قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الثامن والعشرون

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الثامن والعشرون

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الثامن والعشرون

في فيلا صفا
خرجت عائشة من غرفتها و هي تحدث نفسها كالمجنونة، فمنذ أن علمت أن صفوان مفقود حتى الآن لم يكف عقلها عن التفكير و وضع افتراضات سيئة مقلقة، أما الآن هي ستنزل لوالدتها لتعلم إذ وجدوه ام لا، فإذا لا يوجد أخبار عنه ستذهب لتبحث عنه بنفسها، كانت تحدث نفسها بهذا.

توقفت عند بداية السلم و قبل أن تنزل درجة منه و هي تحدق بقوة بالذي يصعد السلالم، شهقت و هي تتراجع للخلف و فمها فارغ، لا تصدق، أصفوان امامها حقا!، لماذا لم يخبروها؟، منذ متى و هو هنا؟، أنه سليم!، امتلأت حدقتيها.

بالدموع و هي تبتسم براحة، إنه هو حقا و لم يصيبه أي مكروه، بينما توقف صفوان للحظات حين رأها امامه ثم ابعد نظراته عنها ليكمل صعوده و هو ينوي تجاهلها، لكن إسراعها إليه و معانقتها له جعلته يقف مذهول حرك حدقتيه لينظر لها من فوق، و إستمع لكلماتها التي تقولها و هي تبكي.

- اين كنت؟، لقد جعلتني اقلق عليك، اعتقدت اني هكذا فقدتك، لا تفعلها مرة أخرى، لا تغب، فأنا كدت ان أفقد عقلي و كدت اجن و كدت اذهب و ابحث عنك بنفسي
حركت وجهها لتدفنه في ملابسه و تستنشق رائحته التي اعتقدت انها لن تشمها مرة أخرى، تابعت بحروف متقطعة و نبرة بها ارتجاف
- عقلي لم يكف عن التفكير، ادركت اني اخطأت حين دفعتك بعيدا، فقد يحدث شيء.

يأخذك مني قبل ان تكون بجانبي، هذا أصبح خوفي الأكبر، أن تذهب قبل ان أقضي معك الوقت الذي أشبع فيه منك
تسارعت دقات قلبه مع كلماتها الأخيرة، و ابعدها عنه قليلا برفق و سألها بخفوت عن مقصدها بقولها هذا، فأجابته و هي تحدق بعينيه بعمق
- انا لا أريدك أن تبتعد عني، اريدك بجانبي، لا اريد سواك، سأحاول أن أتخلص من مخاوفي، لن أفكر بتلك الطريقة، و سأفكر هكذا، انا سأكمل حياتي معك و لن يفرقنا شيء.

انتهت عائشة و صمتت منتظرة أي رد منه، و انتظرت طويلا، فهو لم يقل شيء، ظل ينظر لها فقط، حاولت أن تستبطن حدقتيه لتعلم بماذا يفكر لكنها فشلت، سألته ببطء و نبرة قلقة
- ألم تعد، تريد أن نكون، معا؟
حرك رأسه قليلا و هو يتنفس بعمق، فتمتمت بحزن
- يبدو اني محقة!
- الأمر ليس كذلك
قالها بخفوت، فسألته بفتور
- إذا كيف هو؟!
- هل لنا أن نتحدث لاحقا.

طلب بلطف، فإبتسمت إبتسامة جانبية ساخرة و هي تخفض رأسها و تفكر، هل تسرعت برد فعلها!، ألم يكن يجدر بها أن تخبره بكل هذا!
- أتلاحظ هذا!، في كل مرة يعترف بها احدنا للآخر يبتعد احدنا، في المرة الأولى انت ثم انا و الآن أنت
قالتها له بإستياء، و لم تضيف شيئا آخر، تركته و عادت لغرفتها.

في فيلا أحمد فريد
كانت قد انتهت نيروز من أخذ حمامها الساخن، إتجهت لمنضدة الزينة و هي تجفف شعرها بمنشفة صغيرة و جلست أمام المرآة لتمشط شعرها، نظرت لصورته المنعكسة على المرآة و هو جالس على الفراش ممسك بهاتفه و ملامحه يظهر عليها الإنزعاج، فسألته بفضول و قلق
- ماذا هناك؟، لما انت منزعج؟

نظر لها نظرة عابرة و عاد للنظر لهاتفه كأنها لم تتحدث، فشعر نيروز بالاحراج و لم تكرر سؤالها، انتهت سريعا من تمشيط شعرها و نهضت لتأخذ مكانها بجانبه على الفراش، وضعت كفيها اسفل رأسها عل الوسادة و اخذت تنظر له بصمت دام طويلا إلى أن سألت فجأة
- سارة، هل كنت تحبها قبل معرفتك لحقيقتها؟
حرك رأسه لينظر لها بإستغراب، فما الذي أتى بسارة لعقلها الآن!، إبتسمت نيروز و هي تقول بهدوء.

- هل الإجابة صعبة لتحتاج أكثر من ثواني!
نقل نظراته لهاتفه بهدوء و قال بعد لحظات بجمود
- ليس صعبا، لكن ليس له إجابة
ساد الصمت لثواني بعد قوله
- و هل احببتها أكثر مني!
- لم أقل اني كنت أحبها
قالها بتلقائية و هو يعيد نظره لنيروز التي إبتسمت و قالت
- إذا تكرهها!
- و لم أكن أكرهها ايضا
- إذا؟!
سألته بفضول، فتنهد و اجاب
- انها كانت صديقتي المقربة
- لكن من كان يراكم كان يقول أنكم متواعدان لا صديقان
- أعلم هذا.

قالها و هو يغلق هاتفه و يضعه على الكومود ثم يستلقي ناظراً للسقف، أستمع لقولها
- منذ أن رأيتكما كنت أشعر بأن هناك شيء بينكما أو من ناحيتها و قد أظهرت هي لي هذا عن...
قاطعها بنفاذ صبر
- لماذا نتحدث عنها الان؟!
- حسنا، سأغير الموضوع
- بل اصمتِ
ضحكت نيروز بخفة و قالت بنبرة مرحة
- لا اريد ان اصمت، أريد أن أتحدث معك قليلا
- و انا لا اريد
- إذا اسمعني و لا تتحدث.

نظر لها بطرف عينيه و عاد لينظر للسقف، بينما ثرثرت هي
- اتتذكر عند عودتي و رؤيتي لك في الشركة، كيف كنت هكذا؟، حقا يعني، ألم تصدم من رؤيتي و لم تتوتر؟، كيف استطعت أن تمثل انك لا تعرفني!، حتى عينيك قد تحكمت بها لعدم إظهار أي شيء، بحثت فيها عن نظرة اشتياق أو أي شيء من هذا القبيل لكني لم أجد، كيف اتقنت ذلك؟!
رفع زاوية فمه و لم يقل شيء، و لم تكن تتنظر، أضافت بشرود
- كم كنت قاسي وقتها، و مازلت.

استدار بجسده ليصبح مقابلا لها، طوى ذراعيه أمام صدره و قال بهدوء
- إذاً ابحثي عن شخصاً آخر لا يكون قاسياً، و ابتعدي عني
- إذ بحثت سأبحث عنك ايضا، بداخلك لا في الخارج
إبتسم و قال
- لن تعثري على آخر بداخلي
- إذا سأتقبلك بقسوتك
قالتها بعذوبة و هي تبتسم بلطف، تأملها بعناية ثم اظلمت عينيه و هو يقول بخفوت به نبرة إحباط
- مازلت لا أتقبل ذاتي، فهل أنتِ تتقبلينها!

فهمت ما يقصده، فهزت رأسها بالإيماء قبل ان تجيبه لتطمأنه
- أتقبلك، فأنت الرجل الوحيد الذي أراه في هذا العالم كامل
و مدت يدها و مسدت ذقنه بظاهر يدها و هي
تتابع
- و مازالت أراك كالسابق، و لا شيء قد تغير
- هل يجب علي أن أصدقك!
سألها بعدم ثقة و تردد، فأقتربت برأسها قليلا و هي تهمس
- نعم، يجب عليك ان تصدقني و تثق بي
ساد الصمت للحظات و هما يحدقان ببعضعما، إبتسمت نيروز و همست بعذوبة
- هل ستظل تحدق كثيراً!

- هل يجب علي أن لا أفعل!
همس لها أيضا، فضحكت بخفة و قالت
- إذا سأنام
انهت قولها و طبقت جفونها لتنام و ما لبثت ان فتحتهم حين شعرت بأنفاسه الحارة تصطدم ببشرتها الباردة، فتقابلت حدقتيها بعينيه مباشرةً، عينيه التي اشتاقت أن تراها بهذا القرب و هذه
الرغبة!
- كم كان صعبا و مازال، أن أكون قريبا منك لهذه الدرجة و أقف بعيدا لهذه الدرجة
رمشت بجفونها عدة مرات و هي تستمع لكلماته و انفاسه معا.

- أن اسحب رائحتك إلى داخلي و لا استطيع لمسك، و أن تقبليني و لا استطيع ان ابادلك
رفعت حاجبيها بذهول و سألت
- هل كنت مستيقظ حينها؟!
- كنت كذلك
أحمرت وجنتها خجلا و هي تخفض رأسها، فقبل ارنبة انفها برفق، فعادت لتنظر له و تهمس بمشاكسة
- كم كنت احمق
- نعم، انا كنت كذلك
اعترف عمار بصدر رحب، ثم قطع المسافة.

التي تفصل بين شفتيهما، فأستقبلته هي بإشتياق و ترحاب شديد مما جعله يفعل المزيد، حيث حاوط خصرها بذراعيه بخفة ليقربها منه بل ليجعلها اسفله، لكنها لم ترضى و أصبحت فوقه، ابتعدت لتلتقط انفاسها التي انقطعت و هو ايضا، إبتسم و هو ينظر لها بهيام أثناء قوله الذي قاله و هو يلهث
- ألم أقل انكِ أصبحتِ شرسة شريرة!
ضحكت نيروز و همست قرب شفتيه
- انت لا يصلح معك إلا ما انا عليه الآن.

إتسعت إبتسامته و قبل شفتيها بينما يديه تسللت لأسفل سترتها، فضحكت و هي تسند رأسها على رأسه
- يدك باردة
ضحك هو الآخر و قبل عنقها مرة أخرى قبلة طويلة، مررت نيروز اصابعها بين خصلات
شعره و هي تهمس في اذنه
- كم اشتقت لك
ساعدته في خلع سترته و تابعت
- عامين كاملين
- لا أعلم كيف تحملت كل هذه الفترة!
قالها عمار و هو يضعها أسفله، ثم قبل كتفها العاري، حاوطت عنقه بذراعيها و قالت و هي تنظر لحدقتيه.

- كم اشتقت لسماعها منك رغم عدم حبي لها
- و كم اشتقت انا لقولها لكِ
- إذا انا انتظر...
لبى طلبها و قال ما أرادت أن تسمعه و هو يلامس شفتيها بشفتيه
- أحبك أيتها الفينوس.

أشرقت شمس يوم جديد
استيقظ عمار على اثر رنين هاتفه، التقطه و اجاب على محامي الشركة و انهى الاتصال سريعا، نظر لنيروز التي مازالت نائمة، ابتسم و هو يقترب منها و يحتضن وجنتها بكفه، و اعترف، كم كان يشتاق لها حقا، و مازال!
أعلن هاتفه عن وصول رسالة، فأبتعد عن نيروز و التقطه ليفتح الرسالة فكانت من سارة ايضا
- انك أخطأت حين اقتربت، فستتعذب حين ترحل محبوبتك.

اعتدل جالساً و هو يضغط على هاتفه بغضب و يده تهتز، نظر لنيروز التي بدأت تتململ على الفراش، عاد لينظر للهاتف حين اهتز و نظر للرسالة الأخرى التي ارسلت منها ايضا
- لكن لا تقلق، انا سأكون بجانبك
- تبا، تباااا لكِ
صرخ بها بغضب لم يستطع لجمه و قد القى بهاتفه بعيداً بقسوة، فتحت نيروز عينيها بفزع و اعتدلت و هي تسأل
- ماذا هناك؟!
نظر لها و هو يتجه للمرحاض و قال
- لا شيء، عودي للنوم.

و بعد ان اختفى خلف باب المرحاض، نهضت نيروز لتتجه للهاتف الملقى عى الارض، جثت لتلتقطه، نظرت لشاشته التي كسرت لكن الهاتف مازال يعمل، اهتز الهاتف في يدها معلنا عن وصول رسالة، لم تتكلف في ففتحها فهي كانت ظاهرة من الخارج
- أحبك
انقطعت أنفاس نيروز للحظات و هي تحدق في شاشة الهاتف التي انطفأت بعد ثواني، تركت.

اعادت الهاتف مكانه على الأرض و وقفت على قدميها لتسير على الفراش و هي شاردة، شبه مصدومة، هل هو يخونها؟!

في منزل عائلة نيروز
دلفت والدة نيروز لغرفة صفوان لتيقظه و لتتحدث معه فهو عاد بالأمس متأخراً و لم تستطع أن تتحدث معه لأنه تعلل انه مرهق و يحتاج للنوم لذا تركته ليرتاح، لكن الآن يجب أن تتحدث معه.
حين دخلت وجدته جالس أمام الحاسوب الخاص به يعمل، فسألته
- منذ متى و انت مستيقظ؟
أجاب دون أن يرفع بصره عن شاشة الحاسوب
- منذ ساعة
- هل أحضر لك الفطور؟
- شكرا، لا اريد
- إذا لنتحدث.

قالتها والدته و هي تجلس على فراشه، فقال بهدوء
- انا استمع
- أخبرتني عمتك عن عائشة، و قصتها
توقف صفوان عما كان يكتبه على الحاسوب و استدار، فتابعت والدته
- قد تكون عائشة ليست بهذا السوء التي كنت أراها به لكني مازالت لا اتقبلها، لكن إذ أردت انت أن تكمل حياتك معها فلك الحرية، و انا لن اعترض إلا في حالة واحدة إذ رأيت أي تصرف منها مخل أو أي شيء من هذا القبيل
ظل صفوان صامتا للحظات، و في النهاية قال
بثقة.

- انها لن تفعل شيء كهذا، لا تقلقي
- اتمنى ذلك
قالتها والدته و نهضت و هي تضيف
- أحضرها في يوم الينا، لنراها
- حسنا
- هل غيرت رأيك و ستتناول شيء؟
سألته و هي تبتسم، فأجاب و هو يعود لحاسوبه
- لا، أريد أن انهي هذا لأذهب للعمل بعدها
- كما تريد.

في فيلا أحمد فريد
في غرفة الطعام، كانت نيروز تحرك الملعقة في كوب الشاي بشرود أثناء تحديقها بعمار الذي
كان يتناول طعامه هدوء.
- ماذا يا نيروز، الهذه الدرجة أخي وسيم لتحدي به!

قالتها ميساء بمزاح، فأستيقظت نيروز من شرودها بينما نظر لها عمار، فأبتسمت نيروز و هزت رأسها و هي تنقل نظراتها لطبقها التي لم تلمس منه شيء، رفعت نظراته مرة أخرى لعمار عندما امسك بهاتفه الذي أعلن عن وصول رسالة، سلطت ناظريها محاولة أن ترى ما وصل له، هل رسالة آخر من تلك المرأة!
- هل هناك شيء!
سألها عمار حين رأها تنظر لهاتفه، فأشاحت بوجهها سريعا ثم نظرت له و سألته
- متى ستجلب لي هاتف جديد!
- اليوم سيصل.

- جيد
ثم وضعت لقمة عيش في فمها و نهضت مغادرة الغرفة، فشعر الجميع بالحيرة و الدهشة.
اسرعت نيروز لغرفتها و دخلتها، إتجهت لمنضدة الزينة بانفاس غاضبة و وقفت امام المرآة تنظر لصورتها المنعكسة وهي تحدث نفسها بإنفعال
- ما الذي افعله انا!، كيف اشك به!، هل سأكرر ما حدث سابقاً!، يجب أن اثق به، خاصةً بعد ليلة أمس و ما حدث بها، إنه يحبني و لا يمكن أن يفعل ذلك بي.

تنفست بقوة قبل ان ترفع ابهامها و تضعه على المرآة لتقول لصورتها المنعكسة بحزم
- ثقي به، انتِ تثقين به، و ستظلين هكذا، لن تدعي هذه الظنون و هذه الرسالة تزرع الشك فيكِ.

وصل صفوان لفيلا صفا، طرق على باب غرفة مكتبها و دخل حين سمحت له الاخيرة، نظر لعائشة التي كانت جالسة مع صفا و ما يبدو أنهما كانا يتحدثان، لاحظ ايضا نظرات عائشة الغاضب التي وجهتها له عند دخوله، اعتذر صفوان
- اسف لمقاطعتكم لكن...
قاطعته عائشة بقولها لوالدتها الذي صدم كليهما
- انا موافقة على الزواج من ذلك الرجل.

نظرت صفا لصفوان، ماذا سيفعلان الآن؟، فقد وافقت عائشة من الزواج بشخص ليس بموجود من الأساس، نهضت الأخيرة و إتجهت للباب و أثناء سيرها توقفت عند صفوان و نظرت له بطرف عينيها لتقول بجفاء
- انت اول المدعويين لحفل الخطبة
ثم اكملت سيرها لتغادر الغرفة، و فور خروجها
حركت صفا كرسيها لتتجه لصفوان و هي تسأله بريبة
- ماذا سنفعل الآن؟، إنها وافقت
ظل صفوان صامتا لدقيقة كاملة، ثم تمتم أثناء تفكيره
- أفكر بشيء
- ما هو؟

بينما في الخارج، صعدت عائشة درجات السلم و هي تسب و تلعن نفسها، لماذا قالت ذلك و كيف قالتها!، لقد تسرعت حين قالت ذلك، رؤيتها لصفوان جعلها تقول هذا!، هل لتغيظه فقط!، دلفت لغرفتها و اغلقت الباب خلفها و جلست على فراشها تفكر، ماذا ستفعل الآن بالورطة التي أوقعت نفسها بها!
فكرت ببساطة، إنها ستكمل الخطبة و بعد فترة ستنهي هذه العلاقة التي لم تكن تنوي أن تجعلها.

تتم، لكنها فكرت من ناحية أخرى ماذا ستستفيد من هذا!، إغاظة صفوان فقط!، ثم ماذا؟، لا تعلم ثم ماذا.

بعد مرور بعض الوقت، في فيلا أحمد فريد
تقدمت نيروز من عمار الذي كان يعمل في غرفة مكتبه.
- حان وقت دواءك
- حسنا
قالها دون أن يرفع بصره لها، فأصرت
- خذه إذاً
نظر لها بنفاذ صبر و فعل، ثم عاد ليعمل، جلست هي على الكرسي المقابل له و اخبرته
- لقد وصل الهاتف، أنه جميل
- حسنا
صمتت نيروز بعدها فليس لديها ما تقوله رغم أنها تريد أن تتحدث معه، لكنها بحثت عن أي شيء لتقوله
- هل هناك صفقة جديدة أم ماذا؟، فأنت تعمل بجهد.

- نعم
- إذاً هل تحتاج مساعدة؟
- لا
تنهدت و هي تنهض لتذهب له و تقف بجانبه، انحنت لتسند مرفقها على المكتب و سألته و هي تتعمق في النظر بوجهه
- ماذا بك؟
- ماذا بي؟
استفسر و هو يقلب أوراقه، فمدت يدها لتمسك بذقنه و تحركه بلطف لينظر لها
- لماذا عدت كما كنت؟
- ماذا تقصدين؟
ابعد يدها أثناء قوله لذلك، لاحظت فعلته لكنها تغاطت عن ذلك، قالت بهدوء
- بعد ما حدث بالأمس اعتقدت...
قاطعها بجفاء و هو يعود لأوراقه.

- اريد ان انهي عملي الآن
حدقت به بذهول و قهر، هزت رأسها بمرارة و اعتدلت، تمتمت بحزن و استياء
- ها انت تبعدني مرة اخرى، لماذا؟!
تساءل هو ايضا لماذا يبعدها!، خوفا عليها!، لكنها قد تسرق منه في اي وقت ؛ الا يجب عليه ان يجعلها بقربه و لا يبعدها، ان يتمسك بها!، نظر لها و هو صامت، ثم استدار لينظر لهاتفه و هذا ما جعلها تغضب و تصرخ
- ما الذي بهاتفك لتنظر له و تتجاهلني الآن؟!
- لا شيء.

اطفئ عمار شاشة الهاتف و هو يجيب على نيروز، فتنفست الأخيرة بغضب و هي تضغط على قبضتها لتتمالك نفسها و غضبها، و تركته و غادرت.
فألقى عمار بالقلم الذي كان يمسك به بإنزعاج و مرر أصابعه من بين خصلات شعره ثم نهض ليتبعها خوفا من أن تغادر الفيلا بمفردها، و كان خوفه في محله فهي كانت متجهة للخارج، اسرع لها و اوقفها.
- إلى اين انتِ ذاهبة؟
- اذهب لعملك الذي تريد أن تنهيه.

قالتها بحدة و حنق و اتت ان تتخطاه فأمسك بذراعها و قال بهدوء
- حسنا سأعود لأكمله لكن ادخلي أولا
- اريد أتمشى قليلا
- سأحملك إذ لم تدخلي الآن
هددها، فأشاحت بوجهها، فحملها، شهقت بفزع ثم هتفت خوفا عليه
- انزلني، هذا خطأ على قدمك، انزلني
و كأنها لا تتحدث، سار بها لداخل الفيلا و انزلها حينها، فرمقته و اتت ان توبخه لكنه سبقها بقوله
- لا تخرجي من هذا الباب إلا عندما تخبريني
- لماذا؟
- هكذا
- نيروز، ها أنتِ أخيراً!

قالتها ميساء و هي تنزل درجات السلم، فأستدارت نيروز لتنظر لها بينما عاد عمار لمكتبه
- اريدكِ في أمر، هلا اتيتي؟!
طلبت منها ميساء، فوافقت نيروز و هي تعود
لتنظر لعمار الذي لم يكن موجودا
- حسنا.

إتجه عمار لمكتبه بخطوات سريعة ليلتقط هاتفه الذي كان يرن، و نظر للشاشة فوجده الرقم الذي ترسل منه سارة الرسائل فأجاب بإمتعاض.
- ماذا تريدين؟
- اريدك
تنفس عمار بغضب و قال بصرامة
- ابتعدي عن حياتي و عن نيروز و إلا...
قاطعته سارة
- إذ تريدني أن ابتعد عن نيروز، تعال لأراك غداً
صمت عمار لبرهه يفكر، ثم قال
- اين؟
- سأرسل لك العنوان، سأنتظرك على الثالثة عصراً
- حسنا
- أحبك.

ثم اغلقت الخط، ابعد عمار الهاتف عن اذنه و هو يتمتم
- لننهي هذا.

انتهت نيروز من مساعدة ميساء بما ارادته، ثم اصبحا يتحدثان عن أمور عدة.
- هل أحضر عمار الهاتف لكِ؟
سألت ميساء، فأجابت نيروز
- نعم، و به رقم جديد ايضا
- إذا اعطني اياه
- لم احفظه
ثم نهضت و أضافت
- سأذهب لأحضره و لنكتشفه معا
- حسنا
غادرت نيروز غرفة ميساء و إتجهت لغرفتها، إتجهت لمنضدة الزينة و التقطت هاتفها من فوقها، و إتجهت للباب لكنها توقفت في المنتصف حين رأت وصول خمس رسائل لها من رقم مجهول، قامت بفتحها.

- هل اعتقدتي اني سأتركك!
- عمار سيأتي لي غدا، فهو اشتاق لي و طلب رؤيتي
- ما رأيك أن تأتي ايضا لتشهدي خيانة زوجك لكِ!
- ستكذبينني أعلم، و لن اضغط عليكِ لتصدقي، لكن لكي لا يطول تفكيرك و شكك به الحقي به
- سنتقابل على الثالثة، إذ اردتي المجيء.

ابعدت نيروز بصرها عن الهاتف و هي مصدومة، فكرت، هل هذه الرسائل تقول الحقيقة!، هل هذا فخ؟، لكن من من؟، سارة!، من المستحيل فهي الآن في مستشفى الأمراض العقلية، قد تكون خرجت؟، لكن كيف ستخرج من هناك بهذه البساطة!

دارت نيروز حول نفسها و هي تكمل تفكيرها، هل تذهب لعمار و تريه هذا؟، لكن ماذا سيقول لها؟، سينكر بالتأكيد، هزت رأسها بعنف لتطرد كل هذا من عقلها، جلست على الأريكة وهي تتنفس بسرعة، حدثت نفسها محاولة أن تكذب كل هذا و تطمأن نفسها
- لن اذهب لمكان، كل هذا كذب، هذا فخ بالتأكيد، لا يهم مِن من، لكني لن أصدق و لن اذهب لمكان، عمار لم يقم بخيانتي سابقا و لن
يقم بذلك الآن، لن يفعلها.

مسحت وجهها و هي تحاول إقناع نفسها، نهضت و غادرت الغرفة لتعود لميساء و تكمل مجالستها و كأن شيئاً لم يحدث.

اليوم التالي، في الساعة الثانية
انتهت نيروز من ارتداء ملابسها، فهي قد قررت في آخر لحظة أن تلحق بعمار و ما دفعها لذلك كذبه، فقد سألته صباحا هل من خطط سيفعلها اليوم و كذبت بأنها ترغب في أن تذهب معه للتنزه لكنه رفض متعللا بأن لديه اجتماع مهم.
ستلحق به لتتأكد، لتخمد شكها و تفكيرها الذي لم يسمح لها بالنوم ليلاً، و إذ كان هو صادق و ذهب للاجتماع فستعتذر، و إذ كان حقا ذاهب
لخيانتها ستقتلها حتما.

إتجهت للنافذة لترى إذ غادر أم لا، فوجدته يتجه لسيارته، فأسرعت و التقطت حقيبتها لتغادر الفيلا، بعد عبور سيارته من البوابة اوقفت سيارة أجرة و قالت للسائق أن يتبع سيارة عمار السوداء.

بعد طريق طويل استغرق للوصول إليه ساعة كاملة، كانت نيروز تدعو الله أن الرسائل تكون مجرد كذب و أن عمار صادق، لكن حين ادركت انها تخطت طريق الشركة شعرت بالإحباط و الألم، فما يبدو أنه ذاهب لخيانتها، لكن رغم ذلك حاولت نيروز أن تطمأن نفسها و تضع امامها افتراضات كثيرة بعيدة عن ذهابه لخيانتها.
- توقف، توقف
قالتها نيروز بتوتر حين توقفت سيارة عمار و.

ترجل منها الأخير، اخرجت النقود و اعطتها للسائق و ترجلت، اختبأت حين التفت عمار حوله قبل ان يمسك بهاتفه ليتصل ب سارة و يسألها
- اين المكان بالظبط؟
- خلفك، اعبر الشارع، و ستراني
فعل عمار ما قالته و عبر الطريق فوجدها تقف امام باب منزلها، هذا ما يبدو، صعد درجات السلم القليلة ليقف امامها، تقدمت منه و عانقته بإشتياق، فأبعدها عنه بصعوبة قبل ان يقول
- لنتحدث و ننتهي
- حسنا، تفضل.

أتاحت له الطريق فدخل لداخل المنزل، دعته للجلوس لكنه رفض، و اردف
- لماذا طلبتِ مقابلتي؟
- لأني أرغب برؤيتك
ثم تقدمت منه و لكنه لم يسمح لها بأن تقترب أكثر، فهزت رأسها و هي تتمتم
- حسنا
ثم استدارت لتجلس على الأريكة و تضع قدم فوق الأخرى، رفعت زاوية فمها و هي تق ل بإستخفاف
- لماذا أتيت يا عمار؟، من أجل خوفك على نيروز، فقط!
لم يعلق على قولها، و سألها
- لماذا هربتي من المستشفى؟

- لأن ذلك ليس مكاني، هناك المجانين فقط و انا لست كذلك
قالتها بهدوء، فواجهها عمار بقسوة
- بل انتِ كذلك
- لا تغضبني
حذرته، ثم نهضت و تقدمت منه لتقف امامه و
تقول بوقاحة و جرأة و هي تنظر داخل عينيه
- أقم معي علاقة، اليوم
صدم لوهلة من جرأتها، و تراجع خطوة للخلف، بينما تابعت سارة
- و انا لن اقترب من نيروز
- هل هذا المقابل!
- نعم
جذبها من ذراعها بعنف و قال بغضب و هو يجز على اسنانه
- لن تقتربي منها، لن اسمح لكِ.

- للأسف هذا ليس بيدي أو بيدك، فهي قد اتت فعلا، و بإرادتها
قالتها بهدوء و الخبث يتراقص في حدقتيها، فتسارعت دقات قلبه بخوف و هو يسأل بريبة و نبرة خافتة
- ماذا تقصدين؟!

إبتسمت سارة بطريقة مستفزة و هي تجيبه
- أقصد أن نيروز الآن تحت يدي بالفعل
و ابعدت يده عنها و هي تردف بفخر بما فعلته
- انا قد تلاعب بكما، جعلتها تشك بك للمرة الثانية، جعلتك خائن للمرة الثانية و هي قد صدقت لذا لحقت بك، و وقعت في فخي الآن و لن تخرج منه إلا و هي جسد بلا روح
قالت كلماتها الأخيرة و هي تبتسم بسعادة، فأقترب منها عمار و قام بخنقها و هو يقول بغضب جامح
- بل انتِ التي ستصبحين جسد بلا روح..

سأقضي عليكِ
إبتسمت سارة و قالت بمكر
- لي الشرف أن انتهي على يدك، لكن إذ قتلتني ستقتل هي أيضا، فلم تستفد انت شيء
تركها بدفعها بقوة فأرتدت للخلف و لكنها استطاعت أن تتزن و تقف، سألها عمار بانفاس غاضبة
- اين هي؟
- هنا..

اجابته و هي تشير لشاشة التلفاز التي ظهرت بها فجأة نيروز و كانت مكممة بقماش على فمها و عينيها مغطاة بقماش اخر و قد قاموا بربطها ايضا و اجلسوها على الكرسي أمام الكاميرا و بجانبها رجلين لا يظهر وجههما.
تسارعت أنفاس عمار بخوف، نطق اسمها بصوت مرتجف خافت، ثم صرخ بسارة و هو
ينظر للشاشة
- اين هي؟، اين هذا المكان الذي اخذتِها له؟
ثم اتجه لها جذبها من ملابسها بخشونة و سألها مجددا
- اين هي؟، اين؟

نظرت له سارة ببرود و قالت
- لن اخبرك بالتأكيد
دفعها هذه المرة بقوة اسقطتها على الأريكة، ثم أخذ يبحث في المنزل، في الغرف و الطابق العلوي و السطح ايضا و كل مكان في هذا المنزل لكنه لم يعثر عليها، فكاد ان يفقد صوابه حقاً.
عاد لسارة التي كانت اعتدلت في جلستها على الأريكة و التي وضعت قدم على الأخرى، وقف امامها و هو ينظر لها من فوق و النيران تشتعل في حدقتيه، قال بهدوء مناقض لنظراته.

- هل ستظهريها لي أم أفعل ما لن تحبنه
- أفعل ما تشاء
قالتها بلامبالاة، فهز رأسه بتوعد و اخرج هاتفه وضغط على بضع أرقام ثم وضعه على اذنه ليقول
- انها هنا، تستطيعون الدخول
و خلال لحظات كان قد دخل الرجلين و الممرضين المبعوثين من مستشفى الأمراض العقلية، رفعت سارة زاوية فمها بسخرية و قالت
- كنت أتوقع هذا منك
و اردفت و هي تنظر لأظافرها.

- لكن ماذا استفدت من هذا؟، هل تعتقد أن رجالي سيطلقون سراحها بعد عودتي للمستشفى!
- سأجدها
قهقهت بصوت مرتفع ثم نهضت و قالت
- انتظر زيارتك، قريباً
ثم سارت و رحلت مع الذين أتوا لأخذها، مرر عمار أصابعه بين خصلات شعره بإضطراب و هو يدور حول نفسه، اين يبحث عنها؟، اين سيجدها؟، فكر بأن يطلب المساعدة من صفوان فأتصل به بالفعل.
- اين انت؟
سأله عمار مباشرةً، فأستفسر صفوان
- لماذا؟، هل هناك شيء؟

- تعالى لي لنتحدث، هناك أمر ضروري متعلق بنيروز
- ماذا بها نيروز؟
- اسرع لهذا العنوان الذي سأرسله لك و سأخبرك
- حسنا، لكن هل هي بخبر؟
- إلى الآن، نعم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة