قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الثاني عشر

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الثاني عشر

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الثاني عشر

في المستشفى
اخذ صفوان يجوب الممر ذهابا و إيابا، ينتظر خروح الطبيب من الغرفة التي امامه، بينما كانت والدته تجلس على المقعد المجاور للباب و هي ترمقه بعتاب، فما حدث للفتاة حدث بسبب غباء ولدها و عدم تفكيره، أخذت تدعي ربها أن الفتاة تكون بخير.
خرج الطبيب من الغرفة، فأسرع له صفوان بلهفة و قال
- اخبرني أيها الطبيب، هل هي بخير؟
اتت والدته بجانبه و قالت بقلق
- هل هي حية؟
نظر لهما الطبيب و قال بهدوء.

- اطمئنوا، انها بخير، و لكنها تحتاج لتناول الطعام فما حدث لها كان سببه عدم تناولها للطعام، يبدو أنها لم تتناول شيء لذلك فقدت الوعي بعد ان انخفض الضغط لديها، من الجيد أن هذا فقط حدث لها، فهناك أعراض آخرى قد تكون أخطر كالتشنجات مثلا
- حسنا ؛ هل نستطيع أن نراها؟

قالها صفوان، فسمح له الطبيب بذلك، فأتجه صفوان للغرفة و دخلها و خلفه والدته، توقف بجانب الفراش الذي يحمل جسد عائشة التي مازالت نائمة، و ظل صامتا، بينما سألت والدته الممرضة
- لماذا مازالت نائمة؟
نظرت لها الممرضة و إبتسمت و هي تحرك
شفتيها دون أن تخرج صوت
- انها ليست نائمة
عقدت والدته حاجبيها بعدم فهم، بينما قال صفوان
- هل استطيع أخذها للمنزل؟
- نعم
اجابته الممرضة بهدوء، فخرج صوت عائشة الحاد و هي تنهض بعنف.

- لا، انا مازلت مريضة لذلك انتم لن تسمحوا لي بالعودة
نظرت لها الممرضة بإستغراب و قالت
- لماذا؟، هل تشعرين بأي الم؟
- نعم
اجابتها عائشة سريعا، و تابعت
- اشعر بألم في معدتي و جسدي، اشعر انه ضعيف جدا
- هذا شيء طبيعي فأنتِ لم تتناولي الطعام لذلك تشعرين بذلك
- لا، هذا شيء غير طبيعي
قالتها عائشة بعنف، فقال صفوان بجمود للممرضة
- شكرا لكِ، سنغادر الآن
ثم نظر لعائشة و قال ببرود
- هيا بنا.

عادت عائشة و استلقت على الفراش و تدثرت تحت الغطاء بعناية و هي تقول
- ليس الآن، فأنا اريد ان انام فأنا متعبة
رمقها صفوان بنفاذ صبر و قال
- انهضي، هيا
تجاهلته عائشة و طبقت جفونها، فضحكت الممرضة بخفة و قالت
- لا تنسى أن تجعلها تتناول الطعام، استأذن
- حسنا، شكرا لكِ
ثم غادرت الممرضة، فقالت والدته
- أتركها يا صفوان الآن لترتاح
- لا
قالها صفوان بحسم ثم ابعد الغطاء من فوقها، فتحت عائشة عينيها بإنزعاج و هي تهتف.

- ما هذا؟
لم يجيبها، انحنى ليحملها بين ذراعيه، فقالت بحدة
- اتركني، لا اريد ان اغادر معك
إتجه بها للباب و هو يتجاهل أقوالها المتزمرة، سار في الممر الطويل حتى وصل للرواق.
- قلت، انزلني
قالتها بغضب و صوت مرتفع جذب انتباه من حولها، فتوقف و نظر لها ببرود، ثم قال
- حسنا.

ثم انزلها، فرمقته بإزدراء و هي تلتفت لتعود للغرفة و لكنه امسك بيدها و سحبها خلفه للخارج، كانت تنازعه، تحاول ان تفلت من بين يديه و لكن قبضته قوية جدا امامها، زفرت بقوة و هي تهتف
- اتركني، قدمي عارية
- اعلم
قالها بعدم اكتراث وهو يكمل سيره و سحبه لها، قالت والدته التي تسير خلفهم
- بني، هكذا قدمها ستجرح
- هي من طلبت مني أن انزلها، لذلك عليها ان تتحمل الم قدميها إذ جرحت
شعرت عائشة بالحنق، فهتفت.

- هااي، أيها الوغد اتركني
فتح باب سيارته و دسها لداخلها ثم اغلق الباب، اتخذ مقعده خلف المقود و والدته في المقعد
المجاور له.

في فيلا أحمد فريد
سارت نيروز في الممر لتصل لغرفة أحمد، طرقت على الباب ثم فتحته، نظرت ل غادة التي كانت تطرق بجانب زوجها و قالت نيروز بلطف
- هل لي أن أدخل؟
- ماذا تريدين؟
سألتها غادة بجفاء، فأجابتها نيروز و هي تدخل و تغلق الباب خلفها
- أتيت لأتحدث معكِ يا عمتي و ايضا لأقابل عمي أحمد و ألقي التحية عليه
- لم اسمح لكِ أن تدخلي
قالتها غادة بإنزعاج، فإبتسمت نيروز بحرج و قالت
- اسفة.

توقفت نيروز امام سرير أحمد و انحنت قليلا لتراه عن قرب، إبتسمت إبتسامتها المشرقة و هي تقول
- كيف حالك يا عمي؟، لقد اشتقت لك
إبتسم أحمد و رمش بعينيه، فقالت بمرح
- انت ايضا اشتقت لي، صحيح؟
رمش بعينيه مرتين، فأتسعت إبتسامة نيروز.
- بماذا تريدين التحدث معي؟
قالتها غادة و هي تنظر لنيروز بإنزعاج، فاستقامت نيروز و نظرت لغادة و هي تقول
- أردت أن أشكرك على ما فعلتيه معي
- ماذا فعلت؟

- اهتمامك بي و قلقك علي بالأمس عندما...
قاطعتها غادة و هي تنهض
- حسنا حسنا، اتبعيني، سنكمل حديثنا في الخارج لكي لا نزعج أحمد
اومأت نيروز برأسها و أتبعت غادة للخارج، توقفت غادة بعيدا عن غرفة أحمد بقليل، و قالت بجمود
- اكملي
- أردت أن أشكركِ على ما فعلتيه لي بالأمس، فبدونكِ لا أعلم ماذا كان سيحدث لي، فأنا كنت اتألم بشدة و انتِ حاولتي التخفيف عني، لذلك شكرا لكِ
توترت غادة، فصمتت للحظات ثم قالت بجمود.

- لا تعتقدي اني فعلت ذلك من اجلكِ، فأنا فعلت ذلك لأني أكره رؤية احدهم يتألم و لا اساعده
إبتسمت نيروز بإمتنان و قالت
- إذ كنتِ كذلك أم لا، فأنا ممتنة لكِ بكلتا الحالتين
هزت غادة رأسها بإقتضاب ثم عادت لغرفة أحمد، فتنهدت نيروز ثم التفتت و اتجهت لغرفتها.

في منزل عائلة نيروز
تقدم عمار من عائشة الجالسة على فراشها، وضع الصينية التي يحملها جانبا و قال
- هيا، يجب أن تتناولي الطعام
نظرت له بحدقتيها الحادتين و صمتت، فقال
- إذ لم تتناوليه بمفردك سأطعمه لكِ عنوة
اعادت نظراتها للامام و قالت بجمود
- لن تستطيع
- حسنا.

قالها بهدوء ثم التفت و إتجه للباب و فتحه بالمفتاح ليخرج للحظات ثم يعود و معه حبال، اتبعته بنظراتها و هو يتقدم منها، توقعت ماذا سيفعل و لم تكترث كثيرا، توقف امامها و قال
- لآخر مرة سأقولها، تناولي طعامك و الا...
قاطعته بثبات
- أفعل ما شئت، لا أهتم و لن أتناول الطعام
هز رأسه ثم تقدم منها و امسك بيديها و قام بربطهم، بينما كانت عائشة هادئة إلى حد البرود، تابعته وهو يقوم بإصال الحبل للسرير، فسألته ببرود.

- لماذا انت مهتم هكذا بتناولي للطعام؟
اجابها بجفاء
- أقوم بذلك ليس لخوفي عليكِ بالتأكيد، بل لأني لا اريدكِ أن تموتي و انتِ هنا، و ايضا من
أجل السيدة
هزت رأسها ببرود ثم قالت باستخفاف
- هل تعتقد أن بربطك ليدي سأتناول الطعام!
نظر لها و قال
- نعم
- هذا سخيف.

قالتها و هي تشيح بوجهها، بينما ابتعد عنها ليجلب الصينية و يجلس بجوارها، التقط رغيف الخبز و قطعه ليغمز به العدس الأصفر، ثم قربه من فمها، ابعدت وجهها إلى أبعد حد، فأمسك بذقنها بقوة و اداره له بعد نزاع قصير، قرب قطعة الخبر لفمها و تلمس شفتيها و لكنها رفضت فتحهما، و لكنه تمكن منها في النهاية، و لكنها لم تستسلم، فقد بصقتها على ملابسه، فاشتعلت حدقتيه بغضب و هو ينظر لملابسه، رفع نظراته لها و هو يلتقط انفاسه بخشونة، قال.

بهدوء مخيف
- حسنا، لا تتناوليه
ثم نهض و هو يحمل الصينية، فشعرت بالانتصار و لكن شعورها ذلك لم يدم، فقد القى بالطعام عليها دون تردد، فشهقت بصدمة، نظرت لملابسها و جسدها الذين تلطخوا بالطعام، ثم نقلت نظراتها له بحنق و هتفت بغضب
- ايها الوغد الحقير
إبتسم بطريقة مستفزة و قال
- تستحقين ذلك
ثم التفت و اتجه للباب و قبل ان يخرج، اردف بإقتضاب
- سأتي لكِ بطعام آخر، و ستتناوليه دون ان تتفوهين بكلمة اعتراض.

ثم غادر وهو يتجاهل توعدها الغاضب له
- اقسم اني سأجعلك تندم، أقسم أيها الحقير.

في الشركة
كان عمار منكب على اوراقه، رفع رأسه لينظر للساعة فوجدها الثالثة عصراً، فنهض و التقط سترته ليغادر، و في طريقه لمغادرة غرفته قابل سارة التي دلفت لغرفة مكتبه.
- إلى اين انت ذاهب؟
سألته سارة، فأجاب عمار و هو يرتدي سترته
- للمنزل
قضبت جبينها و سألته
- لماذا؟
- لدي موعد مهم، لذلك سأعود للمنزل لأبدل ملابسي ثم اغادر
همهمت سارة بلطف و قالت
- حسنا
- ماذا كنتِ تريدين؟

- أتيت لك لأطلب منك أن نتشارك تناول الغداء
- اسف لعدم قدرتي لمرافقتك
إبتسمت سارة بلطف و قالت بحزم
- ستعوضها لي
إبتسم لها عمار و قال
- حسنا، سأغادر الأن
ثم غادر، فزفرت سارة بضيق و هي تحدث نفسها
- تبا لحظي.

في منزل عائلة نيروز
دلفت والدة صفوان للغرفة التي تحتجز بها
عائشة، بينما اغلق صفوان الباب عليهما و هو يشعر بالضيق من إصرار والدته في إدخال الطعام لعائشة بنفسها.
كانت عائشة تتابع اقترب والدته منها و الغضب ساكن في حدقتيها، هتفت بعنف
- قلت لن أتناول أي شيء
إبتسمت لها والدة صفوان بسماحة و قالت بهدوء
- حسنا، لا تتناوليه و لكن لتعلمي، انتِ هكذا تؤذين نفسكِ فقط.

تنفست عائشة بقوة و هي تشيح بنظراتها عن تلك المرأة التي تراها نسخة ثانية من ذلك الحارس الحقير، كم تشعر بالحنق و الغصب منه.
جلست والدة صفوان على الفراش بعد ان وضعت الصينية على الطاولة، مدت يدها لتحل الحبل عن يد عائشة و هي تقول
- أعلم لماذا انتِ غاضبة من ولدي صفوان، انا
ايضا غاضبة منه و من أسلوبه السيء الذي ظهر عليه بعد عودته، و لكن أسلوبك انت ايضا سيء جدا، فأنتِ عنيدة جدا و هذا ما يكرهه صفوان.

انتهت من حل الحبل و جلست بإستقامة، و تابعت
- أتذكر ذلك اليوم الذي كسر فيه صفوان ذراع أخته نيروز بسبب عنادها و عدم إطاعتها له
نظرت لها عائشة بجفاء و قالت بصراحة
- انا لا أهتم به، فلماذا تخبريني بهذا؟
- اخبرنا ك بهذا لكي اعلمك أن ما تفعلينه هذا ليس صحيحا ابدا، خاصا مع صفوان، إذ اردتي أن تخرجي من هنا يجب عليكِ أن...
قاطعتها عائشة بوقاحة
- لا اريد ان استمع لما ستقولينه، حسنا!، لذا غادري رجاءً.

صدمت والدة صفوان من تصرف عائشة الوقح،
بلعت لعابها بإحراج و هي تنهض و تتجه للباب بصمت، و قبل أن تغادر التفتت لتقول بثباا
- تناولي هذا الطعام، لكي تستطيعي الهروب من هنا، فبدون الطعام ستكونين ضعيفة أمام صفوان
ثم غادرت، سأستلقت عائشة على الفراش و هي تلتقط انفاسها ببطء، نقلت نظراتها للطعام بحذر ثم قالت بضيق
- اشعر بالجوع.

مررت كفها على بطنها التي تصرخ من الجوع، و ظلت ساكنة للحظات، تفكر في كلمات والدة صفوان الأخيرة، فوالدته محقة، هي تحتاج أن تتناول الطعام لكي تستطيع المقاومة و الهروب، نهضت و اخذت الصينية على قدميها لتتناول الطعام بنهم، فقد ادركت ان فكرة امتناعها عن الطعام، فكرة حمقاء.
كان صفوان ينتظر خروج والدته، نهض سريعاً فور رؤيته لوالدته التي خرجت من غرفة عائشة و إتجه لها و هو يقول.

- اخبريني، ماذا حدث؟، بماذا تحدثتي معها؟
اخفت والدته انزعاجها بمهارة و قالت
- لا تقلق، ستناول الطعام بالتأكيد
- و كيف قمتِ بإقناعها؟
سألها و هو يشعر بالفضول، فأجابت والدته بهدوء
- أخبرتها انها اذ ارادت الهروب يجب عليها أن تأكل لتستطيع أن تحاربك و تهرب
نظر صفوان لوالدته بشك وعدم تستطيع لما قالته، و قال
- لا اعتقد ان هذا جعلها تخضع و تتناول طعامها
ثم اقترب بوجهه من والدته و قال بريبة.

- هل وعديها بمساعدتكِ لها في الهروب؟
- بالطبع لا
قالتها والدته نافية تخمينه، فهز رأسه و هو يرمقها بشك، ثم التفت، فأسرعت والدته و قالت
- صحيح، انها تحتاج لملابس، ف الملابس التي ترتديها هذه الفتاة متسخة بفضلك، لذلك انزل و اشتري لها بعض الملابس.
- حسنا
قالها صفوان بإقتضاب ثم اختفى من امامها.

في فيلا أحمد فريد
علمت نيروز بعودة عمار و وجوده في غرفتهما، فإتجهت للأخيرة و دخلتها، لكنها لم تجده في الأنحاء فأتجهت للمرحاض و وقفت أمام بابه..
فسمعت صوت تدفق المياة، فعلمت انه بالداخل، تراجعت للخلف لتجلس على الأريكة و تنتظره.
بعد مرور عشرة دقائق.

خرج عمار من المرحاض و هو يغلق ازرار قميصه الأبيض، لمح نيروز التي كانت تتابعه بنظراتها حتى وصل لأمام المرآة، التقط سترته من على الأريكة المجاورة له و قام بإرتدائها، ثم رتب خصلات شعره بعناية قبل ان يلتقط زجاجة عطره ليرش على حلته الكحلية بسخاء.
أضافت عينيها و هي تفحصه من رأسه إلى أخمص قدميه بريبة، فقد تملكها الشك للحظات، و أصبحت تفكر، هل لديه موعد مهم؟، إذا مع من؟، هل هي امرأة؟، إذا من؟، هل هي سارة؟

إتسعت مقلتيها بحدة ثم هزت رأسها بعنف و هي
تتمتم
- سارة!، لا لا، هذا مستحيل
اردفت بتوعد
- إذ كانت هي، سأقتلها حتما
اعادت نظراتها الثاقبة له و سألته بإقتضاب
- إلى اين انت ذاهب؟
نظر لصورتها المنعكسة على المرآة و اجاب بجفاء
- لمكان ما
- يبدو أنك لا تريدني أن أعلم إلى اين انت ذاهب
- نعم
اجابها بصراحة، فقالت
- حسنا، إذا اخبرني، هل هي امرأة؟
- نعم
أحبها مرة أخرى بصراحة، و لكن صراحته هذه اغاظتها، فهتفت بإنفعال.

- هل تقول نعم!، الا تخجل!
- لا
اجابها بسلاسة، فضغطت على قبضتها بغيظ و قالت بلباقة مزيفة
- حسنا، هل استطيع ان اعرف من تلك التي ستقابلها؟
التفت و نظر لها عمار و قال بإقتضاب
- لا
ثم التفت و غادر، تاركها خلفه تستشيط من الغضب، فهي تريد أن تعرف، من تلك المرأة التي سيقابلها؟، فكرت في أن تنهض و تقوم بإتباعه لتشبع فضولها، و لكنها لم تفعل.

بدأ الليل يسدل ستائره
في منزل عائلة نيروز
كان صفوان يقف أمام المرحاض، يستند بجسده على الحائط و هو ينتظر خروج عائشة من الداخل، فقد امرها بأن تغتسل و ترتدي الملابس التي اشتراها لها حديثا، و هي وافقت دون اعتراض بسيط حتى، فهي أيضا كانت تشعر بالنفور من ملابسها و رائحتها.

خرجت من المرحاض و هي تقوم بتجفيف شعرها بالمنشفة، سارت امامه للغرفة و هي تدندن بأغنية اجنبية، توقفت امام الغرفة و هي تنظر لداخلها برضا، فقد قاموا بتنظيفها أخيراً، تقدمت منها والدة صفوان و قالت
- لقد انتهت من تنظيف الغرفة، تستطيعين الدخول الآن
اومأت عائشة برأسها و دخلت، جلست على الفراش و هي تنظر بترقب لوالدة صفوان التي
كانت تحدث صفوان بهدوء.

- ما رأيك يا بني أن تجعل هذه الفتاة تشاركنا في تناول طعام العشاء في الخارج، فالطعام سيصبح جاهز بعد خمسة دقائق فقط
- لا
اجابها صفوان رافضا، فقالت والدته
- لماذا لا؟، لا تخف هي لن تهرب، هي فقط ستتناول الطعام معنا
- قلت لا يا أمي و انتهى الأمر
قالها بنفاذ صبر، فرمقته والدته بضيق ثم تركته و إتجهت للمطبخ، فالتفت صفوان و نظر لعائشة ببرود ثم اغلق الباب، و بعد دقائق فتحه مرة أخرى و هو يقول بإقتضاب
- هيا اخرجي.

- لماذا؟
سألته بجفاء، فتقدم منها و امسك بذراعها و
انهضها ليسحبها للخارج، أجلسها على إحدى المقاعد التي تحاوط سفرة متوسطة الحجم، فرفعت نظراتها له و قالت
- ماذا أفعل هنا؟
اجابتها والدته و هي تدلف للغرفة
- ستتناولين معنا الطعام
- لماذا؟
اتت ان تجيبها والدته و لكن صفوان سأل بجمود
- هل اغلقتِ الابواب؟
- نعم، لا تقلق
اجابتها والدته بلطف، ثم غادرت مرة أخرى لتأتي ببقية الطعام، بينما نهضت عائشة و قالت بحزم.

- اعدني لغرفتي، فأنا لا اريد ان أتناول الطعام معك
- انا لا أسير خلف رغبتك، حسنا!
قالها بإقتضاب ثم جلس على الكرسي المجاور لها، و قال بحسم
- اجلسي
- لا، لن اجلس، و سأعود للغرفة بمفردي
امسك صفوان رسغها بحدة و أجلسها مرة أخرى و قال بصرامة
- لا تعاندي الآن، اجلسي و تناولي الطعام
عادت والدته مرة أخرى و وضعت ما تحمله على السفرة ثم جلست.

ترك صفوان رسغ عائشة و هو يبعد نظراته عنها و بدأ في وضع الطعام في طبقه، فقالت والدته بعتاب
- صفوان، يجب أن تضع الطعام لها قبل ان تضعه لك
تجاهل قول والدته و بدأ في تناول طعامه بهدوء، فرمقته والدته بانزعاج قبل ان تنقل نظراتها
لعائشة لتقول و هي ترسم على شفتيها ابتسامة حنونة
- إذا انا سأضع لكِ الطعام، ماذا تحبين؟
لم تمنحها عائشة إجابة، فقط نظرت لها بثبات، فاردفت الأخرى
- حسنا، سأضع لكِ كل الأصناف.

ملئت والدة صفوان طبق عائشة بالكامل، و قدمته للأخيرة و هي تقول بدفئ أم
- تناوليه كله، لا تتركي شيء
شعرت عائشة بالضيق من أسلوب والدته اللطيف معها، فقالت عائشة بإنزعاج
- لا تعامليني هكذا، حسنا؟
رفعت والدته حاجبها بذهول و قالت بقلق
- كيف اعاملك؟، هل أخطأت بشيء؟
- هكذا، لطفك هذا لا أحبه، أفضل أن تعامليني مثل ما يعاملني ابنك
كان صفوان يستمع بصمت، لم يعلق، بينما ضحكت والدته بخفة و قالت بسلاسة.

- لا استطيع ان اعاملك مثله، فهذا الفتى قاسي جدا و انا لست مثله
رفع صفوان زاوية فمه باستهزاء و هو يقول بجفاء لوالدته
- انتِ لستِ مثلي!، إذا من الذي يعامل ابنته بقسوة دائما؟!
نظرت اه والدته بضيق و قالت
- اصمت، اختك حالة خاصة
هز رأسه ببرود ثم عاد لتناول طعامه، بينما عادت والدته و نظرت ل عائشة و هي تقول بطريقتها الحنونة
- هيا تناولي طعامك يا عزيزتي قبل ان يبرد
القت عائشة بالملعقة من يدها بغضب و هتفت بحدة.

- قلت لا تعامليني بلطف، أكره ذلك
صدمت والدة صفوان من رد فعل عائشة الحاد، فنظر صفوان لوالدته ثم لعائشة و قال من بين انفاسه الغاضبة
- ما هذا التصرف الآن؟
نظرت له عائشة بحدة و قالت بوقاحة
- يال غباء والدتك، هي لا تفهم
غضب، غضب غضباً جامحا لوقاحتها و قلة احترامها لوالدته، غضب لوصف والدته بالغبية، كيف هي لها أن تقول ذلك؟

لم يشعر بنفسه إلا على صريخ والدته التي تسير خلفه و هي تتراجاه أن يترك شعر عائشة الذي كاد يتمزق من قبضته، لكنه لم يتوقف و لم يهتم، فتح الباب بغضب و دفعها للداخل بقوة اسقطتها على الأرض، هتف بغضب جامح
- إذ كان هكذا اسلوبك، فلن تتلقي مني إلا هذا.

الأسلوب العنيف، فأنتِ لا تستحقين أي شيء أقدمه لكِ حتى الطعام الذي تتناوليه لا تستحقينه، انتِ تستحقين ذلك المكان القذر فهذه مكانتكِ الوضيعة و هناك تستطيعين أن تتعاملي بأسلوبك الوقح و ليس هنا
رفعت عائشة رأسها بعنف و ابعدت خصلات شعرها الحمراء من على وجهها بعدم إكتراث و هتفت
- إذاً اعدني لمكانتي الوضيعة
- للأسف هذا ليس موعد رحيلك من هنا
انهى جملته و اغلق الباب، ثم التفت و نظر لوالدته و قال بحسم حاد.

- لن استمع لكِ مرة أخرى
ثم تركها و إتجه لغرفته.
- وغد حقير
قالتها عائشة بخفوت حاد بجانب نظراتها المعلقة
بالباب، تريد أن تنهض و تكسر هذا الباب لتذهب له و تضربه و تصفعه بقوة، فهو يستحق ذلك أمام ما يفعله بها.

فركت رأسها ببطء و هي تشعر ببعض الألم بسبب قبضته القاسية على شعرها، نهضت و هي تنظر حولها، تقدمت من النافذة المغلقة بالخشب و مدت يدها لتحاول فصل الخشب عن النافذة و لكنها فشلت، فالخشب مثبت بإحكام، تنفست بعمق و هي تتمتم بضيق
- يبدو أن هذا سيحتاج مني يوم كامل.

في فيلا أحمد فريد
نظرت نيروز لساعة يدها، فوجدت الساعة قاربت منتصف الليل، فزفرت بضيق و هي.

تنهض لتتجه للنافذة، كانت تفكر، ماذا يفعل الآن مع تلك المرأة حتى الان؟ فالوقت قد تأخر و من المفترض أن ينتهي هذا الموعد، هل اكملوا سهرتهم في غرفة؟، إتسعت مقلتيها بصدمة ثم هزت رأسها بعنف لتطرد هذه الفكرة الغير مستحبة و الغير واقعية، فعمار ليس هكذا، توقفت عند جملتها الأخير، عمار ليس هكذا!، بل هو هكذا فقد خانها من قبل.

شعرت بأن جرح الماضي قد فتح مجددا، و ذكريات ما قبل العام و النصف قد عادت لذاكرتها، لحظة رؤيتها له و هو مع أخرى على فراش واحد، تتذكر حينها لم تذرف دمعة واحدة و لم تصرخ حتى، فقط كانت هادئة جدا، تتذكر لماذا فعلت ذلك، فهي لم ترد أن ترى الأسف المزيف أو الشماتة منه أو من تلك الفتاة التي معه، فمعرفة أنه تركها ليذهب مع أخرى هذه إهانة
لها.

فكرت، هل ستستطيع ان ترى شيئاً كهذا مرة أخرى، هل ستستطيع أن تراه مع أخرى و تصمت؟، لا تتوقع ذلك، فهي بالتأكيد ستقتله و ستقتل المرأة التي معه أيضا، و هكذا ستصبح قاتلة دون أن تندم، فهو يستحق الموت.
التفتت لتتجه للفراش و تلتقط هاتفها من فوقه وتتصل بعمار للمرة الأخيرة، فلعله يجيب على اتصالها و يرحمها من تفكيرها السيء به، و لكنه لم يجيب.

ابعدت الهاتف عن اذنها و هي تسبه و تلعنه بغضب، فهو دائما لا يجيب على اتصالتها، كم هو رجل سيء بحق.
تعالى صوت رنين هاتفها فرفعته و نظرت للشاشة بلهفة و هي تظن انه هو و لكن ظنها كان خاطئ، فالمتصل كانت اسماء، اجابت نيروز
بضجر.
بعد مرور فترة وجيزة
خرجت نيروز من غرفتها و هي تتحدث مع اسماء، سارت للسلم و هي تشعر بالحيرة بشأن تلك الضوضاء التي سمعتها.
- سأغلق يا عمتي الآن لكي أرى ماذا يحدث بالأسفل.

- حسنا يا عزيزتي، وداعا
اغلقت نيروز الخط و هي تكمل نزول درجات السلم المتبقية، سارت لغرفة الجلوس حيث كان الصوت منبعث من هناك، و دخلتها لتقف مصدومة، تنظر ل ميساء التي كانت جالسة بجانب غادة، همست بعدم تصديق
- ميساء!
نهضت ميسار فور رؤيتها لنيروز و تقدمت منها بسرعة و هي تهتف
- نيروو، اشتقت لكِ أيتها الفتاة
إتسعت إبتسامة نيروز بسعادة و هي تعانق ميساء بقوة و تهتف
- انا التي اشتقت لكِ كثيراً.

ضحكت ميساء و هي تعانقها أكثر و تقول
- بل أنا التي اشتقت لكِ أكثر
ضحكت نيروز بسعادة و قد لمعت عينيها بالدموع، طال عناقهما للحظات، ثم ابتعدت نيروز عن ميساء و قالت بتساؤل
- هل اتيتي بمفردكِ دون معرفة احد؟
- بلا، كان عمار يعلم و هو الذي أتى ليأخذني من المطار
- حقا!
قالتها نيروز بذهول ثم نقلت نظراتها حولها باحثة عنه، كان عمار يقف خلفها لذلك لم تراه عند دخولها، إبتسمت براحة عندما علمت أنه لم.

يذهب لمقابلة امرأة كما ادعى، عادت و نظرت ل ميساء و قالت
- هذه اجمل مفاجأة حدثت، انا سعيدة بعودتك، هل ستظلين هنا لفترة طويلة؟
- تقريباً
اجابتها ميساء بهدوء، و تابعت بمرح
- سنستمتع كثيراً معا
- بالتأكيد
قالتها نيروز بحماس، نقلت كلا من نيروز و ميساء نظراتهم لغادة التي قالت ل ميساء
- هيا يا ميساء اصعدي لغرفتك لتأخذي قصدا من الراحة
- لا
قالتها ميساء باعتراض و تابعت
- سأرى والدي أولا
- حسنا، سأتي معكِ، هيا.

اومأت ميساء برأسها و عادت لتنظر ل نيروز لتقول
- إذا، صباحا ستجديني في غرفتك يا نيروز، فهناك الكثير لاتحدث فيه معكِ
همهمت نيروز بالموافقة، فنقلت ميساء نظراتها ل عمار و تابعت بخبث
- لا يوجد لديك مانع بالتأكيد، صحيح!
ضحك عمار بخفة و قال
- لا
- جيد
قالتها ميساء ثم غادرت مع غادة، فألتفتت نيروز لتنظر لعمار و تقول بجدية
- هل لنا أن نتحدث قليلا؟
نظر لها ببرود ثم نقل نظراته ل سارة الجالسة على الأريكة و قال.

- سأصعد لغرفتي يا سارة، ليلة سعيدة
- لك أيضا
قالتها سارة بلطف، فغادر عمار غرفة الجلوس فاتبعته نيروز.
دلف لغرفته و خلفه نيروز، خلع سترته و القاها على الفراش بإهمال ثم فك ربطة العنق و القاها هي أيضا على الفراش ثم اتجه للخزانة، فقالت نيروز بجمود و هي تقف خلفه
- لماذا كذبت علي؟، لماذا لم تخبرني انك ذاهب للمطار و ليس لمقابلة امرأة؟!
- هكذا
قالها بجفاء، فشعرت بالضيق و لكنها التزمت الهدوء و هي تقول.

- انتظر إجابة واضحة، و ليس ما قلته الآن
التفت لينظر لها و يقول
- ليس من الضروري أن تحصلي على إجابة
- بل من الضروري أن أحصل على إجابة، لأن
بقولك انك ذاهب لمقابلة امرأة جعلني أفكر انك تقوم بخيانتي للمرة الثانية
أحتدت نظراته و هو يقول
- لم أقم بخيانتك مرة أولى لكي أقم بخيانتك مرة ثانية
- بل فعلت، و انا رأيتك
- انتِ لم تري شيء، حسنا
قالها بحزم، فقالت بإنفعال
- بل رأيت، رأيتك و انت تقبل فتاة أخرى و...

قاطعها بعنف و هو يتقدم منها
- قلت لم أفعل، و ما رأيتيه كان...
قاطعته هي الآخرى بعنف
- كان ماذا؟، هيا اخبرني؟، هل كان مزحة أم خدعة الكاميرا الخفية؟
قالت جملتها الأخيرة بلهجة ساخرة حادة، فأمسك بذراعيها بقوة و قال بغضب
- لا، بل كانت نزوة فقط، و لم تكمل، لذلك لم اقم بخيانتك
ضحكت نيروز بخشونة و هي تقول بغضب
- لم تكمل لأني أتيت، فإن لم اتي انت كنت..
قربها منه بعنف و هو يصرخ بها بجنون.

- نعم، إذ لم تأتي كنت سأكمل ما بدأته، و لكن لم أكن سأنهيه ابدا، فأنتِ تعلمين كم أحببتك فكيف لي أن اقوم بخيانتك بهذه البساطة!
حدقت به لبرهه و قد لمعت عينيها بالدموع، همست له بألم
- انت بدأته، و هذه خيانة، رؤيتك لأخرى، تقبيل اخرى، كل هذا خيانة، فلا يهم النهاية مدامت بدأته يا عمار.
تغيرت ملامح وجهه هو الآخر، و قد ظهر الحزن و الندم على ملامح وجهه، هو يعلم انها محقة، هو قد ضعف امام تلك الفتاة، لم يكن.

يجدر به أن يضعف ابدا.
ساد الصمت و هما يتبادلان النظرات، نظرات العتاب، الألم، الحزن و الحسرة على حالتهما، فكم يتمنى الاثنين أن يعودا كما كانوا، هي تريد ذلك و مستعدة اما هو، لا، لا يستطيع أن يعود لها، لا يستطيع أن يبثها بحبه مرة أخرى، فهي التي حرمت كل ذلك عليه و عليها، و كم هذا مؤلم لكلاهما.

أشاح عمار بوجهه عنها سريعا و هو يبتعد عنها، لا يريد أن يقع تحت تأثير حدقتيها الرماديتين و نظراتهما، فالنظر لهما عذاب بحد ذاته.
دلف للمرحاض و صفق الباب بقوة، كم يشعر بالغضب و الألم، العذاب و الأشتياق، أستند بجسده على الباب و هو يلتقط انفاسه بقوة، فشعوره الطاغي عليه الآن هو الأشتياق، كم يود أن يفتح هذا الباب و يذهب لها، ليعانقها بقوة و.

يقبلها ليروي حنينه و إشتياقه لها، تنهد بعمق، فمن الصعب تحقيق ما يرغب به.
مسحت نيروز عينيها من الدموع و هي تلتقط انفاسها بقوة، التفتت لتسير للفراش و تستلقي عليه، ظلت تنظر للفراغ بشرود.

لقد رأت ذلك التردد و الحيرة في حدقتيه، شعرت و هي تنظر له أن هناك قيود هو يضعها بينهم و يرفض تخطيها أو التخلص منها، فلماذا؟، لماذا هو يسبب هذا الألم لكليهما، لماذا لا يستسلم لها؟، لماذا لا يريد العودة لها؟، لماذا ذلك التردد الذي رأته في عينيه بداخله ناحيتها؟، لا تستطيع إيجاد إجابة بداخلها لهذه الأسئلة، لكنها تعلم أن الإجابة ستجدها لديه و لكنه بكل بساطة لن يجيبها.

طبقت جفونها و هي تشعر الإحباط و الاستياء، تدثرت اسفل الغطاء جيدا و هي تخرج تنهيدة
عميقة من بين شفتيها، لا تريد ان تبكي، و لكن دموعها لا تنصاع لها، فخضعت هي لدموعها التي سالت على وجنتيها بسرعة حارقة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة