قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الثالث والعشرون

رواية لعبة عاشق الجزء الثاني يسرا مسعد

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الثالث والعشرون

أتراها تنساه يوما ؟
كيف وقلبها معلق بقطعتان تشبهانه راقبت انصرافهما بصحبته بقلب ينوح بعذاب صامت وأعين صغارهما معلقتان بظلها كرهته في تلك اللحظة أيما كراهية هو من يمزقهم بعناده ويدعي بعد كل ذلك الصبر ! فأني لها هي بالعودة والتراجع عن حياتها الجديدة؟!

سارت ببطء دقات قلبها عائدة لمنزل عائلتها مشيا على الأقدام صراعها الداخلي كان أكبر من سعة صدرها والدموع تنهمر من مقلتيها بلا حساب ولا رادع حتى مع نظرات المارة المتعجبة نهرت نفسها مرارا وتكرار ولكن لا فائدة لحسن حظها عندما وصلت للمنزل لم تجد أمها في انتظارها، فلابد وأنها في زيارة لأختها الكبرى فاتجهت قدميها دون أن تشعر لملاذ والدها الراحل حاولت الاعتناء بزهوره وزروعه ولكنها لم تكن ناجحة بقدره ومع ذلك استطاعت الإبقاء على بعض المزروعات القوية والتي لا تتطلب جهدا في الرعاية.

مرت سريعا وهي تتفقد حالتهم وانشغلت أناملها بحالهم وكذلك عقلها، لكن القلب كان لا يزال يأن من وقع كلماته القاسية تمتمت لنفسها بحنق جم " صابر . . هه " ثم جلست على الأريكة الخشبية لترتاح قليلا وربما يرتاح عقلها من تكرار كلماته على مسامعه، ثم أتاها صوت العظيمة كوكب الشرق " لكأنما تواسيها وتشد من أزرها وهي تصدح بأغنيتها الرائعة " فات الميعاد " وتجد نفسها رغما عنها تنساب دموعها من جديد تحت وطأة كلمات أم کلثوم العذبة المعذبة " بيني وبينك هجر وغدر وجرح في قلبي داريتوه آآآه  بيني وبينك ليل وفراق وطريق أنت اللي بيدتوه آآه " وهمست لنفسها وهي تمسح دموعها بقوة " أنت اللي بديت ياجاسر والبادي أظلم      لا تعلم إن كان رد فعل على حوار الأمس أم هو بالفعل الطريق الذي يجب أن تنشد لتتخطاه نحو حياة بلا رجوع موافقتها الفورية أثارت تعجبه ودهشته إذ توقع أن ترفض بحمرة خجل وتحفظ عهده دائما بها فقال مرة أخرى ليتأكد:

- یعني على تلاتة كده نروح سوا بعربيتي؟!
هزت رأسها قائلة:
- خليها تلاتة ونص یا کریم أكون خلصت كل الحالات اللي عندي فهز رأسه ضاحكا:
- خلاص تلاتة ونص نروح نقابل صاحب الشركة وإن شاء الله التوريد خلال أسبوع بالكتير فابتسمت له وهي تعود مرة ثانية للحالة التي تتابعها:
- إن شاء الله خرج من غرفة العيادة منتشيا بسعادة لا يعرف سببها الفعلي، يعلم بأنه يخطو بخطوات متسرعة على أرض متصدعة ولكن ليس هنالك على الفؤاد سلطان    وبغرفتهما كانت تدلله بتدليك صباحي سريع لكتفه رفضه بضيق أنفاس قائلا:
- أنا اتأخرت یاداليا فعبست بوجهه بدلال وقالت:

- إن كان عليا مش عاوزاك تروح الشغل النهاردة، فيه مشوار مهم لازم نعمله سوا فقضب حاجبيه متعجبا وقال:
- مشوار إيه ؟
وضعت يدها على كتفيه من جديد وقالت بعيون راجية:
- جاسر، من أول ما حملت وأنت ماروحتش معايا ولا مرة للدكتور، إيه مانفسکش تشوف البيبي ؟
فابتسم ساخرا وتمتم:
- وهشوف فيه إيه ده لسه يادوب فعبست بغضب وقالت بدموع تماسیح:
- أنا كان قلبي حاسس أنك مش هتحبه قد حبك ل . . . فقاطعها زاعقا:

- داليا منغير مزایدات كلهم ولادي وحبي ليهم مابيتجزأش، مش عاوز اسمع الكلام السخيف ده تاني فاقتربت منه سريعا وريتت على وجنته وقالت لتدر عطفه وشفقته- یعني هتيجي معايا النهاردة، محتجالك أووي، جاسر دي أول مرة أكون أم أنا . . فقاطعها مرة أخرى بنفاذ صبر:
- خلاص يا داليا الساعة كام معاد الدكتور ؟

فابتسمت له إبتسامتها الساحرة وهي تطبع على وجنته قبلة خفيفة- يعني عدي عليا الساعة تلاتة كده فابتعد عنها وهو يهز رأسه:
- تمام تلاتة بالدقيقة تكوني جاهزة ومستنياني تحت     كانت بطريقها نحو المصعد لتتجه للدور الرابع حيث مكتبها ولكن شيئا ما حث قدماها على التوقف ولا تدري أهو نداء قلبه أم قلبها الذي جعلها تستدير تلقائيا للخلف لتراه يقف على بعد أمتار قليلة بذلة غير رسمية وقد نبتت لحيته ومنحته مظهرا ناضجا فاقترب منها بنظرت عيناه الثاقبة وخطواته الواثقة قائلا:

- إزيك يا آشري؟!
فاستجمعت دقات قلبها الخافقة بسرعة وردت:
- الحمد لله، إزيك أنت یازیاد ؟
صمت لوهلة وقال:
- أنا الحمد لله أحسن وساد الصمت بينهما لفترة أطول لكأنما فقد الإثنان النطق وكلاهما يخوض صراعا مابين تحذيرات العقل واشتیاق القلب حتى أمسك هو بزمام المبادرة وقال بصوت هادیء:
- أنا كنت جاي أعزمك على حفل افتتاح الكافية بتاعي ارتفع حاجبيها دهشة وقالت:
- فتحت كافية ! فابتسم بود قائلا:

- في الواقع هيا سلسلة . . فرع في القاهرة واسکندرية وحاليا بنجهز أنا وشريكي لفرع في شرم هزت رأسها وقالت بفرح صادق:
- مبرووك یازیاد فاستطرد سریعا برجاء:
- النهاردة الساعة سبعة ورغما عنها انسابت الكلمات منها مؤكدة:
- أول ما أخلص شغلي أكيد هاجي ولم يكن بينهما وداع إذ قفزت قدميها بهروب نحو المصعد وهي تلوم نفسها على موافقتها السريعة بينما وقف هو يراقب انصرافها بدقات قلب مضطربة دقات الساعة نبهته بالإضافة لإتصالها الملح فوضع القلم جانبا ورتب أوراقه وجمعها ورد على إتصالها الملح للمرة الثالثة على التوالي قائلا بتبرم:
- الساعة لسه اتنين یا داليا فقالت بدلالها المصطنع:

- ما أنا بس بتأكد إنك مش ناسي قال بحزم ليقطع الإتصال بعدها:
- تلاته یا داليا هكون عندك وكعادته لا يخلف موعدا قط، حتى لو كان يشعر بثقل يخدر أوصاله، جنينا ينمو بأحشاء إمرأة لم يخطط لأن يكون إرتباطه بها أمرا واقعا ومتجسدا لتلك الدرجة خاصة وعقله بل وقلبه مازال معلقا بأخرى نظر في ساعته الثمينة وارتقب بعدها خطواتها المتسارعة نحو سيارته وما أن قفزت بداخلها حتى قالت بعتاب:

- طيب مش كنت تدخل تستناني جوه ! فقال متهكما وهو يقلع بالسيارة:
- هتفرق إيه وبعدين أنا قلتلك تلاتة بالدقيقة فنظرت له بطرف عيناها مستنكرة:
- ياسلااام ولو كنت أتأخرت ياجاسر فقال حازما:
كنت هرجع شغلي يا داليا فعبست وظلت واجمة لفترة حتى قالت:
- جاسر أنت بجد حاسس بأبوتك للطفل ده فتأفف بصوت مرتفع قائلا:

- داليا الأوهام اللي في دماغك دي أنا مش مسئول عنها، ودلوقت بقى العنوان فين ولا هنفضل ماشيين تايهين کده کتیر فقالت بصوت مستكين:
- خليك ماشي على طول بعد الإشارة على شمالك ادخل ففعل مثلما أرشدته حتى وصلا للإشارة المرورية وتوقف السير بأمر من الضوء الأحمر الذي قد يطول لدقائق عدة، فهم بالحديث معها مجددا ليمحو أثار شكوكها المثيرة للشفقة بداخلها ولكنه لم يسعه سوى التحديق بقوة للمشهد المتجسد أمامه لزوجته السابقة تقف بصحبه أحدهم يتضاحكان سويا وبالقرب منهما إشارة إعلانية لمركز علاج أسنان شهير فما كان منه سوى أن يترجل من سيارته بخطوات مسرعة غير عابیء للمارة ولا للسيارات التي بدأت في إصدار أصوات معترضة بأبواقها إذ توقف ذلك المجنون فجأة عن الحركة والشارة الضوئية أضحت خضراء، ولا لصوت داليا الذي ارتفع هاتفا بإسمه مستنكرا فجل ماكان يتملك عقله في تلك اللحظة لم يكن سوی شیطان أسود وخلفه قلب يضج بلهيب عذابه وتملكت أنامله رقبة ذلك الفارع عبر ياقة قميصه حتى كاد يخنقه وتعالت صرخة سالي فزعة قائلة:

- جاسر . . أنت اتجننت أنت بتعمل إيه؟!
 فدفعه ذلك الفارع ونهره:
- فيه إيه يا جدع أنت؟!
أيسأله مالخطب ؟
يقف على قارعة الطريق يتضاحك معها تحت أنظار المارة بل وتحت أنظاره ويسأله ما الخطب ! ! فما كان منه إلا أن لكمه بقبضته القوية فأصاب جانب وجهه الأيسر بعنف حتى كاد خصمه أن يسقط مترنحا لولا قوة جسده زاعقا به:
- دلوقت، أنا هعرفك في إيه فصرخت سالي بقوة:

- جاسر ! فالتفت لها ولم ينتبه لذلك الذي استعاد توازنه بسرعة مذهلة وعالجه بقبضته القوية التي أسقطته أرضا فصرخت سالي مرة أخرى ولكن تلك المرة بإسم غريمه:
- کریم . . . . أستنی فقام ليمسك بتلابيب ذلك الكريم ليريه وضاعة مكانته بالمقارنة به، وانخرط الإثنان بعراك دام تدخل المارة لفضه وبالفعل نجح أحد الرجال بعد معاناة لمنع الإثنان من الإقتتال مجددا، ودفعت سالي بنفسها نحو سيارة كريم وتولت هي مهمة القيادة بصحبة كريم الذي أصاب وجهه تشوها كبيرا لايقل عن التشوه الذي الاقاه الآخر على يديه والذي مضى يراقب انصرافهما بأعين مستعرة، ثم التفت لينتبه أن أصوات الأبواق قد خفتت وأن سيارته توقفت على الجانب وداخلها داليا التي تولت مقعد القيادة وتحرك بخطوات مسرعة نحوها وما أن اقترب وهم بفتح الباب حتى نظرت له غاضبة وقادت السيارة مبتعدة عنه تاركة إياه يحدق بها بذهول حانق    مرت الدقائق بصمتها الثقيل حتى قطعته هي بهمسها الرقيق:

- کریم أنا آسفة فنظر لها قائلا بإبتسامة حانية:
- بتعتذري على إيه ؟
فتنهدت بحيرة:
- أنا مش عارفة بجد إيه اللي حصل، جاسر . . . . وصمتت لم تدر بأی حروف تكمل ولا كلمات تتابع حديثها فما فعله بعيدا كل البعد عن إتزانه ورصانة تصرفاته بل وغروره البارد أحيانا فاستبدل کریم حيرتها بعبارة تشجيعية:
- سواقتك اتحسنت عن الأول كتير فضحكت ساخرة بمرارة من نفسها:
- على الرغم إني مش مركزة بالمرة فنظر لها مليا ثم قال بدفء:

- أنا معاكي ومركز وتأوه رغما عنه عندما عمد لتغيير وضعية جلوسه فالتفتت له بسرعة وقالت بقلق:
- نروح عيادة نكشف فطمئنها بسرعة:
- أنا كويس ماتقلقيش، بس مش هينفع نطلع نقابل حد وأنا مبهدل كدة عندك مانع نأجل معادنا فقالت سریعا بإرتياح جم:
- أنا كنت هطلب منك كده فعلا فأشار لها لتتوقف:
- وقفي هنا بقى نشرب حاجة من عند الراجل بتاع العصير ده وأكيد هيعجبك ففعلت مثلما امرها وهمت بالترجل فاستوقفها قائلا بضيق:
- استني رايحة فين أنا هنزل . . هاه هتشربي إيه ؟

فتنهدت وقالت بإستسلام:
- اللي هتشرب منه عاد بكوبان من عصير الرمان الطازج ليجدها قد اتخذت مقعده ليتولى هو مهمة القيادة فقال مازحا:
- خلاص يعني عشان ماسواقتك اتحسنت هتبخلي علينا فابتسمت منه وهي تتناول كوبها اللذيذ قائلة:
- أبدا والله بس قلت كده أريحلك، وبعدين أنا هنزل هنا أركب حاجة وأروح فقال متوجسا:
- هتروحي للولاد ؟
طرقت رأسها بضيق وقالت رغم استشعارها الحنين لأطفالها:
- أفضل استنى لبكرة مش عاوزة أحتك بيه وهوا في الحالة دي ارتشف القليل من کوبه ثم قال فجأة:
- غیران فالتفتت له سالي بنظرات متسائلة فأردف:

- أكيد غيران، مالهاش تفسير غير كده فابتسمت سالي بسخرية وقالت نافية:
- لاء مش غيرة، هوا بس لسه بيتعامل معايا كجزء من ممتلكاته، وقال إيه صابر عليا فتمتم کریم بتعجب:
- صابر ! فزمت سالي شفتيها بقنوط وقالت لتوضح:
- أرجع فاقتحم رأسها الذي غاب في حديث الأمس المزعج قائلا:
- وهترجعي يا سالي؟!
فهمست نافية بسرعة:

- مستحيل مضت ساعة كاملة قضى نصفها في محاولة الحصول على وسيلة مواصلات مريحة ليصل لقصره واستقبله الصغار بنظرات حذرة فهو كان يبدو على شفا بركان أوشك على الإنفجار صرخ للمرة الثالثة بنعمات التي كانت تعد للصغار مشروبا منعشا- الساعة كام يا نعمات ؟
أخذت نعمات نفسا عميقا وقررت القيام بمواجهة قد تكلفها عملها ولكنها ماعادت تبالي فهي أصبحت تشعر بالفعل وكأنها خادمة بإمتياز رحيل صاحبة القصر وغياب الزوجة المطيعة لتحل محلها أخرى ماكرة- من نص ساعة سألت حضرتك وكانت يادوب خمسة نظر لها متمعنا وتعالت إشارات الحنق مختلطا بالأسف على وجهه فالمرأة تخطت الستون من عمرها وهي ليست بخصم مکافیء لنوبة غضبه المتحكمة به فتمتم:
- متشکر یا نعمات، ياريت تحضرلي الغدا هزت رأسها وترددت لبرهة قبل ان تنصرف فاستوقفها قائلا:
- فيه حاجة يا نعمات ؟

ولم تدر بانها أطلقت الشياطين من معقلها بسؤالها:
هي الست سالي مش جاية النهاردة، الولاد بيسألو عليها؟!
فزعق بها:
- وأنا أعرف منين؟!
فانصرفت نعمات بخطوات مسرعة هاربة منه وظل هو يدور بالغرفة كأسد حبيس ويتمتم لنفسه بغيظ تملکه:
- يظهر أنك مابقتش عارف حاجة يا جاسر خطوة مجنونة أخرى يخطوها دون تفكيير أو حتى إمعان فيما قد يليها فبعد أن هاتفته بالأمس بعد منتصف الليل تدعوه لرحلة سفاري بصحراء سيوة، قبل دعوتها في الحال ثم أعد حقيبة سفر خفيفة ودلف لفراشه وهاهو بمغيب الشمس يقف على أرض سيوة الشاسعة هدوء لوثه الجمع من حوله ولكنه لازال محتفظا بهيبته داخله نظر لها وهي تتجه نحوه بخيلاء قائلة:
- هاه جاهز؟!

تناول منها كوب الشاي الذي صنعته إحدى البدويات قائلا بتلذذ:
كده بقيت جاهز صعد فوق الدراجة الضخمة وصعدت خلفه بعد أن انتهيا من شرابهما الساخن وانطلقت شارة البدء من قائد المجموعة وانطلقت الدرجات في سباق سريع وتعالت الصرخات المشجعة من خلفه ومضى هو بسرعته الفائقة يناور هذا وذاك مثيرا عاصفة ترابية لاحدود لها حتى صرخت هي بحماس فأفزعته وتوقف فجأة فكادت أن تنقلب الدراجة الضخمة بهما وتطلبت منه جهدا فائقا للسيطرة عليها مرة أخرى حتى توقف عن الحركة تماما والتفت صارخا بها:

- أنت مجنونة؟!
وأتبعه بسؤال مضاد لحالته الحانقة يشوبه نغمة إعتذار:
- أنت كويسة يا نرمين ؟
وكانت إجابتها نظرة دهشة ترافق توضيحا كان لا يجب أن يخطئه بالأساس:
- أنا اسمي ريم على فكرة دعك وجهه بتعب وترجل الدراجة وسار بضعة خطوات هاربا من تساؤلات قد تطيح بما تبقى له من هدوء أعصاب وتركته هي لعزلته لوقت طويل حتى سار مجددا نحوها قائلا فجأة:

- نرمين تبقى مراتي الله يرحمها، ماتت هيا وبنتي في حادثة عربية كنت أنا اللي سايق، نمت مش فاكر أد أيه مجرد دقایق أو ثواني صحيت على صرختها وضوء جامد عماني وبعدين . . . . . .

خشيت أن تتكلم فقد كان يبدو أنه غارق بالعالم الآخر، بعالم موازي يتجسد له فيه آخر ذكرياته مع الذين فقدوا، مستعيدا اللحظات التي عاشها بقسوتها ومرارة ماخلفته ورائها حتى همس- فقت في المستشفى مالقتهومش جمبي، كانوا خلاص . . .

وأنا المسئول وأنا اللي عيشت مضت لحظات الصمت ثقيلة لحظات مهيبة لكأنما كانوا بالفعل في حضرة أرواح سكنت الثرى وهمست بدورها:

- بتوحشك؟!
فاختنق بعبراته:
- في كل لحظة . كل ما أدخل البيت واتخيل أنها هتطلع جري من أوضتها تنط عليا وتسألني بابا جيبتلي إيه ؟
فهزت رأسها باسمة بمرارة قائلة:
- كنت بسألك على نرمين، طبیعي تفتقد بنتك نظر لها مليا وشاعرا بحيرة بالغة، بماذا يجيبها ثم هز رأسه:
- نرمين كانت إنسانة بسيطة، مالهاش طلبات في الحياة، العادي بتاع أي ست بيت وزوج وحياة سهلة من غير تعب . اتجوزتها لأنها كانت . . . . . ثم توقف عن الحديث شاعرا بخجل من ذكراها التي ملكت جوانحه للحظات ماضية فكيف بعد أن تسبب في رحيلها عن الحياة يصفها بلفظ أجوف، بارد، عار من المشاعر ولكن من منظور جراحة متمرسة مثلها، بعض الجراح يجب أن تنكأ حتى تندمل ولا تعود للظهور مرة أخرى وكأن لسانها هو المبضع، تابعت دون خوف:

- لأنها كانت مناسبة . . . بس على أي أساس ناسبتك؟!
نکس رأسه وأقر بصدق:
- كانت مختلفة، عکس مرات جاسر الأولانية . . . عکس أمي الله يرحمها فابتعدت بعيناها بعيدا وتركته يغرق مرة أخرى بذكريات ماضيه المضني فهي أيضا غرقت بصراع يدور بداخلها، فالرجل الذي تعلقت به رغما عنها ليس فقط هارب بضمير مثقل بذنب زوجة راحلة بل ويعاني رهاب تکرار زيجة فاشلة كأخيه الأكبر والمرأة الأعظم بحياته لم تكن بحد ذاتها مثالا يحتذى به وقد رحلت منذ فترة قصيرة وانتشلها هو من الضياع بنتائج هذا الصراع قائلا بصوت حاول أن يضفي عليه المرح:

- بما أننا خسرنا السباق فأيه رأيك نشرب كوباية شاي على الفحم زي اللي شربناها من شوية فابتسمت له موافقة وسارت إلى جواره وعيناها لا تفارق وجهه الوسيم الذي كان يبتعد عنها بأنظاره خشية مواجهة أخرى وتصريحات تصيبه بعدم الراحة     منذ أن عادت مساء الأمس واستمعت لقراراته العنترية التي اتخذها بلحظة غضب أعمى لا يحق له وهي صامتة وداخلها دوامة لا مستقر لها غرقت بها متى تتخلص من شبح الأخرى ؟

كيف استکانت له واستسلمت ؟
أين أضحت بعد كل تنازلاتها ؟
والأهم ما مصيرها ؟
عليها بترتيب أوراق لعبتها من جديد واتباع خطة أخرى فالاستسلام والخنوع لشخص مثل جاسر يجب أن يقترن بحساب دقيق وإلا ضاعت وتلاشت ملامحها وأضحت تابعا لا أكثر برقت عيناها واتجهت نحو خزانة ملابسها وعندما تفشل حواء في إثارة إنتباه آدم تلجأ لخطة لا بديل لها ألا وهي اثارة غيرته جذبت ذاك الرداء الذي اشترته منذ شهور برفقة صديقتها الحميمة إنجي ولكنها آثرت عدم إرتداؤه كما نصحتها صديقتها خشية غضبه وحنقه وماكانت سوى دقائق حتى جلست أمام مرآتها العريضة تضع مساحيق التجميل بأصابع خبيرة وترسم شفتيها بلون الكرز اللامع وصورتها المنعكسة تزداد بهاءا ودلالا وإغراءة ولن تثير فقط غضبا وحنقا بل وغيرة يجب أن تكون في المقام الأول عليها وليس على سابقتها والغضب الوحشي المشتعل بعيناه الآن خير دليل أنها قد أصابت هدفها بدقة صياد محترف وصوته المرتفع بجنون يخبرها بكلمات لا مواربة فيها:

- إيه اللي أنت لابساه ده ورايحه بيه على فين إن شاء الله؟!
! ترجلت الدرجات الرخامية حتى تبقت لها واحدة فقط فظلت تحتلها حتى تكون بإرتفاع يكافئه قائلة ببسمة باردة:
- يهمك أووي، ليه تكونش بتغير عليا يا جاسر ؟
فرد بنبرة حارقة:
- أنت متجوزة راجل مش کيس جوافة باست هانم هزت رأسها بسخرية والتوت شفتيها بمرارة كلماته:
- مش دي الإجابة اللي كنت مستنياها فوضع يديه في جيوب سرواله خشية أن يفقد إتزان أعصابه وقال بنبرته التي أرسلت بأوصالها رجفة قاسية:
- وكنت مستنية مني إيه يا داليا ؟

فهمست بضعف أنثوي تملكها رغما عنها:
- إهتمامك، غيرتك عليا، تهد الدنيا عشاني زي ماهديتها عشان طليقتك ونجحت في إثارة المتبقي من رباطة جأشه فتملك ذراعها بقبضة قاسية قائلا بحدة:
- مايخصكیش پاداليا أنت دخلتي حياتي وأنت عارفة أنه فيه غيرك فاندفعت نحوه وتخلصت من قبضته بعنف قائلة:
- لكن ماعدتش فيه غيري ياجاسر، فيه أنا والجنين اللي أنا حامل فيه ظل صامتا لفترة ليست بالقصيرة ثم ابتسم لها وبعيناه تلمع بنظرة شيطانية وأخرج لفافة تبغ وبدأ في إشعالها بتلذذ قائلا بنبرة تحمل تهديدا خطيرا:

- أي محامي بتلاته تعريفه على كام شاهد على حفلاتك البايظة والفستان اللي أنت ناويه تخرجي بيه ده وشوفي أنهي قاضي هيسيب حضانة طفل بريء لأم مستهترة زيك ولكن تهديده لم يلقی صدا بداخلها إذ استيقظت شياطين أنثى شعرت ولثاني مرة بتاريخها معه بالدونية وعدم الأهمية فاتجهت نحوه بثبات وسحبت لفافة التبغ من فمه وألقتها أرضا ودعستها بحذائها المدبب قائلة بترفع:
- وماله، نجرب وسارت في طريقها نحو الخارج دون أن تلتفت نحوه مرة أخرى کابحة دموع لا تغفر ضعفها الذي تمكن منها أمامه لوقت طويل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة