رواية لعنة العشق للكاتبة شاهندة الفصل السابع والعشرون
قال عزيز:
أؤمرينى ياست الكل
قالت علية:
صديق فين ياعزيز؟
قال عزيز بتوتر لاحظته هى على الفور:
معرفش يا هانم.
قالت علية بحزم وهى تقترب منه بوجهها، تضيق عينيها وهى تقول:
بلاش تكدب عليه ياعزيز، ده انا اكتر واحدة عارفة ان صديق مبيتحركش حركة واحدة من غير ما تكون عارفها، انت مش اى راجل ياعزيز، ولا ايه؟
ابتسم عزيز وانتفخت أوداجه وهو يقول:
دى ثقة كبيرة فية ياست الكل.
رجعت علية الى الوراء تستند بظهرها على مقعدها وهى تقول:
بص ياعزيز من غير لف دوران، هتقولى على مكان صديق، هتكسب حلو اوى، مش هتقولى هدور على حد غيرك، قلت ايه؟
قالت جملتها وهى تخرج مبلغ كبير من المال من حقيبتها وتضعه على الطاولة أمامه بهدوء، التمعت عينا عزيز بجشع، ولكن بدا على وجهه التردد وهو يقول:
أيوة، بس...
حملت علية المال بيدها وهى تقاطعه قائلة:
من غير بس، براحتك ياعزيز، انا كان همى مصلحتك، وصديق هوصله، هوصله، وانت الخسران، وعلى فكرة، انت عارف ان كل اللى فيه صديق ده من خيرى، ولو انا منعت الفلوس، مش هتلاقى حتى مرتبك اللى بتاخده منه.
صمت عزيز وظهر عليه التفكير لتطرق علية الحديد وهو ساخن وهى تقرب حقيبتها لتضع المال فيها وهى تقول:
ها، هتبقى ناصح وتقولى على مكانه ولا اخد الفلوس واقوم امشى؟
اخذ عزيز المال منها قبل ان تضعه بالحقيبة وهو ينظر اليه بجشع، ثم نظر اليها قائلا:
هقولك ياست علية، الباشا مع حتة مزة جديدة فى مكانه السرى.
ظهر الفزع على وجهها وصوتها وهى تقول:
مكانه السرى ده فين؟
قال عزيز بتوتر:
هقولك بس...
قاطعته علية قائلة بسرعة:
مش هقوله عرفت مكانه منين، انطق بقى، وقولى مكانه فين، واسمها ايه البنت دى؟
قال عزيز:
بت كدة مجنناه ومطلعة عينه، اسمها مايا.
شعرت علية بالروح تسحب منها لتقول بألم:
العنوان بسرعة يا عزيز، بسرعة.
أخبرها عزيز بالعنوان، لتسرع بركوب سيارتها تتبعها سيارة تحمل الاخوة الثلاث، وأحدهم يدق قلبه برعب وهو يرى شحوب وجه علية.
قال صديق بهدوء يخالف ذلك الغضب الكامن فى صدره بعد أن بصقت عليه مايا:
تعرفى، أنا مش همد ايدى عليكى، لأنى واحد بيعشق الستات والضرب مش وسيلة أبدا لعقابهم.
ثم اقترب من وجهها يتلمسه بيده قائلا فى رغبة:
أنا عندى وسايل أحلى بكتير م الضرب أقدر أعاقبك بيها.
ابتعدت بوجهها فى اشمئزاز من لمساته لينظر الى يديها وهى تحاول الفكاك من قيودها لتؤذيه بهما، ليبتسم قائلا برغبة أشد:
وبحب خربشة القطط كمان.
قالت مايا باحتقار:
من اول لحظة شفتك فيها وانا متأكدة انك مريض نفسى ومحتاج علاج، تيجى ماما تشوف الأشكال اللى بتعرفها.
ابتسم ببرود قائلا:
متحاوليش تستفزينى يامايا لإنك مش هتقدرى، أنا عموما مش مستعجل، وشوية شوية هتتعودى علية، وهتحبينى كمان، جربى، يمكن أعجبك، ده أنا حتى أستاذ فى السرير.
نظرت اليه قائلة بغضب شديد:
انت سافل وحقير.
اطلق ضحكة ساخرة وهو يقول:
عارف.
ثم اقترب من وجهها وهو يقول برغبة التمعت فى عينيه:
تعرفى انا عاجبنى شراستك و قوتك اللى باينة فى ملامحك، وكويس انك مش طالعة لمامتك، غبية ومملة وباردة، لأ وخاينة كمان، كدة اللعب هيحلو.
صرخت مايا قائلة:
متجيبش سيرة ماما على لسانك، ماما أشرف منك.
أطلق صديق ضحكة ساخرة وهو يقول:
أشرف منى؟ بأمارة ايه؟، دى خانت أبوكى معايا من أول سنة جواز، ويوم ما مات، كانت معايا، ولغاية انبارح كانت فى أوضة نومى، فى سريرى، تحبى اقولك ايه كمان؟
أحست مايا بالدوار وهى تقول بضعف:
اخرس، مش عايزة أسمع حاجة، مش عايزة أسمع.
قال صديق بقسوة:
لأ هتسمعى، أمك دى هى اللى خلتنى أفرق بين أيهم والبت بتاعته، وخلتنى كنت هموت أدهم بس نفد منها، ومش بعيد كانت تخلص على أخوها، شقيقها، أمك دى حية ملهاش أمان، وحلال فيها الموت.
لم تتحمل مايا أفعال أمها التى يخبرها بها ذلك القذر، لتسقط فاقدة للوعى، يلفها السواد، نظر صديق الى ملامحها البريئة الرقيقة فى رغبة ملكت جوارحه ليقترب بيده من وجهها ولكنه مالبث أن جمدت يداه تماما وهو يستمع الى صوت علية وهى تصرخ بمرارة قائلة:
ابعد ايدك عنها ياحيوان.
التفت اليها صديق قائلا بدهشة:
علية!
تمالك نفسه بسرعة وهو يقول بسخرية:
تعالى ياعلية، قربى، اسمعى بودانك الكلام اللى هقولهولك دلوقتى، بنتك وهتبقى لية بالذوق أو بالعافية، خلاص دخلت دماغى وعششت فى قلبى ومستحيل هسيبها، انتى بقى شوفيلك سكة تانية لأنى زهقت منك، ولو كان ع الفلوس اللى كنت باخدها منك، فانا خلاص مبقيتش محتاجلها، معايا دلوقتى اللى يكفينى وزيادة ويخلينى أستغنى عن خدماتك.
اقتربت منه علية وهى تقول بمرارة:
أنا فعلا غبية عشان مسمعتش كلام اخويا ومشيت ورا قلبى اللى ضيعنى، انا أستاهل كل اللى يجرالى عشان خنت جوزى معاك، وكنت هدمر أخويا وعيلته، بس تعرف، أنا شمتانة فيك، متستغربش من كلامى، حقيقى شمتانة فيك، لأنى لأول مرة هقولهالك، البنت اللى خطفتها وكنت عايز تلمسها غصب عنها، مش بنتى لوحدى، لأ ياصديق، دى بنتك انت كمان ياحقير.
نظر صديق اليها بصدمة ثم نظر الى مايا بعيون ذائغة، بينما تبادل الأخوة الثلاث النظرات الدهشة من ذلك المكان الذى يختبأون فيه يتابعون حديث عمتهم مع صديق ليسمعون صديق يقول بانهيار:
انتى كدابة، مستحيل أصدق، مستحيل.
نظرت اليه بسخرية مريرة قائلة:
قبل كدة سألتنى بنتى شبه مين وقلتلك شبه أبوها، مش ده لون شعرك الاسود اللى شبه لون الغراب، مخدتش بالك من لون عنيها الاسود بردو واللى زى لون عنيك، انت ناسى ان ابوها كان شكله ايه...
ثم اشارت الى ابنتها الفاقدة للوعى بانهيار قائلة:
بذمتك فيها شبه منه؟
نزلت دموعها فى مرارة وهى تستطرد قائلة:
ربنا عماك ومشفتش أد ايه بتشبهك، يمكن عشان تبان على حقيقتك أدامى.
ألقى صديق نظرة مريرة على مايا وهو يقول بألم:
طب ليه ما قلتليش؟
قالت بمرارة:
كتمت السر جوايا، خفت لو حد عرفه غيرى، الكلام يوصل لاعمامها وثروة أبوها تروح منى، مكنتش متخيلة انك فى يوم م الأيام تطلع بالحقارة دى وتخونى.
ثم أخرجت مسدسا من حقيبتها، وهى تقول:
انت خاين وعقاب الخيانة الموت ياصديق.
اندفع الاخوة فى تلك اللحظة الى الداخل، ليقول أدهم برجاء:
سيبى المسدس من ايدك ياعمتى.
نظرت الى ثلاثتهم بندم وهى تقول:
خلاص مبقاش ينفع، الحكاية وصلت لنهايتها ياولاد أخويا، سامحونى، وخلوا أخويا يسامحنى.
ثم ثبتت نظرها على مهيب قائلة:
خد بالك من مايا يامهيب.
لتلتفت بسرعة وتطلق رصاصتها باتجاه صديق لتستقر فى قلبه ويسقط جثة هامدة، ثم ترفعه الى رأسها وتطلق رصاصة أخرى وتسقط بدورها وقد وافتها المنية، وقف الاخوة ينظرون بصدمة الى بشاعة المنظر، ليكون مهيب اول من يفيق من صدمته وهو يتجه الى مايا يتفحصها بلهفة، ثم يفك قيودها ويحملها الى صدره قائلا لأخويه فى صرامة:
الكلام اللى سمعتوه هنا مش هيخرج برة الأوضة دى، ولا حتى لبابا وماما، فاهمين؟
أومأوا برءوسهم فى تفهم، ليستطرد قائلا:
انا هاخدها بيتى، مش عايزها تفوق وتشوف المنظر ده، وانتوا استنوا بابا والبوليس وخلصوا كل حاجة، وروحوا ع البيت وانا اول ما تفوق وتهدى هجيبها واجيلكم هناك.
أومأوا برءوسهم مجددا، ليقول أيهم فى قلق:
خد بالك منها يامهيب، وحاول توصلها الخبر بالراحة، وابقى طمنا عليكم.
أومأ مهيب برأسه، وهو ينطلق بها الى بيته، الى حيث يستطيع أن ينقل لها خبر وفاة والدتها بهدوء، يخشى عليها من الصدمة ولكنه سيكون الى جوارها، يخفف عنها ألمها ويمسح بيده دموعها.
استيقظت مايا على لمسة حانية لوجهها، لتفتح عينيها ببطئ وتواجهها عينا مهيب الحبيبتين، لتبتسم فى حب ويبادلها ابتسامتها فى حنان، أغمضت عينيها فى سعادة وهى تتخيله أحد أحلامها لتسمعه يردد اسمها فى حنان، فتحت عينيها على اتساعهما وهى تراه أمامها، تأملت محيطها بسرعة وهى تعتدل لتقول بدهشة:
أنا فين؟
قال مهيب بحنان:
انتى فى بيتى ياحبيبتى.
عقدت مايا حاجبيها قائلة:
وايه اللى جابنى هنا؟
اندفعت الأحداث مرة واحدة الى رأسها لتشهق قائلة:
انا كنت مخطوفة، وانت أنقذتنى صح؟
قال مهيب بتردد:
مش بالظبط، مامتك اللى أنقذتك و...
ليصمت لا يدرى ما يقول لها، لتقول هى فى قلق:
وإيه يامهيب؟
أخفض مهيب نظراته قائلا:
و قتلت صديق يامايا.
اتسعت عينا مايا فى صدمة قائلة:
ماما قتلته، طب هى راحت فين، البوليس قبض عليها، صح؟
صمت مهيب وهو يرفع عينيه اليها يتأمل ملامحها وقد ظهر الحزن فى عينيه، ليغمر القلق قلب مايا وهى تقول بتوسل:
قولى ماما راحت فين يامهيب؟، عشان خاطرى متخبيش علية.
ابتلع مهيب ريقه قائلا:
انت واحدة مؤمنة بربنا وعارفة ان الموت علينا حق...
وضعت يدها على فمه قائلة بلوعة:
متقولهاش، أبوس ايدك متقولهاش.
قبل يدها وهو يمسكها قائلا فى حزن عليها:
مش هقولها ياحبيبتى، مش هقولها.
صرخت مايا بحزن مزق قلبه وهى تقول:
أاااه ياماما، خلاص سيبتينى لوحدى، مبقاليش حد من بعدك يحبنى ويخاف علية، سامحينى لو فى يوم زعلتك، سامحينى ياأمى.
أخذها بسرعة الى صدره وهو يضمها بحنان يربت على ظهرها وهو يقول بحزن:
اهدى يامايا، اهدى عشان خاطرى واطلبيلها الرحمة، مامتك صحيح ماتت ومعدتش موجودة فى الدنيا، بس انا موجود جنبك ومستحيل أسيبك ولا اتخلى عنك.
خرجت من حضنه وهى تكفكف دموعها قائلة:
من فضلك يامهيب أنا عايزة أمشى.
نظر اليها مهيب يدرك تهربها منه ليقول بألم:
أنا عارف ان مش وقته وانك حزينة على مامتك و مجروحة منى، بس عشان خاطر أغلى حاجة عندك متحرمنيش أبقى جنبك فى الوقت ده، سامحينى وارجعيلى واوعدك انى أنسيكى كل وجع اتسببتلك فيه.
قالت فى مرارة:
انت مش فاهم حاجة، الموضوع بقى أكبر من جرح انت جرحتهولى، انت متعرفش ماما عملت ايه، متعرفش هى...
قاطعها قائلا فى تصميم:
عارف.
نظرت اليه فى صدمة ليمسك يدها قائلا:
سمعت كل حاجة ومش هاممنى ولا فارق معايا، انا المهم عندى انتى، انتى وبس.
كادت أن تتحدث فوضع يده على فمها قائلا:
أبوس ايدك مترفضيش، أنا مش هقدر أعيش من غيرك، عشان خاطرى، ادى لحبنا فرصة، لو لسة فيه ذرة حب فى قلبك لية مترفضيش، احنا الاتنين بنحب بعض، ومحتاجين بعض، خلينى جنبك، عشان خاطرى متبعدنيش.
نظرت الى عينيه المتوسلة لها بالقبول، لتنهى ذلك الصراع الدائم بين قلبها وعقلها وهى تهز رأسها بالموافقة ليرفع يده عن فمها ويضمها الى صدره بلهفة، لتبكى مجددا فى حضنه، وهى تفرغ انفعالها بين ضلوعه، تشعر بأنها وأخيرا قد وجدت ملجأها، أخيرا ستشعر بالأمان، وأخيرا انتصر العشق.