قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الأول

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الأول

رواية لك وعدي للكاتبة مي علاء الفصل الأول

سارت في رواق الفندق بخطوات متعجلة و هي تلتقط انفاسها بتوتر، توقفت امام موظف الاستقبال لتقول من بين انفاسها
- السيد عمار احمد هنا؟
- نعم سيدتي
- حسنا، ارجوك، اعطني مفتاح الغرفة الخاصة به
- اسف سيدتي، لا استطيع اعطائك ما تطلبينه
قالها موظف الاستقبال بتهذيب، فنظرت له لوهلة قبل ان تقول له بخفوت
- انا زوجته، و اليوم عيد زواجي به لذلك اريد ان افاجئه بمجيئي، لذلك ارجوك اعطني المفتاح.

نظر لها موظف الاستقبال بتفكير، فقالت
- ارجوك، اسدي لي هذا المعروف و سوف اضمن لك ترقية في عملك، اوعدك
بعد دقائق من التفكير، تنفس الموظف بعمق و هو يخرج المفتاح و يعطيها اياه بتردد، فإبتسمت و هي تأخذه منه و تشكره و التفتت لتغادر و لكنها عادت له و سألته
- الطابق العاشر، صحيح؟
- نعم سيدتي
- و الغرفة؟
- الغرفة رقم خمسون.

شكرته مرة آخرى قبل ان تلتفت لتسير للمصعد، توقفت امام المصعد الكهربائي و ضغطت على الزر ليصل لها خلال ثواني، ولجت لداخله بخطوات مترددة و ضغطت على الزر الذي يحمل الرقم 10 ليصل خلال ثواني للطابق.

المطلوب، خرجت منه لتنحرف يمينا و تكمل سيرها في الممر، توقفت امام الباب الذي يحمل الرقم خمسون، مدت يدها لتضع المفتاح في القفل و ادارته، امسكت بقبضة الباب و هي تشعر بالتردد بجانب سماعها لصوت دقات قلبها الخائف، نعم هي خائفة من ان تفتح هذا الباب فتتحقق من صدق الرسالة التي اعلن هاتفها عن وصولها منذ ساعة، فتنتهي حياتها معه بالكامل.

طبقت جفونها للحظات لتستجمع شتات نفسها و شجاعتها، تنفست بعمق و هي تفتح جفونها، لمعت حدقتيها الرماديتين بإصرار و هي تبرمها و تدلف للغرفة ببطئ، توقفت و نظرت حولها بحذر، سارت بخطوات بطيئة و هي تستند على الحائط بعد ان سمعت صوته الخافت، توقفت مع نهاية الحائط و قد كسى وجهها الألم و الخيبة و.

هي ترى زوجها يقبل آخرى و يخونها هي، إذا تلك الرسالة التي وصلت لها من شخص مجهول كانت صادقة، طبقت جفونها بألم لتمنع دموعها من التجمع اسفلهما، فتحتهم و هي تكور قبضتها لتتماسك قبل ان تخرج حروفها من بين شفتيها بهدوء اتقنته
- عمار
تربس في مكانه لثواني عندما اخترق صوتها طبلة اذنه، في حين اجفلت الفتاة التي بجانبه و هي تهتف بحدة
- من انتِ؟، كيف دخلتي إلى هنا؟

وضعت كفيها المرتجفتين في جيوب بنطالها لتخفيهما في حين تقدمت منهم بثبات و هي تتجاهل اسألة الفتاة و تتابع
- ألن تنظر إلى زوجتك يا عزيزي؟
بلع لعابه بتوتر و هو يلتفت بجسده ببطئ لينظر
لها و هو يتمتم بأسمها بخفوت
- نيروز، انا
قاطعته و هي تضع إبهامها امام شفتيها كتحذير له، و قالت بهدوء
- لا تقل شيئا
بلع لعابه مرة اخرى بتوتر و هو يقول بتلعثم
- الأمر ليس كما تظنين
- حقا!، إذاً اخبرني كيف هو الأمر؟

بلع لعابه بإضطراب و هو ينهض من جانب الفتاة في حين كان لا يجرؤ على ان ينظر لزوجته مباشرا، فقال بتلعثم
- الأمر هو، هو
إبتسمت نيروز بتهكم و قالت
- انت لا تبحث عن كذبة لتقولها، صحيح؟
مسح وجهه بكفه بتوتر و اتى ان يتقدم منها و لكنها اوقفته بقولها الحاد
- لا تقترب مني، بعد الآن
انهت جملتها بنبرة محذرة، و من ثم التفتت سريعا و غادرت، فألتقط عمار قميصه و ارتداه بتعجل تحت انظار الفتاة الخبيثة.

ولجت نيروز إلى المصعد و ضغطت على الزر بيد مرتعشة و قد سمحت لدموعها ان تسيل على وجنتيها، دموع الألم و الحسرة على حبها له، اهذه نهاية حبها؟، ظنت انه سيظل يحبها للنهاية كما وعدها، كم هي حمقاء!..
ترجل عمار من سيارته سريعا و ركض لداخل الفيلا، فور دخوله سأل احدى الخادمات عنها
- اين سيدتك نيروز؟
اتت الخادمة ان تجيب و لكن صوت نيروز سبقها
- سيدتها ذاهبة.

التفت سريعا ليراها تنزل درجات السلم و هي تحمل حقيبتها، فأقترب بخطوات بطيئة و هو يسألها بقلق
- إلى اين ستذهبين؟
انحنت و وضعت حقيبتها على الأرض و هي تقف امامه، و اجابت بهدوء قاتل اصتنعته
- ليس لك الحق ان تعرف إلى اين انا ذاهبة
- انتي قد فهمتي الأمر بشكل خاطئ
- حقا!
قالتها بتهكم و تابعت و هي تطوي ذراعيها امام صدرها
- ما هو الشيء الذي فهمته بشكل خاطئ بظبط؟، خيانتك لي؟!
بلع لعابه بصعوبة و هو يجيب بإحراج.

- انا، انا لا اعلم ما حدث لي، لا اعلم كيف
فعل، فعلت ذلك
مسح جبينه بكفه بتوتر و هو يكمل بندم
- انا اسف، اسف على ما رأيتيه، اس...
قاطعته نيروز و هي تسأله بإقتضاب
- هل تتذكر وعدك لي؟
نظر لها نظرة عابرة قبل ان يخفض رأسه بإحراج، بينما اكملت نيروز بحدة
- اتتذكر صحيح!، انت تتذكر وعدك الذي اخلفته بخيانتك لي، تتذكره، صحيح!
تنفس بعمق قبل ان يرفع رأسه لينظر لها و يقول
- اتذكره.

رسمت على شفتيها إبتسامة جانبية متهكمة و هي تنظر له بإستحقار، انحنت و التقطت حقيبتها و ما لبثت ان القتها على الأرض عندما لامست يده اناملها، صرخت به
- اياك ان تلمسني، انا اشمئز منك
نظر له بصدمة، و قال
- نيروز، لا تضخمي الأمر
- لا اضخمه!، هل تريد مني ان اتخطى خيانتك لي؟، هل كنت تنتظر مني ذلك!
قهقهت بحدة و اكملت بغضب و صوت مرتفع جذب انتباة الخدم.

- هل تريد مني ان اكمل حياتي معك!، ان اكمل حياتي مع شخص طعنني و خانني دون ان يفكر بمشاعري حتى، هل تريد ذلك!، لن افعل ذلك، انا لا اريد ان اكمل حياتي و انا اشعر بالألم و الخيانة منك، يكفيني كل تلك الفترة التي قضيتها و انا اشعر بالألم لأني شككت بك يوما، يكفيني ذلك، حقا
قالت كلماتها الأخيرة بوهن و قد امتلأت مقلتيها بالدموع، التقطت انفاسها بصعوبة و هي تكمل بصوت متحشرج حاد.

- تعلم، في كل مرة كانت تصل لي رسالة انك تقوم بخيانتي كنت اكذبها، و في كل مرة كان الشك يراودني كنت اقطعه من رأسه، تعلم لماذا؟، لأني كنت اثق بك، اثق بوعودك، اثق بأنك لن تفعل ذلك، اعتقدت ان حبي لك و حبك لي سيمنعك من ارتكاب اي شيء قد يدمرنا، و يال غبائي
قالت الأخيرة و هي تضحك بمرارة، فقال عمار بحيرة
- رسالة!، ما تلك الرسائل التي كانت تصلك يا نيروز؟

لم تمنحه اي إجابة فقط انحنت و التقطت حقيبتها و تخطته و لكنها توقفت لتقول له بندم و قد سالت دموعها على وجنتيها
- اتعلم، انا نادمة على ثقتي بك، حقا نادمة
خطت خطواتها و ما لبثت ان توقفت عندما قال
لها
- سأنتظرك
توقفت و قالت بصوت متحشرج و هي تلويه ظهرها
- لا تنتظر، فأنا لن اعود
- اؤمن انكِ ستعودين لي
- لا تؤمن بي، فأنا سأخذلك كما خذلتني
- تعلمين ان برحيلك سأتعذب.

قالها و قد كسى صوته الألم، فأخفضت رأسها و هي تمسح دموعها قبل ان تلتفت لتقول له بتماسك
- لا اعتقد انك ستتعذب، ولكن إن حدث ذلك فأنا سأكون سعيدة بعذابك، فربما تشعر بالعذاب و الألم كما شعرت انا
سالت دمعة حارة على وجنته و هو يهمس لها برجاء
- لا تتركيني يا نيروز، انتِ تعلمين كم انا احبك
شعرت بألم يخزو قلبها و لكنها تماسكت و منعت دموعها من السيل امامه، بلعت لعابها قبل ان تقول بهدوء
- وداعا.

التفتت سريعا و غادرت لكي لا تنهار امامه، فهذا ما لا تريده ان يحدث، امامه.
بينما هو، انهار على الأرض و هو يراها تغادره و تغادر حياته بأكملها.

قبل مرور عامين
قبل حلول منتصف الليل بقليل...
خرجت نيروز من منزلها و هي تركض بأقصى سرعة لديها، فهي تريد الهروب من ما سيقحمها.

به والدها، كانت تلتفت برأسها لتنظر للخلف لتتأكد من عدم لحاق احد من عائلتها لها، شعرت بالتعب فتوقفت، انحنت لتسند كفيها على ركبتيها و هي تلتقط انفاسها، لم تنتبة لتلك السيارة التي تقترب منها بسرعة جنونية إلا بعد ان سمعت صوت صفير مكابح السيارة فإتسعت مقلتيها بصدمة و هي تقف بإستقامة، تسارعت انفاسها و هي تشعر بأن عظامها تجمدت فلم تعد قادرة على الحركة، فقط تحدق كالبلهاء و هي تلقى حتفها.

فتحت نيروز جفونها بتعب و ظلت تحدق في الهاوية لثواني و من ثم نقلت نظراتها حولها بخوف بعد ان ادركت انها في المستشفى الآن، اعتدلت لوضع الجلوس و هي تتمتم بقلق
- ماذا حدث لي؟
صمتت لبرهه قبل ان تتسع مقلتيها و هي تتفحص جسدها بإهتمام بعد ان تذكرت ما حدث، تمتمت
- انا، و، السيارة
دلفت احدى الممرضات لغرفتها و تقدمت منها و هي ترسم على شفتيها إبتسامة صغيرة لتقول بعدها بلطف.

- لا تقلقي، انتِ بخير و لم تصابي بأي اذى
- ماذا؟، كيف؟، انا
قالتها بدهشة و هي تنظر لجسدها مرة آخرى، فقالت الممرضة
- اخبرنا السيد عمار صاحب السيارة التي كادت ان تصطدم بك انه تفاداكي بإعجوبة، و اخبرنا ايضا انه عندما ترجل من سيارته وجدك فاقدة الوعي و عندما اتيتي إلى هنا تبين لنا سبب إغماءك و الذي كان هو خوفك الشديد و سوء تغذيتك، لذلك يجدر بكِ ان تتناولي هذا فأنتِ.

تحتاجين للتغذية، و ايضا لن نضطر لفتح قضية لأنه لم يصيبك بأذى
انهت جملتها و هي تضع الصينية التي تحتوي على الطعام الصحى امام نيروز التي قالت بفزع
- لا لا، لا اريد ان اقحم الشرطة في اي شيء، انا اريد المغادرة، فقط
انهت جملتها، فقالت الآخرى بهدوء
- اهدئي، لن تتدخل الشرطة في هذا الأمر، صحيح...
اخذت ذلك الملف من سطح الكومود و قدمته لنيروز و هي تكمل
- دوني هنا بياناتك، ما اسمك؟

نظرت لها نيروز لبرهه قبل ان تقول بكذب
- اسمي، سلمى
- حسنا يا سلمى دوني بياناتك و تناولي هذا الطعام
- اريد المغادرة
- لا نستطيع اخراجك من هنا
- لماذا؟
قالتها نيروز بقلق، فأجابت الآخرى بجدية
- اولا، لأن الطبيب يجب ان يراكِ و يتأكد من صحتك، ثانيا، لأن السيد عمار امرني بأن اهتم بكِ لأنه هو الذي سيصطحبك فهو الواصي عليكي حاليا
- لا يهم ما طلبه منك سيدك، فأنا يجب علي المغادرة الآن.

قالتها نيروز و هي تنهض، فأمسكتها الممرضة من معصمها بحزم و اجلستها و هي تأمرها
- اجلسي و تناولي هذا الطعام في حين انا سأذهب لأجلب لكِ الطبيب و لتغادري سريعا، اتفقنا؟
نظرت لها نيروز لوهلة قبل ان تومأ برأسها و
تتمتم
- حسنا.

غادرت الممرضة، فظلت نيروز جالسة لدقيقة كاملة قبل ان تنهض لتتجه للباب و تفتحه ببطئ، نقلت نظراتها للأرجاء لتتأكد من مغادرة تلك الممرضة، تخطت الباب و سارت في الممر بخطوات سريعة لتغادر المستشفى.
بعد مرور فترة وجيزة
- يا اللهي، اين هي؟
قالتها الممرضة بفزع بعدما دلفت للغرفة و كانت فارغة، بينما هتف الطبيب بحدة
- اين هي الآن؟، هل غادرت دون ان يعلم احد!
- ماذا يحدث هنا؟، اين الفتاة؟

كان صاحب تلك العبارة عمار و الذي كان يقف عند الباب و هو ينقل نظراته بين الطبيب و الممرضة، فقالت الممرضة بتلعثم
- سيد عمار، سيد عمار انا حقا اسفة، لا اعلم كيف غادرت تلك الفتاة فقد تركتها لأستدعي الطبيب و لكن...
- اغبياء
قاطعها بها عمار و هو يلقى بالحقائب البلاستيكية على الأرض بضيق ليلتفت بعدها و يغادر.

بعد طريق طويل وصلت نيروز لمنزل عمتها، طرقت على الباب بوهن، و بعد ثواني سمعت صوت عمتها
- من الطارق؟
- عمتي اسماء، انا نيروز
فتحت عمتها الباب بسرعة و نظرت لهيئة ابنة اخيها بفزع و هي تقول
- ماذا حدث لكِ يا نيروز؟
- عمتي اسماء
قالتها نيروز و هي تلقي بجسدها بين ذراعي عمتها و اصبحت تبكي بقهر.

خرجت عمتها اسماء من المطبخ و هي تحمل صينية بها كوب عصير، جلست بجانب نيروز و اعطتها كوب العصير و هي تقول لها بحنان
- اشربي هذا يا حبيبتي و اهدئي
اخذته نيروز منها و احتست منه القليل لتعود للبكاء مرة آخرى، فربتت عمتها على ظهرها و هي تقول بهدوء
- ماذا حدث يا نيروز لكي تهربي من منزل والدك؟، اخبريني هيا
نظرت لها نيروز و هي تمسح دموعها في حين اجابت بصوت متحشرج.

- والدي يريدني ان اتزوج برجل عجوز، فهو سيحصل على الكثير من النقود إذ تزوجت بذلك
الرجل، و لكني لا اريد
- اخبرتيه برفضك فغضب، صحيح؟
- اجل، و قال ان ليس لي قرار في ذلك
عادت للبكاء من جديد و هي تكمل
- لا اريد ان اتزوج بهذه الطريقة يا عمتي، لا اريد، ارجوكي ساعديني
و زادت في نحيبها، فضمتها اسماء لها و هي تحاول تهدأتها بكلماتها
- لن تتزوجيه و لن يجبرك احد على فعل شيء لا تريدينه، اطمأني.

اليوم التالي
- لا اريد ان اذهب للجامعة اليوم
قالتها نيروز بضجر ل اسماء التي قالت بحسم
- سوف تذهبين، هيا اكملي ارتداء ملابسك
تنفست نيروز بعمق و هي تكمل ارتداء ملابسها، بينما اراحت اسماء جسدها على السرير و هي تنظر لنيروز و تقول بشرود
- اتعلمين، اتمنى ان اعود لأيام الجامعة، كانت ايام رائعة حقا و انا ايضا كنت فائقة الجمال و صغيرة
- و مازلتي صغيرة
- انا صغيرة!
قالتها اسماء بإستنكار و اكملت بتهكم.

- انا الآن في سن الخامسة و الثلاثون، فأين ذلك الصغر الذي تتحدثين عنه؟!
التفتت نيروز و نظرت لعمتها و قالت
- من يراكِ سوف يظن انكِ في العشرون من عمرك
إبتسمت عمتها و قالت و هي تبتسم
- هيا اذهبي لجامعتك و لا تطيلي في الحديث
اومأت نيروز برأسها و قالت
- حسنا سأغادر الأن و لكني اريد ان اعرف، هل ستذهبين اليوم لوالدي؟
- نعم، و لا تقلقي، فقط اهتمي بدراستك
إبتسمت نيروز بهدوء و اقترب من اسماء لتقبلها و تغادر.

خرجت نيروز من قاعة المحاضرات و سارت في الممر، توقفت عندما نادتها احدى زميلاتها
- كيف حالك يا نيروز؟
- بخير، و انتِ؟
- انا ايضا بخير، صحيح، اين كنتِ بالأمس؟، انا اسألك لأن والدتك هاتفتني مساء الامس لتسأل عنكِ
شعرت نيروز بالضيق لتصرف والدتها، تنفست بعمق قبل ان تقول بهدوء مصتنع
- كنت مع عمتي، اسفة لأزعاج والدتي لك.

رأت نيروز نظرة زميلتها التي تظهر عدم اقتناعها بقولها و لكن نيروز لم تهتم فما لا تريده هو إشباع فضول احد على حسابها، لذلك، استأذنت و غادرت، اكملت سيرها في الممر الطويل لتغادر مبنى الجامعة و قد انشغلت في قراءة رسالة اعلن عنها هاتفها و قد كانت تلك الرسالة من عمتها...
عزيزتي نيروز، عودي إلى المنزل فانا و عائلتك ننتظرك لنتحدث، لا تتأخري.

شعرت بدقات قلبها تتسارع من التوتر و القلق، توقفت و تنفست بعمق لعل الهواء يقلل من توترها، اكملت طريقها حتى وصلت لبوابة الجامعة و قبل ان تتخطاها لتخرج شعرت بيد توضع على احدى كتفيها فتوقفت لتلتفت، بينما قال الطرف الآخر
- إذا انتي بخير
قضبت جبينها و هي تسأل
- من انت؟
- انا الذي كدت ان اصطدم بك بسيارتي، اسف
اومأت برأسها و تمتمت بخفوت
- حسنا، يجب علي المغادرة
اتت ان تلتفت، فأسرع بقوله
- انا عمار احمد.

نظرت له و قالت
- تشرفت بك
إبتسم بهدوء و قال
- انتي، ما اسمك؟
صمتت، فأكمل
- لم استطع معرفة اي معلومات عنك لتعويضك فأنتي قد هربتي من المستشفى و...
قاطعته بضيق
- انا نيروز، و لا احتاج لتعويض، و ايضا انا قد غادرت فقط و لم اهرب، حسنا!
إتسعت إبتسامته تلقائيا و هو يتمتم
- حسنا
هزت رأسها بخفة و هي تقول بإقتضاب
- يجب علي المغادرة الآن
انهت جملتها و غادرت سريعا، بينما هو، ظل يتابعها بنظراته.
- هل تأخرت عليك؟

قالتها اخت عمار الصغرى ميساء، فألتفت لها و قال بشرود
- نعم تأخرتي، ولكن لا يهم
- صدقا ما تقول، لا يهم!
قالتها بعدم تصديق فأخيها دائما يوبخها على تأخيرها، نظر لها نظرة عابرة قبل ان يسبقها لسيارته الفاخرة، فأتبعته.

وصلت نيروز لمنزلها بعد مرور ساعة بسبب ازدحام السير، توقفت امام باب منزلها و هي تسمع دقات قلبها التي تسارعت اثر توترها و خوفها مما سيحدث، استجمعت شجاعتها و طرقت على الباب لتفتح لها والدتها بعد ثواني، اخذتها والدتها بين ذراعيها و هي تبكي و تقول
- لِما تفعلي بي هذا يا فتاة؟، لِما؟، انتي فتاة سيئة فقد جعلتيني ابكي
- اسفة
قالتها نيروز بصوت متحشرج قبل ان تبتعد و تدلف للداخل.
- اهلا بنيروز هانم.

قالها والد نيروز بتهكم عندما دلفت نيروز لغرفة الجلوس، تجاهلت نيروز قول والدها و جلست بجانب اسماء التي منحتها إبتسامة عذبة قبل ان
تقول
- لقد تحدثت مع والدك يا نيروز، و قد توصلنا لقرار
- ما هو؟
قالتها نيروز، فأجابت اسماء
- سنأخر هذا الأمر الآن حتى...
قاطعها والد نيروز ليكمل بطريقة مستفزة
- حتى تنتهي النقود التي اعطتني اياها شقيقتي العزيزة، اسماء
نظرت نيروز ل اسماء بضيق و قالت
- هل اعطيتيه المال يا عمتي؟

- نعم، لأجلك
نظرت لها نيروز بعتاب قبل ان تنهض لتقول بإقتضاب
- سأغادر
انهت جملتها و إتجهت لخارج الغرفة، فنهضت
والدتها سريعا و هتفت بقلق
- إلى اين تذهبين يا نيروز؟
توقفت نيروز و قالت
- سأمكث عند عمتي
- حسنا يا نيروز اسبقيني للمنزل و انا سأوافيك
قالتها اسماء بهدوء، بينما غادرت نيروز، نقلت اسماء نظراتها ل والدة نيروز و قالت
- اتركيها تمكث لدي لفترة لكي ترتاح يا زوجة أخي.

تنفست والدة نيروز بعمق و هي تومأ برأسها بحزن، بينما اردفت اسماء و هي تنهض
- هيا بنا يا زوجة أخي، فأنا سأحتاج مساعدتك في وضع بعض الملابس لنيروز لأخذها معي
- حسنا، سأساعدك.

مساءًا
كانت نيروز مستلقيه على فراشها الجديد، تنظر للسقف بشرود.
- بماذا تفكرين؟
قالتها اسماء و هي تقترب من نيروز، التفتت نيروز برأسها لتنظر ل اسماء و تقول
- لماذا فعلتي هذا يا عمتي؟، انتِ تعلمين اني لم و لن احب هذا التصرف
استلقت اسماء بجانب نيروز و قالت
- لم يكن هناك أي طريقة أخرى لأنقاذك يا عزيزتي
تنفست نيروز بعمق و هي تنقل نظراتها للسقف مرة أخرى، فحاوطتها اسماء بذراعيها و همست.

- أعلم انكِ ترغبين في البكاء، لذلك أفعلي
التقطت نيروز انفاسها وهي تشعر بألم في صدرها، رفعت كفيها لوجهها لتخفيهما، و
خلال ثواني تعالى صوت نحيبها.

اليوم التالي
عبرت نيروز من بوابة الجامعة و سارت بهدوء لأقرب مقعد خشبي، جلست عليه و من ثم اخرجت كتاب المحاضرة الأولى التي ستبدأ بعد ثلاثون دقيقة من حقيبتها و بدأت في البحث عن الصفحة التي تريدها، قاطعها عن البحث صوت عمار الذي توقف امامها و قال
- كيف حالك؟
رفعت نيروز رأسها لتنظر له، و قالت
- من انت؟
- هل نسيتي؟
- اسفة يصعب علي أن أتذك..
توقفت عن إكمال جملتها لبرهه لتردف بعدها و قد تذكرته.

- اهااا، الآن تذكرتك
إبتسم و هو يجلس على المقعد الخشبي بجانبها، بينما عادت نيروز لما كانت تفعله.
- ماذا تريد؟
قالتها نيروز عندما شعرت بتحديقه بها، فأجاب عمار
- لم نكمل حديثنا في المرة السابقة
- لا نحتاج لأن نكمله، فلا يوجد شيء ليقال
قالتها نيروز ببرود و هي مازالت تبحث عن الصفحة التي تريدها، فقال عمار
- بل يوجد، اجيبيني، لماذا هربتي من المستشفى دون انتظار الطبيب؟
رمقته بضيق، فضحك بخفة و اردف.

- أقصد، غادرتي، لماذا غادرتي دون انتظار الطبيب حتى؟
- لا يوجد سبب، فقط انا لا أحب أجواء
المستشفى
- هل يجب أن أصدق هذا؟
قالها بشك و هو ينظر لها، فنظرت له بطرف عينيها و قالت و هي تغلق الكتاب بحدة
- لا يهم ان تصدقني
انهت جملتها و نهضت و هي تعيد الكتاب لحقيبتها، فنهض عمار بسرعة ليمسك برسغها، فألتفتت بغضب و هي تسحب رسغها من بين اصابعه لتقول بحدة
- هل جننت!
شعر بالإرتباك، فقال بتلعثم خفيف.

- ا، اسف، لم أكن اقصد، حقا
رمقته بإستحقار قبل ان تلتفت لتدخل لمبنى الجامعة.

انتهت نيروز من محاضرتها الأخيرة فنهضت و
هي تلملم اشيائها لتضعها في حقيبتها، سارت لباب القاعة لتغادر و قبل أن تتخطاه توقفت و هي تنظر لعمار الذي يقف امامها بضيق.
- هل انت تلاحقني أم ماذا؟
قالتها نيروز بنفاذ صبر، بينما كان عمار ينظر لها بذهول، تلاشى ذهوله ليحل محله إبتسامة و هو يجيب
- لا الاحقك، بل هي صدفة
- حقا!
قالتها نيروز بعدم تصديق، فسأل
- هل انتي في السنة الرابعة؟
- الا ترى؟

قالتها ببرود و هي تكاد أن تتخطاه، فقال ليثير غيظها
- نعم لا أرى، فهل تستطيعين مساعدتي؟
توقفت و التفتت له و قالت
- أستطيع أن اعطيك هاتف طبيب جيد، لعله يستطيع مساعدتك، مع اني لا أعتقد أن هناك علاج لك
إتسعت إبتسامته و قال
- اسف، لا استطيع الوثوق بأطباء هاربة مثلك
أحتقن وجهها غضبا بعد سماعها لكلمة هاربة مثلك ، فهتفت بغضب
- يااا انت، كي...
قاطعتها الفتاة التي توقفت بينهم و هي تقول بعدم تصديق.

- عمار!، لماذا أنت هنا؟، هل أتيت من أجلي؟
كانت تلك الفتاة هي ميساء، نظر عمار للأخيرة و قال بهدوء
- لا، لست هنا من اجلك، فأنا أردت أن أتحدث مع الدكتورة
- لماذا؟، هل هناك شيء؟
- سأعلمك في وقتا لاحقا
- حسنا، هل نغادر؟
اومأ برأسه و هو ينقل نظراته لنيروز التي كانت تنظر لهم بضيق، اقتربت ميساء من عمار و تأبطت ذراعه.
- مرحباً نيروز، كيف حالك؟
- انا بخير
- ألن تعرفينا.

قالها عمار بهمس بالقرب من اذن ميساء التي إبتسمت و قالت
- لأعرفك يا نيروز، هذا اخي الأكبر، عمار، انه أكبر مني ب أربعة أعوام و هو يعمل مع أبي
إبتسمت نيروز كمجاملة و هي تومأ برأسها، بينما اكملت ميساء و هي توجه حديثها لعمار
- و هذه زميلتي نيروز من القسم ذاته يا عمار
- تشرفت بلقاءك يا انسة نيروز
قالها عمار و هو ينظر لنيروز التي كانت تنظر للأرض قبل ان تقول بخفوت
- استأذن، سأغادر الأن.

انهت جملتها سريعا لتلتفت و تغادر، فنظرت له ميساء و قالت بشك
- لما هذه الإبتسامة يا عمار؟
نقل نظراته لها و قال بهدوء و قد تجاهل سؤالها
- هيا بنا
اومأت ميساء برأسها و هي تقول
- حسنا، هيا بنا لنغادر.

اليوم التالي
مساءًا
- اخبريني يا نيروزعن سبب عدم ذهابك اليوم للجامعة
قالتها اسماء لنيروز التي اجابت
- لا يوجد سبب، فقط اريد ان اخذ قسطا من الراحة
غمغمت أسماء و من ثم قالت
- نيروز، هل لكِ أن تعطيني عبوة الملح من الضلفة
- حسنا
تركت نيروز السكينة التي كانت تقطع بها الخضار و إتجهت للضلفة و فتحتها و اخذت عبوة الملح و اعطتها ل أسماء التي قالت
- شكرا
و من ثم أردفت
- نيروز، الملح قد نفذ لدي.

- سأرتدي ملابسي لأنزل و اشتري لك من البقالة
- حسنا
غسلت نيروز كفيها و من ثم غادرت المطبخ لتتجه للغرفة و تبدء في ارتداء ملابسها، و انتهت سريعا.
- هل تريدين شيئا آخر غير الملح يا عمتي؟
قالتها نيروز بصوت مرتفع و هي تقف أمام الباب، فأجابت عمتها
- لا يا نيروز، فقط لا تتأخري
- حسنا.

قالتها نيروز و من ثم غادرت، نزلت السلالم حتى وصلت للبوابة و تخطتها، سارت مسافة ليست بالقصيرة لتصل للبقالة، اشترت الملح و بعض الأشياء الأخرى و من ثم غادرت.
- ها أنا عائدة إلى المنزل يا عمتي
قالتها نيروز عبر الهاتف ل أسماء التي قالت
- حسنا، انتبهي على نفسك
ظلت نيروز صامتة، تحدق في عمار الذي يقف
امامها و هو يضع كفيه في جيوب بنطاله و مبتسم
- نيروز؟، هل انتي معي
- حسنا يا عمتي، سأغلق الآن.

انهت المكالمة و من ثم تقدمت منه بخطوات غاضبة و هي تقول بحدة
- هل انت تلاحقني حقا؟
- نعم و لا
قالها بهدوء، فقالت بضيق
- لماذا تلاحقني؟
- في البداية لم اكن الاحقك، فقد رأيتك صدفة و انتي تشترين بعض الأغراض من البقالة التي اشتريت انا منها، و من ثم لحقتك
- و لماذا لحقتني؟
قالتها بقلق، فقال
- لا داعي للقلق، فأنا اريد ان احادثكي فقط
- بماذا؟
- لم اراكي اليوم في الجامعة، فلماذا لم تأتي؟

- ليس لك الحق ان تعرف سبب تغيبي عن جامعتي
- حسنا، هل لنا أن نجلس و نتحدث؟
- لا
قالتها نيروز بإقتضاب قبل ان تتخطاه، فأسرع و اعاق طريقها و قال
- سنتحدث فقط
- قلت، لا
قالتها بشراسة و هي تكاد أن تتخطاه، فأسرع و مد يده ليوقفها، فلاحظت نيروز حركة يده فتراجعت للخلف سريعا و قالت بتردد
- حسنا، لنتحدث و لكن لا تقترب
إبتسم و اومأ برأسه، فألتفتت نيروز و جلست على أقرب مقعد خشبي، فجلس بجانبها، و ساد.

الصمت لدقائق، فقالت نيروز بجمود
- أخبرني بماذا تريد أن تتحدث معي؟
نظر لها و سألها
- هل انتي و اختي مقربين؟ اقصد، هل انتم اصدقاء؟
- لا، بالكاد اعرف اسم اختك
- هذا جيد
قالها و هو يبتسم، فعقدت نيروز حاجبيها و هي تسأل
- ما الجيد؟!
- انك لستِ صديقة لأختي
- لماذا تقول ذلك؟
نقل نظراته امامه و هو يقول بهدوء
- لاني لم ارد الفتاة التي اعجبت بها أن تكون صديقة لأختى الثرثارة
حدقت به ببلاهة و هي تكذب ما فهمته من كلماته.

، بلعت لعابها بإرتباك و من ثم قالت بثبات مصتنع و هي تنظر امامها
- لا أفهم ما تقصد و لا أهتم، لذا هل انتهيت؟، فأنا اريد ان اغا...
قاطعها بقوله المفاجئ
- انا معجب بك يا نيروز
ظلت نيروز ساكنة، تنظر امامها بصدمة و خجل، بينما اردف عمار و هو ينقل نظراته لها.

- ادرك انه من الصعب تصديق ذلك و انك قد ترين ان إعجابي بكِ شيء غير واقعي خاصا أننا لم نتلاقى كثيرا و لم نتحدث إلا القليل، و لكن هذا إعجاب و الإعجاب لا يحتاج لأي وقت، صحيح؟
بلعت لعابها مرة أخرى بتوتر قبل ان تنظر له و هي تفتح شفتيها لتخرج حروفها و لكن قاطعها صوت رنين هاتفها، فأخرجته من حقيبتها و
اجابت
- انا قادمة يا عمتي، خمسة دقائق و سأكون أمام المنزل، حسنا، مع السلامة.

اعادت الهاتف لداخل الحقيبة و هي تنهض، فنهض عمار سريعا و قال
- يبدو أنك مضطرة للمغادرة
اومأت نيروز برأسها دون ان تنظر له، فأردف بلطف
- حسنا، أريد أن أقول شيء اخير، هل تقبلين أن نصبح أصدقاء، كبداية؟
تملكها الإرتباك اكثر، فأخرجت حروفها بصعوبة
- يجب علي المغادرة الآن
انهت جملتها سريعا لتتخطاه و تغادر، دون أن تمنحه إجابة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة