قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل التاسع

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل التاسع

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل التاسع

مساءًا
في غرفة الطعام
كانت نيروز جالسة تتناول طعام العشاء و هي تنظر لسارة بحنق، فالأخيرة تكاد أن تصبح فرداً من هذه العائلة، وضعت الملعقة في فمها بعنف و هي تنقل نظراتها بين عمار و سارة، فلاحظ غادة ذلك، فقالت بخبث
- ما بك يا نيروز؟، لماذا تنظرين لعمار و سارة هكذا؟، هل ترينهم ثنائي مثالي مثل ما اراهم؟
نقلت نيروز نظراتها لسارة بضيق، و قالت بهدوء مصتنع
- بالتأكيد لا، لا اراهم هكذا.

ضحكت سارة بخفة و هي تنظر لنيروز، ثم قالت بخبث خفي
- اتعلمين يا نيروز، في العمل كان الجميع يعتقد اني انا و عمار بيننا علاقة
- هذا سخيف
قالتها نيروز بشراسة قبل ان تنقل نظراتها لطعامها و تعود لتتناوله، بغضب.
انتهى الجميع من تناول طعام العشاء، فاتجهوا للحديقة الخلفية ليجلسوا فيها و هم يحتسون الشاي، بجانب احاديثهم المتعددة.
كانت نيروز جالسة بصمت، لم تشاركهم في.

حديثهم، فقد كانت شاردة، استيقظت من شرودها عندما نهض عمار و سارة ليبتعدوا عنهم و يتحدثون بالقرب من حوض السباحة، ظلت نيروز تنظر لهم من بعيد.
- نيروز
قالتها غادة و هي تنظر لنيروز التي التفتت و نظرت لها، فتابعت
- ما شعورك إتجاه سارة؟، هل تكرهينها؟
رفعت نيروز رأسها و قالت بهدوء
- لا اكره أحد
- حسنا، هل تغارين منها؟
- ماذا؟، مستحيل.

قالتها نيروز و هي تضحك بإستخفاف، فرمقتها غادة بخبث و صمتت، بينما عادت نيروز لتنظر لهم، تصاعدت الدماء لرأسها عندما رأت سارة تتأبط ذراع عمار، نهضت دون تفكير و تقدمت
منهم بخطوات غاضبة، و فور وصولها دفعت سارة في حوض السباحة، فصرخت الأخيرة و هي تسقط داخل الحوض، التفت عمار و نظر لنيروز بعدم تصديق لما فعلته، بينما شهقت غادة بفزع و هي تنهض و تتقدم منهم و هي تهتف.

- ماذا فعلتي أيتها الغبية؟، انقذها يا عمار، اخرج سارة
رمق عمار نيروز بحدة و توعد، ثم خلع سترته و القى بنفسه في حوض السباحة ليخرج سارة.
جلست سارة على الأرض و هي تسعل بقوة، وضع عمار حولها سترته و هو يقول
- هل انتِ بخير؟
نظرت له سارة و اومأت برأسها، فنهض عمار و تقدم من نيروز التي تبتسم بشماتة، امسكها من ذراعها و جذبها بقسوة آلمتها، و صرخ بها
- هل انتِ حمقاء؟، كيف تفعلي هذا بها؟
نظرت له بضيق و هتفت بحنق.

- انها تستحق ما فعلته
ضغط على ذراعها اكثر، فتأوهت، بينما قال بحدة
- هل أفعل بكِ مثل فعلتيه بها؟
تملصت من يده بغضب و هتفت بحدة
- هل ستفعل هذا بي من اجلها؟، هل هي مهمة لك لهذه الدرجة لكي توبخني من اجلها؟
- نعم
قالها بصرامة، صدمت من رده، عادت للخلف بينما اردف هو بقسوة
- نعم، هي تهمني لدرجة اني اوبخك من أجلها.

لمعت عيني نيروز الرماديتين بالدموع، لكنها لم تسمح بفرارها من أسفل جفونها ابدا، بلعت لعابها و رفعت رأسها بشموخ و هي تقول بعناد
- إذا، انا سعيدة بما فعلته بها
- نيروز
قال اسمها بحنق، فتجاهلته و التفتت و عادت لداخل الفيلا، بينما عاد عمار لسارة و ساعدها مع غادة.

دلفت نيروز لغرفتها و صفقت الباب بغضب، توقفت و هي تلتقط انفاسها بغضب، كانت تجول بنظراتها حولها لتمنع دموعها من الفرار و لكنها لم تستطع، سارت ل فراشها و جلست عليه بوهن، ظلت صامته للحظات قبل ان تتعالى شهقاتها المريرة، فشعورها بالقهر و المرارة و الخيبة منه لا تستطيع وصفها ابدا، خلعت حذائها و عادت للخلف لتتدثر اسفل الغطاء، دفنت وجهها في وسادتها و هي تزيد من نحيبها.

بعد مرور بعض الوقت
عاد عمار للفيلا بعد ان قام بتوصيل سارة لمنزلها، صعد السلالم و انحنى يميناً ليصل لغرفته و يدخلها، تقدم للفراش بخطوات ثابتة و توقف امامها، ظل ينظر له للحظات، لاحظ شحوب وجهها و اثار دموعها على وجنتيها، فتنهدت بقوة قبل ان يجلس على الفراش لينحني بجسده و يستند بمرفقيه على فخذيه و هو يضع وجهه بين كفيه بضياع و حيرة.

اليوم التالي
سارت نيروز لغرفة الطعام و دخلتها، القت التحية ثم جلست، نظرت لعمار و غادة الذين تجاهلوها تماما، تنهدت ثم بدأت في تناول
طعامها، لم تتناول الكثير، نهضت و هي تنظر للساعة، ثم قالت قبل ان تغادر
- سأذهب ل امي اليوم يا عمار، حسنا؟
نظر لها بطرف عينيه و اومأ برأسه ببرود، فغادرت.

وصلت نيروز لمنزل عائلتها، طرقت على الباب، و خلال لحظات سمعت صوت والدتها من خلف الباب
- من الطارق؟
- انا نيروز يا أمي
- ماذا تريدين؟
- افتحي لي أولا، رجاءً فأنا عطشة
ظلت واقفة لثواني، ثم فتحت لها والدتها و قالت
- خذي الماء و غادري
و اعطتها زجاجة ماء، اخذتها منها نيروز و قالت
- هل وصل صفوان؟
- نعم
قالتها والدتها بإقتضاب، فإبتسمت نيروز و قالت
- هل لي أن أدخل لأسلم عليه، فقد اشتقت له.

اتى صوته الرجولي من خلف والدتها
- اتيتي باكرا يا صغيرة
إبتسمت نيروز و هي تركض للداخل و تعانقه بقوة و هي تقول بسعادة
- اشتقت لك يا أخي، كثيرا
- انا ايضا، اشتقت لكم
ابتعدت عنه و نظرت له لوهلة ثم قالت
- لقد تغيرت كثيرا، ما هذه العضلات الجميلة
قالت كلماتها الاخيرة بمزاح، فضحك و قال بثقة
- انا دائماً جميل و جذاب
- بالتأكيد.

قالتها و هي تومأ برأسها بحزم، ثم مدت يدها لتمسك شعره الطويل الذي كان يربطه، فأبعد يدها سريعا و قال بتحذير
- ماعدا شعري يا نيروز
ضحكت و قالت بمزاح
- شعرك أجمل من شعري
- اكيد
قالها بثقة و هو يجلس على الأريكة، فضحكت و جلست بجانبه، بينما قال صفوان لوالدتهم بلطف
- اتركيها معنا اليوم يا أمي، فقط
تنفست والدته بعمق ثم اومأت برأسها و هي تغلق الباب و تتجه للمطبخ.

بدأ الليل يسدل ستائره
غادرت نيروز منزل عائلتها لتعود للفيلا، توقفت عند المحطة لتوقف سيارة أجرة، انتظرت كثيرا و لم تأتي سيارة أجرة واحدة، تنفست بضيق و هي تحدث نفسها
- لماذا لا يوجد أي سيارة اليوم؟
توقفت امامها سيارة، نظرت لها نظرة عابرة ثم عادت و نظرت للطريق.
- هيا اصعدي
قالها صاحب السيارة الذي كان صوته مألوف لديها، نقلت نظراتها للاخير بذهول و هي تقول
- عمار!
نظر لها ببرود و قال
- هل ستصعدي أم...

قاطعته و هي تبتسم
- سأصعد
انهت جملتها و التفت حول السيارة لتأخذ مكانها بجانبه، نظرت له بسعادة و قالت
- هل أتيت لتأخذني؟
- بالطبع لا، كنت مار من هنا فرأيتك
إتسعت إبتسامتها و قالت
- لا يهم، فمن الجيد انك رأيتني و توقفت لتأخذني معك
نظر لها بطرف عينيه ببرود ثم ادار المقود، بينما تنهدت براحة و هي تعود برأسها للخلف و تنظر للطريق بهدوء.

اليوم التالي
خرج عمار من المرحاض بعد أن اغتسل، توقف و نقل نظراته حوله بتساؤل، فهي لم تكن موجودة بجانبة عندما استيقظ، حتى الآن هي ليست متواجدة، لم يهتم، أو تظاهر بذلك، إتجه للخزانة ليخرج ملابس ليرتديها للعمل.
دلف لغرفة الطعام، القى التحية على والدته ثم جلس، نظر لمقعد نيروز الخالي و قال بهدوء
- ارأيتي نيروز؟
- لا، لماذا؟
- لا شيء.

ثم نظر لطعامه و بدأ في تناوله، و ساد الصمت للحظات، قبل أن تقول غادة بهدوء
- عمار، إلى متى ستظل نيروز هنا، معنا؟
نظر لها عمار و قال
- هل تريدينها ان تغادر؟
- نعم، فأنا لا أشعر بالراحة بوجودها، دائما
اشعر بأن هناك شيء سيء سيحدث لك بقربها منك
- لا تقلقي، لن يحدث لي شيء
حدقت به غادة بشك، و سألته
- هل مازلت تريد بقائها في حياتك؟، هل مازلت تحبها بعد ما سببته لك من اذى؟
صمت للحظات ثم قال.

- لا، انا لم أعد كذلك، انا فقط اريد تعذيبها الآن، ثم سأجعلها تغادر حياتي، للأبد
هزت غادة رأسها و عادت لتتناول طعامها.
بعد أن انهى طعامه نهض ليغادر لعمله، و قبل أن يخرج من الفيلا اوقفته الخادمة لتقول له
- سيد عمار، هل لك ان تأتي معي لثواني
- ماذا هناك؟
- السيدة نيروز
سار عمار خلف الخادمة ليصل للحديقة الخلفية،
توقف و هو ينظر لنيروز المستقلية على الأرض، و يبدو أنها نائمة، قالت الخادمة.

- حاولت أن اجعلها تنهض لتنام في الداخل و لكنها رفضت، أخبرتها انها ستصاب بالبرد و لكنها ظلت كما هي
- منذ متى هي هنا؟
- منذ ساعتين
- حسنا، غادري
غادرت الخادمة، بينما تقدم عمار من نيروز و توقف امامها، وضع كفيه في جيوب بنطاله و هو يقول
- استيقظي يا نيروز
تململت في نومتها، ف جثى على ركبتيه و هو يقول
- لماذا انتِ نائمة هنا؟
فتحت نيروز عينيها بنعاس ثم اغلقتهم مرة أخرى
بإنزعاج و هي تتمتم
- اتركني الآن.

- ستصابين بالبرد
- هل ستعتني بي إذ مرضت؟
قالتها و هي مازالت مغمضة العينين، ثم اردفت و هي تبتسم
- إذ كذلك، اتركني أمرض
- هل انتِ حمقاء؟
- نعم
قالتها ببساطة، ثم فتحت عينيها و نظرت له و تابعت
- انا حمقاء، و لكني جميلة
- ماذا؟
قالها بعدم فهم، فما يبدو أنها تهلوس، اردف
- يبدو انكِ مرضتي
اعتدلت لتجلس، ثم صمتت لدقائق، و قالت و
هي تنظر حولها
- اين سارة؟، الم تأتي؟
- لماذا تريدينها؟
إبتسمت و قالت
- اريد ان اطمئن عليها.

رمقها بإستهزاء، فضحكت و قالت
- هذا سخيف صحيح؟
ثم نهضت، فنهض و هو ينظر لها بحيرة، فتصرفاتها غريبة الأطوار هذه لا يعلم سببها، هل احتست شيء؟!
- عمار، أريد أن اخبرك، هل تستطيع أن تأتي معي لحفل زفاف؟، فجارتنا، ابنتها ستتزوج و بالأمس اتت لنا عند امي و قامت بدعوتنا، و انا اريد ان اذهب
اتى ان يجيب، لكنها سبقته
- لا تجب الآن، في المساء اخبرني عن موافقتك
، لن أقبل بغير الموافقة.

قالت كلماتها الأخيرة و هي تبتسم بمرح، ثم التفتت و عادت للداخل.
تابعها بنظراته حتى اختفت من امامه، ثم غادر.

بعد مرور الوقت
في منزل عائلة نيروز
خرج صفوان من غرفته و إتجه للمطبخ حيث والدته تقف هناك، تحضر طعام الغداء.
- صباح الخير يا أمي
- صباح النور، هيا اذهب و اجلس على السفرة، دقائق و سيصبح الطعام جاهز
ثم اردفت بتساؤل عندما لاحظت انه يرتدي حله سوداء
- الي اين انت ذاهب؟
- سأذهب لأبدأ في العمل الذي أتيت من اجله
- بهذه السرعة؟!
التقط قطعة من الخيار المقطع و وضعها في فمه و هو يقول.

- نعم، فأنا يجب أن أحضر تلك الفتاة قبل عودة السيدة لهنا
هزت والدته رأسها بتفهم و قالت
- حسنا، اذهب، و لكن لا تتأخر
- حسنا
قالها وهو يقبلها، ثم غادر.

مساءًا
إتجهت نيروز لغرفتها بعد ان علمت أن عمار قد
عاد، دلفت للغرفة، فوجدته مستلقي على الفراش، يضع ذراعه على عينيه و التعب و الإرهاق ظاهر على وجهه، تقدمت منه بهدوء و قالت بلطف
- عمار، هل أنت بخير؟
لم تلقى منه إجابة، فاستنتجت انه نائم، فقامت بخلع حذائه لتضعها على الأرض ثم تضع الغطاء عليه، رفعت نظراتها لوجهه عندما سمعت صوته المتألم
- ماذا تفعلين؟
اجابته بهدوء
- لا شيء، فقط أحاول أن اجعلك تنام براحة.

اعتدل و ابعد عنه الغطاء بحدة و قال
- ابتعدي عني
- ماذا؟
شعرت بالذهول من حدته المفاجأة، و لكنها
تخلصت من شعورها الأخير بسرعة و قالت بضيق
- لم اقترب لكي ابتعد
رمقها بغضب رغم ملامحه المتعبة، لاحظت قطرات العرق التي تسيل على جبينه، فقالت بقلق
- ماذا بك؟، هل تتألم؟
و اتت ان تضع يدها على جبينه ولكنه دفع يدها بخشونة و قال و هو يجز على اسنانه بغضب
- قلت، ابتعدي عني
تجاهلت قوله و قالت بقلق ظهر في حدقتيها الرماديتين.

- يبدو أنك لست بخير، دعني أرى حرارتك
ثم وضعت يدها على جبينه و ما لبثت أن أرتدت للخلف و سقطت على الأرض بقسوة عندما دفعها بكلتا يديه، رفعت رأسها ونظرت له بصدمة و
ذهول من ردة فعله الغريبة، القاسية، فنهض عمار و ما لبث أن سقط على الأرض فاقد الوعي بعد ان خرجت صرخة ألم من بين شفتيه، فأنتفضت نيروز بفزع و خوف عليه و هي تقترب منه و، تصرخ بزعر
- عمار!، ماذا بك؟، عمار؟

كان صفوان جالس في الحانة منذ الصباح، ينتظر ظهور تلك الفتاة الوقحة، فهي للأن لم تظهر بعد، هل هي لم تظهر بسبب معرفتها انه هنا من اجلها؟، لا مستحيل، هو لا يعتقد أنها تعلم بأن والدتها تريد اعاتدها حتى.
تنفس بضيق عندما اتت له تلك الفتاة الشبة عارية التي ارتدت له أكثر من أربع مرات لكي تجلس معه و تحتسي معه الخمر الذي لم يتذوقه يوما،
هو فقط يتظاهر بأنه يحتسيه لكي لا يثير الشك.

- ها يا فتى الاحلام، امازالت على رأيك؟
نظر لها بجمود، ثم لانت نظراته و تحولت للخبث و هو يمسك بسترتها من فتحة الصدر و يجذبها له، فضحكت الفتاة بمياعة و هي تهمس
- إذا أنت تريد هذا
و جلست على الطاولة امامه، فهمس لها
- اريد ان اطلب منكِ شيء
اومأت برأسها و هي تحتضن وجهه بكفها، فقال
- اريدكِ ان تجلبي لي فتاة اسمها عائشة
تغيرت ملامح الفتاة و أصبحت غاضبة، نهضت و ابتعدت عنه و قالت
- هل هذا طلبك؟
- نعم.

قالها بهدوء، فقالت بحدة
- لن انفذه
ثم اردفت
- و لكي تعلم، عائشة صعبة الأرضاء
ثم غادرت، فإبتسم صفوان، فقد تقدم خطوة للأمام فهو الآن تأكد من أن تلك الفتاة الحقيرة هنا، لذلك لن يغادر قبل مقابلتها.
بعد دقائق رأي عمار فتاة تدخل للحانة و انظار الجميع تحولت لها، سمع همس من جانبه من قبل رجلين
- يالها من فاتنة هذه الفتاة.

- بالتأكيد، فهذه عائشة، ملكة هذا المكان بأنوثتها المثيرة، فمعظم الرجال يأتون هنا من اجل رؤيتها فقط
إتسعت مقلتي صفوان و إبتسم بسعادة عندما ادرك انها هي، عاد و نظر لها بعمق، فملامحها في الحقيقة معاكسة تماما للصورة التي معه، فما يبدو أن الصورة التي معه كانت قديمة.

، فالفتاة التي امامه الآن مفرطة في جاذبيتها و انوثتها الطاغية، بشعرها الأحمر الناري المموج، و عينيها الخضراوتين كخضار النعناع الطازج المنعش و بشرتها البيضاء.
لم يهتم بجاذبيتها و انوثتها الفاحشة، هو لم ينظر لها حتى برغبة كالأخرين، فهو و بكل بساطة يراها حقيرة.

تابعها بنظراته حتى اختفت من أمام أنظار الجميع، لتظهر بعد مرور خمسة عشر دقيقة و هي ترتدي ملابس العمل الفاضحة، هي تعمل كنادلة و لكن ملابسها تظهر الكثير.
رفع عمار يده لتتقدم منه و تبدأ عملها.
- تفضل، ما هي طلباتك؟
نظر لها ببرود و قال
- ماذا لديكم؟
- كل ما تريده ستجده
قالتها بهدوء، فقال
- حسنا، أريد شيء على زوقك
اومأت برأسها و منحته إبتسامة مثيرة ثم التفتت و غادرت، تابعها بنظراته التي تظهر مدى بغضه عليها.

بعد ثواني عادت له بالمشروب التي اختارته له، و قدمته له، اخذه و هو ينظر لها، قال
- هل لكِ أن تتذوقيه قبلي؟
اومأت برأسها ببساطة و اخذته، فهذه طبيعة عملها، ارضاء الزبون، ارتشفت منه و قالت
- تفضل
نهض و وضع يده على يدها الممسكة بالكأس و اقترب منها، كانت تنظر له ببرود، ثم احتدت نظراتها عندما سكب ما يحتويه الكأس عليها، و هتفت
- هل انت غبي؟
تراجع للخلف و قال باعتذار كاذب
- انا اسف لم أقصد.

تنفست بغضب قبل ان تلتفت و تختفي من امامه، فنظر حوله ثم تابعها.
توقف امام غرفة تبديل الملابس المخصصة للعاملين، و دخلها، فألتفتت له و كأنها كانت في انتظاره، و قالت بهدوء
- انت فعلتها عن قصد، صحيح؟
اغلق الباب من خلفه و تقدم منها بهدوء، و اجاب
- نعم
- هل هذا أسلوب جديد؟
قالتها بإستخفاف و هي ترسم على شفتيها إبتسامة جانبية باردة، توقف امامها، فتابعت بوقاحة وهي تتقدم منه لتصبح أقرب له.

- هل تريد أن تقبلني؟، أم تنام معي؟

اتت غادة على صوت صريخ نيروز، لطمت على صدرها بفزع فور رؤيتها لعمار المستلقي على الأرض فاقد الوعي، جثت على ركبتيها و ابعدت نيروز عنه بخشونة و هي تهتف
- ابتعدي عنه
ثم نظرت له و قد امتلأت مقلتيها بالدموع و هي تقول بفزع
- عمار، بني، استيقظ يا عزيزي، استيقظ
ثم هتفت للخادمة التي أتت معها
- اطلبي الطبيب أشرف، بسرعة
ذهبت الخادمة سريعا لتنفذ ما طلبته منها غادة، بينما ظلت نيروز جالسة على الأرض تنظر.

لعمار و هي تبكي، تشعر بالخوف و القلق على.

نظر صفوان لعائشة ببرود، ثم نقل نظراته لشفتيها المكتنزتين و همس
- بل لدي شيء أفضل
نظرت ببرود و قالت بإستخفاف
- هل صدقت اني سأفعل ذلك معك؟!، كم انت غبي
انهت جملتها و التفتت لتتجه للخزانة المعدنية الصغيرة و تفتحها، نظرت له من فوق كتفها و هي تلويه ظهرها
- غادر هيا، أريد أن ابدل ملا...
اسكتها قبل ان تكمل جملتها بالمناديل التي وضع بها مخدر و وضعها على انفها، فسقطت بين.

يديه خلال ثواني، إبتسم ببرود و هو يقول
- الشيء الأفضل هو، إختطافك، فما يبدو انكِ سيئة الطباع جدا و مغرورة
حملها بين ذراعيه و سار بها لخارج غرفة تبديل الملابس بحذر، نظر للممر بترقب ثم سار في الإتجاه المعاكس من الذي سلكه وهو اتي لها، فوجد باب خروج، فسار بخطوات سريعة له و أدار المفتاح الذي كان موجود به و غادر.

في فيلا أحمد فريد
تقف نيروز في الخارج، أمام الغرفة، بينما الطبيب اشرف كان بالداخل و معه عمار و غادة التي طردتها بقسوة و منعتها من أن تبقى بقرب عمار و لو لثانية، و هذا ألمها، ظلت
منتظره في الخارج خروج الطبيب ليخبرها بحالة عمار، و لكن وجوده في الغرفة طال.
بينما في الداخل...
أمسك الطبيب بحُقْنَة و قام بحنق عمار بها في ركبته و هو يقول لغادة.

- يبدو أن السيد عمار يهمل دواءه هذه الأيام و مع الإرهاق و التعب الذي يقوم بهما فهذا زاد من الأمر سوءً، لذلك ارجوكِ قومي بمتابعته و اجعليه ينتظم في دواءه إلى حين موعد الجراحة
- لا تقلق، سأقوم بذلك
اومأ أشرف برأسه ثم نهض بعد إعادة أغراضه لحقيبته السوداء و قال
- استأذن سيدتي
هزت رأسها بالإيماء، ف إتجه للباب و لكنها اوقفته قبل ان يصل للأخير و تقدمت منه و هي تقول بهدوء.

- رجاءً، لا تخبر الفتاة التي بالخارج عن حالته، فأنا التي سأخبرها
اومأ برأسه و هو يتمتم
- حسنا
ثم خرج و اغلق الباب خلفه.
اسرعت نيروز له و قالت بلهفة
- اخبرني، كيف حال عمار؟، و ماذا به؟
نظر لها اشرف بهدوء و قال
- السيدة غادة ستخبركِ، عن اذنكِ
ثم غادر، فتقدمت نيروز من الغرفة و وضعت يدها على المقبض و برمته بتردد، نظرت لعمار المستلقي على الفراش، اتت ان تخطوا خطواتها للداخل ولكن اوقفتها غادة
- لا تدخلي.

نظرت نيروز لغادة التي تقدمت منها و خرجت لتغلق الباب خلفها، فسألتها نيروز
- هل هو بخير الان؟
- نعم
قالتها غادة بإقتضاب، فقالت نيروز
- حسنا، لماذا فقد الوعي هكذا؟، هل هو مريض؟
- لا، هذا حدث له لأنه لم يتناول أي شيء اليوم و قد ارهق نفسه في العمل
كذِبت غادة و لم تخبر نيروز الحقيقة، بينما نيروز صدقت السبب الذي أعطته لها غادة.
- حسنا، سأدخل له، ممكن؟
قالتها نيروز بلطف، فقالت غادة بجمود.

- لا، اليوم انتِ لن تدخلي له ابدا فهو يحتاج للراحة و انتِ دائما تسببين له المتاعب، لذلك نامي في الغرفة المجاورة
- ارجوكِ، أريد أن أدخل له و اطمئن عليه، أقسم اني لن اضايقه ابدا، فقط سأعتني به
قالتها نيروز برجاء و هي تكاد أن تبكي مرة أخرى، و لكن غادة كانت صارمة أمام رجاءها
- قلت لا، هيا اذهبي
انهت غادة جملتها و عادت لغرفة عمار تاركه نيروز واقفة مكانها، دموعها تسيل على وجنتيها بألم.

بعد منتصف الليل
تململت عائشة في نومها، ثم فتحت عينيها ببطء لتجول بنظراتها المشوشة حولها، تدريجيا بدأت الرؤية تتضح لها لتدرك بعدها أن الفراش، و الغرفة، و المكان التي هي فيه تجهله، اعتدلت سريعا و هي تجول ينظراتها حولها بتفحص، تمتمت
- اين انا؟، ما هذا المكان؟

شعرت ببعض الخوف عندما رأت النوافذ مغلقة بالخشب، و أن ليس هنا مخرج، فاستنتجت انها، مخطوفة!، دب الخوف في قلبها عند ذلك الاستنتاج التي كذبته، نهضت و إتجهت للباب و حاولت فتحه و لكن لا فائدة، فأصبحت تطرق عليه بكفها و هي تهتف
- هل من أحد هنا؟، اين انا؟، مرحبا
وسمعت صوت احدهم يقول من خلف الباب
- اهدئي و لا تثيري الفوضى
- من انت؟، افتح لي.

سمعت صوت المفتاح يدور في القفل، فتراجعت للخلف و هي تنتظر ظهور صاحب ذلك الصوت من خلف الباب، و حدث، فأتسعت مقلتيها فور رؤيتها ل صفوان الذي قابلها بملامح وجه باردة، اغلق الباب خلفه و قال
- هل استيقظت الأميرة النائمة اخيرا!
نبرته كانت تحمل لهجة ساخرة، و لكنها تجاهلت ذلك و قالت بإقتضاب
- ماذا أفعل انا هنا؟
- ألم تريدي ان انام معكِ؟، لذلك أتيت بكِ إلى هنا لكي نستمتع أكثر
- هل جننت؟، انا كنت اسخر منك فقط.

جلس على الأريكة الصغيرة و قال ببرود
- انا ايضا، اسخر منكِ الآن
ثم اردف بجدية
- تعالي و اجلسي لكي نتحدث
- بماذا؟
- اجلسي أولا
قالت بنفاذ صبر
- اخبرني هيا بما تريد محادثتي به لكي اغادر
همهم و قال
- حسنا، لكي اعرفكِ بنفسي، انا صفوان حارس السيدة صفا، والدتك
نظرت له بعدم إكتراث للاسم الذي قاله و قالت
- فهمت، إذا ماذا تريد مني أيها الحارس؟
- السيدة صفا تريد مني ان اعيدكِ لها، لذا...
قاطعته بثبات
- و لكني لن اعود.

رسم صفوان على شفتيه إبتسامة جانبية باردة و قال
- هذا ليس بقرارك
ضحكت عائشة بإستخفاف و هي تقترب منه
- حقا!، إذا هذا قرار من؟
- السيدة
اجابها بهدوء، فقالت بحزم
- بل هذا قراري، و لا أحد يستطيع أن يجبرني على العودة
نهض ليصبح مقابلا لها و ظل صامتا للحظات، قبل أن يبتسم بتهكم وهو يقول بثبات
- يبدو انكِ تحتاجين لترويض
- لا أحد يستطيع ترويضي
قالتها بثقة ثم التفتت لتتجه للباب و هي تقول.

- سأغادر، و لا أريدك أن تظهر أمامي مرة اخرى
عاد و جلس على الأريكة مرة أخرى، وضع قدم على آخرى و هو يراقبها بسخرية، فهي لا تستطيع المغادرة، فالباب مغلق.
التفتت بحدة و قالت بصرامة
- افتحه لي
ظل صامتا، ينظر لها ببرود، فتقدمت منه بخطوات حازمة و هتفت
- الا تسمع؟، افتح لي الباب، فأنا لدي عمل
ظل كما هو، متجاهلها، و هذا زادها حنقا،
فقالت
- حسنا، انا سأكسر هذا الباب
ضحك و قال بتهكم
- انتِ!، حسنا هيا اكسريه.

ثم نهض و إتجه للفراش و انحنى ليلتقط كيس و يلقيه لها
- خذي ارتدي هذا
نظرت لما داخل الكيس و قالت بجمود
- لن ارتدي أي شيء من هنا فأنا سأغادر
وضع كفيه في جيوب بنطاله ببرود و قال بهدوء.

- اولا، ملابسك هذه لا تلائم هذا المكان، فهنا لا يوجد رجال شهوانين لجسدك، ثانيا، اقامتك هنا ستكون طويلة بعض الشيء، فلا أعتقد انكِ تحبذين أن تظلي مرتديه هذه الملابس التي أصبحت متسخة، ثالثا، انا لا أحب أن أرى فتاة بهذه الملابس الفاضحة
طوت ذراعيه فوق صدرها و قالت بعدم إكتراث
- ما قلته لا يهمني، فما يهمني الآن أن اغادر، لذلك...

قاطعها عن اكمال جملتها عندما تخطاها و فتح الباب و غادر، كانت مصدومة من تجاهله لها لذلك لم تتحرك، و لكن عندما ادركت انها أصبحت بمفردها في الغرفة جن جنونها و أصبحت تهتف بغضب
- انت ايها الحقير، كيف تتجاهلني و تتركني هكذا؟، افتح لي، اريد ان اغادر، أيها الحقير.

دلفت نيروز لغرفة عمار بحذر و بطئ لكي لا يشعر بها أحد، اغلقت الباب خلفها عندما تأكدت من أن عمار بمفرده في الغرفة، تقدمت منه و جثت على ركبتيها بجانب فراشه و ظلت تنظر له
، كم تشعر بالراحة لأنه بخير، مدت يدها لتلمس لحيته بخفة، مررت كفها ببطء حتى احتضنت وجنته بأكملها بكفها الدافئ و هي تبتسم براحة، همست له.

- من الجيد انك بخير، اتعلم كم شعرت بالخوف عندما وجدتك فاقد الوعي هكذا؟، لا تمرض مرة أخرى و لا ترهق نفسك في العمل و تناول طعامك، فوجودك مهم في حياتي و حياة الكثير
تنهدت بعمق لتصمت للحظات ثم تتابع بإمتنان
- الحمدالله انك هنا، و بخير
ثم نهضت لتنحني و تقبله بجانب شفتيه، قبلة تظهر مدى امتنانها له، اشتياقها، حنينها، قبلة حانية، دافئة.
ابتعدت عنه قليلا و نظرت له، ثم إبتسمت بهدوء و غادرت.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة