قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الرابع والعشرون

رواية لعبة عاشق الجزء الثاني يسرا مسعد

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الرابع والعشرون

تأجيل المواجهة لن يمنع حدوثها كما أنها اشتاقت وبشدة لأحضان صغارها بذهن مشتت لملمت أشيائها وعزمت على التوجه لهم في الحال والاعتذار عن متابعة بقية الحالات التي قد ترد إليها استوقفها کریم قبیل انصرافها ببضع دقائق أثناء إجرائه مكالمة تليفونية قائلا بحزم:

- لحظة يادكتورة فتوقفت قدماها عن الحركة بتوتر بالغ وانتظرته حتى أنهى إتصاله وباغتته على الفور:
- أنا اعتذرت بقية اليوم وهبقى أعوضه بكرة إن شاء الله كان ينظر لها متعمقا داخل خبايا نفسها وقال بصوت هامس:
- هتروحي للولاد ؟

نظرت له بضيق متعجب، لقد أصبح مطلعا على تحركاتها بالرغم أنها لا تخبر أحدا بها، حتى أنها لم تعلم شيئا عن المواجهة التي حدثت منذ يومان فهزت رأسها صامتة، فتنحنح کریم بإبتسامة مضطربة قائلا:
- آسف، أنا فعلا بتدخل في اللي ماليش فيه، بس كنت حابب اتطمن عليكي فهزت رأسها وهي تتحرك بتعجل نحو الباب الرئيسي:
- ولا يهمك، أنا كويسة فسار لجوارها مشيرا لهاتفه:

- على فكرة ده كان واحد معرفه وهيخلص ورق المرور بإذن الله على بكرة أو بعده أنا بس وقفتك يمكن يعوز مني حاجة  تقوليهالي قبل ماتمشي فالتفتت له بإمتنان عميق وشعور داخلي بالخزي إذ أنها كانت جافة وقاسية بردود أفعالها على مدار اليومين السابقين معه ولكن ذلك لم يمنعه عن التحرك لصالحها فقالت بأسف عمیق:
- أنا متشكرة جدا یا کریم أنا تعباك معايا وأنت على طول متفهم فالتفت إليها وظل صامتا لبضعة ثوان حتى قال:

- أنا مش عايز اسمع الكلام ده منك تاني يا سالي، أنا مايهمنيش إلا أني أشوفك متطمنة تنهدت وهزت رأسها فأين لها بالطمأنينة والراحة؟!
وأشارت له بحركة من يدها مودعة وبالمقابل تلقت منه إبتسامة مشجعة كانت رفيق لها حتى وصلت القصر وتلقفت بأحضانها صغارها وقبلاتهم المتفرقة أشاعت في نفسها البهجة والسرور وأطفأت نار الاشتياق وبالمقابل أشعلت نار الحسرة والفقد وكأنما استشعر الصغار حاجة أمهم للهدوء والسكينة لم يلقوا إليها بكلمات اللوم والتقريع لغيابها عنهم بل جذبتها سلمى لتريها ما رسمته خلال الأيام الماضية فتلقفتها سالي بأحضانها وأجلست سلیم بالقرب منها وهي تطالع رسوماتها المضحكة قائلة:

- وريني رسمتي إيه ؟
فقالت سلمى بطفوليتها المحببة:
- ده أنا وأنت وسلیم وتیته مجيدة فدغدغدتها سالي قائلة:
- وأنا مالي طويلة أوي كده فضحكت سلمى وقالت:
- لاء ده عشان احنا وتيته قاعدين وأنت بس اللي واقفة فضحكت سالي وقالت:
- آه قولتيلي بقا ولكن سرعان ماغابت ضحكتها عندما أردفت سلمی:

- بصي دي كمان، دي أنت وبابا على البحر وأنا بعوم مع السمكة فقاطعها سليم ولم ينتبه لغياب بسمة أمه قائلا:
كفاية بقى يا سلمى خلي ماما تشوف عملت إيه بالمكعبات وقفز ليريها ما خبئه بجوار فراشه وعندما طالعته سالي حتى تراسمت معالم الدهشة والفرحة جنبا إلى جنب على وجهها قائلة- برافو ياسليم، جميل جداا، عملته کله لوحدك هز سليم رأسه بفخر إذ مضى وقتا طويلا في رص المكعبات ليشكل بها قصرا شبيها بالذي يسكنه وضحكت سالي وهي تقترب منه قائلة بذهول:

- ده أنت حتى الشجر عملته فقال سليم بعفوية:
- دي شجرة بابا، تیته سوسن قالتلي عليها تهرب من رسمة سلمى التي تحمل ذكري جاسر لتصطدم بمجسم سليم الذي يحمل بصمته وستظل تدور في دوائر لا نهاية لها ولا بداية إلا بجاسر نفضت عن رأسها أفكارها السلبية وقالت:

- ياله غيروا هدومكوا، عشان أنا عازما کوا على الغدا بره فقفز الصغيران بسعادة وابتسمت سالی ولكن سرعان ما غابت عنها بسمتها إذ قاطعها صوته بحزم قائلا:
- وأنا اللي جاي اتغدا معاكوا، خلاص نروح نتغدی کلنا بره سوا فالتفتت له شاحبة وهي تطالع ساعة الحائط بضيق لمحه جاسر بسهولة بالغة وقال بنبرة ذات مغزى وقد ضاقت عيناه في إنذار صريح أنه لن يقبل بالرفض- ياريت لو نتكلم خمسه في مكتبي عبال ما الولاد يغيروا.

وبإحدى مميزاته التي لا يختلف عليها إثنان وبشجاعة المواجهة التي لازالت تفتقر إليها باغتها بسؤال حاد المقاطع في اللحظة التي أصبحا بمفردهما في غرفة مكتبه:
- مين ده اللي كنت واقفة معاه أول امبارح ؟
ظلت تنظر له صامتة لوهلة وهي ترقبه بأعين واسعة حتى قالت بضيق بالغ:
- وأنت بأي حق تسأل وبأي حق أصلا تتهجم عليه ؟
فتسارعت خطواته نحو الباب وأغلقه بعنف أفزعها وقال وهو يشير بإبهامه محذرا:
- حذاري يا سالي، أنا لحد دلوقت متمالك أعصابي معاك فتوترت أوصالها وقالت بعند:
- هتعمل إيه ياجاسر هتضربني أنا كمان ؟

فزعق بها:
- ما تستفزنيش ياسالي عشان ماترجعيش تندمي وردي على السؤال، مين ده وإزاي توقفي تضحكي معاه في الشارع؟!
اتسعت عيناها بفرط الدهشة وفغر فمها للحظات وهي تطالع نسخته الغاضبة حتى قالت بهدوء جم لا تعلم كيف استحوذت عليه بل وأيضا بإصرار مطلق:
- ماعدتش من حقك أنك تدخل في أي شيء يخصني يا جاسر واقفة مع مين، بضحك مع مين، بخرج مع مين حتى، خلاص ماعدتش من حقك، زي ما أنت عايش حياتك أنا كمان عايشة حياتي فاقترب منها وبأنفاس مشتعلة كاللهيب قال:

- كل شيء يخصك من حقي يا سالي ولمصلحتك ماتعملش اللي أنا مش راضي عنه، عشان لحظة ماهترجعي هيكون حسابك عسير عن كل شيء خالفتيني فيه وربما ظنت أنها لن تندهش من شذوذ أفكاره وتقازم تواضعه بعد ماحدث لهما ولكنها لم تتوقع أنه قد يصل به لمستوى أبعد !  فضحكت برقة ولكنها لم تتمالكها كثيرا إذ اتسعت وتصاعدت نغمتها حتى قالت وهي تراقب أنظاره المستعرة بدهشته:

- أنا حقيقي مش فاهمة إزاي متوقع أني أرجعلك وأنت زي ما أنت ماتغيرتش . . لاء وبتهددني كمان ! فرد فورا:
- وعمري ماهتغير فهزت رأسها وهي توافقه الرأي:
- ده صحيح، أنت زي ما أنت فعلا، جاسر بشركاته، بفلوسه، بمراته الحامل، بحياته اللي عایشها بالطول والعرض . منغير مايفكر في اللي بيدوس عليه عشان يكمل هوا طريقه واقتربت منه بتحدي أعظم وهي تلكزه بأصبعها فوق صدره:
- لكن أنا اللي اتغيرت ياجاسر، أنا ماعدتش أقبل بأقل من الحياة اللي دلوقت عيشاها وتسارعت خطواتها للخلف في إشارة واضحة للإنصراف ونهاية الحديث بينهما وهي تقول:

- ومع الأسف أنت غير مرحب بيك في الغدا اللي أنا عازمة ولادي عليه واقترب هو منها بخطوات أسرع:
- قصدك ولادنا اللي أنا بكرم أخلاق مني سامحلك تشوفيهم حتی بعد تصرفاتك فقالت برفض سريع وهي تستدير مرة أخرى لتواجهه بهدوء:

- لاء مش کرم أخلاق منك، ده شرط وإتفاق بينا أنت ملزم بيه، كان شرط طلاقنا وراجع الشريط كويس ياجاسر ولو نسيت فأنا فاكرة كل كلمة ومشهد منه وعمرى ماهنساه وخرجت من الغرفة وقد أسدلت بكلماتها الأخيرة ستار نهاية المواجهة وهي تنادي بصوت مرتفع على طفليها لتجتذب كفوفهم الصغيرة نحو الخارج تحت مرأى عيناه التي تبعتهم كالصقر المتحين للإنقضاض على فريسته وهو يوقن بغضب مستعر بأعماقه أنه قد انسلت منه خيوط لعبته في غفلة منه في خضم الحياة وكثرة التفاصيل المحيطة بها قد تنسى أو تتغافل عن أشياء حتى تستطيع المضي قدما ولكنها لم تنسى أرقام هاتفه حتى بعدما مسحتها من ذاكرة الهاتف ظلت تنظر للأرقام التي تضيء شاشته حتى ردت بشجاعة تفتقر إليها في الواقع وجائها صوته مرحبا بتأنيب:

- أنا انتبهت إني مادتكیش عنوان الكافية بس استنيت تتصلي بيا على الأقل تنهدت آشري قائلة:
- سوري با زیاد بجد أنا مش عارفة أقولك إيه فهمس متخوفا:
- قولي اللي يخطر على بالك فورا یا آشري، أنت طول عمرك بتقولي الصدق تهدل كتفيها وأقرت بصدق:
- کنت هكذب وأقولك أن بابي تعبان وماقدرتش أتصل فرد بسرعة:
- والحقيقة عبثت بأطراف الأوراق التي تقبع أمامها وقالت:
- الحقيقة أننا بنعيد نفس السيناريو منغير ماندي لنفسنا فرصة نصلح أخطائنا فأقر بصدق نادم:

- أنا بدأت یا آشري أصلح كل أخطائي لكن كعادتي محتاجك جمبي تاخدي بإيدي ظلت آشري صامتة لفترة طويلة وهي لا تعلم بم تجيبه حقا، لقد فقدت القدرة على دفعه وتصحيح أخطائه إذ تبين لها بنهاية الأمر أنها كانت مخطئة تماما في توجهاتها نحوه، وكأنما لمس حیرتها بيده قال:
- خلينا نتقابل با آشري، الكلام علي التليفون مش هينفع     كان عازما على تجاهل مكالمتها التليفونية للمرة الرابعة على التوالي ولكن ماحثه على الرد، تلك الرسالة النصية التي يطالعها والتي تتضمن قرار لسفرا بلا عودة أتاها صوته بتحية مرتجفة، فقالت:

- یعني كان لازم أبلغك برسالة عشان ترد ؟
فتنهد ضائقا:
- إيه معنى اللى أنت كتباه ده یاریم ؟
هزت رأسها وهي تخط تقريرا طبيا موقعا بإسمها:
- ده قرار کنت مترددة فيه وأنت ساعدتني أخده فغمغم بدهشة:
- تسيبي مصر ؟
فأردفت بنبرة جادة:
- أنا طول عمري برة مصر وحتى لما كنت برجع ماكنتش بلاقي نفسي فقام وسار بضعة خطوات قائلا:
- وأنا اللي طفشتك النهاردة ضحكت برقة وقالت:

- أنت بتدي لنفسك حجم كبير أووي أنا لو صممت أني أقعد كنت قعدت لكن ده القرار الصح فهز رأسه بحيرة قائلا:
- أومال إيه حكاية أني ساعدتك تاخدي القرار ده، وليه دلوقت تركت الأوراق جانبا وقالت وهي تسرح بفكرها لمساء تلك الرحلة الصادم فزمت شفتيها وقالت بحسم:
- أنا اكتشفت أني أنا كمان کنت بهرب، بهرب من فكرة أننا مش مناسبين لبعض وأننا بنضيع وقت مش أكتر لذلك قررت أعيد تصحيح مسار حياتي وأركز في الوقت الحالي على شغلي وبس، ولا أنت شايف غير كده يا أسامة ؟

تاهت منه الأحرف وغربت عن سماء أفقه الكلمات وظل شاردا ولكنه بداخله يعلم أنها محقة هو لن يستطيع التمسك بها وإثنائها عن قرارها والتراجع عنه، إذ أنه لا يملك أدنى فكرة عما يكون الوضع بعدها بينهما فهو لا يملك نحوها تلك العاطفة الجارفة وأيضا لا يستطيع التخلي عنها بشكل حاسم ونهائي فهي بحقيقة الأمر لم تكن سوى لعبة كان يدور بها من حين الآخر، يهرب بها من واقع حياته المزرية ووطأة شعوره بالوحدة تنهدت وقالت:

- الرد وصل هتف بسرعة:
- ريم أنا . . . فقاطعته بحزم فوري لكأنما تلقي بأمرا غير قابل للنقاش:
- مستنياك النهاردة الساعة عشرة قدام بوابة المستشفى تسلم عليا . طائرتي الفجر، سلام       كان ممسكا هاتفه شاردا حتى بعدما نادته للمرة الثالثة فأخذت قرارا بالطرق على سطح مكتبه لعله يجيبها قائلة:
- جاسر فرفع رأسه إليها فزعا قائلا بحدة:
- فيه إيه بادرية؟!
رفعت حاجبيها تعجبا ليس لأنها ولأول مرة في تاريخها الطويل معه نسبيا تراه شاردا بل لأنها تلمح الحيرة بعيناه تصطرخ فقالت مشفقة:
- مالك ؟

عبس وقال بغضب يشبهه كثيرا ذاك الذي تلاقيه من صغيرها أيهم:
- ماليش، فيه حاجة عندك أنت ؟
طرقت برأسها قائلة وهي تتوقع الرفض الذي سوف تسوقه لأذن أبيها بأسف مبطن بفرحة:
- ممكن آخد بقية اليوم أجازة ؟
ولكنها خيب آمالها قائلا ببساطة:
- براحتك أنا كمان ماشي كمان شوية اتسعت عيناها بدهشة:
- الساعة لسه حداشر فتبسم لها متهكما:

- قولي لنفسك، عموما أنا دماغي مش رايقة، عايزة تقعدي براحتك عايزة تمشي استني أما أوصلك في سكتي قضبت جبينها وقالت وهي ترقبه بنظرات حادة:
- لا أنا هتصرف، هجهز بس شغل بكرة وأحول المكالمات وأمشي خرجت من غرفة مكتبه وهي شاردة هي الأخرى بحالته العجيبة ثم مالبثت أن وبخت نفسها فهي بغني عن الغرق في مشاكل الغير يكفيها ما تمر به وهاهو الهاتف يذكرها بأحدثها فردت بصوت جاهدت أن تجعله هادئا:

- أيوة يابابا ؟
 رد أبيها بسعادة بالغة:
- أنا عند الولاد ولبسوا وكله تمام هنعدي عليكي كمان نص ساعة بالظبط هزت رأسها قائلة:
- ماشي يا بابا ولو أنك كنت ممكن تروح معاهم منغيري عادي ضحك والدها وقال بصدق تام:
- ماتعمليهومش عليا يا درية أنا وأنت فاهمين كويس أصول اللعبة أغلقت عيناها لثوان وقالت بوقاحة دون الإهتمام بإثارة غضب- بصراحة اللعبة بوخت أووي وجائها الرد قاسيا:
- قولي لنفسك، طارق إنسان مايتعيبش وولادك مرتحانه وأنا مش هلاقيلك أحسن منه، زي مابتفكري في اللي يريحك فكري في راحة اللي حواليكي السكون ماكان يحتاج إليه حقا، فالضوضاء برأسه تكاد تذهب بعقله ذات مرة غزل خيوطا، أهملها لفترة فتشابکت صارت عقدة، فتقطعت عاد بغروره ليحكمها، والنتيجة أنها قد تناسلت من يده والإحتمالات كثيرة، وجميعها مرفوض كاد أن يخرج لفافة تبغ ويحرقها ليخفف من إشتعال رأسه ولكنه تذكر أنها كانت تكره رائحتها نظر لقبرها مليا وغمغم لها مؤنبا:
- لیه کتبتيلها الوصية ؟
كنت بتقربيها مني ولا بتخيرها تبعد عني؟!

أحقا؟!
أهذا ما وصل إليه ؟
 يلوم أمه المتوفية على فساد مسار حياته وفشله في الحصول على الراحة والاستقرار وبالنهاية فذلك لم يكن سوى من صنع يده قبض على كفه متألما موقنا أنه المخطأ وعليه تقع الملامة أفسد بغروره وكبريائه حياته وحياة أطفاله وما يدفع بعقله للجنون حقا ذاك السؤال الذي لا إجابة له متى امتلكت العند والشجاعة ل . . قاطع فكره المتسرسل بنفي لا، فالسؤال الصحيح من ؟
من يكون ؟
وماذا فعل ليغيرها ؟
وكيف استطاع ؟
وكيف تغافل هو عن أثره بنفسها ولم يدري مبكرا ما طرأ عليها من متغيرات ؟

قام وقد اشتعل الغضب بوجدانه من جديد ورغبة حارقة تتملكه في تلقين ذلك الفارع درسا لن ينساه ألقى السلام على أمه قبل أن يذهب بطريقه ولكن رنين هاتفه جعله يتوقف عن الحركة فأخرجه من جيبه ليطالع رقما غريبا عزم على تجاهله ولكن رنينه الملح الذي قد يوقظ الأموات من قبورهم جعله بضيق مبالغ:
- آلو . مين معايا ؟
فأتاه صوتا مرتجف لإمرأة تقول:
- أستاذ جاسر أنا إنجي صاحبة داليا، ممكن تيجي بسرعة، داليا في المستشفى      تخطت باب المركز بسرعة ومنه إلى غرفتها الخاصة ودهشت عندما طالعته يحتل المقعد الرئيسي بها فقالت متعجبة:

- صباح الخير يا كريم فابتسم لها بحبور قائلا:
- حبيت أستناكي هنا عشان أول ماتدخلي أخدك وننزل فورا كانت تهم بوضع حقيبتها جانبا ولكنها سرعان ما تراجعت قائلة بتوجس عابس:
- خير؟!
فضحك لها قائلا:
- أنت على طول قلقانة كده، كل خير يا سالي يالا بينا سارت خلفه وهي تضحك بتعجب:
- مش هتقولي على فين طيب ؟
أشار لها نافيا بيده وقال باختصار:
- ورايا ترجلا الدرج سویا وسارت برفقته حتى وصلا للشارع الخلفي وطالعت سيارتها الحديثة متوقفة وما أن اقتربا منها حتى استطاعت تميز اللوحات المعدنية المعلقة بها فالتفتت له بسعادة- خلصت الرخصة؟!
هز رأسه وابتسم لسعادتها الواضحة قائلا:

- طارق جبهالي الصبح بس لازم نعدي على المرور نخلص شوية ورق ونستلمها، هوا موصي علينا ناس معارفه تطلعت له بإمتنان:
- بجد يا كريم أنا مش عارفة أشكرك إزاي أشار للسيارة قائلا:
- أني أكون أول واحد يركبها وأنت اللي تسوقي، يالا بينا فتسائلت متعجبة وهي تفتح بابها الفضي اللامع:
- على فين ؟
جاورها بخفة وقال:
- الأول نخلص المرور وبعدين نطلع سوا على المركز نخلص شوية حاجات أنهيا خطوتهما الأولى في أقل من ساعة زمنية واتجهت بسيارتها نحو مقر المشروع الخيري الذي يتشاركانه وأمرها قبل أن تطأ أقدامها داخله أن تغمض عيناها فضحكت له قائلة:

- مفاجأة يعني، خلاص ماشي أطاعته حتى أمرها بفتح عيناها وما أن فعلت حتى صدرت منها ضحكة سعيدة مملؤة بدهشة بالغة تراقص قلبه طربا لها وهي تقول:
- مش مصدقة أنت لحقت تعمل كل ده أمتی؟!
أنا كنت لسه هنا إمبارح سارت بخطوات سريعة تتنقل بين الغرف التي أعدت بالكامل وطالعت الرسومات الكارتونية على حائط غرفة علاج الأطفال وأشار لها کریم لبقعة مجاورة:

- هنا لسه هنحط لعب، هتبقى بلاي أريا للأطفال عبال مايجي دورهم وأردف مشيرا لبقعة أخرى:
- كان نفسي أجهزة التعقيم تتسلم بدري عن كده لكن للأسف استلمتها الفجر والعمال اللي كانو معايا كانوا خلاص جابوا آخرهم من التعب حدقت به بدهشة بالغة:
- أنت كنت سهران هنا للفجر؟!
فضحك وهو يفرك عنقه قائلا بتوتر:

- أنا لسه ماروحتش من امبارح، أما الحاج مأنبني بكلمتين عشان مافطرتش معاه تأملته بشفقة بالغة:
- تعبت روحك أوي یاکریم ليه كل ده، كان ممكن يتأجل رفع أنظاره إليها وقال بعد برهة:
- فيه حاجات كتير أووي كنت مأجلها لحد ماعدتش ليها وقت وبصراحة بقيت أخاف من التأجيل ظلت تنظر له متحيرة وبفضول أنثوي لم تتمالكه مضت تنبش ماضيه دون أن تدري:

- زي إيه ؟
هز رأسه بألم وقال متفکها:
- عندك مثلا أسناني البايظة فضحكت سالي وقالت:
- دي لازم تشوف ليها حل فعلا عيب عليك ولكنه سرعان ماقال مقتنصا لفرصة قد لا تتكرر:
كمان والدتي الله يرحمها كان نفسها تشوف ولادي فهزت سالي رأسها بأسف وقالت:
- الله يرحمها، أنا كمان بابا ماشفش سلمی بس ماما على سبيل الراحة والوجع في نفس الوقت بتقولي هتبقى تحكيلو عنها عبث بمنتصف رأسه وقد تاه مجددا وشعر أنه لا سبيل لما يرجوه حقا حتى قال:

- ساعات كتير بنأجل قرارات ونرجع نندم على الوقت اللي ضيعناه لمعت عيناها وهي تلتفت حولها مشيرة بيدها:
- الصراحة ماعدتش أفكر في اللي فات كفاية الموجود دلوقت، كفاية أنك شجعتني على قرارات كتير فعلا أنا سعيدة بيها نظر لها وقد تملکت حواسه بالكامل إذ قال بأنفاس متهدجة:
- بالعكس باسالي أنا اللي اتعلمت منك أني آخد قرار وأنفذه ماستناش حسابات مابتخلصش . يمكن كنت بعرض عليكي أفكار لكنك بشجاعة كنت بتنفذي ضحكت متعجبة وقد احمرت وجنتها:
- بجد، وأنا اللي بحسب نفسي إما متهورة أو سلبية مابتحركش هز رأسه نافيا وقال:

- يمكن كنت کده في وقت من الأوقات، لكن أكيد دي فترة وعدت سرحت بأبصارها بعيدا وقالت بعد وهلة:
- فعلا، فترة وعدت والتفتت له وقد أخرج من جيب سترته علبة مخملية حمراء صغيرة وفتحها تحت أنظارها المتسعة لتطالع دبلة ذهبية غمرتها بالدهشة وحمرة الخجل في آن واحد ونبرة صوته الأبح تخاطب أذنيها إذ تاه عقلها بصدمته:
- أنا مش هستنى منك رد في الوقت الحالي، لأن ده بالذات قرار ماينفعش أستعجلك فيه بس ليا رجاء ابتلعت ريقها ورفعت أنظارها لتستقر على ملامح وجهه الراجية:
- أيا كانت مخاوفك خلينا نواجهها سوا، سواء ولادك أو طليقك أو نظرة الناس اللي ماتهمنيش بالمرة ياسالي استجمعت شتات نفسها وقالت برجاء مقابل:
- کریم . . . . فاقترب منها وقد أغلق العلبة ودفع بها لكنها الرقيق قاطعا ترددها وحيرتها:

- لو وافقتي هكون أسعد إنسان في الدنيا ولو لاقدر الله رفضتي هفضل جمبك ومش هسيبك إلا لما توافقي، عشان كل المخاوف اللي في دماغك واللي أنا عارفها كويس خصوصا بعد خناقة أول إمبارح ماتستاهلش منك تضيعي حياتك وحياتي عشانها ثم تركها لبحور حيرتها وانصرف وكلماته الأخيرة تشد من أزرها وجلست في المركز الخاوي تطالع العلبة الحمراء المغلقة بذهن مشتت والخوف بداخلها يصرخ بالرفض ولا رد سواه والعقل العنيد يدفع بها وما المانع؟!
فيجيبه القلب بل ألف مانع اللعبة قد طالت بالفعل وكلما عمدت للهرب أو التجاهل حاصرها بإصرار قوي واليوم كان سؤالا صريحا ولا تراجع عن إجابة شافية له وبالنهاية رضخ لقواعد اللعبة فقال بعزم واضح:

- أنا هستنا ردك عليا في خلال أسبوع یادرية هزت رأسها وقد سعدت بتلك الفرصة لتهرب من بين حصاره وتعود مرة أخرى لصغارها الذين يستمتعون باللهو بمايه الشاطىء الخاص الذي يحيط بمنزله الصيفي والتفتت لظل أبيها ولجواره زوجته التي تستمع بأشعة الشمس في رغبة للحصول على صبغة برونزية لاتدري بما تعود عليها وهي التي تفوقها عمرا وتماشت خطواتها بوقع خطوات أبيها لجوارها على رمال الشاطىء البيضاء والذي همس لها بحب جارف:
- ماتكرریش غلطتي يابنتي، بصي وراك هتشوفي فرحة في عيون ولادك محتاجين لأب يحتويهم فصرحت ولأول مرة بما يعتمل في صدرها من مخاوف:
- خايفة مالاقيش عندي حاجة أديهاله ساعتها الولاد هيدفعوا معايا التمن أمسك والدها بكفها بحزم يرافق عطفا:

- بيتهيألك يادرية، أنت متعودة على العطاء وطارق شخص مش متطلب ثم قال وهو يديرها نحوه بعدما ابتعدا عن أنظار الجميع:
- أنا عاوز اعترفلك بحاجة مهمة فأصغت لما سوف يلقيه على مسامعها فأردف قائلا:
- أنا كنت مصمم أني آخد الولاد بعد ماتتجوزي أنت وطارق ا ولكنه رفض فاتسعت عيناها دهشة وقالت بغضب بالغ:
- تاخد ولادي مني يابابا، إزاي يعني؟!
فأشار لها مهدئا:

- أنت بتسيبي المهم، طارق عنده رغبة شديدة جدا إنه يربي الولاد معاكي، وقالي باللفظ الواحد هكون سعيد أني أبقى أب ليهم فأنطفأت نار غضبها في الحال وشردت بأبصارها نحو أولادها وخوف غریزي يسيطر على حواسها وصدق قلب الأم كما يقولون فعندما عادوا إلي منزلهم بالمساء تلقفت ذراع طارق الصغير النائم بقلق ملتفتا لدرية التي كانت تترجل من السيارة قائلا:

- أظن أن أيهم سخن شوية فاندفعت بسرعة نحوه تتلمس جبهته وقالت بفزع:
- ده مولع فترجل والدها من سيارته بالمقابل قائلا:
- خير في إيه يا درية فتمسك طارق بزمام المبادرة قائلا:
- خير . . ماتقلقيش پادرية، أنا هاخده معاكي للمستشفى وخلي الولاد يطلعو مع جدهم والتفت لأبيها قائلا:
- ده بعد إذنك طبعا فدفع بها أبيها نحو سيارة طارق من جديد قائلا ليطمئنها:

- أنا هقعد معاهم لحد ماترجعوا وتطمنونا عليه مرت الدقائق ثقيلة عليها بالرغم من تمكن طارق من حجز کشفا سریعا بواسطة نفوذه ورفع الطبيب رأسه إليها قائلا:
- ده فيروس منتشر في الجو ماتقلقيش يامدام، أنا اديته خافض وفي خلال ربع ساعة الحرارة هتنزل عليكي بكمادات وخافض في البيت وراحة على الأقل اسبوع تنهدت بإطمئنان أخيرا وقالت للطبيب:
- بس ده كل ده ونايم ودي مش من عادته فطمأنها طارق:

- ماتنسيش أن اليوم كان طويل ومرهق، والسخونية عليها عامل و برضة هزت رأسها وهي تتجه لتحمله رافضة عرضه بحمله بدلا منها وخرجا سويا وانتظرته حتى يتمم إجراءات الانصراف وعزمت على شكره ورد أمواله إليه لاحقا، ولكن ما لجم لسانها وذهب بلون وجهها وترك آثار شحوبه عليه واضحة ذاك المشهد خلف الأبواب الزجاجية لأسامة والقابعة بأحضانه والأخير يهمس بأذنها بكلمات لم تصل إليها ولا حتی کلمات طارق الذي كان يخاطبها فدقات قلبها المحتقن بألمه كانت الأعلى صوتا وعقلها يترجم الأحداث لمعادلة رياضية بسيطة كما اعتادت دوما فالعمليات الحسابية جزء لا يتجزأ من أحداث حياتها اليومية رجل لجوارها يشد من أزرها ويتلقف أطفالها بالعناية والرعاية والآخر أمامها يتلقف أخرى بأحضان حميمة فالتفتت له فجأة وقالت:

- أنا موافقة فدهشت ملامح وجهه وارتسمت ابتسامة سعيدة أعلاه وفتحت عينا أيهم الصغير أخيرا وقال متعجبا:
- موافقة على إيه يا ماما ؟
فضحك له طارق بسعادته البالغة:
- بكرة تعرف يابطل وانصرفا سويا تاركين ورائهم مشهد الوداع خاصة المتعانقين حتى تلك اللحظات المشحونة

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة