قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الواحد والعشرون

رواية لعبة عاشق الجزء الثاني يسرا مسعد

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الواحد والعشرون

ماذا لو سارت معطيات الحياة حسب ما اتفق هوانا ؟
ماذا لو لم نبذل جهدا مضنيا للحصول على ما هو حقنا بالأساس ؟

لكنا إذ نتحدث عن الجنة وما كان لحديثنا ركنا على أرض الله الواسعة ولكنها حتى الآن شاكرة رغم أنها منذ قليل كانت بمكتب محامية مختصة بالأسرة والنزاع القضائي بشؤونها والتي أخبرتها بوضوح أنه لا مجال لاحتفاظها بسليم في حضانتها فهي ليست أمه ربما من تكون ربت وترعرع الصغير في كنفها إلا أن حقها في الإحتفاظ به معدوم الطفل لأبيه والطفلة لها حتى أجل معلوم وإن شائت تقدمت لها بدعوى ضم لحضانتها ولكنها بذلك تكون قد فرقت طفليها وما ذنبهما ؟

وأمل سخيف يتضاءل داخلها أن يكون جاسر قد تنازل عن الطفلين لها لقد مرت ثلاثة أيام منذ عودتها ليلا بالصغار وتفاجئت صباح يوم أمس بالسائق الخاص به ينتظرها أسفل البناية في تمام السابعة كي يقلها هي والأبناء إلي مدرستهم بناءا على أوامر مرؤوسه الذي أمره أيضا بإصطحابهم منها وأن يكون رهن إشارة منها في أي وقت من ساعات النهار حاملا معه ملابس جديدة لهم وبعض الألعاب الثمينة.

أفاقت من سحابة أفكارها أمام باب المركز ألقت عليها موظفة الإستقبال التحية كان بإنتظارها حالة واحدة لطفلة في السادسة من عمرها ولغرابة الأمر وجدت أن الأب من يصطحبها وعلمت منه سرا بوفاة الأم منذ ثلاث سنوات تأثرت كثيرا لحال الطفلة ورغم ذلك نظرت للأب بشيء من الإجلال، فبعد فراق زوجته لم يسعی لزواج من أخرى حرصا منه على مشاعر صغيرته فمر بخاطرها ذاك الذي تزوج بأخرى وعلى وشك إنجاب آخر منها يتجرأ ويمنع عنها طفليها ودون أن تدري اشتعلت نار الغضب داخلها بعد انصراف الطفلة وجلست تغلي وتزبد لابد لها أن تواجهه كيف لها أن تترك صغارها في رعاية تلك المتبجحة بحملها في عزاء حماتها وأن تأمن عليهم في غيابه هو عن القصر حتى ساعات الليل المتأخرة بل والأدهی کیف لها أن تخطو بزيارات يومية لأطفالها بعد رحيل صاحبة القصر عنه؟!

وضعت كفيها على وجهها وهي تغرق في بحور اليأس وقلة الحيلة وداخلها مشتعل بحنق غاضب ودت لو تكسر رقبته وبعدها تبكي إلى جوارها وانتبهت بعد قليل لتواجد کریم داخل الغرفة يراقبها بشيء من التسلية فأجفلت وعادت للوراء هاتفة به:
- خضتني على فكرة فاقترب منها ضاحكا:
- إيه نهاية العالم قالو كمان ساعة؟!
زفرت بنفس اليأس:
- ياريت كان زمان الواحد ارتاح عقد حاجبيه وجلس بالمقعد المقابل لها متمتما:
- ياساتر يارب، طب على كدة بقي نلحق نحتفل رفعت رأسها له دهشة:
- نحتفل بإيه ؟

وضع أمامها كوبان من العصير الطازج وطبق بلاستيكي يحوی قطعة حلوى شهية تقدر بمئات السعرات الحرارية وشوکتان وقال ببساطة:
- بيكي، ودى حاجة بسيطة تشجعك تكملي طريقك وماتتحججيش تاني بالولاد ضحكت ببلاهة وهي فعليا لا تفهم مغزی کلماته فأردف مفسرا:
- أنت مش حاسة بالإنجاز اللي عملتيه ولا إيه، مواظبة على الرياضة والحركة والأكل الصحي وخسيتي ولسه عندك طاقة وعزيمة أنت لازم تهني روحك وتكافئيها فضحكت سالي قائلة:
- والله أنت رايق يا دكتور فابتسم لها:
- وأنت لما تشيلي الهم حاجة هتتحل ؟

هزت رأسها مقرة، نعم فلن يجدي هذا نفعا مع ما تواجهه بل عليها التمتع بطاقة إيجابية كي تقف وتطالب بحقها وحق أطفالها في حياة مستقرة فهز کریم رأسه وشرع في تقاسم قطعة الحلوى وقال بفم ممتلىء متفکها:
- شوفتي معايا حق إزای ؟
دفعت سالي بطبق الحلوى وقالت وهي تبتسم له بخجل:
- أنا هشرب العصير بس ومتشكرة على اللفتة الطيبة دي منك لمعت عينا کریم وترك الحلوى وقال فجأة:
- أول مرة أخد بالي أن عندك غمازة في خدك اليمين بس وضعت يدها لا تلقائيا على خدها الأيمن وقالت هامسة بحرج:
- هيا أصلا مش ملحوظة كانت سالي مدركة أنها تظهر في أوقات وفترات متباعدة وقليل من يلحظها وبعمر زيجتها الكامل لم يلحظها جاسر ولا مرة فهز رأسه رافضا:
- بس دي حاجة مميزة فيكي وكان رنين الهاتف من أنقذها من طوفان دماء الخجل التي تواردت بغير حساب لوجنتيها وبخاصة اليمني فرفع کریم يده لیستأذن بالخروج تاركا لها حرية التحدث حاملا معه مشروبه فقط تناولت سالي الهاتف وعبست فالرقم أمامها غير مسجل وردت وهي تخشى سماع أنباء سيئة عن أطفالها حتى أتاها صوت رجولي معرفا بنفسه:

- آلو مدام سالي، أنا مجدي المحامي مش عارف إذا كنت تفتكريني ولا لاء، أنا محامي عائلة سليم يافندم تنفست سالي الصعداء وردت:
- آه، افتكرت حضرتك، أهلا وسهلا، خیر ؟
رد الرجل بلطف:
- كل خیر ياتری حضرتك تقدري تجيلي المكتب النهاردة لو مش في استطاعتك مليني عنوان منزلك وأنا أجيلك في الوقت المناسب تقافزت دقات قلبها بخوف ممزوج بالأمل:
- حضرتك عاوزني بخصوص إيه ؟
تنحنح الرجل بحرج:
- للأسف مش هينفع نتناقش في التليفون فقالت سالي على عجالة:

- أوكية أنا ححود على حضرتك في المكتب الساعة 3، مناسب رد الرجل بالإيجاب، وأنهت سالي المحادثة وداخلها يحدوها بالأمل أن يكون جاسر قد تراجع عن قراره بالإحتفاظ بالصغار بعد رحيل الجدة     منذ يومان والصداع يكاد يفتك برأسه ولايجد سببا له ولا علاج قد يداويه فقرر المرور عليها بالمشفى فهو لم يتحدث معها منذ فترة على إية حال ولم تعاود هي الإتصال به وهو لا يدري أتلك حجته في الوصول إليها تلك المرة بعد إنقطاع؟!
ولماذا هو راغب في إعادة الوصل بالأساس؟!
ولكنه لم يغرق نفسه بالتفكيير، فهو يعاني من الصداع، وتلك كانت بالفعل حجته كانت غاضبة ومع ذلك تعاملت معه ببرود منقطع النظير وهي ترفض الكشف عليه قائلة:

- حضرتك محتاج لإختصاص باطنة أو مخ وأعصاب ده مش من إختصاصي فزم شفتيه مستاءا:
- حضرتك؟!
فرفعت أنظارها له وقالت بصوت محتد:
- أومال عاوز أقولك إيه ؟
فقاطعها أو بالأحرى حاول مقاطعتها:
- ريم أنا . .- أنا ماعنديش وقت أضيعه وبصراحة زهقت من لعبة الشد والجذب دي، أنا فيه في حياتي أكتر من معضلة أولی بیا أتعامل معاها وعادت مرة أخرى لمطالعة المجلة العلمية القابعة بين يدها وأنظارها لا تلتقط أبعد من ألوان صفحاتها فهمس وهو يهم بالقيام منصرفا:
- على فكرة والدتي اتوفت من 3 أيام عشان كده ما اتصلتش بيك من يومها فرفعت رأسها فجأة وقامت وهي تقترب منه معتذرة برجاء:
- أسامة بجد أنا آسفه ماقولتليش ليه قبل كده ؟
رفع عيناه مؤنبا وقال بصدق أحاسيس لم يجرؤ على البوح بها من قبل:

- ماكنتش قادر اتكلم، ماكنتش قادر حتى أنطقها اتعاملت مع وفاتها زي أي راجل ما بيتعامل، مابين إجراءات وورق ووصية مش أكتر أنا لسه لحد دلوقت مش مستوعب فراقها . ولكأنما تحول الرجل الفارع الطول ذو الهيبة والمقدرة لطفل وحيد يتيم الأم دون سابق إنذار، وبعاطفة لم تدر منبعها اقتربت منه وتلقفت رأسه بأحضانها صامتة وأناملها تدور بحركات ضاغطه على جوانب صدغيه حتی همست:

- کده أحسن ؟
رفع حاجبيه وتنهد براحة لم يشعر بمثلها من قبل:
- أحسن كتير، الصداع راح ابتعد عنها للوراء قليلا حتى تاه في عيناها المتناقضتان فابتسمت له ببساطة وقالت بحزن وكأنما تتحدث عن نفسها هي الأخرى:
- أنت بتداري جواك كتير وده بيضغط عليك وأنت مش حاسس، مأجل لحظة المواجهة مع كل حاجة والمشكلة أنك ساعة لما تيجي تواجه هيحصل غصب عنك وهتلاقي اللي بتواجهه أكتر بكتير من الحجم اللي أنت فاكره فعبس معترضا:
- قصدك إني بهرب، لكن أنا بحاول وضعت يدها على فمه فجأة وأردفت:

- الهروب راحة بس هتدفع تمنها بعدين، صدقني أنا فاهمة أنا بتكلم علي إيه وأنت كمان فاهم عقد حاجبيه وهرب بأعينه بعيدا عن عنها، فعيناها كأنما تنومه مغناطيسيا إن صح التعبير باستطاعتها سبر أغواره والتحكم بأفكاره والنبش بين ثنايا ماضيه المؤلم هزت رأسها وابتعدت عنه هي الأخرى عائدة لمكتبها وقالت بأمر صریح:
- واجه يا أسامة واختار، الهروب مش حل   لقد أيقن أن الهرب بحالته مأزق وليس مخرج لذلك غادر وابتعد أعاد ترتيب أولويات حياته والنظر بعين الإعتبار لنواقصه المعنوية أولا ثم المادية نجح بشكل كبير في التغلب على معظم مشاكله والبدء بصفحة جديدة بحياته.

قد يكون كلفه الكثير كلفه فراق لم يدري بعد كيفيه التعامل معه ولكنه ليس متعجلا كما كان في السابق بل هو متقبل لنزعات الفراق وعواقبه، يشعر بداخله خلقا الإنسان جديد، إنسان يسعى للتعلم من سوابق أخطاءه ومايقض مضجعه ذاك الهاجس الذي يؤنبه ليلا أن يكون بالفعل فقدها وحتى إن تغير فلن تعود له أمسك الهاتف وللمرة العشرون ربما بعد المائة منذ أن غادر الإسكندرية حاول الإتصال بها ولكن كالعادة لم يستطع إكمال الاتصال وأغلق الهاتف حتى قبل أن تتزايد الأرقام لسبعة وعاد للواقع على صوت صديقه الذي كان يناديه:
- زياد أنا نازل البلد أجيب اللي اتفقنا عليه، تمام فرفع كفه بهمة مودعا له:

- تمام ماتقلقش وتمتم بعدها بخفوت لنفسه:
- مش هترجع يا زیاد إلا لما تستحقها      وصلت سالي لمكتب المحامي بمنتصف البلد في المعاد المقرر وتفاجئت بوجود نعمات في غرفة الاستقبال فأقبلت عليها الأخير بتحية حارة وهي تحتضنها بشوق لها وللأطفال الذين ما انفك لسانها عن الدعاء لهم بصلاح الحال قاطعتهم مديرة مكتب المحامي قائلة:
- اتفضلوا حضراتكوا أصرت نعمات أن تتقدمها سالي أولا فدخلت غرفة المحامي المخضرم الواسعة وألقت عليه التحية بهدوء واستقبلهم هو بحفاوة ولطف بالغ ودعاهم للجلوس قائلا:

- طبعا أنتو مستغربين إيه لم الشامي على المغربي فهزت سالي رأسها نافية وقالت مؤنبة:
- إزاي حضرتك إحنا عشرة مع بعض فرغم أنها كانت لا تطيق تلك المرأة إلا أنها في الأيام الأخيرة أثبتت لها ولأطفالها إخلاصا منقطع النظير لم يظهره له زوجها الذي عاشت بكنفه لسنوات فربنت نعمات على يدها بتقدير وهي تقول:
- ربنا يعلم بغلاوتك عندي والله تنحنح مجدي حرجا وقال:
- حيث كده نبتدي مدام سوسن الله يرحمها كانت سايبه ليكو أظرف هديهالكو في نهاية الجلسة وليا أنا ظرفين بشأنكم هقراهم عليكو دلوقت ولو تحبوا كل واحدة تعرف محتوى ما يخصها لوحدها ماعنديش مانع فنظرت كلتاهما لبعض بتعجب وقالت سالي:
- أنا ماعنديش مانع، خير ؟

وفي نفس اللحظة ردت نعمات بأن لا مانع لديها أيضا فوضع المحامي عويناته وشرع في قراءة الوصيتان اللتان تركتهما الراحلة بصوت هادىء وتعالى الذهول ملامحهما حتى انتهى مجدي من قراءة الوصيتان فأغروقت أعين نعمات بالدموع وهي تترحم على مرؤوستها بصوت مرتفع وأردفت بشفاة مرتجفة:
- بس ده كتير بيت ووديعه وأنا بس كنت هسيب شغلي أنا هفضل في خدمة ولادها لحد آخر يوم في عمري هز المحامي رأسه وقال:
- أنت تستاهلي كل خير يا دادة نعمات، أنا هعتبر دي موافقة منك وهبتدي بكرة بإذن الله في الإجراءات هيا شددت في الوصية أن البيت اشتريهولك في الحتة اللي تعجبك مهما بلغت تكفلته وجاسر بيه أصر أن الوصايا تتنفذ بحاذفيرها فوضعت نعمات يدها على شفتيها المرتعشة فيما كانت سالی محدقة بذهول لم تتخطاه بعد وداخلها رغبة بالرفض تتصاعد أفصحت عنها بقوة:

- أنا ماقدرش أقبل بالمبلغ ده، مستحيل فالتفتت نعمات لها وكذلك أنظار المحامي الدهشة قائلا:
- ليه بس يا مدام سالي ؟
قامت سالي وهي لا تود تبرير رغبتها ليس لأنها لا تمتلك تبريرا هي تمتلك الآلآف ولكنه هو ونعمات لن يتفهما قط ولذلك آثرت الصمت وعدم الاعتراف بشيء قائلة:
- أرجوك دي رغبتي ومتشكرة جدا وآسفة إني ضيعت وقتك هتف المحامي بها قبل أن تنصرف مسرعة:
- مدام سالي فالتفتت له قائلة:
- أنا فيه حاجة أكيد لازم أمضي عليها عشان أخلي مسئوليتك صح؟!
هز مجدي رأسه بالإيجاب ولكنه نفى:
- ده صحيح لكن مش معناه إني أخدت موافقتك كموقف نهائي، أنا هسيبلك فرصة أسبوع . . اتنين براحتك ومنتظر ردك بعد ماتكوني فكرتي فهزت رأسها رافضة العرض جملة وتفصيلا قائلة:

- لو سمحت إديني الورق أوقعه دلوقت منغير ما أضيع وقتك أكتر من کده جلس الرجل إلى مقعده وهو يشير لها بالنفي:
- مش هيحصل واجبي ناحية موكلتي الله يرحمها إني أنفذ وصيتها وأمنحك الوقت الكافي للتفكيير فقالت سالي بسام:
- براحتك بس هتفضل مستني كتير لأن رفضي نهائي فقال مجدي بلطف:
- طب إيه رأيك تبلغيني قرارك الجمعة الجاية، قدامك وقت أهوه تعيدي النظر فهزت رأسها بقبول تحت إلحاح من الرجل والذي انضمت له نعمات أيضا إذ قالت:
- ماتستعجليش يا مدام سالي، ده حقك مش كفاية . . . . وتوقفت نعمات عن الحديث عندما لمحت طعنات الألم تغتال صفاء أعينها فابتسمت لها سالی رافضة تعاطفها قائلة:

- متشكرة ومبلغ حضرتك قراري النهائي اللي مش هيختلف کتیر لكن طالما أنت مصر، عن إذنكوا      لو لم تكن سيدة الأعمال الأولى بالشرق الأوسط لكانت مزارعة الورود الأولى هكذا كانت تحدث نفسها وهي تنتقل بخفة فراشة من ركن لآخر مستنشقة عبق الورود اليافع تنتقي زهورا لصديقتها التي وضعت مولودها الأول بالأمس القريب وكان هو يقف يراقبها دون أن تشعر حتى قادتها خطواتها دون أن تشعر لصدام هو من خطط له فرفعت رأسها وجلة فابتسم لها وقال فجأة:

- آسف . . . . آشري، إيه المفاجأة اللطيفة دي ! فتمتمت بإعتذار هي الأخرى وهي تعود للخلف خطوتان وعند الثالثة اقترب منها ليصبح الفارق فقط خطوة:
- عاصم بيه، سوری ما أخدتش بالي فعبس ممازحا:
- عاصم بيه، إحنا لسه محتفظين بالألقاب بينا ولا إيه فهزت رأسها بحرج وأردف بلطف:
- ياترى بتشتري ورد لمين ؟
فابتسمت:
- واحدة صاحبتي ولدت إمبارح وكنت ناوية أزورها فرفع حاجبيه متصنعا الدهشة قائلا:
- ماتقوليش رايحة لعيلة المسلماني، أنا كمان كنت رايح وكنت جاي اشتری ورد فتعجبت آشري للغاية إذ إنها لم تدري بوجود علاقة تجمعهم بالأساس:
- معقول؟!

فبرر عاصم وهو ينتقي الزهور مثلها بزهو:
- دخلت شريك مؤخرا مع أحمد في مشروع ضخم أوي، ما سمعتيش خبر الصفقة دي ولا إيه . ده كل مصر بتتكلم عنها هل يظن أنها تتبع أخباره؟!
ياللعجب فقالت نافية وهي تتعجل الرجيل:
- لاء، سوري أول مرة اعرف، عموما فرصة سعيدة أني شوفتك فاستوقفها عاصم قائلا:
- طب ماتيجي نروح سوا فهزت آشري رأسها وهي تتعجل الهرب:
- أنا كنت هبعتهم ديلفيري عشان عندي مشوار مهم وأعدي عليها بعدين كان عاصم متفهما لحاجتها للابتعاد عنه كلما اقترب ولكنه في تلك المرة استوقفها قائلا بصوت خافت:

- زياد نقل وكمل حياته بعيد عنك، أظن أنه آن الأوان تكملي حياتك يا آشري فعقدت حاجبيها غاضبة وقالت بصوت محتد وأصابعها تقسو على الزهور المسكينة بحوزتها:
- أظن أنه نوت يور بیزنس ومش من حقك ولا أي حد يتدخل ويقولي إيه المفروض أعمله فرد مدافعا:
- أنا مش قصدي أتطفل عليكي لكن صعب ليدي جميلة زيك تضيع عمرها في إنتظار شيء مستحيل واحمرت وجنتها بغضب لم يمر بها في حياتها من قبل حتى قالت دون أن تدري:

- إنت إنسان وقح وانصرفت غاضبة من متجر الزهور والدموع تكاد تعمي بصيرتها أهكذا يراها الجميع متعلقة بدرب مستحيل؟!
تضيع لحظات عمرها الثمينة في إنتظار من سيعود وهو ليس بعائد تركها خلفه وشرع في المضي بحياته غير عابئ مضي نحو المستقبل وهي خلفه متعلقة بحبال ماض مهترئ حتى توقفت عن السير لوجهتها الغامضة حتى لها والتفتت حولها تبحث عن سيارتها بذهن شارد تمسح فيض دموعها وداخلها يتوعد الهارب " أبدا لن أسامحك " يزداد شعوره بالخواء الذي أصبح يعشش داخله كلما عاد ليلا للقصر الخاوي دونهم أمه وأطفاله ومن كانت يوما زوجته حياة اختفت وأخرى تبدلت وماعاد يدرك أبسط ملامحها ولكم يرغب بالعودة وبشدة للماض بحادفيره بكل مافيه بكل الآمه وآماله طالعته أنظارها الساخطة واستقبلته بجفاء واضح قائلة:
- أنا عاوزة أعرف لحد امتى هفضل محبوسة ؟

تجاوزها حتى وصل للغرفة ودخلها وهو غير عابیء بخطواتها المتقافزة خلفه وشرع بخلع سترته ببرود دون أن يمنحها ردا ولا حتى نظرة فقالت بإلحاح:
- جاسر أنا بكلمك فرفع أنظاره الساخطة نحوها قائلا:
- عاوزة إيه يا داليا أنا راجع تعبان ومش رايقلك فاقتربت منه وهي ترسم إمارات الحزن ببراعة على ملامح وجهها- أنت هتفضل زعلان مني لحد إمتى؟!
فرفع حاجبيه ساخرا ولم يكلف نفسه عناء كتم ضحكة مريرة:
- مش بقولك أنك بتدي نفسك حجم أكبر منك وأنت مش مصدقة فهزت رأسها ودمعة فرت من عيناها دون قصد منها:
- عاوز تقول أني ولا حاجة بالنسبالك، أنا عارفة ومتأكدة واستمسكت بصدره وأردفت بشفاة مرتجفة:

- صدقني أنت مابتبذلش أدنى مجهود في أنك تعبر عن ده، لكن أنا مش هستسلم، أنا هفضل أحارب لحد ما أوصلك مش هسيبك ولا هتنازل عنك زي اللي قبلي جف حلقه وهي دون أن تدري تشق صدره بصلابة رأس عما يشعر به بالفعل لقد تخلت عنه سابقتها لم تدافع عن حقها به لم تشعره بأهميته تركته خلفها وترکت صغارهما ولم تبال سوی بالابتعاد عنه فقال بصوت متحشرج وهو يبتعد عنها:
- عاوزه تخرجي إخرجي، براحتك فاقتربت منه وأمسكت بذراعه قائلة:
- أنا عاوزة نسيب هنا . بكل الذكريات اللي فيه ونبتدي في مکان . . . . فهب من أحزانه زاعقا:

- أنا عمري ماهسيب هنا، ده بيتي وبيت ولادي، عاوزة تعيشي هنا أهلا وسهلا مش عاوزة بالسلامة فتعلقت به رغم ثورة غضبه الأسود:
- یا جاسر صدقني هنا هيموت كل حاجة بينا فأمسك بذراعيها بحزم ليبعدها عنه ويقطع إلتصاقها به قائلا بصوت كالفحيح:
- أنت مش هتفرضي عليا أعيش فین، نقطة وآخر السطر، وآخر مرة تفتحي فيها حوار زي ده تاني لمصلحتك واتجه للحمام ليغتسل تاركا إياها ترتجف بخوف، تلك المرة الثانية في أقل من يومان تقابل فيها جانب أحلك مايكون من جوانبه المتخفية تخطو بظلامه وظلمه وبعليائه يأمر وعليها الطاعة ظنت أنها بحبها ستنجو ولكن من الواضح أنها تغرق ولا سبيل للنجاة ولا سبيل أيضا للاستسلام     الغرفة الخاوية المظلمة دونها أصبحت ملاذه يجلس بالمقعد المجاور لفراشها البارد يدور بفلك أفكاره كسفينة فقدت ربانها ولا مرسى لها والهواء العليل يضرب صدره بسقيعه يثير إنتباهه، يمنعه من السقوط بهاوية ظلماته وهاتفه يضيء بعتمة الغرفة بالمكالمة التي انتظرها منذ صباح اليوم، أتاه صوت مجدي معتذرا:

- أنا آسف انشغلت وحقيقي نسيت أكلمك رد بصوت قاطع:
- رفضت همس مجدي:
- زي ما كنت واثق، لكني أكدت عليها إني منتظر قرارها النهائي يوم الجمعة ربما تتكاثر المتغيرات من حوله مما يثير حنقه ولكن المعطيات الثابته هي أساس الحياة ابتسمت عيناه في الظلام ولمعت برمادية نيران اشتعلت وأتت على كل شيء فلعبته لم تتغير وكما سيحرص لن تتغير وستعود مجددا خيوطها ساكنة بين أصابعه    الجمعة يوم تقليدي بالبيوت المصرية القديمة يوم تجمع العائلة وغداء دسم يعقب الصلاة والأحفاد يلتمون حول طاولة مستديرة والأحاديث لا تنقطع استيقظت صباحا وغيرت ملابسها سريعا وكذلك أطفالها وهي تعدهم بحلوى إن أحسنوا التصرف لهذا | اليوم وخرجت وألقت تحية الصباح على أمها المشغولة بشؤون المطبخ فقالت سالي عابسة:

- برضة يا ماما قولتلك أنا لما أرجع هعمل الغدا فابتسمت مجيدة لها:
- عبال ماترجعي يكون أختك وجوزها والولاد جم تريحني أنت وتفرشي السفرة فقبلتها سالي مودعة وكذلك الصغار قائلة:
- ماتقلقيش ساعتين بالظبط ونرجع بإذن الله فقالت مجيدة:
- أنا مش عارفة إيه حكاية النادي اللي كل يوم ده، حتى الجمعة لازم تروحيه ! فاعترضت سلمی:
- أنا عاوزه أروح النادي ضحكت سالي وقالت:

- مش هنتأخر، مع السلامة وما أن عبرت سالي بأطفالها أسوار النادي حتى تسارعت خطواتهم نحو مجموعة التدريب الملحقين بها فودعتهم سالي بتحية واتجهت بدورها لصالة الألعاب کي تمارس رياضتها المفضلة ولكن مع نسمات الهواء العليلة آثرت التريض بالمضمار العريض حول الفناء الواسع مارست أولا تدريبات الإحماء ثم شرعت بالركض البطيء وأفكارها تسبح بمعزل عن الضوضاء الخفيفة حولها، هي لم تصارح والدتها بفحوى الوصية التي لم تفهم مغزاها بعد واعترفت لنفسها أنها تخشى أن تؤثر والدتها عليها لتقبل تلك الأموال الطائلة وداخلها لا يدرى لم هي حقا ترفض قبولها هل لكونها منة وعطاءا من ناحية آل سليم، أم لأنها تشعر أنها بالأصل منحة منه، فهو الذي يكد بالعمل أولا وأخيرا ولم تكن والدته سوی متحصلة على نصيب بأمر الشرع ولكن في ذات الوقت هي تسعى للتفكير بعقلانية في الأمر تلك الأموال قد تحل كثيرا من مشاكلها المادية التي لا تعانيها حقا ولكن من يدري؟!

وخاطرة جديدة تمر بعقلها هل بإمكانها المساومة تمنحه الخمسة ملايين مقابل الاحتفاظ بسليم وسلمی وعند تلك الخاطرة الحمقاء انفلتت ضحكتها الساخرة فما قيمة الخمسة ملايين بنظره؟!
وأبطأت من سرعتها حتى توقفت لاشيء لاشيء بالمرة فهو لن يتخلى عن أطفالهما أبدا لا لشيء سوى العند القاتل والمتحكم بدمائه تحية الصباح المألوفة لها أخرجتها من دوامة أفكارها البائسة فالتفتت لمصدرها لتطالع وجهه المتبسم الذي قال:
- هوا على طول كده أنت شايلة الهم؟!

فابتسمت دون حيلة وقالت:
- لا والله بس أنت حظك كده معايا فاقترب منها قائلا بزهو:
- بالعكس ده حظك أنت لأني معروف عني إني حلال المشاكل هزت رأسها بتقدير وقالت:
- أنت بالفعل حليت أكبر مشكلة كانت بتواجهني فعقد حاجبيه وقال جادا:
- بجد ؟
إيه هيا ؟
فبسطت كفيها وقالت بخفة:
- اشتغلت فقال بتقدير:

- ده من حسن حظي، كنت هلاقي زيك دكتورة شاطرة مع الأطفال فين؟!
صمتت وابتعدت بعيناها عنه بخجل فقال ليتجدد الحوار بينهما:
- بس مش من عادتك تيجي النادي الجمعة هزت رأسها نافية:
- الصراحة لاء بس الولاد شجعوني عندهم تمرین إستثنائي النهاردة وأنا محتاجة أغير جو وأردف ليكمل:
- وتفكري فهزت رأسها بالموافقة وكررت خلفه:
- وأفكر فقال بإلحاح:
- في إيه ؟

ودون أن تدري قصت عليه قسما كبيرا مما كانت تفكر به فبطبيعتها الثرثارة التي لا تجد غضاضة في البوح بما يختلج بصدرها بصوت مرتفع استمع لها وقال دهشا:
- إنت إزاي ترفضي، وأنت تقدري تعملي حاجات كتيره بالمبلغ ده تنفعي بيه نفسك وتنفعي الست دي الله يرحمها فعللت موقفها:
- مقدرش أقبل، ده مش طبيعتي فتوقف عن السير والتفت ليواجها قائلا بحزم:

- النفع مش شرط يكون مادي يا سالي، هيا آه فلوس بس أنت تقدري تحوليها لمسار تاني تغير كل حياتك فكري كده إذا أخدتي الفلوس وعملتي بيهم مركز أسنان خيري، شوفي النفع اللي ساعتها هيعود عليكي وعلى حماتك الله يرحمها . . . وعلى الناس، طاقة إيجابية هتغير كل حاجة في حياتك وكأنما بعث هو بالطاقة في أوصالها وانتعشت أورتها وأزدادت دقات قلبها بها وقالت بحماس منقطع النظير:
- تصدق معاك حق فابتسم وتحولت بسمته لضحكة مرتفعة ونظر لها بتقدير بالغ:

- أنت طيبة أوي ياسالي مجرد فكرة أنك تاخدي الفلوس ليكي كنتي رفضاها ولما اتقلبت لمصلحة غيرك وافقتي فورا فهزت رأسها وهي تبتعد بعيناها عن نطاق حصاره:
- لاء أنا في دي بتاعة مصلحتي، يمكن الخير يعود عليا باللي بتمناه فقال مقرا بهدوء:
- لازم، عموما أنا في الخدمة وقت ما تنوي هتلاقيني معاكي ثم أردف ممازحا:
- وبحذرك ماحدش هيدير المشروع ده غيري دي فكرتي من الأول فضحكت سالي وقالت بلطف:
- بس كده أنا هتعبك معايا فهز رأسه نافيا:

- بالعكس أنت لو تعرفي أنا كان نفسي أد إيه من زمان في عمل خيري زي ده هتعرفي أنك بتعملي فيا معروف

عادت لمنزل والدتها منذ ساعتان وساعدتها بإعداد طاولة الطعام بهمة ونشاط فائقين حتى قالت مجيدة متعجبة:
- وأنا اللي كنت فاكرة هترجعي تعبانة ضحكت سالي وقررت مصارحة والدتها بأمر الوصية والأموال الطائلة التي ستحصل عليها فاصطحبتها لغرفة الصالون الهاديء وعرضت عليها الأمر منذ بدايته حتى قرارها الأخير بالاحتفاظ بالأموال وعلى عكس ماتوقعت سالي كان رد أمها بالرفض معللة- أنا خايفة يابنتي يكون عنيه على الفلوس دي وتدخلي في مشاكل معاه فضحكت سالي لبساطة أمها:

- ماما 5 مليون مش مبلغ عند جاسر، زائد أن المحامي أكد عليا إصراره بتنفيذ وصية أمه الله يرحمها بحذفيرها فاعترضت مجيدة بإصرار:
- وعليكي من وجع الدماغ ده بایه ما تاخدي الفلوس وتشيليهم في البنك وخلاص فرفضت سالي بإصرار:
- يا ماما أنا فكرت في كلام کریم، الفلوس دي أنا مسئولة عنها قدام ربنا ولما اقدمها في عمل خیر، بإذن الله ربنا يجعله في ميزاني وييسرلي حياتي فعبست مجيدة متوجسة:
ومین کریم ده كمان ؟
فابتسمت سالي لأمها بهدوء:

- ده الدكتور صاحب المركز اللي بشتغل فيه، إنسان محترم أوي فضاقت عينا مجيدة وهي تقول بهدوء حذر:
- یعني هوا مستغني عنك كده يقترح عليكي مشروع أنت ِ تكوني صاحبته فهزت سالي كتفيها بعدم فهم:
- وده هيضره في إيه وبعدين الدكاتره على قفا من يشيل، غير أنه أصر يشاركني في المشروع ده عشان نفسه هوا کمان في مشروع خيري فتنهدت مجيدة بمكر:
- آه قولتيلي، هيشاركك . . . طيب فاحمرت وجنتا سالي وهي تراقب نظرات أمها الماكرة المتفحصة لها وقالت بإعتراض وهمت بالانصراف لبقية شؤونها المتأخرة:
- على فكرة الموضوع مش زي ما أنت فاكرة خالص، وأنا رايحة أشوف الل ورايا قبل ما عصابة سيرين تهجم علينا راقبت أمها خطوات ابنتها الصغيرة الهاربة بقلب راجف وهي تدعو الله أن يسد خطاها وتهمس:

- ربنا يبعد عنك ولاد الحرام يابنتي وقفت أمام الباب لا تصدق ناظريها تطالعه لكأنما كان غائبا عنها عشر سنوات وليس فقط بضعة أيام تحاشت فيهم الاقتراب منه بأي شكل ألقي عليها التحية بصوته الواثق وعيناه تلتهم تفاصيلها القديمة لقد فقدت الكثير من وزنها وعاد جسدها لطبيعته التي ألفها سابقا عادت ضئيلة كما كانت بلمحات أنوثة طاغية اكتسبتها مع مرور السنون، قصيرة لازالت ترفع ناظريها له فرأسها لا يتجاوز كتفيه فتنحنحت وبصوت مرتجف أدركت أنه أتي لإصطحاب إبنائها وهي التي لم تشبع من صحبتهم فعقدت حاجبيها غاضبة وردت عليه التحية فقال بوجه عابس وصوت لائم:

- إيه يا سالي هنفضل واقفين على الباب كتير؟!
تراجعت للخلف خطوتان لكي تفسح له الطريق وقالت بهمس مكتوم:
- اتفضل وعندما دلف إلى الداخل لاحظ على الفور ظل أختها وأطفالها ومن خلفهم تتسابق خطوات صغاره نحوه فتلقفهم بصوت مرح وقبل رؤوسهم قائلا:
- وحشتوني كده برضه ماتتصلوش تسألو عليا فابتسم الصغيران بخجل وقالت سلمى ببراءة:
- ما أنا ماعرفش نمرة تليفونك فالتفت للساكنة وراءه قائلا بمكر:
- ماما تعرفها ثم رفع جسده مرة أخرى ليستقيم ويلقي التحية على سيرين التي كانت تنظر له شزرا ومن خلفها مجيدة التي خرجت من غرفتها وقابلته بعيون لائمة ورغم ذلك قالت بصوت هادىء يمليه عليها الواجب:

- البقاء لله يا ابني فهز رأسه بحرج وقال بصوت متحشرج:
- البقاء لله وحده فأشارت مجيدة لسالي قائلة:
- أدخلوا أقعدوا في أوضة الصالون مايصحش تخلیه واقف کده فأشارت له سالي بصمت فتقدم بخطوات واسعة حتى وقف بمنتصف الغرفة وهمت سالي بالانصراف لتتركه وحيدا مع أطفالهما فاستوقفها قائلا بحزم:
- استني ياسالي، أنا عاوز أتكلم معاكي والتفت إلى صغيره قائلا:
- سلیم خد أختك ورحوا اقعدوا مع تيته دلوقت، عاوز أتكلم مع ماما راقبت انصراف الصغار ودون أن تدري شعرت بالخوف لكونها بمفردها معه بين جدران أربع بالرغم من أنها جدران منزلها قاطع جاسر شرودها بإقتراب قائلا بصوت جاهد ليمحي عنه آثار الغيرة:
- معتصم هنا ؟

فعقدت حاجبيها بتعجب والتفتت له قائلة:
- لاء، بتسأل ليه ؟
فتنحنح قائلا:
- أبدا، فضول مش أكتر نكتفت ذراعيها بدفاع قائلة:
- وأديك عرفت الإجابة، خیر کنت عاوز إيه ؟
فابتسم لها دون حيلة، عصفورته الصغيرة عادت للمشاكسة ثم قال بصوت رصین:
- مجدي كلمني قالي أنك رفضتي الوصية فأخذت نفسا عميقا ورفعت حاجبيها وقالت بتوتر:
- إحنا اتفقنا إني هبلغه قراري النهائي النهاردة فهز رأسه واقترب منها قائلا بصوت حميم:
- کویس وأنا جاي أأكدلك إن ماعنديش إعتراض، أنا ماکرهلكيش الخير ياسالي فزمت شفتيها وقالت هازئة بكبرياء:
- وفكرك حتى لو اعترضت أنا هيهمني وعموما أنا قررت أني هاخد الفلوس فعقد حاجبيه وقد تفاجىء لا فقط بذاك القرار الذي سعى للحضور لإقناعها بالموافقة عليه بل ومساعدتها للتصرف بتلك الأموال الطائلة وليظهر هو بمظهر ملائكي بل لتلك النظرة النارية بعيناها فقال:
- وأنا سعيد بقرارك ده وماكنتش ناوي أقف قصادك وأمنعك من حقك فاقتربت منه وقالت بقوة:

- بس أنت فعلا مانعني من حقي هتف مستنكرا:
- أنا هزت رأسها ورددت بإصرار:
- أيوا حقي في أولادي فرفع رأسه بخيلاء سطر له وحده دون البشر قائلا:
- أنت اللي اخترتي فقالت تحمله الذنب:
- ده ماکنش موضع اختیار یا جاسر اقترب منها وداخله يعتمل بغضب:
- أنا الأول خيرتك ووافقتي وتكوني معايا لآخر الطريق وجيتي في النص ورفضتي واخترتي تمشي، وأنا ما أجبرتكيش على حاجة فاحمرت وجنتها بنفس الغضب وربما الضعف:
- وكنت عاوزني أعمل إيه أشوفك بتتجوز وأكمل معاك وأنا اللي أسميلك مولودك التالت، ولا كنت أعمل أيه ؟
فقال بهمس بارد جمد الغضب بعروقها حتى شعرت بالقهر:
- ليه أم تسميه كتمت دموعها بصعوبة بالغة وقالت بصوت ينهار ألما:
- ربنا يخليهالك فرفع رأسه بعد وقال:

- أنا أهم حاجة عندي ولادي، مش هيفارقوا حضني يا سالي فاقتربت منه بتحدي وقالت بعزم باد بقسمات وجهها التي أنارت مرة أخرى:
- ولا هيفارقوني ولمعت عيناها بإنتصار وهي تلمح إهتزاز شفتيه ورفعت صوتها لتنادي صغارهما للجلوس مع والدهما وانصرفت عنه بعيناها وهي تستمع لصوته الذي يحاول التحلي بالهدوء وهو يخبر صغاره أنه سيمر عليهم بعد غد لإصطحابهم مرة أخرى للقصر فأظلم محيا الصغيران فقال جاسر متوجسا:
- ولا أنتوا لسه عاوزين تقعدوا مع ماما ؟
فهتف سليم:

- أيوا بابا با سیبنا هنا حبه كمان فزم شفتيه وقال بصدق:
- بس أنتو بتوحشوني يا سلیم فشعر سليم وأخته بالذنب ناحية والدهما فأقبلت سالي عليهم مرة أخرى لتنفي عنهم ذاك الشعور فهما المذنبان بحقهما وليس العكس قائلة بثقة:

- انتو هترجعوا مع بابا بعد بكرة وأحنا هنرجع لنظامنا القديم ويوم الخميس هتيجوا تباتو معايا     نعم هو لا يحبذ التعاطي مع المتغيرات وما كان يبقيه واثقا ثوابت الحياة ولكن بعد تلك الزيارة القصيرة أدرك إنقلاب موازين الأمور فالمتغير أصبح ثابتا والثابت أضحى ماضيا ولعبته قطعت خيوطها وباتت حرة دونها تتحرك كيفما اتفق هواها وخطواتها لم تعد متعثرة بل هي واثقة بدربها والأدهى أنه درب يجهله.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة