قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الثاني

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الثاني

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الثاني

بعد مرور عام و نصف من الآن.

في إحدى الاماكن الراقية جدا التي تمتلأ شوارعها بالفيلات الفاخرة و السيارات الحديثة، كانت تقطن عائلة السيد أحمد فريد هناك، فهذه العائلة تعتبر من أغنى العائلات في الوسط، و لكن برغم الغناء الفاحش الذين يعيشون فيه و الذي يجب أن يكونوا سعداء به فهم لم يحظوا بالسعادة المنشودة، فبعد إصابة رب المنزل أحمد بمرض خبيث أدى إلى مكوثه الدائم على فراشه، لم تستطيع ابنته ميساء تحمل ذلك، لذلك سافرت لتكمل دراستها بالخارج بعد محاولات كثيرة لكسب موافقة اخيها الأكبر عمار ، أما عمار فقد أصبح مدير شركة والده و قد أصبح من أشهر رجال الأعمال الأصغر سنا، أما والدتهم غادة فهي تدير.

منزلها و حياتها و حياة زوجها المريض، كالأن.
- هل هذا تنظيف؟، نظفيه مرة اخرى يا فتاة
قالتها غادة بغضب للخادمة التي تمتمت بخفوت
- حسنا يا سيدتي
اكملت غادة سيرها و هي تشير لخادمة آخرى لتتقدم منها، فتأمرها غادة
- اجلبي لي قدح قهوة و احضريه للحديقة الأمامية، فأنا سأجلس هناك
- حسنا سيدتي
امسكت غادة بالهاتف و اتصلت ب سارة صديقة عمار المقربة
- سارة، اين انتِ؟
قالتها غادة و هي تخرج للحديقة، فأجابت سارة.

- انا أمام الفيلا الآن، دقائق و ستريني أمامك
- حسنا يا عزيزتي، سأنتظرك
جلست غادة على الكرسي و وضعت هاتفها بجانبها و هي تنتظر قدوم سارة.
- ها أنا أتيت
قالتها سارة و هي تتقدم من غادة التي إبتسمت و هي تقول
- اشتقت لك يا فتاة
- انا ايضا
قالتها سارة و هي تنحني لتقبل غادة و من ثم تجلس بجانبها، بينما قالت غادة
- اين عمار؟، لماذا لم يأتي معك؟
- لديه اجتماع مهم مساء اليوم لذلك سيعود متأخرا.

غمغمت غادة بتفهم، بينما اردفت سارة
- اريد ان اخبرك بشيء
- اخبريني
- نيروز
تهجم وجه غادة عند سماع ذلك الاسم، فقالت بضيق
- لماذا تأتي بسيرتها الآن!
- نيروز عادت من فرنسا يا عمتي، منذ يومين
حدقت غادة بسارة بصدمة و هتفت بإستنكار
- لا، لا يفترض عليها أن تعود.

ترجلت من سيارة الأجرة بعد ان دفعت للسائق النقود، سارت في إتجاه بوابة الشركة لتدخل و هي تقوم بخلع نظارتها الشمسية لتظهرعينيها الرماديتين المزينة بالكحل، توقفت امام المصعد الكهربائي و ضغطت على الزر ليصل لها خلال ثواني، ولجت لداخله بخطوات ثابتة و ضغطت على زر الطابق الذي تريده و من ثم التفتت لتنظر لصورتها المنعكسة على المرآة العريضة..
نعم تلك المرأة كانت نيروز.

ماذا تفعل هنا؟ هل هي حقا اتيه لرؤيته؟، نعم هي قد اتت له بل عادت من فرنسا لأجله، فهي لم تستطع ان تبتعد عنه اكثر من ذلك، فمهما ابتعدت عنه فهو مازال يسكن في عقلها و قلبها حتى بعد خيانته لها.
لقد حاولت كثيرا ان تنساه ولكنها لم و لن تستطيع ازالته ابدا، فهل هو ايضا مثلها؟، اشتاق لها؟ كيف ستكون ردة فعله عندما يراها؟، هي تشعر بالتوتر و القلق حيال ذلك.

خرجت من المصعد و انحنت يمينا لتسير في الممر، تباطئت خطواتها عندما اقتربت من غرفة مكتبه، و اضطربت دقات قلبها و انفاسها عندما لمحته من خلف السيتار، توقفت لبرهه لتلتقط انفاسها بعمق، و من ثم اكملت سيرها حتى توقفت امام موظفة الاستقبال التي قالت
- اهلا و سهلا سيدتي، هل يمكنني مساعدتك؟
- اريد ان اقابل سيدك، عمار
قالتها نيروز بخفوت و صوت مضطرب، فقالت الموظفة
- هل هناك موعد سابق؟
- لا
- اسفة، لا است...

توقفت موظفة الاستقبال عن إكمال جملتها لتنهض سريعا و تنحني لتحية سيدها الذي كان غاضب.
- زينب، لماذا لم تجلبي لي الأوراق التي طلبتها منك؟
قالها عمار بغضب، فقالت زينب بخفوت
- اسفة يا سيدي، خلال ثواني ستصبح جاهزة
كانت نيروز تقف ساكنة تستمع لصوته الذي اشتاقت له بجانب صوت دقات قلبها التي تكاد تسمع، كورت قبضتها و ضغطت عليها بتوتر و هي تلتفت ببطء لتتقابل نظراتهم.

- عمار
همست بها نيروز بإشتياق و هي تتقدم منه، بينما كان عمار ينظر لها بثبات، توقفت أمامه مباشراً و هي تتعمق في النظر لملامحه التي مازالت كما هي فقط، ازداد جمالا و رجولة!
- كم اشتقت لك، حقاً
قالتها نيروز بخفوت و قد لمعت عينيها بالدموع، فقال عمار بجمود
- من انتِ؟
حدقت به بذهول و هي تقول
- ماذا؟
- الا تسمعين؟، اسألك، من انتِ؟
شعرت بالصدمة من قوله، الا يتذكرها؟، ضحكت بخفة و قالت بقلق.

- عمار، لا تمثل انك لا تعرفني
احتدت ملامح وجهه و هو يقول بإقتضاب
- انا لا أمثل، انا حقا لا اعرفك، من انتِ؟
سقط فكها بصدمة، لا تصدق، الا يعرفها حقا؟!، ظلت على حالتها لدقيقة كاملة، فرمقها ببرود قبل ان يلتفت و هو يقول ل زينب
- احضري لي الأوراق، الآن
- حسنا يا سيدي.

قالتها زينب قبل ان تغادر مكتبها، بينما دلف عمار لغرفة مكتبه و اغلق الباب تاركا نيروز في صدمتها، سالت دمعة حارة من أسفل جفونها و هي تخفض رأسها، مسحت وجنتها بكفها و هي تلتفت لتغادر الشركة خائبة.

في فيلا أحمد فريد
- عمار، هل يعلم بأنها عادت؟
قالتها غادة بقلق ل سارة التي اجابت بهدوء
- لا يا عمتي، عمار لا يعلم و حتى إذ أخبرته فهو لن يتذكرها
قضبت غادة جبينها بعدم فهم و قالت
- ماذا تقصدين بأنه لن يتذكرها؟
صمتت سارة لبرهه قبل ان تقول
- عمار فقد جميع الذكريات التي جمعته بها
- كيف هذا؟

- بسبب الحادث يا عمتي الذي تعرض له، فقد سبب هذا الحادث فقدان جزئي للذاكرة لدى عمار و قد اشتمل هذا جميع ذكرياته مع نيروز
- لماذا نحن لا نعلم بهذا؟، و كيف علمتي هذا؟
- لم اشأ ان اقلقكم يا عمتي، اما انا كيف عرفت فانا سألت الطبيب، فقد شعرت بان هناك شيء مريب في عمار
ثم تذكرت حديثها مع الطبيب
- ايها الطبيب، اخبرني، ماذا به عمار؟، فأنا اشعر انه ليس طبيعي، هل هناك شيء؟

- سأتحدث معك بصدق، الآن نحن نعتقد أن السيد عمار مصاب بفقدان جزئي للذاكرة و بصفةٍ عامة فقدان الذاكرة يكون لأسباب عضوية أي خلل في الدماغ أو يكون لأسبابٍ نفسية، وفي مثل حالة السيد عمار فهي تكون الأسباب عضوية بسبب إصابة رأسه اثر الحادث و لكن أيضا هناك نسبة للأسباب النفسية فهو يعاني من علة نفسية، ومن أكبر الأسباب النفسية هو ما يُعرف بالهستريا الانشقاقية، وفيها تتعطل أو يعطل الإنسان بصورةٍ لا شعورية أجزاء من.

ذاكرته، لأن هناك أحداث معينة لا يريد أن يتذكرها، فلذلك سنقوم بتصوير إشاعة لرأس السيد عمار للتأكد من حالته
اكملت سارة ل غادة
- و من ثم تأكدنا من أنه مصاب بفقدان جزئي و السبب ليس عضوي بل نفسي، ف عمار كان يعاني كثيرا من فقدانه لنيروز لذلك هو قام بتعطيل ذكرياته معها لا شعوريا، هذا ما اخبرني به الطبيب
صمتت غادة لبرهه قبل ان تقول بكره
- نيروز جعلت عمار يعاني كثيرا، و انا لن اسامحها ابدا على ذلك.

مدت سارة يدها لتمسك بيد غادة و هي تبتسم و تقول بمزاح
- اريد ان اذهب للنادي، هل تريدين المجيء معي يا عمتي الغاضبة؟
ضحكت غادة بخفة و قالت
- لا، لن اذهب، انا فقط اريد ان اتحدث مع عمار الآن
- حسنا، إذا أنا سأغادر الأن
اومأت غادة برأسها، فنهضت سارة و قالت
- وداعا
ثم غادرت...
- ماذا بك يا نيروز؟ لماذا تبكين؟
قالتها اسماء بقلق عبر الهاتف، فأجابت نيروز ببكاء
- عمتي، عمار لا يتذكرني، عمار لا يتذكرني.

- لا يتذكرك؟، كيف هذا؟
- لا أعلم، لا اعلم يا عمتي
قالتها نيروز و قد ارتفع صوت شهقاتها، كم
تشعر بالألم الآن، فهو كيف لا يتذكرها؟، هل حدث شيء لا تعلمه؟، هل أحب اخرى؟
- اذهبي لمنزلي يا نيروز، و من ثم سنفكر ب...
قاطعتها نيروز
- لا، لن أذهب لمنزلك الآن
- ماذا؟، إذا إلى اين ستذهبين؟
مسحت نيروز دموعها و قال بتماسك
- سأذهب لوالدة عمار و ميساء
- ماذا؟، لماذا ستذهبين لهناك؟

- سأذهب لكي أعلم ماذا به عمار؟، لماذا لم يتذكرني، من المؤكد انني سأجد إجابة لديهم
صمتت أسماء لبرهه قبل ان تقول
- حسنا، أفعلي ما تريدين و لكن اهدئي الآن
- حسنا، سأغلق الآن
اغلقت نيروز الخط دون انتظار رد اسماء، و من ثم نظرت للسائق و أخبرته بأنها ستغير وجهتها
و أعطته العنوان.

تقف نيروز امام بوابة الفيلا، تتأملها، فهذه الفيلا تحمل لها الكثير من الذكريات التي جمعتها بحبها الوحيد، تنفست بعمق و هي تتقدم لتعبر البوابة و تسير في الحديقة الأمامية، فتقدمت منها إحدى الخادمات و سألتها
- من انتِ؟
- هل لي أن اقابل السيدة غادة؟
قالتها نيروز بهدوء، فقالت الخادمة
- تفضلي للداخل
اومأت نيروز برأسها و سارت خلف الخادمة للداخل.

- تفضلي و اجلسي، و انا سأذهب للسيدة غادة، و لكن، ما اسمك يا سيدتي؟
صمتت نيروز لثواني و من ثم قالت بتردد
- انا نيروز
اومأت الخادمة برأسها و غادرت، بينما جلست نيروز على الأريكة و هي تنقل نظراتها حولها، إبتسمت بحزن عندما وقعت نظراتها على صورة عمار، نهضت و تقدمت من صورته المعلقة على الحائط، مدت يدها للصورة لتتلمسها، فإمتلأت مقلتيها بالدموع، دموع الأشتياق، فهي قد اشتاقت له كثيرا.
- ماذا تفعلين هنا؟

قالتها غادة بضيق و هي تتقدم من نيروز من بعيد، فألتفتت نيروز بهدوء و قالت و هي تبتسم
- كيف حالك يا عمتي، اشتقت لك
و اقتربت منها نيروز لتعانقها و لكن غادة منعتها عن ذلك و هي تقول بصرامة
- لا تقتربي، فأنا لا اطيق رؤيتك
توقفت نيروز بصدمة و قالت
- عمتي؟!
- لماذا اتيتي؟
قالتها غادة بإقتضاب، فقالت نيروز بصدمة
- لماذا تعامليني هكذا؟
- كيف تريدين مني ان اعاملك؟، هل تريدين مني أن أضع لكِ السجادة الحمراء لعودتك لنا!

قالتها غادة بتهكم و هي تنظر لنيروز بحدة، فقالت نيروز بخفوت
- لا أقصد هذا، ولكن...
قاطعتها غادة بقولها و هي تتخطاها ل تجلس على الأريكة
- لا تطيلي في الحديث يا نيروز، فقط اخبريني، لماذا اتيتي لهنا؟
تنفست نيروز بعمق قبل ان تلتفت لتجلس على الأريكة المجاورة لغادة، قالت بهدوء
- أتيت لكي اسأل عن شيء
- ما هو؟
- عمار
- ماذا تريدين منه يا نيروز؟ ابتعدي عنه، ألم يكفيك ما فعلتيه به؟

قالتها غادة بإنفعال، فقالت نيروز بحزن
- ماذا فعلت به؟ هل اذيته؟
- نعم، انتي قمتي بأذيته عندما رحلتي عنه
- أعتقد انكِ تعلمين لماذا رحلت
- نعم، اعلم، لذلك لم يكن يجدر بكِ أن تعودي
- لم استطع ان أظل بعيدة عنه
- و لكنه استطاع، لذلك اقول لكِ، ابتعدي عنه و أتركيه ليكمل حياته بهدوء
قالتها غادة بقسوة و هي تنظر لنيروز بحسم، فصمتت نيروز لبرهه و من ثم قالت
- هل أحب اخرى؟
- إذ أحب، هل ستتركيه؟

ساد الصمت لثواني، ف نيروز لن تتركه، لا تستطيع، التقطت نيروز انفاسها لتقول بهدوء و هي تنقل نظراتها ل غادة
- قبل أن اتى إلى هنا ذهبت لعمار، في الشركة، و قابلته و لكنه لم يتذكرني، لماذا؟
رسمت غادة على شفتيها إبتسامة جانبية باردة و هي تقول
- طبيعي، ف عمار قد قام بإخراجك من حياته، حتى ذكرياتك معه، لم يعد يتذكرها
- ماذا يعني هذا؟
قالتها نيروز بقلق، فتنفست غادة بعمق قبل ان تقول بمرارة.

- بعد أن رحلتي بفترة، تعرض عمار لحادث أدى إلى فقدانه للذاكرة و بعض الكسو...
توقفت غادة عن إكمال جملتها فجأة، فقالت
نيروز برجاء
- اكملي رجاءً
نقلت غادة نظراتها امامها و قالت ببرود
- ليس لكِ الحق ان تعرفي اي شيء متعلق بعمار
- بل لي الحق، فأنا مازلت زوجته
قالتها نيروز بإنفعال شرس، و من ثم اردفت بألم
- هل حقا تعرض عمار لحادث أفقده ذاكرته، لذلك لم يتذكرني؟، رجاءً، اكملي لي ما حدث.

قالت الأخيرة برجاء و قد لمعت عينيها بالدموع، فنظرت لها غادة بطرف عينيها و قالت بجمود
- قلت لكِ أنه ليس لكِ الحق أن تعرفي أي شيء متعلق بأبني عمار، فقط ابتعدي عنه
انهت غادة جملتها و نهضت و قالت بوقاحة
- هل ستغادرين أم تودين ان اطردك؟
رفعت نيروز نظراتها لغادة و قد كسى ملامح وجهها الحزن، نهضت و قالت بصوت
متحشرج
- لا داعي لطردي، فأنا سأغادر.

اومأت غادة برأسها و من ثم التفتت و سارت لإتجاه السلم، بينما إتجهت نيروز للباب لتغادر.

مساءًا
في فيلا أحمد فريد
- كيف حالك يا عمار؟، هل انتهيت من عملك اخيرا؟!
قالتها غادة فور دخول عمار من باب الفيلا، اقترب منها و قبل يدها و هو يقول
- نعم أنهيت عملي، لذلك اريد ان اخذ قصدا من الراحة الآن
- لا
قالتها غادة بحسم و اردفت
- لن اسمح لك ان تأخذ قصدا من الراحة، سأسمح لك فقط ان تصعد لتأخذ حماما ساخنا و من ثم تنزل لتتناول معي العشاء
إبتسم عمار و قال وهو يتجه للسلم ليصعده.

- حسنا يا سيدتي الجميلة، سأصعد لأخذ حماما ساخنا و من ثم سأتناول معكِ طعام العشاء.

في منزل اسماء
خرجت نيروز من المطبخ و هي تحمل طبق به بيض، إتجهت للسفرة الصغيرة و وضعت الطبق عليها و جلست، ظلت صامتة لفترة وجيزة، تنظر امامها بشرود، فأستيقظت من شرودها على صوت رنين هاتفها، فأخرجته من جيب
بنطالها و اجابت و هي تضعه على اذنها و ظلت صامتة، تسمع أقوال اسماء لها
- نيروز، ماذا تفعلين الان؟، و ماذا حدث معك؟، أنتي لم تخبريني بشيء، نيروز!، هل انتي معي؟
- نعم يا عمتي، انا معكِ.

- ماذا حدث معكِ عندما ذهبتي لغادة؟
صمتت نيروز لبرهه قبل ان تقول بهدوء حزين
- عمار فقد ذاكرته يا عمتي، لذلك هو لم يتذكرني
شهقت اسماء و هي تقول بفزع
- يا لطيف!، كيف حدث هذا له؟، اخبريني يا نيروز ما اخبرتك به، بظبط
بدأت نيروز في سرد ما حدث في مقابلتها القصيرة مع غادة و هي تنازع دموعها.
انهت نيروز سردها، ثم قالت و قد اختنق
صوتها
- سأغلق الآن يا عمتي.

انهت نيروز جملتها سريعا لتغلق الخط قبل ان تهرب دموعها لتسيل على وجنتيها، القت نيروز بهاتفها على الطاولة لتضع كفها على فمها لتكتم صوت شهقاتها التي تعالت، طبقت جفونها بقوة و هي تتذكر ذكرياتها مع حبيبها عمار، كيف له أن ينسى ما كان بينهم!، هي تعلم أن فقدانه لذكرياتهم معا ليس بيده، و لكن حتى إن كان كذلك فهذا شيء يؤلمها.

منذ ثلاث أعوام و نصف من الآن
دخلت نيروز المطبخ و وضعت الأكياس
البلاستيكية على الأرض و هي تقول ل اسماء
- اريد النوم يا عمتي لذلك لن أكل
انهت نيروز جملتها و إتجهت لغرفتها، فلحقتها عمتها و هي تقول
- لماذا؟، هل حدث شيء؟
- لا شيء يا عمتي، فقط اريد النوم
قالتها نيروز و هي تخلع ملابسها، فقالت اسماء
- حسنا، سأتركك على راحتك.

انهت اسماء جملتها و التفتت و غادرت، فجلست نيروز فراشها و هي تتنفس بعمق، فطول الطريق كانت تفكر في عمار و ما قاله، هي تشعر بالحيرة، عادت بجسدها لتريحه، طبقت جفونها بهدوء و هي مازالت تفكر.

بعد مرور يومين
- هيا انهضي يا نيروز
قالتها اسماء لنيروز التي كانت نائمة، فتحت نيروز عينيها و قالت بصوت ناعس
- لن اذهب اليوم أيضا
- لن تذهبي!، لماذا؟
- هكذا
- اخبريني ماذا هناك يا نيروز، هيا
قالتها اسماء بحسم و هي تلوي جسد نيروز لها، فقالت نيروز بوهن
- لا يوجد شيء لأقوله يا عمتي، اتركيني الآن، اريد النوم
انهت نيروز جملتها و عادت للنوم، فأمسكتها اسماء بحدة و قالت
- انتِ كاذبة، قولي يا نيروز ماذا هناك.

- قلت لا يوجد شيء يا عمتي
قالتها نيروز بنفاذ صبر، فأنفعلت اسماء و قالت
- إذاً اخبريني ما سبب تغيبك عن الجامعة ليومين؟
تأففت نيروز و هي تزيح الغطاء لتنهض وهي تقول
- ها انا الآن سأرتدي ملابسي لأذهب للجامعة ل أثبت لكِ انه ليس هناك سبب لتغيبي.

وصلت نيروز للجامعة، عبرت البوابة و هي تنظر للداخل بتفحص، فهي لا تريد أن تلقاه، سارت في الممر لتصل لقاعة المحاضرة و تدخلها و هي تشعر بالراحة لأنها لم تقابله، تأسفت عن تأخرها للدكتورة، ثم إتجهت للجانب الأيمن لتجلس في المكان المتوفر لها، و بالصدفة، كانت ميساء جالسة بجانبها.
- نيروز، كيف حالك
قالتها ميساء بهمس لنيروز التي إبتسمت بهدوء و
هي تهمس
- بخير.

اومأت ميساء برأسها لتعود بعدها و تنظر للدكتورة، ففعلت نيروز المثل.

نهضت نيروز و هي تلملم اشيائها لتغادر فقد انتهت المحاضرة، فنهضت ميساء و قالت
- نيروز، ما رأيك أن نذهب للكافتيريا معا؟ فأمامنا نصف ساعة و تبدء المحاضرة التالية
رفعت نيروز نظراتها ل ميساء و صمتت لبرهه و من ثم قالت
- حسنا
إبتسمت ميساء و قالت بمرح
- حسنا، هيا بنا يا صديقتي
اومأت نيروز برأسها و هي تحمل حقيبتها و قالت
- هيا.

جلست نيروز بجانب ميساء بعد أن وضعت قدحي القهوة على الطاولة، أخذت ميساء القدح الخاص بها و احتست منه القليل، و قالت
- اخبريني يا نيروز عن حياتك و عنك، فأنا اريد ان أتعرف عليكي أكثر
- ليس لدي شيء لأقوله عني
قالتها نيروز و هي تبتسم، فقالت ميساء
- إذا، انا التي ستتحدث عن نفسها، فأنا أحب ذلك
قالت الأخيرة و هي تضحك، فبادلتها نيروز و قالت
- حسنا، تحدثي، فأنا استمع لك.

- انا ميساء، ابنة السيد أحمد فريد، تعرفينه؟
- صراحة، لا أعرفه
إبتسمت ميساء و قالت
- لا يهم، سأكمل، انا ابنته الصغرى المدللة، لدي أخ أكبر لقد تعرفتي عليه، إنه عمار
- نعم
قالتها نيروز بإرتباك و هي تجول بنظراتها، فأكملت ميساء.

- أخي عمار، انا أحبه جدا فهو طيب القلب جدا، و لطيف فهو يقوم بتوصيلي للجامعة و إعادتي، ليس دائما ولكن هذه الفترة أصبح يوصلني يوميا، و يهتم بأمور دراستي، برغم انشغاله في عمله في شركة والدي فهو يتفرغ لي و لوالدتي دائما، اتعلمين...
قالت ميساء الأخيرة بحماس و اكملت بخفوت
- انا اشعر ان أخي معجب بفتاة، لذلك اخبريني كيف لي أن اعرفها؟، فأنا أعتقد ان تلك الفتاة من جامعتي
اضطربت نيروز، فقالت بتلعثم.

- لماذا تسأليني!، انا لا أعرف
إبتسمت ميساء و قالت
- أعلم انكِ لا تعرفين، انا فقط اخبرك، فأنتِ صديقتي الآن، صحيح!
اومأت نيروز برأسها سريعا و نهضت و هي تقول
- هيا لنعود لقاعة المحاضرات
- لا، مازال الوقت باكرا
- انا سأذهب
قالتها نيروز و غادرت سريعا، فقد شعرت أن ميساء تعمدت قول ذلك لها، و لكن لماذا؟، بينما قضبت ميساء جبينها بدهشة ف في ثواني اختفت نيروز من امامها، نهضت و غادرت هي الآخرى.
الوقت الحالي.

في فيلا أحمد فريد
كان عمار جالس على السفرة مع والدته يتناولون طعام العشاء، كان يتناول طعامه بهدوء، بينما كانت غادة تختلس النظر له، ف لاحظ ذلك فقال
- اخبريني بما تريدين قوله
- اريد ان اعاتبك
- على ماذا؟
- على كذبك
- كذبي!
قالها بإستغراب، فقالت غادة
- من المؤكد انك تعلم انك فقدت ذاكرتك، صحيح!
- نعم
قالها بهدوء، فقالت
- إذا لماذا لم تخبرنا؟
عاد و نظر لطبقه و هو يجيب
- لم أود أن اقلقكم، فالأمر ليس بشيء مهم.

- كيف الأمر شيء لا يهم!، إنها ذاكرتك
وضع لقمة في فمه و هو يقول بهدوء
- نعم شيء لا يهم، فأنا أعتقد أن الشيء الذي لا اتذكره، هو شيء ليس بمهم
صمتت غادة لبرهه و هي تدقق في النظر له، فقال
- ماذا؟، لماذا تحدقين بي؟
انتبهت، فإبتسمت و هي تقول بهدوء
- صدقاً الشيء الذي لا تتذكره هو شيء لا يهم
ثم اردفت و هي تنقل نظراتها لطبقها.
- متى ستقابل سارة؟
- غداً، لماذا تسألي؟
- ما رأيك أن تأتي بها غداً إلى هنا؟

اومأ برأسه و قال
- حسنا، سأخبرها و سنأتي
إبتسمت غادة برضا و قالت
- حسنا، سأنتظركم.

أشرقت شمس يوم جديد
في منزل اسماء.

استيقظت نيروز باكرا و ارتدت ملابسها، اتصلت بها أسماء فأجابت
- كيف حالك يا عمتي؟
- بخير يا عزيزتي، و انتي؟، هل أصبحتي افضل؟
- نعم
قالتها نيروز بهدوء، و اردفت
- اليوم سأذهب لأمي
- حقا!، لماذا ستذهبين؟
قالتها اسماء بقلق، فأجابت نيروز بهدوء و هي تخرج من غرفة النوم
- اشتقت لأمي كثيرا، أريد رؤيتها
- لا احبذ ذهابك يا نيروز
قالتها اسماء بصدق، فقالت نيروز.

- أعلم، و لكني اشتقت لها كثيرا و ايضا يجب علي أن أذهب لأطمئن عليها فكما تعلمين هي وحيدة الآن، خاصا أن اخي صفوان ليس معها بسبب عمله في الخارج
صمتت اسماء لبرهه قبل ان تقول
- حسنا، اذهبي، و لكن لا تتوقعي رد فعل طيب من والدتك، حسنا؟
إبتسمت نيروز بحزن و قالت
- حسنا، سأغلق الآن
انهت نيروز المكالمة و هي تلتقط انفاسها بعمق قبل ان تغادر المنزل.

اوقف عمار سيارته لتصعد سارة بجانبه.
- كيف حالك اليوم؟
قالتها سارة وهي تنظر له و الإبتسامة على شفتيها، فبادلها الإبتسامة و اجاب بلطف
- بخير، بعد رؤيتك
إتسعت إبتسامتها و نقلت نظراتها للطريق، و بعد صمت قالت
- هل تحدثت معك والدتك بالامس؟
- نعم
و من ثم نظر لها و هو يتابع
- و قد علمت أنني فقدت ذاكرتي، هل انتي من اخبرتيها؟
- نعم
- لماذا؟

صمتت سارة فليس لديها إجابة مناسبة، فالإجابة التي لديها تشمل نيروز و هي لا تريد ان تأتي بها في الحديث، لذلك لازمت الصمت، و لم ينتظر عمار إجابة، فقد غير الموضوع عندما قال
- امي تدعوك اليوم لدينا، هي تنتظرك
- أعتقد اني قريبا سأتي و امكث لديكم
قالتها بمزاح، فضحك بخفة و قال بهدوء
- ليس لدي أي مشكلة
حدقت به و هي تبتسم بإعجاب، فنظر لها فأشاحت بوجهها سريعا لتخفي نظرتها التي تصفح عما بداخلها من مشاعر تكنها له.

وقفت نيروز امام باب منزل عائلتها بثبات ظاهر و قلق باطن، طرقت على الباب بتردد و انتظرت إستجابة أحد، و خلال ثواني سمعت صوت والدتها
- من الطارق؟
- انا نيروز يا أمي
ساد صمت لدقيقة كاملة، و من ثم فتحت والدتها الباب و قالت بإقتضاب
- ماذا تفعلين هنا؟
إبتسمت نيروز و قد امتلأت مقلتيها بالدموع و هي تقول
- اشتقت لكِ كثيرا، يا أمي.

و اقتربت من والدتها و عانقتها بقوة بينما كانت والدتها تدفعها بعيدا و هي تقول بقسوة
- ابتعدي عني يا فتاة، لا أريدكِ، غادري
سالت دموع الألم من أسفل جفون نيروز، فكلمات والدتها تألمها و لكنها لن تبتعد، فهي بحاجة لوالدتها، فقالت بصوت متحشرج
- لن أغادر، فأنا اشتقت لكِ كثيرا
- قلت لكِ غادري، لا أريدك
قالتها والدتها بغضب و هي تدفع نيروز عنها بقوة، فأرتدت نيروز للخلف و نظرت لوالدتها بألم و هي تقول.

- امي، لا تفعلي هذا، انا احتاجك حقا
- انا لست امك، و هذا ليس منزلكِ لكي تأتي هنا، لذلك غادري
قالتها والدتها بصرامة و قسوة، فلم تستطيع نيروز الصمود فانهارت و قالت ببكاء
- لماذا جميعكم تعاملوني هكذا؟، لماذا تبعدوني عنكم، لماذا؟
- هل تبكين الان؟، هل تعتقدين اني سأشفق
عليكي!، انتي مخطأه
زادت نيروز في بكائها بينما اردفت والدتها.

- انتِ التي جعلتينا نعاملك بهذه الطريقة، انتِ التي فضلتي آخر على عائلتك، اخبريني، أين زوجك الذي تركتي عائلتك من اجله؟، مل منك و لم يعد يريدك!
قالت الأخيرة بسخرية، ف بلعت نيروز لعابها و قالت بألم
- بل لم يعد يتذكرني، عمار فقد ذاكرته يا أمي
حدقت بها والدتها بصدمة و لبرهه لانت ملامحها و لكن سريعا ما عادت كما كانت و قالت ببرود
- لا يهمني بشيء، الآن، غادري و لا تعودي إلى هنا، ابدا.

انهت جملتها و دلفت للمنزل و صفقت الباب بقوة في وجه نيروز انتي جثت على ركبتيها
بإنهيار، وضعت كفيها على وجهها و ظلت تبكي بقهر و حزن.
كانت والدتها تنظر لها من العين السحرية بحزن، فهي تود أن تفتح الباب و تأخذ ابنتها التي اشتاقت لها بين ذراعيها و لكن لا تستطيع، فما فعلته نيروز لا يغتفر بالنسبة لها، ابتعدت عن الباب و جلست على الأريكة و وضعت وجهها بين كفيها و اصبحت تبكي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة