت مقلتيها بعدم تصديق عندما وقعت نظراتها على القلادة، اشتعلت حدقتيها الخضراوتين بنيران الغضب، نقلت نظراتها له و صرخت بقهر
- سأقتلك أيها الحقير، سأقتلك.

ثم اندفعت بجسدها لتهجم عليه و لكنه كان قد سبقها في هجومه عندما طوق عنقها بكفه بقوة لكنه كان حذر، فسعلت و حاولت أبعاده و لكنه لم يتركها بل اقترب منها و قال بخفوت صارم
- حظرتكِ سابقا، و لكنك تحبين أن تعاندي لذلك تحملي ما سأفعله بكِ، سأجعل حياتك بائسة..

سأجعلكِ تبكين صدقيني، و السبب هو جعلك للسيدة صفا حزينة وجعل دموعها تنزل، انتِ لا تعلمين كم بكت في كل ليلة من اجلك، و انتِ لا تستحقين دموعها، بل لا تستحقينها كوالدتك حتى
ابتعد عنها فأخذت تلتقط انفاسها الذي قطعها عنها، بينما تابع صفوان بجفاء
- قلادتك هذه، سألقيها في القمامة، و هذه البداية فقط
ثم التفت ليخرج من الشرفة و يتجه للباب، فأسرعت عائشة لتلحقه و تعيق طريقه، فتوقف و نظر لها، بينما قالت بحسم حاد.

- لن اسمح لك بأن ترميها و لا أن تأخذها مني، لذلك أعدها
أشاح بنظراته عنها بلامبالاة ثم تخطاها، فأسرعت و امسكته من ذراعه بقوة و هتفت
بغضب جامح
- قلت أعدها لي، أعدها
ازاح صفوان يدها بعنف فأرتدت عائشة للخلف، فرمقها بجمود قبل ان يفتح الباب و يغادر، فصرخت كالمجنونة و هي تبعثر شعرها بعنف
- تبا لك، تبا.

حين اقتربت الساعة من منتصف الليل، كانت نيروز قد سبقته على السرير لتريح جسدها قليلا، بينما انهى عمار ما كان يفعله ليتجه للسرير و يستلقي عليه، وضع ذراعه على رأسه بعد ان اغلق المصباح الذي بجانبه، و استكان جسده و انفاسه بعد دقائق.
نظرت له نيروز من بين ذلك الظلام الذي كسره ضوء القمر الخافت، و ظلت تتأمله و إبتسامة
صغيرة مرسومة على شفتيها.

تقلب عمار للجانب الآخر حيث أصبح وجهه مقابل لها، فرمشت بجفونها بخفة و هي تتنهد، مدت كفها لتضعها على وجنته برفق.
صرخت شفتيها بشوق عندما وقعت نظراتها على شفتيه التي لم تتذوقها منذ زمن، كم كانت تدمنها، كم كانت تشعرها بأنها في عالم آخر، و هي معه تشعر انها اصبحت في عالم مليئ بالزهور، عالم وردي!، تريد أن تعود لذلك العالم و لو حتى لثانية.

لذلك، اقتربت منه حتى أصبحت تشعر بأنفاسه ضد بشرة وجهها الناعمة، حدقت بشفتيه للحظات، ثم قطعت المسافة التي بين شفتيها و شفتيه و هي تطبق جفونها.
كانت قبلتها رقيقة، ناعمة، كانت كفيلة بأن تجعله يستيقظ، بل لم تجعله فهو قد كان مستيقظ
منذ البداية.
كور قبضته بقوة ليتمالك نفسه و رغبته بها، فبقبلتها تلك ستجعل نيران الشوق و الحنين تشتعل بداخله، وإذ حدث هذا، سيندم بعدها بالتأكيد.

ابتعدت نيروز عنه و مازالت تطبق جفونها، وضعت رأسها على وسادتها مرة أخرى و المسافة التي بينهم كما هي، لم ترد أن تفتح عينيها و ترى ذلك الظلام لذلك، ظلت كما هي حتى نامت بعالمها الوردي.
بينما فتح عمار جفونه لينظر لها بحدقتين تظهر اثر ما فعلته الان به، لم يستطع أن يبقى بجانبها و معها أكثر لذلك، ابعد الغطاء من فوقه لينهض من فراشه و يغادر الغرفة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة